روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

ب ميك

المدون

 

الأحد، 5 يونيو 2022

سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة - مكتب المعارف المؤلف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني

 

=

 

 

الكتاب : السلسة الضعيفة مجلد 13 كامل { السلسة الضعيفة مجلد 13 كامل 001}

.............. سلسلة الأحاديث الضعيفة ............
................ وأثرها السيء في الأمة ..............

....................... تأليف .....................
.............. محمد ناصر الدين الألباني ..............
...................... رحمه الله ......................

................... المجلد الثالث عشر ................
..................... القسم الأول ...................
.................. 6001 - 6307 ................
 
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الألباني ، محمد ناصر الدين
سلسلة الاحاديث الضعيفة - المجلد الثالث عشر ./ محمد ناصر
الدين الألبانى . - الرياض ، 1424 هـ
2 مج .
ردمك : 6 -7 - 9470 - 9990 (مجموعة)
4 - 8 - 9470 -9960 (ج 1)
1 - الحدبث الموضوع ... 2 - الحديث الضعيف ... ا. العنوان
ديوي 9 ، 232 ..... 6889/ 1424
.......................

  المقدمة :
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وبعد :
فهذا هو المجلد الثالث عشر من سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، وأثرها
السيئ في الأمة ". يخرج إلى عالم المطبوعات ليرى النور بعد عشرات السنين . يخرج
إلى قرائه ومنتظريه ، والراغبين فيه بمئات الأحاديث الضعيفة والموضوعة في مجالات
الشريعة المختلفة ؛ من العقائد ، والآداب والأخلاق ، والأحكام ، وغير ذلك مما سيراه كل
محب للعلم وأهله ، يخرج ليلحق بأمثاله من المجلدات السابقة ؛ ليكون المسلم على بينة
من أمر دينه ، فلا ينسب إلى نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يقله ، فيقع تحت وعيد قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كفى
بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع "، أو تحت وعيد قوله الآخر: " من كذب عليَّ
متعمداً فليتبوأ مقعده من النار "، وحتى لا يقع المسلم في الضلال والبدعة ، ويصرفَ
جهده ووقته فيما لم يشرعه الله ورسوله ، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً !!
وسيرى القارئ الكريم تحت أحاديث هذا المجلد - كسابقه - الكثير والكثير من
الأبحاث والتحقيقات الحديثية ، والردود العلمية القوية ، والفوائد والتنبيهات الخفية ؛ كل في
مكانه ومناسبته ، وخذ أمثلة على ذلك الأحاديث : (6003 ، 6005 ، 6006 ، 6016 ،
6027 ،6058 ،6065 ،6090 ،6093 ،6103 ،6106 ،6107 ،6116، 6121 ،6133 ،
6193 ،6145 ،6156 ،6167 ،6187 ،6205 ،6213 ،6215 ،6224 ،6228 ،6231 ،
6235 ، 6236 ، 6239 ،6250، 6263 ، 6270 ، 6288 ،6309، 6318، 6328 ،6330،
6334 ، 6335 ، 6336 ،6345 ،6350، 6366، 6371 ، 6376 ، 6385 ، 6390 ، 6397 ،
6398 ، 6399 ،6409 ،6417 ، 6429 ، 6439 ، 6453 ، 6465 ، 6479 ، 6489 ، 5 649) . 


وبطبيعة الحال ؛ فإن هذا المجلد -كسابقه - لم يراجعه الشيخ المراجعة الأخيرة لتهيئته
للطباعة ، ولو فعل لزاد وأفاد ، ولذلك ؛ وجدنا بعض الملاحظات على هذا المجلد ، منها
- بل أهمَها- أننا وجدنا عدداً من الأحاديث لم يُثَبِّتْ عليها الشيخ - رحمه الله - الحكم
المختصر قبل التخريج - كعادته - ، فوضعنا الحكم المناسب عليها من خلال في دراسة الشيخ
لطرقه وتحقيقه ، مع الرجوع إلى بعض إخواننا طلاب العلم في ذلك ، وإليك أرقام هذه
الأحاديث كلها : (6011 ، 6014 ، 6029 ،6038 ، 6043 ، 6089 ، 6131 ،6156 ،
6193 ، 6195 ،6201 ، 6242 ، 6304/ م ،6312 ، 6338 ، 6407 ، 6416 ، 6440،
6482 ، 6484 ، 6487 ، 6498) .

ووجدنا - أيضاً - بعض الأحاديث أخذت الرقم المكرر قبلها ، ففصلنا اللاحق عن
السابق بوضع [ / م ] بعد الرقم المكرر ، ولم نعدِّل الأرقام ، لأن الشيخ - رحمه الله - كان
يُحيل عليها في كتبه الأخرى ، فتيسيراً على الباحث تركناها كما هي ، وهذه الأحاديث
هي : (6163 ، 6302 ، 6304 ) .

وأخير" لا يفوتنا التوجه بالشكر إلى كل من كانت له يد في إنجاز هذا العمل
العظيم في جميع مراحله ؛ بما فيه عمل الفهارس العلمية المختلفة على نحو ما كانت
تصنع في حياة الشيخ - رحمه الله - ؛ فجزاهم الله خيراً ، وشكر لهم .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، والحمد لله رب
العالمين .

12 من رمضان 1423 هـ
الناشر

(13/4)


6001 - ( من مات له ولدٌ ، ذكرٌ أو أنثى ، سلَّم أو لم يسلِّم ، رضي
أو لم يرضَ ، لم يكن له ثواب إلا الجنة ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "الكبير" (10/105/10034) و"الأوسط " (2/
52/1 - 2/5883) ، وابن عدي (5/1779) من طريق عمرو بن خالد الأعشى عن
مُحِل بن مُحْرِز الضبيّ عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود ... مرفوعاً .
قلت : وهذا موضوع ، آفته عمرو بن خالد الأعشى ، قال ابن حبان في
"الضعفاء" (2/79) :
"يروي عن الثقات الموضوعات ، لا يحل الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار" .
وقال ابن عدي - وكنّاه بأبي حفص - :
"رواياته غير محفوظة" . وقال أبو نعيم :
"روى عن هشام بن عروة الموضوعات" .
قلت : وقد اضطرب في إسناده على وجوه :
الأول : هذا .
الثاني : قال : عن سليمان الأعمش عن إبراهيم ... به . فذكر ( الأعمش) ...
مكان ( مُحِل) .
أخرجه ابن عدي .
الثالث : قال محمد بن عبيد المحاربي : ثنا أبو حفص الأسدي عن ياسين
الزيات عن إبراهيم ... به .
فذكر ياسين الزيات - وهو متروك - مكان (مُحِل) و(الأعمش) .

(13/5)


أخرجه الطبراني (10035) .
قال الحافظ :
"قلت : فرق ابن عدي بين عمرو بن خالد أبي حفص الأعشى هذا ، وبين
عمرو بن خالد ابي يوسف الأعشى ، فزاد في ترجمة أبي يوسف أنه أسدي ،
وساق في ترجمة أبي حفص عدة أحاديث ، وفي ترجمة أبي يوسف من طريق
الحسن بن شبل العبدي :ثنا عمرو بن خالد الأسدي الكوفي : ثنا هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في فضل العنب والخبز مرفوعاً ، ثم قال هذا
بهذا الإسناد باطل موضوع ، والبلاء من أبي يوسف ، ولم يحضرني له غير هذا
الحديث .انتهى كلامه " .
قلت : أقر الحافظ ابنَ عدي على التفريق المذكور ! وأنا أرى أنهما واحد ، بدليل
رواية الطبراني في الوجه الثالث ، فقد جمع فيهما بين كنيته ( أبي حفص) - وهي
للأول اتفاقاً - ، وبين نسبته ( الأسدي) - التي هي لأبي يوسف عند ابن عدي - ،
فدل على أنهما واحد ، ويبقى الفرق بين الكنيتين ، فيمكن أن تكون إحداهما
خطأ من بعض الرواة - وهو الظاهر - ، لأن الحسن بن شبل العبدي - الذي روى عنه
وكناه بهذه الكنية - متهم ، كما يأتي في الحديث التالي .
ثم رأيت الذهبي مال في "المغني" إلى أنهما واحد .
والحديث أورده الهيثمي في " المجمع" (3/10) بزيادة في متنه بلفظ :
"صبر أو لم يصبر" .من رواية الطبراني في "الكبير" و "الأوسط" ، وقال :
"وفيه عمرو بن خالد الأعشى ، وهو ضعيف ،وبقية رجاله ثقات" .
قلت : وليس لهذه الزيادة أصل في "المعجمين" ولا في غيرهما .

(13/6)


6002 - ( عليكم بالمُرَازَمةِ . قيل وما المُرَازَمةُ ؛ قال : أكلُ الخبزِ مع
العِنَبِ ، فإن خيرَ الفاكهةِ العِنَبُ ، وخيرَ الطعامِ الخُبزُ ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (5/1778) - ومن طريقه ابن الجوزي
في "الموضوعات" (2/288) - ومن طريق الحسن بن شبل العبدي البخاري : ثنا
عمرو بن خالد الأسدي الكوفي قال : ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
قالت : ... فذكره مرفوعاً . وقالا :
"هذا الحديث بهذا الإسناد موضوع ، والبلاء من عمرو بن خالد هذا " .
قلت وزاد ابن الجوزي :
"وقال ابن حبان :يروي عن الثقات الموضوعات ، لا يحل الرواية عنه " .
ووافقه السيوطي في "اللآلي" (2/211) ، وابن عراق في "تنزيه الشريعة"
(2/235) ، والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (160/479) .
قلت والحسن بن شبل العبدي ، قال الذهبي في "الميزان" :
شيخ معاصر للبخاري ، كذبه ابن شاذويه ، وذكره السليماني في جملة من
يضع الحديث " .
قلت :ومما سبق تعلم تساهل الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (2/370)
[في قوله] :
"رواه ابن عدي ، وإسناده ضعيف" !

6003 - ( قُلِ اللهم ! احفظني بالإسلامِ قاعداً ، واحفظني بالإسلام
قائماً ، واحفظني بالإسلام راقداً ، ولا تُطع فيّ عَدُوّاً حاسداً ، أعوذُ بك
مِنْ شرِّ ما أنت آخذ بناصيته ، وأسألك من الخيرِ الذي بيدك كلِّه ) .

ضعيف .
أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (2/143/930) ، وكذا البخاري

(13/7)


في "التاريخ" (4/2/235/2846) ، والفسوي في "التاريخ" (1/403 - 404 ) من
طريق مُعَلَّى بن رُؤْيَةَ التميمي - وهو الحمصي - عن هاشم بن عبد الله بن الزبير :
أنَّ عمر بن الخطاب أصابته مصيبة ، فأتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فشكا إليه ذلك ،
وسأله أن يأمر له بوَسَقٍ من تمر ، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"إن شئت ، أمرن لك بوسق من تمر ، وإن شئت ، علمتك كلمات هي خير
لك" .
ُقال : علِّمنيهنَّ ومُرْ لي بوسق ، فإني ذوحاجة إليه . فقال : ... فذكره .
والسياق لابن حبان ، وقال :
"توفي عمر بن الخطاب وهاشم بن عبدالله بن الزبير ابن تسع سنين " .
قلت : فهو - إذن - لم يدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بل هو تابعي صغير ، أورده ابن حبان
قي "الثقات" (5/513) من رواية العلاء (!) بن رؤية التميمي ، وقال :
"قديم الموت" .
فإذا جمعنا بين قوله هذا ، وقوله المتقدم أنه كان ابن تسع سنين يوم توفي
عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نخرج بأنه مات صغيراً .والله أعلم .
ثم هو مجهول فإنه ذكره البخاري وابن أبي حاتم من رواية المعلى هذا فقط ،
وكذلك هو في "الثقات" ! لكن وقع فيه ( العلاء) ! وكذلك في "ترتيب
الثقات" للهيثمي ! ويبدو أنه تحرف على المؤلف فيه ... والصواب ما في إسناد
الحديث ، لموافقته لما في كتابي البخاري وابن أبي حاتم في ترجمة هاشم هذا .
وكذا وقع عندهما في ترجمة (المعلى) نفسه ، وذكر البخراي (4/1/396) أنه روى
عنه رجاء بن حيوة ، وأورده في (الكنى) أيضاً (73/684) ، وقال "

(13/8)


"أبو المعلى بن رؤية" .
كذا ولم يزد وكذلك أورده ابن أبي حاتم في (الكنى) (4/2/443) دون
(الأسماء) - تبعاً للبخاري - ، ولكنه انتقده ، فقال :
"فسمعت أبي يقول : إنما هو المعلى بن رؤية ، وهو شامي . يروي عن ابنٍ لعبدالله
ابن الزبير . روى عنه الزهري ، وأرطأة بن المنذر " .
قلت : ويبدو أن ابن أبي حاتم لم يقف على ذكر البخاري إياه في الأسماء كما
ذكرت آنفاً ، وإلا لنبه عليه ، ولَذَكره هو أيضاً في (الأسماء) ، ولم يفعل ، وأن
البخاري لما أورده بذاك الاختصار الشديد كأنه يشير إلى أنه رواية وقعت له .
وأما ابن حبان ، فلم يورده مطلقاً لا في (الكنى) ولا في (الأسماء) ، لا باسم
(المعلى) ولا باسم (العلاء) ، فهو مجهول الحال . والله أعلم .
وبالجملة ، فالحديث ضعيف ، لجهالة روايه هاشم بن عبدالله ، فإذا كان ابن
حبان روى حديثه لأنه عنده ثقة ، فما باله أخرجه وهو منقطع عنده ، والمنقطع لا
تقوم الحجة به كما هو معلوم في "مصطلح الحديث" ، وصرح به ابن حبان نفسه
في مقدمة "الثقات" (1/12) ؟!
وقد روي الحديث من طريق أخرى : يرويه عبدالله بن صالح :حدثني الليث
ابن سعد : حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي الصّهْباء عن
عبدالرحمن بن أبي ليلى : أخبره ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
أنه كان يدعو :
"اللهم ! احفظني ..." الحديث نحوه في آخره ، وخالفه في أوله كما ترى ،
جعله من دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس من أمره لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - .

(13/9)


أخرجه الحاكم (1/525) ، وقال :
"صحيح على شرط البخاري" ! ولم يتعقبه الذهبي إلا بقوله :
"قلت : أبو الصهباء لم يخرج له البخاري "!
قلت : قال الذهبي في "الكاشف" :
"أبو الصهباء الكوفي : عن سعيد بن جبير ، وعنه حماد بن زيد وعدة ، ثقة" .
وقال أيضاً في عبدالله بن صالح - وهو أبو صالح المصري ، كاتب الليث - :
"فيه لين" . وقال الحافظ :
"صدوق كثير الغلط ، ثَبْتٌ في كتابه ، وكانت فيه غفلة" .
وسعيد بن أبي هلال : كان اختلط .
ثم رأيت الحديث في "كتاب الدعاء" للطبراني (3/1474/1475) ، أخرجه
من الوجه المذكور ، ولكن وقع فيه : ( ابي المصفى) ... مكان (أبي الصهباء) ، فرأيت
أنه لا بد من التنبيه على أن هذا هو الصواب ، وأن ما في المستدرك " [هو] من
(الأوهام الكثيرة) التي وقعت فيه ، فإن (أبا المصفى) هوالذي ذكروا في ترجمته
أنه روى عن ( ... ابن أبي ليلى ) ، وعنه (سعيد بن أبي هلال) ... دون ( أبي
الصهباء) ، وَهُوَ مَجْهُولٌ ، كما قال الذهبي والعسقلاني .
وقد أخرج له النَّسائي في " عمل اليوم والليلة" (431/705) حديثاً آخر في
فضل قراءة {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد} ، من طريق عمرو بن
الحارث عن سعيد بن أبي هلال ... به .
ومن طريق النسائي أخرجه المزي في ترجمة (أبي المصفى) ، ولكم يذكر فيه

(13/10)


شيئاً آخر مما يؤكد أنه مجهول .
وإذا عرفت هذا ، فقد أخطأ المعلقون على "موارد الظمآن" بتحسين حديث
الترجمة فإنهم تجاهلوا حال (معلى بن رؤية) ، فلم يتعرضوا له بذكر ! وزادوا في
الطين بِلَّة أنهم ذكروا حديث ابن مسعود شاهداً له ! غافلين أو متجاهلين أنه شاهد
قاصر ، لأنه ليس فيه قصة عمر وطلبه الوسق ، ولا أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه بالدعاء ، فضلاً
عن غفلتهم عن التحريف الذي وقع في اسم الراوي (أبي الصهباء) ! وكم لهم من
مثل هذا !!

6004 - (قُلْ : سُبْحَانَ الملكِ القُدُّسِ ، ربِّ الملائكةِ والرُّوحِ ، جلَّلْتَ
السماواتِ والأرضَ بالعزَّةِ والجَبَروتِ ) .
منكر .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (2/46/476) ، والطبراني في "المعجم
الكبير" (2/24/1171) ، وابن السني في "عمل اليوم واليلة" من طريق محمد
بن أبان : ثنا دَرْمَك بن عمرو عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب :
أن رجلاً اشتكى إلى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوحشة ، فقال : ... فذكره .
أورده العقيلي في ترجمة درمك ، وقال :
" لا يتابع على حديثه ، ولا يعرف إلا به . كوفي ) . وقال ابن أبي حاتم عن أبيه :
"منكر الحديث ، ومع ذا مجهول" .
وأبو إسحاق - وهو : السبيعي - كان اختلط ، إلى كونه مدلساً .
ومحمد بن أبان : الظاهر أنه : محمد بن أبان بن صالح القرشي الكوفي ، قال
الذهبي في "الميزان" :

(13/11)


"ضعفه أبو داود وابن معين . وقال البخاري : ليس بالقوي " . وبه أعله الهيثمي ،
فقال ( 10/128) :
رواه الطبراني ، وفيه محمد بن أبان الجعفي ، وهو ضعيف" .
قلت : ومن رواية الطبراني أورده ابن القيم في "الوابل الصيب" ساكتاً عنه !
وتبعه المعلق عليه الشيخ إسماعيل الأنصاري ، وكل تعليقاته تدل على أن بضاعته
في هذا العلم مُزْجاة !

6005 - ( نَهى أن يُمشى في نَعْلٍ واحدٍ ، أو خُفٍّ واحدٍ ، ويَبِيْتَ
في دارٍ وَحْدَه ، أو يَنْتَفِضَ في بَرازٍ من الأرضِ إلا أن يَنْحَنِي (!) ، أو
يَلْقَى عَدُوّاً إلا أن يُنَحِّي عن نَفْسِهِ ) .
موضوع بهذا التمام .
أخرجه الطبراني في "الكبير" - والسياق له - (12/23
- 24) ، وابن عدي في "الكامل" (5/1777) من طريق عبدالصمد بن عبدالوارث :
ثنا ابي عن حسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت عن
سعيد بن جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... مرفوعاً . وقال ابن عدي :
" وأن ينام في طريق ، وأن ينتفض في براز وحده حتى يتنحنح(!) ، أو يلقى
عدواً وحدَه إلا أن يضطر ، فيدفع عن نفسه " .
ورواه أحمد (1/321) من هذا الوجه ، لكن سقط من إسناده عمرو بن خالد ،
ولم يسُق منه إلا الفقرة الأولى منه ، وقد أشار ابنه عبدالله إلى سائر الفقرات
وإلى علة الحديث ، فقال عقبه :
"وفي الحديث كلام كثير غير هذا ، فلم يحدثنا به ، وضرب عليه في كتابه ،
فظننت أنه ترك حديثه من أجل أنه روى عن عمرو بن خالد الذي يحدث عن زيد

(13/12)


ابن علي ، وعمرو بن خالد لا يساوي شيئاً " .
قلت : وفي هذا الكلام اختصار ، جعل الشيخَ أحمد شاكر في تعليقه على
"المسند" (4/341) يتساءل فيقول - بعد أن صحح إسناد حديثه - :
"ولسنا ندري لِمَ ضربَ الإمام الإمام أحمد على هذا الحديث ، وما نظن ما ظن ابنه
عبدالله ، فأن يروي الراوي الثقة عن راوٍ ضعيف لا يكون مطعناً فيه ، وكم من ثقات
كبار رَوَوْا عن ضعفاء" .
قلت : هذا كلام سليم ، لكن الذي ظنه عبدُالله ليس هو الذي دفعه الشيخ
أحمد ، وإنما أُتي من جهة أنه وقع في "المسند" قوله : "روى ..." على البناء للمعلوم ،
أي : روى الراوي ، وهوالحسن بن ذكوان ، وهو ثقة .فأرى أنه إذا كان هذا الواقع
محفوظاً ، أن يكون المعنى : من أجل أنه روى الحسن عن عمرو بن خالد هذا
الحديث - أي : في بعض الروايات عنه - ولا بد من هذا التقدير ، لأسباب :
أولاً : ما تقدم من رواية الطبراني وابن عدي الصريحة بما ذكرتها .
ثانياً : لقد ساق له ابن عدي أحاديثَ أخرى عن الحسن عن حبيب بن أبي
ثابت ، فقال ابن عدي :
"هذه الأحاديث التي يرويها الحسن عن حبيب ، بينهما عمرو بن خالد ،
ويسقطه الحسن بن ذكوان من الإسناد لضعفه" .
ثالثاً : قال عبدالله بن أحمد في " العلل" ( 2/78/469) - ورواه عنه العقيلي
في "الضعفاء" (3/268) ، وقد صححت منه بعض الأخطاء - :
"ذكرت لأبي حديث عبدالصمد عن أبيه عبدالوارث عن الحسن بن ذكوان عن
حبيب بن أبي ثابت - فذكره كما في "المسند" - ؛ قال أبي : هذا حديث منكر . قيل

(13/13)


له : إن غير عبدالصمد يقول ، عن عبد الوارث عن الحسن عن عمرو بن خالد عن
حبيب ؛ قال أبي عمرو بن خالد ليس يسوى حديثه شيئاً ، ليس بثقة" .
قلت :فهذا صريح في المعنى الذي ذكرته ، فلا بد من المصير إليه .
ومما تقدم من قول ابن عدي _ أن الحسن بن ذكوان يُسقِطُ عمرو بن خالد من
الإسناد لضعفه - يتبين أنه ينبغي أن يوصف بالتدليس ، وما رأيت من وصفه
بذلك (*)
وبالجملة ، فالحديث موضوع ، لأن مداره على عمرو بن خالد هذا ، وقد
قال فيه أحمد وغيره :
"كذاب" .
لكن الجملة الأولى منه صحت من حديث جابر وأبي سعيد ، ولذلك أوردتها
في "صحيح الجامع" (6722) .
والجملة الثانية جاءت من حديث ابن عمر ، وهو مخرج في "الصحيحة"
(رقم 60) ، لكن في حفظي أن أحد المشتغلين بهذا العلم ذهب إلى أنها شاذة ، ولم
يتيسر لي بعد أن أدرس ذلك حتى يتبين لي الصواب .
__________
(*) قد نقلَ الشيخُ - رحمه الله - في "السلسلة الضعيفة" (2/340) عن الحافظ ابن
حجر قوله فيه في "التقريب" : صدوق يخطئ ، كان يدلِّس " ، وقال عقب هذا النقل :"وقد
عنعن هنا" .
ثم تعقب الشيخُ - رحمه الله - الهيثميّ في توثيق الجسن هذا "وسكوته عما قيل فيه من
التضعيف ، والوصف بالتدليس" . وهذا نصه بحروفه .
وفي آخر ترجمة الحسن هذا من "تهذيب التهذيب"ما يشير إلى وصفه بالتدليس فانظره
هناك . (الناشر) .

(13/14)


وكما فات هذا التحقيق الشيخَ أحمد شاكر ، فات أيضاً الحافظَ الهيثمي ،
فإنه بعد أن نقل قول عبدالله المتقدم في "المسند" قال :
"ورجال أحمد والطبراني رجال (الصحيح) " !

6006 - ( إني لأحسَبُ إحداكنَّ إذا أتاها زوجُها لَيَكْشِفانِ عنهما
اللِّحافَ ، ينظرُ أحدُهما إلى عورة صاحِبهِ كأنهما حِماران ، فلا تفعَلْنَ ،
فإنَّ اللهَ يمقُتُ على ذلك ) .
منكر جداً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/248) قال : حدثنا
يحيى بن أيوب / ثنا سعيد بن أبي مريم : أنا يحيى بن أيوب عن عبيدالله بن زحر
عن علي بن يزيد (1) عن القاسم عن أبي أمامة قال :
بينما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً جالس وعنده إمرأة ، إذ قال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"إني لأحسبُكنَّ تخبرنَ بما يفعلُ بكُنَّ أزواجُكنَّ"!
قالت : - إي والله ! - بأبي وأمي أنت يا رسول الله ! إنا لنفتخر بذلك! فقال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"فلا تفعلن ، فإن الله يمقت من يفعل ذلك" .
قلت : وهذا الإسناد ضعيف مظلم ، فيه ثلاثة متكلم فيهم ، وخيرهم القاسم ، وهو
ابن عبدالرحمن أبو عبدالرحمن صاحب أبي أمام ، وقد قال ابن حبان في عبيدالله
ابن زحر(2/62) :
__________
(1) كتبَ الشيخُ - رحمه الله - في الأصل بخطه فوق عبيدالله بن زحر : "مختلفٌ فيه ،
صدوقٌ يخطئ" ، وفوق علي بن زيد : "ضعفه جماعةٌ ولم يُترك ، ضعيف" .

(13/15)


"منكر الحديث جداً ، يروي الموضوعات عن الأثبات ، وإذا روى عن علي بن
يزيد ، أتى بالطامات ، وإذا اجتمع في إسنادِ خبرٍ عبيدُالله بن زحر وعلي بن يزيد
والقاسم أبو عبدالرحمن ، لا يكون ذلك الخبر إلا مما عملت أيديهم" .
وفي "المجمع" (4/294) :
"رواه الطبراني ، وفيه علي بن يزيد ، وهوضعيف" .
وقلَّده الشيخ عبدالله الدويش رحمه اله فيما سماه :" تنبيه القاري على تقوية
ما ضعفه الألباني" فقد انتقد فيه (رقم الحديث 107) تضعيفي - في "الإرواء"
(1/102/64) - لحديث الترمذي :
"إياكم والتعري ، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط ، وحين يفضي
الرجل إلى أهله ، فاستحيوهم وأكرموهم" .
فقد ذهب هو إلى أن الأقرب أنه حسن ، لما له من الشواهد ، ثم ذكر منها هذا ،
وهو كما ترى لا يصلح للشهادة ، لا سنداً ولا متناً !
أما السند : فقد عرفت وهاءه .
وأما المتن : فلأنه ينهى عن التعري عند الجماع .
وأما المشهود له : فلأنه إنما ينهى عنه في غير حالة الجماع والغائط ، فاختلفا .
وهذا من الأدلة الكثيرة على أن هذا المنتقِد لا فقه عنده ، ونقد الأحاديث
لا بد فيه من الفقه ، والمعرفة بأصول علم الحديث ، والمذكور - مع اعترافي بسعة
اطلاعه وحفظه ، فهو - لا علم عنده بالحديث الشاذ والمنكر ، ولا بما يشترط في
الحديث الذي يصلح للاستشهاد ، ولا يعرف أن هناك في (الصحيح) ما
هو منتقد ، أو يعرف ذلك ولكنه لا يتبناه - ولا أقول : يجحد - ، فهو من هذه

(13/16)


الحيثية فقط كذاك المصري الجاهل الجاني ، ولكنه أوسع منه اطلاعاً على متون
الأحاديث ، مع سلامة لسانه ، وحسن قصده في النقد إن شاء الله تعالى ، وانظر
الحديث المتقدم(2243) .
ثم إن مَن دون ابن زحر ثقات رجال الشيخين ، غير يحيى بن أيوب شيخ
الطبراني وهو العلاف الخولاني - ، وهو من شيوخ النسائي ، وقال فيه :
"صالح" . وقال الحافظ في "التقريب" :
"صدوق" .
وقد خولف ، فقال البزار في "مسنده" (1/169/1448) : حدثنا عمر بن
الخطاب السجستاني : ثنا سعيد بن أبي مريم : ثنا يحيى بن أيوب قال : حدثني
ابن (الأصل : أبو) زحر - يعني : عبيدالله بن زَحْر - عن يحيى بن أبي كثير عن
أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ :
"إذا أتى أحدكم أهله ، فليستتر ، فإنه إذا لم يستتر ، استحيت الملائكة فخرجت
وبقي الشيطان ، فإن كان بينهما ولد ، كان للشيطان فيه نصيب" .وقال البزار :
"لا نعلمه مرفوعاً إلا بهذا الإسناد عن أبي هريرة فقط ، وإسناده ليس بالقوي" .
قلت : وذلك لحال عبيدالله بن زحْر كما سبق ، وقد قال ابن عدي في آخر
ترجمته (4/1633) بعد أن ساق له أحاديث :
"وله غير ما ذكرت ، ويقع في أحاديثه ما لا يتابع عليه ، وأروى الناس عنه
يحيى بن أيوب من رواية ابن أبي مريم عنه" .
قلت : وهذه الرواية تختلف عن الأولى إسناداً ومتناً - كما هو ظاهر - ، فلا
أدري إذا كان الاختلاف ممن دون ابن زحر ، أو منه نفسه - كما أرجح - ، لأن مَن
.

(13/17)


دونه ثقات أيضاً ، فإن الخطابيَّ - هذا - حالُه كحال الخولاني ، فقد ذكره ابن حبان
في "الثقات" ، وقال :
"مستقيم الحديث" . وقال الحافظ أيضاً "
"صدوق" .
ويؤيد ما رجحت : أن هناك اختلافاً آخر في إسناده ، فقال الطبراني في
"الأوسط" (1/12/2/177 - بترقيمي) : حدثنا أحمد بن حماد - زُغْبَة - قال : ثنا
سعيد بن أبي مريم قال :ثنا ابن أيوب عن عبيدالله بن زحر عن ابي المنيب عن
يحيى بن أبي كثير ... به . وقال :
"لم يروه عن يحيى إلا أبو المنيب الجرشي ، ولا عنه إلا عبيدالله بن زحر ،
تفرد به يحيى بن أيوب" .
وأحمد بن حماد هذا من شيوخ النسائي أيضاً ، وقال أيضاً :
"صالح" . ووثقه غيره .
قلت : فهذا وجه آخر مما اضطرب في إسناده عبيد الله بن زحر ، ذكر فيه بينه
وبين يحيى بن أبي كثير : ( أبا المنيب) .
وأبو المنيب هذا مجهول ، أورده البخاري في "الكنى" ( 70/659) ، وابن أبي
حاتم (4/2/440) من رواية ابن زحر عنه ، وسكتا عنه ! وذكره العراقي في "ذيل
الميزان" (478) وساق هذا الحديث عن يحيى ، وقال :
"روى به أبو أحمد الحاكم في "الكنة" ، وقال : هذا حديث منكر ! عبيدالله بن
زحر منكر الحديث ، وأبو المنيب رجل مجهول" .
قال الحافظ عقبه في "اللسان" :

(13/18)


"أقره شيخنا هذا ، وما أظنه إلا الجرشي ، لأنه شامي" .
قلت : ويعني أن ابن زحر الرواي عنه . وما ظنّه غيرُ لازم ، والجرشي أعلى
طبقةً منه ، روى عن جمع من الصحابة ، وهو مترجم له في "التهذيب" و"ثقات ابن
حبان" (5/564) ، و"تاريخ ابن عساكر" ، انظر "تيسير الانتفاع" .
قلت : ويتلخص مما تقدم أن الحديث اضطرب عبيدالله بن زحر في إسناده ،
فتارة جعله من حديث أبي أمامة - بلفظ حديث الترجمة - ، وتارة جعله من حديث
أبي هريرة - باللفظ الآخر - .
فهو حديث واحد جعلهما الشيخ عبدالله الدويش حديثين تبعاً لراويه ابن
زحر الواهي ! ثم جعلها شاهدين لحديث الترمذي المتقدم - مع بُعْد ما بينه
وبينهما ! - ، فهو يؤكد ما وصفته به 'تفاً ، وأنه حوَّش قماَّش ، رحمه الله .
وحديث أبي هريرة : أورده الهيثمي في "المجمع" (4/293) ، وقال :
رواه البزار والطبراني في "الأوسط" ، وإسناد البزار ضعفه [هو] ، وفي إسناد
الطبراني أبو المنيب صاحب يحيى بن أبي كثير ، ولم أجد من ترجمه ، وبقية
رجال الطبراني ثقات ، وفي بعضهم كلام لا يضر" !
كذا قال!

6007 - (إنّه مَسَّه شيءٌ من عذابِ القبرِ ، فقال لي : يا محمدُ !
فَشَفّعتُ إلى ربِّي أن يُخَفِّف عنه إلى أن تجِفَّ هاتان الجَرِيدتانِ ) .
منكر جداً .
أخرجه الحافظ الذهبي في ترجمة (عبدالمنعم بن بشير أبي الخير
الأنصاري) بسنده عن يعقوب الحافظ عنه : حدثنا أبو مودود عبد العزيز بن أبي
سليمان عن رافع بن أبي رافع عن أبيه قال :

(13/19)


كنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جنازة ، إذ سمع شيئاً في قبر ، فقال لبلال :
"ائتني بجريدة خضراء" فكسرها باثنتين ، وترك نصفها عند رأسها ونصفها
عند رجليه ، فقال له عمر : لم يا رسول الله فعلت هذا به ؛ قال : ... فذكره .
وقال الذهبي - وأقره العسقلاني - :
"هذا حديث منكر جداً لا نعلم رواه غير أبي الخير .وشيخه أبو مودود القاصُّ
من المعمَّرين ، والنُّساك المذكورين ، وثقه أحمد ... [وغيره] ، قال الختلي : سمعت
ابن معين يقول :
"أتيت عبدالمنعم فأخرج لي أحاديث أبي مودود نحواً من مائتي حديث
كذب ، فقلت : يا شيخ ! أنت سمعت هذه من أبي مودود ؛ قال نعم . قلت : اتقِ
الله ! فإن هذه كذب . وقمت ، ولم أكتب عنه شيئاً " . وقال الخليلي في "الإرشاد" :
"هو وضاع على الأئمة" . واتهمه أحمد بالكذب .
قلت : وعلق له البيهقي حديثاً في "كتاب القراءة خلف الإمام" (114/268
مطبوعة أشرف بريس / لاهور) يرويه عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه
عن جده عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال :
صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما صلاة الظهر فقرأ معه رجل من الناس في نفسه ،
فلما قضى صلاته ، قال :
" هل قرأ معي منكم أحد ؛" (قال ذلك ثلاثاً ) ، فقال له الرجل : نعم ، يا
رسول الله ! أنا كنت أقرأ بـ {سبح اسم ربك الأعلى } ،قال :
" ما لي أنازع القرآن ؛ ! أما يكفي أحدكم قراءة إمامه ؛ إنما جعل الإمام ليؤتم
به فإذا قرأ فأنصتوا " . وقال البيهقي :

(13/20)


"وعبدالمنعم ذكره ابن عدي الحافظ في "الضعفاء" وقال : له أحاديث مناكيرُ لا
يتابع عليها .
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، من الضعفاء المشهورين الذين جرحهم مُزَكُّو
الأخبار : مالك بن أنس فمن بعده" .
قلت : وقد كنت ذكرته شاهداً في "صفة الصلاة" ( 94 - الطبعة الخامسة) - وفي
غيرها ، نقلاً عن "الجامع الكبير" للسيوطي - ، وكذلك فعلت في "الإرواء" ، لكني
قلت فيه (2/39) :
"وسكت السيوطي عليه ، وما أراه يصح" .
ولقد صدق ظني بعد أن وقفت على إسناده ، فلينبه على ذلك من كان عنده
"الإرواء" وَليُحذفْ من "صفة الصلاة" كما فعلت في الطبعة الجديدة منه - نشر
مكتبة المعارف في الرياض - .
وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إنما جعل الإمام ليؤتم به ... " إلخ ، فله شاهدان - أحدهما في مسلم -
مخرجان في "الإرواء" وإن حكم البيهقي عليها بالشذوذ ، فلم ينشرح الصدر
لحكمه ، لما له من المتابعات ، فراجع فيه الرقم (394) .
ثم إن حديث الترجمة له أصل في "صحيح مسلم" (8/235) من رواية جابر
ابن عبدالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعاً بلفظ :
"إني مررت بقبرين يعذبان ، فأحببت بشفاعتي أن يرفَّه عنهما ما دام الغصنان
رطبين" .

(13/21)


6008 - ( رَفْعُ الأَيْدِي مِنَ الاِسْتِكَانَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى :
{فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} ) .
موضوع .
أخرجه بن حبان في "الضعفاء" (1/177) ، وابن أبي حاتم - كما
في "تفسير ابن كثير" - وعنه الحاكم (2/537 - 538) ، وعنه البيهقي في "سننه"
(2/71 - 72) من طريق وهب بن إبراهيم القاضي : ثنا اسرائيل بن حاتم
المروزي عن مقاتل بن حيان عن الاصبغ بن نُباتة عن على قال :
لما نزلت هذه السورة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك
وانحر ... } قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل :
"ما هذه النَّحيرة التى أمرني بها ربي عَزَّ وَجَلَّ ؛ قال إنها ليست بنَحيرة ، ولكنه
يأمرك إذا تحرَّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت ، وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك
من الركوع ! فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السماوات السبع . وإن
لكل شيء زينةً ، وزينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة" . وقال : قال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
أورده ابن حبان في ترجمة إسرائيل بن حاتم المروزي ، وقال :
"شيخ يروي عن مقاتل بن حيان الموضوعات ، وعن غيره من الثقات الأوابد
والطامات ، وعن ما وضعه عليه عمر بن صبح ، كأنه كان يسرقها منه ... " .
ثم ساق له هذا الحديث ، وقال عقبه :
" وهذا متن باطل ، إلا ذكر رفع اليدين فيه . وهذا خبر رواه عمر بن صبح عن
مقاتل بن حيان ، وعمر بن صبح يضع الحديث ، فظفر عليه إسرائيل بن حاتم ،
فحدث به عن مقاتل " .

(13/22)


وذكره الذهبي ملخصاً في "الميزان" ، وزاد عليه الحافظ في "اللسان" ،
فقال :
"وذكره الأزدي فقال : لا يقوم إسناد حديثه . ووهب بن إبراهيم القاضي
ذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه جرحاً . ومقاتل هو ابن حيان وأَصْبَغُ بن نُباتة ضعيف " .
وفيما ذكره نظر من وجوه :
الأول : أن الذي في ترجمة وهب هذا من "الجرح والتعديل" (4/2/29) أنه
قال فيه :
" وهو صدوق ثقة" . فلعل هذا لم يقع في نسخة الحافظ من "الجرح"!
ثم إن الذي فيه : ( الفامي) ... نسبة إلى (فامية) ... مكان : (القاضي) ، وكذا
وقع في "ضعفاء ابن حبان" ، فالله أعلم ، فإن السمعاني وكذا ياقوت لم يورداه في
(فامية) ، وهي بلدة في واسط .
الثاني : أنه اختلط عليه مقاتل بن حيان بمقاتل بن سليمان ! فإن هذا هو
الضعيف ، أما الأول ، فثقة من رجال مسلم ، ومن العجيب أن الحافظ نفسه قد نبه
على مثل هذا ، فإنه قال في ترجمة الأول من "التقريب" :
"صدوق فاضل ، أخطأ الأزدي في زعمه أن وكيعاً كذّبه ، وإنما كذّب الذي
بعده" . يعني ابن سليمان .
الثالث : اقتصاره على قوله : "ضعيف" في أصبغ بن نباتة ! فإنه أسوأ من
ذلك ، فقد قال في "التقريب" :
"متروك ، رمي بالرفض" .

(13/23)


وبالجملة ، فهذا الإسناد ظلمات بعضها [فوق بعض] ، والمتن باطل - كما قال
ابن حبان - ، وتبعه ابن الجوزي ، فأورده في "الموضوعات" (2/98 - 99) ، وحكى
بعض كلامه المتقدم وقال :
"حديث موضوع ، وضعه من يريد مقاومة من يكره الرفع ، والصحيح يكفى" .
يعني : ما ثبت في "الصحيحين" - وغيرهما من سُنّيّةِ رفع اليدين - يغني عن
هذا الحديث الموضوع . وقال قبل ذلك :
"وقد روى حديث في نصرة مذهبنا إلا أنه ليس بصحيح ، وفى الصحيح ما
فيه غُنْيَةٌ عن الاستعانة بالباطل ، وهو ..." .
ثم ساقه من طريق الدارقطني عن ابن حبان . وأقره السيوطي في اللآلئ"
(2/20) ، ونقل عن البيهقي أنه قال :
"ضعيف" .
والذي في الموضع المشار إليه في "سننه" إنما هو الإشارة إلى ضعفه .
ثم نقل عن الحافظ ابن حجر أنه قال في تخريجه :
"إسناده ضعيف جداً" .
ولما سكت عليه الحاكم ، تعقبه الذهبي بقوله :
"قلت : إسرائيل صاحب عجائب لا يعتمد عليه ، وأصبغ شيعي متروك عند
النسائي" .
ثم إن في استثناء ابن حبان رفعَ اليدين من إبطاله لمتن الحديث نظراً عندي ،
لأن كونَ الرفع ثابتاً من فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يستلزم ثبوت ما في الحديث من تفسير

(13/24)


الآيتين بالرفع ، كما هو واضح إن شاء الله تعالى ، فلعله مطلق الرفع الذي لا علاقة
له بالآيتين .
ثم ليُنظر هل الرفع الثابت عنده وعند ابن الجوزي يشمل الرفع مع كل تكبيرة
- كما هو صريح هذا الحديث - ، أم القصد الرفع الثابت عند الركوع والرفع منه وعند
القيام إلى الركعة الثالثة ؛ فإن كان الأول - وهو الأصح الثابت في أحاديث أخرى - ؛
فهوإشارة منهما لترجيح الأول ، وإن كان الآخر ؛ ففي الاستثناء نظر ؛ كما هو
ظاهر . والله أعلم .
والحديث - قال ابن كثير - :
"منكر جدّاً " .

6009 - ( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ! إِذَا سَمِعْتُنَّ أَذَانَ هَذَا الْحَبَشِيِّ وَإِقَامَتِهِ ؛
فَقُلْنَ كَمَا يَقُولُ ، فَإِنَّ لَكُنَّ بِكُلِّ حَرْفٍ أَلْفَ أَلْفَ دَرَجَةٍ . فَقَالَ عُمَرُ :
هَذَا لِلنِّسَاءِ ؛ فَمَا لِلرِّجَالِ ؛ قَالَ : ضِعْفَانِ يَا عُمَرُ ! ) .
منكر جداً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/16/38) من طريق
بَكْر بن عَبْدِالْوَهَّابِ : حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بن جَعْفَرٍ عَنْ عُقْبَةَ بن كَثِيرٍ عَنْ خِرَاشٍ
عَنِ ابْنِ عَبْدِاللَّهِ عَنْ مَيْمُونَةَ :
أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَقَالَ : ... فذكره . وزاد :
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ ، فَقَالَ :
"إِنَّهُ لَيْسَ مِنِ امْرَأَةٍ أَطَاعَتْ وَأَدَتْ حَقَّ زَوْجِهَا ، وَتَذْكُرُ حُسْنَهُ ، وَلا تَخُونَهُ فِي
نَفْسِهَا وَمَالِهِ ؛ إِلا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّهَدَاءِ دَرَجَةً وَاحِدَةً فِي الْجَنَّةِ ، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا
مُؤْمِناً حَسَنَ الْخُلُقِ ؛ فَهِيَ زَوْجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِلا زَوَّجَهَا اللَّهُ مِنَ الشُّهَدَاءِ " .

(13/25)


قلت : وهذا إسناد ضعيف مظلم ؛ ما بين ميمونة وبكر بن عبدالوهاب ؛ كلهم
لا ذكر لهم في شيء من كتب الرجال .
وله عند الطبراني (24/11/15) طريق أخرى من طريق منصور بن سعد عن
عباد بن كثير عن عبدالله الجزري عن ميمونة مختصراً جدّاً بلفظ :
قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَصف النِّسَاءِ ، فَقَالَ للنِّسَاءِ :
" إِذَا سَمِعْتُنَّ أَذَانَ هَذَا الْحَبَشِيِّ ؛ فَقُلْنَ كَمَا يَقُولُ " .
قلت وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ عباد بن كثير - وهو البصرؤي - : قال الحافظ
في "التقريب" :
"متروك" . وقال الهيثمي في "المجمع" (4/308) - بعد أن ساقه على السياق
الأول - :
"رواه الطبراني بإسنادين : في أحدهما عبدالله الجزري عن ميمونة ، وفيه
منصور بن سعد ؛ ولم أعرفه ، وفيه عباد بن كثير ؛ وفيه ضعف كثير ، وقد ضعفه
جماعة ، وبقية رجاله ثقات . والاسناد الآخر فيه جماعة لم أعرفهم " .
وذكر نحوه في مكان آخر (1/332) ؛ لكنه قال في "الجزري" :
"ولم أعرفه ، و عباد بن كثير ؛ وفيه ضعف" !
وقوله في الجزري مقبول ؛ بخلاف قوله المتقدم في منصور بن سعد ؛ فإنه
معروف ، وهو ثقة من رجال البخاري ، بصري . وقوله المتقدم في عباد بن كثير
أقرب إلى الصواب .
والحديث أورده المنذري في "الترغيب" (1/113) برواية الطبراني الأولى ، وقال :
"وفيه نكارة" .

(13/26)


ولقد كان من البواعث على تخريج الحديث هنا وتحرير القول فيه أنني سمعته
في ضحى هذا اليوم (الأربعاء 22 جمادى الأولى سنة 1410) من الإذاعة
السعودية ، فتمنيت أن تتميز عن سائر الإذاعات بأن يختار المتكلمون فيها
الأحاديث الثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لينشروا على الأمة الثقافة الصحيحة النافعة !

6010 - ( قَبَّلَ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ عَلَى خَدِّهِ بَعْدَمَا مَاتَ ، وَلا نعْلَمُ
قَبَّلَ أَحَداً غَيْرَهُ ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/343/855) من طريق
عبدالرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب : حدثني أبي عن أمه
عائشة بنت قدامة بن مظعون : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ وله علتان :
الأولى : عبدالرحمن بن عثمان - هذا الحاطبي ، قال الذهبي في "الميزان" - :
"مُقِلّ ، ضعفه أبوحاتم الرازي " .
قلت : ونص كلامه في كتاب ابنه (2/2/264) :
"ضعيف الحديث ، يَهُولُني كثرةُ ما يُسْنِد !" .
وأما ابن حبان ؛ فذكره في "الثقات" (8/372) !
وبه أعله الهيثمي ؛ فقال في "المجمع" (9/302) :
" ... وهو ضعيف" .
والأخرى :أبوه - عثمان بن إبراهيم الحاطبي - ، قال الذهبي في "الضعفاء" :
"لا يحتج به ، وله مناكير " . وقال ابن أبي حاتم (3/1/144) :

(13/27)


28
"سألت أبى عنه ؛ فقال : روى عنه ابنه عبد الرحمن أحاديث منكرة . قلت :
فما حاله ؛ قال : يكتب حديثه ولا يحتج به " .
قلت : وذكره ابن حبان في "الثقات" (5/154 ، 159) .
وقصة التقبيل : قد رواها سفيان وغيره عن عاصم بن عبيد الله عن القاسم بن
محمد عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
أخرجه ابن أبي شيبة (3/385) ، وابن سعد (3/396) .
وعاصم هذا ضعيف ؛ ولذلك كنت ضعفت الحديث في "المشكاة" ، ثم في
"الإرواء" وغيرهما ، ولكني كنت قويته في "أحكام الجنائز" (ص 21) ، بشاهد
حسن نقلته عن "مجمع الزوائد" ،وهو عنده من رواية البزار ، فلما طبع "زوائد
البزار" للهيثمي المسمى بـ "كشف الأستار" ؛ أمكننا الوقوف على إسناده فيه
(1/383/809) :
حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي ثنا يونس بن محمد : ثنا العمري عن
عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال :
« رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل عثمان بن مظعون » . قال الهيثمي (3/20) :
"رواه البزار ، وإسناده حسن" !
كذا قال رحمه الله ! وما كان يسعني قبل الوقوف على إسناده إلا الاعتماد
عليه وعلى أمثاله ؛ على القاعدة التي كنت جريت عليها في بعض كتبي - مثل
"صحيح الجامع" ، و"صحيح الترغيب" وغيرها - ، والآن وقد اطلعت على إسناده ؛
فهو مخطئ في تحسين إسناده :
أولاً : لما عرفت من ضعف عاصم .

(13/28)


وثانياً : لمخالفةِ العمريِّ - واسمه : عبدالله بن عمر - سفيانَ الثوريّ في إسناده ،
ولا سيما وهو ضعيف أيضاً ؛ لسوء حفظه ، فلا يصلح الاستشهاد به - كما وهو ظاهر - ؛
ولذلك فقد رجعت عن تقويته ؛ فينقل من "صحيح ابن ماجه" وغيره .

6011 - (إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ الْمَوْتَ إِنِّي أُرِيتُكِ زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ ) .
ضعيف (*) .
أخرجه أبو حنيفة في "مسنده" (137 - الطبعة الأولى ) - ومن
طريقه الطبراني في "المعجم الكبير" (23/39/98) - عن حماد عن إبراهيم عن
الأسود عن عائشة ... مرفوعاً .
وأخرجه أبو يوسف في "الآثار" (210/933) عن أبي حنيفة عن حماد عن
إبراهيم ... مرفوعاً . لم يجاوز إبراهيم ؛ فأعضله .
وأبو حنيفة رحمه الله معروف عند أئمة الحديث بالضعف - كما تقدم بيانه
تحت الحديث المتقدم برقم (458) - .
وله طريق أخرى - لكنها أسوأ من الأولى - أخرجها ابن أبي حاتم في "العلل"
(2/375) من طريق الْمُعَلَّى بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِالْحَمِيدِ بن جعفر عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ، وَعَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ : ... فذكره .
وقال عن أبيه :
" هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ ، وَالْمُعَلَّى مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ "
قلت : وكذبه بعضهم ، انظر ترجمته تحت الحديث (678 و 1993) .
وله طريق ثالث بلفظ :
__________
(*) مال الشيخ رحمه الله إلى تقويته أخيراً . انظر "الصحيحة" (2867) . (الناشر) .

(13/29)


"إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ أَنِّي رَأَيْتُ بَيَاضَ كَفِّ عَائِشَةَ فِي الْجَنَّةِ" .
أخرجه أحمد (6/138) : ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ إِسْحَاقَ
ابنِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف . رجاله ثقات رجال الشيخين ؛ غير مصعب هذا ،
لم يرو عنه غير إسماعيل هذا - وهو ابن أبي خالد - ؛ فهو في عداد المجهولين ؛ فقد
أورده ابن أبي حاتم (4/1/305) ولم يسمِّ جده ، وقال :
" ... القرشي روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ مرسل . روى عنه إسماعيل بن أبي
خالد " .
وذكر ابن حبان نحوه ، ولكنه اضطرب في طبقته ؛ فمرة أورده في "طبقة
التابعين" (5/412) من روايته عن عائشة ، ومرة أورده في "أتباع التابعين" ،
وقال :
"يروي المراسيل" .
وقد صح عنه مرسلاً : فقال ابن سعد في "الطبقات" (8/65) : أخبرنا يزيد
ابن هارون : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب بن إسحاق بن طلحة قال :
أُخْبِرت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ... فذكره نحوه ؛ دون لفظ : "بياض" .
وبالجملة ؛ فالحديث ضعيف بهذا اللفظ ، وإنما يصح منه أنها زوجته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
الجنة . ثبت ذلك عن جمع من الصحابة ، فانظر "صحيح البخاري" رقم (3771 ،
3772) .
(تنبيه) : هذا الحديث لم أره في "مجمع الزوائد" ، وهو من شرطه !

(13/30)


6012 - ( مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ [ و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ] دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ
مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلا الْمَوْتُ ) .
باطل بذكر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"
(8/134/7532) ، ومن طريقه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/152/1) .
قال الطبراني :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْحَسَنِ بن كَيْسَانَ الْمِصِّيصِيُّ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن بِشْرٍ الطَّرَسُوسِيُّ .
وثَنَا عَمْرُو بن إِسْحَاقَ بن الْعَلاءِ بن زِبْرِيقٍ الْحِمْصِيُّ : حَدَّثَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بن
إِبْرَاهِيمَ .
وثَنَا مُوسَى بن هَارُونَ [ : حَدَّثَنَا هَارُونُ ] بن دَاوُدَ النَّجَّارُ الطَّرَسُوسِيُّ ، قَالُوا : ثَنَا
مُحَمَّدُ بن حِمْيَرٍ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره وقال :
"زَادَ مُحَمَّدُ بن إِبْرَاهِيمَ فِي حَدِيثِهِ : وَ{قُلُ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} " .
قلت : ومحمد هذا هو ابن إبراهيم بن العلاء الدمشقي أبو عبدالله الزاهد ؛
أورده الذهبي في "الميزان" ، وقال :
"قال الدارقطني : كذاب . وقال ابن عدى : عامة أحاديثه غير محفوظة . وقال
ابن حبان : لا تحل الرواية عنه إلا عند الاعتبار ، كان يضع الحديث " . ثم قال :
" قلت : صدق الدارقطني رحمه الله ، وابن ماجة فما عرفه " . يعني : إذ روى
له في "سننه" وهو من شيوخه . وقال الحافظ في "التقريب" :
"منكر الحديث " .

(13/31)


قلت : فالعجب منه كيف سكت عنه في "النتائج" ! بل أوهم أنه حديث
حسن بهذه الزيادة! بل ذلك ما فهمه ابن علان في "شرح الأذكار" للنووي ؛ فقال
- عقب حديث آخر في قراءة {قل هو الله أحد} عشر [مرات] دبر كل صلاة
مكتوبة ، تقدم الكلام عليه برقم (654) - :
"وجاء حديث قراءتها مع آية الكرسي فِي حَدِيثِ أبي أمامة الباهلي ، وهو
حديث حسن أخرجه النسائي في (الكبرى) ... " .
وأقول : الحديث حسن ؛ بل صحيح ؛ دون ذكر {قل هو الله أحد} ، كما في
رواية الطبراني من الطريق الأولى والثالثة ، وبهذا أخرجه أيضاً في "الدعاء"
(2/1104/675) ، لكن وقع فيه : حدثنا موسى بن هارون ( : ثنا هارون) بن داود
النجار الطرسوسي ... إلى آخره ، ولم يذكر المعلق عليه من أين أخذ هذه الزيادة
التي بين الهلالين ، وهي زيادة صحيحة استدركتها من "المعجم الأوسط " للطبراني
(2/209/2/8234 - بترقيمي ) .
وكذلك أخرجه الدارقطني في "الأفراد" - كما رواه ابن الجوزي في "الموضوعات"
(1/244) - ، ومن طريقه السيوطي في "اللآلي" (1/230) من طريق عبدالله بن
سليمان [بن] (*) الأشعث : قال حدثنا هارون بن زياد (كذا !) النجار ، وعلي بن
صدقة الانصاري ، قالا : حدثنا محمد بن حمير ... به ؛ دون الزيادة .
وكذلك أخرجه النسائي في "اليوم والليلة" (100) ، وابن السني أيضاً من
طرق أخرى عن محمد بن حمير ... به . وتقدم تخريجه في "الصحيحة" (972) .
فاتفاق كل هذه الطرق على رواية الحديث دون الزيادة ، وتفرد ذاك الكذاب
بها دونهم لأكبر دليل على نكارتها وبطلانها . يضاف إلى ذلك عدم ورودها في
__________
(*) في أصل الشيخ رحمه الله تعالى دونها ؛ والتصحيح من "الموضوعات" و "الآلي" .

(13/32)


الشواهد التي ذكرها السيوطي في "اللآلي" - وإن كانت لا تخلو من ضعف - .
فالعجب أيضاً من الحافظ الهيثمي ؛ فإنه ذكر الحديث في "المجمع" (10/102)
بهذه الزيادة ، وقال :
"رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بأسانيد ، وأحدها جيد "!
فلم يفرق بين روايته الصحيحة ، والرواية الباطلة ! وهو في ذلك تابع للمنذري
في "الترغيب" (2/261) ، وتبعهما في ذلك جمع ؛ منهم : الشوكاني في "تحفة
الذاكرين" (ص 117) ، وصاحبنا المعلق على "المعجم الكبير" ، والدكتور فاروق في
تعليقه على "عمل النسائي" ، وأخونا الشيخ الفاضل مقبل بن هادي الوادعي في
تعليقه على "تفسير ابن كثير" (1/546 - الكويت ) ، فضلاً عن ذاك الجاهل في ما
أسماه "صحيح صفة الصلاة ... " ! فإنه ذكر فيه (ص 233) أنه يُسنُّ قراءة {قل
هو الله أحد} مع المعوذتين ، ثم نقل نحوه عن "مجموع النووي" (3/486) ولم
يذكر الحديث !
وفي الحديث علة أخرى ، وهي جهالة عمرو بن إسحاق بن العلاء بن زبريق
الحمصي شيخ الطبراني ؛ فإني لم أجد له ترجمة ، وهو على شرط ابن عساكر في
"تاريخ دمشق" ، فلم يترجمه ! والله أعلم .

6013 - ( لا يَنْتَطِحُ فيها عَنْزانِ ) .
موضوع .
أخرجه القضاعي في"مسند الشهاب" (2/46/856) ، وكذا ابن عدي
(6/2156) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل" (1/175) ، وابن عساكر في "تاريخ
دمشق" (14/768 - المدينة) من طريق محمد بن إبراهيم بن العلاء الشامي :
حدثنا محمد بن الحجاج اللَّخمي أبو إبراهيم الواسطي عن مجالد بن سعيد
عن الشعبي عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال :

(13/33)


هجت امرأة من بني خطمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهجاء لها ، قال : فبلغ ذلك النبيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فاشتد عليه ذلك ، وقال : « من لي بها ؛ » ، فقال رجل من قومها : أنا يا
رسول الله ! وكانت تمّارة ؛ تبيع التمر ، قال : فأتاها ، فقال لها : عندك تمر ؛ فقالت :
نعم . فأرته تمراً ، فقال أردتُ أجود من هذا . قال : فدخلت لتريه . قال : فدخل
خلفها ونظر يميناً وشمالاً ، فلم ير إلا خِواناً ، فعلا به رأسها حتى دمغها به ، قال :
ثم أتى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : يا رسول الله ! قد كفيتُكَها . قال : فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« إنه لا ينتطح فيها عنزان » ، فأرسلها مثلاً .
وقال ابن عدي - وتبعه ابن الجوزي - :
"هذا مما يتهم بوضعه محمد بن الحجاج " .
قلت : وهو كذاب خبيث ؛ كما قال ابن معين ، وهو واضع حديث الهريسة ،
وقد تقدم (690) ، وقبله حديث آخر له موضوع .
والراوي عنه محمد بن إبراهيم الشامي ؛ كذاب أيضاً ؛ كما تقدم بيانه في
الحديث الذي قبله ؛ ولكنه قد توبع : أخرجه الخطيب في "التاريخ" (13/99) من
طريق مسلم بن عيسى - جار أبي مسلم المُسْتَمْلي - : حدثنا محمد بن الحجاج
اللخمي ... به .
ذكره في ترجمة ابن عيسى هذا ، ولم يزد فيها على أن ساق له هذا الحديث ،
فهومجهول العين . والله أعلم .
والحديث ؛ علقه ابن سعد في "الطبقات" (2/27 - 28) بأتمِّ مما هنا ، والظاهر
أنه مما تلقاه عن شيخه الواقدي ، وقد وصله القضاعي (2/48/858) من طريقه
بسند آخر نحوه .

(13/34)


لكن الواقدي متهم بالكذب ؛ فلا يعتدُّ به .
وأورد منه الشيخ العجلوني في "كشف الخفاء" (2/375/3137) حديث
الترجمة فقط من رواية ابن عدي ، وسكت عنه ؛ فأساء !

6014 - ( يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ ، وَ يُسْمِعُهُمُ
الدَّاعِي ، ثم ينادي : سيعلم الجمع لِمَنِ العِزُّ والكرمُ ! (ثلاث
مرات) ، ثم يقول : أين الذين كانت {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} الآية ؟ ثم ينادي : سيعلم أهل الجمع لمن
العز والكرم ! ثم يقول : أين الذين كانت {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ
ذِكْرِ اللَّهِ} ؟ (ثلاث مرات) ، ثم يقول : أين الحمادون الذين كانوا
يحمدون الله ؟ ) .
ضعيف. أخرجه الحاكم (2/399) ، وأبو نعيم في "الحلية" (2/9) من طريق
أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن عبدالله بن عطاء عن عقبة بن عامر قال :
كنا نتناوب الرَّعْيَةَ ، فلما كان نوبتي ؛ سرحتُ إبلي ، فجثت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهو يخطب ، فسمعته يقول: ... فذكره. وقال الحاكم:
"صحيح، وله طرق عن أبي إسحاق". ووافقه الذهبي !
وأقول : له علل :
الأ ولى : اختلاط أبي إسحاق- وهو: السبيعي-.
الثانية : جهالة عبدالله بن عطاء ؛ فقد فرَّق الذهبي في "الكاشف" بينه وبين
عبدالله بن عطاء الطائفي ؛ خلافاً للحافظ في "التهذيب" و "التقريب" ؛ فجعلهما
واحداً ، وقال:

(13/35)


"صدوق ؛ يخطئ ويدلس " .
والظاهر ما صنعه الذهبي ، وسبقه ابن أبي حاتم ، ومن قبله البخاريُّ . وخالفهما
ابن حبان ؛ فإنه لما أورده في اتباع التابعين من "ثقاته" (7/41) ونسبَه مكياً ؛ قال :
"وهو الذي يروي عن عقبة بن عامر ؛ ولم يره" .
وذكره في التابعين أيضاً (5/33) مؤكذاً أنه لم يَرَ عقبة .
وسواء كان هذا أو ذاك ؛ فهو منقطع . وهو :
العلة الثالثة : قال البخاري في ترجمة عبدالله بن عطاء هذا (3/1/165) :
" أحمد بن سليمان : حدثنا أبو داود عن شعبة قال : سألت أبا إسحاق عن
عبد الله بن عطاء ؛ الذي روى عن عقبة قال : كنا نتناوب رعية الابل ؛ قال : شيخ
من أهل الطائف . قال شعبة : فلقيت عبد الله ،فقلت : سمعته من عقبة ؛ فقال : لا ؛
حدثنيه سعد بن إبراهيم . فلقيت سعداً ، فسألته ؛ فقال : حدثني زياد بن مخراق .
فلقيت زياد بن مخراق ، فسألته ؛ فقال : حدثني رجل عن شهر بن حوشب " .
وأبو داود هذا هو الطيالسي - كما في "الميزان" - ، وليس هو في "مسنده" المطبوع ،
قال الذهبي :
"وقد رواه نصر بن حماد عن شعبة " .
قلت : فقد صح عن عبدالله بن عطاء أن بينه وبين عقبة أربعةَ أشخاص ، فهو
معضل ، ومنتهاه إلى شهر بن حوشب ؛ وهو ضعيف .
وقد رواه عنه بعض الضعفاء عن صحابي آخر : فقال هنّاد في "الزهد"
(1/134/176) : حدثنا أبو معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن شهر بن
حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(13/36)


« يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ، يُسمعهم الداعي ، وينفذهم
البصر ، قال : فيقوم منادٍ فينادي : أين الذين كانوا يحمدون الله تبارك وتعالى في
السَّرَّاء والضراء ؛ قال : فيقومون وهم قليل ، فيدخلون الجنة بغير حساب ، ثم يعود
فينادي ... » الحديث نحوه وأتم منه .
وعبدالرحمن بن إسحاق ؛ وهو أبو شيبة الواسطي ؛ وهو ضعيف باتفاق العلماء .
وهذا الحديث عزاه الحافظ في "المطالب العالية" (4/373) لإسحاق وأبي
يعلى - يعني : في "مسنده الكبير" - ، وعزوه لإسحاق - وهو : ابن راهويه - صحيح ؛
خلافاً لما قد يوهمه تعليق الشيخ الأعظمي على "المطالب" . وتبعه المعلق على
"الزهد" ؛ فقد عزاه الحاكم أيضاً لإسحاق ، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (5/52)
لمحمد بن نصر أيضاً في "الصلاة" ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في
"شعب الإيمان" .
ثم عزا حديث عقبة لابن مردويه أيضاً ، والبيهقي في "الشعب" ، وكذا في
"شرح الإحياء" (10/472) للزبيدي ، لكنه عزا حديث أسماء لابن ماجه أيضاً !
ولعله سبق قلم منه ؛ فإنه ليس عنده ، ولا عزاه إليه غيره ، ولا هو في "تحفة
الأشراف" للمزي .
ثم إن المعلق على "الزهد" أوهم وهماً آخر ، فقال :
"أورده الرازي عن حذيفة مرفوعاً ، وذكر الشطر الأول ، وقال : قال أبي : لا
يرفع هذا الحديث إلا عبدالله المختار ، والموقوف أصح . (علل الحديث 2/217) " .
قلت : حديث حذيفة غير هذا الحديث ، وهو في الشفاعة ، وقوله تعالى :
{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودً} . أخرجه جمع موقوفاً ؛ منهم الحاكم
وصححه ، ووافقه الذهبي . وانظر " تفسير ابن كثير" (3/55) .

(13/37)


6015 - ( كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي ، فَلَمَّا سَجَدَ ، أَتَاهُ رَجُلٌ ، فَوَطِئَ عَلَى
رَقَبَتِهِ ، فَقَالَ الَّذِي تَحْتَهُ : وَاللَّهِ لا يُغْفَرُ لَهُ أَبَداً ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
تَأَلَّى عَلَيَّ عَبْدِي أَنْ لا أَغْفِرَ لِعَبْدِي ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ ) .

منكر بذكر (الصلاة والسجود) .
أخرجه الطبراني "في المعجم الكبير" (رقم
10086) من طريق الأزرق بن علي : حَدَّثَنَا حَسَّانُ بن إِبْرَاهِيمَ : حَدَّثَنَا يُوسُفُ بن
أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد رجاله رجال الشيخين ؛ غير الأزرق بن علي ، فإنه من
رجال البخاري في "الأدب المفرد" ؛ وهو صدوق يغرب ؛ كما في "التقريب" .
وأبو إسحاق - وهو : عمرو بن عبدالله السَّبيعي ، وهو - مدلس مختلط ؛ فأخشى
أن يكون هذا من تدليساته أو تخاليطه ؛ لما يأتي .
والحديث ؛ قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/194) :
"رواه الطبراني بإسنادين ، ورجال أحدهما رجال (الصحيح) "!
كذا قال ! فإن كان يعني به هذا الإسناد ؛ فقد علمت أن الأزرق بن علي إنما
روى له البخاري خارج "الصحيح" - مع اختلاط وتدليس السبيعي _ .
وإن كان يعني به الإسنادَ الآخر ؛ فإني لم أره . والله أعلم .
والحديث قد صح من طرق أخرى ؛ دون الشطر الأول منه .
رواه مسلم وغيره من حديث جندب بن عبدالله . وإسناد غير مسلم أصح من
إسناده ؛ كما هو مبين في "الصحيحة" (1685) .

(13/38)


6016 - ( مَنْ طافَ بهذا البيتِ أُسْبوعاً ، وصلَّى حَلْفَ المَقَامِ
ركْعتين ، وشَرِبَ من ماءِ زمزم ، غُفِرَتْ له ذُنوبُه بالغةً ما بَلَغَتْ ) .

ضعيف .
أخرجه الواحدي في "تفسيره" ، والجندي في "فضائل مكة" من
حديث أبي معشر المدني عن محمد بن المنكدر عن جابر ... به مرفوعاً .
كذا في "المقاصد الحسنة" للحافظ السخاوي (417/1144) ، وقال عقبه :
"وكذا أخرجه الديلمي في "مسنده" بلفظ :
"من طاف بالبيت أسبوعاً ، ثم أتى مقام إبراهيم فركع عنده ركعتين ، ثم أتى
زمزم فشرب من مائها ؛ أخرجه الله من ذنوبه كيوم ولدته أمه " .وقال :
"ولا يصح باللفظين ، وقد ولع به العامة كثيراً ، لا سيما بمكة ، بحيث كتب
على بعض جدرها الملامس لزمزم ، وتعلقوا في ثبوته بِمَنام وشُبهة مما لا نثبت
الأحاديث النبوة بمثله ! مع العلم بسعة فضل الله ، والترجي لما هو أعلى وأغلى .
وكذا من المشهور بين الطائفتين حديث :
"من طاف أسبوعاً في المطر ؛ غفر له ما سلف من ذنوبه " .
ويحرصون لذلك على الطواف في المطر " .
وهكذا ذكرهما الزبيدي في "شرح الإحياء" (4/359) ، وقال :
"حديث غريب" .
وأورده الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (106/298) بالفظ الأول ، وقال :
"ذكره ابن طاهر في (تذكرة الموضوعات) " .

(13/39)


ومن الغرائب قول الزرقاني في "مختصر المقاصد" في اللفظ الأخير :
"وارد بمعناه" !
مع أن قول السخاوي المتقدم فيه يشعر بأنه لا أصل له إلا بين الطائفين من
العامة ! ويؤيده قول الفتني في "التذكرة" (ص 72) عقبه :
"قال الصغاني : لا أصل له " .
ومن هذا التخريج يتبين لك الفرق بين هذا اللفظ الأخير ، وحديث الترجمة ،
فالأول لا أصل له ، وأما حديث الترجمة ؛ فله أصل ؛ لكن بسند ضعيف - كما
تقدم - ، ومنه تعلم أن قول مؤلف "النخبة البهية في الأحاديث المكذوبة على خير
البرية" (ص121/362 - بتحقيق زهير الشاويش) :
"لا أصل له " !
أقول : فهذا خطأ مخالف لاصطلاح العلماء ؛ فإنه يوهم أنه لا إسناد له ، وقد
عرفت أن الواقع خلافه . ولم يتنبّه لهذا محققه الشاويش حيث علق عليه بقوله :
"في "مختصر المقاصد" (1047) ، وفي "صحيح الجامع الصغير" بترقيم
الطبعة الأولى (6256) ، وفي الطبعة الجديدة هو برقم (6379 - 6380) " .
قلت : وفي هذا التعليق أخطاء عجيبة بعضها فاحش جداً ، وإليك البيان :
الأول : أن صاحب "المختصر" قال في الحديث :
"لا يصح" ! خلافاً لقول مؤلف "النخبة" :
"لا أصل له " !
الثاني أن قوله : "وفي "صحيح الجامع ... " إلخ ؛ صريح بأن هذا الحديث

(13/40)


الذي هو في "المختصر" وفي "النخبة" هو أيضاً في "صحيح الجامع "! وهو كذب
يخالف الواقع ؛ لأن الحديث فيه بالرقمين المذكورين بلفظ :
" ... ركعتين ؛ كان كعتق رقبة" . ليس فيه :
"وشرب من ماء زمزم ... " إلخ .
ثم هو من حديث ابن عمر ، وإسناده صحيح ، فأين هذا من حديث جابر متناً
وإسناداً ؟!
فليتأمل القارئ الكريم مبلغ الضرر الذي يلحق الحديث النبوي بسبب مثل
هذا التعليق ممن لا علم عنده!
الثالث : وإن مما يلفت النظر أنه ذكر رقماً واحداً للطبعة الأولى من "الجامع " ،
ورقمين للطبعة الأخرى منه ، مع أنه لا فرق بينهما في هذا الموضع ، فالصواب
هكذا (6255 - 6256) ، وإن مما لا شك فيه أن سبب هذا الخطأ إنما هو العجلة في
النقل المنافي للتحقيق ، وليس كذلك الأمر في الخطأين اللذين قبله ، فسببه الجهل
بهذا العلم والتعدي عليه ! والله المستعان .
وهذا يذكرني بخطأ أفحش لهذا المعلق الفاضل ؛ وهو أنه ألحق بالحديث
الصحيح المذكور في "صحيح الجامع " (رقم 1004/ الطبعة الجديدة) جملة :
"وكل نعيم لا محالة زائل " .
وعلق عليها بأنه استدركها من "ديوان لبيد" ! فكذب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم
على كل المؤلفين ، ومنهم أنا ؛ مؤلف "الصحيح " ؛ اعتماداً منه على "الديوان " ، وله
من مثل هذه التعليقات والاعتداءات التي جعلتني أقطع العلاقات الأخوية
والعلمية التي كانت بيننا سنين طويلة .

(13/41)


6017 - (لا تَطْغَوا على أهل الصُّوفِ والخِرَقِ ؛ فإن أخلاقَهم
أخلاقُ الأنبياءِ ، ولِباسَهم لباسُ الأنبياءِ ) .
موضوع .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (3/156) من طريق أبي
عبدالرحمن السلمي بسنده عن أبي بكر الهذلي عن أبي إسحاق عن مكحول
عن أنس ... رفعه .
وهكذا أورده السيوطي في "ذيل الأحاديث الموضوعة" (143/686 - بترقيمي)
وبيَّض له ، ولم يتكلم عليه بشيء !
وأبو بكر الهذلي ؛ متروك ، واتهمه يحيى بالكذب .
وأبو عبدالرحمن السلمي ؛ كان يضع الأحاديث للصوفية ؛ كما تقدم مراراً .

6018 - ( أَمَرَ رَجُلاً صَلَّى إِلَى رَجُلٍ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ ) .
ضعيف .
أخرجه البزار في "مسنده " (2/253/661) من طريق إسماعيل بن
صَبيح قال : نا إسرائيل عن عبدالأعلى الثعلبي عن محمد بن علي عن علي :
أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي إِلَى رَجُلٍ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ ، قَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي قَدْ [ أَتْمَمْتُ الصَّلاَةَ . فَقَالَ : « إِنَّكَ] صَلَّيْتَ وَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ » (1) .
وقال البزار :
"وهذا الكلام لا نحفظه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بهذا الإسناد ، فكأن معناه أن
الرجل كان مستقبلاً المصليَ بوجهه ، فلم يتنحَّ عن حيال وجهه فيصلي " .
__________
(1) الأصل : "إلي" . ويظهر أنه خطأ قديم ؛ فإنه كذلك وقع في "المجمع" ، والتصحيح - مع
الزيادة - من "المراسيل" .

(13/42)


قلت : وهو إسناد ضعيف ؛ علته عبدالأعلى هذا - وهو ابن عامر الثعلبي - ،
قال الذهبي في "الكاشف " :
"ليِّن ، ضعفه أحمد " . زاد في "الميزان " :
"وأبو زرعة ، وقال أحمد : روايته عن ابن الحنفية شبه الريح . كأنه لم
يصححها ، وضعفها أيضاً سفيان الثوري " .
قلت : ومع ضعفه ؛ فقد اضطرب في إسناده ، فرواه إسماعيل عن إسرائيل
عنه هكذا مسنداً . وخالفه غيره ؛ فقال أبو داود في "المراسيل" (30) : حدثنا
محمد بن كثير ؛ أخبرنا إسرائيل ... به ؛ إلا أنه لم يقل : "عن علي" ؛ فأرسله .
وهكذا رواه الدارقطني في "سننه " (85/2/ 1) من طريق أبي داود .
وقد ذكره في "العلل " (4/123/463) معلقاً من حديث محمد ابن الحنفية
عن علي مرفوعاً ؛ بحديث الترجمة ، وقال :
"قاله وكيع وإسماعيل بن صبيح عن إسرائيل . وخالفهما عبيدالله بن موسى
وعلي بن الجعد ؛ فروياه عن إسرائيل عن عبدالأعلى عن ابن الحنفية مرسلاً .
وعبدالأعلى ؛ مضطرب الحديث ، والمرسل أشبه بالصواب " .
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (62/2) ؛
"رواه البزار ، وفيه عبدالأعلى الثعلبي ، وهو ضعيف " .

6019 - ( يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ! إِنَّكُمْ تُحِبُّونَ الْمَاشِيَةَ ، فَأَقِلُّوا مِنْهَا ؛
فَإِنَّكُمْ بِأَقَلِّ الأَرْضِ مَطَراً ، وَاحْتَرِثُوا ؛ فَإِنَّ الْحَرْثَ مُبَارَكٌ ، وَأَكْثِرُوا فِيهِ
مِنَ الْجَمَاجِمِ ) .
ضعيف .
أخرجه أبو داود في "المراسيل" (540) ، ومن طريقه البيهقي في

(13/43)


"السنن " (6/138) ، وابن جرير أيضاً - كما في "كنز العمال " (4/129) - من
طريق ابْن أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ :
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، فَقَالَ : ... فذكره .
وتابعه عبدالعزيز بن محمد الدراوردي قال : أخبرني الهيثم بن محمد بن
حفص عن أبيه عن عمربن علي بن حسين :
أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بتلك الجماجم أن تجعل في الزرع من أجل العين .
أخرجه أبو داود (541) ، وابن جرير أيضاً ، والبزار في "مسنده " (2/667 -
بيروت) والبيهقي ، وقال :
"هذا منقطع " .
يعني أنه معضل ؛ لأن عمر بن علي بن حسين من أتباع التابعين ؛ كما في
"ثقات ابن حبان " (7/ 180) وغيره ، وقال : " يخطئ " .
قلت : وإسناده عندي مضطرب ؛ فإن البزار ليس عنده : "عن أبيه " ؛ بل إنه
جعل هذه الزيادة - "عن أبيه " - ... بعد قوله : "عن عمر بن علي " ، فصار الحديث
عنده من مرسل علي بن حسين ، لكنه قال عقب الحديث :
"لا نحفظه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجه متصل إلا بهذه الرواية عن علي رضي
الله عنه " .
وهذا يعني أن عمر هذا هو ابن علي بن أبي طالب ، وأن أباه علي بن أبي
طالب ، ولذلك جعله متصلاً ... وهو وهم منه ! فإنه عمر بن علي بن حسين ؛ كما
وقع في سند الحديث عند جميعهم إلا البزار .

(13/44)


ونحو هذا الوهم قول المعلق على الطريق الأولى من "المراسيل " :
"وعلي بن عمر هو علي بن عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي " .
فالظاهر أنه سقط من قلمه : (ابن علي) بين : (عمر) و : (ابن الحسين) ، وإلا ؛
صار الحديث مسنداً ؛ لأن (الحسين بن علي بن أبي طالب) ؛ صحابي كما هو معلوم .
ومن الاضطراب المشار إليه أنه وقع عند أبي داود : "القاسم بن محمد بن
حفص " ... مكان : "الهيثم بن محمد ... "! وليس ذلك خطأ مطبعياً ؛ فقد ترجم
في "التهذيب" للقاسم بن محمد هذا وأبيه ، وأشار أن لهما هذا الحديث في
"مراسيل أبي داود" . وقال في كل منهما في "التقريب " :
" مجهول " .
ومن الغريب قول ابن جرير عقب الطريق الأولى :
"هذا خبر عندنا صحيحٌ سندُه ؛ إن كان عمر بن علي هذا هو عمر بن علي بن
أبي طالب ، ولم يكن : عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ؛ فإني
أظنه عمر بن علي بن الحسين ، وذلك أنه قد روي عنه بعضه مرسلاً " .
قلت : يشير إلى طريق الهيثم هذه .
والهيثم هذا مجهول أيضاً ؛ كما قال ابن أبي حاتم عن أبيه . وقال ابن حبان
في "الضعفاء" (3/92) :
"منكر الحديث على قلته ، لا يجوز الاحتجاج به ؛ لما فيه من الجهالة ، والخروج
عن حد العدالة إذا وافق الثقات ، فكيف إذا انفرد بأوابد طامات " .
ولهذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/109) :

(13/45)


"رواه البزار ، وفيه الهيثم بن محمد بن حفص ؛ وهو ضعيف ، ويعقوب بن
محمد الزهري ؛ ضعيف أيضاً " .
قلت : هو متابع عند سائر مخرجيه من غير واحد ؛ فالعلة من الهيثم وأبيه .

6020 - ( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ! اتَّقِيْنَ اللهَ ، والتمِسوا مَرْضاةَ أزواجِكُنًّ ؛
فإن الْمَرْأَةَ لَوْ تَعْلَمُ ما حَقُّ زوجِها ، لم تزلْ قائمةً مَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَعَشَاؤُهُ) .
موضوع .
أخرجه البزار في مسنده المعروف بـ "البحر الزخار" (2/ 290 - 291)
ومن طريقه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/47) من طريق الحكم بن يعلى بن
عطاء المحاربي قال : نا عبدالغفار بن القاسم عن عمرو بن مرة عن عبدالله بن
سلمة عن علي عن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره . وقال البزار :
"لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد" .
قلت : وهو موضوع ؛ آفته عبدالغفار هذا ، قال علي بن المديني وأبو داود :
"كان يضع الحديث" .
والحكم : متروك ، وبه أعله الهيثمي في "المجمع" (4/309) ، ثم الحافظ ابن
حجر في "زوائد مسند البزار" (ص 154)! فقصَّرا ؛ لأن شيخه عبدالغفار شر منه
- كماسبق - .
وللشطر الثاني منه شاهد من حديث معاذ مرفوعاً بلفظ :
"لَوْ تَعْلَمُ الْمَرْأَةُ حَقَّ الزَّوْجِ مَا قَعَدَتْ مَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَعَشَاؤُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ " .
أخرجه البزار (2/ 180/ 1471 - كشف الأستار) ، والطبراني في "المعجم
الكبير" (20/160/333) من طريق فضيل بن سليمان النُّمَيري : ثنا موسى بن

(13/46)


عُقْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ بن سُلَيْمَانَ الأَغَرِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ ... به . قال الهيثمي :
"رواه البزار والطبراني ، وفيه عبيد (الأصل : عبيدة) بن سليمان الأغر ؛ ولم
أعرفه ، ولا أعرف لأبيه من معاذ سماعاً ، وبقية رجاله ثقات " .
وتعقبه الحافظ في "زوائده " بقوله :
"قلت : بل عبيد معروف ، والإسناد حسن "!
كذا قال ! وفيه عندي نظر من وجهين :
الأول : أن الفضيل بن سليمان النميري - وإن كان من رجال الشيخين ؛ فقد -
ضعفه جمهور الأئمة ، ولم يوثقه غير ابن حبان (7/316 -317)! فشذ ؛ ولذلك
أورده الذهبي في "الضعفاء " وقال (515/4958) :
"فيه لين . قال أبو حاتم وغيره : ليس بالقوي . وقال أبو زرعة : لين . وقال ابن
معين : ليس بثقة" .
وذكر مثله في "الكاشف " . وقال الحافظ نفسه في "التقريب " :
"صدوق ، له خطأ كثير" .
قلت : فمثله لا يحتج به ؛ وإنما يستشهد به ، وقد قال الحافظ في "مقدمة فتح
الباري " (ص 435) :
"ليس له في "البخاري" سوى أحاديث ؛ توبع عليها" .
ثم ذكرها ، مع بيان من تابعه عليها .
والوجه الآخر : أن المعروف إنما هو (عبيد بن سلمان الأغر) ؛ كذلك هو في
"التهذيب " وغيره ، فإن كان هو هذا ؛ فيكون قوله في هذا الإسناد : " ... سليمان ... " ؛
من أوهام النميري . والله أعلم .

(13/47)


6021 - ( يَا عَلِيُّ ! أُوصِيكَ بِالْعَرَبِ خَيْراً ) .
ضعيف .
أخرجه البزار في "مسنده " (2/315/2832) من طريق حسين بن
الحسن ، والطبراني في " المعجم الكبير" (4/8 - 9) ، وابن عدي في "الكامل "
(6/2066) ؛ كلاهما من طريق يَحْيَى الْحِمَّانِيّ قالا : ثَنَا قَيْسُ بن الرَّبِيعِ - زاد
حسين : وعمرو بن أَبِي الْمِقْدَامِ - ؛ كلاهما عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ حَبَّةَ - يعني : ابن
جوين - قال : سمعت علياً يقول :
أسندتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى صدري ، فقال لي : ... فذكره . وقال البزار :
"لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد ، وأبو المقدام هذا اسمه ثابت الحداد" .
قلت : قال الحافظ في "التقريب " :
"صدوق يهم " . ووثقه الذهبي في "الكاشف " و"الميزان " .
لكن حبة بن جوين ضعفه الجمهور ، وأورده الذهبي في "الضعفاء" ، وقال :
"قال السعدي : غير ثقة" .
قلت : فهو علة الحديث . والله أعلم .

6022 - ( لاَ يَتَقَدَّمُ الصَّفَّ الأَوَّلَ أَعْرَابِيٌّ ، وَلاَ أَعْجَمِيٌّ ، وَلاَ غُلاَمٌ
لَمْ يَحْتَلِمْ ) .
منكر .
أخرجه الدارقطني في "سننه " (1/ 281) ، ومن طريقه ابن الجوزي في
"العلل المتناهية" (1/428) عن مُحَمَّد بْن غَالِبٍ : ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ سُلَيْمٍ : ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
ابْنُ سَعِيدٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ مسلسل بالعلل :

(13/48)


الأولى : الليث - وهو ابن أبي سُليم ؛ وهو - ضعيف مختلط .
الثانية : عبيدالله بن سعيد . أعله ابن الجوزي به ؛ فقال :
"مجهول " .
وأقول : لعله ظنَّ أنه عبيدالله بن سعيد الثقفي ؛ الذي روى عن المغيرة بن
شعبة ، وعنه ابنه محمد ؛ قال ابن أبي حاتم عن أبيه :
"مجهول " . وذكره ابن الجوزي لهذا في "الضعفاء" (2/163) .
وفي هذا الظنِّ بعدٌ ؛ لأن الثقفيَّ هذا متقدم على طبقة راوي هذا الحديث ،
وإن كان يعني بقوله : "مجهول " - أي : عنده ؛ لأنه لم يعرفه - ؛ فهو محتمل ، وقد
توبع على ذلك من ابن القطان - كما يأتي - . لكن الأقرب أنه عبيدالله بن سعيد
أبو مسلم قائد الأعمش ؛ فإنه من هذه الطبقة ، وهو ضعيف ؛ بل قال البخاري :
"في حديثه نظر" . وقال أبو داود :
"عنده أحاديث موضوعة " . ذكره الذهبي في "الميزان " ، ثم قال :
"ومن مناكيره : عن ليث ... " . وساق هذا الحديث .
الثالثة : العباس بن سليم ؛ فإنه لا يعرف إلا في هذا الإسناد ، وقد أفاد ابن
القطان بأنه مجهول ، وأخذ على عبدالحق الإشبيلي اقتصاره على ليث بن أبي
سليم في تضعيف الحديث ؛ فقال في كتابه "الوهم والإيهام " (1/172/2) :
"وعباس هذا لم أجد له ذكراً ، وعبيدالله بن سعيد لم يتعين من جماعة
يَتَسَمَّون هكذا ؛ فهو إذن مجهول أيضاً ، لذلك فليث بن أبي سليم أيسر ما فيه " .
وأقره الحافظ العراقي في "ذيل ميزان الاعتدال " (ص 298 - 299) ، ثم
العسقلاني في "لسان الميزان " .

(13/49)


والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" برواية الدارقطني ، مصرحاً بضعفه .

6523 - ( كُنْت كَنْزاً لَا أُعْرَفَ ، فَأَحْبَبْت أَنْ أُعْرَفَ ؛ فَخَلَقْت خَلْقاً
فَعَرَّفْتهمْ بِي ، فَعَرَفُونِي ) .
لا أصل له اتفاقاً .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"
(18/122 ، 376) :
"لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ إسْنَادٌ صَحِيحٌ ، وَلَا ضَعِيفٌ " .
قلت : وتبعه على هذا كل من جاء بعده ؛ كالزركشي في "التذكرة في
الأ حاديث المشتهرة" (ص 136) ، والسخاوي في "المقاصد الحسنة " (ص 327/838) ؛
فقال عقبه :
"وتبعه الزركشي وشيخنا " . يعني : ابن حجر العسقلاني . وكذا السيوطي في
"الدرر المنتثرة" (ص 163/330) ، وقال في "ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 203) :
"قال ابن تيمية : " موضوع " . وهو كما قال " .
وتبعه ابن عراق في "تنزيه الشريعة " ؛ فأورده في (الفصل الثالث) منه
(1/148/44) ، والفتني في "تذكرة الموضوعات" (ص 11) ، ومُلا علي القاري في
"الموضوعات الكبرى" (273/353) ، والشيخ إسماعيل العجلوني في "كشف
الخفاء" (2/132/2016) وقال :
"وهو واقع كثيراً في كلام الصوفية ، واعتمدوه ، وبنوا عليه أصولاً لهم" .
وقال العلامة الآلوسي في "تفسيره" (27/22) عقب قول ابن تيمية :
"ومن يرويه من الصوفية معترف بعدم ثبوته نقلاً ؛ لكن يقول : إنه ثابت

(13/50)


كشفاً ، وقد نص على ذلك الشيخ الأكبر (يعني : ابن عربي ... النكرة) في الباب
المائة والثمانية والتسعين من "الفتوحات " ، والتصحيح الكشفي شنشنة لهم " .
ومن نكد الدنيا أن يؤلف بعضهم رسالة في شرح هذا الحديث الصوفي
الباطل! كما ألف غيره رسالة في شرح حديث :
"من عرف نفسه ؛ فقد عرف ربه "!
ولا أصل له أيضاً ؛ كما تقدم برقم (67) .

6024 - ( لا يأبى الكرامةَ الا حمارٌ ) .
منكر .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (3/186) من طريق أبي بكر
محمد بن معاذ بن فهد الشعراني النهاوندي قال : ذكر محمد بن عبدالله
الأويسي - وسمعته منه مذاكرةً - : حدثنا أبو بكر بن المنادي : حدثنا عبدالله بن
إدريس عن عبيدالله بن عمرعن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ... رفعه .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ آفته النهاوندي هذا ، قال الذهبي في "الميزان " :
"واهٍ " . وكذا في "سير الأعلام" (15/387/210) ، وزاد :
"وله أوهام" .
وذكر له ابن عساكر حديثاً منكراً جدّاً ، سأذكره في الآتي بعده .
والحديث ؛ ذكره الزركشي في "التذكرة" (116/53) ، والسخاوي في " المقاصد "
(1817/469) من رواية الديلمي هذه ، وسكتا عن إسناده! ثم قالا :
"ثم قال (أي : الديلمي) : ويقال : هذا من كلام علي بن أبي طالب رضي الله
عنه " . قال السخاوي عقبه :

(13/51)


"قلت : هو كذلك في سنن "سعيد بن منصور" عن سفيان بن عيينة عن
عمرو بن دينار عن محمد بن علي قال :
ألقي لعليٍّ وسادة ، فقعد عليها ، وقال ذلك" .
قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين ؛ فهو صحيح إن كان محمد
ابن علي هذا هو المعروف بابن الحنفية ، وأبوه علي بن أبي طالب . وأما إن كان
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ؛ فهومنقطع ؛ لأنه لم يسمع من
جد أبيه علي بن أبي طالب . وإنما ترددت بينهما ؛ لأن عمرو بن دينار قد ذكروا أنه
روى عن كل منهما . والله أعلم .
وقد أخرجه عن علي موقوفاً البيهقي أيضاً في "الشعب " ؛ كما في "الدرر
المنتثرة" للسيوطي (207/ 451) .

6025 - ( ملائكةُ السماءِ يستغفرونَ لذَوائِبِ النساءِ ولِحَى الرجالِ ؛
يقولونَ : سبحان الذي زَيَّنَ الرجالَ باللِّحَى والنساءَ بالذوائب ) .
موضوع .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (3/66) من طريق الحاكم :
أخبرنا ابن عصمة : حدثنا الحسين بن داود بن معاذ : حدثنا النضر بن شميل :
حدثنا عوف عن الحسن عن عائشة مرفوعاً .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته الحسين هذا - وهو : البلخي - : قال الخطيب( 8/44) :
"لم يكن ثقة ؛ فإنه روى نسخة عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس ؛
أكثرها موضوع " . ثم ساق له الحديث المتقدم برقم (808) ، وقال :
"وهو موضوع ؛ ورجاله كلهم ثقات ؛ سوى الحسين " .

(13/52)


وتقدم له حديث آخر برقم (780) ، وأن ابن الجوزي قال فيه :
"وضاع " .
وله حديث رابع مضى برقم (12) .
وقد روي حديث الترجمة موقوفاً بلفظ :
"إن يمين ملائكة السماء : والذي زيَّن الرجال باللحى ، والنساء بالذوائب ! " .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (10/387 - المدينة) من طريق الخليل
ابن أحمد بن محمد بن الخليل : نا أبو عبدالله محمد بن معاذ بن فهد
النهاوندي - وسمعته يقول : لي مائة وعشرون سنة ، وقد كتبت الحديث ، ولحقت
أبا الوليد الطيالسي والقعنبي وجماعة من نظرائهم ، ثم ذكر أنه تصوَّف ودَفَنَ
الحديثَ الذي كتبه أول مرة ، ثم كتب الحديث بعد ذلك ، وذكر أنه حفظ من
الحديث الأول حديثاً واحداً ، وهو ما حدثنا به - : نا محمد بن المنهال الضرير : نا
يزيد بن زريع : نا روح بن القاسم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة
قال : ... فذكره موقوفاً . وقال ابن عساكر :
"هذا حديث منكر جداً ، وإن كان موقوفاً ، وليت النهاوندي نسيه فيما نسي ؛
فإنه لا أصل له من حديث محمد بن المنهال . والله أعلم " .
قلت : والنهاوندي هذا واهٍ عند الذهبي ، كما تقدم في الحديث الذي قبله .
والله أعلم .
(تنبيه) : لقد عزا الشيخُ العجلوني في "كشف الخفاء" الحديثَ للحاكم عن
عائشة! فأوهم أنه في "المستدرك " ؛ لأنه المعني عند أهل العلم إذا أطلق العزوُ إليه ،
وليس فيه! والظاهر أنه في كتابه الآخر : "تاريخ نيسابور" ؛ لأنه ترجم له فيه ؛ كما
في "لسان الحافظ " .

(13/53)


ثم إن هذا العزو مع السكوت عن بيان حال الحديث مما يدلنا على أن العجلوني
علمه في الحديث ؛ إنما هو النقل دون النظر في الأسانيد والمتون والتحقيق فيها .
ونحوه عبدالرؤوف المناوي ؛ فقد سبقه إلى عزو الحديث في كتابه "كنوز
الحقائق " (ص 142 ج 1 - هامش "الجامع الصغير") إلى الحاكم مطلقاً لم يقيده ،
وساكتاً عليه كما هي عادته!! ولم يذكر إلا الشطر الثاني منه .
وقلده في ذلك آخرون ؛ منهم الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي في رسالة "وجوب
إعفاء اللحية" (ص 32 - توزيم إدارة البحوث العلمية) ؛ فإنه جزم بنسبته إلى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! وعلقت عليه الإدارة بما تقدم عن المناوي! دون أي تعقيب عليه!
واغتر بعضهم بالمفهوم من إطلاق المناوي عزوه إلى الحاكم ، فعزاه إلى الحاكم
في "المستدرك " ؛ كما فعل الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي فيما نقله الأخ
محمد إسماعيل الإسكندراني في آخر كتابه "أدلة تحريم حلق اللحية" ، وأقره!
فالله المستعان على غرية هذا العلم في هذا الزمان ، وتساهل أهله في نسبة ما
لم يصح من الحديث إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

6026 - ( سَخَافةٌ بالمرءِ أن يَسْتَخْدِمَ ضَيْفَه ) .
منكر .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (2/215) من طريق يحيى
بن أكثم :
كنت بائتاً عند المأمون ، فعطشت عطشاً شديداً ، فقال لي : ما لك لا تنام ؟
قلت : أنا - والله! - عطشان . فقال : ارجع إلى موضعك ، وقام إلى المزادة ، فَسَقاني
كُوزَ ماء ، ثم قال : ألا أخبرك ؟ ألا أطرفك ؟ ألا أحدثك ؟
قلت : نعم . فقال : حدثني الرشيد عن أبيه المهدي عن أبيه المنصور عن
أبيه عن جده عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .

(13/54)


قلت : وهذا إسناد ضعيف من رواية الخلفاء العباسيين الثلاثة : الرشيد - وهو :
أبو جعفر هارون - ؛ عن أبيه المهدي - واسمه : محمد عن أبيه المنصور - وهو : أبو
جعفر عبدالله - ؛ وثلاثتهم غير معروفين في الرواية ، ولم يُتَرتجَموا في كتب الجرح
والتعديل ؛ غير أن الذهبي قال في هارون الرشيد في "السير" (9/287) :
"روى عن أبيه وجده ومبارك بن فضالة . روى عنه ابنه المأمون وغيره " .
ويحيى بن أكثم ؛ قد تكلموا فيه كثيراً ، وفي "الكاشف " :
"كان من بحور العلم ؛ لولا دعابة فيه ؛ تكلم فيه " . وفي "التقريب " :
"فقيه ، صدوق ؛ إلا أنه رمي بسرقة الحديث ، ولم يقع ذلك له ، وإنما كان يرى
الرواية بالإجازة والوجادة" .
وأعله المناوي براوٍ دونهم اسمه (دُبَيْس الملائي) ؛ قال الذهبي :
"قال أبو حاتم : ضعيف " .
قلت : وكذا في "اللسان " وقال :
"وسمى أبو حاتم أباه حميداً" .
قلت : وتبعه ابن حبان في "الثقات " (8/238) . وقال المناوي في "التيسير" :
"في إسناده لين " .

6027 - ( إِنَّ آخِرَ رَجُلٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَتَقَلَّبُ عَلَى الصِّرَاطِ
ظَهْراً لِبَطْنٍ ؛ كَالْغُلامِ يَضْرِبُهُ أَبُوهُ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ ؛ يَعْجِزُ عَنْهُ عَمَلُهُ أَنْ
يَسْعَى ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ بَلِّغْ بِيَ الْجَنَّةَ ، وَنَجِّنِي مِنَ النَّارِ . فَيُوحِي اللَّهُ
تَعَالَى إِلَيْهِ : عَبْدِي ! إِنْ أَنَا نَجَّيْتُكَ مِنَ النَّارِ وَأَدْخَلْتُكَ الْجَنَّةَ ؛ أَتَعْتَرِفُ

(13/55)


لِي بِذُنُوبِكَ وَخَطَايَاكَ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ : نَعَمْ يَا رَبِّ ! وَعِزَّتِكَ وَجَلالِكَ !
لَئِنْ تُنْجِينِي مِنَ النَّارِ ؛ لأَعْتَرِفَنَّ لَكَ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ . فَيَجُوزُ الْجِسْرَ ،
وَيَقُولُ الْعَبْدُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ : لَئِنِ اعْتَرَفَتُ لَهُ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ
لَيَرُدَّنِّي إِلَى النَّارِ . فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ : عَبْدِي ! اعْتَرِفْ لِي بِذُنُوبِكَ
وَخَطَايَاكَ أَغْفِرُهَا لَكَ وَأُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ . فَيَقُولُ الْعَبْدُ : لا - وَعِزَّتِكَ ! - مَا
أَذْنَبْتُ ذَنْباً قَطُّ ، وَلا أَخْطَأْتُ خَطِيئَةً قَطُّ ! فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ : عَبْدِي !
إِنَّ لِي عَلَيْكَ بَيِّنَةً ، فَيَلْتَفِتُ الْعَبْدُ يَمِيناً وَشِمَالا فَلا يَرَى أَحَداً ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ !
أَرِنِي بَيِّنَتَكَ ، فَيَسْتَنْطِقُ اللَّهُ جِلْدَهُ بِالْمُحَقَّرَاتِ ، فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ الْعَبْدُ ؛
يَقُولُ: يَا رَبِّ ! عِنْدِي - وَعِزَّتِكَ ! - الْعَظَائِمُ الْمُضْمَرَاتُ . فَيُوحِي اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ إِلَيْهِ : عَبْدِي ! أَنَا أَعْرَفُ بِهَا مِنْكَ ، اعْتَرِفْ لِي بِهَا أَغْفِرُهَا لَك
وَأُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ . فَيَعْتَرِفُ الْعَبْدُ بِذُنُوبِهِ ؛ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةُ . ثُمَّ ضَحِكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ؛ يَقُولُ:
هَذَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ، فَكَيْفَ بِالَّذِي فَوْقَهُ؟! ) (*) .
منكر جدّاً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/185/7669) من
طريق أبي فَرْوَةَ يَزِيد بن مُحَمَّدِ بن يَزِيدَ بن سِنَانَ الرَّهَاوِيّ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ
أَبِيهِ : حَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى الْكَلاعِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
ثم أخرجه (7670) من طريق أبي عَقِيلِ عَبْدِاللَّهِ بن عَقِيلِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يَزِيدَ
ابن سِنَانَ : أَخْبَرَنِي أَبُو يَحْيَى الْكَلاعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ
__________
(*) كتب الشيخ - رحمه الله - بخطه فوق متن الحديث : "مر برقم (5383)" .

(13/56)


رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول :
"إني لأعلم آخر رجل من أمتي يجوز الصِّراط ؛ يتلوى على الصراط كالغلام
حين يضربه أبوه ... فذكر مثله " . قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/402) :
"رواه الطبراني . وفيه من لم أعرفهم ، وضعفاء ؛ فيهم توثيق ليِّن " .
وأقول : الإسناد الثاني ... كأن الهيثمي لم يستحضره ، فإنه ليس فيه من
الضعفاء إلا يزيد بن سنان ؛ وهو علة الحديث . وشيخه أبو يحيى الكلاعي - اسمه :
سليم بن عامر ؛ وهو - ثقة من رجال مسلم ، ومن دونهما كلهم ثقات .
وأما الإسناد الأول ... ففيه محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي ؛ قال الحافظ :
"ليس بالقوي" .
وابنه أبو فروة يزيد بن محمد ، قال ابن أبي حاتم :
"كتب إلى أبي وإليَّ " . ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وأما ابن حبان فذكره
في " الثقات " (9/ 276) وقال :
"حدثنا عنه أبو عروبة ، مات بـ (الرها) سنة 269" .

6028 - ( أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ ، وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ . قاله لعَلِيٍّ
وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ) .
ضعيف .
أخرجه الترمذي (3869) ، وابن ماجه (145) ، وابن حبان (2244) ،
والحاكم (3/149) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (12/97/ 12230) ، والطبراني
في "الكبير" (3/ 30/2619 و5/207/ 5030) و"الصغير" (ص 159 - هندية ، رقم
311 - الروض) من طريق أسباط بن نصر الهفداني عن السدي عن صُبيح

(13/57)


مولى أم سلمة عن زيد بن أرقم : أن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي وفاطمة والحسن
والحسين : ... فذكره . وقال الترمذي :
(حديث غريب ، إنما نعرفه من هذا الوجه ، وصبيح مولى أم سلمة ليس
بمعروف " .
قلت : وفي "الكامل" لابن عدي (4/1405) :
"صُبيح ليس يعرف نسبه " . ثم روى عن يحيى وأبي خيثمة قالا :
"كان صبيح ينزل الخلد (!) ، وكان كذاباً ؛ يحدث عن عثمان !وعاثشة! ، وكان
كذاباً خبيثاً . قال يحيى : وأعمى أيضاً" .
قلت : فأخشى أن يكون هو - هذا ؛ فإنه من هذه الطبقة .
وقد روإه سليمان بن قّرْم عن أبي الجحَّاف عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن
صُبيح مولى أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عن جده عن زيد بن أرقم ... ، به .
أخرجه الطبراني (3/ 31 و5/207) .
قلت : وهذا إسناد مظلم ؛ إبراهيم هذ! ذكره الحافظ في ترجمة جده "صبيح "
من "التهذيب " مقروناً مع السدي ، رويا عن "صبيح)ا ، ولم أجد له ترجمة .
وسليمان بن قَرْم : قال الحافظ في "التقريب " :
"سيئ الحفظ ، يتشيع " .
وقد خولف في إسناده عن إبراهيم : فقال حسين بن الحسن الأشقر عن
عبيدالله بن موسى عن أبي مَضَاء - وكان رجل صدق - عن إبراهيم بن عبدالرحمن
ابن عيسى مولى أم سلمة عن جده صبيح قال :

(13/58)


كنت بباب رسول الله اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فجاء علي وفاطمة والحسن والحسين ، فجلسوا
ناحيتَه ، فخرج رسول الله اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلينا ، فقال :
"إنكم على خير" .
وعليه كساء خيبري ، فجَلَّلهم به ، وقال : ... فذكر الحديث .
أخرجه الطبراني في "الأوسط " (1/ 160/ 1 - 2) ، وقال :
"لا يروى عن صبيح مولى أم سلمة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بهذا الإسناد ؛ تفرد به
حسين الأشقر . وقد رواه السدي عن صبيح عن زيد بن أرقم " .
قلت : وحسين هذا شيعي غالٍ : قال الحافظ فيه :
"صدوق يهم ، يغلو في التشيع " . ولم يزد الذهبي على قوله في "الكاشف " :
"قال البخاري : فيه نظر" .
قلت : وشيخ شيخه أبو مضاء - أظنه الذي في "اللسان " - :
"رجاء بن عبدالرحيم أبو المضاء الهروي القرشي ، محدِّث رحَّال . سمع من
أبي اليمان بحمص ... و ... و ... روى عنه محمد بن عبدالرحيم (صاعقة) ...
وآخرون " . ثم ساق له حديثاً ، وقال :
"وهو غريب جدّاً ؛ تفرد به . وقال الحاكم : كان كثير المناكير" .
قلت : فمثله لا يُستشهد به ؛ وهذا إن سلم من شيخه إبراهيم ، أو من الذي
دونه : الأشقر!
ومن الغريب أن الحافظ أورد صُبيحاً في "الصحابة" - تبعاً لبعض من سبقه -
لهذا الحديث من رواية الطبراني! ونقل كلامه المتقدم ، ثم عقب عليه بقوله :

(13/59)


"قلت : صبيح شيخ السدي . وصفوه بأنه مولى زيد بن أرقم ، وأنه تابعي ، فإن
كانت رواية إبراهيم محفوظة ؛ فهما اثنان . وكلام أبي حامد يقتضي أنهما واحد" .
قلت : وهذا هو الراجح من هذا التخريج ، على أن قوله : "وصفوه بأنه مولى
زيد بن أرقم " ؛ ليس مسلّماً على إطلاقه ؛ فقد قال ابن أبي حاتم :
"مولى أم سلمة ، ويقال : مولى زيد بن أرقم " .
وكذلك قال الحافظ في "التهذيب " .
وبالجملة ؛ فهذا الاختلاف في نسبته مما يؤكد جهالته - كما تقدم عن
الترمذي - ، وأما ذكر ابن حبان إياه في "الثقات " (4/382) ؛ فممّا لا قيمة له ؛
لأنه جارٍ على قاعدته المعروفة في توثيق المجهولين ، على أنه حكى القولين في
نسبته!
وهناك مخالف أخر لسليمان بن قَرْم عن أبي الجحَّاف ، ذكره المزي في "تحفة
الأشراف " (3/193) عقب الرواية الأولى : عن السدي عن صبيح :
"رواه الحسين بن الحسن العرني عن علي بن هاشم بن البريد عن أبيه عن
أبي الجحَّاف عن مسلم بن صبيح عن زيد بن أرقم " .
قلت : سكت عنه المزي ، ومسلم بن صبيح ؛ ثقة من رجال الشيخين ، ولكني
أخشى أن يكون وهماً ، أو قلباً متعمداً ممن دونه ؛ فإنهم كلهم معروفون بالتشيع ؛ إلا
الحسين بن الحسن العرني ؛ فإني لم أعرفه ، وأخشى ما أخشاه أن يكون هو الحسين
ابن الحسن الأشقر المتقدم في رواية "أوسط الطبراني " ؛ تحرف (الأشقر) على
بعضهم إلى " العرني "!
وثمة مخالف ثالث : فقال الإمام أحمد (2/442) : ثنا تَليد بن سليمان : ثنا
أبو الجحاف عن أبي حازم عن أبي هريرة قال :

(13/60)


نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَفَاطِمَةَ ، فَقَالَ : ... فذكره .
وكذلك رواه الإمام في "فضائل الصحابة " (2/767/1350) ، ومن طريقه
الحا كم (3/149) ، والدولابي في " الكنى" (2/ 160) ، وابن عدي في " الكامل "
(2/516 - 5175) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (7/137) ، وعنه ابن الجوزي في
"العلل المتناهية" (1/266/431) من طرق أخرى عن تليد ... به . وقال الحاكم :
"هذا حديث حسن من حديث أحمد بن حنبل عن تليد ؛ فإني لم أجد له
رواية غيرها "!
كذا قال! وتليد هذا اختلفت الرواية عن أحمد فيه ؛ فمرة لم ير به بأساً ،
ومرة قال :
"هو عندي كان يكذب " . وهذا أرجح عندي ؛ لأمرين :
الأول : أنه جرخ مفسر .
والآخر : أنه موافق لأقوال غيره من الأئمة ؛ كابن معين والساجي ، وفيهم
بعض المعروفين بتساهلهم في التعديل كابن حبان ؛ فإنه أورده في "الضعفاء" ،
وقال (1/ 204) :
"كان رافضياً يشتم أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وروى في فضائل أهل البيت
عجائبَ ! وقد حمل عليه ابن معين حملاً شديداً ، وأمر بتركه " .
وقال الحاكم وأبو سعيد النقاش - كما في "التهذيب " - :
"رديء المذهب ، منكر الحديث ، روى عن أبي الجحاف أحاديث موضوعة" .
زاد الحاكم :
"كذبه جماعة من العلماء" .

(13/61)


قلت : وكأنه لم يعرف هذا أو لم يستحضره حين حسَّن حديثه . كما أنه لم
يجد له حديثاً آخر ، مع أن ابن عدي ساق له أحاديث أخرى ؛ أحدها عند
الترمذي ، وقد سبق تخريجه برقم (3056) ، وقال ابن عدي عقبها :
"ولتليد غير ما ذكرت ، وبيِّنٌ على روايته الضعف " . وقال ابن الجوزي عقبه :
"لا يصح ؛ تليد بن سليمان كان رافضياً يشتم عثمان . قال أحمد ويحيى :
كان كذاباً " .
قلت : ولقد أخطأ خطأ فاحشاً أحد إخواننا اللبنانيين حين استشهد بحديث
تليد هذا في تقوية حديث الترجمة ؛ مغتراً بقول الهيثمي في "المجمع " (9/169) :
"وفيه تليد بن سليمان ، وفيه خلاف ، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "!
ولم يعلم أن هذا الخلاف الذي أشار إليه الهيثمي لا قيمة له - كما سبق بيانه - ،
وكيف يصح الاستشهاد به وقد كذبه جمع ؟!
وهذا مثال من مئات الأمثلة في تورط كثير من الشباب المتخرجين من
الجامعات وغيرهم في مبادرتهم في الكتابة في هذا العلم ، واستسهالهم طريقة نقد
الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً ، وهم بعدُ في أول الطريق! فقد كتب إليَّ المومأ إليه
رسالة ينتقدني فيها - بأدب واعتراف بالفضل - تضعيفي لبعض أحاديث "سنن
ابن ماجه " في كتابي الذي صدر حديثاً بعنوان : "ضعيف سنن ابن ماجه " طبع
المكتب الإسلامي ، ولقد تصرف طابعه فيه بما لا يجوز مما لا مجال لبيانه هنا ،
ولعل ذلك يكون في طبعة جديدة منا له إن شاء الله .
وكما أخطأ المومأ إليه في الاستشهاد بتليد هذا ؛ كذلك أخطأ باستشهاده
برواية العرني - وقد ترجم لجميع رواته سواه! - ، وبرواية صبيح - وزعم أنها مرسلة -!

(13/62)


ولقد كان انتقاد هذا الأخ من الدواعي لتخريج الحديث بهذا التوسع هنا .
ومن ذلك : أنه حسَّن الحديث أخونا حمدي السلفي لطرقه ، وقد كنت أنا
نفسي قد حسنته في "صحيح الجامع " بناء على تخريجي إياه في "الروض
النضير" قديماً ، مغتراً بتخريج ابن حبان إياه من الطريق الأولى! والآن فقد رجعت
عنه وكتبت على نسختي من "الصحيح " بنقله إلى "ضعيف الجامع " . والله هو ولي
التوفيق ، وهو المسؤول أن يهديني لأقوم طريق!

6029 - ( كَانَ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَشْرِقِ .قِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ فِتْنَةُ
الْمَغْرِبِ؟ قَالَ : تِلْكَ أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (17/187/ 501) بسندين له
عن عَبْدِالْوَهَّابِ بن نَجْدَةَ الْحَوْطِيّ : ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عَيَّاشٍ عَنْ صَفْوَانَ بن عَمْرٍو
عَنْ أَزْهَرَ بن عَبْدِاللَّهِ الْحَرَازيِّ عَنْ عِصْمَةَ بن قَيْسٍ السُّلَمِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أنه كان ...
وبإسناديه المشار إليهما عن عبدالوهاب بن نجدة ... به ؛ إلا أنه قال : عن
عصمة بن قيس صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أنه كان يتعوذ في صلاته من فتنة المغرب .
هكذا فيه ؛ لم يقل : "عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " - كما في الرواية الأولى - ؛ فهو موقوف .
وقد تابعه حَريز بن عثمان على الرواية الثانية ؛ إلا أنه قال : عن الأزهر أبي
الوليد عن عصمة صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان ... إلخ .
أخرجه البخاري في "التاريخ " (4/1/63) من طريق أبي اليمان عنه .
ورواه ابن عبدالبر في ترجمة عصمة هذا من "الإستيعاب" من طريق أبي

(13/63)


زرعة الدمشقي ؛ حدثنا علي بن عياش ؛ حدثنا حريز بن عثمان : حدثنا الوليد بن
أزهر الهوزني عن عصمة صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان ... إلخ . وقال ابن عبدالبر :
"هكذا قال : (الوليد بن أزهر) ، وروى غيره عن حريز بن عثمان عن أبي
الوليد الأزهر بن راشد عن عصمة ... " فذكر حديثاً آخر .
قلت : وهذا اختلاف شديد على تابعي هذا الحديث في اسمه ، ومن الصعب
جدّاً ترجيح وجه من الوجوه الثلاثة ؛ لأن رواتها كلهم ثقات ، وهذا إن دل على
شيء - كما يقولون اليوم - ؛ فهو يدل على أن هذا الراوي غير مشهور عندهم ، وإلا ؛
لما اختلفوا فيه ، وإذا رجعنا إلى ترجمة الأول منهم - أعني : أزهر بن عبدالله
الحرازي - من "التهذيب " ؛ وجدنا فيه اختلافاً آخر ؛ فقال البخاري :
"أزهر بن عبدالله ، وأزهر بن سعيد ، وأزهر بن يزيد ؛ واحد ، نسبوه مرة (مُرادي) ،
ومرة (هوزني) ، ومرة (حَرَازي) " . قال الحافظ عقبه :
"فهذا قول إمام أهل الأثر : أن أزهر بن سعيد هو : أزهر بن عبدالله . ووافقه
جماعة على ذلك " .
وذكر في ترجمة (أزهر بن سعيد الحرازي) أنه قول أكثر العلماء .
وأظن أن (الحرازي) الذي أشار إليه البخاري هو هذا المذكور في الوجه الأول ،
و (الهَوزني) هو الأزهر أبو الوليد ؛ فإنه ابن راشد الهوزني ؛ فإنه مترجم في "التهذيب"
دون أن يشار إلى أنه من وجوه الاختلاف .
ومن ذلك الوليدُ بن أزهرَ المتقدمُ . ولم أرَ من ترجمه .
ومع هذا الاختلاف ؛ فليس لهذا الراوي لهذا الحديث موثِّقٌ غيرُ ابنِ حبانَ
(4/38 - 39)! فهو عندي في عداد المستورين .

(13/64)


وكما اختلفوا في اسم هذا الراوي للحديث اختلفوا في متنه رفعاً ووقفاً ؛
فرفعه صفوان بن عمرو في روايته الأولى ، وأوقفه في الأخرى .
وتابعه على وقفه حريز بن عثمان . فما اتفقا عليه ؛ أولى بالاعتماد - كما لا
يخفى على الخبير بهذا العلم - .
وبالجملة ؛ فالحديث ضعيف ؛ للاضطراب والجهالة ، مع كونه موقوفاً على
الراجح . والله أعلم .
ومما سبق تعلم خطأ الشيخ التويجري حين جزم في أول كتابه "الصارم
المشهور" (ص 4 - الطبعة الأولى) بنسبته إلى عصمة بن قيس ، وأنه في حكم
المرفوع! وأظن أن عمدته في ذلك إنما هو قول الهيثمي في "المجمع " (7/ 220) :
"ورجاله ثقات "!
وهذا لا يعني تقوية الحديث بوجه من الوجوه - كما يعلم ذلك البصير بهذا
العلم الشريف - ، وقد مضى مني التنبيه على ذلك مراراً .
وأما قوله بأنه في حكم المرفوع ؛ فنقول : نعم ؛ ولكن أثبت العرش ثم انقُشْ !
ومن غرائبه أنه حمل الحديث على الإفرنج بحكم كونهم في المغرب! وهم
وإن كانوا سبباً لما أصاب المسلمين - من البلاء والانحراف عن الشرع ، والعمل
بأحكامه ، وإقامة حدوده - بسبب استعمارهم لبلادهم ؛ فليس من المتبادر أنهم هم
المقصودون من الحديث - لو صح - لا شرعاً ولا اصطلاحاً.
أما الشرع ؛ فواضح .
وأما اصطلاحاً ؛ فإن المفهوم إليوم من (المغرب) إنما هي البلاد الواقعة في شمال
إفريقية غرب مصر ، وهي : ليبيا وتونس والجزائر ومراكش ، وهي بلاد إسلامية .
وانظر "معجم البلدان " لياقوت الحموي .

(13/65)


6030 - ( سُئِلَ عَمَّنْ اِسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ ؟ فَقَالَ : أُولَئِكَ
أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } ) .
منكر .
أخرجه الْحَافِظ ابْن مَرْدَوَيْهِ بسنده عن سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ : حَدَّثَنَا
النُّعْمَان بْن عَبْد السَّلَام : حَدَّثَنَا شَيْخ لَنَا يُقَال لَهُ أَبُو عَبَّاد عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد
ابْن عُقَيْل عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : ... فذكره مرفوعاً .
نقلته من "تفسير ابن كثير" (2/216) ، وقال عقبه :
"حَدِيث غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْه" .
قلت : وهو عندي واه جدّاً ؛ آفته سليمان بن داود ، وهو الشاذكوني ؛ كذبه
ابن معين وغيره ، ولعل ابن كثير ما عرف أنه هو ؛ ولذلك استغربه فقط ، وقد
ذكروه في جملة الرواة عن النعمان بن عبدالسلام .
وأبو عباد شيخ النعمان والراوي عن ابن عقيل المدني ؛ لا أستبعد أن يكون
الذي في " الميزان " و "اللسان " :
"عن نافع أحد السبعة ، مجهول ، ووثقه ابن حبان " .
قلت : وكناه في "الثقات " (8/ 430) بأبي عباد المزني . كذا فيه ، وفي
" التاريخ " و" التهذيب " : " المدني " ... ولعله الصواب .
والحديث ؛ ذكوه السيوطي في "الدر المنثور" (3/87) من رواية أبي الشيخ
وابن مردويه وابن عساكر عن جابر مرفوعاً بلفظ :
"يوضع الميزان يوم القيامة ، فتوزن الحسنات والسيئات ، فمن رجحت حسناته
على سيئاته مثقال صؤابة (1) ؛ دخل الجنة ، ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال
صؤابة (1) ؛ دخل النار" . قيل : يا رسول الله! فمن استوت حسناته وسيئاته ؛ قال :
__________
(1) في "القاموس" : كغرابة : بيضة القمل والبرغوث .

(13/66)


"أولئك أصحاب الأعراف {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ }" .
قلت : ولم يتحدث عن إسناده بشيء ، فلا أدري إذا كان هو نفس سند ابن
مردويه من طريق الشاذكوني الكذاب أو هو غيره .
ولقد كان من الدواعي على إخراجه وبيان حقيقة إسناده التحذير من صنيع
ذلك الحلبي المتعالم : الشيخ الصابوني ؛ حيث ذكر الحديث في "مختصره " (2/22)
مؤكداً وروده وصحته بقوله : "وقد جاء فِي حَدِيثِ مرفوع ، رواه الحافظ ابن مردويه عن
جابر ... " ؛ فحذف أولاً كلام ابن كثير الدالَّ على ضعفه - كما تقدم نقله عنه - .
وثانياً : لم ينقل ما عقب عليه وعلى أخبار أخرى ساقها بعده ، وهو قوله :
"والله أعلم بصحة هذه الأخبار المرفوعة ، وقصاراها أن تكون موقوفة"!
وقد مضى أحد الأحاديث المشار إليها برقم (2791) ، ومنها الحديث التالي
بعده .
وقد استقصى طرقه المرفوعة والموقوفة الشيخ الزبيدي في "شرح الإحياء"
(8/564 - 565) ، وعزا (2/219) حديث جابر باللفظ الثاني لخيثمة في "فوائده " ،
وعزاه الحافظ في "الفتح " (11/402) لأبي حاتم والحاكم بلفظ :
"من زادت حسناته على سيئاته ؛ فذاك الذي يدخل الجنة بغير حساب ،
ومن استوت حسناته وسيئاته ؛ فذاك الذي يحاسب حساباً يسيراً ، ثم يدخل
الجنة ، ومن زادت سيئاته على حسناته ؛ فذاك الذي أوبق نفسه ، وإنما الشفاعة في
مثله " .
وسكت عنه ؛ فهو حسن عنده ، والله أعلم . ولم أقف عليه في "مستدرك
الحاكم " .

(13/67)


6531 - ( سُئِل عْن أَصْحَابِ الْأَعْرَاف ؟ فَقَال :
هَمّ رِجَالٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله ، وهَمّ عُصَاةٌ لآبائِهم ، فَمَنَعَتْهُمُ الشِّهَادَةُ
أَن يَدْخُلُوا النَّارَ ، ومَنَعَتْهُمُ الْمَعْصِيَةُ أَن يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ، وهم عَلَى سُورٍ
بين الْجَنَّةِ والنَّارِ حَتَّى تَذْبُلَ لحومهَم وشُحومُهم حَتَّى يَفْرُغَ اللهُ مِنْ
حِسَابِ الْخَلَائِقِ ، فَإِذَا فَرَغَ اللهُ مِنْ حِسَابِ خَلْقِه ، فَلِم يَبْقَ غيرُهم ؛
تَغَمَدَهُم منه بِرَحْمَتِه ، فأَدْخَلَهُم الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِه ) .
ضعيف جدّاً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص 139 - هند/
الروض 997) وفي " المعجم الأوسط " (1/ 284/ 2/ 4781 - بترقيمي) من طريق
أبي أسلم محمد بن مخلد الرعيني الحمصي : ثنا عبدالرحمن بن زيد بن
أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال : ... فذكره مرفوعاً . وقال :
"لا يروي عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد" .
قلت : وهو ضعيف جدّاً ؛ عبدالرحمن بن زيد هذا ضعيف جدّاً ، وهو صاحب
حديث توسل آدم به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقد مضى برقم (25) مع شيء من ترجمته .
ومثله الرعيني الراوي عنه ، أو هو أسوأ منه ؛ فقد قال ابن عدي (6/ 2260) :
"حدث عن مالك وغيره بالبواطيل " . وقال الدارقطني :
"متروك الحديث " . وساق له الذهبي حديثاً ، ثم قال فيه :
"وهو كذب ظاهر" .
ومن هذا التحقيق تعلم تساهل من قال في هذا الإسناد أو راويه : "ضعيف "!
مثل العراقي في "المغني " (4/ 30) ، والهيثمي في "المجمع " (7/23) ، والسيوطي

(13/68)


في "الدر" (3/88) ، وأعله الأول بضعف عبدالرحمن ! واتبعه الزبيدي في "شرح
الإحياء " (8/ 564) ، والثا ني بالرعيني!
(تنبيه) : لقد وهم في هذا الحديث حافظان :
أحدهما : ابن كثير ؛ حين عزاه في "التفسير" (2/216) لابن ماجه!
والأخر : العراقي ؛ فقد عزاه للبزار وحده! ولم أره في "كشف الأستار" ، لا
في "التفسير" منه ، ولا في "البعث " ومتعلقاته ، ولا عزاه إليه تلميذه الهيثمي في
"المجمع " ، وإن عزاه إليه الزبيدي تقليداً للعراقي .
وعزاه السيوطي في "الدر" لابن مردويه مع الطبراني .

6032 - ( مَنْ شرِبَ الماءَ على الرِّيق ؛ انتُقِصَتْ قُوَّتُه) .
ضعيف جدّاً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/285/4783)
بإسناد الحديث الذي قبله عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً . وقال :
"لم يروه عن زيد بن أسلم إلا ابنه عبدالرحمن ، تفرد به أبو أسلم " .
قلت : وكلاهما ضعيف جدّاً ؛ كما تبين من تخريجنا للحديث الذي قبله .
ولذلك ؛ لم يحْسن الهيثمي مرة أخرى حين اقتصر في "المجمع " (5/87) على
إعلاله بمحمد بن مخلد الرعيني فقط ، وبقوله فيه :
"ضعيف "! وحاله أسوأ من ذلك ؛ كما تقدم بيانه في الذي قبله .
ثم أشار إلى أن له شاهداً من حديث أبي هريرة ، فأقول :
أخرجه الطبراني في "الأوسط " (2/103/ 1/6701) فقال : حدثنا محمد بن
أبي غسان : ثنا أبو نعيم عبدالأول المعلم : ثنا أبو أمية الأيلي عن زُفَر بن واصل
عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ :

(13/69)


"من كَثُر ضحكه ؛ استُخِفَّ بحقه ، ومن كثُرت دعابته ؛ ذهبت جلالته ، ومن
كثُر مزاحه ؛ ذهب وقاره ، ومن شرب على الرِّيق ؛ انتقصت قوته ، ومن كثر كلامه ؛
كَئُر سقطه ، ومن كثر سقطه ؛ كثرت خطاياه ، ومن كثرت خطاياه ؛ كانت النار
أولى به " . وقال :
"لا يروى إلا بهذا الإسناد ؛ تفرد به عبدالأول المعلم " .
قلت : ولم أعرفه ، ويحتمل أنه الذي في "ثقات ابن حبان " (8/425) :
"عبدالأول بن حكيم الحلبي ، يروي عن مسرة بن معبد اللخمي ... روى
عنه سعيد بن واقد الحمراني " .
ذكره فيمن روى عن أتباع التابعين . وهذا من هذه الطبقة . والله تعالى أعلم .
وأبو أمية الأيلي وشيخه زُفَر لم أعرفهما أيضاً ؛ فهو إسناد مظلم . وقال
الهيثمي (7/87 و 10/302) :
"وفيه جماعة لم أعرفهم " . وعزاه السيوطي في "الجامع الكبير" لابن عساكر ،
وقال :
"وقال : غريب الإسناد والمتن " .
وكذا في "شرح الإحياء" (7/455) ، والظاهر أنه نقله عنه .
وقد روي مختصراً من حديث ابن عمر ، وتقدم برقم (4643) .

6033 - ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ، فَلَمَّا ذَاقَ الشَّجَرَةَ ؛ سَقَطَ عَنْهُ لِبَاسُهُ ،
فَأَوَّلُ مَا بَدَا مِنْهُ عَوْرَتُهُ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى عَوْرَتِهِ ؛ جَعَلَ يَشْتَدُّ فِي الْجَنَّةِ ) .
ضعيف .
أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير/ الأعراف " من طريق علي بن

(13/70)


عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ علي بن عاصم - قال في "التقريب " - :
" صدوق ؛ يخطئ ويُصِرّ " .
والحسن - وهو البصري - ؛ مدلس .
ونحوه قتادة .

6034 - (مَنْ قال : قبح اللهُ الدُّنيا ؛ قالتِ الدنيا : قبحَ اللهُ أعصانا) .
منكر .
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (13/257/16276 ) : [حدثنا]
يحيى بن بكير قال : حدثنا زهير بن محمد عن خالد بن سعيد عن المطلب بن
حنطب : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد مرسل ضعيف ؛ المطلب بن حنطب - قال الحافظ في
" التقريب " - :
"صدوق ، كثير التدليس والإرسال " .
وخالد بن سعيد - هو : ابن أبي مريم التيمي المدني مولى ابن جدعان - لم
يوثقه غير ابن حبان (6/256) ، وقد روى عنه ثلاثة - كما في "التهذيب " - ،
أحدهم ثقة ، والثاني : صدوق يهم ، والثالث ابنه عبد الله ؛ لم أعرفه ، ويضم إليهم
زهير بن محمد هذا - وهو الخراساني - ؛ وهو ثقة من رجال الشيخين إذا لم يرو عنه
شامي ، وهذا من هذا القبيل ؛ فإن يحيى بن بكير ثقة مصري .
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" للديلمي فقط!
ئم تنبهت لخطأ وقع في اسم (يحيى بن بكير) عند "المصنف" ، ففسَّرته بأنه

(13/71)


المصري ، وهو يحيى بن عبدالله بن بكير ، ثم تبينت أن الصواب : (يحيى بن أبي
بكير) ؛ كذلك وقع في ترجمة (خالد بن سعيد) في "التاريخ الكبير" للبخاري
(2/1/152) فِي حَدِيثِ آخر له ، ساقه من طريق إبراهيم بن الحارث قال :
حدثنا يحيى بن أبي بُكَير قال : حدثنا زهير عن خالد بن سعيد عن المطلب بن
حنطب ... به .
ومما يؤيد ذلك : أنهم ذكروه في الرواة عن زهير دون ابن بكير .
ويحيى بن أبي بكير : هو الكرماني ثم البغدادي ؛ وهو ثقة من رجال الشيخين
أيضاً .

6035 - ( يَا بَشِيرُ ! أَلا تَحْمَدُ اللهَ الَّذِي أَخَذَ بناصِيَتِكَ مِنْ بَيْنِ
رَبِيعَةَ ؛ قَوْمٌ يَرَوْنَ لَوْلاهُمُ انْكَفَتِ الأَرْضُ بِمَنْ عَلَيْهَا ؟!) .
منكر .
أخرجه البخاري في "التاريخ " (3/2/443) ، والطبراني في "المعجم
الكبير" (2/45 - 46/1236) و"الأوسط " (1/160/2/2997 و 2/71/1/6169) ،
وابن عساكر (3/382) ، وأبو نعيم في "المعرفة" (1/97/2) من طرق عن الصَّلْت
ابن مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيّ : ثَنَا عُقْبَةُ بن الْمُغِيرَةِ الشَّيْبَانِيُّ : ثَنَا إِسْحَاقُ بن أَبِي إِسْحَاقَ
الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَشِيرِ بن الْخَصَاصِيَةِ قَالَ :
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَحِقْتُهُ بِالْبَقِيعِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ :
"السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " . وَانْقَطَعَ شِسْعِي ، فَقَالَ لِي :
" أَنْعِشْ قَدَمَكَ ".
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! طَالَتْ عُزُوبَتِي ، ونَأَيْتُ عَنْ دَارِ قَوْمِي ! قَالَ : ... فذكر
الحديث . وقال :

(13/72)


"لم يرو عن أبي إسحاق إلا ابنه إسحاق ، تفرد به عقبة ، ولا يُروى عن بشير
إلا بهذا الإسناد" .
قلت : وهو إسناد شبيه بالحسن ؛ أبو إسحاق الشيباني - واسمه : سليمان بن
أبي سليمان - ثقة اتفاقاً ، وأخرج له الشيخان .
وابنه إسحاق ذكره في "التهذيب " في الرواة عن أبيه ، وذكر ابن أبي حاتم
(1/1/223) أنه كوفي روى عنه أبو أسامة أيضاً ، وذكره ابن حبان في "الثقات "
(6/48) وقال : روى عنه المسعودي أيضاً ؛ فهؤلاء ثلاثة روَوْا عنه .
والمسعودي فيه ضعف من قبل حفظه .
وأما عقبة بن المغيرة الراوي الثالث عنه فقال ابن أبي حاتم (3/1/316) :
"سمع إسحاق بن أبي إسحاق ، روى عنه محمد بن عبدالله بن نمير وأبو
سعيد الأشج ، ومحمد بن عقبة السدوسي " .
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
وكذلك فعل البخاري . وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/ 500) برواية
السدوسي عنه .
وهو صدوق يخطئ كثيراً ، واللذان قبله ثقتان ، ويضم إليهم الراوي عنه هذا
الحديث : الصلت بن مسعود الجحدري ، وهو ثقة من رجال مسلم . فعقبة هذا
صدوق إن شاء الله تعالى .
والحديث قال الهيثمي (3/ 60) :
"رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط " ؛ ورجاله ثقات ، وله طريق عند أحمد
تأتي في "المناقب " إن شاء الله " .

(13/73)


قلت : الطريق التي عند أحمد التي أشار إليها ، يختلف لفظُه عن هذا تماماً ،
وقد رواه جمع آخر من أصحاب "السنن " وغيرهم ، وهو مخرج في "أحكام الجنائز"
(ص 136 - 137) ، وقد قواه جمع كما تراه هناك .
وعليه فهو يعلّ حديث الترجمة ، وما فيه من ذكر انقطاع الشِّسْع ، وقوله :
"أنعش قدمك " ؛ وذلك لأنه لا يروى إلا بهذا الإسناد - كما تقدم عن الطبراني - ،
ولم تطمئنَّ النفس لتوثيق ابن حبان لإسحاق بن أبي إسحاق ، مع مخالفته لطريق
أحمد القوية . والله أعلم .
ثم رأيت للحديث طريقاً أخرى لا تساوي شيئاً ؛ لأنه يرويه الهيثم بن عدي :
تنا أبو جناب الكلبي : حدثني إياد بن لقيط الذهلي : حدثتني الجَهْدَمةُ امرأة
بشير ابن الخصاصية قالت : حدثنا بشير قال : ... فذكر الحديث مطولاً ، وفيه أنه
قال له :
"أما ترضى أن أخذ الله سمعك وقلبك وبصرك إلى الإسلام من ربيعة الفرس ،
الذين يزعمون أن لولاهم لانكفت (الأصل : لانفكت) الأرض بأهلها" . الحديث .
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (2/26) ومن طريقه ابن عساكر (3/379) ،
وقال أبو نعيم :
"رواه إسحاق بن أبي إسحاق عن أبيه مختصراً" .
قلت : هو حديث الترجمة ، وقد عرفت حاله . أما هذا ؛ فآفته الهيثم بن
عدي ، قال ابن معين والبخاري وغيرهما :
"كذاب " .
ومن كذبه عندي أنه صرح بتحديث أبي جناب الكلبي عن إياد ، وقد خالفه
وكيع فقال : عن أبي جناب عن إياد ... به مختصراً .

(13/74)


أخرجه ابن عساكر .
قلت : وأبو جناب هذا اسمه يحيى بن أبي حيَّة ، قال في "التقريب " :
"ضعفوه لكثرة تدليسه " .

6036 - ( ارْجِعُوا بِهِ فَاغسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ ، وَصَلُّوا عَلَيْهِ وَادْفِنُوهُ ،
وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَقَدْ كَادَتْ الْمَلَائِكَةُ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ . يعني :
مولىً للأنصار ، كَانَ يُصَلِّي وَيَدَعُ ! ) .
منكر .
علقه ابن قدامة المقدسي في "المغني " (2/ 301) فقال : وَقَالَ الْخَلَّالُ
فِي " جَامِعِهِ ": ثنا يَحْيَى : ثنا عَبْدُالْوَهَّابِ : ثنا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي شُمَيلَةَ :
أَتى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قُبَاءَ ؛ فَاسْتَقْبَلَهُ رَهْطٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَحْمِلُونَ جِنَازَةً عَلَى
بَابٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَا هَذَا ؟ " ، قَالُوا : مَمْلُوكٌ لِآلِ فُلَانٍ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ ، قَالَ :
" أَكَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ؟ " ، قَالُوا : نَعَمْ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ وَكَانَ . فَقَالَ : " أَمَا كَانَ
يُصَلِّي ؟ " فَقَالُوا : قَدْ كَانَ يُصَلِّي وَيَدَعُ . فَقَالَ لَهُمْ : ... فذكره .
قلت : وهذا متن منكر جدّاً ، عندي شبه موضوع ، بإسناد مظلم ؛ أبو شُميلة
ذكروه في "الصحابة" ، ولكن يبدو لي أنه غير مشهور ؛ فإنهم لم يذكروا له من روى
عنه ، ولا أنه حضر غزوة أو مشهداً ، وإنما ذكروا أنه جاء ذكره فِي حَدِيثِ لابن
عباس أنه كان رجلاً من شنوءة غلب عليه الخمر وأنه جُلد ، ومع ذلك ففيه عنعنة
ابن إسحاق ؛ فهل تثبت الصحبة بمثل هذا ؟!
وعبدالله بن عبدالرحمن لم أعرفه ، وليس هو في شيوخ هشام بن حسان
الذين ذكرهم الحافظ المزي في "تهذيب الكمال " .

(13/75)


وعبدالوهاب - هو : ابن عطاء الخفَّاف البصري - ثقة من رجال مسلم .
ويحيى الراوي عنه - هو : ابن أبي طالب - ، ترجمه الخطيب في "التاريخ "
(14/220) بروايته عن جمع ؛ منهم عبدالوهاب هذا . وروى عن أبي داود أنه خَطَّ
على حديث يحيى . وعن موسى بن هارون قال :
"أشهد على يحيى بن أبي طالب أنه يكذب " . وعن الدارقطني أنه قال :
" لا بأس به عندي ، ولم يطعن فيه أحد بحجة" .
وقد تأول الذهبي تكذيب موسى إياه بأنه عنى : (في كلامه) ؛ وسواءٌ كان
هذا أو غيرُه فأحلاهما مر ، وهو على كل حال جرح مفسر ؛ فيقدم على توثيق
الدارقطني ، وبخاصة وقد ضرب أبو داود على حديثه! فأظن أنه هو آفة هذا
الحديث .
وقد أورده ابن قدامة في جملة أدلة الجمهور الذين لا يُكَفِّرون تارك الصلاة
كسلاً ، وقال :
"وهو الأصوب " .
وتبعه على ذلك جماعة من كبار الحنابلة ؛ منهم الشيخ أبو الفرج مؤلف
"الشرح الكبير" وغيره ، ولو صح هذا الحديث ؛ لكان فصل الخطاب في ذلك ورافعاً
للخلاف .

6037 - ( أُجِبْتُ بِالَّذِي لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أمتي طَلْعَةً تَرَكُوا
الصَّلَاةَ . قَالَ : أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قَالَ : بَلَى ... ) الحديث .
منكر .
أخرجه أحمد (5/ 170) : ثنا يَحْيَى : ثَنَا قُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : حَدَّثَتْنِي

(13/76)


جَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ : أَنَّهَاانْطَلَقَتْ مُعْتَمِرَةً ، فَانْتَهَتْ إِلَى الرَّبَذَةِ فَسَمِعَتْ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ :
قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَصَلَّى بِالْقَوْمِ ، ثُمَّ تَخَلَّفَ
أَصْحَابٌ لَهُ يُصَلُّونَ ، فَلَمَّا رَأَى قِيَامَهُمْ وَتَخَلُّفَهُمْ انْصَرَفَ إِلَى رَحْلِهِ ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمَ
قَدْ أَخْلَوْا الْمَكَانَ ؛ رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَصَلَّى ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ خَلْفَهُ ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِيَمِينِهِ ،
فَقُمْتُ عَنْ يَمِينِهِ ، ثُمَّ جَاءَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَامَ خَلْفِي وَخَلْفَهُ ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِشِمَالِهِ ، فَقَامَ
عَنْ شِمَالِهِ فَقُمْنَا ثَلَاثَتُنَا يُصَلِّي كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا بِنَفْسِهِ ، وَيَتْلُو مِنْ الْقُرْآنِ مَا شَاءَ اللَّهُ
أَنْ يَتْلُوَ ، فَقَامَ بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ يُرَدِّدُهَا حَتَّى صَلَّى الْغَدَاةَ ، فَبَعْدَ أَنْ أَصْبَحْنَا أَوْمَأْتُ
إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : أَنْ سَلْهُ : مَا أَرَادَ إِلَى مَا صَنَعَ الْبَارِحَةَ ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ
بِيَدِهِ : لَا أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يُحَدِّثَ إِلَيَّ . فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، قُمْتَ بِآيَةٍ
مِنْ الْقُرْآنِ لَوْ فَعَلَ هَذَا بَعْضُنَا لوَجَدْنَا عَلَيْهِ ! قَالَ : "دَعَوْتُ لِأُمَّتِي" ، قَالَ فَمَاذَا
أُجِبْتَ ؟ أَوْ : مَاذَا رُدَّ عَلَيْكَ ؟ قَالَ : ... فذكره ، وتمامه :
فَانْطَلَقْتُ مُعْنِقاً قَرِيباً مِنْ قَذْفَةٍ بِحَجَرٍ ، فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّكَ إِنْ
تَبْعَثْ إِلَى النَّاسِ بِهَذَا ؛ نَكَلُوا عَنْ الْعِبَادَةِ . فَنَادَى : أَنْ ارْجَعْ ، فَرَجَعَ ، وَتِلْكَ الْآيَةُ :
{ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .

قلت : وهذا إسناد ليس فيه من يخشى منه شيء من النكارة الظاهرة في
هذا السياق سوى جسرة بنت دجاجة ، وليست بالمشهورة ؛ فإنه لم يرو عنها من
الثقات غير قدامة بن عبدالله هذا وأفلت بن خليفة ، وفي ترجمة هذا الثاني
منهما قال البخاري (1/2/67) :
"وعند جسرة عجائب " . وساق لها عن عائشة حديث :
"لا أُحِلُّ المسجد لحائض ، ولا لجنب ؛ إلا لمحمد وآل محمد" . ثم أشار إلى
نكارته بقوله :

(13/77)


"وقال عروة وعباد بن عبدالله عن عائشة مرفوعاً : سُدّوا هذه الأبواب إلا باب
أبي بكر" . وقال عقبه :
"وهذا أصح " .
وعلى هذا ؛ فذِكر ابن حبان إياها في "الثقات " (4/121) من تساهله المعروف!
وبخاصة أنه قال فيما نقله أبو العباس البناني :
"عندها عجائب " . ذكره في "الميزان " ، وقال البيهقي :
"فيها نظر" .
فقد وافق ابن حبان البخاري في جرحه إياها ، وعليه اعتمد الذهبي في إيراده
لها في "المغني في الضعفاء" . وقال الحافظ في "التقريب " :
"مقبولة" .
وبالجملة ؛ فلم تطمئن النفس لحديثها بعامة بعد جرح البخاري إياها ، ولحديثها
هذا بخاصة ؛ فإن فيه ما يستنكر :
أولاً : قولها عن أبي ذر : "فقمت عن يمينه ... فقام (ابن مسعود) عن شماله " .
فإن هذا خلاف السنة الثابتة فِي حَدِيثِ جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
أن جابراً وجَبَّاراً وقفا ؛ أحدهما عن يمينه عن والآخر عن يساره ، فأخذ بأيديهما
حتى أقامهما خلفه .
رواه مسلم وغيره ، وهو مخرج في "الإرواء" برقم (539) .
نعم ؛ قد صح عن ابن مسعود أنه صلى بين علقمة والأسود ، وقال : هكذا
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل .

(13/78)


أخرجه أبو داود وغيره ، وهو مخرج في "الإرواء" أيضاً (538) .
أقول : فأخشى أن يكون دخل عليها حديث فِي حَدِيثِ .
ثانياً : قوله : "فقمنا ثلاثتنا يصلي كل رجل منا بنفسه ، ويتلو من القرآن ما
شاء الله أن يتلو" .
قلت : هذا أمر مستنكر جدّاً ، لا نجد في السنة ما يشبهه ، فإن الظاهر أن أبا
ذر وابن مسعود كانا مؤتمين به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فكيف يصح مع ذلك قوله : "يصلي كل رجل
منا بنفسه ، ويتلو من القرآن ما شاء الله" ؟! وكيف يمكن أن يقرأ كل واحد منهم ما
شاء ، وفي ذلك من التشويش الممنوع ما لا يخفى على أحد ؟!
ثالثاً : قول عمر : "إنك إن تبعث إلى الناس بهذا ... " إلخ ؛ فإن الثابت في
"صحيح مسلم" (1/44) أن قول عمر هذا إنما كان في قصة أخرى وقعت له مع
أبي هريرة ، فأخشى أيضاً أن يكون اختلط على جسرة هذا بهذا!
رابعاً وأخيراً : أن جسرة لم تثبت على رواية الحديث بهذا السياق الطويل
الذي فيه ما سبق بيانه من المستنكر ؛ بل عدلت عنه إلى روايته مختصراً :
قالت سمعت أبا ذر يقول :
قام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا أصبح بآية ؛ والآية : {إن تعذبهم فإنهم عبادك ... } .
أخرجه النساثي (1/156 - 157) ، وابن ماجه (1350) ، والحاكم (1/241) ،
وعنه البيهقي (3/14) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (1/205) ، والخطيب في
"الموضح " (1/456) كلهم من طريق يحيى بن سعيد ... به . وقال الحاكم :
"صحيح "! ووافقه الذهبي !

(13/79)


وفيه نظر ؛ إلا أن يقصد أنه صحيح لغيره ، فهو ممكن ؛ لأن له شاهداً مختصراً
من حديث أبي سعيد الخدري :
أن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردد آية حتى أصبح .
أخرجه أحمد (3/62) بسندٍ جيد .
ومن الملاحظ أن يحيى بن سعيد هذا - وهو : القطان الحافظ - هو نفسه راوي
حديثها الطويل ، وفيه حديث الترجمة . وقد كِدْتُ أن أنسى أنه أنكر ما في
حديثها ، لأ نني أستبعد جدّاً أن يصدر منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذاك التصريح : " ... تركوا
الصلاة" ، لما فيه من لفت النظر إلى ترك الاهتمام بالصلاة ، ومعلوم بداهةً أن ذلك
ليس من مقاصده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يبشر به أمته كالشفاعة ؛ كما يأتي في بعض طرق
هذا الحديث نفسه . فتأمل .
أقول : فكأن يحيى بن سعيد سمعه من قدامة بن عبدالله عن جسرة مطولاً
مرة ، ومختصراً مرة أخرى ؛ فكان يرويه تارة هكذا ، وتارة هكذا .
وقد توبع عليه مختصراً ، فقال أحمد (5/156) : ثنا وكيع : ثنا قدامة
العامري ... به .
وقال ابن أبي شيبة في "المصنف " (11/497 -498) : حدثنا محمد بن
فضيل عن فليت العامري عن جسرة عن أبي ذر ... به ، وزاد :
"بها يركع وبها يسجد . قال : قلت : يا رسول الله! ما زلت تردد هذه الآية
حتى أصبحت ؟ قال : إني سألت ربي الشفاعة لأمتي ، وهي نائلة لمن لا يشرك
بالله شيئاً" .
وبهذا الإسناد عينه أخرجه الإمام أحمد (5/149) ، وعنه الخطيب في

(13/80)


"الموضح" (1/454) ، ومنه صححت خطأ وقع في إسناده من المعلق على "المصنف"
حيث جعل مكان (فليت العامري) : ( [قدامة العامري ] ) وكتب في التعليق :
"في الأصل بياض ملأناه من (م) " .
قلت : والصواب ما فعلته : (فليت العامري) ؛ لأنه كذلك في "المسند" من
هذه الطريق نفسها . وأما قدامة العامري ، فإنما هو في رواية وكيع المذكورة قبل هذه .
أقول هذا بياناً للواقع والراجح في خصوص هذا الطريق ، وإلا ؛ فإن (فليت
العامري) هو (قدامة العامري) ؛ كما جزم بذلك الدارقطني في "المؤتلف والمختلف "
(1/1857) ، ونقل الخطيب في "الموضح " (1/456) مثلَه عن ابن جرير الطبري ،
والحافظ في "التهذيب " عن الثوري .
وإن مما يؤيد التصويب المتقدم أن البيهقي أخرجه (3/13) من طريق ابن أبي
شيبة ، لكن وقع فيه "كليب العامري " ، وإن مما لا شك فيه أن الصواب : (قليب)
تحرف القاف على الناسخ أو الطابع إلى الكاف ؛ فكتب : (كليب) . كما أنه تحرف
عليه اسم (جسرة) فوقع فيه (خرشة بن الحر)! كما أنه - أعني : (جسرة) - تحرف
إلى (ميسرة) في رواية ابن فضيل عند أحمد .
وقد تنبه لهذا الأخ الفاضل عطاء بن عبداللطيف بن أحمد في كتابه القيم
الفريد "فتح من العزيز الغفار بإثبات أن تارك الصلاة ليس من الكفار" (ص 134) ،
ولكنه لم يتنبه لكون (خرشة بن الحر) محرف أيضاً من (جسرة) فجعله متابعاً
لها! ثم ترجم لخرشة بأنه ثقة ، وبنى على ذلك أن الحديث حسن أو صحيح! دون
حديث الترجمة : "أجبت بالذي ... " ، قال (ص 135) :
" ... فيُعَدُّ زيادةً ضعيفةً من هذا الطريق ، إلا أنها يشهد لمعناها حديث كعب
ابن عجرة السابق" . وقال في التعليق :

(13/81)


" رواه أحمد والطبراني وغيرهما" .
قلت : وموضع الشاهد منه - بزعمه - قوله بعد قوله : "فإن ربكم يقول : من
صلى الصلاة لوقتها وحافظ عليها ... " الحديث ، وفيه :
إ ومن لم يصل لوقتها ، ولم يحافظ عليها ، وضيَّعها استخفافاً بحقها ؛ فلا
عهد له ، إن شئت ؛ عذبته ، وإن شئت ؛ غفرت له " .
رواه أحمد (4/ 244) ، والطبراني (19/ 311 - 314) ، والطحاوي في "مشكل
الآثار" (4/225 - 226) من طرق عن الشعبي وغيره عن كعب ، وبعضها صحيح ؛
فهو كحديث عبادة بن الصامت الذي فيه نحوه بلفظ :
! ... ومن لم يأت بهن ؛ فليس له عند الله عهد ، إن شاء ؛ عذبه ، وإن شاء ؛
غفرله " .
رواه مالك وغيره ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (452 و 1276) .
ولكن ليس يصح بوجه من الوجوه اعتبار هذه الفقرة من هذا الحديث
الصحيح شاهداً لهذا الحديث المنكر ؛ لأنه لا يخفى على الفقيه اللبيب أن الأقل
معنى لا يمكن أن يشهد على الأكثر معنى - وهذا هو الواقع هنا - فإن مجرد
اشتراكهما في الدلالة على أن تارك الصلاة كسلاً ليس كافراً ؛ لا يعني اشتراك
الشاهد مع المشهود له في الجانب الآخر الذي تفرد به - وهو قوله : " أجبت بالذي لو
اطلع عليه كثير ... " - ؛ فهو شاهد قاصر!
وهذا من دقيق الفقه في الحديث ، يرجى التنبه له . فقد رأيت كثيراً من
الكاتبين المعاصرين لا يلحظون هذا . من ذلك أنني رأيت المذكور بعد أن ضعف
حديث : " ... ولا تتركوا الصلاة متعمدين ، فمن تركها متعمداً ؛ فقد خرج من

(13/82)


الملة" ، وخرجه وتكلم عليه بكلام جيد ، فإنه بعد قليل قال (ص 205) :
" إلا أن الحديث يتقوى بشواهده ، ومنها : "من ترك صلاة مكتوبة ؛ فقد برئت
منه ذمة الله " ... "!
قلت : فهذا كذاك ؛ لأنه لا يشهد للخروج من الملة ، أي : أن وعيد الشاهد
دون وعيد المشهود له ؛ بدليل أن المومى إليه قد حمل هذا الشاهد (ص 88) على أن
المقصود براءة دون براءة الذمة من الكفار ؛ أي : أنه أريد بها براءة دون براءة - كما
قلنا : كفر دون كفر ، وشرك دون شرك - ، أي : أنها براءة لا تخرج من الملة ، وبالتالي
لا توجب الخلود في النار" .
هذا كلامه ، وهو مقبول منه وجيد في تفسير البراءة ، ولكني - والله! - لا
أدري كيف [يكون] هذا الحديث المؤوَّل شاهداً لحديث الخروج من الملة ؟! فإنه لا
يستطيع - في ظني - أن يتأوله بأن يقول : خروج دون خروج! بلى ، لقد فعل
ذلك ، وقال (ص 205) ما نفيته! فسبحان ربي!
هذا وقد بقي لدي شيء أريد أن أذكره زيادة على ما تقدم من الأدلة على
نكارة حديث الترجمة : أن عبدالواحد بن زياد قد قال : ثنا قدامة بن عبدالله : ثنا
جسرة بنت دجاجة قالت :
خرجنا عُمَّاراً فوردنا الرُّبَذة ... الحديث بطوله .
أخرجه ابن نصر في "قيام الليل " (ص 59) .
فقد لاحظت أنه ليس فيه حديث الترجمة ولا قول ابن مسعود : لا أسأله
عن شيء ... بل فيه عكسه تماماً ؛ ففيه :
فلما أصبح ؛ قلت لعبدالله بن مسعود : إن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل الليلة كذا

(13/83)


وكذا ، فلو سألته عن ذلك ، فقال عبدالله : بأبي وأمي يا رسول الله! قمت الليلة
بآية واحدة ، بها تركع وبها تسجد ، وبها تدعو ، وقد علمك الله القرآن كله ؟ قال :
" إني دعوت لأمتي " .
هذا آخر الحديث عنده ؛ فليس فيه حديث الترجمة كما سبق . وإن مما لا
يخفى على العارفين بهذا العلم أن تلوّن الراوي في رواية الحديث تطويلاً واختصاراً ،
وزيادة ونقصاً ، وتناقضاً ؛ دليل على أنه لم يتقن حفظه ولم يضبطه ، وإذا كان من
دون جسرة من الرواة كلُّهم ثقاتاً ؛ فالحمل حينئذٍٍ عليها ، وهي علة الحديث . والله
أعلم .
(تنبيه) : ذكر السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 350) حديث الترجمة من رواية
ابن مردويه عن أبي ذر مختصراً (قال : قلت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بأبي أنت وأمي يا رسول
الله ...) إلخ دون قوله : (فانطلقت ... قذفة بحجر) ... ففاته أنه في "المسند"!

6538 - ( ما يمنع أحدكم إذا عسر عليه أمر معيشته ، أن يقول إذا
خرج من بيته : بسم الله على نفسي ومالي وديني ، اللهم ! رَضِّني
بقضائِك ، وبارك لي فيما قُدِرَ لي ، حتى لا أحب تعجيل ما أخَّرْتَ ولا
تأخير ما عجَّلْتَ ) .
ضعيف جداً .
أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (324) ، وابن عدي
في "الكامل " (5/1883) عن يحيى بن سعيد عن عيسى بن ميمون عن سالم
عن ابن عمرو رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره ، وقال ابن عدي -
وقد ذكره في ترجمة عيسى بن ميمون - :
"ولعيسى بن ميمون غيرُ ما ذكرت من الحديث ، وعامة ما يرويه لا يتابعه
عليه أحد" .

(13/84)


ذكره في ترجمة عيسى بن ميمون الجرشي المديني أبي يحيى ، وهذا من
أوهامه رحمه الله ، فإن الجرشي هو المعروف بابن دايَةَ المكي ، روى عن عبدالله بن
أبي نجيح وقيس بن سعد ومجاهد ، وعنه السفيانان وغيرهما ، وهو ثقة . وهو غير
عيسى بن ميمون هذا الراوي عن سالم ، وعنه يحيى بن سعيد - وهو العطار
الحمصي - ، وهو ممن اتفقوا على تضعيفه ، إلا رواية عن ابن معين ؛ فإنه قال :
" ليس به بأس " .
وقد فرَّقوا بينهما ؛ فقال ابن أبي حاتم عن أبيه في الأول :
" ثقة " . وفي الآخر :
"متروك الحديث " . وقال البخاري :
" منكر الحديث " . وهو مولى القاسم بن محمد . وسكت عن الأول . وقال
الدارقطني في " العلل " (2/238) :
"وهو متروك . حدث عن سالم ونافع " .
وإن مما يؤيد وهم ابن عدي أنه لم يذكر في ترجمة (جَرَشِيِّهِ) (!) أحداً من
شيوخه والرواة عنه ممن ذكرتهم آنفاً ، وإنما ذكر فيها شيوخه والرواة عنه ممن ذكروهم
في "تهذيب المزي " وغيره .
ويحيى بن سعيد العطار الحمصي ، ضعفه الجمهور ، بل قال ابن حبان في
"الضعفاء" (3/123) :
"كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ، والمعضلات عن الثقات ؛ لا يجوز
الاحتجاج به ، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار لأهل الصناعة" .
قلت : وكما اختلط عيسى بن ميمون راوي هذا الحديث على ابن عدي

(13/85)


بغيره ؛ كذلك اختلط على ابن الجوزي وغيره بغيره ، وبيان ذلك في الحديث الآتي
بعد هذا .
ثم رأيت ابن حبان قد صرح بالتفريق بينهما في ترجمة ابن داية الجرشي من
" الثقات " ؛ فقال (8/ 489) :
" ... مستقيم الحديث ، وليس هذا بعيسى بن ميمون صاحب القاسم بن
محمد ، ذاك واهٍ ؛ أدخلناه في (الضعفاء) " .

6039 - ( مَنْ مَرِضَ ليلةً فَقَبِلها بقَبُويها وأدَّى الحقَّ الذي يَلْزَمُه
فيها ، كُتِبَتْ له عِبادةُ [ أربعينَ ] (1) سنةً ، وما زادَ فعلى قَدْرِ ذلك ) .
موضوع .
أخرجه بَحْشَلُ في "تاريخ واسط " (ص 180) قال : ثنا أحمد بن
علي الباهلي ، قال : ثنا أبو سلمة عيسى بن ميمون ، قال : ثنا الحكم بن ظهير
عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته أبو سلمة عيسى بن ميمون ، وهو الخواص الواسطي ؛
كما ذكر بحشل ، وفي ترجمته ساق الحديث ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً - كما
هي عادته -! لكن أورده ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 120 - 121) وقال :
"يروي عن السدي وغيره العجائب ، روى عنه أحمد بن سهل (*) الوراق ؛ لا
يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ، روى عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة ... " . فذكر
الحديث .
قلت : وهذا غير عيسى بن ميمون الراوي عن سالم الحديث الذي قبله ؛ هذا
__________
(1) زيادة من " ا لموضوعات " و "ا لمجروحين" و "الميزان " وغيرها .
(*) كذا في أصل الشيخ ؛ تبعاً لنسخته ، وفي أخرى : " سهيل " وهو الصواب . (الناشر) .

(13/86)


واسطي ، وذاك مدني ، والتبس هذا بذاك على ابن الجوزي ومن تبعه ؛ فقد أورده
في "الموضوعات " (3/203) من طريق عيسى بن ميمون الخواص وقال :
"حديث لا يصح . قال يحيى : عيسى بن ميمون ليس حديثه بشيء ، وقال
النسائي : متروك الحديث " .
وقد تبعه السيوطي في "اللآلي" (2/ 401) ، ثم ابن عراق قي "تنزيه الشريعة"
(2/356)! وهذا : هو مولى القاسم بن محمد المتقدم ، وفيه قال ابن معين قوله
المذكور : "ليس حديثه بشيء" . وقال النسائي : "ليس بثقة" .
وأما قوله : "متروك الحديث " ؛ فإنما هو قول أبي حاتم - كما تقدم في الحديث
الذي قبله - ، وأما النسائي فقال فيه : "ليس بثقة" - كما في "الميزان " - ، وفرق
أيضاً الذهبي بينه وبين أبي سلمة هذا الخواص - تبعاً لابن حبان - ، وهو الصواب .
هذا وقد زعم السيوطي أن الخواص هذا لم يتفرد به ؛ بل تابعه الحكم بن
ظهير ؛ أخرجه أبو الشيخ في "الثواب " من طريق أحمد بن سهل بن قرة عن الحكم
ابن ظهير عن السدي ... به .
وتعقبه ابن عراق بقوله :
"قلت : الحكم بن ظهير رمي بالكذب والوضع ؛ فلا يصلح تابعاً ، على أن
الحديث عند ابن النجار في "تاريخه " عن عيسى بن ميمون عن الحكم عن
السدي . والله تعالى أعلم " .
قلت : وكذلك هو في "تاريخ واسط " - كما رأيت ، وهو مصدر عزيز - ؛ فاتهما
عزو الحديث إليه .
ثم إنني أظن أن ابن النجار رواه من طريق بحشل ، فإن السيوطي ساق إسناده

(13/87)


من شيخه إلى مسلم بن سهل : حدثنا أحمد بن سهل بن علي الباهلي : حدثنا
أبو سلمة عيسى بن ميمون ... فذكره .
ومسلم بن سهل - هكذا وقع في "اللآلي" ؛ (مسلم) ... والصواب : (أسلم) ،
وهو - اسم (بحشل) فهو : (أسلم بن سهل الرزاز) ؛ المعرف بـ (بحشل) ، وهو حافظ
ثقة معروف .
وأما شيخه أحمد بن سهل بن علي الباهلي ، فهو من شيوخه الذين أكثر
عنهم في "التاريخ " (ص 42 و46 و64 و68 و70 و91 و93 و156 و172 و180 و187
و217) ، ولكني لم أجد له ترجمة عنده ولا عند غيره! والله أعلم .

6040 - ( كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أشرف على أرض يريد دخولها ؛
قال : اللهم ! إني أسألك من خير هذه الأرض ، وخير ما جَمَعْتَ فيها ،
وأعوذ بك من شرها وشر ما جمعت فيها ، اللهم ارزقنا حياها ،
وأعذنا من وباها ، وحبِّبْنا إلى أهلها ، وحَبِّبْ صَالِحِي أَهْلِهَا إلينا) .
موضوع .
رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (168/ 521) عن الحسن
ابن الحكم عن عيسى بن ميمون عن القاسم عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : ...
فذكره .
قلت : وهذا موضوع بهذا التمام ؛ آفته عيسى بن ميمون - وهو مولى القاسم
ابن محمد - ، وهو واهٍ جدّاً - كما يشهد بذلك ما تقدم نقله عن أئمة هذا الشأن
فيه تحت الحديث (6038) - .
ولبعضه شاهد من حديث ابن عمر قال :
كنا نسافر مع رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإذا رأى القرية يريد أن يدخلها ؛ قال :

(13/88)


"اللهم! بارك لنا فيها - (ثلاث مرات) - ، اللهم! ارزقنا جناها (1) ، وحببنا إلى
أهلها ، وحبب صالحي أهلها بنا" .
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/292/4891) و"الدعاء" (2/1189/836)
من طريق مبارك بن حسان عن نافع عنه . وقال :
"لم يروه عن مبارك بن حسان إلا إسماعيل بن صبيح " .
قلت : هو صدوق ، والعلة من شيخه مبارك ؛ فإنه لين الحديث - كما قال
الحافظ في "التقريب " - . وأما الهيثمي فقال في "المجمع " (10/134) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " ، وإسناده جيد "!
نعم قد صح الحديث من طرق أخرى عن صهيب وغيره ؛ دون قوله : "اللهم!
ارزقنا حياها ... " إلخ ، وهو مخرج في "الصحيحة" (2759) .

6041 - ( هذا البيت دعامة من دعائم الإسلام ، فمن حج البيت
أو اعتمر فهو ضامن على الله ، فإن مات ؛ أدخله الجنة ، وإن رده إلى
أهله رده بأجر وغنيمة ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "الأوسط " (2/216/1/9190) : حدثنا المقدام :
حدثنا خالد بن نزار : ثنا محمد بن عبدالله بن عبيد بن عمير : ثنا أبو الزبير عن
جابر : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره . وقال :
"لم يروه عن أبي الزبير إلا محمد بن عبدالله بيت عبيد بن عمير" .
__________
(1) كذا في المصدرين الآتيين ، وفي "مجمع البحرين" : "حاها" ... بدون نقط . وفي
"مجمع الزوائد" : "حياها" ... بالمثناة التحتية ، و"الحيا" : الخصب وما يحيا به الناس" .
و"الجنا" : اسم ما يجتنى من الثمر ؛ كما في "النهاية " .

(13/89)


قلت : وهو واهٍ جدّاً ؛ قال البخاري :
"منكر الحديث " . وقال النساثي :
"متروك " .
وبهذا أعله الهيثمي (3/209) ، وأشار المنذري في "الترغيب " (2/102) إلى
تضعيفه .
والمقدام - هو : ابن داود الرعيني - في " الميزان " :
"قال النسائي : ليس بثقة . وقال ابن يونس وغيره : تكلموا فيه " .
لكني وجدت للحديث طريقاً أخرى ، فقال أبو الوليد الأزرقي قي "أخبار
مكة" (2/3) : حدثني جدي عن الزَّنْجِيِّ عن أبي الزبير المكي ... به .
قلت : والزنجي هذا - هو : مسلم بن خالد - : قال الحافظ :
"فقيه ، صدوق كثير الأوهام " .
قلت : وشيخه أبو الزبير المكي مدلس ، وقد عنعنه . فإن سلم من سوء حفظ
الزنجي ؛ فالعنعنة هي العلة ، وأما قول سيد سابق في "فقه السنة" (1/627) :
"وروى ابن جريج - بإسناد حسن - عن جابر ...! فذكر الحديث ؛ فما أظن
أنه من غير طريق أبي الزبير هذه ، وهذا إن سلم من عنعنة ابن جريج أيضاً ؛ فكثيراً
ما يأتي بعض الأحاديث من طريقه عن أبي الزبير عن جابر معنعناً منهما معاً .
أقول هذا وإن كان لا يحضرني الآن المصدر الذي نقل منه هذا التحسين ولا
ذكر من رواه!
وأبو الوليد مؤلف "الأخبار" لا أعرف حاله في الرواية ؛ فإنه غير مترجم في
كتب رجال الحديث . والله أعلم .

(13/90)


6042 - ( كان يدعو ؛ يقولُ : اللهم ! قَنِّعْني بما رَزَقْتَني و باركْ
لي فيه ، وأَخلِفْ علي كلَّ غائبةٍ لي بخيرٍ ) .
ضعيف .
أخرجه الحاكم (1/ 510) : أخبرني أبو عبدالله محمد بن الخليل
الأصبهاني ، ثم قال : (2/356) : أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق ، قال الأول :
ثنا ، وقال الآخر : أنبأ ، ثم اتفقا : ثنا محمد بن سعيد بن سابق : ثنا عمرو بن أبي
قيس عن عطاء بن السائب - زاد الأول : [عن يحيى بن عمارة ] - عن سعيد بن
جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قال : ... فذكره مرفوعاً ، وقال في الموضعين :
"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!
ونقل ابن علان في "شرح الأذكار" (4/383) عن الحافظ ابن حجر أنه قال :
"هذا حديث حسن ، وعمرو قديم السماع من عطاء ، ويحيى بن عمارة أخرج
له أحمد والترمذي والنسائي حديثاً غير هذا"!
قلت : وفي هذا الكلام نظر من وجوه :
الأول : قوله : "حديث حسن " ؛ مفهومه أن إسناده غير حسن ... وهو كذلك
كما سيأتي بيانه ؛ فهو يعني - إذن - أنه حسن لغيره ، إما لمتابعة أو شاهد ، فهل
شيء من ذلك ؟ لا ؛ كما يأتي .
الاني : أن يحيى بن عمارة هو الكوفي ، وليس بالأنصاري المديني - وهذا ثقة
من رجال الشيخين ، وأما الكوفي فليس كذلك - ؛ فقد ذكره عقب الثقة ، وقال :
" وعنه الأعمش ، وذكره ابن حبان في (الثقات) " .
قلت : وابن حبان معروف بتساهله بالتوثيق - كما كررنا مراراً تنبيهاً للغافلين ؛

(13/91)


الذين لا يعلمون أن ابن حبان كثيراً ما يوثق المجهولين أو المستورين - ، وقد أشار
الذهبي أن هذا منهم بقوله في "الميزان " :
"تفرد عنه الأعمش " .
ولذلك أشار أيضاً إلى توهين توثيق ابن حبان بقوله في "الكاشف " :
"وعنه الأعمش . وُثِّق " . وكذلك فعل الحافظ حيث قال في "التقريب " :
"مقبول " . أي : عند المتابعة ، ولا متابع له مرفوعاً - كما سيأتي - .
الثالث : أن الراوي اضطرب في إسناده : فمرة ذكر يحيى بن عمارة في
إسناده ، ومرة لم يذكره - كما رأيت - ، ولست أدري ممن هذا ؟ وكدت أن أقول : إنه
من ابن سابق - ولكنه ثقة - ، مع احتمال أن يكون ذلك من عطاء بن السائب ؛
فإنه كان قد اختلط ؛ فلعله حدث به في اختلاطه .
لكن الحافظ كأنه أشار إلى أن رواية عمرو بن أبي قيس - وهو الرازي - سمع
منه قبل الاختلاط بقوله :
" ... قديم السماع من عطاء" .
لكني في شك كبير - من إفادة قِدَم السماع - أنه لم يسمع منه بعد ذلك ، ألا
ترى أن الحافظ نفسه قد ذكر أن حماد بن سلمة سمع من عطاء قبل الاختلاط
وبعده ؛ على أنني لم أر أحداً نص على أن سماع عمرو بن أبي قيس من عطاء قبل
الاختلاط . وقد استقصى أسماء الذين رووا عنه قبل الاختلاط الشيخ ابن الكيال
في "الكواكب النيرات " (ص 322 - 332) وليس فيهم عمرو هذا! والله أعلم .
واعلم أته لا يزيل الاضطرابَ المذكور قولُ الحارث بن نبهان : حدثنا عطاء بن
السائب عن سعيد بن جبير ... به ، فلم يذكرفيه يحيى بن عمارة .

(13/92)


أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان " (ص 91/ 50) بإسناده عنه .
ذلك لأن الحارث هذا متروك - كما في "التقريب " - ، لكن في "العلل " لابن
أبي حاتم (2/185) أنه ذكر فيه يحيى بن عمارة ، والذي لم يذكره هو : وهيب بن
خالد ، فقال :
"سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن أبي قيس والحارث بن نبهان الجرمي
عن عطاء بن السائب عن يحيى بن عمارة عن سعيد بن جبير ... (قلت : فذكره
مختصراً ، ثم قال :) ورواه وهيب بن خالد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن
جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ . قلت لأبي : أيهما أصح ؟ قال : ما يدرينا ؟ مرة قال كذا ، ومرة
قال كذا" .
قلت : ووهيب سمع من عطاء بعد الاختلاط أيضاً ؛ فلا تعطي روايته عنه
ترجيحاً لأحدِ وَجهي الاضطراب من جهة ، ولا يعطي للحديث قوةً من جهة
أخرى .
وأما متابعة الحارث بن نبهان فلا يستشهد بها ؛ لما عرفت من شدة ضعفه ،
سواء كانت متابعته على ما روى السهمي ، أو على ما ذكر ابن أبي حاتم عنه .
وكذلك لا يفيد الحديث قوة قول سعيد بن زيد : ثنا عطاء بن السائب : ثنا
سعيد بن جبير قال :
كان ابن عباس يقول : احفظوا هذا الحديث - وكان يرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وكان يدعو به بين الركنين - :
" رب! قنعني بما رزقتني ، وبارك لي فيه ، واخلف على كل غائبة لي بخير" .
أخرجه الحاكم (1/455) وقال :

(13/93)


"صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ؛ فإنهما لم يحتجا بسعيد بن زيد أخي حماد
ابن زيد"! ووافقه الذهبي على التصحيح!
وفي ذلك نظر من وجهين :
الأول : أن سعيد بن زيد قد تكلم فيه غير واحد من قبل حفظه ، وفي
" التقريب " :
"صدوق له أوهام " .
والآخر : أنه - أعني : سعيداً هذا - مع ضعف حفظه لم يذكر في الرواة الذين
سمعوا من عطاء قبل الاختلاط . فمدار الحديث على عطاء ؛ فهو العلة : لاختلاطه ،
وعدم ثبوت تحديثه بالحديث قبل اختلاطه .
ثم رأيت ابن علان قد نقل (4/382 - 383) عن الحافظ أنه قال في رواية
الحاكم هذه :
"حديث غريب ، أخرجه الحاكم وقال : (فذكر كلامه المتقدم ، وبعض ما قيل
في سعيد بن زيد ، ثم قال :) وضعفه قوم من جهة ضبطه ، وأخرج له مسلم
متابعة ، والبخاري تعليقاً ، ومقروناً ، هو (يعني : عطاء بن السائب) ممن اختلط ،
وسماع سعيد منه متأخر ، لكنه لم ينفرد به فقد أخرجه سعيد بن منصور عن
خلف بن خليفة ، وخالد بن عبدالله كلاهما عن عطاء - أي : وهو شيخ سعيد بن
زيد فيه - ، عن سعيد بن جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... موقوفاً عليه . وهما أحفظ من
سعيد برفعه من هذا الوجه . وقد تابعه على رفعه من هو أوثق منه ، لكن زاد في
السند رجلاً ، وأطلق في المتن ... " .
قلت : ثم ذكر حديث الترجمة من رواية الحاكم الأولى . وكأنه لم يستحضر

.

(13/94)


الرواية الأخرى التي ليس في سندها الرجل - وهو : يحيى بن عمارة ، وسبق بيان
ذلك ، وأنه اضطراب من بعض رواته ، مع الرد على الحافظ تحسينه للحديث ؛ فتذكر - .
وفد تابع [ أسباط ] (*) خلفاً وخالداً على وقفه ، فقال ابن أبي شيبة في "المصنف "
(4/109) : نا أسباط بن محمدعن عطاء عن سعيد بن جبير قال :
كان من دعاء ابن عباس الذي لا يدعُ بين الركن والمقام أن يقول : رب!
قنعني ... ، والباقي كحديث الترجمة .
قلت : وأسباط بن محمد ثقة من رجال الشيخين ؛ فالوقف هو المحفوظ عن
عطاء بن السائب .
وقد روي كذلك من وجه آخر ؛ ولكنه مظلم . فقال الأزرقي في "أخبار مكة"
(1/340 - 341) : حدثنا جدي : أخبرنا سعيد بن سالم عن عثمان بن وساج
قال : وأخبرني ياسين قال : أخبرني أبو بكر بن محمد عن سعيد بن المسيب ...
قال : وأخبرت أن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يقول بين الركنين : اللهم!
قنعني ... إلخ ، وزاد : إنك على كل شيء قدير .
وهذا سند واهٍ ؛ مسلسل بالعلل :
ا - سعيد بن سالم : فيه ضعف من قبل حفظه ، وهو مترجم في "التهذيب " .
2 - 4 - عثمان بن وساج واللذان فوقه : لم أعرفهم .
5 - ومُخبِر سعيد بن المسيب : لم يسم .
والخلاصة : أن الحديث لا يصح مرفوعاً ولا موقوفاً . ومداره على عطاء بن
السائب ، و - هو مع اختلاطه - اختلفوا عليه : فمنهم من رفعه ، ومنهم من أوقفه ،
__________
(*) سقطت من أصل الشيخ رحمه الله تعالى ؛ ويقتضيها السياق .

(13/95)


ومنهم من أطلق الدعاء فيه ، ومنهم من قيده بما بين الركنين اليمانيين ، والظاهر أن
ذلك من آثار اختلاطه .
والطريق الأخير ترجح الوقف ؛ لولا ما عرفت ما فيها من انعلل والضعف .
والله أعلم .
(فائدة) : تقدم عن الذهبي أن الأعمش تفرد بالرواية عن يحيى بن عمارة .
وكذلك جاء في "التهذيب " وغيره ، لكن أفاد ابن أبي حاتم (4/2/175) أنه روى
عنه أيضاً عطاء بن السائب ، وإسناد هذا الحديث يؤيد قوله ؛ لولا ما فيه من
الاضطراب - كما سبق - .
(تنبيهات) :
الأول : حديث سعيد بن زيد المتقدم برواية الحاكم عزاه الحافظ في "التلخيص
الحبير" (2/248) لابن ماجه أيضاً! وقلده في ذلك الزَّبيدي في "شرح الإحياء"
(4/ 351)! وذلك وهم .
الثاني : من التخريج السابق - مع استغراب الحافظ لحديث سعيد بن زيد
المرفوع - تعلم خطأ قول ابن علان - قبيل نقله لكلام الحافظ - :
"ومن المأثور ما في "المستدرك " بسند صحيح عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ : أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يقول بين الركنين ... " !
الثالث : ذكر السيوطي الدعاء المذكور في هذا الحديث في أدعية "الجامع
الكبير" (رقم 10030/ طبع مصر) وقال :
" (ك) عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو بهذا الدعاء بين الركعتين :
اللهم! ... وذكره " .

(13/96)


كذا! وقع فيه "الركعتين " ... مكان "الركنين " ، ولعله خطأ مطبعي . ثم إنني
لم أر الحديث في النسخة المصورة من مخطوطة دار الكتب المصرية . والله أعلم .
الرابع : سبق عن الحاكم أن مسلماً لم يحتج بسعيد بن زيد - وهو الموافق
لعدم ذكر الحافظ القيسراني إياه في كتابه "رجال الصحيحين " - ، وهذا خلاف ما
في "التهذيب " وفروعه كـ "التقريب " . وقد أزال الإشكال الحافظ في قوله المتقدم :
"أخرج له مسلم متابعة" فخذها فائدة عزيزة من هذا الحافظ جزاه الله خيراً .
الخامس : تقدم في أول هذا التخريج عن الحافظ أن : "يحيى بن عمارة أخرج
له أحمد والترمذي والنسائي حديثاً غير هذا" .
فأقول : هو من رواية الأعمش عن يحيى ، لكن إطلاق العزو للنسائي يوهم
أنه عنده في "السن الصغرى" ، وليس كذلك ؛ وإنما في "الكبرى" له في "التفسير"
- كما في "تحفة المزي " - (4/456) ، وفي "التفسير" أخرجه الترمذي أيضاً من
"سننه " (8/361/3230) ، وهو في " مسند أحمد" (1/227 - 228) ، وأخرجه
الطبري في "التفسير" (23/79) ، والبيهقي في "السنن " (9/188) وفي "الدلائل "
(2/ 345) ، وقال الترمذي :
"حديث حسن " . زاد في بعض النسخ : "صحيح "!
قلت : وهذا التصحيح أبعد ما يكون عن الصواب ؛ لما عرفت من حال يحيى
ابن عمارة من الجهالة . على أن تحسينه ليس للإسناد ، وإنما للمتن ، ولا أعلم له
شاهداً بهذا التمام ، والقصة في "صحيح مسلم " (1/ 41) وغيره من حديث أبي
هريرة مختصراً جدّاً ؛ فهو شاهد قاصر . والله سبحانه وتعالى أعلم .
السادس : قال السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 130) :

(13/97)


"وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم - وصححه - والبيهقي
في "الشعب " من طرق عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ في قوله : {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} ، قال :
القنوع ، قال : وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو ... " فذكر حديث الترجمة .
قلت : والتنبيه هنا يشمل أمرين :
الأول : قوله "من طرق ... " ؛ يوهم خلاف الواقع الذي حررناه فيما سلف ؛
فإنه لا طريق له إلا من رواية عطاء بن السائب .
والآخر : أن ابن جرير لم يرو حديث الترجمة ؛ عند الآية المذكورة : {فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً}!

6043 - ( إذا تَطَيَّبَت المرأةُ لغيرِ زوجِها فإنما هو نارٌ في شَنَار ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/166/2/7539) : حدثنا
محمد بن أبان : ثنا عبدالقدوس بن محمد : حدثتني أمي حبيبة بنت منصور :
حدثتني أم سليمة بنت شعيب بن الحبحاب عن أبيها عن أنس بن مالك : أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره ، وقال :
"لا يروى عن شعيب إلا بهذا الإسناد" .
قلت : وهو ضعيف مجهول ؛ حبيبة وأم سليمة لم أجد لهما ذكراً في شيء
من كتب الرواة ، ولا ذكرهما الذهبي في (فصل النساء المجهولات) من آخر
"الميزان" ، ولذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/157) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " ، وفيه امرأتان لم أعرفهما ، وبقية رجاله
ثقات " .
وقد وجدت للحديث شاهداً ، ولكنه موقوف ، وإسناده واهٍ ، يرويه نعيم بن

(13/98)


حماد : ثنا بقية بن الوليد عن يزيدَ بنِ عبدالله الجهني عن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال :
دخلت على عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ورجل معها (1) ، فقال الرجل : يا أم
المؤمنين! حدثينا عن الزلزلة ؟ فأعرضت عنه بوجهها . قال أنس : فقلت لها :
حدثينا يا أم المؤمنين عن الزلزلة ؟ فقالت : يا أنس! إن حدثتك عنها عشت حزيناً ،
وبعثت وذلك الحزن في قلبك . فقلت : يا أماه! حدثينا ؟ فقالت :
إن المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها ، هتكت ما بينها وبين الله عز
وجل من حجاب .
وإن تطيبت لغير زوجها كان عليها ناراً وشناراً .
فإذا استحلوا الزنا ، وشربوا الخمور بعد هذا ، وضربوا المعازف ؛ غار الله في
سمائه ، فقال للأرض : تزلزلي بهم ، فإن تابوا ونزعوا ، وإلا ؛ هَدَمَها عليهم .
فقال أنس : عقوبة لهم ؟ قالت : رحمة وبركة وموعظة للمؤمنين ، ونكالاً
وسخطة وعذاباً للكافرين .
قال أنس : فما سمعت بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً أنا أشد به فرحاً مني بهذا
الحديث ، بل أعيش فرحاً ، وأبعث حين أبعث وذلك الفرح في قلبي - أو قال : في
نفسي - . أخرجه الحاكم (4/516) وقال :
"صحيح على شرط مسلم "! وتعقبه الذهبي بقوله :
9 قلت : بل أحسبه موضوعأً على أنس ، ونعيم منكر الحديث إلى الغاية ، مع
أن البخاري روى عنه " .
__________
(1) كذا ، رفي رواية ابن أبي الدنيا الآتية : " معه " ... ولعلها الصواب .

(13/99)


قلت : هذا الإطلاق يوهم أن البخاري روى له محتجاً به ، وليس كذلك ؛ فإنه
إنما روى له مقروناً بغيره ؛ كما قال الذهبي في "الميزان " ، والحافظ في "التهذيب " ،
وغيرهما ممن تقدم أو تأخر ، مع قلة ما روى عنه ، فقد قال الحافظ في "مقدمة
الفتح " (ص 447) :
"لقيه البخاري ، ولكنه لم يخرج عنه في "الصحيح " سوى موضع أو موضعين ،
وعلق له أشياء أخر ، وروى له مسلم في المقدمة موضعاً واحداً ... " .
ثم حكى اختلاف العلماء فيه : ما بين موثِّق ، ومضعِّف ، وناسب له إلى
الوضع ، وبسط أقوالهم في "التهذيب " ، ويتلخص منها ما قاله في "التقريب " :
"صدوق يخطئ كثيراً" .
قلت : ولذلك فإن الشيخ التويجري لم يصب في تعقبه - في كتابه "الصارم
المشهور" (ص 33) - الحافط الذهبيَّ - بعد أن نقل عنه ما تقدم - :
"قلت : وهذا تحامل من الذهبي على نعيم بن حماد ، ولم يكن بهذه المثابة ،
وإنما أنكر عليه بعض أحاديثه لا كلَّها ... " .
قلت : أوَ لا يكفي هذا في تضعيف ما تفرد به من الحديث ؟! ثم قال :
"وروى عنه البخاري في "صحيحه " ومسلم في مقدمة (صحيحه) " .
قلت : قد عرفت قلة ما روى عنه البخاري ، وأنه لم يحتج به . وكذلك يقال
في رواية مسلم له في "المقدمة" ؛ فإنه :
أولاً : لم يرو لى فيها حديثاً مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإنما في تجريح عمرو بن
عبيد المعتزلي ، فقد روى فيها (1/17) من طريقين عنه بسنده عن يونس بن عبيد
قال :

(13/100)


"كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث " .
وثانياً : أنه روى له هذا في الشواهد ؛ فقد أتبعه بالرواية بسندين آخرين عن
غير يونس تكذيبَ عمرو بن عبيد .
فإذن ؛ لا قيمة لرواية الشيخين لنعيم بن حماد ، وبخاصة بعد ثبوت جرح
جمع له لسوء حفظه ، وكثرة وهمه ، وكذلك لا قيمة لتوثيق من وثقه ، الذي
جنح إليه التويجري معرضاً عن قاعدة علماء الحديث : "الجرح مقدم على
التعديل " ، ولا غرابة في ذلك ؛ فإنه حديث عهد بهذا العلم الشريف ؛ كما يدل
عليه كتابُه هذا ، وكثرة الأحاديث الضعيفة التي فيه ساكتاً عنها ، ومغرراً قرّاء
كتابه بها ، ظنّاً منهم أنه لا يسكت عن الضعيف!
وإن مما يؤكد ما ذكرته أمرين اثنين :
الأول : أنه وقف عند جوابه عن إعلال الذهبي الحديث بنعيم بن حماد ، فرد
عليه بما عرفت وهاءه ، ثم أتبعه بقوله :
"وأيضاً ، فلم ينفرد نعيم بهذا الحديث ، بل قد تابعه عليه محمد بن ناصح ،
رواه عن بقية بن الوليد بنحوه . رواه ابن أبي الدنيا ، فبرئ نعيم من عهدته . والله
أعلم " .
وأقول : كلا ؛ لأن التبرئة لا تَحَقَّقُ إلا إذا ثبتت عدالة محمد بن ناصح هذا ؛
لاحتمال أن يكون مجهولاً ، أو يسرق الحديث أو غير ذلك من العلل القادحة ، وقد
ترجمه الخطيب في "تاريخ بغداد" (3/324) برواية محمد بن الليث (الأصل :
أبي الليث) الجوهري وابن أبي الدنيا ، قال : "وغيرهما" ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا
تعديلاً .

(13/101)


والأمر الآخر : أننا لو سلمنا جدلاً بالتبرئة المذكورة ؛ فإنه يرد على الشيخ
مؤاخذتان هامتان :
الأولى : أن في الإسنادين علتين فوق نعيم بن حماد :
ا - بقية بن الوليد : فإنه مدلس وقد عنعنه من طريق نعيم كما رأيت ، ومن
طريق محمد بن ناصح كما سترى . ومن المعروف في علم المصطلح أن العنعنة من
المدلس علة تقدح في ثبوت الحديث ، وبخاصة إذا كان من مثل بقية الذي قال فيه
أبو مسهر :
(أحاديث بقية ليست نقية ؛ فكن منها على تقية ".
2 - يزيد بن عبدالله الجهني : الظاهرأنه من شيوخ بقية المجهولين ، فإنه لا
يعرف إلا بروايته عنه ، ولم أجد له ذكراً في شيء من كتب الرجال القديمة
الأصول ؛ مثل : "تاريخ البخاري" و "الجرح والتعديل" وغيرهما ، وإنما ذكره الذهبي
في "الميزان " ، وساق له برواية بقية عنه عن هاشم الأوقص عَنْ ابْنِ عُمَرَ مرفوعاً :
، من اشترى ثوباً بعشرة دراهم ، وفي ثمنه درهم حرام ... " الحديث ، وقد
سبق تخريجه برقم (844) ، وذكرت هناك أن بقية اضطرب في إسناده ؛ فراجعه .
والمقصود : أن الذهبي لم يذكر في ترجمة الجهني هذا غير هذا الحديث ،
وقال فيه : "لا يصح " . ووافقه العسقلاني .
قلت : فهو مجهول العين ؛ فلا أدري أعلم الشيخ التويجري بهاتين العلتين أم
تجاهلهما ؟! وسواء كان هذا أو ذاك : أفيجوز لمثله أن يتطاول على الحافظ الذهبي وأن
ينسبه إلى التحامل! وهو من هو في هذا العلم ونقد الرواة والمتون ؟!
ومما سبق تعلم أن تصحيح الحاكم لهذا الإسناد على شرط مسلم هو من
أفحش أخطائه الكثيرة في "مستدركه " !

(13/102)


والمؤاخذة الأخرى : أنه دلس على القراء : فأوهمهم بالمتابعة التي ادعاها أنها
متابعة تامة مطابقة لسياق نعيم بن حماد إسناداً ومتناً ، وليس كذلك ، وبيانه من
وجهين :
الأول : أن ابن أبي الدنيا قال : حدثنا محمد بن ناصح : حدثنا بقية بن
الوليد عن يزيد بن عبدالله الجهني : حدثني أبو العلاء عن أنس بن مالك : أنه
دخل على عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ورجل معه ، فقال لها الرجل : يا أم المؤمنين!
حدثينا عن الزلزلة ؛ فقالت :
إذا استباحوا الزنا ... إلخ .
هكذا ساقه ابن القيم رحمه الله في كتابه "إغاثة اللهفان من مصائد
الشيطان " (ص 264 - طبعة الحلبي) ، ومنه نقل الشيخ التويجري - فيما أظن - ،
ومن عادته أن لا يعزو إلى المصدر الذي نقل عنه ، وهذا من سيئات مؤلفاته ،
وبخاصة إذا كان المصدر مما لم يطبع بعد ؛ ككتاب ابن أبي الدنيا هذا ، وأظنه "ذم
الملاهي ، له ، وقد كنت استنسخته من نسخة مخطوطة الظاهرية ، ثم تبين أن فيها
خرماً في منتصفها ، فأهملته ، ثم لا أدري أين بقيت المنسوخة .
والمقصود أن محمد بن ناصح زاد في الإسناد : (أبو العلاء) بين الجهني
وأنس . فمن أبو العلاء هذا ؟ لا أدري ، ولا الشيخ نفسه يدري ! وقد ذكر الذهبي
في "المقتنى في سرد الكنى" (1/405 - 409) فيمن يكنى بأبي العلاء - جمعاً
كثيراً من الرواة ، ثلاثة منهم رووا عن أنس :
1 - يزيد بن درهم : عن أنس .
2 - صَبيح الهذلي : رأى أنساً ، لين .

(13/103)


3 - موسى القتبي : سمع أنساً .
1 - أما يزيد بن درهم : فهو مختلف فيه ؛ فوثقه الفلاس ، وقال ابن معين :
"ليس بشيء " . انظر "الميزان " و"اللسان " .
2 - وأما صَبيح الهذلي : فله ترجمة في "التاريخ الكبير" (2/2/325) - وهو
عمدة الذهبي في قوله : "رأى أنساً " ، وتمامه عنده : " ... ينبذ له في جرة" - ،
وذكره ابن حبان في "الثقات " (4/385) :
"يروي عن أنس بن مالك ، وعنه حماد بن سلمة وعبدالعزيز بن المختار" .
3 - وأما موسى القُتَبي : فذكره البخاري وابن أبي حاتم برواية حماد بن سلمة
عنه ، ولا أستبعد أن يكون الذي قبله ، ويكون "صبيح " لقباً له . ولعل عدم ذكر
ابن حبالت له بترجمة مفردة يشعر بذلك . والله أعلم .
وجملة القول : أن أبا العلاء في سند ابن أبي الدنيا لا يعرف من هو من بين
هؤلاء الثلاثة . فإن كان أحدهم ؛ فليس فيهم من تطمئن النفس للثقة بعدالته
وحفظه .
هذا هو الوجه الأول مما يؤاخذ عليه الشيخ .
والوجه الآخر : - وهو الأهم - : أنه ليس في رواية ابن أبي الدنيا الفقرتان
الأوليان المتعلقتان بالمرأة تخلع ثيابها وتَطَيَّبُ لغير زوجها - وهما موضع الشاهد في
بحث الشيخ - ، فلو أن سند الرواية كان صحيحاً ؛ لم يجز للشيخ ولا لغيره - هدانا
الله وإياه - أن يوهم القراء ما تقدمت الإشارة إليه ، كما هو ظاهر . والله المستعان .
لكن مما يجب التنبيه عليه ، أن الشطر الأول من حديث عائشة المتعلق
بالمرأة تخلع ثيابها قد صح من طريق أخرى عنها ، ومن حديث أم الدرداء أيضاً ،

(13/104)


وهما مخرجان في كتابي "آداب الزفاف في السنة المطهرة" (ص 140 - 141/
الطبعة الجديدة - عمان) ، فاقتضى التنبيه ، وأن سوق حديث عائشة من رواية نعيم
ابن حماد ؛ إنما كان من أجل أن فيه الفقرة الثانية الشاهدة لحديث الترجمة ...
فاستلزم ذلك تحقيق الكلام فيه ، وبيان أنه لا يصبح شاهداً ؛ لوقفه ووهائه . والله
ولي التوفيق .
ثم إن الذي في نسخة "الأوسط " المصورة : "أم سليمة" ، وفي نسخة "مجمع
البحرين في زوائد المعجمين" المصورة من مكتبة الحرم المكي : "أمي سليمة" ، ولما
لم نجد لها ترجمة ؛ لم نتمكن من معرفة الراجح منهما . والله أعلم .
ومن الغريب أن الشيخ التويجري حين يحاول تقوية حديث عائشة بدفاعه
عن نعيم بن حماد لا يَشْعُرُ أنه يقيم الحجة به على نفسه لقول أنس عنها :
" فأعرضت بوجهها عنه " ؛ لأن الإعراض بالوجه في مثل هذه الحالة لا يتبادر
لذهن العربي إلا أن الوجه مكشوف! ولكني لا أستبعد على الشيخ أن يسلط عليه
معول التأويل حتى يخرجه عن دلالته الظاهرة ؛ كما فعل في غيره من النصوص
الصريحة الدلالة على خلاف رأيه!

6044 - (كأنِّي بقومٍ يأتون مِنْ بعدي يَرْفعونَ أيْدِيَهم في الصلاة
كأنها أذناب خَيْلٍ شُمْسٍ ) .
باطل بهذا اللفظ .
جاء هكذا في "مسند الربيع بن حبيب " الذي سماه
الإباضية بـ "الجامع الصحيح " ! وهو مشحون بالأحاديث المنكرة والباطلة ، التي تفرد
بها هذا "المسند" دون العشرات ، بل المئات ، بل الألوف من كتب السنة المطبوعة
منها والمخطوطة ، والمشهور مؤلفوها بالعدالة والثقة والحفظ بخلاف الربيع هذا! فإنه
لا يعرف مطلقاً إلا في بعض كتب الإباضية المتأخرة التي بينها وبين الربيع قرون!

(13/105)


ومع ذلك فليس فيها ترجمة عنه وافية نقلاً عمن كانوا معاصرين له أو قريباً من
عصره من الحفاظ المشهورين!
فهذا عالم الإباضية في القرن الرابع عشر عبدالله بن حميد السالمي (ت
1332) لما شرح هذا "المسند" وقدم له مقدمة في سبع صفحات ؛ ترجم في بعضها
للربيع ، وبالغ في الثناء عليه ما شاء له تعصبه لمذهبه ؛ دون أن ينقل حرفاً واحداً
في توثيقه والشهادة له بالحفظ ؛ ولو عن أحد الإباضيين المتقدمين! لا شيء من
ذلك البتة .
ولذلك لم يرد له ذكر في شيء من كتب الرجال المعروفة لدينا ، ولا لكتابه
هذا "المسند" ذكرٌ في شيء من كتب الحديث والتخاريج التي تعزو إلى كتب قديمة
لا يزال الكثير منها في عالم المحطوطات ، أو عالَم الغيب! وكذلك لم يذكر هذا
"المسند " في كتب المسانيد التي ذكرها الشيخ الكتاني في "الرسالة المستطرفة" - وهي
أكثر من مئة - .
ثم إننا!و فرضنا أن الربيع هذا ثقة حافظ - كما يريد الإباضيون أن يقولوا ! - ؛
فلا يصح الاعتماد عليه! إلا بشرطين اثنين :
الأول : أن يكون لكتابه إسناد معروف صحيح إليه ، ثم تلقته الأمة بالقبول ،
ولا شيء من ذلك عندهم ؛ بله عندنا! فإن الشيخ السالمي - في "شرحه " المشار
إليه آنفاً - لم يتعرض لذلك بشيء من الذكر ، ولو كان موجوداً لديهم ؛ لسارعوا
لإظهاره ، والمبالغة في تبجيله ؛ توثيقاً لـ "مسند الربيع" الذفي هو عندهم بمنزلة
"البخاري" عندنا !
وشتان ما بينهما ، فإن "صحيح البخاري " صحيح النسبة إليه حتى عند
الفرق التي لا تعتمد عليه - كالشيعة وغيرهم -! .

(13/106)


ومن الغريب أن الشيخ السالمي ذكر في مقدمة "المسند" (ص 4) أن مرتب
"المسند" يوسف بن إبراهيم الوارجلاني ضم إليه روايات محبوب بن الرحيل عن
الربيع ، وروايات الإمام أفلح بن عبدالوهاب الرستمي عن أبي غانم بشر بن غانم
الخراساني ، ومراسيل جابر بن زيد ، وجعل الجميع في الجزء الرابع من الكتاب .
قلت : ويبدو جليّاً لكل متأمل أن الشيخ نفسه لا يعلم الراوي لـ "المسند" عن
الربيع ، وألا ؛ لذكره كما ذكر الراوي محبوباً للضَّميمة عنه ؛ وهي تشمل الجزء
الثالث والرابع منه . ومحبوب هذا مجهول عندنا ، بل وعندهم فيما أظن!
وإذا كان كذلك ؛ أفلا يحق لنا أن نتساءل : أفلا يجوز أن يكون الراوي
لـ "المسند" في جزئه الأول والثاني منه . راوياً كمحبوب هذا ؛ مجهولاً ، أو أسوأ ؟!
فكيف يصح الاعتماد عليه بل أن يقال : "هو أصح كتاب من بعد القرآن " - كما
قال الشيخ المذكور في أول صفحة من مقدمته المذكورة - ؟! تالله! إن هذا لهو
التعصب الأعمى ؛ مهما كان شأن قائله فضلاً وعلماً!
فلا تغترَّ - أيها القارئ الكريم! - بالمقدمة المذكورة ؛ فكلها مغالطات ودعاوى
فارغة ، لا قيمة لها من الوجهة العلمية ، ولا لمقدمة الأستاذ عزالدين التنوخي
رحمه الله وعفا عنه لشرح الشيخ السالمي لـ "المسند" ؛ لأنها مستمدة من كلام
الشيخ ، فهو إعادة له وصياغة جديدة من عنده ؛ يذكرني مع الأسف بالمثل المعروف :
" أسمع جعجعة ولا أرى طحناً " !
بل يجوز عنده أن يكون الراوي لهذا "المسند" أسوأ من راوٍ مجهول ؛ فقد
روى عنه رجل كذاب ، وهذا مما حفظه لنا الإمام أحمد في كتابه "العلل " فقال
(254/1) :
"سمعت هشيماً يقول : ادعوا الله لأخينا عباد بن العوام ؛ سمعته يقول :

(13/107)


كان يقدم علينا من البصرة رجل يقال له : الهيثم بن عبدالغفار الطائي :
يحدثنا عن همام عن قتادة وأبيه (الأصل : رأيه) ، وعن رجل يقال له : الربيع بن
حبيب عن ضمام عن جابر بن زيد ، وعن رجاء بن أبي سلمة أحاديثَ ، وعن
سعيد بن عبدالعزيز ، وكنا معجبين به ، فحدثنا بشيء أنكرته وارتبت به . ثم لقيته
بعدُ ، فقال لي : ذاك الحديث اترُكْه أو دَعْهُ . فقدمت على عبدالرحمن بن مهدي ،
فعرضت عليه بعض حديثه ؛ فقال :
"هذا رجل كذاب ، أو قال : غير ثقة" . قال أحمد :
ولقيت الأقرع بمكة ، فذكرت له بعض هذه الأحاديث ، فقال : هذا حديث البري
عن قتادة - يعني : أحاديث همام - ؛ قلبها . قال : فخرقت حديثه ، وتركناه بعد" .
ورواه العقيلي في "الضعفاء" (4/358) عن عبدالله بن أحمد عن أبيه . وابن
عدي في "الكامل " (7/3563) مختصراً .
وله ترجمة في "لسان الميزان " بفوائد زائدة ، من ذلك أن الهيثم هذا كان أعلم
الناس بقول جابر بن زيد .
قلت : وضمام هذا - هو : ابن السائب - له في "مسند الربيع " من روايته عنه
مباشرة ثلاثة أحاديث (رقم 112 و520 و 688) ، قال في الأول منها : بلغني عن
ابن عباس ... فذكر حديثاً منكراً . وقال في الآخرين : عن جابر بن زيد عن ابن
عباس ... فذكر حديثين ؛ الآخر منهما منكر . ولعله ييسر لي أن أفردهما بالذكر .
وربيع بن حبيب هذا المذكور في "العلل " هو الإباضي هذا صاحب "المسند"
ويقال فيه : الأزدي الفراهيدي ؛ فهو غير الربيع بن حبيب الحنفي أبو سلمة
البصري المترجم في "التهذيب " تمييزاً بينه وبين آخر يكنى بأبي هشام الكوفي
الأحول .

(13/108)


والمقصود : أن الهيثم هذا تبين أنه ممن روى عن الربيع بن حبيب ؛ فمن
المحتمل أن يكون هو الراوي عنه "مسنده " هذا في جزئيه الأولين ، فإن لم يكن هو ؛
فيرد الاحتمال الآخر ... وهو : أن يكون مجهولاً كمحبوب الذي روى عنه الجزءين
الآخرين!
والخلاصة : أن الشرط الأول ليصح الاعتماد على "مسند الربيع " لم يتحقق .
وأما الشرط الآخر : فهو أن يكون شيوخ المؤلف ومن فوقه من الرواة معروفين
بالعدالة والرواية والثقة والحفظ ، وهذا مفقود في شيوخه وغيرهم ، وتفصيل القول
في ذلك لا يتسع المجال له هنا ؛ فحسبنا على ذلك بعض الأمثلة :
أولاً : شيخه مسلم بن أبي كريمة التميمي أبو عبيدة : ذكره الذهبي في
" الميزان " وفي " المغني في الضعفاء" وقال :
"مجهول" . وسبقه إلى ذلك ابن أبي حاتم ، فقال (4/193) :
"سمعت أبي يقول : مجهول " . وذكره ابن حبان في "التابعين " من كتابه
إ الثقات ، (5/ 401) في آخرين معه ، وقال :
"رووا عن علي بن أبي طالب . إلا أني لست أعتمد عليهم ، ولا يعجبني
الاحتجاج بهم لما كانوا فيه من المذهب الرديء" .
قلت : وفسر الذهبي ثم العسقلاني دامذهبه الرديء" بالتشيع! ويبدو لي أنه
يعني : الخروج على علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فإنه تميمي - كما رأيت - ؛ فهو يلتقي في
هذه النسبة مع عبدالله بن إباض التميمي الإباضي ، قال الحافظ في "اللسان " :
"رأس الإباضية من الخوارج ، وهم فرقة كبيرة ، وكان هو - فيما قيل - رجع عن
بدعته ؛ فتبرأ أصحابه منه ، واستمرت نسبتهم إليه " .

(13/109)


تلك هي حال أبي عبيدة هذا ، وقد تجاهلها الإباضيون ؛ فلم يعرجوا على ما
نقلناه عن أئمتنا ، ولو بجواب هزيل! بل بالغوا في الثناء عليه جزافاً من أنفسهم ؛
كما فعل الشيخ السالمي في مقدمة "شرحه " ، وقلده - مع الأسف! - الأستاذ
التنوخي في تقدمته للشرح - وغيره - ؛ بل تبجح فقال (ص : ر) :
"وقَلَّ من المشتغلين بالحديث في ديارنا الشامية وفي مصر والعراق وغيرها من
له معرفة برجال هذا "المسند" ، ولذا يحسن بنا أن نعرفهم ولو بإيجاز ..." .
ثم ذكر سنة ولادته ووفاته (95 - 158) ، وأن من شيوخه جابر بن عبدالله
الأنصاري الصحابي الجليل!
فأقول : وهذا - والله! - منتهى الجهل ، والتكلم بغير علم ... فإن جابراً رضي
الله عنه مات قبل الثمانين - باتفاق العلماء - ، فكيف يدركه ويسمع منه من ولد
سنة (95) - أي : بعد موته بنحو (15) سنة - ؟!
أضف إلى ذلك : أنه لم يعتد بما تقدم عن علمائنا من أهل السنة ، وهو - فيما
أعلم - منهم ومن تلامذة الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله ، فهل انحرف
عنه من بعده وصار إباضياً أكثر من الإباضيين أنفسهم ؟! حتى رأيت بعض هؤلاء
يحتج بكلامه على أهل السنة!
فاللهم! غفراً ، وأعوذ بالله من فساد هذا الزمان وأهله ، لقد بلغت به الجرأة
وعدم المبالاة بما يخرج من فيه إلى الكذب المكشوف ؛ كقوله (ص : هـ) :
"ورجال هذه السلسلة الربيعية من أوثق الرجال وأحفظهم وأصدقهم ؛ لم يشب
أحاديثها شائبة إنكار ، ولا إرسال ، ولا انقطاع ، ولا إعضال "!
وهذا مخالف لواقع "مسند الربيع " هذا تماماً . وشرح ذلك يحتاج إلى تأليف
كتاب ، وحسبنا الآن بعض الأمثلة الدالة على غيره .

(13/110)


فهذا هو الشيخ الأول المجهول ، فأين الثقة وأين الحفظ ؟!
وإنك لتزداد عجباً - أيها القارئ الكريم! - إذا علمت أن الجزء الأول والثاني
من "مسند ربيعهم" كل أحاديثه - وعددها (742) - عن هذا الشيخ المجهول!!
وهو راوي هذا الحديث الباطل ؛ كما يأتي قريباً إن شاء الله تعالى .
ثانياً : أبو ربيعة زيد بن عوف العامري البصري : أخبرنا حماد بن سلمة ...
قلت : فذكر له (213/825) حديثاً أصله في "الصحيحين " ، لكن زاد
عليهما فيه زيادة منكرة! قال الذهبي في ترجمته من "الميزان " :
" تركوه " .
ثالثاً : قال (222/844) : وأخبرنا بشر المَريسي عن محمد بن يعلى قال :
أخبرنا الحسن بن دينار عن خَصيب بن جحدر ... إلخ . فذكر حديثاً موقوفاً على
أبي هريرة! وهو في "صحيح البخاري" مرفوع ، ثم إن في آخر الموقوف أثراً عن ابن
عباس لا نعرف له أصلاً!
وبشر المريسي : هو المبتدع الجهمي الضال ، قال الذهبي وغيره :
"لا ينبغي أن يروى عنه ، ولا كرامة " .
وهو القائل بخلق القرآن ، والإباضية معه في هذه الضلالة !
وإنما سردت إسناده ليتبين القارئ قيمة روايات هذا "المسند" ؛ فإن شيخ
المريسي محمد بن يعلى جهمي متروك الحديث . وروى الربيع عنه (215/828)
مباشرة ؟!
والحسن بن دينار : كذبه أحمد ويحيى ، كما في "اللسان" .
وخَصيب بن جَحدر : كذبه شعبة والقطان وإبن معين .

(13/111)


وأما سائر رجاله - ممن فوق شيوخه في أحاديث أخرى - ففيهم جمع من
الضعفاء والمتروكين مثل : مجالد بن سيد (216/833) . وأبان بن [ أبي ] عياش
(217/834) : وهو متروك ، ومرة روى عنه مباشرة (218/836) ، وأبو بكر الهذلي
(220/840) : وهو متروك أيضاً ، ومثله جويبر عن الضحاك (220/839) ، ومرة
قال (215/829) : وأخبرنا جويبر عن الضحاك ...
والكلبي (223/846) : وهو كذاب .
هذا قُلٌّ من جُلٍّ من حال مؤلف "مسند الربيع " وبعض شيوخه ورواته ،
وحينئذٍ يتبين جلياً بطلان تسمية الإباضيين ومن اغتر بهم من المنتسبين إلى السنة
له بـ "المسند الصحيح "! وأبطلُ منه قول الشيخ السالمي الإباضي المتقدم :
"إنه أصح كتاب بعد القرآن "!
أقول : إذا عرفت ما تقدم ؛ فإنه ينتج منه حقيقة علمية هامة كتمها أو انطلى
أمرها على الإباضية ، وهي تتلخص في أمرين :
أحدهما : أن الربيع بن حبيب هذا الذي نسب إليه هذا "المسند" لا يعرف
من هو ؟
والأخر : أنه لو فرض أنه معروف ثقة ؛ فإن "مسنده " هذا لا يعرف من رواه
عنه ، وهذا في جزئيه الأول والثاني . وأما الجزء الثالث والراج . فراويهما مجهول
- كما تقدم - ، وسيأتي ذكر بعض أحاديثه الباطلة برقم (6302) .
وحينئذٍ تسقط الثقة به مطلقاً ؛ فلا غرابة أن لا نجد له ذكراً في كتب الحديث
من المسانيد وغيرها ، وأن تقع فيه أحاديث كثيرة لا أصل لها!
ثم إن في إسناد هذا الحديث عنده جهالة أخرى : فإنه عنده (58/213)

(13/112)


هكذا ؛ أبو عبيدة عن جابر بن زيد عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
قلت : وأبو عبيدة هذا اسمه : مسلم بن أبي كريمة التميمي : قال أبو حاتم
والذهبي - كما تقدم - :
"مجهول " .
ثم إن حديثه هذا باطل من وجوه :
الأول : أنه لا أصل له في شيء من كتب السنة ؛ لا عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ولا عن
غيره من الأصحاب .
الثاني : أنه مخالف في لفظه للحديث الصحيح عن جابر بن سمرة رضي الله
عنه قال : كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ،
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ ؟! إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ
يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " .
أخرجه مسلم وأبو عوانة وابن حبان في "صحاحهم " ، وهو مخرج في
"صحيح أبي داود" (916 - 918) .
ووجه المخالفة واضح جدّاً : ففيه أن الرفع المستنكر إنما هو رفع الأيدي عند
السلام في آخر التشهد ، وأنه وقع في عهده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنكره . وفي حديث الإباضية
أنه سيقع بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! وقد حملوه على رفع الأيدي عند الإحرام والركوع المتواتر
فعله عن الصحابة والسلف رضي الله عنهم . فقد ترجم له مرتب "مسند الربيع بن
حبيب " يوسف بن إبراهيم السدراني الوارجلاني (ت 570) فقال :
" ما جاء في منع الاقتداء بمن يرفع يديه في الصلاة"!

(13/113)


وعلى هذا مشى شارحه الشيخ عبدالله ابن حميد السالمي ؛ فقال في شرحه
لحديثهم (1/317) :
" المشار إليهم في هذا الحديث هم قومنا (يعني : أهل السنة) ؛ فإنهم هم
الذين اختصوا برفع أيديهم في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس ، حتى نقل غير
واحد منهم الإجماع على رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ، ولم يتركه إلا النادر
منهم (!) فقد نقل عن مالك أنه لا يستحب . وحكاه الباجي عن كثير من
متقدميهم . ونقل عن الزيدية أنه لا يجوز رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ولا
عند غيرها . وقيل : لم يقل بتركه منهم إلا الهادي يحيى بن الحسين وجده
القاسم بن إبراهيم . والحق : المنع ... لحديث الباب ؛ وحديث جابر بن سمرة :
"ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس ، اسكنوا في الصلاة" رواه
مسلم . وروى الحاكم في "المدخل " من حديث أنس : "من رفع يديه في الصلاة ؛
فلا صلاة له " .
وقد روى قومنا أحاديت الرفع عن العدد الكثير من الصحابة ، فإن صح ذلك
- ولا أراه يصح (!) - ؛ فمنسوخ بما ذكرنا (!) ، ويمكن أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع مرة واحدة ؛ كما
قيل : أنه أراد أن يفضح المنافقين الذين علقوا الأصنام تحت آباطهم ، فإذا رفعوا ؛
أيديهم ؛ سقطت وانكشفت ، فيفتضحون بذلك فلا يفعلونه مرة أخرى ، وإن لم
يرفعوا ؛ افتضحوا بالمخالفة (!) ، وعلى الحالين فهو زجر لهم . فرواه قومنا سنة مسلوكة ،
رغبوا فيها ؛ بل أوجبها بعضهم ، وقد كشف لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما سيفعلونه بعده ؛
فأخبرنا به تحذيراً بقوله : (كأني بقوم يأتون بعدي يرفعون ...) " إا
هذا كلامه بالحرف الواحد! عامله الله بما يستحق إا
ولقد أكد لي حين وقفت عليه أن ثناء الأستاذ عز الدين التنوخي عليه - في

(13/114)


تقديمه لـ "شرح مسند الربيع بن حبيب" (ص : ك) ، وقوله فيه : "أن أبحاثه تدل
على اعتدال في التحقيق ، وبُعْد عن التعصب " ، أن ذلك - إنما كان منه تزلفاً إليه ،
ومداهنة ... ولا أقول مداراة ، اللهم! إلا إن كان التنوخي لا علم عنده مطلقاً
بالأحاديث وفقهها ؛ فإن شرح الشيخ السالمي لهذا الحديث وتعليقه عليه فقط يؤكد
أنه من كبار أهل الأهواء المتعصبين لمذاهبهم ، والمتكلفين لرد أدلة الحق المخالفة
لهم . وإليك البيان :
أولاً : قوله : "لم يتركه إلا النادر منهم " ... هذا من عندياته ؛ فإنه لم يذكر
أحداً من أهل العلم ترك الرفع عند تكبيرة الإحرام ، بل هو مخالف للإجماع الذي
حكاه هو عن أهل السنة - ومنهم الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/134) - ،
ومن الظاهر أنه لا يعتد بإجماعهم ، ولا بما كان عليه جماهير الصحابة والسلف في
الرفع كما سيأتي .
ث!انيأ : فقد نقل عن مالك أنه لا يستحب!
فأقول : هذا كالذي قبله ، والكلام في الرفع عند تكبيرة الإحرام ؛ فإنه خلاف
ما في "المدونة" (1/68) و"الموطأ ، (1/97) ، وخلاف ما نقله العلماء عنه كابن
رشد في "البداية" : أن مذهبه الرفع عند تكبيرة الإحرام ، دون أي خلاف عنه ،
بخلاف الرفع عند الركوع ، فعنه روايتان ، رجح الباجي في "المنتقى" (1/142)
الرفع ، وهو الموافق لما في " الموطأ! .
ثالثاً : قوله : "وحكاه الباجي عن كثير من متقدميهم "!
قلت : نص كلام الباجي :
"وروي عن بعض المتقدمين المنع من ذلك " .

(13/115)


فأنت ترى أن الشيخ السالمي حرّف لفظة : (بعض) ... إلى : (كثير)! فهل
كان ذلك عن غير قصد ؟ الجواب في المثالين الأولين! ثم إن الباجي أشار إلى
تمريض الرواية بذلك!
رابعاً : قوله : "ونقل عن الزيدية أنه لا يجوز ... " .
قلت : فيه إيهام خبيث : أن الناقل هو الباجي! وليس كذلك ؛ فهو من كلام
السالمي نفسه ، فكان عليه أن يدفع الإيهام بمثل قوله : "ونقل بعضهم ...! .
والناقل هو ابن المنذر والعبدري ؛ كما في "نيل الأوطار" للشوكاني (2/149) ،
ثم رده بقوله :
"وهو غلط على الزيدية ؛ فإن إمامهم زيد بن علي رحمه الله ذكر في كتابه
المشهور بـ "المجموع " حديث الرفع (1) ، وقال باستحبابه أكابر أئمتهم المتقدمين
والمتأخرين ... " .
ولذلك انتقد الشوكاني رحمه الله مؤلف كتاب "حدائق الأزهار" الذي لم
يذكر هذه السنة في (فصل سنن الصلاة) " فقال في "السيل الجرار" (1/226) :
"وكان ينبغي له أن يذكر في هذا الفصل المشتمل على ذكر سنن الصلاة :
السنة العظمى والخصلة الكبرى التي هي أشهر من شمس النهار ، وهي العلم الذي
في رأسه نار ؛ وذلك : سنة الرفع عند افتتاح الصلاة ؛ فإنها قد ثبتت من طريق
خمسين من الصحابة منهم العشرة المبشرة بالجنة .
__________
(1) " مسند الإمام زيد" (ص 90) . واعلم أن هذا "المسند" حاله عندنا كحال "مسند الربيع
ابن حبيب " أو أسوأ ؛ فإنه من رواية عمرو بن خالد أبي خالد الواسطي عن الإمام زيد .
والواسطي هذا اتفق أئمتنا على أنه كذاب وضاع ؛ فراجع ترجمته في "الميزان" وغيره .

(13/116)


ثم سنة الرفع عند الركوع وعند الاعتدال منه ، ثم سنة ضَمّ اليد اليمنى على
اليسرى ؛ فإن هذه سنن ثابتة بأحاديث متواترة ... ، إلخ .
خامساً : قال : "والحق : المنع ... لحديث الباب " .
قلت : قد عرفت أن الحديث منكر سنداً ، باطل متناً ، وإن مما يؤكد ذلك أن
ابن عباس الذي نسبوا الحديث إليه قد صح عنه من طرق أنه كان يرفع يديه عند
افتتاح الصلاة ، وإذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع .
أخرجه عبدالرزاق في (المصنف " (2/69) ، وابن أبي شيبة أيضاً (1/235)
بسندٍ صحيح عنه .
ثم أخرجه عبدالرزاق بسند آخر صحيح عن طاوس قال :
رأيت عبدالله بن عمر ، وعبدالله بن عباس ، وعبدالله بن الزبير يرفعون أيديهم
في الصلاة .
قلت : فلو كان الحديث صحيحاً عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ، وبالمعنى الذي حملوه عليه ؛
لم يخالفه ابن عباس ولا غيره من الأصحاب - كما هو ظاهر -.
سادساً : قال : "وحديث جابر بن سمرة : (ما لي أراكم ...) " الحديث .
فأقول : هذه رواية مختصرة ، قد فسرتها رواية أخري لمسلم وغيره ، وبينت أن
الإنكار كان على رفع الأيدي عند السلام - كما تقدم - . وبهذا أجاب الشوكاني ،
ولكنه قال عقبه :
"ورُدّ هذا الجواب بأنه قصر للعام على السبب ، وهو مذهب مرجوح - كما تقرر
في الأصول - . وهذا الرد متجه ؛ لولا أن الرفع قد ثبت من فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثبوتاً متواتراً
- كما تقدم - ، وأقل أحوال هذه السنة المتواترة أن تصلح لجعلها قرينة لقصر ذلك

(13/117)


العام على السبب ، أو لتخصيص ذلك العموم على تسليم عدم القصر . وربما نازع
في هذا بعضهم فقال : قد تقرر عند بعض أهل الأصول : أنه إذا جُهل تاريخ العام
والخاص أُطْرِحَا! وهو لا يدري أن الصحابة قد أجمعت على هذه السنة بعد موته
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهم لا يجتمعون إلا على أمر فارقوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه . على أنه قد ثبت
من حديث ابن عمر عند البيهقي أنه قال - بعد أن ذكر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرفع
يديه عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الاعتدال - :
فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله تعالى .
وأيضاً ؛ المتقرر في الأصول بأن العام والخاص إذا جُهل تاريخهما ؛ وجب
البناء . وقد جعله بعض أئمة الأصول مجمعاً عليه ؛ كما في "شرح الغاية"
وغيره " . انتهى كلام الشوكاني رحمه الله .
ولقد كابر الزيلعي في "نصب الراية" (1/393) والمعلق عليه ، فأبيا تفسير
الرواية المختصرة بالرواية المفصلة ، وتجاهلا ما ذكره الزيلعي عن البخاري في رده على
الحنفية ، وهو قوله :
إ ولو كان كما ذهبوا إليه لكان الرفع في تكبيرات العيد أيضاً منهيّاً عنه ؛ لأنه
لم يستثن رفعاً دون رفع ، بل أطلق " .
ورفع اليدين في تكبيرات العيدين هو قول أبي حنيفة وصاحبيه كما في
"مختصر الطحاوي " (ص 37) ، و"الهداية" (2/43) ، وروي رفعهما في تكبيرات
الجنازة أيضاً عن أبي حنيفة ، وتعجب منه ابن حزم في "المحلى" (5/128) ؛ لأنه
- كما قال - لم يأت قط عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومنعه في سائر الصلوات ، وقد صح عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !!

(13/118)


وكابر المعلق أيضاً على "نصب الراية" (2/285) فقال عقبه :
"قلت : هذه النسبة منه أعجب " .
وأقول : لا عجب ؛ فإن قول أبي حنيفة هذا منقول في "حاشية ابن عابدين "
وغيره ، وعليه عمل أئمة بلْخ الحنفيين ؛ خلافاً لحنفية اليوم!
سابعاً : قوله : "وروى الحاكم في "المدخل " : ... من رفع يديه في الصلاة ؛
فلا صلاة له " .
قلت : هذا غاية الضلال . أن يحتج بهذا الحديث وهو موضوع باتفاق العلماء!
حتى الحنفية منهم ؛ كالزيلعي والقاري ، فقال في "موضوعاته" :
"هذا الحديث وضعه محمد بن عكاشة الكرماني قبَّحه الله " .
وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات " (2/96 - 98) من حديث أنس وغيره ،
وقال :
"وما أبله من وضع هذه الأحاديث الباطلة ليقاوم بها الأحاديث الصحيحة!
ففي "الصحيحين ، من حديث ابن عمر : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا افتتح الصلاة ؛ رفع
يديه ... " الحديث .
وقول الشيخ الإباضي : "وروى الحاكم ... " يوهم أنه رواه بإسناده إلى محمد
ابن عكاشة! وليس كذلك ؛ فإنه إنما ذكره تحت جماعة وضعوا الحديث في الوقت
لحاجتهم إليه ، منهم ابن عكاشة هذا! راجع "نصب الراية" (1/404 - 405) ،
وإنما رواه ابن الجوزي بإسناده إليه ، وأقره السيوطي على وضعه في "اللآلي" (2/19
و470) وغيره . انظر الكلام عليه فيما تقدم برقم (568) .
وإن احتجاج الإباضي بهذا الحديث الموضوع لهو من أكبر الأدلة على جهله

(13/119)


بهذا العلم أو تجاهله ، وهو هنا شر من الجهل ؛ لدخوله تحت قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "من حدث
عني بحديث يرى أنه كذب ؛ فهو أحد الكاذبين " . رواه مسلم وابن حبان وغيرهما .
والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ثامنأ : قال : "وقد روى قومنا أحاديث الرفع عن العدد الكثير من الصحابة ،
فإن صح ذلك - ولا أراه يصح - ؛ فمنسوخ " .
قلت : هذا إعلان صريح منه أنه لا يقيم وزناً للأحاديث الصحيحة! ولو كانت
متواترة ، وعمل بها الصحابة ومن بعدهم ممن سلك سبيلهم! وأن التصحيح
والتضعيف عنده خاضع لهواه! وأن من كان على شاكلته لا يفيد البحث معهم إلا
بعد الاتفاق على الأصول والقواعد . وهيهات هيهات!
وقد وقفت حديثاً على رسالة لأحدهم في الرفع وضم اليدين في الصلاة ؛
ذهب فيها إلى تضعيف أحاديث الرفع والضم كلها! وإن مما يُضحك الثكلى أنه
صرح بأن حديث ابن عمر في الرفع المذكور آنفاً موضوع ! وأن علته الإمام الزهري!!
وقد رددت عليه ردّاً موجزاً في مقدمة الطبعة الجديدة لكتابي "صفة الصلاة" .
وأما ادعاء النسخ فقد سبق الجواب عنه من كلام الشوكاني ، وفيه مَقْنَغٌ لكل
منصف . وكيف يستقيم في لُبِّ مسلم غير سكران بالهوى أن يتصور استمرار الصحابة
على الرفع بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو منسوخ ؟! وقد صح عن الحسن البصري أنه قال :
كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفعون أيديهم إذا ركعوا ، وإذا رفعوا رؤوسهم من
الركوع ... كأنما أيديهم مراوح .
وعن سعيد بن جبير : أنه سئل عن رفع اليدين في الصلاة ؛ فقال : هو شيء
يزين به الرجل صلاته ، كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفعون أيديهم في الافتتاح ،
وعند الركوع ، وإذا رفعوا رؤوسهم .

(13/120)


أخرجهما البيهقي (2/ 75) .
وقال محمد بن عمرو بن عطاء : سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من
أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم أبو قتادة - ، قال أبو حميد : أنا أعلمكم بصلاة رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قالوا : فاعرض . قال :
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصلاة ؛ رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ،
ثم كبر ... الحديث بطوله ، وفيه الرفع عند الركوع والرفع منه ، وفي آخره :
قالوا : صدقت ؛ هكذا كان يصلي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أخرجه أبو داود وغيره بإسناد صحيح على شرط مسلم ، وصححه الترمذي وابن
الجارود وابن حبان وغيرهم ، وهو مخرج في "الإرواء" (2/13/305) ، و"صحيح
أبي داود" (720) .
وماذا عسى أن يقول القائل في رجل يتجرأ على تضعيف ما تواترت صحته
عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثم هو لا يخجل أن يقول ؛ "ويمكن أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع لعذر مرة واحدة كما
قيل ... " إلى آخر هراثه وخرافته التي لا تعرف إلا من روايته" {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى
الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} .

6045 - ( نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ ، وَعَمَلُ الْمُنَافِقِ خَيْرٌ مِنْ نِيَّتِهِ ،
وَكُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى نِيَّتِهِ ، فَإِذَا عَمِلَ الْمُؤْمِنُ عَمَلاً ؛ نَارَ فِي قَلْبِهِ نُورٌ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/228/5942) وعنه أبو
نعيم في "الحلية" (3/255) من طريق حَاتِم بن عَبَّادِ بن دِينَارٍ الْحَرَشِيّ : ثَنَا يَحْيَى
بن قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ : ثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال أبو نعيم :

(13/121)


" غريب من حديث أبي حازم وسهل ، لم نكتبه إلا من هذا الوجه " .
قلت : وهو ضعيف ؛ من أجل حاتم بن عباد ، فإنه لا يعرف إلا في هذا
الحديث ، ولم نجد له ذكراً في كتب الرجال ، وبه أعله الهيثمي ؛ فقال في "مجمع
الزوائد" (1/ 61) :
"رواه الطبراني في "الكبير" ، ورجاله موثقون ، إلا حاتم بن عباد بن دينار
الجرشي ؛ لم أر من ذكر له ترجمة" .
وذكر نحوه في مكان آخر (1/109) .
ولذلك ضعفه الحافظ العراقي ؛ فقال في "تخريج الإحياء" (4/366) :
"أخرجه الطبراني من حديث سهل بن سعد ، ومن حديث النواس بن
سمعان ، وكلاهما ضعيف" .
قلت : وحديث النواس مختصر ، وقد مضى تخريجه برقم (2789) .
وقول الهيثمي : " ... ورجاله موثقون ... " فيه إشارة إلى أن توثيق بعضهم
ليِّن ، وهو يحيى بن قيس الكندي ؛ فإنه لم يوثقه أحد - فيما علمت - إلا ابن
حبان (7/608) ، ولذلك قال الحافظ في "التقريب " :
"مستور" .
لكن قد روى عنه أربعة من الثقات ؛ فهو صدوق - كما ذكرت في "تيسير
الانتفاع " - . والله أعلم ؛ فالعلة من حاتم .
وقد توبع ممن لا تفيد متابعته . أخرجه الخطيب في "التاريخ " (9/237) من
طريق سمعان بن مسبّح الكسي : حدثنا الرييع بن حسان الكسي : حدثنا يحيى

(13/122)


ابن عبدالغفار : حدثنا محمد بن سعيد : حدثنا سليمان النخعي عن أبي
حازم ... به ؛ دون قوله : "فإذا عمل المؤمن ... " .
أورده في ترجمة سمعان هذا ، برواية ثلاثة عنه ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا
تعديلاً .
والثلاثة الذين فوقه لم أعرفهم .
وأما سليمان النخعي : فهو ابن عمرو أبو داود النخعي الكذاب ، له ترجمة
سيئة جدّاً في "الميزان" و "اللسان " .
وقد سئل ابن تيمية رحمه الله عن الجملة الأولى من الحديث ؟
فأجاب : " هذا الكلام قاله غير واحد ، وبعضهم يذكره مرفوعاً ، وبيانه من
وجوه ... " .
ثم ذكرها ، وهي خمس ، فراجعها في "مجموع الفتاوى" (22/243 - 245) .
(تنبيه) : بعد كتابة هذا التخريج والتحقيق بزمن بعيد ، نزل إلى السوق
"مجمع الزوائد" للهيثمي بتحقيق الأخ حسين سليم الداراني الدمشقي ، بجزءين
له الأول والثاني ، فرأيته قد قال في تخريجه (1/395) :
"ويشهد له حديث أنس عند القضاعي ، وحديث النواس بن سمعان فيه
أيضاً ، وإسنادهما ضعيفان " .
قلت : فعجبت منه كيف اقتصر على هذا التضعيف المجمل ، وهو يرى في
إسناد حديث النواس من هو متهم - كما نبه عليه أخونا الفاضل حمدي السلفي
في تعليقه على "مسند القضاعي" (1/119) - ، وفي إسناد حديث أنس متروك ،
وقد بينت حالهما في المكان المشار إليه برقم (2789) . هذا أولاً .

(13/123)


وثانياً : حتى لو فرض أنهما صالحان للاستشهاد بهما ؛ فذلك في غير هذا
الحديث ؛ لأنه أتم منهما لفظاً ، وأكمل معنى . فتكون شهادتهما قاصرة . ومثل هذا
الاستشهاد القاصر كثيراً ما يقع في مثله الأخ الداراني وأمثاله من الأحداث في
هذا العلم ، وقد نبهت أكثر من مرة على ذلك . والله تعالى ولي التوفيق .

6046 - ( نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ ، وإن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيُعْطي العبدَ
على نيته ما لا يُعْطيه على عمله ، وذلك أن النيةَ لا رياءَ فيها ، والعملَ
يُخَالِطُه الرِّياءُ ) .
موضوع .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (3/103 - الغرائب الملتقطة)
من طريق شعيب بن إدريس عن علي بن أحمد عن أحمد بن عبدالله الهروي
عن أبي هريرة منصور بن يعقوب عن سعيد عن قتادة عن أبي بردة عن أبي
موسى ... رفعه .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته أحمد بن عبدالله الهروي ، فإني أظنه الجُوَيْبَارِيَّ
الكذاب المشهور ؛ فإنه من أهل هراة ، ومن هذه الطبقة . قال ابن حبان في
"الضعفاء" (1/142) :
"دجَّال من الدجاجلة ، كذاب ، يروي عن ابن عُيَينة ووكيع وأبي ضمرة
وغيرهم من ثقات أصحاب الحديث ويضع عليهم ما لم يحدثوا . ولولا أن أحداث
أصحاب الرأي بهذه الناحية خفي عليهم شأنه ؛ لم أذكره في هذا الكتاب لشهرته
عند أصحاب الحديث قاطبة بالوضع " .
ومن دونه لم أعرفهما .
ومنصور بن يعقوب : ذكره ابن عدي في "الكامل " (6/2388) ولم يكنه ،
وساق له حديثين بإسناد له آخر ، ثم قال :

(13/124)


"له غير ما ذكرت ، ويقع فِي حَدِيثِه أشياء غير محفوظة" .
قلت : ومما سبق تعلم تساهل الزَّبيدي في اقتصاره في تخريج الحديث في
"شرح الإحياء" (10/15) على قوله : "سنده ضعيف " ، كما تساهل في قوله :
"له طرق بمجموعها يتقوى الحديث " .
وذلك لأن أكثرها شديدة الضعف ، أما هذا فقد عرفت أن فيه الهروي
الجُوَيْبَارِيَّ الكذاب .
وحديث النَّوَّاس بن سَمعان المتقدم : فيه متهم بالوضع .
ومثله حديث أنس المتقدم هناك ؛ فيه ضعيف جدّاً ، وفي "اللآلي المنثورة" (65) :
"أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" من جهة يوسف بن عطية عن ثابت
عن أنس ... به ، وقال : هذا إسناد ضعيف . وقال ابن دحية : هذا الحديث لا
يصح ؛ يوسف بن عطية : قال النسائي فيه : متروك الحديث " .
قلت : وخير طرقه طريق سهل الذي قبله ؛ ففيه حاتم بن عباد الذي لم
يعرف ؛ فيبقى على ضعفه لعدم وجود شاهد معتبر له .
وقد ذكر الزبيدي أن ابن الجوزي حكم على الحديث بالوضع ، ولم أره في
"موضوعاته " ولا في "اللآلي المصنوعة " للسيوطي . والله أعلم .
(تنبيه) : جاء حديث سهل بن سعد في "الفردوس " بتحقيق السعيد بن
بسيوني زغلول برقم (6842) ، وحديث أبي موسى عقبه برقم (6843) . فقال
المحقق في تعليقه عليه (4/286) :
"ولم أجده من حديث أبي موسى"!
كذا قال! مع أنه قال في تعليقه على حديث سهل (4/285) :

(13/125)


"6842 - إسناد هذا الحديث في زهر الفردوس (4/121) قال : أخبرنا ... " ؛
فذكر إسناده إلى شعيب بن إدريس بسنده المذكور أعلاه إلى أبي موسى ... رفعه!
فتأمل هذه (اللَّخبطة) ما أعجبها ؛ فهو تحت حديث سهل ساق إسناد حديث
أبي موسى ، وتحت حديث أبي موسى قال : "لم أجده "!!
ثم هو إلى ذلك لما ساق إسناده ؛ لم يتكلم عليه بشيء!

6047 - ( إن للمرأةِ في حَمْلها إلى وَضْعِها ، إلى فِصالِها من الأجر
كالمُتَشَحِّط في سبيلِ الله ، فإنْ هَلَكَتْ فيما بين ذلك؛ فلها أَجْرُ
الشَّهيدِ ) .
ضعيف .
أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (ق 88/1) : حدثنا
يعمر بن بشر : حدثنا ابن المبارك : حدثنا قيس بن الربيع عن أبي هاشم عن سعيد
ابن جبير عَنْ ابْنِ عُمَرَ - قال : أراه - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ علته قيس بن الربيع ، وقد تكلموا فيه كثيراً ،
وكانت فيه غَفْلة ، وقد شك في رفعه بقوله : "أراه " ، وقد لخص الحافظ أقوالهم
فيه ؛ فقال في "التقريب " :
"صدوق ، تغيَّر لما كبر ، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه ؛ فحدَّث به " .
وهذا خلاصة ما حققه فيه ابن حبان في (الضعفاء" (2/218 - 219) .
وسائر رجاله ثقات ، وأبو هاشم هو الرُّمَّاني الواسطي .
(تنبيه) : يَعْمَر بن بشر هو الخراساني المروزي ، وقد أعل الحديث به أيضاً
المعلق على "المنتخب" ؛ فقال (2/34/799) :

(13/126)


"ترجمته في "تعجيل المنفعة" ، لم يوثقه معتبر"!
قلت : يشير إلى تفرد ابن حبان بتوثيقه . وهو في ذلك جارٍ على الجادَّة في
عدم الاعتداد بتوثيقه ؛ لما عُرف به من التساهل في ذلك ، ولكن هذا ليس على
إطلاقه - كما كنت بينته في بعض تحقيقاتي - ، وسلفي في ذلك الحافظ الذهبي
والعسقلاني وغيرهما ، وقد ذكر ابن حبان في ترجمته هذا من "ثقاته " (9/ 291) :
"روى عنه عثمان بن أبي شيبة ، وأبو كُريب ، وعبدالله بن عبدالرحمن ،
وأهل العراق" .
وهؤلاء كلهم من الحفاظ ، وعبدالله بن عبدالرحمن هو الدارمي مؤلف كتاب
"السن ، المعروف بـ "المسند" ، وروى عنه أحمد بن سنان الواسطي ، وحجاج بن
حمزة - كما في "الجرح والتعديل " - ، وأحمد بن حنبل - كما في "التعجيل " - ،
فاتفاق هؤلاء الحفاظ على الرواية عنه دون تجريح له مما يجعل النفس تطمئن للثقة
به ، والاعتداد بروايته ؛ فلا يعل الحديث بمثله .
ثم رأيت الحديث في "الحلية" (4/398) من طريق أخرى عن ابن المبارك ...
به . ومن طريق الطبراني بسنده عن إبراهيم بن إسحاق الصِّيني : ثنا قيس بن
الر بيع ... به . وقال :
"غريب تفرد به قيس " .
وأعله الهيثمي (4/305) بالاختلاف في قيس ، وقال :
" وإسحاق بن إبراهيم الصِّيني لم أعرفه " .
وأقول : أظنه مما انقلب اسمه على بعض الرواة أو النساخ ؛ فهو إبراهيم بن
إسحاق الصيني ؛ قال في "الميزان " :

(13/127)


" قال الدارقطني : متروك الحديث . قلت تفرد عن قيس بن الربيع ... " .
ثم ذكر حديثه المتقدم برقم (5994) .
والحديث عزاه في "المطالب العالية" (2/84) لعبد بن حميد ساكتاً عنه!
وحسَّن إسناده المعلق عليه ؛ فأخطأ! واغتر به من نشر الحديث في مجلة "البنيان
المرصوص" الغراء (العدد 36 - 37 ص 75)!

6048 - ( لا يبقى أحدٌ يومَ عَرَفَةَ في قلبهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ من إيمانٍ إلا
غُفِرَ له . فقال رجلٌ : أَلأَهْلِ مُعَرَّفٍ يا رسولَ الله ! أم للناسِ عامةً ؟ قال :
بل للناسِ عامةً ) .
موضوع .
أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (ق 110/2) :
حدثني أبو الوليد القاسم بن الوليد الهَمْداني : ثنا الصَّباح بن موسى عن أبي
داود السَّبيعي عن عبدالله بن عمر قال : سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : ... فذكره .
قلت : وهذا موضوع ، ورجاله من أبي داود فمن دونه متكلم فيهم ، وآفته أبو
داود السبيعي ؛ وهو الأعمى القاصُّ ، واسمه : نُفَيْعُ بن الحارث ، وهو متروك : قال
ابن معين :
"يضع ، ليس بشيء" . وكذبه السَّاجي ، وقال الحاكم :
"روى عن بريدة وأنس أحاديث موضوعة " . وقال ابن حبان في "الضعفاء"
(3/55) :
"كان ممن يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات توهُّماً" ، ثم تناقض فأورده في
" الثقات " (5/482)! قال الحافظ :

(13/128)


"وهو وهم منه بلا ريب ، وهو هو" .
والصباح بن موسى : أورده ابن أبي حاتم فقال (2/1/444) :
"روى عن أبي داود نُفَيْعُ وعمِّه مُطَرِّف بن عبدالله المديني . روى عنه إسحاق
أبن موسى الخطمي الأنصاري ومحمد بن ربيعة" . وقال الذهبي في "الميزان " :
"ليس بذاك القوي ، مَشَّاه بعضهم " ، وقال في "المغني " :
"ليس بالمتين " .
وأما أبو الوليد القاسم بن الوليد الهَمْداني : فهكذا وقع في الأصل المصور عن
مخطوطة ، وكذلك في نسخة أخرى ، وكذا في المطبوعة (2/48/840) ؛ وهي
مصححة على مصورتين - كما نص على ذلك محققها - ، ولا أدري إذا كانتا غير
الأوليين ، والمقصود أن أبا الوليد هذا لا يمكن أن يكون من شيوخ عبد بن حميد ؛
لأنه مات سنة (141) - كما في ترجمته من "التهذيب " وغيره - ، وتوفي عبد بن
حميد سنة (249) ، فبين وفاتيهما أكثر من مائة سنة ؛ فهو خطأ يقيناً ، ولعله من
بعض النساخ ، فأُلقي في النفس أنه - لعل الصواب - : (الوليد بن القاسم بن
الوليد الهمداني) ؛ فقد ذكر في "التهذيب " أنه من شيوخ عبد بن حميد - مات
سنة (183) - . ثم ترجح ذلك عندي حينما رأيت السيوطيَّ قال في تخريج الحديث
في "الجامع الكبير" :
"رواه ابن أبي الدنيا في "فضل عشر ذي الحجة" ، وابن النجار عَنْ ابْنِ عُمَرَ ،
وفيه الوليد بن قاسم بن الوليد ، قال ابن حبان : لا يحتج به " .
وليس له في "المنتخب" غير هذا الحديث .
ثم إن ابن حبان تناقض فيه ؛ فذكره في "الضعفاء" (3/80 - 81) ، ونصُّ
كلامه فيه :

(13/129)


"كان ممن ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات ؛ فخرج عن حد
الاحتجاج به إذا انفرد" .
وأورده في " الثقات " ، فقال (9/224) :
"كوفي ، يروي عن مجالد ، روى عنه عبد بن حميد وأهل العراق " .
ووثقه أحمد أيضاً . وقال ابن معين :
"ضعيف الحديث " . ولعل الصواب ما قاله ابن عدي :
"إذا روح عن ثقة ، وروى عنه ثقة ؛ فلا بأس به " . وفي "التقريب " :
"صدوق يخطئ " .
والحديث أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/252) بلفظ :
"إذا كان عَشِيَّةَ عرفة لم يبقَ أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان إلا
غفر له ... " الحديث . وقال :
"رواه الطبراني في "الكبير" ، وفيه أبو داود الأعمى وهو ضعيف جدّاً" .
قلت : وليس هو في المجلد الثاني عشر المطبوع من "المعجم الكبير" ، فالظاهر
أنه في المجلد الثالث عشر منه ، ولم يطبع بعد . والله أعلم .
وعزاه الحافظ في "المطالب العالية" (1/349/1178) لعبد بن حميد ، وسكت
عنه! وكذلك فعل البوصيري - كما ذكر المعلق عليه -!

6049 - (إن الله تبارك وتعالى لعن سبطاً من الجن ؛ فمسخهم دوابّ
في الأرض ، فهذه الكلاب السود هي من الجن ، وهي تتقيه (!) القرى ) .
ضعيف جداً .
أخرجه عبد بن حميد (ق 189/ 1) من طريق أبي هارون

(13/130)


العَبدي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"لولا أن الكلاب أمة من الأمم ؛ لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها كل أسود بَهيم " .
قال : فقلت لأبي هريرة : ما بال أسودها من أحمرها ؟ فقال أبو هريرة : قلت
لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قلت ؛ فقال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جدّاً ؛ أبو هارون العبدي اسمه عمارة بن جُوين ،
قال الحافظ :
"متروك ، ومنهم - من كذبه " . وقال الذهبي في " الميزان " :
"تابعي لين بمرة ، كذبه حماد بن زيد" .
ومع ذلك فقد خولف في متنه ؛ فقال البزار (2/71/ 228 - كشف الأستار) :
حدثنا سعيد بن بَحر القراطيسيُّ : ثنا إسحاق بن يوسف : ثنا الجريريُّ عن ثُمامة
ابن حزَن عن أبي هريرة : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
"اقتلوا الكلاب " .
فقال أهل المدينة : يا رسول الله! إنها تنفعنا ؛ إنها تكون في غنمنا وزرعنا .
قال :
"فاقتلوا منها البهيم ، والبهيم : الذي يقول الناس : إنه الجن " .
قلت : وهذا إسناد جيد ؛ رجاله ثقات رجال مسلم ؛ غير القراطيسي ، وقد
وثقه الخطيب في "التاريخ " (9/93) ، ولم يعرفه الهيثمي ؛ فقال في "مجمع الزوائد"
(4/43) :
"رواه البزار ، ورجاله رجال الصحيح ؛ خلا سعيد بن بحر شيخ البزار ، ولم
أجد من ترجمه "!

(13/131)


قلت : والجَريري هو : سعيد بن إياس وكان تغير ، وروى عنه إسحاق بن يوسف
- وهو الأزرق - بعد التغير - كما قال ابن الكَيَّال في "الكواكب " (ص 183 - 184) - ،
لكن ذلك لا يضر إن شاء الله ؛ لأن تغيره كان قليلاً ؛ كما قاد الذهبي في "الميزان " ،
وكذلك قال في "الكاشف " :
"وهو حسن الحديث " .
ففيه أن قوله ؛ "من الجن " إنما هو من كلام الناس . لكن هذه الجملة : "والبهيم
الذي يقول الناس : إنه من الجن " : كأنه مدرج في الحديث ؛ ليس من كلامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
لكن قد جاء مرفوعاً من حديث ابن عباس بلفظ :
"لولا أن الكلاب أمة [ من الأمم ] ؛ لأمرت بقتل كل أسود بهيم ، فاقتلوا المعينة
من الكلاب ؛ فإنها الملعونة من الجن " .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (4/330/2442) : حدثنا أبو [عبدالرحمن : ]
عبدالله بن عبدالرحمن العلاف : حدثنا عبدالملك بن الخطاب بن عبيد الله بن
أبي بكرة عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ .
وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/349/11979) وفي "الأوسط "
(1/159/2875 - بترقيمي) ، قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي : نا عبدالله
ابن الفضل أبو عبدالرحمن العلاف ... به . وقال :
"لم يروه عن عمارة إلا عبدالملك ، تفرد به عبدالله بن الفضل " .
قلت : كذا وقع في "الأوسط " ، وهو نفسه ابن عبدالرحمن ؛ كما في إسناد
أبي يعلى ، ووقع في "الكبير" : "محمد بن عبدالرحمن العلاف " . ولا أدري إذ
كان محفوظاً ؟ فإن الحافظ ذكر الوجهين الأولين في ترجمة عبدالملك ، وذكر فيها

(13/132)


أنه روى عنه أيضاً محمد بن عبدالعزيز الرَّمْلي ، وداود بن مصبح العسقلاني ،
وهانئ بن المتوكل الإسكندراني ، وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/386) ، ثم
قال الحافظ :
"قلت : وقال ابن القطان : حاله مجهولة " ، وقال في "التقريب " :
" مقبول " . وفي "الميزان " :
"مُقِلٌّ جدّاً ، غمزه ابن القطان " .
قلت : والعسقلاني الذي روى عنه ذكره ابن حبان في "الضعفاء" ، وأفاد أنه
كثير المناكير .
والرملي صدوق يهم - كما في "التقريب" - .
وداود بن مصبح - كذا في "التهذيب" - ، وهو في "الثقات " (8/236) :
"داود بن مضحح : من أهل عسقلان . يروي عن أبي خالد الأحمر . حدثنا
عنه محمد بن الحسن بن قتيبة . مات سنة (232) . مستقيم الحديث " .
كذا وقع فيه : (مضحح) ... بالضاد المعجمة ، وفي "ترتيب الثقات " :
(مصحح) ... بالصاد المهملة ، ولعله الصواب .
وعبدالله بن عبدالرحمن ؛ أبو عبدالرحمن العلاف ، ذكره ابن حبان أيضاً في
" الثقات " (8/358) ، وقال :
"حدثنا عنه أحمد بن علي بن المثنى" .
أقول : ومن ترجمة هؤلاء الرواة عن عبدالملك بن الخطاب لم تطمئن النفس
لتوثيق ابن حبان إياه! فهو مجهول الحال ؛ كما قال ابن القطان - وتبعه الحافظ - ،
وعليه فقول الهيثمي :

(13/133)


"رواه أبو يعلى والطبراني في " الكبير" و" الأوسط " ، وإسناده حسن " .
فما نراه حسناً! والله سبحانه وتعالى أعلم .
(تنبيهان) :
الأول : قوله في آخر حديث الترجمة : "تتقيه القرى" ... هذا ما أمكنني قراءته
في النسخة المصورة ، ولم يظهر لي المعنى ، وفي المصورة الأخرى : "ـعصه " ...
هكذا بالإهمال ، وفي المطبوعة : "شقية القرى"! ومر عليها المعلق الفاضل!
والآخر : أن الشطر الأول من حديث أبي هريرة قد صح من حديث عبدالله
ابن مغفل ؛ كما نراه محققاً في "غاية المرام " برقم (148) ، و"صحيح أبي داود"
(2535) ، وفيهما تحقيق سماع الحسن البصري للحديث من عبدالله بن مغفل ؛ بما
لا تجده في مكان آخر . والحمد لله .
هذا ؛ وقد صح قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "الكلب الأسود ؛ شيطان " فِي حَدِيثِ أبي ذر عند
مسلم وأبي عوانة وغيرهما ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (699) .

6050 - (إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنَ الصُّقُّورِ يومَ القيامةِ صَرْفاً وَلا عَدْلا"،
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ومَا الصُّقُّورُ ؟ قَالَ: الَّذِي يُدْخِلُ عَلَى أَهْلِهِ الرَّجُلَ ) .
ضعيف .
أخرجه البخاري في " التاريخ " (4/1/304) ، والبزار (2/187/1489) ،
والطبراني في "المعجم الكبير" (19/294/654) ، والبيهقي في "الشعب " (7/412 -
413/ 1081) من طريق مُوسَى بن يَعْقُوبَ الزَّمْعِيّ عَنْ أَبِي رُزينٍ الْبَاهِلِيّ عَنْ
مَالِكِ بن أُخَامَرٍ (وقال الطبراني أُخَيْمَرٍ) أنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ من أجل أبي رُزين هذا ، قال الهيثمي في "مجمع
الزوائد " (4/ 327) :

(13/134)


"ولم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات " .
قلت : أورده البخاري وابن أبي حاتم في (الكنى) برواية الزَّمْعي هذا ، ولم يذكرا
فيه جرحاً ولا تعديلاً ؛ فهو مجهول . وذكره الذهبي في "المقتنى في سرد الكنى"
(1/237/2200) بروايته عن أبي هريرة ، وعنه مسلم بن أبي مريم ... فأخشى أن
يكون التبس عليه بأبي رزين الأسدي مسعود بن مالك ؛ فإنه الذي روى عن أبي
هريرة وغيره من الصحابة . وترجمته في "التهذيب " . والله أعلم .
ثم روى البيهقي (10800) من طريق سعيد بن أبي هلال عن أمية - يعني :
ابن هند - عن عمرو بن جارية (الأصل : حارثة) عن عروة بن محمد بن عمار بن
ياسر عن أبيه عن جده عمار بن ياسر ... مرفوعاً بلفظ :
"ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً : الدَّيُّوث من الرجال ، والرَّجُلة من النساء ، ومدمن
الخمر" .
فقالوا : يا رسول الله! أما مدمن الخمر فقد عرفناه ؛ فما الديوث من الرجال ؟ قال :
"الذي لا يبالي من دخل على أهله " . قلنا : فالرجلة من النساء ؟ قال :
"التي تَشَبَّه بالرجال " .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، سعيد بن أبي هلال ثقة ؛ لكن كان اختلط ، ومن
فوقه إلى (عمار) مجاهيل ، من المقبولين عند الحافظ في "التقريب " . وقد أشار إلى
ذلك الهيثمي بقوله في "المجمع " (4/327) :
"رواه الطبراني . وفيه مساتير ، وليس فيهم من قيل : إنه ضعيف " .
قلت : هذا لا ينجيه من الضعف ، ولا سيما وفيه نكارة - كما يأتي - . ولذلك
فإني أقول :

(13/135)


لم يكن الحافظ المنذري دقيقاً في قوله (3/183/21) :
"رواه الطبراني . ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً ، وشواهده كثيرة"!
وذلك لأن الشواهد التي أشار إليها ليس في شيء منها لفظة : (أبداً) ... فهي
منكرة . فتنبه!

6051 - (إن النساءَ سُفَهاءُ ؛ إلا التي أطاعتْ زوجَها) .
منكر .
أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" من طريق عثمان بن أبي العاتكة
عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ علي بن يزيد - وهو الألهاني - : قال الذهبي في
" الكاشف " :
"ضعفه جماعة ولم يترك " . وقال الحافظ في "التقريب " :
"ضعيف " . قال ابن كثير في "تفسيره " :
" ورواه ابن مردويه مُطَوَّلاً " .
قلت : وفي " الدر المنثور" آثار موقوفة بمعناه ، فلعل أصل الحديث موقوف ؛ وهم
بعض رواته الضعفاء فرفعه .
وهذا الحديث من الأحاديث الكثيرة الضعيفة التي أوردها الشيخان الحلبيان
في كتابيهما "مختصر تفسير ابن كثير"، وقد زعما في المقدمة أنهما لا يذكران
فيه إلا ما صح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! كما أورده الشيخ التويجري في "الصارم
المشهور" في عشرات الأحاديث الضعيفة ؛ ساكتاً عنها ، موهماً القراء الذين لا
علم عندهم أنها صحيحة!

(13/136)


6052 - (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي النساءُ والخمر ) .
ضعيف .
أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (14/79) من طريق محمد بن
إسحاق السَّرَّاج عن موسى بن هلال النخعي : حدثنا أبو إسحاق عن هبيرة بن
يريم عن علي ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ وله علتان :
الأولى : أبو إسحاق - وهو السبيعي ؛ وهو مختلط - مدلس .
والأخرى : موسى بن هلال النخعي ؛ روى ابن أبي حاتم (4/1/166) عن
أبي زرعة أنه قال :
"ضعيف الحديث " .
وهذا الحديث مما فات السيوطي في "الجامع الكبير" و"الجامع الصغير" والزيادة
عليه ، والمناوي في "الجامع الأزهر"!

6053 - ( يَا عَكَّافُ ! هَلْ لَكَ مِنْ زَوْجَةٍ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : وَلَا جَارِيَةٍ ؟
قَالَ : وَلَا جَارِيَةَ ؟ . قَالَ : وَأَنْتَ مُوسِرٌ بِخَيْرٍ ؟ قَالَ : وَأَنَا مُوسِرٌ بِخَيْرٍ . قَالَ :
أَنْتَ إِذاً مِنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ ، وَلَوْ كُنْتَ فِي النَّصَارَى ؛ كُنْتَ مِنْ
رُهْبَانِهِمْ ، إِنَّ سُنَّتَنَا النِّكَاحُ ، شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ ، وَأَرَاذِلُ مَوْتَاكُمْ عُزَّابُكُمْ ،
أَبِالشَّيْطَانِ تَمَرَّسُونَ ؟!
مَا لِلشَّيْطَانِ مِنْ سِلَاحٍ أَبْلَغُ فِي الصَّالِحِينَ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا الْمُتَزَوِّجينَ ،
أُولَئِكَ الْمُطَهَّرُونَ الْمُبَرَّءُونَ مِنْ الْخَنَا .
وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ ! إِنَّهُنَّ صَوَاحِبُ أَيُّوبَ وَدَاوُدَ وَيُوسُفَ وَصَوَاحِبُ

(13/137)


كُرْسُفَ . فَقَالَ لَهُ بِشْرُ بْنُ عَطِيَّةَ : وَمَنْ كُرْسُفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ! قَالَ :
رَجُلٌ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ بِسَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ الْبَحْرِ ثَلَاثَ مِائَةِ عَامٍ ،
يَصُومُ النَّهَارَ ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ ، ثُمَّ إِنَّهُ كَفَرَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ فِي سَبَبِ امْرَأَةٍ
عَشِقَهَا ، وَتَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ اسْتَدْرَكَهُ اللَّهُ
بِبَعْضِ مَا كَانَ مِنْهُ ؛ فَتَابَ عَلَيْهِ .
وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ ! تَزَوَّجْ ، وَإِلَّا فَأَنْتَ مِنْ الْمُذَبْذَبِينَ .
قَالَ : زَوِّجْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ قَدْ زَوَّجْتُكَ كَرِيمَةَ بِنْتَ كُلْثُومٍ
الْحِمْيَرِيِّ ) .
منكر .
أخرجه عبدالرزاق في "المصنف " (6/ 171) ، وعنه أحمد في "المسند" .
(5/163 - 164) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/118/999) .
قال عبدالرزاق : ثنا محمد بن راشد عن مكحول عن رجل عن أبي ذر قال :
دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَكَّافُ بْنُ بِشْرٍ التَّمِيمِيُّ ، فَقَالَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال ابن الجوزي :
"لا يصح ؛ فيه رجل لم يسم ، ولا يعرف في الصحابة من اسمه بسر بن
عطية ولا عطية بن بسر" .
كذا قال ؛ ورجح الحافظ أنه عطية بن بسر ، وأنه صحابي ، فقيل : المازني ،
وقيل : الهلالي ، ثم قيل : إنهما واحد ، وقيل : إنهما اثنان ، والمازني : قال ابن
حبان في الثقات " (3/307) :
"له صحبة" .

(13/138)


وليس لهذا علاقة بهذا الحديث ، وإنما للآخر - كما يأتي في بعض الطرق - ،
وقد ذكره في "ثقات التابعين " (5/ 261) ؛ فقال :
"عطية بن بسر ، شيخ من أهل الشام ، حديثه عند أهلها ، روى عنه مكحول
في التزويج ... متن منكر ، وإسناد مقلوب " .
وأقره الحافظ في "التعجيل " .
ومن طرق الحديث ما رواه بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن سليمان
ابن موسى عن مكحول عن غَضيف بن الحارث عن عطية بن بسر المازني قال :
جاء عكاف بن وداعة الهلالي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"يا عكاف! ... " الحديث بتمامه .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (12/260/6856) . وعنه ابن حبان في
"الضعفاء" (3/3 - 4) في ترجمة معاوية بن يحيى هذا ، وهو الصدفي ، وقال
فيه :
"منكر الحديث جدّاً" . وقال الهيثمي (4/ 251) :
"وهو ضعيف " .
ومن طريقه أخرجه بَحْشَل أيضاً في "تاريخ واسط " (ص 213) ، وعلقه ابن
الجوزي في " العلل " وقال (2/ 120) :
"قال يحيى بن معين : ليس بشيء" .
وبقية بن الوليد مدلس ؛ وقد عنعنه .
وغضيف بن الحارث مختلف في صحبته ، وقد أسقطه الوليد بن مسلم ، فقال :

(13/139)


عن معاوية بن يحيى عن سليمان بن موسى عن مكحول عن عطية بن بسر ... به .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/356) من طريق داود بن رشيد عنه .
والوليد بن مسلم معروف بأنه كان يدلس تدليس التسوية ؛ لكن تابعه برد بن
سنان عن مكحول عن عطية بن بسر الهلالي عن عكاف بن وداعة الهلالي : أنه
أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : ... الحديث .
أخرجه العقيلي أيضاً - ومن طريقه ابن الجوزي ، وقال العقيلي - في ترجمة
عطية ابن بسر :
"لا يتابع عليه ، قال البخاري : عطية بن بسر عن عكاف بن وداعة ، لم يقم
حديثه " .
وبعد ؛ فمن الملاحظ أن هذه الطرق على ما فيها من الاضطراب في أسانيدها
ومتنها ، فإن مدارها كلها على مكحول . وهو موصوف بالتدليس ، فيمكن أن يكون
إسقاط غضيف منه . وقد ذكر الحافظ في "الإصابة " أكثر هذه الطرق . ثم قال :
"والطرق المذكورة كلها لا تخلو من ضعف واضطراب " (1) .

6054 - (إِنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا أُنْزِلَ إِلَى الأَرْضِ، قَالَ: يَا رَبِّ ! أَنْزَلْتَنِي إِلَى
الأَرْضِ وَجَعَلْتَنِي رَجِيماً - أَوْ كَمَا ذَكَرَ - فَاجْعَلْ لِي بَيْتاً ؟ قَالَ: الْحَمَّامُ .
قَالَ: فَاجْعَلْ لِي مَجْلِساً ؟ قَالَ: الأَسْوَاقُ وَمَجَامِعُ الطُّرُقِ . قَالَ: اجْعَلْ
لِي طَعَاماً؟ قَالَ: مَا لا يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ . قَالَ: اجْعَلْ لِي شَرَاباً ؟ قَالَ:
كُلُّ مُسْكِرٍ . قَالَ: اجْعَلْ لِي مُؤَذِّناً ؟ قَالَ: الْمَزَامِيرُ . قَالَ: اجْعَلْ لِي قُرْآناً؟
__________
(1) وقد سبق الحديث في "المجلد السادس" رقم (2511) . وهو مطبوع بحمد الله . (الناشر) .

(13/140)


قَالَ: الشِّعْرُ . قَالَ: اجْعَلْ لِي كِتَاباً؟ قَالَ: الْوَشْمُ . قَالَ: اجْعَلْ لِي
حَدِيثاً ؟ قَالَ: الْكَذِبُ . قَالَ: اجْعَلْ لِي مَصَايِدَ ؟ قَالَ: النساءُ ) .
منكر جداً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/245/7837) عَنْ
عُبَيْدِاللَّهِ بن زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بن يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جدّاً ؛ آفته علي بن يزيد الألهاني ، قال البخاري :
"منكر الحديث " . وكذا قال ابن حبان ، وزاد :
"جدّاً" . وكذلك قال في عبيدالله بن زَحْر ، وزاد :
" يروي الموضوعات عن الأثبات ، وإذا روى عن علي بن يزيد ؛ أتى بالطامات " .
والحديث رواه ابن جرير أيضاً وابن مردويه - كما في "الجامع الكبير" للسيوطي - .
وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (3/34) :
"أخرجه الطبراني في "الكبير" . وإسناده ضعيف جدّاً . ورواه بنحوه من
حديث ابن عباس بإسناد ضعيف أيضاً" .
كذا قال . ولم أعرف حديث ابن عباس الذي أشار إليه . ولعله يعني طرفاً منه
أو نحوه .
ثم عرفته ؛ فاقتضى الأمر تخريجه والكشف عن حاله :

6055 - (قَالَ إِبْلِيسُ لِرَبِّهِ: يَا رَبِّ ! قَدْ أُهْبِطَ آدَمُ ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ
سَيَكُونُ كِتَابٌ وَرُسُلٌ ؛ فَمَا كِتَابُهُمْ وَرُسُلُهُمْ؟ قَالَ: قَالَ رُسُلُهُمْ الْمَلائِكَةُ ،
وَالنَّبِيُّونَ مِنْهُمْ ، وَكُتُبُهُمْ التَّوْرَاةُ وَالزَّبُورُ وَالإِنجيلُ وَالْفُرْقَانُ . قَالَ: فَمَا

(13/141)


كِتَابِي؟ قَالَ: كِتَابُكَ الْوَشْمُ ، وَقُرآنُكَ الشِّعْرُ، وَرُسُلُكَ الْكَهَنَةُ ،
وَطعامُكَ مَا لا يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَشَرابُكَ كُلُّ مُسْكِرٍ ، وَحَدِيْثُكَ
(الأصلُ : وَصِدْقُكُ) الْكَذِبُ ، وَبيتُكَ الْحَمَّامُ ، وَمصائدُكَ النِّسَاءُ ،
وَمُؤَذِّنُكَ الْمِزْمارُ ، وَمَسْجِدُكَ الأَسْوَاقُ ) .
منكر . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/903/11181) ، وعنه أبو
نعيم في "الحلية" (3/278- 279) - ومنه صححت الأصل - : حَدَّثَنَا يَحْيَى بن
عُثْمَانَ بن صَالِحٍ : ثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بن صَالِحٍ الأَيْلِيُّ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بن أُمَيَّةَ عَنْ عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره . وقال أبو نعيم :
"حديث غريب ؛ تفرد به يحيى بن صالح الأيلي " .
قلت : وبه أعله الهيثمي فقال (1/114) :
"ضعفه العقيلي " .
قلت : وكذا ابن عدي ؛ فإنه ساق له في "الكامل " حديثين آخرين ، ثم قال
(7/ 2700) :
"وله غير ما ذكرت ، وكلها غير محفوظة" . ونص كلام العقيلي (4/409) :
"أحاديثه مناكير ، أخشى أن تكون منقلبة ، هو بعمر بن قيس أشبه " .
قلت : وهو الملقب بـ "سَنْدَل " ، وهو متروك .

6056 - ( لأَنْ يَزْحَمَ رَجُلٌ خِنْزِيراً مُتَلَطِّخاً بِطِينٍ أَوْ حَمْأَةٍ ؛ خَيْرٌ مِنْ
أَنْ يَزْحَمَ مَنْكِبِهِ مَنْكِبَ امْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ )
منكر جداً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/243/7830) من

(13/142)


طريق عبيدالله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن رسول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
"إِيَّاكُمْ وَالْخَلْوَةَ بِالنِّسَاءِ ؛ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ! مَا خَلا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلا دَخَلَ
الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا ، ولأن يزحم ... " إلخ .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جدّاً ؛ من أجل علي بن يزيد وابن زحر - وقد سبق
الكلام عليهما تحت الحديث الذي قبل هذا بحديث - ، وبالأول منهما أعله الهيثمي
في "المجمع ، فقال (4/326) :
"وهو ضعيف جدّاً ، وفيه توثيق " .
وأشار المنذري في "الترغيب " (3/66) إلى تضعيفه بتصديره إياه بقوله :
"وروي " ، وقوله عقبه :
"حديث غريب ، رواه الطبراني " .
قلت : ويغني عنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"لأن يُطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير [له] من أن يمس امرأة لا
تحل له " .
وهو مخرج في "الصحيحة" (226) .
وأما الشطر الأول من الحديث : ففي معناه أحاديث كثيرة ، خرجت بعضها
في "غاية المرام " (181) ، وراجع لها " الترغيب " .

6057 - (إياكم ومحادَثَةَ النساءِ ؛ فإنه لا يخلو رجلٌُ بامرأةٍ ليس
لها مَحْرَمٌ إلا همَّ بها ) .
ضعيف .
أخرجه الحكيم الترمذي في "كتاب أسرار الحج " من طريق المقبُري

(13/143)


عن ابن أَنْعَمَ عن سعد بن مسعود قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
أورده الحافظ ابن حجر في ترجمة سعد بن مسعود الكندي من "الإصابة"
وقال :
"وابن أنعم ضعيف ".
قلت : واسمه : عبدالرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي .
وسعد بن مسعود هذا مختلف في صحبته ؛ فقال الحافظ :
"قال البغوي : له صحبة . وقال ابن منده : ذكر في الصحابة ، ولا يصح له
صحبة . وذكره البخاري في الصحابة ، وأما ابن أبي حاتم فذكره في (التابعين) " .
ثم ذكر ما يدل على تأخره ؛ وهو ما رواه ابن أبي حاتم عن أبيه : نا أبو شريك
يحيى بن يزيد المرادي : نا ضِمام بن إسماعيل قال :
كان عمر بن عبدالعزيز بعث سعداً يفقِّههم ويعلمهم دينهم .
وهذا إسناد جيد ؛ ضمام هذا صدوق ، مصري مترجَم في "التهذيب " .
ويحيى بن يزيد : قال أبو حاتم "
"شيخ " . وذكره ابن حبان في "الثقات " (9/262) .
ولما ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير" (2/2/64) ؛ لم يذكر ما يدل على
صحبته ، بل لم يزد على قوله : "سمع عبدالرحمن بن حيويل " . وكذلك فعل ابن
أبي حاتم .
وذكره ابن حبان في "ثقات التابعين " (4/297) بروايته عن عبدالله بن عمرو .
وعبدالرحمن بن حيويل ليس صحابياً ، بل ولا تابعياً ؛ فقد ذكره ابن حبان
في (أتباع التابعين) (7/72) وقال :

(13/144)


"روى عنه سعد بن مسعود" .
وكذا قال البخاري في ترجمة عبدالرحمن هذا من "التاريخ " (3/1/273) ؛
فأنى لمثله الصحبة ؟!
ثم وجدت ما ينفي عنه الصحبة : فقد ترجمه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"
(7/196) ، وذكر أنه توفي في خلافة هشام بن عبدالملك .
ومعنى هذا أنه مات بعد سنة خمس ومائة ؛ لأن هشام بن عبدالملك توفي
سنة (125) ، وكانت خلافته عشرين سنة - كما في "شذرات الذهب " لابن
العماد - .
والخلاصة أن سعد بن مسعود ليس صحابياً ؛ فالحديث مرسل ، مع ضعف
السند إليه . والله أعلم .

6058 - (كَانَ فِيمَا أَخَذَ [ لمَّا بايع النساءَ ]: أَلا تُحَدِّثْنَ الرِّجَالَ ، إِلا
أَنْ تَكُونَ ذَاتَ مَحْرَمٍ ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ لا يَزَالُ يُحَدِّثَ الْمَرْأَةَ حَتَّى يُمْذِيَ
بَيْنَ فَخْذَيْهِ ) .
منكر .
أخرجه ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن مبارك عن الحسن قال : ...
فذكره .
قلت : والحسن هو البصري ؛ فهو مرسل .
ومبارك - هو : ابن فضالة ، وهو - صدوق يدلس ويسوي - كما في "التقريب " - ؛
فهو مع إرساله ضعيف .
لكن قد تابعه أبو الأشهب مختصراً ؛ فقال ابن سعد في "الطبقات " (8/10) :
أخبرنا وكيع بن الجراح عنه ، ومبارك عن الحسن :

(13/145)


أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بايع النساء ؛ أخذ عليهن أن لا يحدثن من الرجال إلا مَحْرماً .
وأبو الأشهب اسمه : جعفر بن حيان البصري ، وهو ثقة من رجال الشيخين ؛
فالعلة الإرسال من الحسن .
وقد تابعه قتادة مختصراً أيضاً ؛ قال :
ذكر لنا أن نبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ عليهن يومئذٍ النياحة ، ولا تحدّثن الرجال ؛
إلا رجلاً محرماً منكن .
أخرجه ابن جرير في "التفسير" (28/51 - 52 و 52) من طريقين عنه ؛ فهو
صحيح مرسل . ورواه عبدالرزاق (3/560/6691) من أحدهما .
وقد روي موصولاً من طريق عبد المنعم أبي سعيد الحراني الأسواري عن
الصلت بن دينار عن أبي عثمان النهدي عن امرأة منهم - يقال لها : أم عفيف -
قالت :
بايعنا رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين بايع النساء - ؛ فأخذ عليهن أن لا تحدثن الرجل
إلا محرماً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (25/168/410) ، وقال الهيثمي في
"المجمع " (3/32) :
"وفيه عبدالمنعم أبو سعيد ؛ وهو ضعيف " .
قلت : بل هو متروك ؛ كما في "التقريب " ، واقتصاره على إعلاله به فقط يوهم
أنه ليس فوقه من يُعَلُّ به أيضاً ! وليس كذلك ؛ فإن الصلت بن دينار متروك أيضاً .
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 211) - وسكت عنه! - لابن مردويه .

(13/146)


ثم عزاه إليه وإلى ابن المنذر من حديث أم عطية ، وسكت عنه أيضاً! وفيه
تلك الزيادة المنكرة بلفظ :
"فإن الرجل قد يلاطف المرأة فيُمذي في فخذيه " .
وهذا الحديث عن الحسن مما شان به الشيخ الحلبي الصابوني "مختصر تفسير
ابن كثير" ؛ فأورده فيه (3/489) موهماً القرّاء صحته - بما صرح به في مقدمته أنه
لا يورد فيه إلا ما صح من الحديث - ، وهيهات هيهات ؛ فالرجل ليس من أهل
الحديث ، ولا شم رائحته ، فكم من أحاديث غير صحيحة قد وقع له فيه ، وكساها
ثوب الصحة ! وقد سبق التنبيه على الكثير منها .
وكذلك أخطأ الشيخ حمود التويجري بإيراده إياه في كتابه "الصارم المشهور"
(ص 113) ساكتاً عنه . ولعله غره ما عزاه (ص 112) للإمام أحمد في "مسنده "
بإسناد جيد عن أم عطية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت :
كنت فيمن بايع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فكان فيما أخذ علينا : أن لا ننوح ، ولا نحدث
من الرجال إلا محرماً .
فأقول : أخرجه أحمد (5/85) : ثنا غسان بن الربيع : ثنا أبو زيد ثابت بن
يزيد عن هشام عن حفصة عن أم عطية ... به .
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين ؛ غير غسان بن الربيع : قال الذهبي
في " الميزان " :
"كان صالحاً ورعاً . ليس بحجة في الحديث ، قال الدارقطني : ضعيف . وقال
مرة : صالح " . وأقره الحافظ في "اللسان" . إلا أنه زاد عليه فقال :
"وذكره ابن حبان في "الثقات " ، وقال : كان نبيلاً فاضلاً ورعاً ، وأخرج
حديثه في "صحيحه " عن أبي يعلى عنه " .

(13/147)


كذا وقع فيه! وهو في "ثقات ابن حبان " (9/2) ، وليس فيه قوله : "كان
نبيلاً فاضلاً ورعاً" ... وهذه الجملة قالها الخطيب البغدادي في ترجمة غسان هذا
من "تاريخ بغداد" ؛ فكأن في "اللسان" سقطاً من الطابع أو الناسخ . والله أعلم .
وأفاد الخطيب أنه توفي سنة (226) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ،
وكذلك فعل ابن أبي حاتم (3/2/52) .
وليس يخفى على المتقنين لهذا العلم أن الجرح مقدم على التعديل ، وبخاصة
إذا كان المعدِّل معروفاً بالتساهل - كما هنا - ، أعني : ابن حبان . ويبدو لي أن
تضعيف الدارقطني ومن تبعه إنما هو لسوء حفظ غسان ؛ وهذا الحديث مما يدل على
ذلك لتفرده بقوله في هذا الحديث : "ولا نحدث ... " إلخ ، دون كل الثقات الذين
رووه عن هشام وغيره عن حفصة وغيرها ، وهاك البيان :
1 - أسباط - وهو : ابن محمد القرشي مولاهم - : عند مسلم (3/46) ، وزائدة :
في "كبير الطبراني " (25/59/134) ، ومحمد بن جعفر ويزيد بن هارون : عند
أحمد (5/84 و 6/408) كلهم عن هشام .
2 - وتابع هشاماً عاصمٌ الأحول : عند مسلم أيضاً وابن أبي شيبة في "المصنف "
(3/ 389) ، وأ حمد (5/ 85 و 6/407 و408) ، والطبراني (25/59/135) .
3 - وتابعه أيضاً أيوب السختياني . رواه البخاري (4892 و7215) ، ومسلم
أيضاً وابن سعد (8/8) ، والطبراني (25/58/133) .
4 - وتابع حفصة أخوها محمد بن سيرين : عند البخاري (1306) ، وأحمد
(6/408) .
قلت : كل هؤلاء الثقات لم يذكروا فِي حَدِيثِ عطية هذا جملة التحديث ،
فكانت منكرة لتفرد غسان بها وضعفه . ولولا ذلك لكان الوجه أن يحكم بشذوذها

(13/148)


لتفرد ثابت بن يزيد بها ؛ لأنه هو المخالف مباشرة لمن تقدم ذكرهم من الثقات الذين
رووه عن هشام ؛ ولكن لما كان هو ثقة ثبتاً - كما في "التقريب " - ، وكان الراوي عنه
ضعيفاً ؛ كان لا بد من تعصيب العلة به .
ومما سبق يتبين خطأ تجويد الشيخ التويجري لإسناده ، وإن كان ذلك ليس من
اجتهاده - فيما أعتقد - ؛ لأنه ليس من رجال هذا العلم الشريف ، ولذلك فكان
عليه أن يعزوه إلى قائله ، أداءً للأمانة العلمية أولاً ، وللابتعاد عن التشبع بما لم
يعط ثانياً . وهذا مما يقع فيه أكثر المؤلفين في العصر الحاضر ، وبخاصة منهم بعض
الشباب المغرم بأن يحشر اسمه في زمرة المؤلفين ، وهذا داء عضال من أدواء هذا
الزمان . والله المستعان .
وقد وقفت على حديث آخر لغسان بن الربيع هذا أخطأ في إسناده على
حماد بن سلمة ، وخالف فيه الثقات الذين رووه عنه بإسناد آخر ؛ وبيان ذلك في
"صحيح أبي داود" تحت الحديث (443) .

6059 - (إيَّاك والقَواريرَ) .
منكر .
أخرجه الحاكم (3/291) : أخبرني أبو معن محمد بن عيسى العطار
- بمرو - : ثنا عبدان بن محمد الحافظ : ثنا إسحاق بن منصور : ثنا عبدالرحمن بن
معن : أنبأ محمد بن إسحاق عن عبدالله بن أنس قال . : يسمعت أنس بن مالك
يقول :
كان البراء بن مالك رجلاً حسن الصوت ، فكان يرجز لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
بعض أسفاره ، فبينما هو يرجز إذ قارب النساء ، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ...
فذكره . قال : فأمسك . قال محمد : كره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تسمع النساء صوته .
وقال الحاكم :

(13/149)


"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!
قلت : وهذا من تساهلهما ؛ فإن ابن إسحاق - مع صدقه - مشهور بالتدليس ،
وأنه لا يحتج به إلا بما قال فيه : "حدثنا" ، كما قال العلائي في "جامع التحصيل "
(ص 221) ، وقال في مكان آخر (ص 125) :
" أكثر من التدليس ، وخصوصاً عن الضعفاء" .
يضاف إلى ذلك أن في حفظه بعض الضعف ، وقد أطال الذهبي ترجمته في
"الميزان " ، وذكر عن الإمام أحمد أنه قال :
"هو كثير التدليس جدّاً . قيل له : فإذا قال : "أخبرني " و"حدثني " فهو ثقة ؟
قال : هو يقول : "أخبرني " ويخالف " . وكذلك ختم الذهبي ترجمته بقوله :
" فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث ، صالح الحال صدوق ، وما
انفرد به ففيه نكارة ؛ فإن في حفظه شيئاً" . وقال الحافظ في "التقريب " :
"صدوق يدلس " .
وخلاصة ترجمته أنه حسن الحديث إذا صرح بالتحديث ، ولم يخالف ، وكل
من الشرطين هنا غير متوفر .
أما الأول : فلأنه قد عنعن كما ترى ، وأما الآخر : فلأنه خالف في سنده
ومتنه .
أما السند : فقوله : "عن عبدالله بن أنس " ... فهذا خطأ من ناحيتين :
الأولى : أنه لا يعرف لأنس ابن اسمه عبدالله يروي عنه ، وإنما هو حفيده
عبدالله بن المثنى بن عبدالله بن أنس بن مالك الأنصاري .

(13/150)


والأخرى : الانقطاع ؛ فإن ابن المثنى هذا إنما يروي عن أنس بالواسطة ، ويؤيده
أن أبا نعيم أخرج الحديث في "الحلية" (1/ 350) من طريق أخرى عن محمد بن
إسحاق عن عبدالله - يعني : ابن المثنى - عن ثمامة عن أنس ... فذكر الحديث ؛
دون قول ابن إسحاق في آخره : كره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ، وكرر : "إياك والقوارير"
مرتين .
وفيه شيخ أبي نعيم علي بن هارون ، وقد ترجمه الخطيب في "التاريخ "
(12/120) بقوله :
"كان أمره في ابتداء ما حدث جميلاً ، ثم حدث مثه تخليط " .
ولم يذكر في "الميزان " ولا في "اللسان " .
وأما المتن : فقد رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك :
أن البراء بن مالك كان يحدو بالرجال ، وأَنْجَشَةَ يحدو بالنساء ، وكان حسن
الصوت ، فحدا ؛ فأعنقت الإبل ؛ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"يا أنجشة ! رويداً سوقك بالقوارير" .
أخرجه الطيالسي (2048) ، وأحمد (3/254 و 285) ، وإسناده صحيح على
شرط مسلم .
فهذا هو أصل الحديث ، والقصة لأنجشة - وهو المذكور بأنه حسن الصوت - ،
فانقلب ذلك على ابن إسحاق أو شيخه الذي دلسه ولم يذكره ، وجعله للبراء بن
مالك .
وقد تابعه حماد بن زيد عن ثابت ؛ إلا أنه لم يذكر فيه طرفه المتعلق بالبراء .
أخرجه البخاري (6209) وفي "الأدب المفرد" (883) ، ومسلم (7/78) ،

(13/151)


والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (528) ، وابن حبان (5773) ، والبيهقي
(10/199/ - 200 و227) ، والبغوي في "شرح السنة" (13/156 - 157) ، وأحمد
(3/172 و 202 و227) .
وتابع ثابتاً أبو قلابة عن أنس "
أخرجه الشيخان والنسائي (525) ، وابن حبان أيضاً وأحمد (3/187 و227) ،
وأبو يعلى (2809 و 2810) ، والرامهرمزي في "الأمثال " (ص 127) .
وتابعه قتادة عنه :
أخرجه البخاري (6211) ، ومسلم أيضاً والنسائي (526) ، وابن حبان (5771) ،
والبيهقي (10/227) ، والبغوي (13/156) ، وأحمد (3/252) ، وأبو يعلى (2868) ،
وعنه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (507) .
وتابعه سليمان التيمي عنه :
أخرجه مسلم والنسائي (529) ، وابن حبان (5770 و 5772) ، وابن سعد
(8/430) ، وأحمد (3/111 و117 و176، و 6/376) ، والحميدي (1209) ،
والرامهرمزي أيضاً وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/143) ، والخطيب في "التاريخ "
(12/208) .
وحميد عنه :
أخرجه أحمد (3/107) .
قلت : وإسناده صحيح ثلاثي ؛ إن كان حميد سمعه من أنس .
وزرارة بن أبي الحلال العتكي قال : سمعت أنس بن مالك ...
أخرجه أحمد (3/206) .

(13/152)


قلت : وإسناده صحيح ثلاثي أيضاً ، وزرارة هذا هو ابن ربيعة ، له ترجمة في
"التعجيل " ، وذكر أنه وثقه ابن حبان وابن خَلْفون والعجلي . وابن حبان أورده في
"أتباع التابعين " (6/343) ، قال الحافظ :
"وكأنه لم يقف على روايته عن أنس " . يعني : هذه .
وللحديث شاهد من رواية ابن عباس :
أخرجه الدارمي (2/295) ، وفي إسناده من لم أعرفه ، وأخشى أن يكون فيه
تحريف أو سقط .
والخلاصة : أن هذه الطرق الصحيحة عن أنس ؛ تدل دلالة قاطعة على خطأ
حديث ابن إسحاق هذا عن أنس ، وأن القصة لأنجشة ... لا البراء ، وأن لفظه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إنما هو :
"رويدك ؛ سوقك بالقوارير " ونحوه ، وليس بلفظ :
"إياك والقوارير" ... كما رواه ابن إسحاق ؛ فهو لفظ منكر ، وعليه : فقول ابن
إسحاق في آخر الحديث :
"كره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تسمع النساء صوته " !
مما لاقيمة له ، لأنه تفسير لما لم يثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وبذلك تعلم ضعف الاستدلال بهذا الحديث على ترجيح قول من قال في
تفسير قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "رويدك ؛ سوقك بالقوارير" : أنه خشي على النساء الفتنة ،
فأَمَرَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكف عن الحداء ؛ كما فعل الشيخ التويجري في "الصارم المشهور"
(ص 115 - 116) ، وقلده أخونا محمد زينو في "كيف نربي أولادنا" (ص 23)
فصححه!

(13/153)


بل الصواب القول الآخر ؛ وهو ما جاء في "شرح السنة" :
" المراد بالقوارير : النساء ؛ شبههن بالقوارير لضعف عزائمهن ، والقوارير يسرع
إليها الكسر ، وكان أَنْجَشَةُ غلاماً أسود ، وفي سوقه عنف ، فأمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرفق بهن
في السوق ؛ كما يرفق بالدابة التي عليها قوارير" .
قلت : وهذا هو الذي رجحه الشيخ العلامة علي القاري ؛ فقال في "المرقاة"
(4/619) :
"وهذا المعنى أظهر - كما لا يخفى - ؛ فإنه ناشئ عن الرحمة والشفقة ، وذاك
عن سوء ظن لايليق بمنصب النبوة" .
فأقول : هذا هو الحق الذي لا يمكن القول بغيره إذا ما جمعت طرق الحديث
وألفاظه ، وزياداته ، وأمعن النظر في معانيها :
أولاً : قوله : " رويدك " ... معناه : أمْهِل وتَأَنَّ - كما في " النهاية " وغيره - ، وقال
الرامهرمزي :
"يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجعل سيرك على مهل ؛ فإنك تسير بالقوارير ... فكنى عن ذكر
النساء بالقوارير ... " . وقال عياض : " أي : سُق سوقاً رويداً " (1) .
قلت : والذين ذهبوا إلى القول الأول فسروه بالكف عن الحداء - كما تقدم - ،
ومثله في "النهاية" وغيره ، وهذا خَلف كما لا يخفى! وهو يلتقي مع حديث
الترجمة الذي جاء في آخره : "فأمسك " . وهذا مثال من عشرات بل مئات الأمثلة
في الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة كما هو مصرح في عنوان هذه "السلسلة" ،
__________
(1) ذكره الحافظ في جملة أقوال أخرى للعلماء ، ولا تخرج عن هذا المعنى ، فانظر "فتح
الباري ، (10/ 544) .

(13/154)


ومع ذلك فكثير من أهل العلم في غفلتهم ساهون عن آثارها!
ثانياً : قوله في رواية النسائي وأحمد فِي حَدِيثِ شعبة عن ثابت :
"ارفق بالقوارير" . وجمع الأنصاري في "جزئه " بين اللفظين ؛ فقال :
"رويدك ارفق " - ذكره في "الفتح " (10/544) - .
فأقول : صريح في أنه ليس المراد بهذا الأمر الإمساك عن الحداء مطلقاً ، وإنما
تلطيفه وتخفيفه " لكي لا تسرع الإبل في سيرها ، وإلا ؛ كانت النساء مُعَرَّضَاتٍ
للتألم ، وربما للسقوط من الإبل بسبب كثرة الحركة والاضطراب الناشئ عن
السرعة ؛ من باب إطلاق السبب وإرادة المسبب . ويزيده وضوحاً :
ثالثاً : قوله في رواية حماد بن سلمة :
"فحدا ؛ فأعنقت الإبل ... " .
أي : أسرعت ؛ وَزْناً ومعنى - كما قال الحافظ في "الفتح " - .
فهذا يوضح ما ذكرته آنفاً أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد بذلك الأمر سلامة النساء من الأذى
في أبدانهن ، وليس السلامة من الفتنة ، وإلا ، لم يكن لذكر إسراع الإبل معنى
يذكر .
رابعاً : فِي حَدِيثِ حميد عن أناس :
كان رجل يسوق بأمهات المؤمنين يقال له : (أنجشة) ، فاشتد في السياقة . زاد
شعبة عن ثابت : فكان نساؤه يتقدمن بين يديه .
فهذا يعني : أنه كان من نتيجة السرعة أن تقدمت نساؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يديه ،
وذلك مما يؤلمهن ولا تتحمله أجسامهن ؛ فأمر (أنجشة) بالرفق بهن ، وعدم الإسراع
بإبلهن ، وليس خوفاً عليهن من الافتتان بحسن صوته ! ويؤكد هذا :

(13/155)


خامساً وأخيراً : زيادة شعبة عند أحمد بلفظ :
! ... يحدو بنسائه ، فضحك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فإذا هو قد تنحى بهن " .
فأقول : فضحكه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رأى إسراع الإبل بالنساء أكبر دليل على إبطال
حَشْر الخوف من الافتتان بحسن صوت أنجشة ، وعلى نسائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة ، وأنه كان
لظاهرة إسراع الإبل بالنساء حتى تقدَّمْنَ الرجال . وتصوُّرُ هذا وحده كافٍ لإبطال
القول الأول وتصحيح القول الآخر ؛ فكيف إذا انضم إليه ما قبله من الأدلة ؟ ورحم
الله الشيخ عليّاً القاري فإنه لخص الموضوع بأوجز عبارة حين علل تأييد هذا القول
الصحيح بقوله - لا فُضَّ فُوهُ - :
"فإنه ناشئ عن الرحمة والشفقة ، وذاك عن سوء ظن لا يليق بمقام النبوة" .

6060 - (يا أبا ذَرٍّ! إنه لا يضُرُّك من الدنيا ما كان للآخرة ، وإنما
يضرك من الدنيا ما كان للدنيا ) .
ضعيف .
أخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (2/142/1) في آخر ترجمة
الفضل بن العباس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا بسنده عن بقية : حدثني شيخ من كندة عن
الضحاك عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ : أنه سمع الفضل بن عباس يقول : سمعت رسول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لأبي ذر : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، ظاهر الضعف ؛ لجهالة شيخ بقية الكندي - الذي
لم يسم - .
والضحاك هو : ابن مزاحم الهلالي ، لم يسمع من ابن عباس ؛ فهو منقطع .
والحديث لم يورده السيوطي في "الجامع الصغير" ، ولا في "زيادته " ، ولم أره
في "الجامع الكبير"! وقد ذكره مؤلف "كنز العمال " (3/728/8593) برواية أبي

(13/156)


نعيم عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... فلعله وقع له في بعض نسخ "الجامع الكبير" . والله أعلم .

6061 - (يا جبريلُ ! ما منعك أن تأخذَ (1) بيدِي ؟ قال : إنك
أخذت بيدِ ! يهوديٍّ ، فكرهتُ أن تَمَسَّ يدي يداً مسَّتها يدُ كافرٍ ) .
موضوع .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/158/1 - 2/ 2991)
حدثنا إبراهيم قال : ثنا سعيد بن أبي الربيع السَّمَّان قال : ثنا عمر بن أبي عمر
العَبْدي عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده :
استقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل ، فناوله يده ، وأبى أن يتناولها . فدعا رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بماء فتوضأ ، ثم ناوله يده فتناولها ؛ فقال : ... فذكره . وقال :
"لم يروه عن هشام إلا عمر ، تفرد به سعيد" .
ومن طريقه أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/ 160) : حدثنا أحمد بن
محمد بن إبراهيم قال : حدثنا سعيد بن أشعث بن سعيد ... به .
أورده في ترجمة عمر هذا ، وروى عن عمرو بن علي - وهو الفلاس - :
"كان دجالاً " . وقال ابن عدي في "الكامل " (5/1708) :
" يروي عن ابن طاوس البواطيل ، والضعف على حديثه بيِّن " . وقال ابن
حبان في " الضعفاء" (2/86) :
" كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ؛ لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة
التعجب " .
__________
(1) قلت : كذا في "مجمع الزوائد" ، و"مجمع البحرين " ، والعقيلي ، وفي "المعجم
الأوسط " : "لا تأخذ " ، وهو وجه ؛ كقوله تعالى : {ما منعك ألا تسجد} - الأعراف ، وفي
{ص} : {ما منعك أن تسجد} على الجادَّة .

(13/157)


قلت : وسعيد بن أشعث - أو : ابن أبي الربيع - : قال ابن أبي حاتم :
"روى عنه أبو زرعة . وقال أحمد : ما أراه إلا صدوقاً" . وذكره ابن حبان في
" الثقات " (8/268) وقال :
"حدثنا عنه الحسن بن سفيان وأبو يعلى . يعتبر حديثه من غير روايته عن
أبيه " .
قلت : لأن أباه أشعث بن سعيد - وهو : أبو الربيع السَّمَّان - ، متروك ، ولا
ذكر له في هذا الحديث ؛ لكن قد رواه أخوه عنبسة فيما أخرجه ابن عدي
(5/1904) : أخبرنا أبو يعلى قال : ثنا سعيد بن أبي الربيع قال : ثنا عنبسة بن
سعيد قال : ثنا هشام بن عروة ... به .
ذكره في ترجمة عنبسة هذا ، وروى عن ابن معين أنه قال :
"ثقة " . وعن الفلاس :
"هو أخو أبي الربيع السمان ، سمعت منه ، وكان مختلطاً ، لا يروى عنه ،
متروك الحديث ، وكان صدوقاً لا يحفظ " . وقال ابن حبان (2/178) :
"منكر الحديث جدّاً على قلة روايته ، لا يجوز الاحتجاج به إذا لم يوافق
الثقات ، وكان يزيد بن هارون يسميه : عنبسة المجنون " .
من أجل ذلك أورد ابن الجوزي الحديث من طريق العقيلي وابن عدي في
كتابه " الموضوعات " (2/77 - 78) وقال :
"موضوع محال " . وأقره السيوطي في "اللآلي" (2/4) .
وأما الهيثمي فقال في "المجمع " (1/246) :

(13/158)


"رواه الطبراني في "الأوسط " ، وفيه عمر بن رياح ، وهو مجمع على ضعفه " .
(تنبيه ) : إبراهيم - شيخ الطبراني في إسناد هذا الحديث - هو : ابن هاشم
البغوي ؛ وهو ثقة مترجم في "تاريخ بغداد" (6/203 - 204) ، ولما ساق الهيثمي
إسناده في "مجمع البحرين " - كما سقته أعلاه - ؛ زاد عقب اسم الشيخ المذكور :
"هو ... " ، وترك بياضاً ليلحق فيه فيما بعد اسم أبيه ونسبه - كما هي عادته
أحياناً - ، ثم لم يتيسر له ذلك ؛ فبقي البياض كما هو . فاقتضى بيان ذلك .
والحديث لم يورده السيوطي في "جوامعه " ، وأورده في "الدر المنثور" (3/227)
من رواية ابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده ...!
أقول : فأساء في ابتدائه بذكر هشام ... من إسناده ، دون الراوي عنه الذي هو
علة الحديث ؛ فأوهم أنه سالم منها! وفي اقتصاره في العزو على ابن مردويه موهماً
أنه لم يروه من هو أعلى طبقة منه !! وقد تبعه في ذلك الآلوسي في "تفسيره " ساكتاً
عنه أيضاً - مع حديث آخر لهما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله برقم (6094) -!

6062 - ( لا يُقَدِسُ اللهُ أمةً قادتْهُمُ امرأةٌ ) .
منكر .
عزاه السيوطي في الجامع الكبير للطبراني في "المعجم الكبير" من
حديث أبي بكرة .
فأقول : أبو بكرة هو نفيع بن الحارث الثقفي ، والمجلد الذي فيه أحاديثه من
"المعجم الكبير" لم أقف عليه ، ولم يطبع في جملة ما طبع منه بهمة أخينا حمدي
عبدالمجيد السلفي بارك الله في جهوده في خدمة السنة ، وقد أورده الهيثمي في
"مجمع الزوائد" فقال (5/ 209) :
"وعن عبدالله بن الهجنع قال :

(13/159)


لما قدمت عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ أتينا أبا بكرة ، فقلنا : هذه عائشة ، كنت
تقول : عائشة عائشة! هي ذي عائشة ؛ قد جاءت ؛ فاخرج معنا ، فقال : إني
ذكرت حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر بَلْقِيس صاحبة
(سبأ) ، فقال : ... فذكره .
(قلت : لأبي بكرة حديث في "الصحيح " غير هذا) - رواه الطبراني ، وفيه
جماعة لم أعرفهم " .
قلت : منهم - فيما يبدو لي - عبدالله بن الهجنع هذا ؛ فإني لم أجد له ذكراً
فيما لدى من المراجع ، ولعله محرف من "عمر بن الهجنع " ؛ فإن له حديثاً آخر
عن أبي بكرة ، ذكره العقيلي تحت ترجمته (3/196) وقال :
"لا يتابع عليه " .
وقد سبق تخريجه برقم (531) ؛ فلا داعي لإعادته ، ولكني أضيف هنا أنه
أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً في "المصنف " (15/265) : حدثنا الفضيل بن دكين
عن عبدالجبار بن عباس عن عطاء بن السائب عن عمرو (كذا) بن الهجنع ... به .
وقد روح الحديث من طريق أخرى بلفظ آخر تقدم تخريجه برقم (436) .
وذكرت هناك أن الحديث محفوظ عند البخاري وغيره بلفظ :
"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" . وهو مخرج في "إرواء الغليل " (8/109/2456) .
وذكرت له هناك طريقاً أخرى عن أبي بكرة . فمن شاء ؛ رجع إليه .
وأزيد هنا فأقول :
قد ذكر له الهيثمي شاهداً من حديث جابر بن سمرة ، وقال :

(13/160)


" رواه الطبراني في "الأوسط " عن شيخه أبي عبيدة عبدالوارث بن إبراهيم ،
ولم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات "!
كذا قال! وكأنه تجاوز بصره موضع العلة القوية في إسناده ؛ فقد قال الطبراني
في "الأوسط " (1/299/ 4988) : حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم أبو عبيدة
قال : نا عبدالرحمن بن عمرو بن جَبَلَةَ قال : نا أبو عوانة قال : نا سِماك بن حرب
عن جابر بن سمرة ... به . وقال :
" لا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد ؛ تفرد به عبدالرحمن بن عمرو بن جبلة" .
قلت : وآفة هذا الإسناد ابن جبلة ؛ فإنه كذاب - كما قال الذهبي - ، وقال
الد ا رقطني :
"متروك ؛ يضع الحديث " .
وهذا الحديث وحديث الترجمة من الأحاديث الضعيفة والمنكرة التي ملأ
الشيخ التويجري بها كتابه "الصارم المشهور" (ص 257) ، وقد نقلهما عن الهيثمي ؛
مقلداً إياه فيما قال فِي حَدِيثِ جابر! وكاتماً ما أعل به الحديث الآخر حديثَ
الترجمة !!

6063 - ( لا يجتمعُ الإيمانُ والبخلُ في قلبِ رجلٍ مؤمنٍ أبداً ، ومن
أوتيَ السماحةَ مع الإيمانِ ؛ فقد أوتيَ أخلاقَ الأنبياء ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (5/329) من طريق عبد الغفور
ابن عبدالعزيز أبي الصباح الواسطي عن عبدالعزيز بن سعيد عن أبيه - وقال
في غير هذا الحديث : وكانت له صحبة - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
أورده في ترجمة عبدالغفور هذا ، وساق له ثلاثة أحاديث هذا أحدها ، وقال
في الثاني منهما :

(13/161)


"حديث منكر بهذا الإسناد" . وقال في آخر ترجمته :
"الضعف على حديثه ورواياته بيِّن ، وهو منكر الحديث " . وروى عن البخاري
أنه قال :
"تركوه ؛ منكر الحديث " . وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/148) :
"كان ممن يضع الحديث على الثقات ؛ على كعب وغيره . لا يحل كتابة
حديثه ، ولا الذكر عنه إلا على جهة التعجب" .
قلت : وشيخه عبدالعزيز بن سعيد في عداد المجهولين عندي ؛ فإنه لم يذكره
البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما ، ولا رأيته عند غيرهما سوى ابن حبان ؛ فإنه
أورده في " الثقات ! - على قاعدته! - فقال (5/ 125) :
"عبدالعزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة - ولأبيه صحبة - ، يروي عن أبيه ، روى
عنه أبو الصباح ، واسمه : عبدالغفور بن عبدالعزيز الواسطي ، عندنا عنه نسخة بهذا
الإسناد ، وفيها ما لا يصح ، البَلَيَّةُ فيها من أبي الصباح ؛ لأنه كان يخطئ ويتهم " .
وأقول : وفي كون عبدالعزيز بن سعيد الذي في إسناد الحديث هو عبدالعزيز
ابن سعيد بن سعد بن عبادة نظر كبير عندي ؛ وذلك لأمرين :
الأول : أن الحافظ لما ترجم لسعيد بن ... عبادة هذا ؛ لم يذكر في الرواة عنه
عبدالعزيز هذا .
والآخر : أن ابن عبادة هذا لما ذكره ابن حبان في (الصحابة) من كتابه "الثقات "
(4/ 277) - ونسبه : ا لخزرجيّ - ؛ قال :
"يروي عن أبيه ؛ روى عنه أبو أمامة بن سهل بن حنيف" . وزاد الحافظ في
نسَبه : " الأنصاري " ، وقال :

(13/162)


"وروى عنه أيضاً ابنه شرحبيل بن سعيد" .
فهو خزرجي أنصاري ، وأما عبدالعزيز بن سعيد الذي روى هذا الحديث ؛ فهو
شامي - كما جاء مصرحاً به في إسناد الحديث الثاني عند ابن عدي - ؛ ولذلك
فرق الحافظ وغيره بين ابنه سعيد هذا ، وبين سعيد بن سعد بن عبادة ؛ فقالوا فيه
ما سبق ، وقال الحافظ فيما بعد :
" سعيد الشامي والد عبدالعزيز . جاءت عنه عدة أحاديث من رواية ولده
عنه ، تفرد بها عبدالغفور أبو الصباح بن عبدالعزيز عن عبدالعزيز عن أبيه سعيد
هذا ... " .
ثم ذكر له الأحاديث الثلاثة التي عند ابن عدي وغيرها ؛ منها الآتي بعد هذا .
والخلاصة : أن عبدالعزيز الذي في هذا الحديث مجهول ؛ لأنه لم يرو عنه غير
عبدالغفور هذا ، وهو لو كان ثقة لم يخرج شيخه بروايته عنه عن الجهالة ، فكيف
به وهو متهم ؟!
هذا ، وفي "الجرح والتعديل " (2/1/ 77) :
"سعيد الشامي الحمصي . روى عن ثَوْبان ، روى عنه مرزوق أبو عبدالله
الشامي " . وكذا في "تاريخ البخاري " (2/1/466/1553) وقال :
"إن لم يكن ابن زرعة ؛ فلا أدري " .
وجزم ابن حبان بأنه هو ، فانظر تعليقي عليه في "التيسير" .
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية ابن عدي دون الشطر
الثاني منه!

(13/163)


6064 - ( مَنْ لم يَحْمِدِ اللهَ على ما عَمِلَ من عملٍ صالحٍ ، وحَمِدَ
نفسَه ، قلَّ شكرُه ، وحَبِطَ عملُه. ومَنْ زعم أن اللهَ جعل للعباد من الأمر
شيئاً ؛ فقد كَفَرَ بما أنزل اللهُ على أنبيائه ؛ لقوله: { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ
تَبَارَكَ اللَّهُ أحسنُ الخالقين } ) .
موضوع .
أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره " (8/147) من طريق بقية
ابن الوليد قال : ثني عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري عن عبدالعزيز الشامي
عن أبيه - وكانت له صحبة - قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته شيخ بقية عبدالغفار بن عبدالعزيز ، وهو متهم بالوضع
- كما تقدم بيانه في [ الحديث ] السابق - . وقوله : "عبدالغفار" ... هكذا وقع في
الأصل ، ويظهرأنه كذلك وقع لابن جرير ؛ فإنه كذلك نقله عنه ابن كثير في
"تفسيره " ، وابن حجر في ترجمة أبي عبدالعزيز من "الإصابة " ... والصواب :
"عبدالغفور" ؛ كما وقع في أحاديث أخرى عنه ، منها الذي قبله ؛ وبعضها من طريق بقية عنه .
(تنبيه) ؛ هذا الحديث من الأحاديث الكثيرة التي ساقها الحافظ ابن كثير
ساكتاً عنها ؛ لأنه ذكرها بإسناده ، فجاء ذاك الجاهل الصابوني فصححها بإيراده
إياها في "مختصره " (2/25) ، فإلى الله المشتكى من المتعالمين في هذا الزمان .
وأورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية ابن جرير ، وسكت عنه - كما
هي عادته الغالبة ! - ، ووقع فيه قوله : "قل شُكره " بلفظ :
"فقد كفر"!
وكذا وقع في "تفسير ابن كثير" ، و "الدر المنثور" (3/ 91) . والله سبحانه
وتعالى أعلم .

(13/164)


6065 - ( يا عليُّ ! لا تكن فَتَّاناً ، ولا جابِيَاً ، ولا تاجِراً ؛ إلا تاجِرَ
خَيْرٍ ؛ فإن أولئك المسبوقون في العمل ) .
ضعيف .
أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (3/15) ، والطبري في "تهذيب الآثار"
(1/45/2) ، وابن شاذان في "الجزء الثاني من أجزائه " (15/ 1 - 2) ، والمقدسي
في "المختارة" (1/386/380 - بتحقيقي) من طريق عباد بن العوام قال : حدثنا
أبان بن تغلب عن الحكم عن ثعلبة بن يزيد - أو يزيد بن ثعلبة - عن علي قال :
أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا أدع قبراً شاخصاً بالمدينة إلا سويته ، ولا تمثالاً إلا
لطخته ، ففعلت ، ثم أتيته ، فقال : " فعلت ؟ " قلت : نعم . قال : ... فذكره . وقال
الطبري :
"وهذا خبر عندنا صحيح سنده ، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين
سقيماً غير صحيح .
وذلك أنه خبر لا يعرف لبعض ما فيه مخرج عن علي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصح ؛
إلا من هذا الوجه .
وأخرى أن في إسناده شكاً فيمن حدث عن علي رحمة الله عليه ، أثعلبة بن
يزيد هو ؟ أم يزيد بن ثعلبة ؟
والثالثة : أن الذي فيه من ذِكْر التاجر ، إنما روي عن علي موقوفاً عليه من
كلامه غير مرفوع إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وبخلاف اللفظ الذي فيه " .
ثم أفاض الطبري رحمه الله في ذكر الروايات الموقوفة في التاجر ، والأ حاديث
المرفوعة في ذم التجار إلا من اتقى وبَرَّ وصدق ونحوه ، وقد خرجت بعضها فيما
تقدم من "الصحيحة " (994 و1458) .

(13/165)


فأقول : وخلاصة كلامه أن الشطر الثاني من الحديث وهو المذكور في الترجمة
غريب لا شاهد له ، بخلاف الشطر الآخر ؛ فله طريق آخر في "صحيح مسلم "
وغيره ، وهو مخرج عندي في "أحكام الجنائز" ، ولكنه مع غرابة إسناده ؛ فهو
يصرح بأنه صحيح الإسناد عنده ، ولا وجه لذلك عندي ؛ وذلك لأن راويه ثعلبة
ابن يزيد - مع شك أحد رواته هل هو : ثعلبة بن يزيد ، أو يزيد بن ثعلبة ؛ على
القلب ؟ - فإنه ليس مشهوراً بالرواية ؛ فقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل "
(1/1/463) برواية حبيب بن أبي ثابت وسلمة بن كهيل ، ولم يذكر فيه جرحاً
ولا تعديلاً ، وذكره البخاري في "التاريخ " (1/2/174) برواية الأول منهما فقط
بحديث : قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي : "إن الأمة ستغدر بك " . وقال :
"لا يتابع عليه " . وقال في ثعلبة :
"فيه نظر" .
وفاتهما أنه روى عنه أيضاً الحكم هذا الحديث - وهو : ابن عتيبة - ، لكن رواية
حبيب بن أبي ثابت عنه معنعنة ، فلا يعتبر عندي راوياً ثالثاً ؛ لاحتمال أن يكون رواه
عن أحد المذكورين ، ثم أسقطه! وقد حكوا عن النسائي أنه وثقه ، وكذلك وثقه ابن
حبان (4/98) ، ولكنه لم يثبت على ذلك ؛ فأورده في "الضعفاء" (4/98) وقال :
"كان غالياً في التَّشَيُّع ؛ لا يحتج بأخباره التي يتفرد بها عن علي " .
قلت : ولما كان قد تفرد بحديث الترجمة دون الشطر الآخر ؛ فإني قد اطمأننت
لذكره في هذه "السلسلة" ، مع كونه غير مشهورٍ بالرواية ، ونظر البخاري فيه ، وقوله
في حديث الغدر : "لا يتابع عليه " .
على أن في قوله هذا الثاني نظراً عندي ؛ لأنه قد أورده ابن الجوزي في "العلل
المتناهية" (1/242) من طريق أخرى عن علي وقال :

(13/166)


"قال الدارقطني : تفرد به حكيم بن جبير . قال أحمد : ضعيف الحديث .
وقال السعدي : كذاب " .
وله طريق ثالث : أخرجه الحاكم (3/140) من طريق هشيم عن إسماعيل بن
سالم عن أبي إدريس الأودي عن علي قال :
" إن مما عهد إلي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إن الأمة ستغدر بي بعد" . وقال :
" صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!
قلت : وأبو إدريس هذا اسمه : يزيد بن عبدالرحمن ، وليس بالمشهور أيضاً ،
ووثقه ابن حبان والعجلي ، وقال الحافظ :
"مقبول " .
وهشيم - وهو : ابن بشير الواسطي - مدلس - على ثقته - وقد عنعنه ؛ فيخشى
أن يكون قد دلسه عن بعض الضعفاء .
فإن قيل : ألا يتقوى الحديث بالطريق الأخرى التي رواها شعبة رحمه الله عن
الحكم عن رجل من أهل البصرة - ويكنونه أهل البصرة : (أبا المورع) ، وأهل الكوفة
يكنونه بـ (أبي محمد) ، وكان من هذيل - عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : ... فذكر
الحديث ؛ بتمامه ، وأتم منه .
أخرجه الطيالسي (رقم 96) ، وأحمد (1/87 و 139) ، وأبو يعلى (1/ 390/506) ؟
وجوابي : لا ؛ لأن مدار الطريق هذا والذي قبله على الحكم - وهو : ابن عتيبة
الكوفي - ، ففي الطريق الأولى : طريق أبان بن تغلب سمى الواسطة بين الحكم
وعلي : ثعلبة بن يزيد - أو : يزيد بن ثعلبة - ، ولم يكنه ، وفي هذه الطريق الأخرى
كنى الواسطة بـ : أبي مورع - أو : أبي محمد - ، ولم يسمه ؛ فالظاهر أن المكنى في

(13/167)


هذه هو المسمى في تلك ، فإذا ثبت هذا ؛ فيكون تقوية أحدهما بالآخر من باب
تقوية الضعيف بنفسه! ولا يخفى فساده .
وأيضاً : فإن الرجل في هذا الطريق مجهول العين لا يعرف - كما هو ظاهر - ؛
ولذلك قال الذهبي - وتبعه العسقلاني - :
"لا يعرف " .
وأما قول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (2/657 -
658) - بعد أن نقل قول الذهبي هذا - :
"وأنا أرى أن التابعين على الستر والثقة حتى نجد خلافها" . وبناء على هذا قال :
" إسناده حسن "!
قلت : وليس بحسن ؛ فإنه لا يكفي عند العارفين بهذا العلم أن يكون الراوي
مستوراً فقط لتطمئن النفس لحديثه ، ويكون حسناً ؛ بل لا بد أن ينضم إلى ذلك
ما يدل على ضبطه أو حفظه ؛ كتوثيق من يوثق به من أئمة الجرح والتعديل ، أو
يروي عنه جمع من الثقات ، ولم يظهر في روايتهم عنه شيء من النكارة في
حديثه ؛ ففي هذه الحالة يمكن تحسين حديثه ، والاعتماد عليه ، وفي مثله يقول
الذهبي والعسقلاني في كثير من الأحيان : "صدوق " ؛ كما شرحت ذلك في
غير ما موضع . والله سبحانه وتعالى أعلم (*) .

6066 - ( أوصي بكِ إلى علي . يعني : صَفِيَّةَ ) .
منكر .
أخرجه البخاري في "التاريخ " (4/ 1/ 311) ، ومن طريقه ابن عدي
في "الكامل " (6/2377) عن حسين الأشقر الكوفي قال : نا إسرائيل عن أبي
__________
(*) وقد سبق الحديث برقم (5447) . (الناشر) .

(13/168)


إسحاق عن مالك بن مالك - ضيفٍ كان لمسروق - عن صفية بنت حيي قالت :
قلت : يا رسول الله! ليس من نسائك أحد إلا ولها عشيرة تلجأ إليها غيري ؛
فإن حدث بك حدث فإلى من ؟ قال : ... فذكره .
وعزاه الحافظ في "المطالب العالية " (4/56/3945) لأبي بكر بن أبي شيبة ،
وقال المعلق عليه :
"قال البوصيري : فيه راو لم يسمّ " .
وأقول : وليس هذا في إسناد البخاري - كما ترى - ؛ ولكن فيه ثلاث علل :
الأولى : مالك بن مالك : قال الذهبي :
إ لا يدرى من هو ؟ "
قلت : وهذا معنى قول البخاري عقبه :
" ولا يعرف مالك إلا بهذا الحديث الواحد ، ولم يتابع عليه " . وقال ابن عدي
عقبه :
" هو كما قال" . وقال ابن حبان في "الضعفاء" (3/36) :
"شيخ يروي عنه أبو إسحاق السَّبيعي في فضائل علي مراسيل ليست
بمسانيد ؛ كلها مناكير لا أصول لها . لا يجوز الاحتجاج به ، ولا ذكر ما روى إلا
على جهة التعجب " . ثم تناقض فذكره في "الثقات " (5/388)!
وأما قول الذهبي عقب قول البخاري السابق :
" قلت : وفي السند إليه ضرار بن صُرْد" .
فأقول : أخشى أن يكون سبق قلم منه ؛ أراد أن يقول : حسين الأشقر ...
فقال ما قال! ويأتي بيان ما فيه .

(13/169)


الثانية : أبو إسحاق - نص . السبيعي ، وهو - مدلس مختلط .
الثالثة : حسين هذا - وهو : ابن الحسن الأشقر الكوفي - : قال الحافظ في
"التقريب " :
"صدوق يهم ، ويغلو في التشيع " .
(تنبيه) : تحرفت جملة "ضيف كان لمسروق" إلى "ضعيف " في "الميزان "
و "اللسان " - ، وسقط منهما : "كان لمسروق " !!

6067 - ( يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ ! إِنَّ اللَّهَ بَاعِثُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً ؛ إِلا
مَنْ صَدَقَ وَوَصَلَ ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ ) .
منكر .
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء " (1/224 - 225) ، ومن طريقه ابن
الجوزي في "الموضوعات " (2/237) ، والطبري في "تهذيب الآثار" (4/48/96) ،
والطبراني في "المعجم الكبير" (12/68/12499) من طريق الحارث بن عبيدة
الحمصي عن عبدالله بن عثمان بن خُثَيْمٍ عن سعيد بن جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ :
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى جماعة من التجار ، فقال : " يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ! " ، فَاسْتَجَابُوا
لَهُ وَمَدُّوا إليه أَعْنَاقَهُمْ ؛ فقال : "إن الله ... " الحديث . وقال ابن حبان - وأقره ابن
الجوزي والذهبي - :
"وهذا ليس له أصل صحيح يرجع إليه . والحارث يأتي عن الثقات ما ليس
من حديثهم ، " لا يعجبني الإحتجاج بحديثه إذا انفرد" . وقال الهيثمي في "مجمع
الزوائد " (4/72) :
"رواه الطبراني في ؛ "الكبير" ، وفيه الحارث بن عبيد ، وهو ضعيف " .

(13/170)


قلت : أصاب في التضعيف فقط ، وسَلَفُه في ذلك ما تفيده عبارة ابن أبي
حاتم عن أبيه :
"هو شيخ ليسى بالقوي " .
وأخطأ الهيثمي في اسم أبي الحارث فقال : "عبيد" ... وإنما هو : "عبيدة"!
ومن العجيب الغريب أن هذ الخطأ قد وقع فيه ابن الجوزي والسيوطي (1)
وغيرهما ؛ فإنهما - رغم سوقهما الحديث من رواية [ابن] حبان بإسناده المتقدم على
الصواب ؛ - وقع فيه عندهما : "عبيد" . وإن مما لا شك فيه أنه عند ابن الجوزى خطأ
من بعض نُسَّاخ كتابه ، بدليل إن ما نقلته في ترجمة الحارث هذا عن ابن حبان ؛ لا
يتفق مع ترجمته لابن عبيد ، وإن كان قد أورده في "الضعفاء" أيضاً فقال ( 1/224) :
"الحارث بن عُبيد أبو قدامة الإيادي ... كان شيخاً صالحاً ممن كثر وهمه ؛
حتى خرج عن جملة من يحتج بهم إذا انفردوا" .
وقد غفل عن هذا كله السيوطي : فتعقب ابن حبان وابن الجوزي ؛ فقال في
" اللآلئ " (2/ 141) - وقلده الفَتِني الهندى في "تذكرة الموضوعات " (ص 136) - :
"قلت : الحارث روى له مسلم وأبو داود والترمذي ، والحديث صحيح روي من
عدة طرق ..." .
تلت : والجواب من وجهين :
الأول : أن مسلماً إنما روى . عن ابن عَبيد الإيادي ... وليس ابن عُبيدة الحمصي
- كما تقدم - ، على أن الأول قد ضعفه الجمهور أيضاً ؛ فراجع ترجمته في
"التهذيب " ، ولذلك قال الذهبي في "الكاشف " :
__________
(1) ثم تبينت أن الخطأ عند ابن الجوزي فقط ، ومع ذلك قال السيوطي ما يأتي!

(13/171)


"ليس بالقوي ، وضعفه ابن معين " .
والآخر : أن الطرق التي أشار إليها وساق ألفاظها ليس فيها ما في هذا من
قوله : " ووصل ، وأدى الأمانة " ... وقد خرجتها في "الصحيحة " (994 و 1458) .
وقد تنبه لهذا الخطأ ونبه عليه العلامة المعلمي رحمه الله في تعليقه على
"الفوائد المجموعة" للشوكاني (140/405) ؛ ولكنه لم يوضح الفرق بين متن هذا
الحديث ومتن الطرق التي ساقها السيوطي .

6068 - ( لا بُدَّ للناسِ مِنَ العَرِيفِ ، والعريفَ في النار ؛ يؤتى
بالجِلْوازِ يومَ القيامة ، فيقالُ له : ضَعْ سَوْطَكَ وادخُلِ النارَ ) .
منكر .
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (2/148 و 317) من طريق
إسماعيل بن عبدالله : حدثني العلاء بن أبي العلاء : حدثني مِرْداس عن أنس
قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد مجهول ، أورده أبو نعيم في ترجمة العلاء هذا ، وفي
ترجمة شيخه مرداس ، ولم يذكر فيهما جرحاً ولا تعديلاً . وليس لهما ذكر في
شيء من كتب الرجال ؛ فهما مجهولان .
وأما إسماعيل بن عبدالله - فهو : أبو بشر يعرف بـ (سَمويه) - ، ترجمه أبو
الشيخ في "طبقات الأصبهانيين " (221/236) ، وأبو نعيم في "الأخبار" (1/210
- 211) وكان حافظاً متقناً ، توفي سنة (267) .
وقد توبع ؛ فقال أبو الشيخ في ترجمة (مرداس الأصبهاني) (65/27) : حدث
عقيل بن يحيى قال : ثنا العلاء بن أبي العلاء ... به ؛ دون الشطر الثاني .
وفي أول الحديث عند أبي نعيم زيادة بلفظ :

(13/172)


!ما لكم تدخلون عليَّ قِلْحَاً ، لولا أن أشق على أمتي ؛ لأمرتهم بالسواك عند
كل صلاة" .
وهذه الزيادة بتمامها في "المسند" وغيره من طريق أخرى ؛ فيها اضطراب .
والشطرُ الثاني منها متفق عليه من حديث أبي هريرة ؛ وهو مخرج في "الإرواء"
(رقم 70) ، والصحيحة (3067) .
والحديث أورده السيوطي بتمامه في "الجامع الكبير" من رواية سَمُّوَيْه وأبي
نعيم عن أنس ، وسكت عنه كغالب عادته!
وأخرجه أبو داود في أول (الخراج والإمارة) من طريق رجل عن أبيه عن جده
مرفوعاً بلفظ :
"إن العَرافة حق ، ولا بد للناس من العُرَفاء ؛ لكن العرفاء في النار" . وفيه
قصة .
وهذا إسناد مجهول ؛ ولذلك أوردته في "ضعيف أبي داود" (510) .

6069 - ( لا يَدَعْ أَحَدُكُمْ طَلَبَ الْوَلَدِ ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ وَلَيْسَ
لَهُ وَلَدٌ انْقَطَعَ اسْمُهُ ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (23/210/369) : حدثنا محمد
ابن هارون بن محمد بن بكار : ثنا العباس بن الوليد الخلال : ثنا مروان بن
محمد : ثنا ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمرقال :
أخبرتني حفصة : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذ!ه .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ لسوء حفظ ابن لهيعة - وهو : عبدالله - .
وسائر الرواة ثقات غير محمد بن هارون شيخ الطبراني ، فلم أجد له ترجمة ،

(13/173)


وهو دمشقي ؛ فهو على شرط ابن عساكر في "تاريخ دمشق" فليراجَع ؛ فإن النسخة
المصورة التي عندي منه مخرومة ، وقد روى عنه الطبراني في "المعجم الأوسط "
(2/124 - 127/6925 - 6965) أربعين حديثاً - بترقيمي - .
ومروان بن محمد هو الطاطري .
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" ساكتاً عنه - كما هي عادته
الغالبة -! وتساهل الهيثمي فقال في "المجمع " (4/258 - 259) :
"رواه الطبراني ، وإسناده حسن " !

6070 - ( من قال إذا أصبح : اللهم! أصبحتُ منك في نعمةٍ وعافيةٍ
وسترٍ ، فأتِمَّ عليَّ نعمتَك وعافيتَك وسِتْرَك في الدنيا والآخرة - ثلاتَ
مراتٍ إذا أصبحَ وإذا أمسى - ؛ كان حقّاً على الله عَزَّ وَجَلَّ أن يُتِمَّ عليه
نعمتَه ) .
موضوع .
أخرجه ابن السني في "اليوم والليلة" (رقم 53) من طريق عمرو
(الأصل : عمر) بن الحصين : حدثنا إبراهيم بن عبدالملك عن قتادة عن سعيد بن
أبي الحسن عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا موضوع عندي ؛ آفته عمرو بن الحصين ، وقد تقدمت له أحاديث
كثيرة ، وبه أعله الحافظ في "تخريج الأذكار" (ق 181/2) فقال :
"وهو متروك باتفاقهم ، واتهمه بعضهم " .
وسقط قول الحافظ هذا وغيره من كتاب "الفتوحات الربانية" لابن علان
(3/128)! وسكت النووي في "الأذكار" عن إسناده! وتبعه على ذلك المعلق
عليه : الأرناؤوط ، وسيد سابق في "فقه السنة" (1/597) ، ومن قبلهما السيوطي

(13/174)


في "الجامع الكبير" !!! وكان ذلك من الدواعي لتخريجه وتحقيق الكلام عليه .
وبالله التوفيق .

6071 - ( لا يَنْظُرُ الله إلى قومٍ ! يَجْعلون عمائِمَهُم تحتَ ردائِهم .
يعني : في الصلاة ) .
منكر .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (3/185) معلقاً عن أبي نعيم
عن قيس بن إبراهيم الطواسي : حدثنا داود بن سليمان الخواص : حدثنا خازم
ابن جَبَلَة بن أبي نَضْرة عن ابن أبي رَوَّاد عن الضَّحَّاك عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رفعه : ...
فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ مسلسل بالعلل :
الأولى : الانقطاع بين الضحاك - وهو : ابن مزاحم - وابن العباس .
الثانية : خازم بن جبلة : قال في "اللسان " :
"قال محمد بن مخلد الدوري : لا يكتب حديثه " . وهو بالخاء المعجمة - كما
في "الإكمال " لابن ماكولا ، و"اللسان " - ، ووقع في الأصل بالحاء المهملة!
الثالثة : داود بن سليمان : قال في "الميزان" و "اللسان " :
"قال الأزدي ؛ ضعيف جدّاً ، خراساني " .
الرابعة : قيس بن إبراهيم الطواسي . كذا الأصل ، ولم أجد هذه النسبة ، ولا
وجدت له ترجمة .
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" لأبي نعيم ، ساكتاً عنه!

6072 - الا تزالُ أُمتي على الفِطْرَةِ ما لَبِسوا العمائمَ على القَلانِس) .
موضوع .
أخرجه الديلمي في "مسنده " (3/175) من طريق محمد بن

(13/175)


يونس الكُدَيمي عن إسماعيل بن عبدالله بن زُرارة عن محمد بن ربيعة عن أبي
جعفر العسقلاني عن طلحة بن يزيد بن رُكانة عن أبيه عن جده رفعه ...
فذكره .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته الكديمي هذا ، فإنه كذاب ، وتقدمت له أحاديث .
وأبو جعفر العسقلاني : أظنه أبا جعفر بن محمد بن ركانة ؛ وَهُوَ مَجْهُولٌ - كما
في "التقريب" - .
وطلحة بن يزيد بن ركانة هو : أخو علي بن يزيد بن ركانة - كما ذكر المزي
في ترجمة جده ركانة من "تهذيب الكمال " (9/224) - ، ولم أجد له ترجمة .
ومثله أبوه يزيد بن رُكانة ؛ لم أجد له ترجمة .
والمحفوظ عن محمد بن ربيعة ما رواه جمع عنه : حدثنا أبو الحسن العسقلاني
عن أبي جعفر بن محمد بن علي بن ركانة عن أبيه :
أن ركانة صارع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فصرعه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قال ركانه : وسمعت النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول :
"فَرْقُ ما بيننا وبين المشركين : العمائم على القلانس " .
وضعفه الترمذي بقوله :
"حديث غريب ، وإسناده ليس بالقائم ، ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني ،
ولا ابن ركانة" .
قلت : وهو مخرج في "الإرواء" (1503) ، وبينت هناك أن قصة المصارعة
صحيحة ؛ لورودها من غير هذه الطريق ، فليراجعه من شاء .
والحديث أورده السيوطي أيضاً في "الجامع الكبير" ساكتاً عليه!

(13/176)


6073 - ( لا تكونُ المرأةُ حَكَمَاً تقضي بين الناس ) .
منكر .
أخرجه الديلمي (3/174) من طريق علي بن المديني : حدثنا عبد الكريم
البصري عن عمر بن زيد بن مهران عن عطاء عن عائشة قالت : قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد مظلم ؛ عمر بن زيد بن مهران لم أعرفه ، ومن المحتمل أن
يكون الذي في "كامل ابن عدي" (5/1687) :
"عمربن يزيد المدائني ، منكر الحديث عن عطاء وغيره" .
وعبدالكريم البصري : هو من طبقة عبدالكريم بن روح بن عنبسة أبي سعيد
البصري مولى عثمان ، وهو ضعيف . فيحتمل أن يكون هو هذا .
والحديث في "الجامع الكبير" أيضاً!

6074 - ( لو أن الإنسَ والجِنَّ والشياطين [والملائكةَ] منذُ يومِ خُلِقوا
إلى يومِ فنائِهِم [قاموا] صفاً واحداً ؛ ما أحاطوا بالله عَزَّ وَجَلَّ أبداً ) .
منكر .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء ، (1/ 140) - والسياق له - ، وابن عدي
في "الكامل " (442 - 443) ، والديلمي (3/173) من طريق بشر بن عمارة عن
أبي رَوْقٍ عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله عَزَّ وَجَلَّ : {لا
تدركه الأبصار} ؛ قال : ... فذكره .
والزيادة الأولى لغير العقيلي ، والأخرى له فيما عزاه إليه السيوطي في
"الجامع الكبير" ، ولفظ الآخرين : "صفوا" .
وهذا إسناد ضعيف ؛ وفيه علتان :

(13/177)


الأولى : عطية - وهو العوفي ؛ وهو - ضعيف مدلس ، وتقدمت له أحاديث
كثيرة .
والأخرى : بشر بن عمارة : وفي ترجمته أورده العقيلي وابن عدي ، ورويا عن
البخاري أنه قال فيه :
"تعرف وتنكر" ، وزاد الأول فقال عقبه :
"ولا يتابع عليه ، ولا يعرف إلا به" .
وفي ترجمته ساق الذهبي هذا الحديث مشيراً إلى أنه منكر . ولعله صرح
بذلك في بعض - كتبه ؛ فقد قال السيوطي في "الدر المنثور" (3/37) :
"قال الذهبي : هذا حديث منكر" .
وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/189) في بشر هذا :
"كان يخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد ، ولم يكن يعلم الحديث
ولا - صناعته ." .
وجزم الحافظ في "التقريب " بضعفه .
وأبو روق اسمه : عطية بن الحارث صاحب التفسير ، وهو صدوق .
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية العقيلي وحده ساكتاً
عنه! وجزم في "الدر" بأن سنده ضعيف ، وإلى ذلك أشار الحافظ ابن كثير في
"التفسير" بقوله - بعد أن عزاه لابن أبي حاتم - :
"غريب ؛ لا يعرف إلا من هذا الوجه ، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب
" الستة ".

(13/178)


6075 - الا يَقَعَنَّ أحدُكم على امرأتِه كما تَقَعُ البَهيمةُ ؛ وليكنْ
بينهما رسولٌ . قيل : وما الرسولُ ؟ قال : القُبْلةُ والكلام ) .
منكر .
أورده الغزالي في (الإحياء" (2/ 50) هكذا دون عزوٍ ؛ كعادته ، فقال
العراقي في "تخريجه" :
"رواه أبو منصور الديلمي في "مسند الفردوس " من حديث أنس ، وهو منكر" .
وأقره الزبيدي في "شرحه " (5/372) ، ومن قبله السيوطي في "الجامع الكبير"
وقد ذكره بتمامه كما يأتي .
وأقول : أخرجه الديلمي (3/64) من طريق جعفر بن محمد السَّافادي :
حدثنا علي بن داود القَنطري : حدثنا سندي بن سليم : حدثنا عمرو بن صدقة :
أخبرني عمر بن شاكر عن أنس قال : قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"ثلاثة من الجفا : أن يواخي الرجل الرجل ؛ فلا يعزف له اسماً ولا كنية . وأن
يهيئ الرجل لأخيه طعاماً ؛ فلا يجيبه . وأن يكون بين الرجل وأهله وقاع ! ؛ من غير أن
يرسل رسولاً : المزاح والقُبَل ؛ لا يقع أحدكم على أهله مثل البهيمة على البهيمة " .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ فيه علل :
الأولى : عمر بن شاكر : قال ابن أبي حاتم (3/115) :
"سألت أبي عنه؟ قال : ضعيف الحديث ، يروي عن أنس المناكير" .
والراوي عنه عمرو - ووقع في الأصل "عمر " ، والتصحيح من "الجرح " ، و - :
قال :
"سئل أبي عنه ؛ فقال : شيخ صدوق" .
الثانية : سدى . كذا الأصل بالإهمال ، ولم أعرفه .

(13/179)


الثالثة : جعفر بن محمد السافادي ، حرف السين المهملة غير واضح في
المصورة من الأصل ، ويمكن أن يكون (الهافادي) بالهاء . ولم أجد هاتين النسبتين
في "الأ نساب" و "اللباب " ، ولا عرفت الرجل أيضاً .
والحديث من الأحاديث الكثيرة الضعيفة والمنكرة التي سسود بها المسمى بـ
محمد أديب كلكل "فقهه " (ص 108) ، مع علمه بحكم العراقي عليه بالنكارة!
وقد تقدم له حديث آخر بنحوه قريباً رقم (6071) .

6076 - ( إذا ركب الناسُ الخَيْلَ ، ولبِسوا القُباطيَ ، ونزلوا الشامَ ،
واكتفى الرجالُ بالرجالِ ، والنساءُ بالنساءِ ؛ عَمَّهُم الله بعقوبةٍ من عندِه ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (5/ 1800) ، ومن طريقه ابن عساكر
في "تاريخ دمشق" (1/335 - طبع دمشق) عن عمرو بن زياد بن عبدالرحمن بن
ثويان مولى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثنا حماد بن زيد وعبدإلوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي
قلابة عن أنس : أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : ... فذكره . وقال ابن عدي :
"منكر ؛ موضوع على حماد بن زيد وعبدالوهاب الثقفي " .
ووافقه الذهبي والعسقلاني - ذكروا ذلك في ترجمة الثوباني هذا - ، وقال فيه
ابن عدي :
"منكر الحديث ، يسرق الحديث ، ويحدث بالبواطيل" . وقال ابن أبي حاتم :
"سألت أبي عنه ؟ فقال :
قدم الري ، فرأيته ووعظته ، فجعل يتغافل ؛ كأنه لا يسمع! كان يضع
الحديث . قدم قزوين فحدثهم بأحاديث منكرة ، أنكر عليه علي الطَّنافسي . وقدم
الأهواز فقال : " أنا يحيى بن معين ، هربت من المحنة" ؛ فجعل يحدثهم ويأخذ

(13/180)


منهم! فأعطوه مالاً . وخرج إلى خراسان وقال : "أنا من ولد عمر" ! وخرج إلى
قزوين - وكان على قزوين رجل باهلي - ، فقال : "أنا باهلي "! وكان كذاباً أفاكاً ،
كتبت عنه ثم رميت به " . قال ابن عساكر :
"فلا يحتج بروايته ، وقد تقدم "باب حّثِّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته على سكنى الشام "،
فكيف يكون نزولهم إياه مذموماً ؟! ولعله - إن صح - أراد به قرب الساعة ؛ كما في
حديث ابن حوالة : "إذا رأيت الخلافة قد نزلت بالشام ... " الذي تقدم " .
كذا قال! ولم يتقدم عنده ، وإنما هو سيأتي عنده فيما بعد (1/375 - 377) ،
وهو مخرج في "المشكاة ، (5449) ، و"صحيح أبي داود" (2286) .
ويشير بالباب المذكور إلى حديث ابن حوالة الآخر :
" عليكم بالشام ... " .
وهو مخرج في "فضائل الشام " (رقم 2 و 9) ، و"صحيح أبي داود" (2144) .

6077 - ( إذا خشيَ أحدُكم نِسيانَ القرآنِ ؛ فلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ ! ارْحَمْنِي
بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَداً مَا أَبْقَيْتَنِي ، وَارْحَمْنِي بِتَرْكِ مَا لاَ يَعْنِينِي ، وَارْزُقْنِي
حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي ، وأَلْزِمْ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتَنِي ،
وَنَوِّرَ بِهِ بَصَرِي ، واشْرَحْ بِهِ صَدْرِي ، واجعلني أَتْلُوَهُ عَلَى ما يُرْضِيكَ
عَنِّي ، وَأَفْرِجْ بِهِ عن قَلْبِي ، وَأَطْلِقْ بِهِ لِسَانِي ، وَاستَعمِلْ بِهِ بَدَنِي ، وَنَوِّرَ
بِهِ قَلْبِي ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ) .
منكر .
أخرجه ابن عساكر في "جزء أخبار لحفظ القرآن " (ق 3/ 1 - 2) ، والضياء
المقدسي في "المنتقى من مسموعاته بمرو" (ق 58/1) من طريق إبراهيم بن سليمان
الهُجَييمي : ثنا المغيرة بن أبي السعدي أبو الحارث : ثنا الحسن بن أبي الحسن

(13/181)


عن عمر بن عبدالعزيز عن أبيه عن أبي الدرداء ... ، مرفوعأًً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف مظلم - لم أر من تكلم عليه ، وفيه :
أولاً : الحسن بن أبي الحسن : لم أعرفه ، وفي "الميزان " :
"الحسن بن أبي الحسن البغدادي المؤذن ، عن ابن عيينة ، منكر الحديث .
قاله ابن عدي " .
قلت : وهذا أدنى طبقة من المترجم .
ثانياً : المغيرة بن أبي السعدي أبو الحارث ؛ لم أعرفه أيضاً .
ثالثاً : إبراهيم بن سليمان الهُجيمي : أظنه الذي في "اللسان " :
"إبراهيم بن سليمان أبو إسحاق ، ذكره النسائي في "الكنى" وقال : حديث
منكر . ولم يذكر المتن ؛ فيحتمل أن يكون هو الذي قبله . وفي "الضعفاء" للأزدي :
إبراهيم بن سليمان البصري منكر الحديث . فلعله هذا . وقد ذكر في الذي قبله :
أنه كوفي سكن البصرة" .
والمشهور في حفظ القرآن حديث ابن عباس عند الترمذي وغيره ، ولا يصح
أيضاً ، وقد سبق تخريجه والكلام عليه برقم (3374) ، وفيه بعض الجمل التي في
هذا ؛ مما يلقي في النفسى أن أحد رواة هذا سرقه من ذاك . والله أعلم .

6078 - (اطَّلَعَ رجلٌ من جُحر بابي ، ومعي مِدْرى (1) ؛ فوثبتُ فطعَنْتُ
به في عينهِ ) .
منكر .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (7/2698) من طريق يحيى بن
__________
(1) الأصل : مذرى بالذال المعجمة ، وقال المعلق عليه : والمذرى أو المذراة : خشبة ينقى
بها الحب من التبن . "لسان العرب"! وإنما هو بالدال المهملة ؛ كما - ترى أعلاه - .

(13/182)


محمد بن قيس أبي زكير قال : سمعت أبا حازم يذكر عن سهل بن (1) سعد : أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
قلت : وهذا منكر بهذا اللفظ ؛ آفته أبو زكير ، وهو صاحب مناكير ؛ منها
حديث : "كلوا البلح بالتمر ؛ فإن الشيطان يغضب ... " الحديث ، وقد تقدم برقم
(231) ، وساق له ابن عدي أحاديث هذان منها ، وقال :
"له أحاديث سوى ما ذكرت ، وعامة أحاديثه مستقيمة إلا هذه التي بيّنتها" .
والحديث مشهور من حديث الزهري عن سهل بن سعد الساعدي أخبره :
أن رجلاً اطلع في جُحر في باب رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مدرى
يحك به رأسه ، فلما رآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ قال :
"لوأعلم أنك تنظرني ؛ لطعنت به في عينك ، إنما جعل الإذن من أجل البصر" .
أخرجه البخاري (5924 و6901) ، ومسلم (6/ 180 - 181) ، والترمذي
(2710) ، والنسائي (2/253) ، والدارمي (2/198) ، وابن حبان (5779) ، والبيهقي
(8/338) ، وأحمد (5/330 - 331) ، والحميدي (2/412/924) ، وأبو يعلى
(7510) من طرق عن الزهري ... به . وقال الترمذي :
"حديث حسن صحيح " .
قلت : فقد أخطأ أبو زكير في مواضع منه :
الأول : أنه جعل الاطلاع من كلامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... وهو من كلام سهل رضي الله
عنه .
__________
(1) الأصل : عن سعد!

(13/183)


والآخر ؛ أنه نسب إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه طعن في عين المُطَّلع ... وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفعل ؛
فدل ذلك على نكارة حديثه .
(فائدة) : المِدرى - بكسر الميم وسكون المهملة - ؛ عود أو حديدة - كالخلال -
لها رأس محدد . وقيل غير ذلك . انظر "الفتح " (10/367 و 12/244) .

6079 - (النَّظَرُ في مِرآةِ الحجَّامِ دَناءةٌ ) .
منكر .
أخرجه الإسماعيلي في "المعجم " (ق 31/1 - 2) : حدثنا محمد بن
أحمد القَصَبِيُّ : حدثنا إسحاق بن شاهين : حدثنا خالد بن عبدالله عن أبي
طَوالة عن أنس قال : قال رسول الله : ... فذكره .
وأخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (3/107) من طريق أخرى عن
محمد بن أحمد بن الحسن القصبي ... به .
ذكره الإسماعيلي في ترجمة القصبي هذا ، وقال :
"لم يكن بذاك ، والحديث منكر" . وأقره الحافظ في "اللسان " .
وقد رواه بعض الضعفاء مقطوعأًً على إبراهيم - وهو : النخعي - ؛ فقال ابن
عدي (7/2595) : ثنا أحمد بن محمد الضَّبعي : أخبرني إسحاق بن شاهين :
أخبرنا هشيم : أخبرنا بعض أصحابنا عن مغيرة عن إبراهيم ... به .
ثم أخرجه بهذا الإسناد عن إسحاق : ثنا إبراهيم بن عطية عن مغيرة ...
به . وقال :
"وقول هشيم : ثنا بعض أصحابنا عن مغيرة ؛ إنما أراد به إبراهيمَ بن عطية
هذا ، وقد دلَّسه هشيم " .

(13/184)


وإبراهيم هذا شديد الضعف ؛ ولذلك كان هشيم يدلسه ولا يسميه ، وقال ابن
حبان في "الضعفاء" (1/109) :
"كان هشيم يدلس عنه أخباراً لا أصل لها ، كأنه وقف على العلة فيها ، وكان
منكر الحديث جداً" .
وله ترجمة في "تاريخ بغداد" (6/114 - 115) ، وروى عن ابن معين أنه قال :
"لا يساوي شيئاً" . وذكر عنه أنه سمع منه هشيم وأنه كان يدلسه .
(تنبيه) : عزا المعلق على "الفردوس ، (4/298) لـ "تاريخ بغداد" بالرقمين
المشار إليهما آنفاً ، وأعله بقول ابن معين المذكور في إبراهيم ؛ فأوهم أنه في "التاريخ "
مسند عن أنس! فاقتضى التنبيه .

6080 - ( اصْرِمِ (1) الأحمقَ ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/78/1 - مصورة الجامعة
الإسلامية) ، والبيهقي في "الشعب" (7/ 61) - من طريق الحاكم - كلاهما من طرق
عن محمد بن إسحاق البلخي قال : ثنا عمرو بن قيس بن يسير بن عمرو عن
أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
أورده ابن عدي في ترجمة عمرو بن قيس هذا - وهو : الكندي الكوفي - ،
وقال :
"لا أعرف له كثير حديث " . وروى عن ابن معين أنه قال :
__________
(1) فعل أمر من (الصَّرْم) وهو : القطع . وخفي ذلك على محقق "الميزان" ؛ فلم يعرف
وجهه ، فقال (3/284) : (هكذا في الأصل" ! ووقع الحديث في "الكامل" بتحقيق لجنة من
الختصين بإشراف الناشر! بلفظ : (أصرم الدعاء الأحمن)!! فإن كنت ذكياً ؛ فافهم!

(13/185)


"ليس بثقة" . وعن ابن سعيد - وهو : ابن عقدة - أنه قال :
"ثقة كوفي " . ، وكذلك قال ابن أبي حاتم (3/1/255) عن أبيه . وذكره ابن
حبان في "الثقات " (7/ 220) .
وأبوه قيس بن يسير - ويقال فيه : (أسير) - قد روى عنه الثوري أيضاً - كما
في "تاريخ البخاري " و "الجرح " ؛ فهو مجهول الحال ، وذكره ابن حبان في "الثقات "
(7/328) !
وجده يسير بن عمرو : روى عنه جمع من الثقات ، وذكره ابن حبان في "ثقات
التابعين " (5/557) ؛ فالحديث مرسل ؛ كما قال الحافظ في "اللسان " ، قال :
"والصواب موقوف " .
وأقول : وعلة هذا المرفوع محمد بن إسحاق البلخي هذا ؛ فإنه متهم بالكذب
- مع حفظه ، فقال ابن عدي (6/2282) :
"لا يشبه حديثه حديث أهل الصدق " . وقال الذهبي في "الميزان " :
"كان أحد الحفاظ ، إلا أن صالح بن محمد جَزَرَةَ قال : كذاب . وقال الخطيب :
لم يكن يوثق به " . وله ترجمة سيئة في "تاريخ بغداد" (1/234 - 235) .
ومع هذا الضعف الشديد فيه ؛ فقد خالفه الثقات في رفعه ؛ فأخرجه ابن عدي
والبيهقي من طرق عن عمرو بن قيس بن يسير ... به موقوفاً . وقال البيهقي :
"وهذا هو الصحيح ؛ موقوف . ويسير بن عمرو كان على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن
إحدى عشرة سنة " .
هذا وقد وقع في إسناد الحاكم المتقدم عدة أخطاء نبه عليها البيهقي ثم
الحافظ في "الإصابة" ؛ لا ضرورة لذكرها ، فمن شاء الوقوف عليها رجع إليها .

(13/186)


(تنبيه) : سبق أن بينت في الحاشية الخطأ الفاحش الذي وقع في متن الحديث
في "كامل ابن عدي" ؛ خطأ أضاع على القراء فهم معناه ، رغم قيام اللجنة المزعومة
على تصحيح "الكامل"!
وقد وقع فيه خطأ آخر أسوأ منه : وهو أنه سقط من ناسخ الأصل - ولم تتنبه
له اللجنة المصححة! - متن الحديث الموقوف ، وإسناد الحديث المرفوع ؛ فصار إسناد
الحديث الموقوف إسناد الحديث المرفوع ! ولولا أن الله تعالى وفَّّقني فأوقفني على
هذه الحقيقة بالرجوع إلى النسخة المصورة ؛ لكان من غير الممكن الوقوف على هذا
الخطأ الفاحش الذي نادراً ما نجد له مثيلاً! والله المستعان .

6081 - ( أَصْلِحِي لَنَا الْمَجْلِسَ ؛ فَإِنَّهُ يَنْزِلُ مَلَكٌ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ
إِلَيْهَا قَطُّ ) .
منكر .
أخرجه أحمد (296/6) من طريق الْمُغِيرَةُ بْنُ حَبِيبٍ خَتَنُ مَالِكِ ابْنِ
دِينَارٍ - قَالَ حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ الْمَدِينَةِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف لجهالة الشيخ المدني الذي لم يسم .
والمغيرة بن حبيب : ترجمه ابن أبي حاتم (4/1/220) " برواية أربعة من
الثقات ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وترجمه البخاري كذلك في "التاريخ "
(4/325) برواية ثلاثة منهم ؛ لكن وقع في نسخة منه - كما أشار إلى ذلك محققه -
زيادة :
"وكان صدوقاً عدلاً " .
فإذا صح هذا ؛ فالعلة فقط من شيخه المجهول .

(13/187)


وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (7/466) برواية هشام الدَسْتَوائي وغيره ،
وقال :
"يغرب " .
وروى له في "صحيحه " (رقم 53 - الإحسان و35 - الموارد) حديثاً في الخطباء
الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم . وقد خرجته في "الصحيحة" (291) ،
وذكرت فيه قول من قال في المغيرة هذا : منكر الحديث ، والرد عليه . فراجعه .
ولذلك قال المنذري في "الترغيب " (3/240) وتبعه الهيثمي في "مجمع
الزوا ئد " (8/ 174) :
"رواه أحمد ، ورواته ثقات ؛ إلا أن التابعي لم يسم " .
ومنه تعلم خطأ قول المناوي في "الجامع الأزهر" (1/58/2) :
"رواه أحمد بإسناد حسن "!

6082 - ( يا عَلِيُّ ! أَنْتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنْيَا ، سَيِّدٌ فِي الآخِرَةِ، حَبِيْبُكَ
حَبِيْبِي ، وَحَبِيْبِي حَبِيْبُ اللهِ ، وَعَدُوُّكَ عَدُوِّي ، وَعَدُوِّي عَدُوُّ اللهِ ،
فَالوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ بَعْدِي ) (*) .
موضوع .
أخرجه الحاكم (3/127 - 128) ، وابن عدي في "الكامل " (1/195
و5/1948 - 1949) ، والخطيب في "التاريخ " (4/ 41) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "العلل المتناهية" (1/218) ، والمزي في "تهذيب الكمال " (1/259 - 265)
من طرق عن أبي الأزهر أحمد بن الأزهر قال : ثنا عبدالرزاق : أنبأ معمر عن
الزهري عن عبيدالله بن عبدالله عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قال :
نظر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى علي ، فقال : ... فذكره . وقال الحاكم :
__________
(*) سبق تخريجه برقم (4894) . (الناشر) .

(13/188)


"صحيح على شرط الشيخين ، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة ، وإذا انفرد الثقة
بحديث ؛ فهو - على أصلهم - صحيح " .
قلت : ظاهر إسناده الصحة ، وأما كونه على شرط الشيخين ؛ فليس كذلك ،
بل ولا هو على أصل الحاكم ؛ لأن أبا الأزهر ليس من شيوخ البخاري ، وإن كان
في نفسه صدوقاً دون خلاف معروف .
ومع ذلك فقد رأيت أئمة الحديث متفقين على إنكار هذا الحديث ، إلا أنهم
اختلفوا في تحديد العلة الخفية فيه على رأيين :
الأول : أنه من وهم أبي الأزهر هذا : فروى الحاكم عن أحمد بن يحيى
الحُلْواني قال :
"لما ورد أبو الأزهر من صنعاء ، وذاكر أهل بغداد بهذا الحديث ؛ أنكره يحيى
ابن معين . فلما كان يوم مجلسه ؛ قال في أخر المجلس : أين هَذَا الكَذَّابُ النَّيْسَابُوْرِيُّ
الَّذِي يذكر عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ هَذَا الحديث ؟! فَقَامَ أَبُو الأَزْهَرِ، فَقَالَ : هُوَ ذَا أَنَا " .فضحك
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ من قوله وقيامه في المجلس وأدناه ، ثم قَالَ له :
كيف حدثك عبدالرزاق بهذا ولم يحدث به غيرك ؛ فقال : اعلم يا أبا زكريا
أني قدمت صنعاء وعبدالرزاق غائب في قرية له بعيدة ، فخرجت إليه وأنا عليل ،
فلما وصلت إليه ؛ سألني عن أمر خراسان؟ فحدثته بها ، وكتبت عنه ، وانصرفت
معه إلى صنعاء ، فلما ودعته ؛ قال لي : قد وجب عليَّ حَقُّك ، فأنا أحدثك
بحديث لم يسمعه مني غيرك . فحدثني - والله! - بهذا الحديث لفظاً . فصدقه
يحيى ابن معين ، واعتذر إليه " . ورواه ابن عدي أيضاً والخطيب وزاد :
"وتعجب من سلامته وقال : الذنب لغيرك في هذا الحديث " . وأيد الخطيب
هذا بقوله :

(13/189)


"قلت : وقد رواه محمد بن حَمْدُون النيسابوري عن محمد بن علي بن سفيان
النجار عن عبدالرزاق . فَبَرِئَ أبو الأزهر من عهدته ؛ إذ قد توبع على روايته " .
وأقره المزي في " التهذيب " والذهبي في "الميزان " .
ومال الذهبي في "التلخيص" و "الميزان " إلى تبرئته ؛ فقال عقب تصحيح
الحاكم المتقدم :
(هذا - وإن كان ! رواته ثقاتاً ، فهو - منكر ليس ببعيد من الوضع ، وإلا ؛ لأي
شيء حدثه به عبدالرزاق سراً ، ولم يَجْسُرْ أن يتفوه به لأحمد وابن معين والخلق
الذين رحلوا إليه ؟! وأبو الأزهر ثقة " .
"وفيه إشارة إلى أنه يَحُطُّ فيه على عبدالرزاق نفسه ، وقد أكّد ذلك في ترجمته
من " الميزان " فقال :
"قلت : أوهى ما أتى به حديث أحمد بن الأزهر - وهو ثقة - أن عبدالرزاق
حدثه خلوة من حفظه : أخبرنا معمر ... " فذكر الحديث ، ثم قال :
"قلت : مع كونه ليس بصحيح ؛ فمعناه صحيح سوى آخره ، ففي النفس منها
شيء ، وما اكتفى بها حتى زاد : "وحبيبك حبيب الله ، وبغيضك بغيضة الله ،
والويل لمن أبغضك " .
فالويل لمن أبغضه ، هذا لا ريب فيه ؛ بل الويل لمن بغَّض منه ، أو غض من
رتبته ، ولم يحبه كحب نظرائه أهل الشورى رضي الله عنهم أجمعين" .
وقال في ترجمة أحمد بن الأزهر بعد أن حكى توثيقه عن غير واحد :
" ولم يتكلموا فيه إلا لروايته عن عبدالرزاق عن معمر حديثاً في فضل علي ؛
يشهد القلب أنه باطل " .

(13/190)


هذا هو الرأي الأول : أنه من أبي الأزهر ؛ ولكنه رُدَّ بالمتابعة التي سبق ذكرها .
والرأي الآخر : أنه من ابن أخٍ رافضيًّ لمعمر ؛ فروى الخطيب من طريق ابن
نعيم - يعني : الحاكم صاحب "المستدرك " - قال :
"وَسَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ الحَافِظَ يقول : سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ الشَّرْقِيِّ وَسُئِلَ عَنْ
حَدِيْثِ أَبِي الأَزْهَرِ - يعني : هذا - فَقَالَ أبو حامد ؛
هَذَا حديثٌ بَاطِلٌ ، وَالسَّبَبُ فِيْهِ أَنَّ مَعْمَراً كَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ رَافِضِيٌّ، وَكَانَ مَعْمَرٌ
يُمَكِّنُهُ مِنْ كُتُبِهِ ، فَأَدخَلَ عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيْثَ، وَكَانَ مَعْمَرٌ رجلاً مَهِيْباً ، لاَ يَقْدِرُ عليه
أَحَدٌ في السؤال والمراجعة ؛ فَسَمِعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِ ابْنِ أَخِي مَعْمَرٍ " .
قلت : ولم ينشرح القلب لهذا السبب ؛ لأنه يستلزم الشك في كتب معمر - كما
هو ظاهر - ، ولعله لذلك لم يذكر في ترجمة معمر في "التهذيب" و "الميزان "
وغيرهما ، مع أنهم لما نقلوه عن أبي حامد الشرقي ؛ أقروه ، ومنهم ابن الجوزي ،
فقال عقب الحديث :
"لا يصح ، ومعناه صحيح ؛ فالويل لمن تكلف وضعه ، إذ لا فائدة في ذلك ".
ثم روى عن الخطيب كلمة أبي حامد المذكورة . وأقره السيوطي في "ذيل
اللآلي" (ص 61/384) ، وتبعه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (398/1) ، وأورده
في " الفصل الثالث" منه .

6083 - ( في قوله : {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} قال : صلُّوا
ني نِعالِكم )
منكر .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/142 - 143) ، ومن طريقه ابن
الجوزي في "الموضوعات" (2/95) من طريق عباد بن جويرية عن الأوزاعي عن

(13/191)


قتادة عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن كان قاله - ... فذكره . وقال العقيلي :
"عباد بن جويرية ، لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلا به ، قال أحمد
والبخاري : كذاب " . وكذا قال ابن الجوزي ، وقال :
"لا يصح " .
وتعقبه السيوطي في "اللآلي" (2/18) - وتبعه ابن عراق (2/101) - بما
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (14/287) من طريق يحيى بن عبد الله أبي
عبد الله الدمشقي عن الأوزاعي ... به .
فقد تابعه يحيى هذا ، وسكتا عنه ، وحق لهما ذلك ؛ فإنه ليس له ذكر في
شيء من كتب الرجال - فيما علمت - . نعم ذكره ابن عساكر في "تاريخ دمشق "
(18/150) ولم يذكر فيه شيئاً سوى أن ساق له هذا الحديث من طريق الخطيب
وغيره ؛ فهو مجهول العين .
وروي بلفظ :
"خذوا زينتكم في الصلاة" . قالوا : وما زينة الصلاة ؟ قال : "البسوا نعالكم
فصلوا فيها" .
أخرجه ابن عدي (5/1829) من طريق بقية عن علي القرشي عن محمد
ابن عجلان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة ... مرفوعاً .
ذكره في ترجمة علي بن أبي علي القرشي ، وقال :
"مجهول ، منكر الحديث " .
وعلقه ابن أبي حاتم في "العلل " (1/155) من طريق بقية ، وقال :
"قال أبي : هذا حديث منكر ، وعلي القرشي مجهول " .

(13/192)


وذكره في مكان آخر (1/149) من طريق محمد بن المصفى عن بقية ... به .
وقال :
"قال أبي : هذا حديث منكر" .
قلت : ولم يذكر العلة ؛ فالظاهر أنها جهالة علي القرشي - كما في قوله السابق - ،
وأن بقية كان يدلسه أحياناً .
وله طريق أخرى عن أبي هريرة :
أخرجه ابن عدي أيضاً (6/ 2171) ، وعنه السهمي في "تاريخ جرجان " (356
- 357) ، وابن الجوزي من طريق عيسى بن موسى الغُنجار عن محمد بن الفضل
عن كُرز بن وَبْرة عن عطاء عنه .
ثم أخرجه ابن عدي - وعنه السهمي - من طريق أبي عبد الرحمن القبابي
- شيخ بخارى - عن محمد بن الفضل عن كرز عن عطاء عن جابر ... به . وأعله
ابن الجوزي بقوله :
" قال أحمد بن حنبل : محمد بن الفضل : ليس بشيء ؛ حديثه حديث أهل
الكذب " .
قلت : وعيسى بن موسى الغنجار : قال الحافظ في "التقريب " :
"صدوق ربما أخطأ ، وربما دلس ، مكثر من التحديث عن المتروكين " .
وأبو عبدالرحمن القبابي : لم أعرفه .
ثم إن السيوطي ذكر لحديث أبي هريرة طريقاً أخرى من رواية أبي الشيخ في
"التفسير" بسنده عن عبدالواحد بن زياد عن رباح عن عطاء ... به .

(13/193)


وسكت عنه السيوطي! ولا أجد في إسناده ما يمكن أن يعل يه سوى رباح
هذا - وهو : ابن أبي معروف المكي - ، وهو مختلف فيه . فروى ابن أبي حاتم
(1/2/489) عن عمرو بن علي الفلاس قال :
"كان يحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن مهدي لا يحدثان عنه بشيء ، وكان
عبدالرحمن حدث عنه ثم تركه " . ثم روى عن ابن معين أنه قال :
"ضعيف " . وعن أبيه وأبي زرعة أنهما قالا :
"صالح " . وقال الحافظ :
"صدوق له أوهام " . ورمز له بأنه من رجال مسلم . والله أعلم .
وحديث أنس ذكره الديلمي في "الفردوس " (2/165/2830) بلفظ :
" {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} : النعل والخاتم " .
ولم أره في النسخة المصورة من "الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس " . والله
أعلم .

6084 - ( من تَمامِ الصلاةِ : الصلاةُ في النَّعلين ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/ 11/1/ 148) : حدثنا
أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان الرقي ؛ قال : ثنا موسى بن أبي سهل المصري ،
قال : ثنا علي بن عاصم عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عبدالله بن مسعود
مرفوعاً . وقال :
"لم يروه عن مغيرة إلا علي بن عاصم ، تفرد به موسى بن أبي سهل " .
قلت : ولم أعرفه ، ووقع في "مجمع البحرين" : "ابن سهل " . وأخشى أن
يكون الصواب : "موسى بن سلمة" ، وحينئذٍٍ فيحتمل أن يكون "موسى بن سلمة

(13/194)


ابن أبي مريم المصري ، يروي عن عبدالجليل بن حميد بن يونس الأيلي وسفيان
الثوري وأهل الحجاز ، وعنه سعيد بن الحكم " ؛ هكذا ترجمه ابن حبان في "ثقاته "
(9/160) .
ويحتمل أن يكون : "موسى بن سهل بن كثير ... الوشاء البغدادي " . وهو
مترجم في "تاريخ بغداد" (3/48) و"الميزان " و"التهذيب " ؛ ضعفه الدارقطني وكذا
البرقاني ، وزاد : " جداً " .
ولكل من الاحتمالين ما يرجحه ، أما الأول ؛ ذلكونه مصرياً .
وأما الآخر ؛ فلأنهم ذكروا في شيوخه علي بن عاصم . فالله أعلم .
وأعله الهيثمي بهذا الشيخ ، فقال في "المجمع " (2/54) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " ، وفيه علي بن عاصم ، وتكلم الناس فيه كما
ذكره المزي عن الخطيب " .
قلت : وله ترجمة واسعة في " الميزان " وغيره ، وقال الذهبي :
"أنكر عليه كثرة الغلط والخطأ ، مع تماديه على ذلك " .
ولذلك قال في "الكاشف " :
"ضعفوه " . وقال الحافظ في " التقريب " :
"صدوق يخطئ ويصر ، ورمي بالتشيع " .
والمغيرة - وهو : ابن مِقسم الكوفي - ثقة متقن ؛ إلا أنه كان يدلس ، ولا سيما
عن إبراهيم .
قلت : وهو : ابن يزيد النخعي .

(13/195)


6085 - ( يَخْرُجُ الدَّجَّالُ ومعه سبعونَ ألفَ حائكٍ ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (1/298) ، وعنه ابن الجوزي (1/226)
من طريق محمد بن تميم الفريابي : حدثنا عبدالرحيم بن حبيب : ثنا إسماعيل
ابن يحيى بن عبيدالله قال : حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن
عبدالله ... مرفوعاً . وقال ابن عدي :
"حديث باطل بهذا الإسناد ؛ وبغير هذا الإسناد" .
أورده في ترجمة إسماعيل هذا - وهو : التيمي المدني - وقال فيه :
"يحدث عن الثقات بالبواطيل " .
قلت : وتقدمت له عدة أحاديث موضوعة . وقال ابن الجوزي :
"حديث موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وفيه آفات ... " . ثم ذكر قول ابن
عدي هذا في إسماعيل ، ثم قال :
"وعبدالرحيم بن حبيب يضع الحديث على الثقات ، ولعله وضع أكثر من
خمسمائة حديث على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ومحمد بن تميم كان يضع الحديث أيضاً" .
ووافقه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/255) .
وأما السيوطي في "اللآلي " (1/ 201 - 202) فتعقبه بما أخرجه الديلمي في
"مسند الفردوس " (3/322) من طريق محمد بن غالب : حدثنا محمد بن
الحسن : حدثنا سعيد بن علي : حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن
علي بن أبي طالب ... رفعه ؛ به ، وزاد :
"على مقدمته ، أشعر من فيهم يقول : بدر بدر" .

(13/196)


وسكت عنه السيوطي! وقال ابن عراق :
"قلت : في سنده من لم أعرفهم " .
وأقول : كأنه يشير إلى سعيد بن علي وغيره . لكني أظن ظناً راجحاً أن
محمد بن الحسن هو : ابن زَبَالة أبو الحسن المدني ؛ فإنه من هذه الطبقة ، وقد
كذبوه - كما في "التقريب " - ، ومثل هذا الحديث لا يصدر إلا من مثله ، ولعل ابن
عدي قد أشار إلى هذا الإسناد بقوله المتقدم :
" ... وبغير هذا الإسناد" . والله أعلم .
(تنبيه) : قوله : "بدر بدر" كذا وقع في الأصل! ولم أفهمه ، وكذلك وقع في
" الفردوس " (8927) . ووقع في "الجامع الكبير" : "بدو بدو"! وكذا وقع في "كنز
العمال " (38821)! ولم أعرفه أيضاً . وذكره مؤلف "المسيح الدجال " (ص 254)
بلفظ :
"برو ، برو"!
وفسره بقوله : "يعني : اسع اسع " . ولا أدري من أين جاء بهذا التفسير وبهذه
الرواية ، وبخاصة أنه عزاها للديلمي في "الكنز" بالرقم الذي ذكرته آنفاً ، وعقب
عليه بقوله :
"وفي رواية : بدو بدو" .
وليس في "الكنز" غيرها!

6086 - ( العَجْوَةُ من فاكِهةِ الجنة ) .
ضعيف .
أخرجه أبو نعيم في "الطب " (ق 141/1) ، وابن عدي في "الكامل "

(13/197)


(4/1371) عن صالح بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه ... مرفوعاً .
أورده ابن عدي في ترجمة صالح هذا ، وروى تضعيفه عن جمع ، وعن
البخاري أنه قال :
"فيه نظر" . وقال في آخرها :
"وعامة ما يرويه غير محفوظ " .

6087 - ( ألا إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلا حَذَّرَ الدَّجَّالَ أُمَّتَهُ ...
يَخْرُجُ مَعَهُ وَادِيَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : جَنَّةٌ ، وَالآخَرُ : نَارٌ ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ ، وَجَنَّتُهُ
نَارٌ ، مَعَهُ مَلَكَانِ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُشْبِهَانِ نَبِيَّيْنِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ لو شئت ؛
سَمَّيْتُهما بأسمائِهما وأسماءِ آبائِهما ، واحدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ
شِمَالِهِ ، وَذَلِكَ فِتْنَةٌ ؛ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ أَلَسْتُ أُحْيِي
وَأُمِيتُ؟ فَيَقُولُ أَحَدُ الْمَلَكَيْنِ: كَذَبْتَ ، فَمَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلا
صَاحَبَهُ فَيَقُولُ لَهُ : صَدَقْتَ ، فَيَسْمَعُهُ النَّاسُ، فَيَظنونَ أَنَّما يُصَدِّقُ
الدَّجَّالُ ، وَذَلِكَ فِتْنَةُ ... " الحديث .
منكر بذكر الملكين .
أخرجه الطيالسي في "مسنده " (1106) ، وابن أبي
شيبة في "مصنفه " (15/137 - 138) ، والطبراني في "المعجم الكبير"
(7/98/6445) ، من طرق عن حشرج بن نُباتة : ثنا سعيد بن جُمهان عن سفينة
مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد قابل للتحسين ؛ فإن سعيداً وحشرجاً فيهما كلام من قبل
حفظهما ، قال الحافظ في الأول منهما :

(13/198)


"صدوق ؛ له أفراد" . وقال في الآخر :
" صدوق ؛ يهم " .
ولذلك قال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (1/124 - الرياض) : بعدما عزاه
لأ حمد وحده :
"وإسناده لا بأس به " .
وقال الهيثمي في "المجمع " (7/ 340) :
"رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات ، وفي بعضهم كلام لا يضر" .
إلا أن الحافظ ابن كثير استدرك على كلامه المتقدم فقال :
"ولكن في متنه غرابة ونكارة . والله أعلم " .
قلت : يشير إلى قصة الملكين وتمثلهما بصورة النبيَّيْن ؛ فإنها منكرة جداً في
نقدي سنداً ومتناً .
أما السند ؛ فلتفرد مَنْ فيه سوء حفظ دون كل الرواة الثقات الحفاظ الذين
رووا حديث الدجال بالفاظ مختلفة ، وسياقات متعددة عن جمع من الصحابة ،
ساق ابن كثير أحاديث نحو ثلاثين منهم ، وقد بلغوا عدد التواتر عند أهل العلم ،
لم يذكر أحد منهم هذه القصة ؛ فدل ذلك على نكارتها (*) .
وأما المتن ؛ فلأنه لا يظهر معنى الافتتان بالملكين ، ما دام أنهما لا يعرفان ؛
لأنهما بصورة نبيين ، وهذان لا يعرفان أيضاً ؛ كما هو ظاهر ، فلا امتحان في قول
أحدهما سراً للدجال : "كذبت " ، وفي قول الآخر له : "صدقت " . بل الفتنة
__________
(!) انظر "قصة المسيح الدجال ..." للشيخ - رحمه الله -. وقد طبع بعد وفاته . (الناشر) .

(13/199)


تتجلى بأنهما فيما لو كانا معروفين من بين الناس أنهم من أهل العلم الذين
يشايعون الحكام وينافقون لهم ، فإن الفتنة بهم أكبر ؛ كما هو مشاهد في هذا
الزمان ، والله المستعان .
(تنبيه) : سقط ذكر الملكين من "مسند الطيالسي " ، وكذا من "ترتيبه " (2/217)
للبنا الساعاتي!

6088 - (يتبعُ الدَّجَّالَ من أُمتي سبعونَ ألفاً عليهم السِّيجانُ ) .
ضعيف جداً بلفظ : أمتي .
أخرجه عبدالرزاق في "المصنف " (11/393/
20825) ، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (15/62/4265) ، عن معمر عن
أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ أبو هارون اسمه : عمارة بن جُوَين ، قال
الحافظ في "التقريب " :
"متروك ، ومنهم من كذبه " .
وإن مما يؤكد ضعفه أن الحديث صح بلفظ : "من يهود أصبهان " ... مكان :
"من أمتي " ، انظر الحديث (3080 و 3081) من "الصحيحة" .
وقد يقول قائل : يمكن أن يكون المقصود "من أمتي" : أمة الدعوة ؛ وحينئذٍ فلا
تعارض .
فأقول : نعم ؛ هذا ممكن ، ولكنه تأويل ؛ والتأويل فرع التصحيح ، وما دام أنه
لم يصح ؛ فلا داعي إليه .
(السِّيْجان) : قال البغوي : جمع (السَّاج) وهو : طَيْلَسَانٌ أخضر . وقال الأزهري :
هو الطيلسان المقور ، ينسج كذلك .

(13/200)


6089 - ( الدَّجَّالُ يخوضُ البحارَ إلى ركبتيه ، ويتناول السحاب ،
ويسبق الشمس إلى مغربها ، وفي جبهته قرن يخرص منه الحيات ، وقد
صور في جسده السلاح كله ... حتى ذكر السيف والرمح والدرق .
قال : قلت : وما الدرق ؟ قال : الترس ) .
ضعيف .
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (15/152-153) ، وأبو بكر
ابن سلمان الفقيه في "مجلس من الأمالي " (ق 184/1) من طريق علي بن زيد
عن الحسن قال : قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، فإنه مع إرساله من الحسن - وهو : البصري -
ومراسيله كالريح - ؛ فالراوي عنه - علي بن زيد ، وهو : ابن جدعان - ضعيف .
والحديث لم يذكره السيوطي في "جامعيه "! ولا المناوي في "الجامع الأزهر"!
مع أن السيوطي أورده في "الدر المنثور" (5/355) برواية ابن أبي شيبة فقط!
ولعل هذا الحديث أصله من الإسرائيليات ، وَهِمَ ابن جدعان فرفعه ؛ فقد
ذكر السيوطي (5/353) من رواية ابن المنذر عن ابن جريج رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في
قوله :{لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} ؛ قال :
زعموا أن اليهود قالوا : يكون منا ملك في آخر الزمان ؛ البحر إلى ركبتيه ،
والسحاب دون رأسه ، يأخذ الطير بين السماء والأرض ... فنزلت ؛ {لخلق
السماوات والأ رض ... } الآية .
وذكر الحافظ في "الفتح " (13/92) من رواية نعيم بن حماد - وهو ضعيف -
في "كتاب الفتن ، من طريق كعب الأحبار قال : ... فذكر الحديث مطولاً ، وفيه
قضية الخوض باختصار .

(13/201)


6090 - (بُعِثْتُ على أَثَرِ ثمانيةِ آلافٍ من الأنبياءِ ؛ منهم أربعةُ
آلافِ نبيٍّ من بني إسرائيلَ ) .
ضعيف .
أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (1/192) : أخبرنا أحمد بن محمد
ابن الوليد المكي : أخبرنا مسلم بن خالد الزَّنْجي قال : حدثني زياد بن سعد عن
محمد بن المنكدر وعن صفوان بن سُليم عن أنس بن مالك ... مرفوعاً .
وتابعه زكريا بن عدي عن مسلم بن خالد الزنجي ... به ؛ إلا أنه قال : "عن
محمد بن المنكدر عن صفوان ... " ... فلم يقل : "وعن صفوان " .
أخرجه محمد بن شاذان الجوهري في الجزء الثاني من "أجزائه " (ق 7/ 1) ، وعنه
أبو نعيم في "الحلية " (3/162) ، والدينوري في "المنتقى من المجالسة " (ق 171/ 1) .
وتابعه أحمد بن طارق : ثنا مسلم بن خالد ... به ؛ مثل رواية زكريا .
أخرجه الضياء في "المنتقى من مسموعاته بمرو" (ق 47/1) ، وابن كثير في
" تفسيره " (1/ 586) ، وقال :
"غريب من هذا الوجه ، وإسناده لا بأس به ، رجاله كلهم معروفون إلا أحمد
اين طارق هذا ؛ فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح . والله أعلم " .
قلت : وفاتته متابعة زكريا بن عدي - وهو ثقة - وغيره - كما تقدم ، ويأتي - ؛
فقد قال أبو نعيم عقبها :
" غريب من حديث زياد ، تفرد به زكريا"! كذا قال! ثم قال :
"ورواه أحمد بن خازم عن صفوان ومحمد عن أنس مقروناً" .
قلت : وصله ابن عدي في "الكامل " (1/172 - بيروت) من طريق ابن لهيعة

(13/202)


عن أحمد بن خازم عن محمد بن المنكدر ... أنس بن مالك قال : قال رسول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
لكن وقع في متنه سقط وتحريف - تبعاً للمصورة - ؛ فليصحح من هنا ، والظاهر
أن الساقط مكان النقط هو : (ومحمد بن المنكدر) ، كما يستفاد من قول أبي نعيم
المذكور . وقال ابن عدي عقبه :
"رواه علي بن هارون الزَّينبي عن مسلم بن خالد عن زياد بن سعد عن ابن
المنكدر وصفوان ... نحوه . وقال زكريا بن عدي : عن مسلم عن زياد عن ابن
المنكدر عن صفوان ... نحوه " .
قلت : والزينبي هذا : لم أعرفه .
وجملة القول : أن مدار الحديث على مسلم بن خالد الزنجي ، وأن الرواة
اختلفوا عليه في إسناده ، والظاهر أن هذا الاضطراب منه ؛ لأنه كان كثير الأوهام
- كما في "التقريب " - ، ورواية زكريا عنه أقواها ؛ فالعلة من مسلم بن خالد .
وقد توبع وخولف : فقال إبراهيم بن المنذر الحزامي : ثنا إبراهيم ين المهاجر
ابن مِسْمار عن محمد بن المنكدر وصفوان بن سليم عن يزيد الرَّقَاشي عن أنس
ابن مالك ... به ؛ نحوه .
أخرجه الحاكم (2/597) - وسكت عنه! - . والطبراني في "الأوسط" (1/
44/2) ، وقال الذهبي :
" قلت : إبراهيم ويزيد واهيان " .
يعني : إبراهيم بن المهاجر ، وبه أعله الهيثمي ؛ فقال في "المجمع " (8/ 210) :
"وهو ضعيف ، ووثقه ابن معين ، ويزيد الرقاشي وُثِّقَ على ضعفه " .

(13/203)


قلت : وقد رواه عنه أحد الضعفاء : فقال مكي بن إبراهيم : حدثنا موسى بن
عُبيدة الرَّبَذي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك ... به ؛ نحوه .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (7/160/1377) ، وأبو نعيم في "الحلية"
(3/53) .
قلت : والرَّبَذي ضعيف أيضاً .
وقد خولف في متنه : فقال أبو يعلى (7/131/1337) : حدثنا أبو الربيع
الزهراني : حدثنا محمد بن ثابت العبدي : حدثنا مَعْبَدُ بن خالد الأنصاري عن
يزيد الرقاشي ... به ؛ مرفوعاً بلفظ :
"كان فيمن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبي ، ثم كان عيسى
ابن مريم ، ثم كنت أنا" .
قلت : وهذا إسناد واهٍ ؛ من فوق الزهراني ثلاثتهم لا يحتج بهم ، والأ نصاري
مجهول . واقتصر الهيثمي على إعلاله بضعف العبدي!
والخلاصة : أن الحديث ضعيف مضطرب الإسناد والمتن ؛ فلا وجه لقول ابن
كثير : "وإسناده لا بأس به "! والله أعلم .
(تنبيه) : (خازم) - والد أحمد - بالخاء المعجمة ؛ كما في "الإكمال " وغيره ،
ووقع في "الكامل " وغيره مما تقدم بالحاء المهملة ، وهو تصحيف ؛ فاقتضى التنبيه!
ثم هو لا يعرف - كما قال الذهبي ؛ تبعاً لابن عدي - "
ثم رأيت في "معجم الحديث " - الذي كنت جمعته من مخطوطات الظاهرية
بخطي - أن أبا بكر الشافعي أخرجه في "الفوائد" (ق 79/2) من طريق عبدالله بن
رجاء : نا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام : نا محمد بن المنكدر عن يزيد بن أبان
عن أنس ... به ؛ نحو حديث ابن مسمار .

(13/204)


ورجاله ثقات رجال "الصحيح " ، على ضعف يسير فيمن دون ابن المنكدر ؛
فالآفة من يزيد .
وقد روي فِي حَدِيثِ أبي ذر الطويل : أن عدد الأنبياء ماثة ألف وعشرون
ألفاً!
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " بطوله (رقم 94) ، وفيه إبراهيم بن هشام
الغَسَّاني وهو متروك ؛ متهم بالكذب ، وعزاه الحافظ (6/361) لـ "صحيحه "
وسكت!
وروي بإسناد آخر ضعيف من حديث أبي أمامة مرفوعاً بلفظ :
" وأربعة وعشرون ألفاً ، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر ؛ جماً غفيراً" .
أخرجه أحمد (5/265 - 266) ، والطبراني في "الكبير" (8/258/7871) ،
وفيه علي بن يزيد الألهاني ؛ ضعيف .
لكن عدد الرسل صحيح ؛ جاء من طريق أخرى عن أبي أمامة بسند صحيح ،
وعدد الأنبياء صحيح لغيره ، وقد حققت ذلك كله في "الصحيحة" (2668) .
وأما حديث : " إني خاتم ألف نبي أو أكثر" ؛ فهو ضعيف أيضاً .
أخرجه الحاكم (2/597) ، وأحمد (3/79) ، والبزار (4/135/3380) من طريق
مُجالد عن أبي الوَدَّاك (وقال البزار : عن الشعبي) عن أبي سعيد ... مرفوعاً .
بيَّض له الحاكم ، وقال الذهبي :
"قلت : مجالد ضعيف " . وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/347) :
"رواه البزار ، وفيه مجالد بن سعيد ، وقد ضعفه الجمهور ، وفيه توثيق " .
قلت : وقد فاته عزوه لأحمد .

(13/205)


6091 - ( كان يغزو باليهود فَيُسهِمُ لهم كَسِهامِ المسلمينَ ) .
ضعيف .
أخرجه عبدالرزاق في "المصنف " (5/188/9328 و9329) ، وكذا
ابن أبي شيبة (12/395/15010- 15012) ، وأبو داود في "المراسيل " (224/ 281
و 282) ، والترمذي (5/ 281) ، والبيهقي (9/53) من طرق عن الزهري : أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كان ...
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ لإرسال الزهري إياه أو إعضاله ، فإنه تابعي
صغير ، أكثر رواياته عن الصحابة بالواسطة ؛ ولهذا قال البيهقي عقبه :
"فهذا منقطع ... قال الشافعي : والحديث المنقطع عندنا لا يكون حجة" . وقال
الحافظ في "التلخيص " (2/100) :
"والزهري مراسيله ضعيفة " .
وأشد ضعفاً منه ما أخرجه البيهقي أيضاً من طريق الحسن بن عمارة عن
الحكم عن مِقْسَم عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : أنه قال :
استعان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيهود بني قينقاع فَرَضَخَ لهم ، ولم يُسْهِمْ لهم ، وقال
البيهقي :
"تفرد بهذا الحسن بن عمارة ، وهو متروك ، ولم يبلغنا في هذا حديث
صحيح ، وقد روينا قبل هذا في كراهية الاستعانة بالمشركين " .
قلت : يشير إلى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إنا لا نستعين بمشرك " . رواه مسلم وغيره من
حديث عائشة ، وهو مخرج في "الصحيحة" (1101) تحت حديث أبي حميد
بنحوه ، وقد عارض البيهقي (9/37) به حديث ابن عمارة هذا ؛ فإن فيه أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أبى أن يستعين ببني قينقاع ، وقال : "لا نستعين بالمشركين " . وقال البيهقي :

(13/206)


"وهذا الإسناد أصح " .
قلت : فإذا عرف ضعف حديث الترجمة ؛ فلا يجوز الاستدلال به على جواز
الاستعانة بالكفار في قتال المشركين ، ولا سيما وهو مخالف لعموم حديث عائشة
وما في معناه ، وقد اختلف العلماء في ذلك كما في "نيل الأوطار" (7/187)
للشوكاني ، واختار هو المنع مطلقاً ، وأجاب عن أدلة من خالف بأنها لا تصح رواية
كحديث الترجمة ، أو دراية كغيره ، فليراجعه من شاء ، وأيد المنع بقوله تعالى :
(ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً " .
ومما يجب التنبيه عليه هنا أمران :
الأول : أن ما حكاه الشوكاني عن أبي حنيفة والشافعي من الجواز ليس على
إطلاقه ، أما بالنسبة لأبي حنيفة رحمه الله ؛ فقد قال أبو جعفر الطحاوي في
"مختصره " (ص 167) :
"ولا ينبغي للإمام أن يستعين بأهل الذمة في قتال العدو ؛ إلا أن يكون
الإسلام هو الغالب" .
وأما بالنسبة للشافعي رحمه الله ؛ فقال النووي في "شرح مسلم " تحت حديث
عائشة المتقدم :
"فأخذ طاثفة من العلماء به على إطلاقه . وقال الشافعي وآخرون : إن كان
الكافر حسن الرأي في المسلمين ، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به استعين به ؛
وإلا فيكره ، وحمل الحديثين على هذين الحالين " .
قلت : يشير بهما إلى حديث عائشة ، إلى حديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعان
بصفوان بن أمية قبل إسلامه .

(13/207)


فأقول : حديث الاستعانة بصفوان ليس معارضاً لحديث عائشة ؛ لأنه استعانة
بسلاحه وليس بشخصه ، فهو كاستئجاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك المشرك الدِّيلي عند هجرته
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة مع أبي بكر ؛ ليدلهما على الطريق - كما جاء في
"صحيح البخاري " في "كتاب الإجارة " - ، وحديث صفوان مخرج في "الإرواء "
(1513) ؛ وحينئذٍ فلا حاجة للتوفيق بين الحديثين ، فإن صح حديث صريح في
الاستعانة بالمشرك في القتال ؛ فالحمل المذكور لا بد منه . ونحوه ما ذكره
الشوكاني فقال :
"وشرط بعض أهل العلم - ومنهم الهادوية - أنها لا تجوز الاستعانة بالكفار
والفساق إلا حيث مع الإمام جماعة من المسلمين يستقلُّ بهم في إمضاء الأحكام
الشرعية على الذين استعان بهم ؛ ليكونوا مغلوبين لا غالبين ؛ كما كان عبدالله بن
أُبي ومن معه من المنافقين يخرجون مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقتال وهم كذلك " .
ثم رأيت في "المغني" لابن قدامة (10/457) أن ابن المنذر والّجوزجاني
من العلماء الذين قالوا بأنه لا يستعان بمشرك مطلقاً . وقال ابن المنذر :
"والذي ذُكر أنه استعان بهم غير ثابت " .
وأن مذهب أحمد جواز الاستعانة عند الحاجة - بالشرط الذي ذكره النووي
عن الشافعي - ، ولفظ ابن قدامة :
"ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين ، فإن كان غير
مأمون عليهم ، لم تجز الاستعانة به ؛ لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من
المسلمين - مثل المُخْذِلِ والمُرْجِفِ - ؛ فالكافر أولى" .
وكذا في "الشرح الكبير" للشمس ابن قدامة (10/427) .

(13/208)


ويتلخص مما سلف أن الحديث ضعيف ، وأنه لا يثبت في الباب شيء ، مع
معارضته لحديث عائشة الصحيح ، وأن الصواب من تلك الأقوال التي قيلت حوله
قول ابن المنذر ومن وافقه : أنه لا يجوز الاستعانة مطلقاً ، وأن الذين قالوا بالجواز
عند الحاجة قيدوه بشرطين :
أحدهما : أن يكون المستعان به من الكفار حسن الرأي في المسلمين .
والآخر : أن يكون المستعين بهم معه جماعة من المسلمين يستقل بهم في
تطبيق الأحكام الشرعية على الذين استعان بهم ليكونوا مغلوبين لا غالبين .

6092 - ( إنَّا جِئْنَاكُمْ لِخَيْرٍ ، (يعني : اليهودَ) إنَّا أَهْلُ الْكِتَابِ ، وَأَنْتُمْ
أَهْلُ الْكِتَابِ ، وَإِنَّ لِأَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ النَّصْرَ ، وَإِنَّهُ بَلَغَنَا
أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَقْبَلَ إلَيْنَا بِجَمْعٍ مِنْ النَّاسِ ، فَإِمَّا قَاتَلْتُمْ مَعَنَا ، وَإِمَّا
أَعَرْتُمُونَا سِلَاحاً ) .
منكر .
أخرجه أبو جعفر الطحاوي في "مشكل الآثار" (3/239 - 240) عن
عبدالرحمن بن شريح : أنه سمع الحارث بن يزيد الحضرمي يحدث عن ثابت بن
الحارث الأنصاري عن بعض من كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمْعُ أَبِي سُفْيَانَ لِيَخْرُجَ إلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ ؛ فَانْطَلَقَ إلَى الْيَهُودِ
الَّذِينَ كَانُوا بالنَّضِيرِ ، فَوَجَدَ مِنْهُمْ نَفَراً عِنْدَ مَنْزِلِهِمْ فَرَحَّبُوا ، فَقَالَ لهم : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله كلهم ثقات غير ثابت بن الحارث
الأنصاري ؛ فإنه غير معروف بعدالة أو جرح ، ولم يورده أحد من أئمة الجرح
والتعديل غير ابن أبي حاتم برواية الحارث بن يزيد هذا فقط عنه ، وبيَّض له . وقد
ذكر ابن هشام في "السيرة" (3/8) عن محمد بن إسحاق عن الزهري :

(13/209)


أن الأنصار يوم أحد قالوا لرسول الله قيم : يا رسول الله! ألا نستعين بحلفائنا
من يهود ؟ فقال :
"لا حاجة لنا فيهم " .
وذكر نحوه ابن كثير في "البداية" (4/14) ، ومن قبله ابن القيم في "زاد
المعاد" ، وهو الموافق لحديث عائشة الصحيح : " إنا لا نستعين بمشرك أو بالمشركين " .
وهو مخرج في "الصحيحة " (1101) كما تقدم قريباً . وعليه فإني أقول :
إذا تبين لك ضعف حديث الترجمة ، وما فيه من عرضه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على اليهود أن
يقاتلوا معه ؛ فلا حاجة حينئذٍ إلى التوفيق بينه وبين حديث عائشة الصحيح كما
فعل الطحاوي حين قال :
"لأن اليهود الذين دعاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قتال أبي سفيان معه ؛ ليسوا من
المشركين الذين قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الآثار الأُوَل : فإنه لا يستعين بهم ؛ أولئك
عبدة الأوثان ، وهؤلاء أهل الكتاب الذين قد ذكرنا مباينة ما هم عليه مما عبدة
الأوثان عليه في الباب الذي تقدم قبل هذا ... " .
قلت : يشير إلى بعض الأحكام التي خص بها أهل الكتاب دون المشركين
كحل ذبائحهم ، ونكاح نسائهم ، وغيرها مما بعضه موضع نظر ، وبنى على ذلك
قوله (ص 234) :
"فكان كل شرك بالله كفراً ، وليس كل كفر بالله شركاً"!
فأقول : لو سلمنا جدلاً بقوله هذا ؛ فلا حاجة للتأويل المذكور لأمرين اثنين :
الأول : أن التأويل فرع التصحيح كما هو معلوم ، وما دام أن الحديث غير
صحيح كما بينا ؛ فلا مسوغ لتأويل الحديث الصحيح من أجله كما هو ظاهر لا

(13/210)


يخفى على أحد إن شاء الله تعالى .
والآخر : كيف يصح أن يقال في اليهود والنصارى : إنهم ليسوا من المشركين ،
والله عَزَّ وَجَلَّ قال في سورة {التوبة} بعد آية : {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ...} : {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ
وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى
الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ
أَنَّى يُؤْفَكُونَ} . فمن جعل لله ابناً ؛ كيف لا يكون من المشركين ؟! هذه زَلَّة عجيبة
من مثل هذا الإمام الطحاوي . ولا ينافي ذلك أن لهم تلك الأحكام التي لا يشاركهم
فيها غير أهل الكتاب من المشركين ؛ فإنهم يشتركون جميعاً في أحكام أخرى - كما
لا يخفى على أولي النُّهى - .
وقد لا يعدم الباحث الفقيه - الذي نجَّاه الله من التقليد - في الكتاب والسنة
ما يؤكد ما تقدم ، ويبطل قول الطحاوي السابق : " ... وليس كل كفر بالله شركاً"
من ذلك تلك المحاورة بين المؤمن والكافر الذي افتخر بماله وجنَّتيه ؛ كما قال عز
وجل في سورة الكهف ؛ {... وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ
هَذِهِ أَبَداً . وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} ؛
فهذا كفر ولم يشرك في رأي الطحاوي! ولكن السِّياق يردّه ؛ فتابع معي قوله
تعالى : {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ
ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً . لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} ؛ فتأمل كيف وصف
صاحبَه الكافر بالكفر ، ثم نره نفسه منه معبِّراً عنه بمرادِفِه وهو الشرك ؛ فقال . { وَلَا
أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} . وهذا الشرك مما وصَف به الكافرُ نفسَه فيما يأتي ؛ فتابع قوله
تعالى - بعد أن ذكر ما وعظه به صاحبه المؤمن - : {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ

(13/211)


عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} .
قلت : فهذا القول منه - مع سباق القصة - صريح جداً في أن شركه إنما هو
شَكُّه في الآخرة ، وهذا كفر وليس بشرك في رأي الطحاوي! فهو باطل ظاهر
البطلان .
وإن مما يؤكد ذلك من السنة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" .
رواه الشيخان وغيرهما عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ، وهو مخرج في "الصحيحة" برقم
(1133) ، فإن المراد بهم اليهود والنصارى ؛ كما دلت على ذلك أحاديث أخر ،
منها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"ليّن عشت ؛ لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب ، حتى لا أترك
فيها إلا مسلماً" . رواه مسلم وغيره وهو مخرج هناك (1134) .
ولما كان حديث ابن عباس حجة قاطعة في الموضوع ؛ غمز من صحته الطحاوي
عصباً لمذهبه - مع الأسف -! وزعم أنه وهم من ابن عيينة قال (4/16) :
"لأنه كان يحدث من حفظه ؛ فيحتمل أن يكون جعل مكان (اليهود والنصارى) :
(المشركين) (!) ولم يكن معه من الفقه ما يميزبه بين ذلك "!
كذا قال سامحه الله! فإنه يعلم أن تحديث الحافظ الثقة - كابن عيينة - من
حفظه ليس بعلة ؛ بل هو فخر له ، وأن تخطئة الثقة بمجرد الاحتمال ليس من شأن
العلماء المنصفين ، ولكنها العصبية المذهبية ؛ نسأل الله السلامة!
وعلى مذهب الطحاوي هذا يمكن أن يغفر الله الكفر لقوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}!!

(13/212)


وبهذه الآية احتج ابن حزم رحمه الله على أبي حنيفة الذي هو مَتبوعُ الطحاويُ
في التفريق المزعوم ؛ فقال عقبها (4/244) :
"فلو كان ههنا كفر ليس شركاً ؛ لكان مغفوراً لمن شاء الله تعالى بخلاف
الشرك ، وهذا لا يقوله مسلم " .
ثم أتبع ذلك بأدلة أخرى قوية جداً ، ثم قال :
"فصح أن كل كفر شرك ، وكل شرك كفر ، وأنهما اسمان شرعيان ، أوقعهما
الله تعالى على معنى واحد" .
ولولا خشية الإطالة ؛ لنقلت كلامه كله لنفاسته وعزته ، فليراجعه من شاء
المزيد من العلم والفقه .
والخلاصة أن الحديث ضعيف الإسناد ، منكر المتن ، وأن الاستعانة بأهل
الكتاب في جهاد الكفار يشملها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إنا لا نستعين بمشرك " .
ولفظ مسلم (5/201) : "فارجع فلن أستعين بمشرك " .
(تنبيه) : كان قد جرى بيني وبين بعض الإخوة كلام حول هذا الحديث ،
وأنه ضعيف الإسناد ، فسأل عن العلة ، فذكرت له الجهالة . وبعد أيام اتصل بي
هاتفياً ، وقرأ عليَّ كلام الحافظ في "الإصابة" في ترجمة ثابت بن الحارث
الأنصاري ، وأنه صحابي ، ورجا النظر فيه ، فرأيته قد أورده في القسم الأول منه ،
وساق له حديثين رواهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس فيهما ما يدل على صحبته ، وأشار
إلى هذا الحديث أيضاً ، وهو كما ترى يرويه عن بعض الصحابة الذين شهدوا وقعة
أحد ، ووقعت له على حديث آخر يرويه بواسطة أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فترجح
عندي عدم صحبته ، وأنه تابعي مجهول كما ذكرت في مطلع هذا الكلام ، ولذلك

(13/213)


فإني رأيت أن أسجل تفصيل ما أجملت هنا تحت أحد الحديثين المشار إليهما ،
وسيأتيان إن شاء الله تعالى برقمي (6116 و 6117) . والله ولي التوفيق .

6093 - ( مَنْ حَبَسَ العِنَبَ زمنَ القَطافِ حتى يَبيعَه من يهوديٍّ أو
نصرانيٍّ [أو مجوسيٍّ] ، أو ممن يعلمُ أنه يتخِذُه خمراً ، فقد تَقَحَّم على
النارِ على بصيرةٍ ) .
منكر .
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/236) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في " العلل " (2/188) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (2/27/ 5488) ، والسَّهمي
في "تاريخ جرجان " (ص 241/390) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (5/17/5618)
من طرق عن عبدالكريم بن عبدالكريم عن الحسن بن مسلم عن الحسين بن واقد
عن عبدالله بن بريدة عن أبيه ... مرفوعاً . وقال الطبراني :
"لم يرو عن بريدة [إلا بهذا] الإسناد ؛ تفرد به أحمد بن منصور المروزي "!
كذا قال! وهذا بالنسبة لما وقع له ، وإلا ؛ فهو عند الآخرين عن غيره! وقال ابن
حبان :
"وهذا حديث لا أصل له عن حسين بن واقد ، وما رواه ثقة ، والحسن بن
مسلم هذا راويه يجب أن يعدل به عن سنن العدول إلى المجروحين بروايته هذا
الخبر المنكر" . وأقره ابن الجوزي .
وقال ابن أبي حاتم في "العلل " (1/389) ، وقد سأل أباه عن هذا الحديث
فأجابه بقوله :
"هذا حديث كذب باطل " . قال :
"قلت : تعرف عبدالكريم هذا ؟ قال : لا . قلت : فتعرف الحسن بن مسلم؟
قال : لا ؛ ولكن تدل روايتهم على الكذب " .

(13/214)


ومثله في "الجرح والتعديل " مفرقاً في ترجمة المتهمَيْن - الحسن وعبدالكريم - .
وأقره الذهبي عليه فيهما ؛ لكنه قال في ترجمة الأول منهما :
"أتى بخبر موضوع في الخمر" . ثم ساق هذا من طريق ابن حبان .
(تنبيه) : اختلفت الرواية في اسم والد عبدالكريم : فعند السهمي سمِّي
بـ : (عبدالكريم) - كما تقدم - . ووقع عند الطبراني : (أبي عبدالكريم) - بأداة الكنية - .
وعند " الضعفاء " وابن الجوزي : (عبدالله السكري) ... ولعل الصواب : الأول ؛ فإنه
كذلك وقع عند ابن أبي حاتم في (الترجمتين) ، وفي (ترجمة عبدالكريم) عند
الذهبي والعسقلاني . ونسبه هذا فقال : (البجلي) وأظنه خطأ مطبعياً ؛ انتقل نظر
الطاج إلى ما ذكره ابن حجر زيادة على الذهبي فقال :
"وفي "ثقات ابن حبان " : "عبدالكريم بن عبدالكريم البجلي ، عن عبدالله (1)
ابن عمر ، وعنه جُبَارة بن المغلِّس ، مستقيم الحديث " . فالظاهر أنه هو ، ولعل ما
أنكره أبو حاتم من جهة صاحبه جبارة ، ويؤيده أن أبا حاتم قال قبل ذلك : لا أعرفه " .
وقد فاته أن هذا الحديث الذي أنكره أبو حاتم ليس من رواية جبارة عنه ،
فتنبه! وقد تعقبه المعلق على "الجرح والتعديل " فيما استظهره أن عبدالكريم هذا هو
البجلي ؛ فقال عقبه :
"أقول : بل الأشبه أنهما اثنان ؛ أحدهما : عبدالكريم بن عبدالكريم البجلي
الذي ذكره ابن حبان في "الثقات " . والآخر - متأخر عنه ، وهو - : عبدالكريم بن
عبدالله السُّكَّري ، هو الراوي عن الحسن بن مسلم . والله أعلم " .
__________
(1) كذا ، وفي "الثقات " (8/423) : "عبيدالله" بتصغير ؛ "عبيد" . وكذا هو في
"التهذيب" - كما سيأتي - .

(13/215)


قلت : وهذا هو الراجح عندي ؛ لأن عبدالكريم البجلي كوفي ، وهو من رجال
ابن ماجه ، لكن سمى أباه عبدالرحمن البجلي الكوفي الحَرَّاز ؛ مترجَم في
"التهذيب " بروايته عن جمع ؛ منهم عبيدالله بن عمر المدني وجمع من الكوفيين ،
وعنه ابنه إسحاق وإسماعيل بن عمرو بن جَرير وجبارة بن المغلس . وقال :
"ذكره ابن حبان في "الثقات " وقال : مستقيم الحديث " .
وهذا قاله في "ثقاته " (8/423) في أتباع التابعين ، لكن سمى أباه عبدالكريم
- كما تقدم - ؛ فهو المترجم في "التهذيب " .
وأما عبدالكريم بن عبدالكريم - أو : ابن عبدالله ؛ على الخلاف المتقدم ؛ فهو -
مروزفي ؛ كما في "الضعفاء" لابن حبان ، وترجمه السهمي بقوله :
"عبدالكريم بن عبدالكريم البزاز الجرجاني المعروف بـ (عبدك) هو الذي ينسب
إليه خَانُ عَبْدّك بباب الخَنْدَق . روى عن عمر بن هارون ، والحسن بن مسلم
وغيرهما . روى عنه محمد بن بندار السَّبَّاك وعبدالله بن المهدي " .
وبالجملة ؛ فعلة الحديث إما عبدالكريم هذا - وهو : غير البجلي - ، وإما شيخه
الحسن بن مسلم ، وهو الأقرب . والله أعلم .
والحديث عزاه الحافظ في "التلخيص " (3/19) للطبراني في "الأوسط ! فقط
ساكتاً عليه ، وأعله الهيثمي (3/ 90) بقول أبي حاتم في عبدالكريم : حديثه يدل
على الكذب " .
ولقد وهم الحافظ وهماً فاحشاً في "بلوغ المرام " (2/351 - سبل السلام) فقال :
"رواه الطبراني في "الأوسط " بإسناد حسن "!
كذا قال! وأظن أن سبب الوهم أنه اعتمد على قول ابن حبان في عبدالكريم

(13/216)


البجلي : مستقيم الحديث ؛ بناءً منه على ما استظهره أنه هو راوي إذ ا الحديث ،
ثم سها عن شيخه الحسن بن مسلم الذي لا يعرف ، ولم يوثقه أحد - كما تقدم - .
والله أعلم .
وقد اغتر بقول الحافظ هذا مؤلفُ كتاب "الرضاع وبنوك اللبن " (ص 55) ؛
فنقل كلامه المذكور دون أن يعزوه إليه! كما سكت عنه الصنعاني في "السبل"!
وجزم بنسبته إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد سابق في "فقه السنة" (3/83 - الكتاب
العربي)! وذلك من شؤم التقليد . والله تعالى هو المستعان ، وهو ولي التوفيق .

6094 - ( مَنْ صافحَ يهودياً أو نصرانياً ؛ فلْيتوضَّأْ أو يَغْسلْ يدَه ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (1/258 - 259) ومن طريقه ابن
الجوزي في "الموضوعات" (2/78) من طريق بقية عن إبراهيم - هو : ابن هانئ -
عن ابن جريج عن عطاء عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... مرفوعاً . ذكره ابن عدي في ترجمة
إبراهيم هذا ، وقال :
" ليس بالمعروف ، يحدث عنه بقية ، ويحدث إبراهيم عن ابن جريج
بالبواطيل " . وأقره ابن الجوزي ، ثم السيوطي في "اللآلئ" (2/5) . وقال عقب
الحديث :
"وله أحاديث أخرى لم أخرجها هنا وكلها مناكير ، ولا يشبه حديثه حديث
أهل الصدق " .
وأقره الحافظ في "اللسان" .
واعلم أن من الدواعي على إخراج هذا الحديث وبيان حاله ؛ أن العلامة
الآلوسي ذكره في "تفسيره" (10/76) مع حديث آخر بنحوه ؛ سبق الكلام عليه

(13/217)


برقم (6061) ، نقلهما من "الدر المنثور" للسيوطي (3/227) ساكتاً عليه! بل إنه
بنى عليه حكماً أو كاد ، فإنه عقب عليه بقوله :
"قيل : وعلى ذلك ؛ فلا يحل الشرب من أوانيهم ، ولا مؤاكلتهم ، ولا لبس
ثيابهم ، لكن صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلف خلافه ، واحتمال كونه قبل نزول
الآية (1) فهو منسوخ بعيد ، والاحتياط لا يخفى"!
ولقد كان اللائق بهذا المحقق أن لا يعتمد في هذا الحديث على كتاب "الدر"
للسيوطي ؛ لأنه فيه جماع حطاب! كما هو معلوم ، وإنما على كتابه الآخر "اللآلي" ؛
فإنه يتكلم فيه على الأحاديث ويبين عللها ، وإن كان كثير التساهل والمعارضة
لابن الجوزي ، وموافقاً له في أكثر الأحيان ، كما هو الشأن في هذا الحديث ،
والحديث الآخر الذي في معناه ، فالاعتماد عليه من العلامة الآلوسي كان به
أولى ، وبالتحقيق أولى ، ولكن العجلة في التأليف والتقميش هي داء أكثر المؤلفين
حتى من بعض المحققين ، غفر الله لنا ولهم .

6095 - (إذا رَقَدَ المرءُ قبل ان يصليَ العَتَمَةَ ؛ وقفَ عليه ملكانِ
يوقِظانِه يقولانِ : الصلاةُ ثم يُوَلَّيانِ عنه ؛ ويقولان : رَقَدَ الخاسرُ
وأبى ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (7/2606) ، والخطيب في "التاريخ "
(14/266) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات " (2/100) من طريق يعقوب
ابن الوليد المدني عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان مولى الوضين عن أبي
هريرة مرفوعاً ... به . وقال ابن عدي في ترجمة يعقوب هذا ، وقد ساق له أحاديث :
__________
(1) يعني قوله تعالى : {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} .

(13/218)


"وهذه الأحاديث لا يرويها عن ابن أبي ذئب غير يعقوب ، وعامة ما يرويه
ليس بمحفوظ ، وهو بيِّن الأمر في الضعفاء" . وقال ابن الجوزي :
"هذا موضوع ؛ والمتهم به يعقوب ، قال أحمد : كان من الكذابين الكبار يضع
الحديث . وقال يحيى : كذاب " .
قلت : وأقره السيوطي في " اللآلي " (2/22/1413 - بترقيمي) وغيره .
وتقدم له حديث آخر برقم (5533) .

6096 - (إن هذه القلوبَ تَصْدَأ كما يصدأُ الحديدُ إذا أصابَه الماءُ .
قيل : وما جِلاؤها ؟ قال : كثرةَ ذِكرِ الموتِ ، وتلاوة القرآنِ ) .
منكر .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (1/258) ومن طريقه ابن الجوزي في
"العلل " (2/347) عن إبراهيم بن عبد السلام : ثنا عبدالعزيز بن أبي روّاد عن
نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ... مرفوعاً ، وقالا :
" رواه غير إبراهيم بن عبدالسلام هذا عن عبدالعزيز ، وهو معروف بعبد الرحيم
ابن هارون الغَسَّاني عن عبدالعزيز ، وهو مشهور به . وإبراهيم مجهول " ولجهله
سرقه منه " . وقال ابن عدي في إبراهيم هذا :
"حدث بالمناكير ، وعندي أنه يسرق الحديث ، وهو في جملة الضعفاء" .
قلت : وحديث عبدالرحيم الغساني وصله أبو نعيم في "الحلية" (8/197) ،
والبيهقي في "شعب الإيمان " (2/352/2014 - لبنان) - واللفظ له - ، والخطيب في
"التاريخ ، (11/85) ، والشهاب في "مسنده " (2/199/ 1179) ، وقال أبو نعيم :
"غريب من حديث نافع وعبدالعزيز ، تفرد به عبدالرحيم " .

(13/219)


كذا قال ، وكأنه لم يعتد برواية إبراهيم بن عبدالسلام المتقدمة ؛ لأ نها مسروقة .
لكن قد تابعه غيره ؛ لكنه متهم - كما يأتي - . وقال الخطيب عقب الحديث :
"أخبرنا البرقاني قال : سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول : عبدالرحيم بن
هارون الغساني متروك ؛ يكذب " .
وأقره الذهبي في "الميزان " ، وساق له هذا الحديث في جملة ما استنكر
عليه ، وقال عقبه :
"رواه حفص بن غياث عن عبدالعزيز قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره ؛
منقطعأ" .
قلت : يشير إلى أن هذا هو المحفوظ عن عبدالعزيز ؛ لأن حفص بن غياث
ثقة ، ومن وصله ضعيف أو متهم .
ومنهم عبدالله بن عبدالعزيز بن أبر زوّاد عن أبيه عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ...
أخرجه البيهقي والشهاب (1178) .
وعبدالله هذا : قال أبو حاتم وغيره :
"أحاديثه منكرة" . وقال ابن الجنيد :
" لا يساوي شيئاً ، يحدث بأحاديث كذب " . وقال ابن عدي (4/1517) :
"يحدث عن أبيه عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ بأحاديث لا يتابعه أحد عليه " .
وبالجملة ؛ فالحديث منكر من جميع طرقه ، وقد استنكره من تقدم ذكرهم .

6097 - (يا خَدِيجةُ ! هذا صاحبي الذي يأتيني قد جاء ) .
صعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/99/1/6581) : حدثنا

(13/220)


محمد بن عبدالله بن عرس المصري : ثنا يحيى بن سليمان بن نَضْلةَ المديني : ثنا
الحارث بن محمد الفهري : ثنا إسماعيل بن أبي حكيم : حدثني عمر بن
عبدالعزيز : حدثني أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ؛ حدثتني أم
سلمة عن خديجة قالت :
قلت : يا رسول الله ! يا ابن عمي ! هل تستطيع إذا جاءك الذي يأتيك أن
تخبرني به؟ فقال لي رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "نعم يا خديجة" . قالت خديجة : فجاء
جبريل ذات يوم وأنا عنده ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . فقلت له : قم
فاجلس على فخذي الأيمن ، فقام فجلس على فخذي الأيمن ، فقلت له : هل تراه ؟
قال : "نعم " ، فقلت له : تحول ؛ فاجلس على فخذي الأيسر ، فجلس ، فقلت له :
هل تراه ؟ قال : "نعم " ، فقلت له : تحول ؛ فاجلس في حجري ، فجلس ، فقلت له :
هل تراه ؟ قال : "نعم" . قالت خديجة : فتحسرت وطرحت خماري وقلت له : هل
تراه ؟ قال : "لا" . فقلت له : هذا والله ملك كريم ، لا والله ما هذا شيطان .
قالت خديجة : فقلت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى (*) بن قصي :
ذلك مما أخبرني به محمد رسول الله فقال ورقة : حقّاً يا خديجة حديثك .
قلت : قال الهيثمي فى "المجمع ، (8/256) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وإسناده حسن" .
وأقول : هو كذلك ؛ لولا ما يأتي :
أولاً : يحيى بن سليمان بن نضلة المديني فيه كلام من جهة حفظه ، قال ابن
عدي (7/2710) :
__________
(*) في أصل الشيخ رحمه الله : (عبدالعزيز) . (الناشر) .

(13/221)


"قال ابن خراش : لا يسوى فلساً . (قال ابن عدي) : يروي عن مالك وأهل
المدينة أحاديث [عامتها] مستقيمة" .
وقال ابن أبي حاتم (4/2/154) عن أبيه :
"شيخ ، حدث أياماً ثم توفي" .
ويعني أنه في المرتبة الثالثة عنده ؛ أي : يكتب حديثه وينظر فيه ؛ أي : أنه
يستشهد به ؛ لأنه قبل المرتبة الرابعة وهي من قيل فيه : متروك الحديث ، أو
كذاب ، ونحو ذلك .
ولما ذكره ابن حبان في "الثقات " (9/269) قال :
"يخطئ ويهم " .
قلت : فمثله لا يحتج بحديثه ؛ إذا لم يتابع كما يفيده قول الطبراني عقبه :
"تفرد به يحيى بن سليمان " .
فكيف به وقد خولف ، وهو قولي :
ثانياً : فقال ابن إسحاق في "السيرة" (1/257) ومن طريقه الطبري في
"التاريخ " (1/208) ، وكذا البيهقي في "الدلائل " (2/151 - 152) : وحدثني
إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير : أنه حدثه عن خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ...
الحديث نحوه . قال ابن إسحاق : وقد حدثت عبدالله بن حسن هذا الحديث ؛
فقال : قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة ،
إلا أني سمعتها تقول :
أدخلتْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينها وبين درعها ؛ فذهب عند ذلك جبريل ، فقالت
لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إن هذا لملك وما هو بشيطان .

(13/222)


قلت : وهذا أصح من الأول ، رجاله ثقات ، ولكنه منقطع من الوجهين ؛ فإن
إسماعيل بن أبي حكيم ؛ ثقة من السادسة عند الحافظ ؛ فهو تابع تابعي ، وفاطمة
بنت حسين ؛ فهي تابعية لم تدرك خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وقد أشار شيخ الإسلام
ابن تيمية إلى ضعف الحديث في رسالته "لباس المرأة في الصلاة" (ص 32 -
الطبعة الخامسة) و (ص ... الطبعة الجديدة) .

6098 - (جَنَّبوا صُنَّاعَكم عن مساجِدِكُم) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (6/263 - الطبعة الثالثة)
والديلمي في "مسنده " (2/38/2) من طريق محمد بن مجيب : ثنا جعفر بن
محمد عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال :
صليت العصر مع عثمان بن عفان أمير المؤمنين ، فرأى خياطاً في ناحية المسجد ؛
فأمر بإخراجه ، فقيل له : يا أمير المؤمنين! إنه يكنس المسجد ، ويغلق الأبواب ،
ويرشه أحياناً ، قال عثمان : إني سمعت رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن يقول : ... فذكره .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته محمد بن مجيب هذا ، وهو ثقفي كوفي ، وفي
ترجمته أورده ابن عدي ، وروى عن ابن معين أنه قال فيه :
"كذاب " . وقال في موضع آخر :
"كان كذاباً عدوَّ الله " .
وقال ابن عدي عقب الحديث :
"ليس له كثير حديث ، ويحدث عن جعفر بن محمد بأشياء غير محفوظة ؛
وهذا الحديث منها" .

(13/223)


قلت : وقد شذ هذا الكذاب عن كل الضعفاء الذين رووا هذا المتن بلفظ :
"صبيانكم " ، كما تراه مخرجاً في "المقاصد الحسنة " للحافظ السخاوي ، وبعضها
مرسل صحيح كما في "الإرواء" (2327) وغيره ، فرواه بلفظ مغاير للفظهم ، وقد
أورده القرطبي في "جامعه " (12/ 270) من طريق ابن عدي وكذا المزي في
"تهذيب الكمال " ، ومن قبلهما ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/404) من
طريق ابن مجيب معلقاً ، وكذا الذهبي في ترجمته من "الميزان" باللفظ الشاذ !
وتحرف هذا على الحافظ ابن حجر في ترجمة المذكور أو على القائمين على طبعه
وتصحيح تجاربه إلى اللفظ المشهور : "صبيانكم" . وكذلك وقع في "التلخيص
الحبير" (3/67) ، معزواً لابن عدي في الكتابين! وهذا من غرائب التحريفات!
وأغرب منه أن قول علي : "صليت العصر" تحرف في "العلل " إلى "دخلت
إلى مصر" !! وهما ما دخلا مصر ، ولا عرفاها إلا سماعاً!

6099 - ( الحلِْمُ زَيْنٌ للعالِمِ ، سَتْرٌ للجاهِلِ ) .
منكر .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (2/ 51 - الطبعة الثالثة) من طريق
مهران الرازي عن بحر السقاء قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ومعضل ، أورده ابن عدي في ترجمة السقاء هذا ،
وأطال فيها جدّاً ، وروى تضعيفه عن جمع من الأئمة ، وساق له أحاديث كثيرة
بعضها مناكير ، وختم ترجمته بقوله :
"ولبحر السقاء غير ما ذكرت من الحديث ، وكل رواياته مضطربة ، ويخالف
الناس في أسانيدها ومتونها ، والضعف على حديثه بيِّن" .
ومهران الرازي - الراوي عنه هو : ابن أبي عمر العطار - : قال الحافظ :

(13/224)


"صدوق له أوهام ، سيئ الحفظ " .
(تنبيه) : هذا الحديث من رواية بحر السقاء معضلاً كما ترى ، وقد جاء في
"معجم الكامل " - الذي وضعه ناشر "الكامل" فهرساً لأحاديث الكتاب ، جاء فيه -
(ص 153) معزواً لى (جابر 2/51)! وهو خطأ محض ؛ فليس هو في "الكامل " عن
جابر ، وإنما عن بحر - كما سبق - . وهذا الفهرس من أسوأ الفهارس - إن لم أقل هو
أسوؤها إطلاقاً - فيما وقفت عليه من الفهارس التي تطبع الآن للربح المادي ، وليس
للفائدة العلمية .

6100 - ( احفظوني في أهلِ ذِمَّتي ) .
منكر .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (3/226) من طريق يعقوب بن
كاسب : ثنا الزبير بن حبيب : ثنا عاصم بن عبيدالله عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ قال :
كان من آخر كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره .
أورده في ترجمة الزبير بن حبيب - هكذا بإهمال الحاء وقع في المطبوعتين من
"الكامل" وفي غيره أيضاً ... والصواب : بالخاء المعجمة ؛ كما في "إكمال ابن
ماكولا" - ، ثم أشار ابن عدي إلى تضعيف الحديث ونكارته بقوله عقبه :
"وهذا وإن كان عاصم بن عبيدالله ضعيفاً ؛ فإن الراوي عنه : الزبير بن
حبيب ... ولا أدري من أيهما البلاء فيه " .
ثم ذكر له حديثين آخرين ، أحدهما من روايته عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وقال :
"وهذا مشهور عن نافع" .
والآخر من روايته عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة . وذكر أنه خطأ ، وأن
الصواب : عن أبي سعيد . ثم قال :

(13/225)


"ولم أجد للزبير غير هذا الذي أخطأ ، وحديثِ عاصم بن عبيدالله ، ولا أنكر
منهما" .
وأقول : الأولى عندي تعصيب البلاء في هذا الحديث بعاصم ؛ لأنه قد توفر
لدي أن الزبير هذا روى عنه أربعة من الثقات ، وذكره ابن حبان في "الثقات"
(6/ 331) ، ومِلْتُ في "التيسير" إلى أنه حسن الحديث إذا لم يخطئ أو يخالف .
والله أعلم .
والحديث مما فات السيوطي إيراده في "جامعه الكبير" .
ولعل أصل الحديث موقوف ، وَهِمَ عالم فرفعه ؛ فإنه محفوظ من وصية عمر
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في قتله ؛ فقد قالوا له : أوصنا يا أمير المؤمنين!؟ قال :
أوصيكم بذمة الله ؛ فإنه ذمة نبيكم ، ورزق عيالكم .
أخرجه البخاري (6/267/3162) .
ثم رأيت الحديث في "المعجم الأوسط " للطبراني (4/157/3860) من الوجه
المذكور لكن بلفظ :
" أهل بيتي" ! وقال :
"لم يروه عن عاصم بن عبيدالله إلا الزبير بن حبيب ، تفرد به يعقوب بن
حميدة .
وبه أورده الهيثمي في "المجمع " وقال (9/163) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " ، وفيه عاصم بن عبيدالله وهو ضعيف " .
قلت : وأحد اللفظين إما محرف من بعض الرواة أو النساخ ، أو هو اضطراب
من عاصم . والمعصوم من عصمه الله تعالى .

(13/226)


6101 - ( دَعُوها فإنها جَبَّارة . يعني : امرأةً لم تأخُذْ حافةَ الطريقِ ) .
ضعيف .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده ، (6/34/3276) : حدثنا يحيى بن
عبدالحميد الحِمَّاني : حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال :
مَرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طريق ؛ ومرت امرأة سوداء ، فقال لها رجل : الطريق ،
فقالت : الطريق ثَمَّ! فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
ومن طريق أبي يعلى أخرجه ابن عدي في "الكامل ، (2/148) ، وأخرجه هو
والطبراني في "الأوسط" (2/215/ 8325) ، وأبو نعيم في "الحلية" (6/291) من
طرق أخرى عن الحماني ... به . وقال الطبراني :
"لم يروه عن ثابت إلا جعفر" .
قلت : هو ثقة من رجال مسلم ، وفي ترجمته أورد الحديث ابن عدي ، وساق
له أحاديث كثيرة ، الكثير منها صحيح ، وبعضها في "صحيح مسلم " ، وختم
ترجمته بقوله :
"وله حديث صالح ، وروايات كثيرة ، وهو حسن الحديث ، وهو معروف
بالتشيع " .
قلت : فكان الأولى أن يذكر الحديث في ترجمة الحماني ؛ فإنه متكلم فيه ،
حتى اتهمه بعضهم بالكذب وسرقة الحديث ، وقال الحافظ في "التقريب " :
"حافظ ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث" .
وقد أحسن الهيثمي حين أعل الحديث به ؛ فقال في "المجمع ، (1/99) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" وأبو يعلى ، وفيه يحيى الحماني ؛ ضعفه أحمد

(13/227)


ورماه بالكذب ، ورواه البزار ، وضعفه براوٍ آخر" .
قلت : ولم أره في "زوائد البزار ، للهيثمي ، ولا في "زوائد العسقلاني " ، وما
طبع من الأصل : "مسند البزار" ثلاث مجلدات ليس فيها "مسند أنس بن مالك "
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . ثم رأيته في "كشف الأستار" (3578) .
وقد ذكره الهيثمي أيضاً من طريق أخرى فقال :
لاوعن أبي موسى أن نبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان آخذاً بيد أبي موسى في بعض سِكَكِ
المدينة ، فأتى على سائلةٍ في ظهر الطريق ؛ تسفي الرياح في وجهها ، فقال لها أبو
موسى : تنحي عن سَنَن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقالت له : هذا الطريق له معرضاً ،
فليأخذ حيث شاء! فشق ذلك على أبي موسى حتى كبا (1) لذلك ، وعرف رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك في وجهه ؛ فقال :
"يا أبا موسى! اشتد عليك ما قالت هذه السائلة ؛ " ، قلت : نعم بأبي أنت
وأمي يا رسول الله ! لقد شق علي حين استخفت بما قلت لها من أمر رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فقال :
"لا تكلمها ؛ فإنها جبارة" . فقلت : بأبي وأمي ما هذه فتكون جبارة ؟ فقال :
"إن لا يكن ذلك في قدرتها ؛ فإنه في قلبها" .
رواه الطبراني في "الكبير" وفيه بلال بن أبي بردة" .
قلت : كذا الأصل ؛ لم يتكلم عليه بشيء خلافاً لعادته! فلا أدري أسقط من
قلمه أم ناسِخِه؟ والرجل له ترجمة واسعة في "تهذيب الكمال" للمزي ، ولم يذكر
فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وكان قاضياً على البصرة وأميراً ، وله حكايات غير مرضية ،
__________
(1) أي : ربا وانتفخ من الغيظ . "نهاية" . ووقع في ابن عساكر "بكا"، وهو خطأ من الناسخ .

(13/228)


وقد روى عنه جماعة ، وذكره ابن حبان في "الثقات " (6/ 91) ، وقال الحافظ في
"التقريب" :
" مُقِلٌّ " .
ثم وقفت على إسناد الطبراني إليه ، فبدا لي أن علة الحديث ممن دونه ؛ فقد
أخرجه في ترجمته ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (3/489) من طريق الطبراني
وغيره بسند مظلم عن الفضل بن عبدالرحمن بن عباس عنه عن أبيه عن جده
أبي موسى .
والفضل هذا ذكره المزي في الرواة عن بلال بن أبي بردة ، ولم أجد له ترجمة ،
ودونه من لم أعرفه .
(تنبيه) : حديث الترجمة ذكره القرطبي في تفسيره "الجامع " (8/ 170)
ساكتاً عنه كعادته ! مستدلاً به على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كره السؤال ونهى عنه ، وليس
يظهر أن للحديث صلة بما ذكر ؛ بل هو بمعنى الحديث الآخر : "ليس للنساء وسط
الطريق" . وهذا مخرج في "الصحيحة " برقم (856) .

6102 - ( إن إبليس ييعث جنوده كل صباح ومساء ؛ فيقول: من
أضل رجلاً أكرمته، ومن فعل كذا فله كذا، فيأتي أحدهم فيقول:
لم أزل به حتى طلق امرأته، قال: يتزوج أخرى، فيقول: لم أزل به
حتى زنى، فيجيزه ويكرمه، ويقول: لمثل هذا فاعملوا، ويأتي آخر
فيقول: لم أزل بفلان حتى قتل، فيصيح صيحة يجتمع إليه الجن
فيقولون له: ياسيدنا ما الذي فرحك فيقول: أخبرني (1) فلان أنه
__________
(1) الأصل : (أحد بني) ؛ والتصحيح من "الجامع الكبير" ، وقد عزاه لـ "الحلية" .

(13/229)


لم يزل برجل من بني آدم يفتنه ويصده حتى قتل رجلاً فدخل النار؛
فيجيزه ويكرمه كرامة لم يكرم بها أحداً من جنوده ثم يدعو بالتاج ؛
فيضعه على رأسه ، ويستعمله عليهم ) .
منكر جداً بهذا التمام .
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (8/28 - 129) من
طريق أسماعيل بن يريد : ثنا إبراهيم بن الأشعث : ثنا فضيل بن عياض عن
عطاء بن السائب عن أبي عبدالرحمن السلمي عن أبي موسى الأشعري يرفعه
إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ إسماعيل بن يزيد لم أعرفه ، ويحتمل أنه الذي
في "الجرح والتعديل" (1/1/ 205) :
" إسماعيل بن يزيد ، خال أبي ، وعم أبي زرعة ، روى عن السندي بن عبدويه ،
وإسحاق بن سليمان ، وعبدالصمد العطار ، وعبدالله بن هاشم . روى عنه أبي .
سئل أبي عنه ؟ فقال : صدوق " .
وإبراهيم بن الأشعث ، وهو : البخاري خادم الفضيل بن عياض ، وثقه
بعضهم ، لكن قال ابن أبي حاتم (1/1/88) :
"سألت أبي عنه ، وذكرت له حديثاً رواه عن معن ، عن ابن أخي الزهري عن
الزهري ؟ فقال : هذا حديث باطل موضوع ، كنا نظن بـ (إبراهيم بن الأشعث)
الخير ؛ فقد جاء بمثل هذا ! " .
وذكره إبن حبان في "الثقات" ! مع أنه قال فيه (8/66) :
"يغرب ، ويتفرد ، ويخطئ ويخالف" !
فهل من كان هذه صفته يكون ثقة ؟!

(13/230)


وقد يقول في بعض رجاله (6/98) :
"دلس عن أنس ، يخطئ كثيراً " ؟!
وعطاء بن السائب كان قد اختلط ، وفضيل بن عياض لم يذكر فيمن سمع
منه قبل الاختلاط . لكن قد رواه عنه سفيان عن عطاء به مختصراً .
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (44/63) ، ولذلك أخرجته في "الصحيحة "
(1280) ، وصححه الحاكم (4/ 350) ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا .
ولهذا المختصر شاهد أخصر منه من حديث جابر عند مسلم وغيره من رواية
الأعمش عن أبي سفيان عنه ، وكنت خرجته في "الصحيحة" أيضاً برقم (3261) .
ثم بدا لي فيه إشكال سببه - والله أعلم - الاختصار الذي وقع فيه من بعض
الرواة ، أو من عنعنة الأعمش ، فإن فيه :
"ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فَرَّقت بينه وبين امرأته ؛ فيدنيه منه
ويقول : نِعمَ أنت! قال الأعمش : أراه قال : فيلتزمه " .
فظننت أنه سقط منه قول إبليس في الذي فرق : "أوشك أن يتزوج " ، كما
سقط منه قصة الذي لم يزل به حتى قتل ، وهو الذي قال له إبليس : نعم ؛ أنت .
وهذا ثابت فِي حَدِيثِ سفيان الصحيح . والله سبحانه وتعالى أعلم .
ثم رأيت الفضيل بن عياض قد تابعه إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن
السائب بلفظ أَخْصَرَ من لفظه وزاد عليه ؛ وهو :
"إن إبليس بعث جنوده إلى المسلمين ، فقال : أيكم أَضَلَّ رجلاً ، أُلْبِسُهُ التَّاجَ ؟
فإذا رجعوا ، قال لبعضهم : ما صنعت؟ قال : ألقيت بينه وبين أخيه عداوة! قال :
ما صنعت شيئاً ؛ سوف يصالحه . ثم يقول للآخر : فأنت ما صنعت ؟ قال : ما زلت

(13/231)


به حتى طلق امرأته! قال : ما صنعت شيئاً ؛ عسى يتزوج أخرى . فقال للآخر : ما
صنعت ؟ قال : لم أزل به حتى شرب الخمر! قال : أنت أنت!
ثم يقول للآخر : فأنت ما صنعت ؟ قال : ما زلت به حتى زنى! قال : أنت
أنت!
ثم يقول للآخر : فأنت ما صنعت ؟ قال : ما زلت به حتى قتل! فيقول : أنت
أنت ! " .
أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " (رقم 1213 و 1468) .
وإبراهيم بن طهمان ثقة ، ولكنه لم يذكر أيضاً في الرواة عن عطاء قبل
اختلاطه ؛ فهو العلة ، واضطرابه في ضبطه زيادة ونقصاً ، واختلافاً في بعض
الجمل من الأدلة على اختلاطه ؛ فلا يعتمد منه إلا رواية سفيان عنه كما تقدم .
والله أعلم .

6103 - ( نَّ الرَّجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة لَيُزَوَّج خَمْسمِائَةِ حَوْرَاء ، وأَرْبَعَة
آلَاف بِكْر ، وَثَمَانِيَة آلَاف ثَيِّب ، يعُانِقَ كلَّ واحدةٍ مِنْهُنَّ مِقْدارَ عُمُرِهِ
في الدنيا ) .
منكر .
أخرجه البيهقي في "البعث " (ق 71/ 1) من طريق عبدالوهاب الخفاف :
ثظ موسى الأسفاري (!) عن رجل متن بَليّ عن عبدالرحمن بن سابط عن عبدالله
ابن أبي أوفى مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ لجهالة الرجل البلوي ، وبه أعله الحافظ في "الفتح "
(6/325) ، ولا أستبعد أنه عبدالله بن الحكم البلوي ؛ فإنه من هذه الطبقة ، وهو
مترجم في "اللسان" بما خلاصته أنه لا يعرف ، وقال الحافظ الجورقاني في كتابه

(13/232)


"الأ باطيل والمناكير" (1/386) :
"وعبدالله بن الحكم لا يعرف بعدالة ولا جرح " .
ووقع في "سنن ابن ماجه " (558) في أثر عمر في مسح المسافر على الخفين :
(الحكم بن عبدالله البلوي) على القلب . وقال الحافظ في "التهذيب " و "التقريب " :
"والصواب عبدالله بن الحكم" . زاد في "التقريب " :
"كما سيأتي " .
قلت : نسي ؛ فلم يذكره في "تقريبه " ولا في "تهذيبه " وإنما ذكره في "لسانه "
كما تقدم ، ومع أنه لم يذكر عنه راوياً غير يزيد بن أبي حبيب ، فقد ذكر ؛ تبعاً
لابن أبي حاتم عن ابن معين أنه قال : ثقة! وقد أشار الذهبي في "الكاشف " إلى
عدم اطمئنانه لهذا التوثيق بقوله :
" وُثِّق " كما هي عادته فيما تفرد بتوثيقه ابن حبان ، وأكد ما ذكرته بقوله فيه
في "المغني " :
"لا يعرف " .
وموسى الأسفاري ! كذا وقع في مصورة "البعث" والمطبوعة أيضاً (224/373) ،
وأظنه محرفاً من "الأسواري" ؛ فإنه من هذه الطبقة ، ذكره ابن عدي في "الكامل "
وقال (6/ 346) :
"شبه مجهول ، قال البخاري : فيه نظر" .
وقد رواه الوليد بن أبي ثور قال : حدثني سعد الطائي أبو مجاهد عن
عبدالرحمن بن سابط به نحوه ، ولفظه :

(13/233)


، يزوجُ الرجلُ من أهل الجنة ... الحديث دون قوله : "يعانق ... " إلخ ، وزاد :
" فيجتمعن في كل سبعة أيام فيقلن بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها : نحن
الخالدات ؛ فلا نييد ، ونحن الناعمات ؛ فلا نبؤس ، ونحن الراضيات ؛ فلا نسخط ،
ونحن المقيمات ؛ فلا" نظعن ، طوبى لمن كان لنا وكنا له" .
روا"ه أبو الشيخ في "طبقات الأصبهانيين " (419/588) ، و"العظمة"
(3/1108/603) . وعنه أبو نعيم في "صفة الجنة " (3/212/378 و 269/431 ) .
وهذا إسناد واهٍ ؛ الوليد هذا هو : ابن عبدالله بن أبي ثور الهمداني ، ضعفه
الجمهور ، وقال أبو زرعة :
"منكر الحديث يهم كثيراً" . وقال محمد بن عبدالله بن نمير :
"كذاب " .
وعزاه العراقي في "تخريج الإحياء" (4/ 541) لأبي الشيخ في "كتاب
العظمة" و"طبقات المحدثين " ، وقال :
"إسناده ضعيف " .
واعلم أن الأحاديث التي وردت في تحديد عدد ما للرجل من النساء في الجنة
مختلفة جدّاً ، والثابت منها حديث أبي هريرة في "الصحيحين" بلفظ :
"أول زمرة تدخل الجنة ... " ... وفيه : "لكل واحد منهم زوجتان " ، وهو مخرج
في "الصحيحة" (2868) .
وحديث المقدام : "للشهيد عند الله سبع خصال ... " فذكرها ، وفيه "ويزوج
اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين" ، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 35 -
36) ، وهو كما . ترى خاص بالشهيد ، وبقية الأحاديث لا تخلو من ضعف ، وبخاصة

(13/234)


حديث الترجمة ، وقد أفاد الحافظ أن العدد الذي فيه هو أكئر ما وقف عليه .
ومن أوهامه رحمه الله أنه شرح قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لكل وأحد منهم زوجتان " بقوله :
" "أَيْ مِنْ نِسَاء الدُّنْيَا ، فَقَدْ رَوَى أَحْمَد مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعاً فِي
صِفَة أَدْنَى أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلَة : "وَإِنَّ لَهُ مِنْ الْحُور الْعِين لَاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَة سِوَى
أَزْوَاجه مِنْ الدُّنْيَا " ، وَفِي سَنَده شَهْر بْن حَوْشَبٍ ، وَفِيهِ مَقَال " .
قلت : هذا الشرح خطأ من وجهين :
الأول : أنه قائم على حديث لا يصح ؛ لأنه من رواية شهر ، وهو كثير الأوهام
- كما قال الحافظ نفسه في "التقريب " - ، ووهمُه في هذا الحديث ظاهر من أكثر
من وجه ؛ حسبك الآن ما يأتي .
والآخر : أنه نسي أن في رواية للبخاري (3254) من طريق أخرى عن أبي
هريرة بلفظ : " لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين" .
فهذه رواية مفسرة للرواية الأولى " ؛ فلا يجوز الإعراض عنها لحديث شهر
الضعيف ، وبخاصة أن لرواية البخاري شاهداً من طريق آخر عن أبي هريرة بلفظ :
"وأزواجهم الحور العين " . رواه البخاري (3327) ومسلم (8/146) ، وبياناً
لهذه الحقيقة كنت ضممت هذه الزيادة! : "من الحور العين" إلى روإية الشيخين
الأولى في كتابي الفذ في أسلوبه - ؛ "مختصر البخاري " ، رقم (1397) فصارت فيه
هكذا : " لكل واحد منهم زوجتان [من الحور العين]" ، فالاعتماد على هذه الرواية
الصحيحة في تفسير "الزوجتين" هو الواجب ، وقد استفادت هذه الفائدة من كتاب
"حادي الأرواح " لابن القيم رحمه الله تعالى ، ويأتي كلامه بإذنه تعالى تحت
الحديث (6105) .

(13/235)


6104 - ( لا تَزَالُ بِدِمَشْقَ عصابةٌ يُقاتِلون على الحقِّ حتى يأتيَ أمرُ
اللهِ وهم ظاهِرون) .
منكر .
أخرجه البخاري في "التاريخ " (2/1/35) ، والطبراني في "مسند
الشاميين" (495) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/242 - دمشق) من طريق عمرو
ابن شراحيل العنسي : [سمعت] حيان بن وبرة المُرِّي عن أبي هريرة مرفوعاً ... به .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات ؛ غير حيان هذا ، وفي ترجمته ذكر
البخاري هذا الحديث معلقاً ، لكن وقع عنده "حسان " ، وليس خطأ من الناسخ أو
الطابع ، فإنه في (باب حسان) ، ولم يذكر فيه جرحاً ، وكذلك فعل ابن أبي حاتم .
وأما ابن حبان ؛ فذكره في "الثقات " (4/172) على قاعدته! وقد وقع الاسم
عندهما على الصواب ، ولم يذكرا عنه راوياً غير العنسي ، وقد تحرفت هذه النسبة
على محقق "الثقات" إلى "العَيْشي " ؛ كما حققته في "التيسير" ، يسر الله لي إتمامه
بمنه وكرمه (*)!
ثم إن ابن عساكر أخرج الحديث من طريق آخر عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ :
"لا تزال عصابةٌ من أمتي يقاتلون على أبواب دمشقَ وما حولَها ، وعلى أبواب
بيت المقدس وما حولها ، لا يضرُّهم خذلان مَنْ خذلهم ، ظاهرين على الحق إلى أن
تقوم الساعة " .
وفيه من لا يعرف ، وهو مخرج في "فضائل الشام " (رقم 27 و 29) ، ثم قال
الحافظ ابن عساكر مشيراً إلى نكارة الحديث :
"وروي عن أبي هريرة من وجوه في أهل الشام على العموم من غير تخصيص
أهل دمشق " .
__________
(*) وقد تم بفضل الله - فيما نعلم - ولم يطبع بعد . (الناشر) .

(13/236)


قلت : لا يحضرني الآن شيء مما أشار إليه من العموم من حديث أبي هريرة ؛
من وجه يصح ، وقد ساق هو تلك الوجوه أو بعضها على الأقل ، ولا يخلو وجه
منها من علة ، ثم ساق له شواهد من حديث أنس وزيد بن أرقم ، وعبدالله بن
عمر ، وأبي الدرداء ، وعمران بن حصين ، ومعاذ بن جبل ، بعضها مرفوع ، وبعضها
موقوف ، يدل مجموعها على أن للحديث بذكر الشام أصلاً أصيلاً ، وبخاصة أن
حديث معاذ صحيح وإن كان موقوفاً ، فإنه في حكم المرفوع ، وبخاصة أنه مما
أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (55 - مختصر البخاري) . ثم وجدت لحديث
أبي هريرة في الشام طريقاً صحيحاً ؛ فخرجته في "الصحيحة" (3425) .
وأما الحديث بلفظ مطلق دون ذكر الشام ؛ فهو متواتر ، تجد كثيراً من طرقها
وألفاظها مخرجة في الكتاب الآخر : "الصحيحة" في مواطن عديدة ، فانظر
"صحيح الجامع " (7164 - 7173) .

6105 - ( إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً : إِنَّ لَهُ لَسَبْعَ دَرَجَاتٍ ، وَهُوَ عَلَى
السَّادِسَةِ - وَفَوْقَهُ السَّابِعَةُ - وَإِنَّ لَهُ لَثَلَاثَ مِائَةِ خَادِمٍ ، وَيُغْدَى عَلَيْهِ وَيُرَاحُ
كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثُ مِائَةِ صَحْفَةٍ - وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ : مِنْ ذَهَبٍ - ، فِي كُلِّ
صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى ، وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلَهُ كَمَا يَلَذُّ آخِرَهُ ، وَإِنَّهُ
لَيَقُولُ : يَا رَبِّ ! يَا رَبِّ ! لَوْ أَذِنْتَ لِي لَأَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَسَقَيْتُهُمْ لَمْ
يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِي شَيْءٌ ، وَإِنَّ لَهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ لَاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً
سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنْ الدُّنْيَا وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَيَأْخُذُ مَقْعَدُهَا قَدْرَ مِيلٍ
مِنْ الْأَرْضِ ) .
منكر .
أخرجه أحمد في "المسند" (2/537) من طريق سُكَين بن عبدالعزيز :
ثنا الأشعث الضرير عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال : ... فذكره مرفوعاً .

(13/237)


قلت : وهذا اسناد ضعيف ؛ علته شهر هذا ، وهو مختلف فيه ، والراجح
عندي أنه ضعيف لكثرة أوهامه ، وبهذا وصفه الحافظ في "التقريب" فقال :
"صدوق ، كثير الإرسال والأوهام " . وأجمل القول فيه في "الفتح" فقال :
"فيه مقال " .
كما تقدم قبل حديث . وإلى ذلك أشار المنذري ؛ فقال في "الترغيب "
(4/262 - 263) :
"رواه أحمد عن شهر عنه " .
وكذلك فعل الهيثمي فقال في "الجمع " (10/400) :
"رواه أحمد ، ورجاله ثقات ؛ على ضعف في بعضهم " .
قلت : وكأنه يشير إلى علة أخرى في إسناده ، فإن سكين بن عبدالعزيز
مختلف فيه أيضاً كما ترى في (التهذيب " و!الميزان " ، وقد ترجح عنده (0) أنه
ضعيف ؛ فأورده في "المغني في الضعفاء والمتروكين " فقال :
"قال النسائي : ليس بالقوي" ، ولم يزد . والله أعلم .
ثم إن في الحديث نكارة ظاهرة في غير ما موضع منه ، سبق الكلام في
أحدها ، تحت الحديث المشار إليه آنفاً (6103) ، وهو أنه مخالف للحديث
الصحيح : "له زوجتان من الحور العين " ، ويخالفه أيضاً في قوله في آخره :
"... على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء" .
وفي حديث آخر لأبي هريرة مرفوعاً بلفظ : "خلق الله آدم على صورته ، وطوله
ستون ذراعاً ...! الحديث وفي أخره :
__________
(*) يعني : الذ هبي . (الناشر) .

(13/238)


"فكل من يدخل الجنة على صورة آدم أوطوله ستون ذراعاً . .) ، وهو مخرج
في "الصحيحة ، (449) .
من أجل ذلك قال ابن القيم رحمه الله في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " :
لاوالحديث منكر يخالف الأحاديث الصحيحة ، فإن طول ستين ذراعاً لا
يحتمل أن يكون مقعد صاحبه بقدر ميل من الأرض ، وفي "الصحيحينأ في أول
زمرة تلج الجنة : "لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين) فكيف يكون لأدناهم
اثنتان وسبعون من الحور العين " . نقلته من "التعليق الرغيب " (63/4!) .

6106 - ( مَا وُجِدَ مِنْ نَاقِصِ الدِّينِ وَالْرَأْي أَغْلَبَ لِلرِّجَالِ ذَوِي الأَمْرِ
عَلَى أَمْرِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ ، قَالُوا : وَمَا نقْصُ دِينِهِنَّ ورأيِهِنَّ ؟ ، قَالَ : أمَّا
نقْصُ رأيِهِنَّ : فَجُعِلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ ، وأمَّا نقْصُ دِينِهِنَّ :
فإن إحداهن تَقْعُدُ ما شاء الُله من يومٍ وليلةٍ لا تسجُدُ للهِ سجدةً ) .
منكر بهذا اللفظ .
أخرجه الحاكم (2/ 190) فقال : ... وأخبرنا عبد الله بن
محمد بن موسى العدل - واللفظ له - : ثنا محمد بن أيوب : أنبأ يحيى بن
المغيرة السعدي : ثنا جرير عن منصور عن ذر عن وائل بن مُهانة السعدي عن
عبدالله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره ، وقبله
مقطع أخر بلفظ :
"يا معشر النساء! تصدقن ولو من حليكن ؛ فإنكن أكثر أهل جهنم " . فقالت
امرأة ليست من عِلْيَة النساء : وبم يا رسول الله! نحن أكثر أهل جهنم ؛ قال : "إنكن
تكثرن اللعن وتكفرن العشير" . وقال الحاكم :
"هذا حديث صحيح الإسناد" ! ووافقه الذهبي!

(13/239)


واغتر بذلك الشيخ التويجري في "صارمه " فَنَبا عن صوابه (ص 75 - 76) ؛
لأن وائل بن مهانة هذا : قال الذهبي نفسه في "الميزان " :
"لا يعرف ، له حديث واحد" . يعني : هذا . وقال الحافظ :
"مقبول " . يعني : عند المتابعة ، وإلا ؛ فلين الحديث .
قلت : ولم يتابع - كما يأتي - ، ولا ينفع فيه أن ابن حبان ذكره في "ثقاته "
(5/495) ؛ لأن ذلك من تساهله المعروف! وقد أشار إلى ذلك الذهبي بقوله في
" الكاشف " :
" وُثِّق " .
وفي الإسناد علة أخرى ؛ وهي تنحصر في : شيخ الحاكم ؛ فإني لم أعرفه ،
أو : محمد بن أيوب ؛ فلم أعرفه أيضاً . وبهذا الاسم والنسبة جمع فيهم الثقة
والضعيف ، ولا أدري إذا كان هذا أحدهم .
ثم إنه قد خولف ؛ فقد أخرجه النسائي في (العشرة) من "السنن الكبرى"
(5/398/9257) ، وأحمد (1/423) ومن طريقه الحاكم من حديث سفيان
الثوري عن منصور ... به ؛ بالمقطع الأول فقط دون حديث الترجمة . وقول أحمد
بمنصور الأعمش ، وأعاده (1/425) برواية أخرى عن الأعمش وحده .
وتابعهما الحكم قال : سمعت ذراً ... به ؛ دون حديث الترجمة .
أخرجه النسائي وأحمد (1/433) .
والمقطع الأول صحيح ؛ له شاهد من حديث ابن عمر عند مسلم وغيره ، وهو
مخرج في "الإرواء" (1/205) تحت الحديث (190) ، وتمامه حديث الترجمة لكن
بلفظ :

(13/240)


"وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن " . قالت : يا رسول
الله! وما نقصان العقل والدين ... الحديث نحوه ، إلا أنه قال في آخره :
"وتمكث الليالي ما تصلي ، وتفطر في رمضان ؛ فهذا نقصان الدين " .
فهذا هو المحفوظ ، فقوله فِي حَدِيثِ الترجمة : "لا تسجد لله سجدة" ... منكر
مخالف للحديث الصحيح من جهتين :
الأولى : أنه لم يذكر الصيام .
والأخرى : أنه ذكر السجدة مكان الصلاة ؛ فقد يأخذ منه بعض لا علم
عنده بالسنة وفقهها أن المرأة الحائض أو النفساء ليس لها أن تسجد سجدةً ما
- كسجدة الشكر والتلاوة - ، وهذا مما لا دليل عليه ، وإن كان يمكن تأويل السجدة
بالصلاة - من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل - ، لكن التأويل فرع التصحيح ، وإذا
لم يصح الحديث بهذا اللفظ ؛ فلا مسوغ للتأويل . فتنبه!
ثم رأيت الحديث قد أخرجه ابن حبان (818 و 1294 - موارد) من طريق
الحكم قال : سمعت ذراً ... به ، إلا أنه قال :
"لا تصلي فيه صلاة واحدة" .
وهذا هو الصحيح الثابت في الأحاديث الصحيحة ، ولكنه أوقفه على ابن مسعود
أيضاً!

6107 - (وما يُدريكِ ؟! لعله كان يَتَكَلَّمُ فيما لا يَعْنيه ، ويَمْنَعُ ما لا
يَضُرُّه ) .
ضعيف .
أخرجه أبو يعلى في (مسنده " (7/84/4017) ، وابن أبي الدنيا في

(13/241)


"الصمت" (73/109) من طريق يحيى بن يعلى الأسلمي عن الأعمش عن
أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال :
استشهد غلام منا يوم أحد ، فوجد على بطنه صخرة مربوطة من الجوع ،
فمسحت أمه التراب عن وجهه ، وقالت : هنيئاً لك يا بني! الجنة . فقال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، ومتن منكر ؛ وفيه علتان :
الأولى : الانقطاع بين الأعمش وأنس : فإنه لم يسمع منه ، وقد وصله بعضهم
ولا يصح كما يأتي .
والأخرى : يحيى بن يعلى الأسلمي : وهو ضعيف ، وبه أعله الهيثمي في
"المجمع" (10/303) . لكنه قد توبع على إسناده من حفص بن غياث عن
الأعمش ... به ؛ نحوه دون ذكر الاستشهاد .
أخرجه "الترمذي (7/77/7 231) ، وأبو نعيم في "الحلية" (5/55 - 56)
والبيهقي في "شعب الإيمان " (7/425 - لبنان) ، وقال الترمذي :
"حديث غريب " . وقال البيهقي :
"هذا هو المحفوظ " .
قلت : ثم رواه من طريق أبي حنيفة الواسطي عن الحسن بن جبلة عن
سعيد بن الصلت عن الأعمشى عن أبي سفيان عن أنس ... به ؛ مثل حديث
الترجمة ، وفيه ذكر الاستشهاد .
وهذا منكر غير محفوظ - كما يشير إلى ذلك قول البيهقي المذكور آنفاً - ،
وعلته سعيد بن الصلت هذا ؛ فإني لم أعرفه ، ويبعد أن يكون سعيد بن الصلت

(13/242)


المصري الذي سمع ابن عباس ، وترجمه البخاري (2/1/ 483) ، وابن أبي حاتم
(2/1/ 34) ، وذكره ابن حبان في "ثقات التابعين" (4/285) ؛ فهذا متقدم على
الأعمش فضلاً عن الراوي عنه لهذا الحديث ، فالظاهر أن الخلط ممن دونه لما يأتي .
والحسن بن جبلة : لم أجد له ترجمة فيما عندي من كتب الرجال .
وأبو حنيفة الواسطي هو : محمد بن ماهان فيما ذكر الدولابي ! في "الكنى"
(ص 160) ، وساق له حديثين من رواية شيخين ، مات أحدهما سنة (266) ،
والآخر سنة (274) ، وسماه الذهبي في "المقتنى" محمد بن حنيفة بن ماهان
الواسطي ، ولم أره هكذا في "تاريخ واسط " لبحشل ، وإنما فيه محمد بن ماهان ،
وروى عنه بالواسطة في غير ما موضع ، وذكر (ص 157) عن أحمد بن محمد ين
ماهان قال : توفي أبي سنة أربع ومائتين .
قلت : وهذا مما يبعد جدّاً أن يدركه أحد الشيخين المذكور سنة وفاتهما ،
فالأقرب أنه الذي في "تاريخ بغداد "(2/296) ! ؛ فإنه ذكر في شيوخه الحسن بن
جبلة الشيرازي ، لكن سماه : "محمد بن حنيفة بن محمد بن ماهان أبو حنيفة
القصبي الواسطي "، ولكنه في أثناء الترجمة وقع في رواية له : وأبو حنيفة محمد
ابن حنيفة بن ماهان " فسقط منه محمد والد حنيفة ، فلا أدرفي أهو سقط من الراوي
أو من الطابع ، أو أنه زيادة منه في أول الترجمة ؛ وأفاد أنه من شيوخ الدارقطني
وأنه قال : "ليس بالقوي "، ثم أفاد أنه كان موجوداً سنة سبع وتسعين ومائتين .
وللحديث طريق أخرى من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يرويه عصام بن
طليق البصري عن شعيب بن العلاء عنه ، قال :
قتل رجل على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهيداً ، قال : فبكت عليه باكية ، فقالت :
واشهيداه ! قال : فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(13/243)


"مَهْ ، ما يدريك أنه شهيد ، ولعله كان يتكلم بما لا يعنيه ، ويبخل بما لا
ينقصه" .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (11/523/6646) ، وابن عدي في "الكامل "
(5/370 - 371) ، ومن طريقه البيهقي في "الشعب " (2/74/2 - المصورة) .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ وفيه علتان :
الأولى : شعيب : هذا في عداد المجهولين ، لم يذكره أحد من علماء الجرح
والتعديل - فيما علمت - غير ابن حبان ، أورده في "ثقات التابعين" (4/357)!
بهذه الرواية!
والأخرى : عصام بن طليق : متفق على تضعيفه ؛ بل قال البخاري :
"مجهول ، منكر الحديث " . وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/174) :
"كان ممن يأتي بالمعضلات عن أقوام ثقات ؛ حتى إذا سمعها مَن الحديثُ
صناعته ؛ شهد أنها معمولة أو مقلوبة" .
قلت : فالعجب من ابن حبان أن يورد في "ثقاته " شعيب بن العلاء شيخ
طليق هذا الواهي ، وليس له راوٍ آخر!
والحديث - قال الهيثمي (10/303) - :
" رواه أبو يعلى ، وفيه عصام بن طليق ؛ وهو ضعيف" .
وفاته هو وغيره إعلاله أيضاً بجهالة شيخه!
(تنبيهات) :
الأول : سقط من "المجمع " لفظ : (شهيد) ، ولعله من الناسخ أو الطابع .

(13/244)


والثاني : سقط من "التهذيب" عبارة ابن حبان بتمامها إلا قوله : "معمولة أو
مقلوبة" ... ووقعت ملحقة بقول البخاري المتقدم!
والثالث : أن المعلق على . "ثقات ابن حبان " لم يعرف عصام بن طليق هذا ؛
كما يشعر به قوله معلقاً عليه :
" وفي "اللسان " (4/167) : عصام بن أبي عصام "!
ففاته أنه غير عصام بن طليق ، وأن هذا مترجم في "التهذيب " .
هذا ؛ وإنما خرجت الحديث هنا لأنني استنكرت ذكر الاستشهاد في بعض
طرقه مع ضعفها ، ولمنافاة ذلك لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين" .
رواه مسلم وغيره ، وهو مخرج في "الإرواء" (1196) وغيره ، فكيف لا يغفر له ما
ذكر في الحديث مع الكلية المذكورة في الحديث الصحيح ، ولم يستثن منها إلا
الدين ؟!
وقد تاكدت من نكارة ذلك حين وجدت للحديث شاهداً بإسناد حسن عن
كعب بن عجرة فيه أنه كان مريضاً فقالت أمه : هنيئاً لك الجنة! فذكر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الحديث ؛ فصح أنه قاله في المريض وليس في الشهيد . فالحمد لله على توفيقه ،
وأسأله المزيد من فضله ، وقد كنت أشرت إلى حديث كعب هذا في تعليقي على
"رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" (ص 72) ، ولكن لم أكن وقفت
على إسناده ، فلما علمت به ؛ بادرت إلى تخريجه في "الصحيحة" (3103) لجودة
سنده ، وسلامته من النكارة .

6108 - (اكتَحَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صائم ) .
ضعيف .
أخرجه ابن ماجه (1678) ، والطبراني في "الصغير" (ص 80 -

(13/245)


هندية) ، وابن عدي في "الكامل " (3/406) من طريق هشام بن عبدالملك الحمصي :
ثنا بقية : ثنا الزبيدي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : ... فذكره .
والسياق لابن ماجه .
قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات إن كان الزبيدي هذا هو محمد بن الوليد ؛ كما
وقع في إسناد الطبراني مصرحاً به ، وكنت تبنيت هذا في تعليقي على "الروض
النضير" (759) ، لتصريح رواية الطبراني به ، ولأنه هو المراد بهذه النسبة : (الزبيدي)
عند الإطلاق . ثم تبين لي منذ سنين أنني كنت واهماً في ذلك فذكرت في
"الضعيفة" (3/76) عن أنس أنه كان يكتحل وهو صائم . وقلت :
"وفي معناه أحاديث مرفوعة لا يصح منها شيء ؛ كما قال الترمذي وغيره " .
فأشكل هذا على بعض الطلبة الجزائريين - وحق له ذلك - حينما وجد هذا
التضعيف العام معارضاً لتصحيحي للحديث في (صحيح ابن ماجه !" (1360)
معزواً لـ"الروض " ، فرأيتني مضطراً لإعادة النظر في هذا الحديث على ضوء ما جد
من المعلومات والمطبوعات الحديثية ؛ فأقول :
لقد تأكدت من الوهم المذكور من الوجوه التالية :
الأول : أن رواية الطبراني المصرحة بأنه محمد بن الوليد هي من رواية الحسين
ابن تقي بن أبي تقي الحمصي حفيد هشام بن عبدالملك ، ولم أجد له ترجمة ،
ويظهر لي أنه من شيوخ الطبراني الذين لم يكثر من الرواية عنهم ؛ فإنه لم يرو عنه
في "المعجم الأوسط " إلا حديثاً واحداً (3641) غير هذا ، فهو - والله أعلم - غير
معروف العدالة ؛ فمثله لا تقبل زيادته على الحافظ ابن ماجه ، وقد رواه عن هشام
ابن عبدالملك مباشرة ، ولا سيما وقد تابعه الحسين بن عبدالله القطان عن هشام ،
والقطان ثقة حافظ أيضاً ، وعنه رواه ابن عدي .

(13/246)


وحينئذٍ لا يكفي للجزم بأنه محمد بن الوليد أنه المتبادَر عند إطلاق : (الزبيدي) ،
بل لا بد مع ذلك من قرينة أخرى تؤيده ، وهذا غير متوفر ، بل الموجود خلافه
وهو ما يأتي :
الثاني : أنني وقفت فيما بعد على رواية ثقتين عن بقية ، صرحا بأنه غير
محمد بن الوليد :
الأولى : قال أبو يعلى في "مسنده " (8/225/4792) ومن طريقه ابن عدي :
حدثنا عبدالجبار بن عاصم : حدثني بقية بن الوليد الحمصي أبو يُحمِد عن سعيد
ابن أبي سعيد الزبيدي ... به .
والأخرى : كثير بن عبيد : ثنا بقية عن سعيد الزبيدي ... به .
أخرجه ابن عدي .
قلت : فبهاتين الروايتين تعين أن الزبيدي في الرواية الأولى هو سعيد بن أبي
سعيد ... وليس : محمد بن الوليد ، وفي ترجمة ابن أبي سعيد أورده ابن عدي ،
وساق له أحاديث هذا أحدها ، وحديثاً آخر من طريق يحيى بن عثمان (وهو
الحمصي ، ثقة أيضاً) : ثنا بقية عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي ... إلخ . وقال
ابن عدي :
"وعامة أحاديثه ليست بمحفوظة " .
وذكر في أول الترجمة أنه مجهول . وتبعه البيهقي (4/262) . ورده الحافظ
في "التلخيص" فقال (2/ 190) :
"وليس بمجهول ؛ بل هو ضعيف ، واسم أبيه عبدالجبار على الصحيح ، وفرق
ابن عدي بين سعيد بن أبي سعيد الزبيدي - فقال : هو مجهول - وسعيد بن
عبدالجبار - فقال : هو ضعيف - ؛ وهما واحدا" .

(13/247)


قلت : وروى ابن عدي (3/386) عن جرير أنه كان يكذبه . وقال أبو أحمد
الحاكم :
"يرمى بالكذب " .
وشذ ابن التركماني ؛ فقال في "الجوهر النقي " (1/253) :
" وقال صاحب "الإمام " : ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب : سعيد بن أبي سعيد
هذا فقال : واسم أبيه عبدالجبار ، وكان ثقة ... وذكره ابن حبان في كتاب
"الثقات " وقال : روى عنه أهل بلده ؛ وهذا ينفي عنه الجهالة"!
قلت : إن نفى ذلك عنه الجهالة ؛ فبه لا تثبت العدالة ؛ لما عرف به ابن حبان
من التساهل في التوثيق ، وأما ما حكاه عن الخطيب أنه وثقه ؛ فهو نقل غريب ،
فإن ثبت عن الخطيب ؛ فالجرح مقدم على التعديل ، والله أعلم .
ثم رأيت الحافظ العراقي في شرحه على الترمذي (ج 2 ق 26/2) بعد أن ذكر
ما تقدم عن صاحب "الإمام " : أنه غلط وقع في النسخة التي نقل منها ، إنما نقل
الخطيب في كتاب "المتفق والمفترق " (*) : وكان غير ثقة ... إلخ كلامه .
بقي شيء ، وهو أن الحديث مدار طرقه على بقية عن سعيد هذا ، ولم يصرح
بالتحديث عنه إلا في رواية ابن ماجه ، فإن كان محفوظاً ؛ فالعلة من شيخه
سعيد ، وإلا ؛ فهي علة أخرى ؛ لأنه كان مدلساً ، ولم يصرح بالتحديث في كل
الروايات الآخرى .
هذا وفي النسخة المطبوعة من "سنن ابن ماجه " "الزبيدي " لم يسمه ، كما
سبق ، فقول الحافظ في "التهذيب " :
__________
(*) في الأصل : المختلف . (الناشر) .

(13/248)


"ووقع في روايته : سعيد بن أبي سعيد" لعله في بعض النسخ من "السنن " .
والله أعلم . ثم رأيت العراقي صرح في "شرحه" المتقدم أن ابن ماجه لم يسمه .
وجملة القول ؛ أن الحديث بهذا الإسناد ضعيف ، وقد ضعفه النووي وتبعه
الحافظ ابن حجر في "التلخيص " ؛ ولكنه قال :
"وفي الباب عن بريرة مولاة عائشة في "الطبراني الأوسط " . وعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ
في "شعب الإيمان" للبيهقي بإسناد جيد" .
فأقول : أما حديث بريرة : فقد وقفت على إسناده في "المعجم الأوسط" ؛ قال
(2/133/1/7054) : حدثنا محمد بن علي بن حبيب : ثنا أبو يوسف الصيدلاني :
ثنا محمد بن مهران المِصِّيْصِيُّ عن مغيرة بن مغيرة الرملي عن إبراهيم بن أبي
عبلة عن ابن مُحَيْرِزٍ عن بريرة مولاة عائشة قالت :
رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكتحل بالإثمد وهو صائم .
وقال الطبراني :
"لم يروه عن إبراهيم بن أبي عبلة إلا مغيرة بن مغيرة ، ولا عن مغيرة إلا
محمد بن مهران ، تفرد به أبو يوسف الصيدلاني " .
قلت : وهو ثقة حافظ - كما في "التقريب" - ، واسمه : محمد بن أحمد بن
محمد بن الحجاج الرَّقي .
ومحمد بن مهران المصيصي : لم أجد له ترجمة ولا في "تاريخ دمشق " لابن
عساكر ، وهو من شرطه .
ومغيرة بن مغيرة الرملي : ترجمه ابن عساكر (17/103) برواية جمع من
الثقات عنه ، وكناه بأبي هارون الربعي الرملي ، وروى عن ابن أبي حاتم أنه قال :

(13/249)


"سألت أبي عنه ؛ فقال : لا بأس به ".
وهذا موجود في "الجرح والتعديل " ، لكن وقع فيه : (مغيرة بن أبي مغيرة
الرملي) ... بزيادة أداة الكنية : (أبي) ؛ فيصحح من "التاريخ" .
وهذه الترجمة عزيزة جدّاً ؛ حتى فاتت الحافظين الذهبي والعسقلاني ، فقال
في " الميزان " :
"لا أعرفه "! وتبعه في "اللسان "!
ولعل الهيثمي أيضاً تابع له حين قال في الحديث (3/167) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " ، وفيه جماعة لم أعرفهم " .
وأما حديث ابن عباس الذي عزاه الحافظ لـ "شعب " البيهقي ؛ فلم نجده في
مظانه منه بعد الاستعانة عليه بفهرسه ، فإن وجد ، وتبين أن إسناده جيد - كما
قال الحافظ - ؛ فلينقل إلى "الصحيحة " .
وأما ما ذكره بعض إخواننا : أنه يحتملى أن الحافظ أراد بحديث ابن عباس
حديثه الذي ذكره شيخه العراقي في "شرح الترمذي " - بعد كلامه على حديث
الترجمة وغيره - ، فقال :
"وأما حديث ابن عباس فرواه البيهقي في "شعب الإيمان " من رواية الحسين
ابن بشبر عن محمد بن الصَّلْت عن جُويبر عن الضحاك عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً
بلفظ : "من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء ؛ لم يرمد أبداً" . قال البيهقي إسناده
ضعيف ..." .
فأقول : أستبعد جدّاً أن يكون الحافظ أراد هذا الحديث ؛ لأمرين :
الأول : أنه ليس فيه ذكر الاكتحال في رمضان .

(13/250)


والآخر : أنه حديث موضوع ؛ كما تقدم تحقيقه في الجلد الثاني من هذه
"السلسلة" رقم (624) ، وفي سنده كما ترى جويبر ، قال الحافظ فيه :
"ضعيف جدّاً " .
فكيف يعقل مع هذا كله أن يقصد الحافظ حديث جويبر هذا ، وهو يقول في
حديث ابن عباس : "بإسناد جيد" ؟!

6609 - ( مَن فرَّ بدينه من أرضٍ إلى أرضٍ مَخَافةً على نفسه ودينه ؛
كُتِب عند الله صِدِّيقاً ، فإذا مات ؛ قَبَضَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ شهيداً ) .
موضوع .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " بسنده عن مجاشع بن عمرو
عن خالد بن يزيد القرشي عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن أبي
الدرداء ... رفعه .
ذكره السيوطي في "ذيل اللابهئ المصنوعة" (127 - هندية) وقال :
"مجاشع يضع الحديث " .
ووافقه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/187) ، واقتصر القرطبي في تفسيره
"الجامع " (5/347 و 13/358) على الإشارة لضعفه بقوله :
"وروي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... " فذكره بلفظ :
"من فر بدينه من أرض إلى أرض - وإن كان شبراً - ؛ استوجب الجنة ، وكان
رفيق إبراهيم ومحمد عليهما السلام " .
وبهذا اللفظ أخرجه الثعلبي في "تفسيره " (ق 62/ 1) عن صالح بن محمد
عن سليمان عن عباد بن منصور الناجي عن الحسن ... مرفوعاً .

(13/251)


قلت : وهذا إسناد واهٍ مرسل ؛ الحسن هو البصري .
وعباد بن منصور الناجي : قال الحافظ في "التقريب " :
"صدوق ، رمي بالقدر ، وكان يدلس ، وتغير بأَخَرَة" .
قلت : واللذان دونه لم أعرفهما ، ويحتمل أن يكون سليمان هو ابن عمرو أبا
داود النخعي الكذاب .
ولم يتكلم عليه الحافظ في "تخريج الكشاف " فقال في تخريجه (4/48
و 128) :
" أخرجه الثعلبي في "تفسير العنكبوت " من رواية عباد بن منصور الناجي
عن الحسن مرسلاً " .

6110 - ( مَن نظرَ إلى فرجِ امرأةٍ ؛ لم تَحِلَّ له أمُّها ولا ابنتُها) .
منكر .
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (4/165) : جرير بن عبدالحميد
عن حجاج عن أبي هانئ قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف مرسل ، أبو هانئ هذا لم أعرفه ، وقد ذكر الذهبي
في "المقتنى" خمسة بهذه الكنية وسماهم ، ولم يتبين لي أنه منهم ، وكلام
البيهقي الآتي يشعر بأنه مجهول لا يعرف .
والحجاج الظاهر أنه ابن أرطاة ، وبه جزم البيهقي ، وهو كوفي ، وكذا الراوي
عنه جرير بن عبدالحميد ، قال البيهقي في (باب الزنا لا يحرم الحلال) من "السنن
الكبرى ، (7/ 170) :
"وأما الذي يروى فيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إذا نظر الرجل إلى فرج المرأة ؛ حرمت

(13/252)


عليه أمها وابنتها" ؛ فإنه إنما رواه الحجاج بن أرطاة عن أبي هانئ ، أو أم هانئ عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وهذا منقطع ، ومجهول ، وضعيف ، الحجاج بن أرطاة لا يحتج به فيما
يسنده ، فكيف بما يرسله عمن لا يعرف ؟! " .
وجزم الحافظ في "الفتح " (9/156) بأنه حديث ضعيف ، وعزاه لابن أبي
شيبة من حديث أم هانئ ؛ كذا وقع فيه : (أم هانئ) ... والصواب : (أبو هانئ) - كما
سبق عن "المصنف " - ، وكذلك وقع في "الدر المنثورة (2/136) معزواً لابن أبي
شيبة ، ووقع عند البيهقي معلقاً على الشك : (أبي هانئ ، أو : أم هانئ) - كما
رأيت - ، فإن كان محفوظاً ؛ ففيه إشارة إلى أن الراوي لم يحفظه جيداً ، ولعل ذلك
من الحجاج أو من شيخه الذي أسقطه من الإسناد ؛ فإنه مشهور بالتدليس . والله
أعلم .

6111 - (إذا نكحَ الرجلُ المرأةَ فلا يحلُّ له أن يتزوّج أمَّها دَخَلَ
بالابنةِ أو لم يدخُلْ ، وإذا تزوجَ الأمَّ فلم يدخلْ بها ثم طَلَّقها ؛ فإن شاءَ
تزوجَ الابنةَ ) .
ضعيف .
قال السيوطي في "الدر المنثور" (2/135) :
"أخرجه عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في
"سننه " من طريقين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال : ... " فذ كره .
وأقول : لقد كنت خرجت الحديث في "الإرواء" (6/286/1879) بلفظ :
"أيما رجل نكح امرأة ... " الحديث ، وبينت علته ، وذكرت من ضعفه من الأئمة بما
يغني عن إعادة ذلك هنا ، وإنما أوردته هنا بتخريج السيوطي المذكور لفوائد جديدة
وغيرها من الأمور الآتية :

(13/253)


أولاً : اقتصر السيوطي في "الجامع الكبير" في تخريجه على البيهقي فقط!
وفي ذلك دلالة على أنه قد يوجد في الكتاب غير الختص بالحديث من الفواثد ما
لا يوجد في المختص فيه .
ثانياً : أخرجه عبدالرزاق في (المصنف " (6/276/10821 و278/10830)
مفرقاً في موضعين ، قال : أخبرني من سمع المثنى بن الصباح عن عمرو بن
شعيب ... به ، وقد وصله ابن جرير والبيهقي من طريق ابن المبارك قال : أخبرنا
المثنى ابن الصباح ... به . وقد تابعه ابن لهيعة عن عمرو ، كما كنت خرجته
هناك ، ومنهم الترمذي وقال :
"لا يصح ... ، والمثنى وابن لهيعة يضعفان في الحديث " .
ثالثاً : حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حسن ؛ كما تقرر عند المحققين
من أهل العلم إذا ثبت السند إليه ، فقد يقول قائل : ألا يتقوى حديثه هذا بمتابعة
المثنى لابن لهيعة؟ وما وجه جزم الترمذي مع ذلك بأنه لا يصح ؟
قلت : الجواب : قال الحافظ في (تخريج أحاديث الكشاف " (4/ 41) عقب
قول الترمذي المذكور :
"ويشبه أن يكون ابن لهيعة أخذه عن المثنى ؛ لأن أبا حاتم قال : "لم يسمع
ابن لهيعة من عمرو بن شعيب شيئاً ؛ فلهذا لم يرتق هذا الحديث إلى درجة
الحسن" .
رابعاً : وخفي هذا التحقيق من الحافظ والإعلال من ابن أبي حاتم على
الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ؛ فذهب في تعليقه على "تفسير ابن جرير" (8/146)
إلى تقوية الحديث بمتابعة ابن لهيعة هذه ، ولم يتنبّه إلى أن مدارها على ابن المثنى!
ويؤكد ذلك ما في "التهذيب " :

(13/254)


"وقال أحمد بن حنبل : كتب (ابن لهيعة) عن المثنى بن الصباح عن عمرو
ابن شعيب ، فكان بعد يحدث بها عن عمرو بن شعيب "!
قلت : والظاهر أن ذلك كان عن نسيان منه ؛ كما أشار إلى ذلك ابن عدي في
آخر ترجمته إياه (4/154) ، وذكر فيها هذا الحديث فيما استنكر عليه . وهذا هو
السبب في خلو (مسند ابن عمرو) في "مسند أحمد" من رواية ابن الهيعة عن
عمرو بن شعيب . مع أن فيه من رواية آخرين عنه ، منهم المثنى كما تقدم . فخذها
فائدة قد لا تجدها في غير هذا المكان .
خامساً : لم يكتف أحمد شاكر بها سبق ذكره عنه ؛ بل قال في المثنى :
"نرى أن حديثه حسن ؛ لأنه اختلط أخيراً ، كما فصلناه في "المسند" في
الحديث 6893 " .
قلت : وإذا رجع القارئ إلى المكان المشار إليه ؛ وجد أنه ذكر تضعيفه عن أبي
حاتم وأبي زرعة وابن سعد والنسائي وغيرهم ، وقد اختلط في آخر عمره ... قال
بعد أن نقل عن البخاري اختلاطه :
"ولعل هذا أعدل ما قيل فيه " .
فأقول : لو سلمنا بهذا ؛ فمن المعلوم أن حديث المختلط ضعيف عند ، المحدثين :
إلا إذا حدث به قبل الاختلاط ، وكان هو في نفسه ثقة ، وكل من الأمرين هنا غير
متحقق ؛ أما الأول : فلأنه لا يدرى هل حدث بهذا الحديث قبل الاختلاط أم
بعده ؟
والأخر : فلأنهم قد أجمعوا على تضعيفه إلا رواية عن ابن معين ، لكنه في
روايتين أخريين عنه ضعفه ، فهذا أولى بالاعتماد ؛ لموافقته لأقوال الأئمة الآخرين ،

(13/255)


فإنها مجمعة على تضعيفه ، وإن اختلفت عباراتهم ؛ ولذلك قال ابن عدي في آخر
ترجمته (6/425) :
"وقد ضعفه الأئمة المتقدمون ، والضعف على حديثه بَيِّن " .
بل قد ضعفه جدّاً بعضهم ، فقال النسائي وابن الجنيد :
"متروك الحديث " . وقال الساجي :
"ضعيف الحديث جدّاً ، حدث بمناكير يطول ذكرها" .
قلت : فكيف يستقيم تحسين حديث من هذا حاله ؟!
سادساً : وأنكر مما سبق ما وقع في تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن "
(5/106 -107) :
" أخرجه في الصحيحين "!
وهذا وهم محض ، ولعله من بعض النساخ . والله أعلم .

6112 - ( لا يفسد حلالٌ بحرامٍ ، ومن أتى امرأة فُجوراً فلا عليه
أن يتزوجَ أمَّها أو ابنتَها ، فأما نكاحٌ ؛ فلا ) .
باطل .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (5/ 160) ، ومن طريقه البيهقي في
"السنن " (7/169) بسنده الصحيح عن محمد بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن
إسماعيل عن عثمان بن عبدالرحمن عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي
الله عنها قالت : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال البيهقي :
"تفرد به عثمان بن عبدالرحمن الوقاصي هذا ، وهو ضعيف ، قاله يحيى بن
معين وغيره ، والصحيح عن ابن شهاب الزهري عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرسلاً
موقوفاً! .

(13/256)


قلت : والوقاصي : ألان البيهقي القول فيه ، وحاله أسوأ مما قال : فقد كذبه
ابن معين - كما تقدم غير مرة - .
والمغيرة بن إسماعيل : مجهول ، كما قال ابن أبي حاتم (4/1/ 219) :
"مجهول " . ووافقه الذهبي والعسقلاني .
وابنه محمد : صدوق يغرب - كما في "التقريب " . .
وقد خالفه في متنه عبدالله بن نافع الخزومي ؛ فرواه عن المغيرة بن إسماعيل ...
به نحوه ، وقد مضى برقم (388) ، ورواه ابن عدي أيضاً في ترجمة الوقاصي وقال :
"وعامة أحاديثه مناكير إسناداً ومتناً" .

6113 - (إِنَّ مُؤْمِنِي الجِنِّ لَهُم ثَوَابٌ ، وَعَلَيْهِم عِقَابٌ . فسأَلنَاهُ عَنْ
ثَوَابِهِم وَعَنْ مُؤْمِنيهِم ؟ قَالَ: عَلَى الأَعْرَافِ ، وَلَيسُوا فِي الجَنَّةِ مع محمد
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَسَألْنَاه :وَمَا الأَعْرَافُ؟ قَالَ:حَائِطُ الجَنَّةِ تَجرِي فِيْهِ الأَنْهَارُ ،
وَتَنبُتُ فِيْهِ الأَشجَارُ وَالثِّمَارُ ) .
موضوع .
أخرجه البيهقي في "البعث " (107/108) ، وابن عساكر من طريقه
وطريق غيره في "تاريخ دمشق " (17/ 910 - المدينة) ، والذهبي في "سير الأعلام "
(17/7 - 8) من طريق الوليد بن موسى : حدثنا منبه بن عثمان عن عروة بن رويم
عن الحسن عن أنس بن مالك ... مرفوعاً . وقال الذهبي :
"هذا حديث منكر جدّاً" .
وأقول : وآفته الوليد بن موسى - وهو : الدمشقي - : قال العقيلي (4/ 321) :
"أحاديثه بواطيل لا أصول لها ، ليس ممن يقيم الحديث " .

(13/257)


ثم ساق له حديثين - أحدهما الآتي عقب هذا - ، وقال :
"لا أصل له " - كما يأتي - . وقال ابن حبان في "الضعفاء" (3/82) - وقد
ساق له حديثاً تقدم (2353) - :
"لا أصل له " . وفي " الميزان " :
"عن سعيد بن بشير ، قال الدارقطني : منكر الحديث . وقواه أبو حاتم ، وقال
غيره : متروك . وله حديث موضوع " .
قلت : وأظن أنه يعني الحديث الآتي بعد هذا ، وتقدم له حديث آخر برقم
(2353) .
وقول الذهبي : "وقواه أبو حاتم " بينه الحافظ في "اللسان " بقوله :
"ولفظ أبي حاتم : صدوق ، ليِّن ، حديثه صحيح " .
وليس للوليد المذكور ترجمة في "الجرح والتعديل " ، وبذلك صرح ابن عساكر
في آخر ترجمة الوليد هذا ؛ فلا أدري أين قال هذا القول الغريب : "صدوق ، لين ،
حديثه صحيح "! ولولا أن الذهبي أشار إلى هذا القول - كما تقدم - " لقلت : إنه
دخل عليه ترجمة في أخرى ؛ فقد وجدت في "الجرح " (4/2/19) ما قد يجعل
ذلك محتملاً ، فقد ذكر في ترجمة الوليد بن الوليد العَنَسي القلانِسي الدمشقي :
روى عن ابن ثوبان وسعيد بن بشير ، ثم قال :
"سألت أبي عنه ؛ فقال : هو صدوق ، ما بحديثه بأس ، حديثه صحيح " .
فقلت في نفسي : لعله الذي أشار إليه الذهبي وأراده الحافظ ، مع ملاحظة
الفرق بين هذا وبين ما نقله الحافظ وهو قوله : " ليِّن " ... مكان : "ما بحديثه بأس " .
وهذا التعبير ليس فيه تلك الغرابة التي أشرت إليها آنفاً ؛ فإن وسطه منسجم مع
طرفيه - كما هو ظاهر - .

(13/258)


ثم وجدت ما يزيل الإشكال : فقد رأيت الذهبي أعاد ترجمة الوليد هذا فقال :
"الوليد بن الوليد الدمشقي ، عن سعيد بن بشير ، قال الدارقطني وغيره :
منكر الحديث " . فقال الحافظ في "اللسان " :
"قلت : هو ابن موسى الذي تقدم " .
فإذا كان كذلك ؛ فما نقله الحافظ في ترجمة الأول عن أبي حاتم قد ذكره
ابن هذا في ترجمة الآخر ، وتبين أن الترجمة واحدة ؛ فهو الوليد بن موسى ،
وهو الوليد بن الوليد نفسه ، فلعل أحد أبويه هو جده ؛ فبعضهم نسبه إلى أبيه ،
وبعضهم إلى جده . والله أعلم .
والغريب أن الحافظ ابن عساكر قد ترجم للوليد ابن الوليد أيضاً (17/913 -
915) ، ولكنه لم يشر إلى أنه الأول ، فظاهر صنيعه أنه غيره . فالله أعلم .
وبناء على أنهما واحد قال الحافظ عقب قول أبي حاتم المتقدم :
"وقال الحاكم : "روى عن عبدالرحمن بن ثابت عن ثوبان أحاديث موضوعة " ،
وبين الكلامين تباعد عظيم " .
والحديث عزاه ابن كثير في (تفسير الأعراف) للبيهقي وابن عساكر ، ساكتاً عليه ،
ولكنه أشار إلى علته بسوقه إسناده من الوليد هذا ، بخلاف السيوطي الذي
عزاه في "الدر المنثور" و"الجامع الكبير" للبيهقي وحده ؛ ساكتاً عنه على غالب عادته!

6114 - ( آجالُ البهائمِ كلِّها - من القَمْلِ ، والبراغيثِ ، والجَرَادِ ،
والخيلِ ، والبِغالِ ، والدوابِّ كلِّها ، والبقرِ ، وغيرِ ذلك ؛ آجالُها في -
التسبيحِ ، فإذا انقضى تسبيحُها ؛ قبضَ اللهُ أرواحَها ، وليس إلى مَلَكِ
الموتِ مِنْ ذلك شيءٌ ) .
موضوع .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/ 321 - 322) ، ومن طريقه ابن

(13/259)


الجوزي في "الموضوعات " (3/222)، وكذا ابن عساكر (17/910-911) من طريق
الوليد بن موسى الدمشقي قال : حدثنا عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي عن
يحيى بن أبي كثير عن الحسن عن أنس ... مرفوعاً . وقال العقيلي :
"الوليد هذا أحاديثه عن الأوزاعي بواطيل لا أصول لها ، ليس ممن يقيم الحديث " .
ثم ساق له حديثين هذا أحدهما ، وقال عقبه :
"لا أصل له من حديث الأوزاعي ولا غيره" . وبهذا أعله ابن الجوزي ، وبقول
ابن حبان :
"الوليد يروي عن الأوزاعي ما ليس من حديثه ؛ لا يجوز الاحتجاج به " .
وتقدمت ترجمته وما قال فيه أبو حاتم في الحديث الذي قبله ، وقول الذهبي
المخالف له :
"له حديث موضوع " ، وأنه يعني هذا فيما أظن ، ونحوه قول الحافظ في آخر
الترجمة :
"وهذا منكر جدّاً" .

6115 - ( وَلَدُ الزِّنا ليس عليه من إِثْمِ أبَوَيْه شيءٌ . ثم قَرَأَ : {وَلَا تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
منكر .
أخرجه الطبراني في "الأوسط " (1/250/2/4322 - بترقيمي) من
طريق جعفر بن محمد بن جعفر المدائني قال : نا عباد بن العوام عن سفيان عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ... مرفوعاً . وقال :
"لم يرفع هذا الحديث عن سفيان الثوري إلا عباد بن العوام ، تفرد به جعفر
ابن محمد المدائني " .
قلت : قال فيه الهيثمي (6/257) بعدما عزاه للطبراني :

(13/260)


"ولم أعرفه" . وفاته أنه ذكره ابن حبان في "الثقات " فقال (8/162) :
"يروي عن يزيد بن هارون وأبيه ، روى عنه أهل واسط " .
وهكذا ذكره الهيثمي نفسه في كتابه "ترتيب ثقات ابن حبان " فكأنه نسي ،
أو أنه ألفه بعد يهيفه لـ"مجمع الزوائد" ، وهذا ما أستبعده .
لكن قد استدركه الحافظ في "اللسان " (2/126) فذكره بروايته عن يزيد بن
هارون وأبي نعيم وغيرهما ، ثم قال :
"قال الجورقاني في كتاب "الأباطيل " : مجروح " .
قلت : ساق له حديثاً بإسنادين له ؛ أحدهما إلى علي ، والآخر إلى أنس ،
وقال (2/239) :
"حديث باطل ، وجعفر بن محمد مجروح " .
ومن الغريب أن الحافظ لم يشر - ولو أدنى إشارة - إلى كونه في "ثقات ابن
حبان "! فكأنه أصابه ما أصاب شيخه الهيثمي . ولعل تلميذه الحافظ السخاوي ،
وقف على ترجمة جعفر هذا في "الثقات" ؛ فقد نقل عنه ابن عراق في "تنزيه
الشريعة " (2/228) أنه قال :
"وسنده جيد " .
فإن هذا التجويد لا وجه له إلا على اعتبار أنه وقف على هذا التوثيق ، وإن
كان توثيقاً ليِّناً لتفرد ابن حبان به ، ومخالفته لتجريح الجورقاني ؛ ولأنه قد خولف
في رفعه ، رواه البيهقي (10/58) من طريق أبي نعيم : ثنا سفيان عن هشام عن
أبيه عن عائشة قالت : ... فذكره بتمامه موقوفاً عليها ، وقال :
"رفعه بعض الضعفاء ، والصحيح موقوف " .

(13/261)


فكأنه يشير إلى تضعيف جعفر هذا الذي رفعه ، فليضم إذن تضعيفه إلى
تضعيف الجورقاني . والله أعلم .

6116 - (كَانَتْ يَهُودُ تَقُولُ إِذا هَلَكَ لَهُمْ صَبِيٌّ صَغِيرٌ قَالُوا : هُوَ
صِدِّيقٌ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ :
كَذَبَتْ يَهُودُ ، مَا مِنْ نَسَمَةٍ يَخْلُقُهَا اللَّهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ إِلا أَنَّهُ شَقِيٌّ أو
سَعِيدٌ .
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الآيَةَ : {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ
مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجَنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} الآيَةَ كُلَّهَا) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/75/368) : حدثنا عمرو
ابن أبي الطاهر بن السرح المصري : حدثنا يحيى بن بكير : ثنا ابن لهيعة عن
الحارث بن يزيد عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال : ... فذكره .
ومن طريق الطبراني أخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1/111/2) في
ترجمة ثابت بن الحارث هذا ، وقال :
"شهد بدراً ، عداده في المصريين " .
وتبعه في ذلك ابن الأثير في "أسد الغابة" (1/266) .
وأقول : لم يذكر هو ولا غيره ممن ألف في الصحابة ما تطمئن النفس لصحبته ؛
فكيف لبدريته ؟! بل أشار الذهبي رحمه الله لعدم ثبوت هذه ؛ فقال في "التجريد" :
"يعد في المصريين ، بدري فيما قيل " .
وأوسع من ترجم له - فيما اطلعت - الحافظ ابن حجر في "الإصابة" ، وقد
ساق له ثلاثة أحاديث ؛ ليس في واحد منها ما يدل على الصحبة لا تصريحاً ولا

(13/262)


تلويحاً ، فضلاً عن بدريته ، هذا الحديث أحدها ، والذي يليه ثانيها ، وثالثها فيه أنه
قال : كان رجل منا من الأنصار نافق ، فأتى ابن أخيه فقال : يا رسول الله! ...
الحديث . فهذا كما قلنا : لا يقتضي الصحبة ، بل هو بالمرسل أشبه . بل هو مثل
حديثه المتقدم برقم (6092) من رواية الحارث بن يزيد أيضاً عنه قال : عن بعض
من كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكر حديثاً منكراً ؛ كما بينت هناك .
فهذا وما قبله لا يثبت له الصحبة . ونحوه أنني وجدت له حديثاً آخر من
رواية ابن لهيعة أيضاً عن الحارث بن يزيد : أن ثابت بن الحارث أخبره : أنه سمع
أبا هريرة يخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : "الإيمان يمان ... " الحديث . أخرجه ابن
عبدالحكم في "فتوح مصر" (ص 280) ، وأحمد (2/ 380) .
فهو إذن : إما أن يروي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بواسطة صحابي ، أو أن يرسل ؛ فلا يذكر
الواسطة ، ولا يبين سماعه منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو مشاهدته إياه في شيء من رواياته على
قلتها ، فمجرد الرواية عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعني أن الراوي من الصحابة - كما هو ظاهر لا
يخفى على العارفين بهذا العلم الشريف - ، وقد ذكر الحافظ رحمه الله في مقدمة
"الإصابة" الطرق التي بها يعرف كون الشخص صحابياً ، وليس منها مجرد روايته
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فراجعها إن شئت .
ولعله مما يؤيد أن ثابتاً هذا ليس صحابياً : أن الراوي عنه - الحارث بن يزيد
الحضرمي - لم يذكروا في ترجمته أنه روى عن أحد من الصحابة ، وأنه توفي سنة
(130) . والله أعلم .
والخلاصة : أن ثابتاً هذا إذا لم تثبت صحبته ؛ فهو تابعي ، وحينئذٍ لا بد من
إثبات عدالته بالنقل عن أحد أئمة الجرح والتعديل ، وهذا معدوم - كما كنت
ذكرت هناك تحت الحديث (6092) - ، وعليه تكون أحاديثه معلولة بالجهالة تارة ،
وبها وبالإرسال تارة ؛ كما هو الحال فِي حَدِيثِ الترجمة هذا ، والذي يليه .

(13/263)


هذا ؛ والحديث أورده السيوطي في "الدر المنثور ، (6/118) وقال :
"أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم في "المعرفة " وابن
مردويه والواحدي عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال ... " فذكره .
ولم أره في "مجمع الزوائد" للهيثمي ، بعد مراجعته في مظانه ، والاستعانة
عليه بالفهرس الذي وضعه أبو هاجر . فالله أعلم .
وهو عند الواحدي في "أسباب النزول " (ص 298) من طريق ابن وهب قال :
أخبرني ابن لهيعة ... به .
قلت : وابن وهب هو من العبادلة الذين يصحح العلماء حديث ابن لهيعة إذا
كان من رواية أحدهم عنه ؛ فالسند إلى ثابت بن الحارث صحيح ، لكنه مرسل ،
مع جهالة ثابت - كما تقدم - . والله أعلم .
وبعد أيام من كتابة هذا البحث واطلاع أحد إخواننا عليه أوقفني على قول
العجلي في "ثقاته " (259/ 190) في ثابت هذا :
"مصري تابعي ثقة "!
فقد شهد أنه تابعي ، ولكنه وثَّقَه على تساهله المعروف في توثيق المجهولين ؛
كابن حبان رحمهما الله تعالى!
ثم رأيت الحافظ قد بسط الكلام حول ثابت هذا والخلاف في صحبته ، ثم
ختم البحث عليه بقوله :
" ولم أجد في طريق من طرق أحاديثه أنه صرح بسماعه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
والذي يظهر : أنه تابعي ؛ كما صرح به العجلي ، واقتضاه كلام ابن يونس ، وهو
أعلم الناس بالمصريين ؛ فلعله أرسل تلك الأحاديث ، وقد تبين أن مدار أحاديثه
كلها على ابن لهيعة! .

(13/264)


قلت : يشير إلى الحديث الثاني والثالث اللذين أشرت إليهما آنفاً ، ولم يذكر
حديث الترجمة ، وكان قد ذكره في "الإصابة" ، كما أشار هناك إلى حديث رابع ،
وهو الذي تقدم تخريجه والكلام عليه مفصلاً برقم (6092) ، وليس هو من رواية ابن
لهيعة ؛ فهو يبطل الكلية التي أطلقها ، ولعله كان يعني ما ذكر قبلها من الأحاديث .
وجملة القول ؛ أن ثابتاً هذا ليس صحابياً على الأرجح ؛ لأنه لم يصرح
بسماعه منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أي رواية عنه ، ولا له ذكر في المغازي والسير ، فما أشبه حاله
بحال يحيى بن أبي كثير - وهو من طبقته - حين روى عن رجل من الأنصار : أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن أكل أذني القلب . فأورده أبو داود في "المراسيل " ، وأعله
ابن القطان بالإرسال والجهالة - كما سيأتي بيان ذلك برقم (6220) - ، وانظر ابن
القطان (2/ 69/ 1) .
وعليه ؛ فإن ثابتاً هذا تابعي ؛ لأنه لم يصرح بسماعه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أي
رواية عنه ؛ ولذلك استظهرت تابعيته ، وبه يظهر خطأ قول أخينا الفاضل : ربيع بن
هادي في رسالته : "صد عدوان الملحدين وحكم الاستعانة على قتالهم بغير
المسلمين " (ص 40) - بعد أن ذكر الخلاف في صحبته - :
"الذي يظهر لي أن الراجح عند الحافظ [هو ما قرره في (الإصابة) من إثبات
صحبة ثابت بن الحارث ، وأنه رأيه الأخيرا]" .

6117 - (قَسَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِسَهْلَةَ بنتِ عَاصِمِ بن عَدِيٍّ ، وَلابْنَةٍ
لَهَا وُلِدَتْ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "الكبير" (2/75/1369) ، وأبو نعيم أيضاً في
"المعرفة" من طريق ابن المبارك عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن
ثابت بن الحارث الأنصاري قال : ... فذكره .

(13/265)


قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات ؛ غير ثابت بن الحارث ؛ فهو غير معروف كما
سبق بيانه تحت الحديث (6092) ، وقيل بأن له صحبة ، ولم يثبت ذلك عندي
كما حققته في الحديث الذي قبله ، فقول الهيثمي (6/7) :
"رواه الطبراني ، وفيه ابن لهيعة ؛ وفيه ضعف ، وحديثه حسن " .
فأقول : فيه نظر من وجهين :
الأول : أن كلامه يشعر بتسليمه بصحبة ثابت هذا ، وقد عرفت ما فيه .
الثاني : أن قوله في ابن لهيعة : "وحديثه حسن " غير مسلم على إطلاقه ؛ بل
الصواب فيه التفصيل ، وهو أنه ضعيف الحديث إلا فيما رواه عنه أحد العبادلة (*) ،
وابن المبارك منهم ، فحقه حينئذٍ أن يكون حديثه صحيحاً ، ولذلك قال الحافظ في
ترجمة ثابت من "الإصابة " :
" إسناده قوي ؛ لأنه من رواية ابن المبارك عن ابن لهيعة" .
ولكن ذلك مقيد بما إذا سلم من علة من فوقه ، وليس الأمر كذلك هنا ؛ كما
عرفت . ثم قال الحافظ :
"وخرجه البغوي عن كامل بن طلحة عن ابن لهيعة قال : حدثني الحارث
نحوه ، وقال : لا أعلم له غيره " .
ومن طريقه - أعني البغوي - أخرجه أبو نعيم أيضاً ، ثم تعقبه بأن لثابت هذا
حديثاً آخر عند الطبراني من هذا الوجه . يعني : الحديث الذي قبله ، وعند ابن
منده حديث آخر ، ويعني : الحديث الثالث الذي ذكرت طرفه الأول في الحديث
__________
(*) مال الشيخ رحمه الله إلى إلحاق (قتيبة بن سعيد) بهم في تخريجاته الجديدة ،
انظر مثلاً الأحاديث (2843 و3130 و 3463) من "الصحيحة" . (الناشر) .

(13/266)


الذي قبل هذا . وفاته حديث رابع ، وهو المشار إليه آنفاً برقم (6092) ، وحديث
خامس يرويه عن أبي هريرة ذكرته قبل أيضاً .

6118 - ( مَا الْكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ إلَّا كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ بَيْن
ظَهْرَيْ فَلَاة مِنْ الْأَرْض ، والْكُرْسِيُّ مَوْضِع الْقَدَمَيْنِ ) .
ضعيف .
أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (2/587) : حدثنا إبراهيم بن محمد :
حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي : حدثنا أصبغ بن الفرج قال : سمعت عبدالرحمن
ابن زيد بن أسلم يقول عن أبيه : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
"ما السماوات السَبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس " ، قال
ابن زيد : فقال أبو ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النيي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
وأخرجه ابن جرير في "تفسيره " (3/ !7 - 8) (1) من طريق ابن وهب قال : قال
ابن زيد : فحدثني أبي ... فذكر الحديث الأول ، ثم قال : وقال أبو ذر فذكر
الحديث الآخر - حديث الترجمة - دون قوله في آخره : "والكرسي ... " إلخ .
وظاهر سياق ابن جرير أن الحديثين من رواية عبدالرحمن عن أبيه زيد بن
أسلم ؛ لأنه قال في الأول : فحدثني أبي ... ثم قال في الآخر : قال : وقال أبو
ذر ، فالضمير في "قال " راجع إلى أبيه حتماً ، بخلاف رواية أبي الشيخ فإنها على
العكس من ذلك ؛ فإنه جعل الأول من رواية ابن زيد عن أبيه زيد ، فهو على هذا
مرسل ؛ لأن زيداً تابعي يروي عن الصحابة ، وجعل الحديث الآخر : حديث
الترجمة من رواية ابنه عبدالرحمن عن أبي ذر ، ولم يدركه ؛ فهو منقطع ، والسند
إليه صحيح ؛ لأن أصبغ والربيع ثقتان من رجال "التهذيب " .
__________
(1) والبغوي أيضاً (1/313 - دار طيبة) .

(13/267)


وأما إبراهيم بن محمد ؛ فهو ابن الحسن ، ترجمه أبو الشيخ في "طبقات
الأصبهانيين " ، وقال فيه (316/427) :
"وكان فاضلاً خيراً يصوم الدهر ، وكان إمام مسجد الجامع إلى أن توفي سنة
(302) " . وقال الذهبي في "السير" (14/142) :
"وكان حافظاً حجة من معادن الصدق ، نيف على الثمانين رحمه الله " .
قلت : فالسند إلى عبدالرحمن صحيح ، وكذلك إسناد ابن جرير إليه ،
فالاختلاف المذكور إنما هو منه ؛ لأنه كان واهياً ، وهو راوي حديث توسل آدم
بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وهو موضوع كما تقدم بيانه في المجلد الأول برقم (25) ، فالحديث
ضعيف جدّاً لو كان مسنداً متصلاً ، فكيف وهو إما منقطع أو مرسل ؟!
وإن مما يؤكد ضعف الزيادة التي عند أبي الشيخ دون ابن جرير : "والكرسي
موضع القدمين " ، أنه قد صح عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ موقوفاً ، وهو مخرج في كتابي
"مختصر العلو للذهبي " (ص 102/36) . ورواه أبو الشيخ أيضاً في "العظمة"
(2/627) عن أبي موسى موقوفاً أيضاً . وسنده صحيح .
وقد أخطأ أحد الثقات فرواه عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً ؛ جزم بخطئه الحفاظ
كالذهبي في ترجمة شجاع بن مخلد من "الميزان " ، والعسقلاني فيها في
"التهذيب " و"التقريب "، وابن كثير في تفسيره لآية : {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ} " .
هذا ؛ وقد كنت ذكرت حديث أبي ذر المتقدم من رواية ابن زيد عنه في
!الصحيحة ، (109) مقوِّياً به طريقاً أخرى للحديث عن أبي ذر بنحوه ، ظاناً أن ابن
زيد هو غير عبدالرحمن هذا الواهي ؛ لأنني لم أكن وقفت على رواية أبي الشيخ

(13/268)


هذه المصرحة بأنه عبدالرحمن بن زيد ؛ فوجب التنبيه على ذلك قائلاً :
"رب اغفر لي خطئي وعمدي ، وهزلي وجدي ، وكل ذلك عندي " .
لكن ذلك مما لا يضطرني إلى نقل الحديث المشار إليه إلى هذه "السلسلة" ؛
للطرق الأخرى له المذكورة هناك ، وقد نجد له ما يزيده قوة . والله الموفق .

6119 - ( من قال عند مضجعه بالليل : الحمد لله الذي علا فقهر ،
والذي بَطَنَ فَخَبَرَ ، والحمد لله الذي ملك فقدر ، والحمد لله الذي
يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ؛ مات على غير ذنب ) .
موضوع .
أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان " (371) ترجمة (621 - أبو
علي محمد بن الربيع الجرجاني) ، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق "
(10/226) عن عبدالرحمن بن نجيح أبي محمد المؤذن : حدثني أبو علي
الجرجاني - محمد بن الربيع - : حدثني سفيان الثوري عن سليمان بن مهران
الأعمش عن مجاهد عن عبدالله بن عباس ... مرفوعاً .
أورده ابن عساكر في ترجمة عبدالرحمن بن نجيح هذا وذكر له راويين ثقتين ،
وذكره ابن أبي حاتم برواية أحدهما عنه ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وذكر
ابن عساكر فيها : أنه حدث عن سلم بن ميمون الخواص وأبي علي محمد - ويقال :
محمود - بن الربيع الجرجاني .
قلت : وهذه فائدة فاتت الحافظين الذهبي والعسقلاني ؛ فإنهما أورداه فيمن
اسمه : (محمد) وفيمن اسمه : (محمود) ... دون أن ينبها أنه واحد ، ونسباه في
الأول فقالا :
لا ... الشّمشاطي ، قال ابن منده : حدث عن سفيان الثوري بمناكير" . وقالا
في الآخر ؛

(13/269)


"... الجرجاني ، عن سفيان الثوري بخبر كذب ، ولا يدرى من هو ؟ " .
ويعني : هذا الخبر .
والحديث أورده السيوطي في "اللآلي" (2/345) من رواية أبي أحمد الحاكم
بإسناده إلى عبدالرحمن بن نجيح الثقفي - وكان إماماً ومؤذناً بالمسجد الجامع - :
حدثنا محمود بن الربيع أبو علي الجرجاني ... إلخ ، وقال :
"قال الحاكم : هذا حديث منكر ، ورواته مجهولون " .
ويعني : محموداً هذا ، والراوي عنه : عبد الرحمن .
وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات " (3/167) من طريق الحاكم أبي عبدالله
بإسناده إلى أبي الدرداء ... مرفوعاً مثله ، إلا أنه قال في آخره :
"خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " . وقال ابن الجوزي :
"هذا حديث موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وفيه مجاهيل ، قال الدارقطني :
سهل بن العباس ؛ متروك ليس بثقة . وقال يحيى القطان : لا أستحل أن أروي عن
أبي جناب ، قال الفلاس : هو متروك الحديث " .
وأقره السيوطي ، وتعقبه ابن عراق (2/323) بما لا يجدي!

6120 - ( ما مِنْ رجلٍ علَّم ولده القرآن إلا تُوِّجَ أبواه يوم القيامةِ
بتاج الْمُلك ، وكسي حُلَّتَيْن لم ير الناس مثلهما ) .
ضعيف جداً .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (6/232) من طريق
أبان بن [ أبي ] عياش السني عن رجاء بن حيوة صاحب عمر بن عبدالعزيز قال :
كنا ذات يوم أنا وأبي جميعاً ، فقال معاذ بن جبل : من هذا يا حيوة ؟ قال :

(13/270)


هذا ابني رجاء : قال معاذ : فهل علمته القرآن ؟ قال : لا ، قال : فعلمه القرآن ،
فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : ... فذكره ، ثم ضرب بيده على كتفي وقال :
يا بني إن استطعت أن تكسي والديك حلتين يوم القيامة ؛ فافعل . فما حال عليَّ
السنة حتى تعلمت القرآن .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جدّاً منقطع ؛ فإن أبان هذا متروك متهم ، ورجاء بن
حيوة لم يدرك معاذ بن جبل ، وقال ابن عساكر عقبه :
"هذا حديث منكر ، ولا يحتمل سن رجاء لقي معاذ بن جبل ، وأبان ضعيف " .
فأقول : توفي معاذ بن جبل سنة (18) ، ورجاء بن حيوة سنة (112) ،
فبينهما قرن من الزمان ، ولذلك قال العلائي في "أحكام المراسيل " (ص 211) :
"ورجاء بن حيوة ، أحد المشهورين ، يروي عن معاذ وأبي الدرداء ، وهو مرسل " .
وتوفي أبو الدرداء - واسمه عويمر - سنة (35) ؛ فبينه وبين أبي الدرداء (77)
سنة .

6121 - ( أَذَّنَ في أُذُنِ الحسنِ بنِ عليّ يومَ وُلِدَ ، فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ
الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى ) .
موضوع .
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (6/390/8620) من طريق
محمد بن يونس : حدثنا الحسن بن عمرو بن سيف السَّدوسي : حدثنا القاسم
ابن مطيب عن منصور بن صفية عن أبي معبد عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ :
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذّن ... الحديث . وقال - وقد ذكر قبله حديث أم الصبيان
المتقدم في المجلد الأول برقم (321) من رواية الحسين بن علي - ؛
"في هذين الإسنادين ضعف "!

(13/271)


قلت : وفي هذا القول تساهل كبير ، ما كنت أود له أن يصدر منه ؛ لشدة
ضعف الإسنادين ، فإن الحديث المشار إليه فيه رجلان يضعان الحديث ، وقد اغتر
بمثل هذا التساهل بعض العلماء المتأخرين ؛ فقوى به حديث أبي رافع الضعيف
إسناده - كما بينت هناك - ، ولو أنه علم شدة ضعفه ؛ ما قواه ... لأن الشديد
الضعف لا ينفع في الشواهد باتفاق العلماء .
ومثله حديث الترجمة هذا : فإن الحسن بن عمرو (الأصل : عمر) السدوسي
متروك - كما في "التقريب " - ، وكذبه ابن المديني والبخاري .
ومحمد بن يونس - وهو : الكديمي ؛ وهو - كذاب وضاع ، وتقدمت له أحاديث ،
فراجع فهارس الرواة المترجم لهم في المجلدات المطبوعة .
ولقد أصابني مثل أو نحو ما أصاب ذلك البعض من الاغترار بتساهل
البيهقي هذا ؛ فإني قويت أو كدت أن أقوِّي حديث أبي رافع المشار إليه بحديث
الترجمة هذا ، فإني ذكرته كشاهد له ، وقد نقلت عقبه عن ابن القيم قول البيهقي
المذكور في تضعيف الإسنادين ، وقلت عقبه ما نصه :
"قلت : فلعل إسناد هذا خير من إسناد حديث الحسن بحيث أنه يصلح
شاهداً لحديث أبي رافع . والله أعلم " .
ومع أنني تحفظت في الاستشهاد به ، فقد غلب علي الثقة بقول البيهقي
المذكور ، فحسنت حديث أبي رافع به في "الإرواء" (4/400/1173) ، والآن
وقد طبع - والحمد لله - كتاب البيهقي : "الشعب " ، ووقفت فيه على إسناده ،
وتبين لي شدة ضعفه ؛ فقد رجعت عن التحسين المذكور ، وعاد حديث أبي رافع
إلى الضعف الذي يقتضيه إسناده ، وهذا مثال من عشرات الأمثلة التي
تضطرني إلى القول بأن العلم لا يقبل الجمود ، وأن أستمر على البحث والتحقيق

(13/272)


حتى يأتيني اليقين . والحمد لله رب العالمين .

6122 - ( من لم يكن له مال يتصدق به فليستغفر للمؤمنين فإنه
صدقة ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "الدعاء" (3/1627/1849) ، وفي "المعجم
الأوسط " (1/151/1/2851 - بترقيمي) قال : حدثنا إبراهيم بن أحمد الوكيعي :
ثنا أبي : ثنا عبدالرحمن بن محمد المحاربي : ثنا بكر بن خنيس : حدثني محمد
ابن يحيى المديني عن موسى بن وردان عن أبي هريرة مرفوعاً . وقال في "الأوسط " :
"لم يروه عن موسى إلا محمد ، تفرد به بكر" .
قلت : وهو ضعيف ، وقد تقدمت له أحاديث ، وقال الذهبي في "الكاشف " :
" واهٍ " : وأما الحافظ ؛ فقال :
"صدوق له أغلاط " .
قلت : وهو علة الحديث ، والظاهر أن الهيثمي لم يتنبه لها ؛ فقال في "المجمع "
(210/10) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " ، وفيه من لم أعرفهم " .
وأقره الدكتور محمد سعيد البخاري في تعليقه عليه ، وزاد فقال :
"ومحمد بن يحيى المديني لم أقف على ترجمته " .
قلت : بل هو تقة معروف ؛ وهو : محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري المازني
أبو عبدالله المدني الفقيه ، ذكره المزي في شيوخ بكر بن خنيس ، وهو من رجال
الشيخين .

(13/273)


ومن دون بكر ثقات أيضاً معروفون ، أما المحاربي : فمن رجال الشيخين أيضاً .
وأما إبراهيم بن أحمد الوكيعي : فله ترجمة في "تاريخ بغداد" (6/5 - 6) ،
وسمى جده عمر بن حفص ، وكناه بأبي إسحاق ، وروى عن عبدالله بن أحمد أنه
أحسن القول فيه . وعن الدارقطني أنه قال : "ثقة" .
وأما أبوه أحمد بن عمر : فثقة من شيوخ مسلم .
وإنما لم يعرفهما الهيثمي لأنه وقع في "الأوسط " : حدثنا إبراهيم : حدثنا
أبي ... هكذا غير منسوب ، مع أنه من السهل على العارف بطريقة الطبراني في
"الأوسط" أن يعرفه ، وذلك بأن يرجع القَهْقَرى حتى يقف على حديث له جاء فيه
منسوباً ، فإنه بعد ذلك قلما ينسبه حتى يذكر شيخاً آخر له يُسمَّى إبراهيم ؛ فينسبه
تمييزاً له عما قبله . فاعلم هذا واستفده ، فإنه من العلم المهجور!

والحديث في " الفردوس " للديلمي (3/627/5961) من حديث أبي هريرة ،
والظاهر أن إسناده من هذا الوجه ؛ فليراجع "مسنده " ، فإن النسخة التي عندي
ناقصة الجزء الذي فيه : "من ... " .
وفيه أيضاً (3/628/5963) من حديث أبي سعيد بلفظ :
"من لم يكن له مال تجب فيه الزكاة ؛ فليقل : اللهم! صل على محمد عبدك
ورسولك والمؤمنين والمؤمنات ؛ فهي له زكاة" .
وأورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية أبي الشيخ والديلمي . ومن
المحتمل أن يكون عند الديلمي في "مسنده " من طريق أبي الشيخ ؛ فليراجع . وهو
بهذا اللفظ منكر عندي . والله أعلم .
ثم صدق ظني - والحمد لله - فِي حَدِيثِ أبي سعيد ؛ فقد وقفنا على إسناده

(13/274)


في "مسند الفردوس " بواسطة المعلق على "الفردوس " (4/281 - 282/ طبعة دار
الكتاب العربي) ، فإذا الديلمي قد أخرجه من طريق أبي الشيخ وغيره عن دراج
أبي السمح عن أبي سعيد ... به .
فإن دراجاً هذا صاحب مناكير - كما يقول الذهبي رحمه الله - ، وتقدمت له
أحاديث كثيرة من هذا النوع ؛ يتبين الناظر فيها صواب قول الذهبي فيه ، وملحظي
في هذا المتن إنما هو في قوله : " ... تجب فيه الزكاة" ... فقد استنكره قلبي ، لأن
مفهومه أن من كان له مال تجب فيه زكاة ؛ فلا يؤمر بهذا الدعاء ، بخلاف حديث
الترجمة فليس فيه هذه النكارة ؛ لأنه قد يجب عليه الزكاة ولا يجد ما يتصدق به .
هذا ما ظهر لي ، فإن أصبت ؛ فمن الله ، وإن أخطأت ؛ فمن نفسي ، وأستغفر
الله من كل ذنب لي . أما الإسناد : فلا تردد في ضعفه ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

6123 - ( إنَّ اللهَ اختارَ أصحابي عَلى العالَمينَ ؛ سِوى النبيينَ
والمرسلينَ ، واختارَ لي مِنْ أصحابي أربعةً - يعني - : أبا بكرٍ ، وعمرَ ،
وعثمانَ ، وعلياً ، رَحمهُمُ الله ؛ فَجعلَهُمْ أصحَابِي . وقالَ في أصحابي :
كُلهُم خيرٌ ، واختارَ أمتي عَلى الأممِ ، واختارَ [من] أمتي أربَعَ قُرونٍ :
القَرنَ الأولَ ، والثاني ، والثالثَ ، والرابعَ ) .
ضعيف .
أخرجه البزار في "مسنده " (3/288/2763) من طريقين عن عبد الله
ابن صالح : ثنا نافع بن يزيد : حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد عن سعيد بن المسيب
عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره وقال البزار :
"لا نعلمه يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد ، ولم يشارك عبدالله بن صالح في
روايته هذه عن نافع بن يزيد أحد نعلمه " .

(13/275)


كذا قال ، وقد شورك - كما يأتي قريباً - . وقال الهيثمي في "المجمع" (10/16) :
"رواه البزار ، ورجاله ثقات ، وفي بعضهم خلاف " .
فلت : يشير إلى عبدالله بن صالح - وهو : أبو صالح كاتب الليث - ، وفيه كلام
كثير ، وبخاصة فِي حَدِيثِه هذا ؛ فقال الذهبي في ترجمته من "الميزان " :
"وقد قامت القيامة على عبدالله بن صالح بهذا الخبر (ثم ساقه) ، قال سعيد
ابن عمرو : عن أبي زرعة : بُلي أبو صالح بخالد بن نجيح فِي حَدِيثِ زهرة بن
معبد عن سعيد ، وليس له أصل . قلت : قد رواه أبو العباس محمد بن أحمد
الأثرم - صدوق - : حدثنا علي بن داود القنطري - ثقة - : حدثنا سعيد بن أبي
مريم وعبدالله بن صالح عن نافع : ... فذكره " . ثم قال الذهبي :
" وقال أحمد بن محمد التستري : سألت أبا زرعة عن حديث زهرة في
الفضائل ؛ فقال : باطل ؛ وضعه خالد المصري ، ودلسه في كتاب أبي صالح .
فقلت : فمن رواه عن سعيد بن أبي مريم ؟ فقال : هذا كذاب ؛ قد كان محمد بن
الحارث العسكري حدثني به عن أبي صالح وسعيد" . فقال الذهبي عقبه :
"قلت : قد رواه ثقة عن الشيخين ؛ فلعله مما أدخل على نافع ، مع أن نافع بن
يزيد صدوق يقظ . فالله أعلم . قال النسائي : حدث أبو صالح بحديث : "إن الله
اختار أصحابي " وهو موضوع " .
قلت : وأراد الذهبي بقوله : "رواه ثقة ... " علي بن داود القنطري - كما تقدم
تصريحه بذلك - . وقد أورده في "الميزان " وقال :
"صالح الحديث ، روى عن سعيد بن أبي مريم ، ولكنه روى خبرأ منكراً ؛
فتكلم فيه لذلك" .

(13/276)


وأراد أبو زرعة بقوله : "هذا كذاب " ... شيخه محمد بن الحارث العسكري - كما
هو ظاهر من كلامه - ، وعليه فهو من شرط "الميزان" و"لسانه " ، ولكنهم لم يذكروه .
وأما الاحتمال الذي ذكره الذهبي أنه مما أدخل على نافع : فهو بعيد عندي ؛
لشهرته بالثقة والضبط ، حتى قال فيه ابن يونس - وهو أعرف الناس به - لأنه
مصري مثله - :
"كان ثبتاً في الحديث لا يختلف فيه " .
والذهبي نفسه قد أشار إلى ذلك بوصفه إياه بأنه "صدوق يقظ " . فالأَوْلى
الحمل فيه على من دونه ؛ إما : (القنطري) ... أو : (الأثرم) الراوي عنه ، فإنهما - ! وإن
وثِّقا - فليسا مشهوربن بالضبط والحفظ شهرة نافع بن يزيد . والله أعلم .
ومن الغريب أن الأثرم هذا لما ترجمه الذهبي في "السير" (15/303) - ،
ووصفه بـ "الإمام المقرئ المحدث" - ؛ لم يذكر أحداً وثقه ، مع أن الخطيب في
"تاريخه " (1/265) قد روى عن الدارقطني - وهو من تلامذة الأثرم - أنه قال فيه :
"شيخ ثقة فاضل " .
ثم إن الحديث قد أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (2/41) ، والخطيب في
"التاريخ" (3/162) من طرق أخرى عن عبدالله بن صالح ... به ، وقال ابن حبان :
"عبدالله بن صالح منكر الحديث جداً ، يروي عن الأثبات ما لا يشبه حديث
الثقات ، وعنده المناكير الكثيرة عن أقوام مشاهير أئمة ، وكان في نفسه صدوقاً
يكتب لليث بن سعد الحساب ، وكان كاتبه على الغلات ، وإنما وقع المناكير في
حديثه من قبل جار له سوء ؛ سمعت ابن خزيمة يقول :
كان له جار بينه وبينه عداوة ؛ فكان يضع الحديث على شيخ عبدالله بن

(13/277)


صالح ، ويكتب في قرطاس بخط يشبه خط عبدالله بن صالح ، ويطرح في داره في
وسط كتبه ؛ فيجده عبدالله فيحدث به ، ويتوهم أنه خطه وسماعه ؛ فمن ناحيته
وقع المناكير في أخباره " .
ثم ساق له جملة أحاديث منها هذا ، وقال :
"هذه الأحاديث ينكرها من أمعن في صناعة الحديث ، وعلم مسالك الأخبار ،
وانتقاد الرجال " .
إذا علمت هذا ؛ فمن الخطأ الفاحش قول القرطبي في تفسيره "الجامع "
(13/305) :
"وفي كتاب البزار مرفوعاً صحيحاً عن جابر ... " فذكر الحديث .
ثم اعلم أنه ليس عند ابن حبان والخطيب جملة القرون الأربعة . وذكر القرن
الرابع فيه مما يستنكر ؛ لأنه لم يرد في الأحاديث الصحيحة . نعم ؛ قد ذكر في
بعض الأحاديث الضعيفة ، وقد بسطت القول في ذلك تحت الحديث (3569) .
ثم رأيت الحديث قد أورده عبدالحق الإشبيلي من رواية البزار في كتابه
"الأحكام الصغرى" (2/905) الذي اشترط فيه الصحة!
وقال الحافظ ابن حجر في "مختصر الزوائد" (2/364) :
"قلت : هو أحد ما أنكر على عبدالله بن صالح" .

6124 - (اسمُ الله الأكبرُ : ربِّ ربِّ ) .
موقوف .
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف ، (10/273/9414) : حدثنا
أبو عبدالرحمن المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب قال : حدثني الحسن بن ثوبان عن

(13/278)


هشام بن أبي رقية عن أبي الدرداء وابن عباس : أنهما كانا يقولان : ... فذكره
موقوفاً عليهما .
قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون ؛ غير هشام بن أبي رقية : فذكره
البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما ، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً ؛ لكن روى
عنه جمع من الثقات ، ووثقه الفسوي وابن حبان ؛ فهو في مرتبة الصدوقين - كما
حققته في "تيسير انتفاع الخلان " - ؛ فمثله يحسن حديثه إن شاء الله تعالى .
وإنما ذكرت له هذا الأثر هنا ؛ لأن الحافظ ابن حجر رحمه الله ذكره في "الفتح "
(11/225) دليلاً من حديث أبي الدرداء وابن عباس لقول من قال : إن الاسم
الأعظم : رب رب ... فأوهم أنه مرفوع من قوله له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإنما موقوف عليهما - كما
ترى - ؛ فإن لفظ : (حديث) إذا أطلق ؛ فلا يراد منه إلا المرفوع إلا لقرينة ، ولا قرينة
في كلامه رحمه الله تعالى . بل الأمر فيه على العكس تماماً ؛ فقد ذكر لبعض
الأقوال المخالفة لهذا القول أحاديث هي مرفوعة ، ومع ذلك لم يصرح برفعها ؛ بل
قال فيه - كما قال في هذا ، فقال - (ص 224) :
"الخامس ؛ "الحي القيوم" ، أخرج ابن ماجه من حديث أبي أمامة ؛ "الاسم
الأعظم في ثلاث سور ... " الحديث " ، وهو حسن الإسناد ، ومخرج في "الصحيحة "
(746) .
ثم إن هذا الأثر الموقوف قد عزاه الحافظ للحاكم فقط ، وقد أخرجه في كتاب
(الدعاء) من "المستدرك " (1/505) من طريق يعقوب بن سفيان الفسوي : ثنا
عبدالله بن يزيد المقرئ ... به . وسكت عنه هو والذهبي .
واعلم أن العلماء اختلفوا في تعيين اسم الله الأعظم على أربعة عشر قولأ ،
ساقها الحافظ في "الفتح" ، وذكر لكل قول دليله ، وأكثرها أدلتها من الأحاديث ،

(13/279)


وبعضها مجرد رأي لا يلتفت إليه ، مثل القول الثاني عشر ؛ فإن دليله : أن فلاناً
سأل الله أن يعلمه الاسم الأعظم ، فرأى في النوم ؛ هو الله ، الله ، الله ، الذي لا إله
إلا هو رب العرش العظيم!!
وتلك الأحاديث منها الصحيح " ، ولكنه ليس صريح الدلالة ، ومنها الموقوف
كهذا ، ومنها الصريح الدلالة ؛ وهو قسمان : قسم صحيح صريح ، وهو حديث
بريدة : "الله لا إله إلا هو ، الأحد الصمد الذي لم يلد ... " إلخ ، وقال الحافظ :
"وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك " .
وهو كما قال رحمه الله ، وأقره الشوكاني في "تحفة الذاكرين " (ص 52) ، وهو
مخرج في "صحيح أبي داود" (1341) .
والقسم الآخر : صريح غير صحيح ، بعضه مما صرح الحافظ بضعفه ؛ كحديث
القول الثالث عن عائشة في ابن ماجه (3859) ، وهو في "ضعيف ابن ماجه " رقم
(841) ، وبعضه مما سكت عنه ؛ فلم يحسن! كحديث القول الثامن من حديث
معاذ ابن جبل في الترمذي ، وهو مخرج في "الضعيفة" برقم (4520) . وهناك
أحاديث أخرى صريحة لم يتعرض الحافظ لذكرها ولكنها واهية ، وهي مخرجة
هناك برقم (2772 و 2773 و 2775) .

6125 - ( إِنْ شِئْتُمْ ؛ أَنْبَأْتُكُمْ ما أَوَّلُ مَا يَقُولُ اللَّهُ تعالى لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ، وَأَوَّلُ مَا يَقُولُونَ له ؟ قلنا : نعمْ يا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ:فإنَّ اللهَ
يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ : هَلْ أَحْبَبْتُمْ لِقَائِي؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ يَا رَبَّنَا ! فَيَقُولُ: لِمَ؟
فَيَقُولُونَ : رَجَوْنَا عَفْوَكَ وَمَغْفِرَتَكَ . فَيَقُولُ : قَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ مَغْفِرَتِي ) .
ضعيف .
أخرجه عبدالله بن المبارك في "الزهد" (93/276) - ومن طريقه أحمد

(13/280)


(5/238) ، وكذا الطيالسي (77/564) ، وابن أبي عاصم في "الأوائل " (95/
129) ، وابن أبي الدنيا في "حسن الظن " (23/10) ، والطبراني في "المعجم
الكبير" (20/125/251) وفي "الأ وائل " أيضاً (95/66) ، وأبو نعيم في " الحلية "
(8/179) ، والبغوي في "شرح السنة" (5/269/1452) ؛ كلهم عن ابن المبارك -
قال : أخبرنا يحيى بن أيوب : أن عبيدالله بن زَحْر حدثه عن خالد بن أبي عمران
عن أبي عياش قال : قال معاذ بن جبل ... مرفوعاً . وقال أبو نعيم :
"تفرد به عبدالله " .
قلت : وهو إمام حافظ ثقة ؛ لكن عبيدالله بن زحر . قال الذهبي في "الكاشف " :
"فيه اختلاف ، وله مناكير ، ضعفه أحمد" .
وأما ابن حبان فضعفه جداً ؛ فقال في "الضعفاء" (2/62) :
"منكر الحديث جداً ، يروي الموضوعات عن الأثبات " .
وأبو عياش هو : المعافري المصري ، ليس بالمشهور ، لم يذكره البخاري ولا ابن
أبي حاتم ولا ابن حبان ولا ابن عبدالحكم في "الفتوح " ولا الفسوي في "المعرفة"!
نعم ذكره في "التهذيب " برواية ثلاثة عنه ، ولم يحك عن أحد توثيقه ؛ فهو
مجهول الحال ، ولهذا قال في "التقريب " :
"مقبول " . يعني : عند المتابعة ، وما علمت له متابعاً .
ومن هنا يتبين جهل أو على الأقل وهم المعلق على "أوائل الطبراني " حيث
قال :
"إسناده حسن ، رجاله إما ثقة ، وإما صدوق "!
ولا يقويه أن له طريقاً أخرى ، يرويه قتادة بن الفضل بن قتادة الرَّهاوي قال :

(13/281)


سمعث ثور بن يزيد يحدث عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل به ... نحوه .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/94/184) و"مسند الشاميين "
(1/231/409) .
وذلك لأن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ - كما قال أبو حاتم - ، وارتضاه
العلائي في "مراسيله " (206/167) ، وعليه فيحتمل أن يكون بينهما أبو عياش
الذي في الطريق الأولى ؛ فيرجع الحديث إلى تابعي واحد وطريق واحدة ، وهي
مجهولة كما تقدم .
على أن قتادة بن الفضل - ووقع في "التهذيب " و"التقريب " : (الفُضَيل) خطأ -
لم يوثقه غير ابن حبان (9/22) . وقال أبو حاتم :
"شيخ " . وقال الحافظ :
لا مقبول " .
قلت : وقد عرفت اصطلاحه في هذا اللفظ ، ولكني أرى أنه ينبغي أن يفسر
هنا في قتادة هذا بمعناه اللغوي ؛ أي : مقبول مطلقاً ؛ لأنه روى عنه جمع من
الثقات ؛ منهم أحمد بن سليمان أبو الحسن الرهاوي الحافظ الثقة ؛ فهو مقبول
الحديث إلا إذا ثبت وهمه . والله أعلم .
ومن هذا التحقيق في هذين الإسنادين إلى معاذ يتبين خطأ الهيثمي أيضاً
في قوله (10/358) - وتبعه المعلقون الثلاثة على "الترغيب " (4/163) - :
"رواه الطبراني بسندين ، أحدهما حسن" .
فإنه يعني هذا الإسناد الثاني ، وكأنه خفي عليه الانقطاع الذي بين خالد بن

(13/282)


معدان ومعاذ ، ولولا ذلك ؛ لكنت معه في تحسينه - لما شرحت من حال قتادة بن
الفضل - .
(تنبيه) على وهمين :
الأول : ذكرت آنفاً الخطأ الذي وقع في "التهذيب " و"التقريب " في اسم (الفضل)
والد قتادة هذا ؛ فاغتر بهما المعلق على "أوائل ابن أبي عاصم " ... فخطأ الصواب
الذي في رواية الطبراني ، مع أنه موافق لترجمة ابن الفضل في المراجع الأصول
مثل : "تاريخ البخاري " و"الجرح والتعديل " و"ثقات ابن حبان "! وهكذا فليكن
التصويب من هؤلاء المعلقين المتعلقين بهذا العلم في هذا الزمان الكثير فتنه! والله
المستعان .
والآخر : أن المعلق الآخر على "أوائل الطبراني " قال - بعد أن عزا حديث الترجمة
لأحمد فقط - :
"وأخرجه من حديث أبي سعيد الخدري بنحو ذلك "! وعزا ذلك لكتاب
"الفتح الرباني " (24/204) .
وأنت إذا رجعت إلى "الفتح " المذكور ؛ وجدته قد عزا حديث أبي سعيد هذا
إلى البخاري ومسلم والترمذي! فعلى ماذا يدل عزو المعلق للحديث لأحمد دون
الشيخين ؟!
وأيضاً فحديث أبي سعيد لا يصلح شاهداً لحديث الترجمة ؛ لأنه يختلف
عنه كل الاختلاف إلا في الجملة الأخيرة منه - مع المغايرة في اللفظ - ، وهاك
لفظه لتكون على بينة من الأمر :
"إن الله يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة! فيقولون : لبيك ربنا! وسعديك ،

(13/283)


فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى ؛ وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من
خلقك . فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك . قالوا : يا ربنا! فأي شيء أفضل من
ذلك ؟ قال : أحل عليكم رضواني ؛ فلا أسخط بعده أبداً " .
وأخرجه الترمذي (2558) قائلأ :
"حديث حسن صحيح " .

6126 - ( الولد سيد سبع سنين ، وخادم سبع سنين ، ووزير سبع
سنين ، فإن رضيت مكانفته لإحدى وعشرين ، وإلا ؛ فاضرب على
جنبه ، فقد أعذرت إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ) .
موضوع .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/76/2/ 6240 - بترقيمي) ،
وأبو أحمد الحاكم في "الكنى" (ق 56/ 1) ، ومن طريفه ابن الجوزي في "الموضوعات "
(1/177) عن علي بن حرب الموصلي قال : نا المعافى بن المنهال الأرمني قال : نا
الوليد بن سعيد الربعي عن زيد بن جبيرة بن محمود بن أبي جبيرة الأنصاري
عن أبيه عن جده أبي جبيرة قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال الطبراني :
"لا يروى إلا بهذا الإسناد ، تفرد به علي بن حرب " .
قلت : هو ثقة ، والعلة ممن فوقه ؛ المعافى بن المنهال الأرمني والوليد بن سعيد
الربعي لم أجد لهما ترجمة ، واليهما أشار ابن الجوزي بقوله عقبه :
"هذا حديث موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وفي إسناده مجاهيل لا يعرفون " .
وأخشى أن يكون عنى بذلك زيد بن جبيرة أيضاً ؛ لأنه لم يقع في روايته عن
الحاكم إلا مكنياً بـ "أبي جبيرة" ؛ فلم يعرفه ، وهو معروف باسمه زيد بن جبيرة - كما
وقع عند الطبراني - ، وبه أعله الهيثمي فقال في "المجمع " (8/159) :

(13/284)


"وفيه زيد بن جبيرة بن محمود ، وهو متروك" . وكذا قال الحافظ في "التقريب " .
ويبدو لي أن السيوطي أيضاً خفي عليه حال زيد هذا ؛ فإنه عقب في "اللآلي "
(1/133) على قول ابن الجوزي المذكور فقال :
"قلت : أخرجه الطبراني في "الأوسط " ... " .
هكذا ؛ فيه بياض ، فعقب عليه الشوكاني في "الفوائد" (480) بقوله : "فكان
ماذا ؟! " ، وابن عراق في "تنزيه الشريعة " (1/176) بقوله :
" إخراج الطبراني له لا ينفي الحكم عليه بالوضع ، وكأن الشيخ بيض له لينظر
في حكمه ، فلم يتفق له ... " .
ثم نقل قول الهيثمي المتقدم ، ثم قال عقبه :
"وزيد هذا أخرج له الترمذي وابن ماجه ، وقد اقتصر العلامة الشمس
السخاوي في "المقاصد الحسنة" على تضعيف الحديث " .
قلت : وهذا أيضاً لا ينفي الحكم عليه بالوضع ، كيف وفيه ذاك المتروك ؟
وركاكة الحديث تؤكد وضعه . والله أعلم .

6127 - (كَانَ يستحبُّ إذا أفطرَ أنْ يُفْطِرَ عَلَى لبنٍ ، فَإِنْ لَمْ يجدْ ؛
فَتُمرٍ فَإِنْ لَمْ يجدْ ؛ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ) .
منكر بذكر اللبن .
أخرجه ابن عساكر الي "التاريخ " (2/ 760) من طريق
إسحاق بن الضيف : نا عبدالرزاق : أنا معمر عن الزهري عن أنس ... مرفوعاً .
أورده في ترجمة إسحاق هذا ، وقال :
"ويقال : إسحاق بن إبراهيم بن الضيف أبو يعقوب الباهلي البصري " ، ثم

(13/285)


ساق له حديثين هذا أحدهما ، ثم روى عن ابن أبي حاتم أنه قال :
"روى عنه أبي ، وسثل عنه أبو زرعة ؟ فقال : صدوق " .
وكذا نقله عن أبي زرعة الحافظ في "تهذيب التهذيب " تبعاً لأصله "تهذيب
الكمال " (2/438) ، وقال المعلق عليه :
"والعجيب أن عبدالرحمن بن أبي حاتم لم يذكره في (الجرح والتعديل) " .
وأقول : لا عجب ؛ فقد ذكره ، ولكن منسوباً إلى أبيه إبراهيم بن الضيف - كما
في القول الثاني عند ابن عساكر - ، لكن وقع فيه سقط وتحريف ؛ فقال (1/1/ 210) :
"روى عنه أبي ، سثل أبي (!) عنه ؟ فقال : هو صدوق " .
والصواب على ضوء ما تقدم : "سئل أبو [زرعة] ... " ؛ فلتصحح نسخة
"الجرح " ، ومن تأمل في عبارتها ، وعلم أسلوب ابن أبي حاتم في مثلها تيقن أن
فيها ما ذكرته من السقط والتحريف .
وقد ذكر ابن حبان إسحاق بن الضيف هذا في "الثقات " (8/ 120) وقال :
"ربما أخطأ" . ولذلك قال الحافظ في "التقريب " :
"صدوق يخطئ " .
قلت : قد عثرت له على خطأين فِي حَدِيثِين :
الأول هذا ؛ فإنه قال فيه : " ... لين " ، وخالفه الإمام أحمد فقال : ثنا
عبدالرزاق : ثنا جعفر بن سليمان قال : حدثني ثابت البناني عن أنس بن مالك
قال : ... فذكره بلفظ :
"رطبات".

(13/286)


ثم إنك لترى أنه خالف الإمام أحمد في إسناده أيضاً ، فإنه جعل : (معمراً) ...
مكان : (جعفر) ، و : (الزهري) ... مكان : (ثابت)!!
وكذلك على الصواب رواه جمع من الحفاظ عن الإمام ، وغير عبدالرزاق عن
جعفر ، وهو مخرج في "الإرواء" (2/45/922) .
والحديث الآخر : رواه عن عمرو بن عاصم الكلابي : ثنا حماد بن سلمة
عن علي بن زيد ... بإسناده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ورواه الثقة عن عمرو ... به ؛ إلا
أنه أسقط علي بن زيد من الإسناد ، وبذلك زال الضعف منه ، وصار صحيحاً!
ولذلك خرجته قديماً في المجلد الثاني من "الصحيحة" رقم (820) .

6128 - (نَّ اللَّهَ تبارك وتعالى وَكَّلَ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ
عَمَلَهُ ، فَإِذَا مَاتَ ؛ قَالَ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ وُكِّلَا بِهِ يَكْتُبَانِ عَمَلَهُ : قَدْ مَاتَ ،
فَأْذَنْ لنا أَنْ نَصْعَدَ إلَى السَّمَاءِ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : سَمَائِي مَمْلُوءَةٌ من
مَلَائِكَتِي يُسَبِّحُونِي ، فَيَقُولَانِ : أَفَنُقِيمُ فِي الْأَرْضِ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عز
وجل : أَرْضِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَلْقِي يُسَبِّحُونِي ، فَيَقُولَانِ : فَأَيْنَ ؟ فَيَقُولُ :
قُومَا عَلَى قَبْرِ عَبْدِي - أو عند قَبْرِ عَبْدِي - ؛ فَسَبِّحَانِي ، وَاحْمَدَانِي ،
وَكَبِّرَانِي ، وَاكْتُبَا ذَلِكَ لِعَبْدِي إلى يوم القيامة ) .
موضوع .
أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده " ، وأبو الشيخ ابن حيان في
"العظمةأ (3/979/503) ، والبيهقي في "شعب الإيمان ثا (7/183/9931) ، وابن
الجوزي في "الموضوعات " (3/229) عن عثمان بن مطر عن ثابت عن أنس بن
مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره . وقال ابن الجوزي :
" لا يصح ، وقد اتفقوا على تضعيف عثمان بن مطر ، وقال ابن حبان : يروي

(13/287)


الموضوعات عن الآثبات ، لا يحل الاحتجاج به " .
وتعقبه السيوطي في "اللآلي ، بقوله (2/433) :
"لم يتفرد به عثمان ؛ بل تابعه الهيثم بن جماز عن ثابت ... به ... " .
قلت : أخرجه من طريقه ابن عدي في "الكامل " (5/253 و 7/102) ، والبيهقي
أيضاً ، والواحدي في "التفسير" (4/85/ 1) من طرق عنه . وقال البيهقي :
"وهو بهذا الإسناد غريب ".
وأورده ابن عدي ثم الذهبي فيما أنكر على الهيثم بن جمّاز ، وهو أيضاً متفق
على ضعفه ، وقال النسائي والساجي :
"متروك الحديث" . وذكره البرقي في الكذابين كما في "اللسان " .
قلت : فمتابعته لا تفيد ، بل لا تزيد الحديث إلا وهناً .
ثم ساق له السيوطي طريقاً أخرى من رواية الديلمي في "مسند الفردوس "
(3/129 - 130) من طريق موسى بن محمد بن علي بن عبدالله الكسائي عن
الحارث بن عبدالله عن أبي معشر عن محمد بن كعب عن أنس يرفعه ... فذكره
بنحوه . وسكت عنه السيوطي . وأقول : فيه :
أولاً : أبو معشر ، واسمه نجيح بن عبدالرحمن السندي ، قال الحافظ :
"ضعيف ، أسنَّ واختلط " .
ثانياً : الحارث بن عبدالله ، وهو الهمْداني ، ويقال له : الخازن . قال الذهبي في
" الميزان " :
"صدوق ، إلا أن ابن عدي قال في ترجمة شريك ، وقد روى له حديثاً : لعل
البلاء من الخازن هذا" .

(13/288)


قلت : والحديث الذي يشير إليه سأذكره عقب هذا . وقال الحافظ في "اللسان " :
"وقد اعتمد ابن حبان في "صحيحه " على الحارث هذا ، وذكره في "الثقات " ،
وقال : مستقيم الحديث ... " .
ثم ذكر أنه روى عنه موسى بن هارون الحمال وآخرون ، وأن أبا زرعة قال : لم
يبلغني أنه حدث بحديث منكر إلا حديثاً واحداً أخطأ فيه ، ويشبه أن يكون دخل
له حديث فِي حَدِيثِ .
قلت : وذكر أن الحديث في النهي عن قتل النملة والنحلة ، رواه الحارث عن
إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبيدالله عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ، وقال أبو زرعة :
"ليس هذا من حديث إبراهيم بن سعد ... " .
فأقول : وهذا خطأ محتمل ؛ لأن الحديث محفوظ عن الزهري من طرق عنه ،
وهو مخرج في "الإرواء" (8/142/ 2490) ، وإذا كان كذلك ؛ فلا أرى إعلال
الحديث به ، وإنما بشيخه - كما تقدم - ، وإما بالراوي عنه ، وهو قولي :
ثالثاً : موسى بن محمد ... الكسائي : هذا لم أعرفه .
وبالجملة ؛ فهذه الطريق هي أخف ضعفاً مما قبلها . ومع ذلك فالحديث ؛ يشهد
القلب أن ابن اجوزي لم يبعد عن الصواب حين حكم عليه بالوضع ، وأن السيوطي
لم يصنع شيئاً حين قَعْقَعَ عليه بهذه الطريق ومتابعة الهيثم بن جماز ، وهو متهم
- كما سبق - ، والمتن منكر ، وعلامة الوضع والصنع عليه لائحة ، والعجب من
الحافظ كيف سكت عليه في "الدراية" (1/ 160) ، وقد عزاه لـ "مسند ابن راهويه "
- تبعاً لأصله "نصب الراية " (1/434) -! لكن هذا ساق إسناده ؛ فبرئت عهدته
منه ، بخلاف الحافظ ؛ فكان عليه أن يبين علته حين حذف إسناده . ومثله إيراد

(13/289)


الشيخ أحمد بن قدامة المقدسي لحديث الترجمة في آخر كتابه "مختصر منهاج
القاصدين " - وهو من زوائده على "إحياء علوم الدين" الذي هو أصل "المنهاج "! -
مصَدّراً إياه بصيغة الجزم "عن"!
وأعجب من ذلك كله أن المعلقَين على "المختصر" ، والمخرجَين لكثير من أحاديثه
بيضا لهذا الحديث ومرَّا عليه ، ولم يخرجاه ، ولا علقا عليه بشيء (ص 388)!!
بخلاف صاحبنا الشيخ علي الحلبي ؛ فقد علق عليه في طبعته بقوله (489) :
"رواه ابن عدي في "الكامل " (7/ 2561) ، وفي سنده هيثم بن جماز : منكر
الحديث ، وكذبه بعضهم " . جزاه الله خيراً .
والحديث أورده الحافظ في "المطالب العالية " (3/56 - 57) عن أنس من رواية
أحمد بن منيع ، وسكت عنه أيضاً كغالب عادته! وتبعه محققه الشيخ حبيب
الرحمن الأعظمي! ولقد كان أحسن صنعاً منهما وممن تقدمت الإشارة إليه الإمامُ
القرطبي في "تفسيره " (17/12) ؛ فإنه أشار إلى تضعيفه بتصديره إياه بقوله :
"روي ... " .

6129 - ( قال عيسى ابنُ مريمَ : اِتَّخِذوا البيوتَ منازلَ ، والمساجدَ
سكناً ، وكَلوا مِنْ بَقْلِ البَرِّيَّة ، [واشربوا من ماء القَرَاحِ ، واخرُجوا من
الدنيا بسلامٍ ) .
منكر .
أخرجه ابن عدي في (الكامل " (4/18) من طريق الحارث بن عبدالله
الهمداني : ثنا شريك عن عاصم بن أبي النجود والأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره ، والزيادة للأعمش ، وقال :
"وهذا منكر عن عاصم والأعمش جميعاً ، ولا أدري لعل البلاء فيه من الحارث " .

(13/290)


قلت : قد عرفت من الحديث الذي قبله أن الحارث مستقيم الحديث - كما
قال ابن حبان - ، وساثر الرواة ثقات ؛ فالأولى تعصيب الجناية والنكارة فيه بشريك
- وهو : ابن عبدالله القاضي - ؛ فإنه معروف بسوء الحفظ ، وقد ساق له ابن عدي
أحاديث كثيرة في نحو ست عشرة صفحة ، هذا أحدها ، وقال :
"وفي بعض ما أمليت من حديثه بعض الإنكار ؛ والغالب على حديثه الصحة
والاستواء ، والذي يقع فِي حَدِيثِه من النكرة ؛ إنما أتي فيه من سوء حفظه " .
ثم وجدت ما يدل على أن شريكاً وهم في رفعه ؛ فقد قال ابن المبارك في
"الزهد" (198/563) : أخبرنا شريك به موقوفاً ، ولم يذكر الأعمش في إسناده .
فهذا هو أصل الحديث موقوف ، اضطرب فيه شريك ؛ فتارة رفعه وأخرى أوقفه .
والله أعلم .

6130 - ( ليس في القيامة راكب غيرنا ، ونحن أربعة ، أما أنا ؛
فعلى دابة الله الُبراق ، وأما أخي صالح فعلى ناقة الله التي عُقِرت ، وعمِّي
حمزة أسد الله وأسد رسوله ، على ناقتي العضباء ، وأخي وابنُ عمي
وصهري علي بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنة مدبجة الظهر ،
رحلها من زمرد أخضر ، مضبب بالذهب الأحمر ، رأسها من الكافور
الأبيض وذنبها من العنبر الأشهب ، وقوائهما من المسك الأذفر ،
وعنقها من لؤلؤ ، وعليها قبة من نور الله ، باطنها عَفْوُ الله ... إلخ ،
فينادي مناد من لدنان العرش ، أو قال : من بُطْنانِ العرش: ليس هذا
ملكاً مقرباً ، ولا نبياً مرسلاً ، ولا حامل عرش رب العالمين ؛ هذا عليُّ
ابنُ أبي طالب أمير المؤمنين (... الحديث) ولو أن عابداً عبد الله بين

(13/291)


الرُّكن والمقام ألف عام ، وألف عام ، حتى يكون كالشَّنِّ البالي لَقِيَ اللهَ
مبغضاً لآل محمدٍ أكبَّهُ الله على مَنْخِره في نار جهنمَ ) .
باطل ظاهر البطلان ، قاتل الله واضعه ، ما أجرأه على الله! أخرجه الخطيب
في "التاريخ " (13/22 - 123) من طريق المفضل بن سلم عن الأعمش عن
عباية الأسدي عن الأصبغ بن نُباتة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... مرفوعاً . وقال :
"لم أكتبه إلا بهذا الإسناد ، ورجاله فيهم غير واحد مجهول ، وآخرون
معروفون بغير الثقة " .
أورده في ترجمة المفضل بن سلم هذا ؛ واصفاً إياه بأنه في عداد المجهولين .
وهذا من فوائد هذا "التاريخ " الجليل ؛ فإن كتب الرجال المعروفة اليوم لا توجد هذه
الترجمة فيها .
ومن الواضح جداً أن واضع هذا الحديث هو من غلاة الشيعة أو الرافضة ، وقد
أشار إلى ذلك الخطيب في آخر كلامه ؛ فإن الأصبغ بن نباتة : قال الحافظ :
" متروك ؛ رمي بالرفض " .
والراوي عنه عباية الأسدي ، أورده العقيلي في "الضعفاء" (3/415) ، ووصفه
بأنه غال ملحد .
فهو - أو : شيخه - المتهم بوضعه .
ويبدو لي أن أحد المتأخرين سرقه وركب عليه إسناداً آخر ؛ فذكره الخطيب أيضاً
في "التاريخ " (11/112) من طريق عبدالجبار بن أحمد بن عبيدالله السمسار :
حدثنا علي بن المثنى الطُّهوي : حدثنا زيد بن الحباب حدثنا عبدالله بن لهيعة :
حدثنا جعفر بن ربيعة عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... مرفوعاً ؛ نحوه بطوله . وقال :

(13/292)


"لم أكتبه إلا بهذا الإسناد ، وابن لهيعة ذاهب الحديث "!
كذا قال! وتعصيب الجناية بابن لهيعة أبعد ما يكون عن العدل والصواب ،
فإنه عالم فاضل ، وما رمي به من سوء الحفظ لا يتحمل مثل هذا الزور والكذب ،
وإنما الآفة من السمسار هذا ، ولا أدري كيف شرد الخطيب عنه ، وهو لم يذكر في
ترجمته ما يدل على حاله إلا أن ساق له هذا الحديث ، فكان ينبغي أن يقول فيه
ما قاله في المفضل بن سلم :
"في عداد المجهولين " .
بل وأن يعصب الجناية في هذا الحديث به ، أو بشيخه الطهوي ؛ لأن ابن عدي
قد أشار إلى ضعفه كما في "التهذيب " ، وقد وثقه ابن حبان ، وروى عنه جمع من
الثقات ، فالأول أولى به ، وهو ما فعل الذهبي ، فإنه قال في ترجمته السمسار!ذا :
"روى عن علي بن المثنى الطهوي ، فأتى بخبر موضوع في فضائل علي " .
فأشار إلى هذا الحديث ، وأن المتهم به هذا السمسار ، وتبعه الحافظ في
لا اللسان ! ، فساق طرفاً من الحديث برواية الخطيب ، وذكر ما تقدم عنه من إعلاله
بابن لهيعة ، ثم رده بقوله :
"قلت : ابن لهيعة مع ضعفه لبريء من عهدة هذا الخبر . ، ولو حلفت ؛ لحلفت
بين الركن والمقام إنه لم يروه قط " .
ولقد صدق رحمه الله .
ومن الغريب أن ابن الجوزي لما أورد الحديث في "الموضوعات " (1/393 -
395) من طريق الخطيب بإسناديه ؛ وافقه على إعلاله الثاني بابن لهيعة! وتعقبه
السيوطي بما تقدم عن الذهبي والعسقلاني ؛ فأحسن .

(13/293)


6131 - ( تَعَلَّموا الشِّعرَ ؛ فإنَّ فيه حِكَماً وأمثالاً ) .
موضوع .
أخرجه الخليلي في "الإرشاد " (3/985 - 986) ومن طريقه
الذهبي في "سير الآعلام " (14/431 - 432) عن صالح بن عبد الجبار الحضرمي :
حدثنا محمد بن عبدالرحمن البَيلماني عن أبيه عَنْ ابْنِ عُمَرَ ... مرفوعاً . وقال
الذهبي :
"هذا حديث واهي الإسناد" -
قلت : وآفته محمد بن عبدالرحمن هذا ؛ فإنه متهم بالوضع ، وقد تقدمت له
بعض الأحاديت الموضوعة ؛ فانظر الأرقام (54 و 820) .
وصالح بن عبدالجبار غير معروف العدالة عندي ، وذكر الذهبي أنه أتى بخبر
منكر جداً ، لكن الراوي عنه ضعيف ، وفوقه انقطاع ، وقد سبق تخريجه برقم
(3659) .

6132 - ( من رأى معاهداً فقال : الحمد لله الذي فَضَّلني عليك
بالإسلام وبالقرآن وبمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لم يجمع الله بينَه وبينَه في النار) .
موضوع .
أخرجه الخليلي في (الإرشاد" (3/981) من طريق يحيى بن بدر
- وهو سمرقندي - : حدثنا أبو عثمان جابر بن عثمان السمرقندي : حدثنا أبو
مقاتل : حدثنا شعبة عن ثابت عن أنس ... مرفوعاً . ذكره في ترجمة جابر هذا ،
وقال :
"يروي عن أبي مقاتل وغيره ، صاحب غرائب " .
قلت : وليس له ذكر في "الميزان " و "اللسان " ولا في غيرهما . ثم قال الخليلي :
"هزا حديث لا يعرف بالبصرة من حديث شعبة ولا من حديث ثابت ،

(13/294)


وليس إلا من حديث سمرقند ، والحمل فيه على الرواة الضعفاء منهم ، وإنما يعرف
من حديث عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن [سالم عن ] أبيه : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال : "من رأى مبتلى ... ، الحديث " .
قلت : لقد كان الأولى أن يسوقه بتمامه حتى يتبين الفرق بينه وبين حديث
الترجمة ، ولكن هكذا عادة الحفاظ إنما يسوقون الطرف الأول منه الدال على سائره
اعتماداً على معرفة القرّاء! وتمامه :
"الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاك به ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً ،
إلا عوفي من ذلك البلاء كائناً ما كان ما عاش" .
وعمرو بن دينار هذا ضعيف ، لكن لحديثه شاهد من حديث أبي هريرة
مرفوعاً ، رواه الترمذي أيضاً بلفظ :
"لم يصبه ذلك البلاء" ... ليس فيه : "كائناً ... " .
وهو مخرج مع حديث سالم في "الصحيحة" (602) تخريجاً علمياً دقيقاً ؛
فليراجعه من شاء .
ونعود إلى حديث الترجمة لأقول :
إن الحمل فيه على أبي مقاتل شيخ جابر بن عثمان ؛ فإنه متهم بالوضع ، فقد
كذبه ابن مهدي وغيره ، وقال أبو نعيم والحاكم وأبو سعيد النقاش :
"حدث عن مسعر وأيوب وعبيدالله بن عمر بأحاديث موضوعة" . وقال
الذهبي في "الكنى/ الميزان " :
"أحد التلفى" . وكذ! في "اللسان " . ووقع في "كنى التقريب" :
"أبو مقاتل السمرقندي ؛ مقبول ، من الثامنة . ت "!

(13/295)


ولا أدري كيف وقع له هذا ؟! فقد ترجمه في "اللسان" - تبعاً لأصله "الميزان " -
ترجمة سيئة جداً ، وذكر له بعض الموضوعات التي اتهم بها ، وذلك تحت اسمه
"حفص بن سلم " ، وتقدم مني أحدها برقم (1245) .
ومن ذلك تعلم أن الحافظ الخليلي لم يعرف حاله في الرواية حين ترجمه
بقوله في "الإرشاد" (3/975) :
"مشهور بالصدق والعلم ، غير مخرج في "الصحيح " ، سمع هشام بن عروة
و ... ، وكان ممن يفتي في أيامه ، وله في العلم والفقه محل ، يُعنى بجمع حديثه " .
(تنبيه) لقد اختلط على الدكتور محمد سعيد محقق "الإرشاد" لفظ حديث
عمرو بن دينار ... بلفظ حديث أبي هريرة الذي ذكرته سابقاً ، فإنه لما ذكر تمام
حديث عمرو ؛ ذكره بلفظ أبي هريرة ، وبينهما فرق كبير - كما عرفت من بياني
المتقدم - .

6133 - (قرأتُ على رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأمرني أن أُكَبِّر فيها إلى أن
أَخْتِمَ ! يعني : {الضحى} ) .
منكر .
أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل " (2/76 - 77) ، والفاكهي في "أخبار
مكة " (3/35/ 1744) ، والحاكم (3/ 304) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (2/
370/2077 - 2081) ، والبغوي في "تفسيره" (4/501) ، والذهبي في " الميزان "
عن أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بَزَّة قال : سمعت عكرمة بن سليمان
يقول : قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قُسْطَنْطِيْن ، فلما بلغت : {والضحى} ،
قال لي : كبِّر كبِّر عند خاتمة كل سورة حتى تختم ، وأخبره عبدالله بن كثير : أنه
قرأ على مجاهد فأمره بذلك ، وأخبره مجاهد : أن ابن عباس أمره بذلك . وأخبره

(13/296)


ابن عباس : أن أُبي بن كعب أمره بذلك ، وأخبره أبي بن كعب : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أمره بذلك . وقال ابن أبي حاتم عقبه :
"قال أبي : هذا حديث منكر" .
قلت : وعلته ابن أبي بزة ؛ فقد قال في "الجرح والتعديل " (1/1/71) :
"قلت لأبي : ابن أبي بزة ضعيف الحديث ؟ قال : نعم ، ولست أحدث عنه ؛
فإنه روى عن عبيدالله بن موسى عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً منكراً" . وقال العقيلي في "الضعفاء" (1/127) :
"منكر الحديث ، ويوصل الأحاديث " . وقال الذهبي :
" ليّن الحديث " . وأقره الحافظ في "اللسان " .
ولهذا لما قال الحاكم عقب الحديث : "صحيح الإسناد" ؛ تعقبه الذهبي في
"التلخيص" بقوله :
" البزي تُكلم فيه " . وقال في ترجمته من والعبر" (1/445 - الكويت) :
"وكان ليِّن الحديث ، حجة في القرآن" .
ولذلك أورده في "الضعفاء" (55/428) ، وقال في "سير الأعلام " (12/ 51)
رداً على تصحيح الحاكم للحديث :
"وهو منكر" . وقال في "الميزان" عقب الحديث :
!حديث غريب ، وهو مما أنكر على البّزِّي ، قال أبو حاتم ؛ هذا حديث منكر" .
وأقره الحافظ في "لسانه" . وقال ابن كثير في "التفسير" عقب الحديث :
"فهذه سنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد البزي من ولد القاسم بن

(13/297)


أبي بزة ، وكان إماماً في القراءات ، فأما في الحديث ؛ فقد ضعفه أبو حاتم الرازي
وأبو جعفر العقيلي ... " . ثم ذكر كلامهما المتقدم ، ثم قال :
"لكن حكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في "شرح الشاطبية" عن
الشافعي : أنه سمع رجلاً يكيبر هذا التكبير في الصلاة ؛ فقال : "أحسنت وأصبت
السنة" ، وهذا يقتضي صحة الحديث " .
فأقول : كلا ؛ وذلك لأمرين :
أحدهما : أن هذا القول غير ثابت عن الإمام الشافعي ، ومجرد حكاية أبي
شامة عنه لا يعني ثبوته ؛ لأن بينهما مفاوز . ثم رأيت ابن الجزري فد أفاد في
"النشر في القراءات العشر" (2/397) أنه من رواية البزي عن الشافعي ؛ فصح أنه
غير ثابت عته . ويؤكد ذلك أن البزي اضطرب فيه ، فمرة قال : محمد بن إدريس
الشافعي ، ومرة قال : الشافعي إبراهيم بن محمد ! فراجعه .
والآخر : أنه لو فرض ثبوته عنه ؛ فليس هو بأقوى من قول التابعي : من السنة
كذا ؛ فإن من المعلوم أنه لا تثبت بمثله السنة ، فبالأّوْلى أن لا تثبت بقول من بعده ؛
فإن الشافعي رحمه الله من أتباع التابعين أو تبع أتباعهم . فتأمل .
وللحديث علة ثانية : وهي شيخ البزي : عكرمة بن سليمان ؛ فإنه لا يعرف
إلا بهذه الروأية ، فإن ابن أبي حاتم لما ذكره في "الجرح والتعديل " (3/2/ 11) ؛ لم
يزدعلى قوله :
"روى عن إسماعيل بن عبدالله بن قسطنطين ، روى عنه أحمد بن محمد .
أبن أبي بزة المكي "*
فهو مجهول العين - كما تقتضيه القواعد العلمية الحديثية - ؛ لكنه قد توبع
في بعضه - كمايأتي - .

(13/298)


وله علة ثالثة : وهي جهالة حال إسماعيل بن عبدالله بن قسطنطين ؛ فقد أورده
ابن أبي حاتم (1/ 1/ 180) وقال :
"روى عنه محمد بن إدريس الشافعي ، ويعقوب بن أبي عباد المكي" .
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، ولا رأيت له ذكراً في شيء من كتب الجرح
والتعديل الأخرى ، ولا ذكره ابن حبان في "ثقاته" على تساهله في توثيق المجهولين!
وأما المتابعة التي سبقت الإشارة إليها : فهي من الإمام محمد بن إدريس
الشافعي رحمه الله تعالى ؛ فقال ابن أبي حاتم في "آداب الشافعي ومناقبه "
(ص 142) : أخبرني محمد بن عبدالله بن عبدالحكم - قراءة عليه - : أنا الشافعي :
ثنا إسماعيل بن عبدالله بن قسطنطين (يعني : قارئ مكة) قال : قرأت على
شبل (يعني : ابن عباد) ، وأخبر شبل أنه قرأ على عبدالله بن كثير ، وأخبر عبدالله
ابن كثيرا أنه قرأ على مجاهد ، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس ، وأخبر ابن
عباس أنه قرأ على أبي بن كعب ، وقرأ أبي بن كعب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قلت : هكذا الرواية فيه ؛ لم يذكر : {الضحى} والتكبير ، وكذلك هو في
"تاريخ بغداد" (2/62) من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم قال : نا
محمد بن عبدالله بن عبدالحكم المصري ... به .
وخالف جد أبي يعلى الخليلي ؛ !فقال أبو يعلى في "الإرشاد" (1/427) :
حدثنا جدي : حدثنا عبدالرحمن بن أبي حاتم ... بإسناده المذكور في "الآداب "
نحوه ؛ إلا أنه زاد في آخره فقال :
! ... فلما بلغت : {والضحى} ؛ قال لي : يا ابن عباس! كبر فيها ؛ فإني
قرأت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... " إلخ - كما فِي حَدِيثِ الترجمة - .

(13/299)


قلت : وجدُّ أبي يعلى ؛ لم أجد له ترجمة إلا في "الإرشاد" لحفيده الحافظ
أبي يعلى الخليلي (2/765 - 766) ، وسمى جماعة روى عنهم ، ولم يذكر أحداً
روى عنه ؛ فكأنه من المستورين الذين لم يشتهروا بالرواية عنه ، ولعله يؤيد ذلك
قول الحافظ الخليلي :
"ولم يرو إلا القليل " . مات سنة (327) .
وكذا في "تاريخ قزوين" للرافعي (2/134) - نقلاً عن الخليلي - .
قلت : فمثله لا تقبل زيادته على الحافظين الجليلين : ابن أبي حاتم وأبي
العباس الأصم ؛ فهي زيادة منكرة . ويؤيد ذلك ما تقدم عن الحافظ ابن كثير : أنها
سنة تفرد بها أبو الحسن البزي . مع شهادة الحفاظ المتقدمين بأن الحديث منكر .
والله أعلم .
وقد رواه البزي مرة بزيادة أخرى معضلاً ؛ فقال ابن الجزري رحمه الله في
"النشر في القراءات العشر" (2/388) :
"روى الحافظ أبو العلاء بإسناده عن أحمد بن فرج عن البزي أن الأصل في
ذلك (يعني : التكبير المذكور) : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انقطع عنه الوحي ؛ فقال المشركون :
قلا محمداً ربه ؛ فنزلت : سورة : {والضحى} ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"الله أكبر" .
وأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكبر إذا بلغ : {والضحى} مع خاتمة كل سورة حتى يختم .
وذكره ابن كثير في "تفسيره ، معلقاً دون أن يعزوه للبزي عقب روايته المتقدمة
المسندة ؛ فقال :
"وذكر القراء في مناسبة التكبير من أول سورة {الضحى} أنه لما تأخر
الوحي ... " إلخ نحوه ، وعقب عليه بقوله :

(13/300)


"ولم يرو ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة أو ضعف " .
وأقره ابن الجزري على ذلك (ص 388) ، وعقب عليه بقوله ؛
"يعني كون هذا سبب التكبير ، وإلا ؛ فانقطاع الوحي مدة أو إبطاؤه مشهور ،
رواه سفيان عن الأسود بن قيس عن جندب البجلي - كما سيأتي - ، وهذا إسناد
لا مرية فيه ولا شك . وقد اختلف أيضاً في سبب انقطاع الوحي أو إبطائه ، وفي
القائل : (قلاه ربه) ، وفي مدة انقطاعه ... " .
ثم ساق في ذلك عدة روايات كلها معلولة ؛ إلا رواية سفيان التي أشار إليها ،
وقد عزاه بعد للشيخين ، وقد أخرجها البخاري (1124 و1125 و4983) ، ومسلم
(5/182) ، والترمذي (3342) وصححه ، وأحمد (4/313) ، وا لطبراني (2/ 186
و187) من طرق عن سفيان ، ولفظه :
احتبس جبريل اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فقالت امرأة من قريش : أبطأ عليه
شيطانه ، فنزلت : {والضحى . والليل إذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى} .
ولسفيان متابعات كثيرة في "الصحيحين " وغيرهما بألفاظ متقاربة ، فمن شاء
الوقوف عليها ؛ فليتتبعها فيهما ، وقد يسر السبيل إليها الحافظ ابن حجر - كعادته
في "الفتح " - ؛ فليرجع إليه من أرادها .
فأقول : وبناء على هذا الحديث الصحيح يمكننا أن نأخذ منه ما نؤكد به نكارة
الزيادة المتقدمة من رواية أحمد بن الفرج عن البزي ؛ لعدم ورودها في "الصحيح " ،
وأن ما يحكى عن القراء ليس من الضروري أن يكون ثابتاً عندهم ، فضلاً عن غيرهم
- كما سيأتي بيانه في اختلاف القراء في هذا التكبير الذي تفرد به البزي - .
ومن المعلوم في علم المصطلح أن الحديث المنكر هو ما رواه الضعيف مخالفاً

(13/301)


للثقة . وهذه الزيادة من هذا القبيل ، وبهذا الطريق رد الحافظ حديثاً آخر من رواية
الطبراني فيه سبب آخر لنزول {والضحى} ، لعله ييسر لي تخريجه فيما بعد (1) ؛
فقال الحافظ (8/ 710) :
لأغريب ، بل شاذ (!) مردود بما في (الصحيح) " .
ثم ذكر روايات أخرى في سبب نزولها مخالفة أيضاً ، ثم ردها بقوله :
"وكل هذه الروايات لا تثبت " .
قلت : ونحوها ما روى ابن الفرج أيضاً قال : حدثني ابن أبي بزة بإسناده : أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهدي إليه قطف عنب جاء قبل أوانه ؛ فهمَّ أن يأكل منه ، فجاءه سائل
فقال : أطعموني مما رزقكم الله ؟ قال : فسلَّم إليه العنقود . فلقيه بعض أصحابه
فاشتراه منه ، وأهداه للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وعاد السائل فسأله ، فأعطاه إياه ، فلقيه رجل آخر
من الصحابة ، فاشتراه منه ، وأهداه للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فعاد السائل فسأله فانتهره وقال :
"إنك مُلحٌّ " . فانقطع الوحي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين صباحاً ؛ فقال المنافقون :
قلا محمداً ربُّه ، فجاء جبريل عليه السلام فقال : اقرأ يا محمد! قال : وما أقرأ ؟
فقال : اقرأ : {والضحى} ... ! ، ولقنه السورة ، فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبياً لما بلغ :
{والضحى} ؛ أن يكبر مع خاتمة كل سورة حتى يختم . ذكره ابن الجزري وقال
عقبه :
"وهذا سياق غريب جداً ، وهو مما انفرد به ابن أبي بزة أيضاً ، وهو معضل " .
قلت : وفي هذا دليل على ضعف البزي هذا ، لتلونه في رواية الحديث 1 ا ،1 حد ،
فإن ذلك مما يشعر بأنه غير حافظ للحديث ولا ضابط - كما هو معروف عند أهل
__________
(1) انظررقم (6136) .

(13/302)


المعرفة بهذا الفن الشريف - ؛ فلا جرم أنه ضعفه أبو حاتم والعقيلي والذهبي
والعسقلاني - كما تقدم - ، وقال الحافظ أبو العلاء الهمداني :
" لم يرفع أحد التكبير إلا البزي ، ورواه الناس فوقفوه على ابن عباس ومجاهد" .
ذكره ابن الجزري (ص395) ، ثم قال :
"وقد تكلم بعض أهل الحديث في البزي ، وأظن ذلك من قبل رفعه له ؛
فضعفه أبو حاتم والعقيلي" .
أقول : ما أصاب العلائي في ظنه ؛ فإن من ضعفه - كالمذكوريْن - ؛ ما تعرضوا
لحديثه هذا بذكر ، وإنما لأنه منكر الحديث - كما تقدم عن العقيلي - ، ومعنى
ذلك : أنه يروى المناكير ، وأشار أبو حاتم إلى أن منها ما رواه عن ابن مسعود ، وإن
كان لم يسق متنه .
ثم إن الموقوف الذي أشار إليه العلائي فما ذكر له إسناداً يمكن الاعتماد
عليه ؛ لأنه لم يسقه (ص 397) إلا من طريق إبراهيم بن أبي حية قال : حدثني
حميد الأعرج عن مجاهد قال : ختمت على عبدالله بن عباس تسع عشرة ختمة ،
كلها يأمرني أن أكبر فيها من . : {ألم نشرح} " .
وإبراهيم هذا : قال البخاري في "التاريخ الكبير" (1/1/ 283) :
"منكر الحديث ، واسم أبي حية : اليسع بن أسعد" . وقال الدارقطني :
"متروك " .
فهو ضعيف جداً ؛ فلا يصح شاهداًلحديث البزي ، مع أنه موقوف .
إذا عرفت أيها القارئ الكريم ضعف هذا الحديث ونكارته ؛ فإن من المصائب
في هذا الزمان والفتنة فيه أن يتطاول الجهال على الكتابة فيما لا علم لهم به ؛

(13/303)


أقول هذا لأنه وقع تحت يدي وأنا أحرر الكلام على هذا الحديث رسالة للمدعو
أحمد الزعبي الحسيني بعنوان : "إرشاد البصير إلى سُنِّيَّةِ التكبير عن البشير
النذير" ، رد فيها - كما يقول - على الأستاذ إبراهيم الأخضر ، الذي ذهب في كتابه
"تكبير الختم بين القراء والمحدثين " إلى أن التكبير المشار إليه ليس بسنة . فرأيت
الزعبي المذكور قد سلك سبيلاً عجيباً في الرد عليه أولاً ، وفي تأييد سنّية التكبير
ثانياً ؛ تعصباً منه لما تلقاه من بعفض مشايخه القراء الذين بادروا إلى تقريظ رسالته
دون أن يعرفوا ما فيها من الجهل بعلم الحديث ، والتدليس ؛ بل والكذب على
العلماء ، وتأويل كلامهم بما يوافق هواه ، وغير ذلك مما يطول الكلام بسرده ، ولا
مجال لبيان ذلك مفصلاً ؛ لأنه يحتاج إلى وقت وفراغ ، وكل ذلك غير متوفر لدي
الآن ؛ ولا سيما والأمر كما يقال في بعض البلاد : "هذا الميت لا يستحق هذا
العزاء" ؛ لأن مؤلفها ليس مذكوراً بين العلماء ، بل إنها لتدل على أنه مذهبي
مقلد ، لا يَعْرِفُ الحق إلا بالرجال ، ولكن لا بدّ لي من الإشارة بأخصر ما يمكن من
العبارة إلى بعض جهالاته المتعلقة بهذا الحديث الذي صرح بصحته ، بل وزعم أنه
متواتر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !
1 - ذكر (ص 12) تصحيح الحاكم إياه ، ولم يعقب عليه برد الذهبي له أو غيره
ممن تقدم ذكره من العلماء!
2 - بل زاد على ذلك (ص 14) فقال : "يكفي في حجية سنة التكبير حديث
الحاكم " ، الأمر الذي يدل على جهله بموقف العلماء من تصحيحات الحاكم ، أو أنه
تجاهل ذلك إ!
3 - نقل (ص 15 - 16) عن كتاب "غاية النهاية" لابن الجزري (رحمه الله)
ترجمة مختصرة لعكرمة بن سليمان - الذي بينت آنفاً أنه من علل هذا الحديث
لجهالته - جاء فيها قول ابن الجزري :

(13/304)


"تفرد عنه البزي بحديث التكبير" .
وهذا نص بأن عكرمة هذا مجهول العين عند من يعرف ، فجهل الزعبي ذلك
أو تجاهله ؛ فزعم أنه ثقة فقال (ص 17) :
"رجال السند كلهم ثقات (!) ، جهابذة ، أذعنت الأمة لهم بالقبول والحفظ "!!!
4 - قال (ص 17 و 31) :
" فالحديث قوي ليس له معارض في صحته "!
مع أنه نقل في غير ما موضع ما عزوته إلى أبي حاتم أنه حديث منكر . وإلى
الذهبي أنه مما أنكر على البزي ، وقول العقيلي في البزي :
"منكر الحديث " .
ولكنه تلاعب بأقوالهم وتأولها تأويلاً شنيعاً ؛ فأبطل دلالتها على ضعف
الحديث وراويه! وتجاهل قول أبي حاتم فيه :
"ضعيف الحديث " .
فلم يتعرض له بذكر ؛ لأنه يبطل تأويله ، وذلك هو شأن المقلدة وأهل الأهواء
قديماً وحديثاً . انظر (ص 22 و 25) .
5 - قال (ص 21) وهو ينتقد غيره ، وهو به أولى :
"فترى الواحد من إلناس يصحح حديثاً ويضعفه بمجرد أن يجد في كتاب من
كتب الرجال عن رجل بأنه غير ثقة ... " .
كذا قال! وهو يريد أن يقول بأنه ثقة أو غير ثقة ؛ لينسجم مع التصحيح
والتضعيف المذكورين في كلامه ، ولكن العجمة لم تساعده! وأول كلامه ينصب

(13/305)


عليه تماماً ؛ لأنه يصحح هذا الحديث دون أن يجد موثقاً لعكرمة بن سليمان ،
والبزي هذا ، بل إنه ممن اتفق أهل العلم بالجرح والتعديل على تضعيفه وتضعيف
حديثه - كما تقدم - ؛ ولذلك طعن فيهم في التالي :
6 - قال بعد أن نصب نفسه (ص 19) لمناقشة آراء العلماء - يعني : المضعفين
للحديث - ورواية الذين أشرت إليهم آنفاً! قال (ص 22) ؛
"فكون البزي قد جُرِحَ في الحديث ؛ فإن ذلك قد يكون لنسيان في الحديث
أو لخفة ضبطه فيه أو غير ذلك ... قال (ص 23) : فكون البزي لين الحديث لا
يؤلر في عدم (!) صحة حديث التكبير ، على زعم من قال : إنه لين" .
كذا قال فُضَّ فوه : "زعم ... "! وهو يعني : الذهبي ومن تقدمه من الأئمة
المشار إليهم آنفاً ؛ فهو يستعلي عليهم ، ويرد تضعيفهم بمجرد الدعوى أن ذلك لا
يؤلر في صحة الحديث! فإذا كان كلام هؤلاء لا يؤثر عنده ؛ فكلام من هو المؤثر ؟!
وإن من عجائب هذا الرجل وغرائبه أنه عقد بحثاً جيداً (ص 19 - 21) ،
ونقل فيه كلاماً للذهبي قيماً ، خلاصته : أن للحديث رجالاً ، وأن هناك علماء
معروفين لا يدرون ما الحديث ؟ ثم أشار هذا الرجل بكلام الذهبي ، ورفع من شأنه
وقال : "وكلامه يدل أن لكل فن رجالاً " . وهذا حق ؛ فهل يعني أن الرجل من
هؤلاء الرجال حتى استجاز لنفسه أن يرد تضعيف أهل الاختصاص بهذا العلم
وتجريحهم ، وهو ليس في العير ولا في النفير ؟! نعوذ بالله من العجب والغرور واتباع
الأهواء والتقليد الأعمى ، والانتصار له بالسَّفْسَطَةِ والكلام العاطل! والجهل
العميق! وتأمل في قوله المتقدم :
" ... لا يؤثر في عدم صحة حديث التكبير" !
فإنه يعني : " ... في صحة ... " إلخ ؛ كما يدل عليه سياق كلامه ؛ فهذا

(13/306)


من عيِّه وجهله . ولا أدل على ذلك مما يأتي ، وإن كان فيما سبق ما يكفي .
7 - قال (ص 24) :
"وكذلك التكبير نقل إلينا مسلسلاً بأسانيد متواترة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "!
وهذا كذب وزور بيِّن ، ولو كان صادقاً ؛ لم يسوِّد صفحات في الرد بجهل بالغ ع
لى علماء الحديث الذين ضعفوا البزي وحديثه ، ولاكتفى بإثبات تواتره المزعوم .
ولكن في هذا حكمة بالغة ليتبين المبطل من المحق ، والجاهل من العالم ، والمغرض
من المخلص!
8 - ثم كذب كذبة أخرى فقال (ص 27) :
"فتجد أن الذهبي يقوي هذا الحديث" .
وسبب هذه أنه ساق ترجمة البزي عند الذهبي ، وفيها أنه روى الحديث عنه
جماعة ؛ فاعتبر ذلك تقوية للحديث ، وذكر فيها أثراً عن حميد الأعرج - وهو من
أتباع التابعين - ، فجعله شاهداً للحديث المرفوع ، وهذا من بالغ جهله بهذا العلم أو
تجاهله ، وأحلاهما مر!
9 - ومما يدل على ذلك قوله (ص 30) :
"فإذا روى الشافعي عن رجل وسكت عنه ؛ فهو ثقة"!
وهذا منتهى الجهل بهذا العلم الشريف ، والجرأة على التكلم بغير علم ؛ فإن
هذا خلاف المقرر في علم المصطلح : أن رواية الثقة عن الرجل ليس توثيقاً له ، وهذا
ولو لم يكن مجروحاً ، فكيف إذا كان مطعوناً فيه ؟! فالله المستعان .
10 - ونحو ذلك قوله (ص 35) :
"والبزي . قد وثقه الحافظ ابن الجزري بقوله : أستاذ محقق ضابط متقن "!

(13/307)


وفي هذا تدليس خبيث وتلبيس على القراء ؛ لأنه - أعني : الجزري - إنما قال
هذا فيما هو مختص به - أعني : البزي - من العلم بالقراءة ، وليس في روايته
للحديث - كما يدل على ذلك السياق والسياق ، وهما من المقيدات ؛ كما هو معروف
عند العلماء - ، بل إنه قد صرح بذلك في "النشر" (1/120) ؛ فقال ما نصه :
"وكان إماماً في القراءة محققاً ضابطاً متقناً لها ثقة فيها" .
ومن العجيب حقاً أن هذا المدلس على علم بهذا النص ؛ لأنه قد ذكره في
الصفحة (36) فيما نقله عن المحدث السندي ؟ فتجاهله ليسلك على القراء تدليسه!
وأعجب من ذلك أنه تجاهل تعقيب السندي رحمه الله على ذلك بقوله :
"فلا يقدح في ذلك كونه ضعيف الحديث في غيرما يتعلق بالقراءة" .
قلت : فهذه شهادة جديدة من المحدث السندي تضم إلى شهادات الأئمة
المتقدمين تدمغ هذا الجاهل دمغاً ، وتمحو دعواه الباطلة محواً ، وتجعل رسالته هباءً
منثوراً .
11 - ومن أكاذيبه الخطيرة التي لا بد من ذكرها وبيانها وختم هذا البحث بها
قوله (ص 34) - بعد أن ذكر تصحيح الحاكم للحديث - :
"وجاء تواتر الأمة على فعله "!
فهذا كذب محض لم يقله أحد قبله ! فإن المسألة الخلاف فيها قديم بين القراء ،
فضلاً عن غيرهم ؛ فإنه لم يقل بالتكبير المذكور في الحديث من القراء المشهورين
غير عبدالله بن كثير المذكور في إسناده المتقدم ، وهو مكي توفي سنة (120) . ثم
تلقاه المكيون عنه ؛ كما حقق ذلك ابن الجزري (2/392) ، وقال قبل ذلك
(2/ 390) بعد أن ذكر الحديث وغيره مما تقدم :

(13/308)


"قال الداني : فهذا سبب التخصيص بالتكبير من أخر : {والضحى} ،
واستعمال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه ، وذلك كان قبل الهجرة بزمان ؛ فاستعمل ذلك المكيون ،
ونقل خَلَفهم عن سلفهم ، ولم يستعمله غيرهم ؛ لأنه اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك ذلك بعد ، فأخذوا
بالآخر من فعله " .
فأين التواتر الذي زعمه هذا الجاهل - أو : المتجاهل - ونسبه إلى الأمة ، مع
تصريح هذا الإمام الداني بأنه لم يستعمله غير المكين ؟! أم أن هؤلاء ليسوا عنده من
الأمة ؟! وماذا يقول في تعليل الإمام الداني تركهم له ؟!
ثم إن المكيين أنفسهم لم يستمروا على استعماله ؛ فقد ذكر الفاكهي في
"أخبار مكة" (3/36/1745) أن ابن أبي عمر قال :
"أدركت الناس في مكة على هذا : كلما بلغوا : {والضحى} ؛ كبروا حتى
يختموا ، ثم تركوا ذلك زماناً ، ثم عاودوه منذ قريب ، ثم تركوه إلى اليوم " .
وابن أبي عمر هذا من شيوخ الفاكهي ومسلم ، واسمه : محمد بن يحيى بن
أبي عمر العدني أبو عبدالله الحافظ ، وقد أكثر الفاكهي عنه بحيث أنه روى عنه
أكثر من خمسمائة رواية - كما ذكر ذلك المعلق على كتابه جزاه الله خيراً - ، مات
سنة (243) .
قلت : فهذه الرواية مما يُبطل التواتر الذي زعمه ؛ لأنها تنفي صراحة انقطاع
استمرار العمل ، بل قد جاء عن بعض السلف إنكار هذا التكبير واعتبره بدعة ،
وهو عطاء بن أبي رباح المكي ؛ فقال الفاكهي : حدثني أبو يحيى بن أبي مرة عن
ابن خنيس قال : سمعت وهيب بن الورد يقول : (قلت : فذكر قصته ، وفيها) ولما
بلغ حميد (وهو : ابن قيس المكي) : {والضحى} ؛ كبر ، فقال لي عطاء : إن هذا
لبدعة .

(13/309)


وهذا إسناد جيد ، وفيه إثبات سماع وهيب من عطاء ، فما في "التهذيب "
- وتبعه في "جامع التحصيل" - أن روايته عن عطاء مرسلة ؛ لعله وهم ، أو سبق
قلم! فإن الذي في "الجرح" مكان : (عطاء) (طاوس) وهو أقدم وفاة من عطاء .
والله أعلم .
وفتوى ابن تيمية الواردة في المجلد (13) من "مجموع الفتاوى" (ص 417 -
419) تميل إلى عدم مشروعية هذا التكبير ؛ فإنه سئل عنه فقال :
" إذَا قَرَأوا بِغَيْرِ حَرْفِ ابْنِ كَثِيرٍ ؛ كَانَ تَرْكُهُمْ لِذَلِكَ هُوَ الْأَفْضَلَ ، بَلْ الْمَشْرُوعَ
الْمَسْنُونَ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ مِنْ الْقُرَّاءِ لَمْ يَكُونُوا يُكَبِّرُونَ ، لَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَلَا فِي
أَوَاخِرِهَا . فَإِنْ جَازَ لِقَائِلِ أَنْ يَقُولَ : إنَّ ابْنَ كَثِيرٍ نَقَلَ التَّكْبِيرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ : إنَّ هَؤُلَاءِ نَقَلُوا تَرْكَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ مِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ
تَكُونَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ الَّتِي نَقَلَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ [ نَقَلَةِ ] قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ ، قَدْ أَضَاعُوا فِيهَا مَا
أَمَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَإِنَّ أَهْلَ التَّوَاتُرِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ كِتْمَانُ مَا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ
وَالدَّوَاعِي إلَى نَقْلِهِ ، فَمَنْ جَوَّزَ عَلَى جَمَاهِيرِ الْقُرَّاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُمْ بِتَكْبِيرِ
زَائِدٍ ، فَعَصَوْا أَمْرَهُ ، وَتَرَكُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ ؛ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ الْبَلِيغَةَ الَّتِي تَرْدَعُهُ وَأَمْثَالَهُ
عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ" . ثم قال :
"وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالتَّكْبِيرِ لِبَعْضِ مَنْ أَقْرَأَهُ ؛ كَانَ غَايَةُ ذَلِكَ يَدُلُّ
عَلَى جَوَازِهِ أَوْ اسْتِحْبَابِهِ ... " .
ومن غرائب ذاك الزعبي أنه نقل (ص 49 - 51) فتوى ابن تيمية هذه ، ثم
استخلص منها أن ابن تيمية يقول بسنية التكبير! فذكرني المسكين بالمثل المعروف :
"عنزة ولو طارت" ؛ فإنه تجاهل عمداً قول ابن تيمية الصريح في الترك ، بل المشروع
المسنون . كما تجاهل إيماءه القوي بعدم ثبوت الحديث بقوله : "ولو قُدِّر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم

(13/310)


أمر بالتكبير ... " ؛ فإنه كالصريح أنه لم يثبت ذلك عنده ، وأنا على مثل اليقين أن
القائل بسنية التكبير ، المستدل عليه بحديث الترجمة ؛ والمدعي صحته - كهذا
الدعي الزعبي - لو سئل : هل تقول أنت بما قال ابن تيمية : "ولو قدر ... " إلخ ؟
فإن أجاب بـ "لا" ، ظهر كذبه على ابن تيمية وما نسب إليه من السنية ، وإن قال :
"نعم " ؛ ظهر جهله باللغة العربية ومعاني الكلام ، أو تجاهله ومكابرته . والله المستعان .
والخلاصة : أن الحديث ضعيف لا يصح - كما قال علماء الحديث دون خلاف
بينهم - ، وأن قول بعض القراء لا يقويه ، ولا يجعله سنة ، مع إعراض عامة القراء
عنه ، وتصريح بعض السلف ببدعيته . والله ولي التوفيق .
وإن مما يؤكد ذلك اختلاف القاثلين في تحديد ابتدائه وانتهائه على أقوال كثيرة
تراها مفصلة في "النشر" ، كما اختلفوا هل ينتهي بآخر سورة الناس ، أو بأولها!
وصدق الله العظيم القاثل : {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً} .

6134 - ( كان إذا قرأ : {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} افتتح من
{الحمد} ، ثم قرأ {البقرة} إلى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ثم دعا
بدعاء الخَتْم ، ثم قام ) .
ضعيف .
أخرجه الحسن بن علي الجوهري في "فواثد منتقاة" (29/2) عن
وهب بن زمعة عن أبيه زمعة بن صالح عن عبدالله بن كثير عن دِرْباسٍ مولى ابن
عباس وعن مجاهد عن عبدالله بن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ
النبي على أُبَيٍّ ، وقرأ أبي عن النبي ، و - أنه كان ... إلخ .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ وله علتان :
الأولى : أن مداره على زمعة بن صالح ، قال الذهبي في "الكاشف " :

(13/311)


"ضعفه أحمد ، قرنه (م) بآخر" . وقال الحافظ في "التقريب" :
"ضعيف ، وحديثه عند مسلم مقرون" .
والأخرى : الاضطراب في إسناده عليه على وجهين :
الأول : هذا : عن درباس وعن مجاهد ؛ قرنه معه .
الثاني : عن درباس وحده ؛ لم يذكر مجاهداً معه .
وقد ساق ابن الجزري في "النشر" (2/ 420 - 425) الأسانيد بذلك .
وفي رواية له عن وهب بن زمعة بن صالح عن عبدالله بن كثير عن درباس
عن عبدالله بن عباس ... به مرفوعاً ؛ لم يذكر في إسناده زمعة . وقال عقبه :
"حديث غريب ، لانعرفه إلا من هذا الوجه ، وإسناده حسن ؛ إلا أن الحافظ أبا
الشيخ الأصبهاني وأبا بكر الزينبي روياه عن وهب عن أبيه زمعة ... ، وهو الصواب " .
فأقول : هذا التصويب صواب ؛ لأ نه عليه أكثر الروايات ، وعليه فلا وجه
لتحسين إسناده ؛ لأن مداره على - زمعة بن صالح الضعيف - كما تقدم - . وكيف
يكون حسناً وفيه درباس مولى ابن عباس ، وَهُوَ مَجْهُولٌ - كما قال أبو حاتم ، وتبعه
الذهبي والعسقلاني - ؟! نعم قد قُرِنَ به مجاهد في بعض الروايات - كما في رواية
الجوهري وغيره - ، فإن كان محفوظاً ؛ فالعلة واحدة وهي زمعة . والله أعلم .

6135 - ( إذا ختم القرآن ؛ حَمِدَ اللهَ بِمَحَامِدَ وهو قائمٌ ، ثم
يقولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} ، لَا
إِلَهَ إِلَّا الله ، وكذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداًً ، لَا إِلَهَ إِلَّا الله ،

(13/312)


وكذب المشركون بالله من العرب والمجوس واليهود والنصارى
والصابئين ، ومن ادعى لله ولداً أو صاحبة أو نداً ، أو شبهاً أو مثلاً أو سمياً أو
عدلاً ؛ فأنت ربنا أعظم من أن تتخذ شريكاً فيما خَلَقْتَ ...) الحديث
بطوله ، وفي آخره :
( ثم إذا افتتح القرآن ؛ قال مثل هذا ، ولكن ليس أحد يُطيقُ ما
كان نبيَ اللهِ يطيق ) .
موضوع .
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (2/372/2082) من طريق
عمرو بن شَمَّر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر قال : كان علي بن حسين يذكر
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا ختم ... الحديث . وقال البيهقي قبل أن يسوقه :
"حديث منقطع بإسناد ضعيف ، وقد تساهل أهل الحديث في قبول ما ورد
من الدعوات وفضائل الأعمال متى ما لم يكن في رواته من يعرف بوضع الحديث
أو الكذب في الرواية" . ثم ساق الحديث .
وقد تساهل رحمه الله في اقتصاره على قوله : "بإسناد ضعيف" . فإن الشرط
الذي ذكره في التساهل المزبور غير متحقق هنا ؛ فإن عمرو بن شمر قد اتفقوا على
تركه ، وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/75) :
"كان رافضياً يشتم أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وكان ممن يروي الموضوعات
عن الثقات في فضائل أهل البيت وغيرها ، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة
التعجب " . وقال أبو نعيم في "ضعفائه " (118/165) :
"يروي عن جابر الجعفي الموضوعات المناكير" . وقال الحاكم - وهو شيخ البيهقي - :

(13/313)


"كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي ، وليس يروي تلك الموضوعات
الفاحشة عن جابر غيره " .
فأقول : وما أظن أن هذا يخفى على البيهقي ؛ فإنه من أخص تلامذة الحاكم ،
فالعجب من البيهقي كيف يسوق لعمرو بن شمر هذا الحديث على أنه ضعيف يجوز
قبوله في الفضائل وهذه حاله ؟! ومثل هذا التساهل مما جعلنا نظن أنه لم يتمكن من
الوفاء بشرطه الذي نص عليه في مقدمة كتابه المذكور : " الشعب "(1/28) :
"أنه اقتصر على ما لا يغلب على القلب كونه كذباً " .
فإن القلب يشهد - مع السند - أن هذا الحديث كذب موضوع ؛ فإن لوائح
الصنع والوضع ظاهر عليه ، ولعل ابن الجوزي لم يقف عليه ، وإلا ؛ كان كتابه
"الموضوعات" أولى به من كثير من الأحاديث التي أوردها فيه! وقد كنت نبهت
فيما مضى من هذه "السلسلة" على بعض الأحاديث الموضوعة التي رواها البيهقي
مما يؤكد عدم أستطاعته القيام بما تعهد به . والكمال لله تعالى .
والأعجب من ذلك أن ابن الجزري في "النشر" (2/444 - 446) قال - وقد
روى الحديث من طريق البيهقي ، وساق كلامه المذكور - :
"فالحديث مرسل ، وفي إسناده جابر الجعفي وهو شيعي ، ضعفه أهل
الحديث ، ووثقه شعبة وحده " .
قلت : فخفي عليه أن العلة الحقيقية إنما هي من عمرو بن شمر ، الراوي عن
جابر الجعفي ؛ لاتفاقهم جميعاً على تركه ، وتصريح بعضهم بروايته الموضوعات
- كما تقدم - ، مع أن الجعفي قريب منه ؛ لأنه قد كذبه جمع كما تراه في ترجمته
من "التهذيب" ، على أنه قد ذكر فيها أنه وثقه أيضاً غير شعبة ؛ لذلك فالأقرب أن
العلة من عمرو الراوي عنه .

(13/314)


ثم قال ابن الجزري عقب كلامه المتقدم :
"ويقوي ذلك ما قدمناه عن الإمام أحمد أنه أمر الفضل بن زياد أن يدعو
عقب الختم وهو قائم في صلاة التراويح ، وأنه فعل ذلك معه " .
وأقول : هذه تقوية عجيبة من مثل ابن الجزري ؛ كيف يقوي حديثاً طويلاً - يرفعه
إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذاك الكذاب الرافضي - لمجرد أمر الإمام أحمد بالدعاء عقب ختم
القرآن ، فهذا أخص مما في هذا الحديث ؛ أي : أنه يقوي الأعم بما هو أخص ، أو
الكل بالجزء ؟! وهذا مما لا يستقيم في العقل . فتأمل!
(تنبيه) : إن الدعاء المطبوع في آخر بعض المصاحف المطبوعة في تركيا وغيرها
تحت عنوان : "دعاء ختم القرآن " والذي ينسب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله تعالى ؛ فهو مما لا نعلم له أصلاً عن ابن تيمية أو غيره أن علماء الإسلام ،
وما كنت أحب أن يلحق بآخر المصحف الذي قام بطبعه المكتب الإسلامي في
بيروت سنة (1386) على نفقة الشيخ أحمد بن علي بن عبدالله آل ثاني رحمه
الله ، وإن كان قد صُدّر بعبارة : "المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية" ؛ فإنها لا
تعطي أن النسبة إليه لا تصح فيما يفهم عامة الناس ، وقد أمرنا أن نكلم الناس
على قدر عقولهم!
ومما لا شك فيه أن التزام دعاء معين بعد ختم القرآن من البدع التي لا تجوز ؛
لعموم الأدلة ، كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار" ، وهو من
البدع التي يسميها الإمام الشاطبي بـ "البدعة الإضافية" ، وشيخ الإسلام ابن
تيمية من أبعد الناس عن أن يأتي بمثل هذه البدعة ، كيف وهو كان له الفضل
الأول - في زمانه وفيما بعده - بإحياء السنن وإماتة البدع ؟ جزاه الله خيراً .

(13/315)


6136 - ( يا خَوْلَةُ ! مَا حَدَثَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ؟ جِبْرِيلُ لا
يَأْتِينِي ! فَهَلْ حَدَثَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ حَدَثٌ؟ ... يَا خَوْلَةُ ! دَثِّريني !
فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {وَالضُّحَى . وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى . مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/249/636) : حدثنا علي
ابن عبدالعزيز : ثنا أبو نعيم : ثنا حفص بن سعيد القرشي : حدثتني أمي عن
أمها - وكانت خادم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
أن جرواً دخل البيت ، ودخل تحت السرير ومات ، فمكث نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أياماً
لا ينزل عليه الوحي ، فقال : (فذكر الحديث) ، فقلت : والله! ما أتى علينا يوم خيراً
من يومنا ، فأخذ برده فلبسه وخرج ، فقلت : لو هيأت البيت وكنسته ، فأهويت
بالمكنسة تحت السرير ، فإذا شيء ثقيل ؛ فلم أزل حتى أخرجته ، فإذا بجرو ميت ،
فأخذته بيدي فالقيته خلف الجدار ، فجاء نبي الله ترعد لحيته - وكان إذا أتاه
الوحي أخذته الرعدة - ، فقال : "يا خولة ! دثريني ... " الحديث .
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده " ، ومن طريقه ابن أبي عاصم في آخر
"الآحاد والمثاني " ، ومن طريقه ابن الأثير في "أسد الغابة" (6/ 94) : حدثنا أبو
نعيم الفضل بن دكين ... به .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ وله علتان ، وهما الجهالة :
الأولى : أم حفص بن سعيد : لم أجد لها ترجمة ، وبها أعله الهيثمي ؛ فقال
في "المجمع" (7/138) :
"رواه الطبراني ، وأم حفص لم أعرفها" .

(13/316)


والأخرى : ابنها حفص بن سعيد : فقد أورده البخاري في "التاريخ " ، وابن
أبي حاتم في "الجرح" ، وابن حبان في "الثقات " (6/199) من رواية أبي نعيم
فقط عنه ؛ فهو مجهول ، ولذلك قال ابن عبدالبر في "الاستيعاب " :
"ليس إسناده مما يحتج به " .
وأقره الحافظ في "الإصابة" ، وسكت عنه في "المطالب العالية " (3/396/
3806) وقد عزاه لأبي بكر - يعني : ابن أبي شيبة - في "المسند" ، وقال المعلق عليه :
"ضعف البوصيري سنده ؛ لجهالة بعض رواته " .
هكذا أطلق ولم يبيِّن ؛ فلا أدري أهو من المعلق ، أم من البوصيري نفسه ؟ وقد
سبقه إلى مثله الحافظ في "الفتح " (8/710) فقال - بعد ما عزاه للطبراني - :
"في إسناده من لا يعرف " .
ثم ذكر الحافظ للحديث علة ثالثة ؛ وهي : الشذوذ - كما قال - والمخالفة لما في
"الصحيح " . وهو يشير بذلك إلى حديثين :
الأول ؛ ما تقدم تخريجه تحت الحديث (6133) من رواية الشيخين وغيرهما
أن سورة {الضحى} كان سبب نزولها قول امرأة : "أبطأ عليه شيطانه " . وليس
بمناسبة الجرو .
والآخر : حديث إبطاء مجيء جبريل عليه السلام إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبب
الجرو حديث صحيح مشهور ، جاء عن خمسة من الصحابة من طرق عنهم ؛
أحدهما في "صحيح مسلم " ، وهي مخرجة في "آداب الزفاف " (ص 190 - 196 -
طبع المكتبة الإسلامية/ عمان) ، وهو مخالف لحديث الترجمة من وجوه ؛ أهمها :
أنه ليس فيها نزول : {والضحى} ، كيف وهي مكية ، وقصة الجرو مدنية ؟! لأن

(13/317)


فيها أن الجرو كان للحسن والحسين رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . فثبت أن الحديث منكر .
والله أعلم .

6137 - ( مَنْ عَطَسَ أو تَجَشَّأ ، أو سمع عَطْسَةً أو جُشَاءً فقال :
الحمدُ لله على كلِّ حال من الأحوال ؛ صرفَ اللهُ عنه سبعينَ داءً
أهْوَنُها الجُذَامُ ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (6/256) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "الموضوعات " (3/76) بسنده عن محمد بن كثير : حدثني ابن لهيعة عن
أبي قبيل عن عبدالله بن عمرو ... مرفوعاً .
وأخرجه الخطيب في "التاريخ " (8/28) ، وابن الجوزي أيضاً من طريق أخرى
عن محمد بن كثير الفِهْري ... به . وقال ابن الجوزي :
"حديث لا يصح ، وابن لهيعة ذاهب الحديث . قال ابن عدي : ومحمد بن
كثير يروي البواطيل ، والبلاء منه ، وقال أبو الفتح الأزدي : محمد بن كثير - هو :
ابن مروان الفهري - متروك الحديث " .
وتعقبه السيوطي في "اللآلي" (2/284) بأن له شاهداً من حديث علي
موقوفاً . وهو - لو صح ؛ فهو - شاهد قاصر ؛ لأنه ليس فيه التجشؤ ولا السبعون داء ...
هذا لو صح وكان مرفوعاً ، فكيف وهو موقوف ، وضعيف الإسناد ؟! وهذا ما سأبينه
في الحديث التالي :

6138 - (مَن قال عند [كل] عطسة يسمَعُها : الحمد لله رب العالمين
على كل حال ما كان ؛ لم يجد وجع الضرس ولا الأذن أبداً ) .
موقوف ضعيف .
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/422/9860) ،

(13/318)


البخاري في "الأدب المفرد" (رقم 926) - ومن طريقه الحاكم (4/414) - قالا :
حدثنا طلق بن غنام قال : حدثنا شيبان ، عن أبي إسحاق عن خيثمة العربي ؛ (!)
عن علي قال : ... فذكره موقوفاً .
قلت : وهذا - مع وقفه - فيه أبو إسحاق - وهو : السَّبيعي - ؛ وهو مدلس كان
اختلط .
وخيثمة العربي : هكذا وقع في "المصنف " ، وفي " الأدب " : (خيثمة) ... لم
ينسبه! وفي المستدرك ؛ (حبة) ، وفي " اللآلي " (2/284) من طريق " المصنف " :
(حبة العر)! وهذا أقرب إلى الصواب ، وهو قريب مما في "المصنف " ، ويغلب على
الظن أن صوابه : "حَبَّةَ العُرَني " ، فإذا صح هذا ؛ فهي علة أخرى ؛ لأنه ضعيف
عند الجمهور ، وعلى رأسهم ابن معين ؛ ولذلك أورده الذهبي في "الضعفاء" (1/
146) ، وقال :
"قال السعدي : غير ثقة " . وأما الحافظ ؛ فقال في "التقريب " :
"صدوق له أغلاط ، وكان غاليأ في التشيع " .
ولعله لذلك قال في "الفتح " (10/ 600) - بعد ما عزاه لـ "الأدب " - :
"وهذا موقوف ، ورجاله ثقات ، ومثله لا يقال من قبل الرأي ؛ فله حكم الرفع " .
وأقره المعلق على!الأدب " (2/384) ! ولا أدري إذا كان التوثيق المذكور على
أن تابعي الحديث هو حمة العرني - كما رجحنا - ، أم على أنه خيثمة - وهو ؛ ابن
عبدالرحمن بن أبي سبرة - ، وهو ثقة ، وسواء كان هذا أو ذاك ؛ فإنه غير سالم من
اختلاط أبي إسحاق وتدليسه .

(13/319)


ويمكن أن نضيف إلى ما سبق علة أخرى ، وهي : أن الحديث روي عن علي
بإسناد آخر بلفظ آخر مخالف لهذا ؛ وهو :
"إذا عطس أحدكم ؛ فليقل : الحمد الله على كل حال ، وليقل من عِنْدَه :
يرحمك الله ... " الحديث .
وهو مخرج في " الإرواء " (3/245 - 246) .
والحديث سكت عنه السيوطي حين عزاه للمصنف - كما تقدم - ، وأفاد أن
الخلعي روى في "فوائده" بسنده عن المقدام : حدثنا محمد بن إسماعيل بن
مرزوق : حدثني يونس بن نعيم عن سعيد بن السري عن محمد بن مروان
الأعور عن رجل حدثه عن علي بن أبي طالب قال :
"إذا عطس العبد فقال : الحمد لله على كل حال ؛ لم يصبه وجع الأذنين ولا
وجع الأضراس " .
قلت : وهذا إسناد مظلم ؛ فإن ما بين الرجل الذي لم يسم والمقدام لم أجد
لهم ترجمة .
أما المقدام ؛ فالظاهر أنه ابن داود الرُّعَيني المصري ، قال النسائي :
"ليس بثقة" . وقال ابن يونس ، وكذا ابن أبي حاتم (4/1/303) :
"تكلموا فيه " .
والرجل الذي لم يسم : لا أستبعد أن يكون هو حبة العرني - على ما رجحت
آنفاً - ، وقد وقفت على ما يؤيده ، وهو ما أخرجه الطبراني في "الدعاء" من طريق
أخرى عن طلق بن غنام بسنده المتقدم عن حبة عن علي ... به نحوه .

(13/320)


6139 - ( مَن بادَرَ العاطسَ بالحمدِ ؛ عُوْفِيَ من وَجعِ الخاصِرَةِ ، ولم
يَشْتَكِ ضِرْسَهِ أبداً ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/148/7283) : حدثنا
محمد بن نوح : ثنا الحسن بن إسرائيل : ثنا عبدالله بن المطلب الكوفي : ثنا
إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال : قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ...
فذ كره . وقال :
"لم يروه عن أبي إسحاق ، ولا رواه عنه إلا عبدالله بن المطلب ، تفرد به
الحسن بن إسرائيل " .
قلت : أورده ابن حبان في "الثقات " (8/178) وقال :
"يروي عن عبدالوهاب بن عطاء وأهل العراق ، ثنا عنه عبدان الَجواليقي ،
مستقيم الحديث" .
قلت : وهو عبدان بن أحمد الأهوازي : من شيوخ الطبراني ، وقد روى عنه
هذا الحديث - كما يأتي - ، وهو من الحفاظ المترجمين في "تذكرة الذهبي" ، وقال
في آخرها :
"قلت : له غلط ووهم يسير ، وهو صدوق " .
وعبدالله بن المطلب الكوفي : مجهول - كما قال أبو حاتم والعقيلي ، كما تقدم
تحت الحديث (166) - ، وبيَّض له ابن أبي حاتم في "الجرح" (2/2/176) .
والحارث هو : ابن عبدالله الأعور ، وهو ضعيف - كما تقدم مراراً - ، وقال الذهبي
في "الكاشف" :
"شيعي لين " . وقال الحافظ في "التقريب" :

(13/321)


"كذبه الشعبي في رأيه ، ورمي بالرفض ، وفي حديثه ضعف " .
قلت : وبه أعله الهيثمي ؛ فقال (8/57 - 58) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " ، وفيه الحارث الأعور - وضعفه الجمهور ، ووثِّق - ،
ومن لم أعرفهم " .
كأنه يشير إلى الحسن بن إسرائيل وشيخه عبدالله بن المطلب ، وقد عرفنا
حالهما كما سبق .
وأما شيخ الطبراني محمد بن نوح - وهو : ابن حرب العسكري ؛ كما في
"المعجم الصغير" (رقم 863 - الروض النضير) - : فلم أجد له ترجمة ؛ كما ذكرت
هناك .
ولكنه قد توبع ؛ فقال الطبراني في "الدعاء" (3/293/1987) : حدثنا عبدان
ابن أحمد : ثنا الحسن بن إسرائيل ... به ؛ دون قوله : "ولم يشتك ضرسه أبداً " .
وروي من حديث ابن عمر وغيره ؛ فقال قطن بن إبراهيم : ثنا خالد بن يزيد
المدني قال : ثنا ابن أبي ذئب عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ... مرفوعاً بلفظ :
" إذا عطس العاطس ؛ فابدروه بالحمد ، فإن ذلك دواء من كل داء ، ومن وجع
الخاصرة" .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (3/18) ، والديلمي في "مسند الفردوس"
(1/1/67) ، وقال ابن عدي :
"حديث منكر" .
ذكره في ترجمة خالد هذا ، وساق له أحاديث أخرى ، وختمها بقوله :

(13/322)


" وله غير ما ذكرت ، وعامتها مناكير" . وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/
284 - 285) :
" منكر الحديث جداً ، لا يشتغل به ؛ لأنه يروي الموضوعات عن الأثبات " .
وعزاه السيوطي في "اللآلي" (2/285) للحاكم في "تاريخه " من طريق قطن
هذا ... به . وسكت عنه!
وعن أبي أيوب الأنصاري : أن رجلاً عطس عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فسبقه رجل إلى
الحمد ؛ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"من بدر العاطس إلى محامد الله ؛ عوفي من وجع الداء والدَّبِيْلَةِ " .
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (14/293) ، ومن طريقه ابن الجوزي في
"الموضوعات " (3/77) من طريق عمر بن صبح عن أيوب السختياني عن أبي
قلابة عن أبي أيوب الأنصاري ... به . وقال ابن الجوزي :
"ليس يصح ، قال ابن حبان : عمر بن صبح يضع الحديث ... " .
والمعروف من حديث أبي أيوب مثل حديث علي الذي رواه ابن أبي ليلى
بسنده عنه تارة ، وعن علي تارة ، وقد ذكرته قريباً تحت الحديث الذي قبل هذا .
ورواهما عنهما من هذا الوجه الطبراني في "الدعاء" (3/1684 و 1685) .
وذكر له السيوطي شواهد أخرى مضطربة المتون واهية الأسانيد ، فلم أنشط
لذكرها والكلام عليها .
(تنبيه) : خالد بن يزيد المدني المتقدم فِي حَدِيثِ ابن عمر : هكذا وقع فيه :
( ... المدني) عند ابن عدي ومن ذكر معه من مخرجيه ، ولعله من أوهام قطن بن

(13/323)


إبراهيم ؛ فإن في حفظه ضعفاً ... والصواب : (المكي) ؛ كما في ترجمته من كتب
الرجال ، ومنها "الكامل" نفسه ، و "الجرح والتعديل " وغيره .
ثم رأيت الحديث في "الأدب المفرد" للبخاري (926) من طريق شيبان عن
أبي إسحاق عن خيثمة عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال :
"من قال عند عَطْسَةٍ سمعها : الحمد لله رب العالمين على كل حال ما كان ؛
لم يجد وجع الضرس ولا الأذن أبداً " .
قلت : وهذا إسناد موقوف رجاله ثقات - كما قال الحافظ في "الفتح "
(10/ 600) - ، وإنما لم يصححه ؛ لأن أبا إسحاق - وهو : السبيعي - كان اختلط .
وشيبان - وهو : ابن عبدالرحمن أبو معاوية البصري - لم يذكر في جملة من
روى عنه قبل الاختلاط ، ومن المقرر في "المصطلح " أنه في هذه الحالة يتوقف عن
تصحيح روايته . وحينئذٍ فلا فائدة تذكر في تعقيب الحافظ عليه بقوله :
"ومثله لا يقال من قبل الرأي ؛ فله حكم الرفع "!
لأن هذا إنما يقال فيما صح ، وإلا ؛ فلا . وقد قلده في ذلك الشيخ الجيلاني
في "شرح الأدب " (2/ 384)!
ثم إن الملاحظ أن هذا الموقوف أصح من المرفوع ؛ فهو مخالف له في المتن
أيضاً ، فإنه ذكر : (الأذن) ... مكان : (الخاصرة) .

6140 - ( مِنَ السعادةِ : العطاسُ عند الدعاء ) .
ضعيف .
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (7/35) من طريق محمد بن
معروف أبي عبدالله : نا محمد بن أمية السَّاوي : نا محمد بن عبدربه عن

(13/324)


سليمان بن عبدالله عن إسحاق بن عبدالله عن أنس بن مالك قال : قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذ كره . وقال :
"هذا إسناد فيه ضعف " .
قلت : وأظن أنه يشير أن علته جهالة محمد بن معروف هذا ؛ فقد ذكر الحافظ
في ترجمته من "اللسان " :
"قال البيهقي في "المدخل " : حديثه خطأ ، والحمل فيه عليه ؛ فإنه ليس
بالمعروف" .
قلت : ونحوه محمد بن عبدربه عن سليمان بن عبدالله ؛ فإني لم أعرفهما .
والله أعلم .
وقد أقر السيوطي في "اللآلي" (2/288) البيهقيَّ على تضعيف سنده ،
ولكنه ساق له طريقاً أخرى من رواية أبي نعيم : حدثنا الطبراني : حدثنا القاسم
ابن محمد الدلال : حدثنا إبراهيم بن ميمون : حدثنا أبو سعيد - رجل من آل
عنبسة - عن عتبة بن طويع عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد اليَزَنِيِّ عن أبي رُهْم
قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"من سعادة المرء ؛ العطاس عند الدعاء" .
سكت عنه السيوطي ، وإسناده مظلم ، وفيه علل :
الأولى : أبو رهم - واسمه : أحزاب السمعي - : مختلف في صحبته ، ورجح
البخاري وأبو حاتم وابن حبان وغيرهم أنه تابعي ؛ فالحديث مرسل .
الثانية : عتبة بن طويع : لم أجد له ترجمة .

(13/325)


الثالثة : أبو سعيد العنبسي : لم أعرفه ، ولم يذكره الذهبي في "كناه " ، ولكنه
قال في آخر هذه الكنية : (أبو سعيد) :
" ... وعدة يجهلون ؛ تركتهم " .
فلعله واحد من هؤلاء المجهولين الذين أعرض عن ذكرهم .
الرابعة : إبراهيم بن ميمون لم أجده أيضاً .
الخامسة : القاسم بن محمد الدلال : ضعفه الدارقطني ، وذكره ابن حبان في
"الثقات " (9/19) ، وروى له الطبراني حديثين في "المعجم الصغير" (رقم 511
و550) ، وثلاثة أحاديث في "المعجم الأوسط " (ج2 ق1/2 - 2/1 رقم 5099 -
5101) .

6141 - ( تخرج مَعَادِنُ مختلفة : مَعْدِنٌ منها قريب من الحجاز ،
يأتيه من شرار الناس ، يقال له : فِرعونُ ، فبينما هم يعملون فيه إذ حسر
عن الذهب ؛ فأعجبهم معتمله ، إذ خسف به وبهم ) .
موقوف ضعيف .
أخرجه الحاكم (4/458) : أخبرنا غيلان بن يزيد الدَّقَّاق
- بهمذان - : ثنا إبراهيم بن الحسين : ثنا آدم بن أبي إياس : ثنا ابن أبي ذثب عن
قَارِظ بن شيبة عن أبي غطفان قال : سمعت عبدالله بن عمرو رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا
يقول : ... فذكره موقوفاً . وقال :
"صحيح الإسناد" . ووافقه الذهبي .
وأقول : رجاله كلهم ثقات معروفون ؛ غير غيلان بن يزيد الدقاق ، فلم أعرفه ،
فإن ثبتت عدالته وحفظه لما يرويه ، أو توبع من ثقة ؛ فالسند صحيح ، وإبراهيم بن
الحسين - هو : ابن ديزيل المعروف بـ : (دابة عفان) ، وهو - ثقة حافظ ، مترجم في

(13/326)


"تذكرة الحفاظ " ، وبأوسع منها في "سير أعلام النبلاء" .
ومن فوقه من رجال "التهذيب " .
ويبقى النظر في متنه الموقوف ، هل هو في حكم المرفوع أم لا ؟ ورأيي أن الأمر
محتمل ، ولكن فيه نكارة من ناحيتين :
الأولى : أنه قد صحَ مختصراً من حديث ابن عمر وغيره ، وهو مخرج في
" الصحيحة " (4/ 506/ 1885) .
والآخر : أن الخسف المذكور فيه يخالف قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب ، يقتتل الناس
عليه ، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ، ويقول كل رجل منهم : لعلي أكون أنا
الذي أنجو" .
أخرجه مسلم (8/174) ، وابن ماجه (4046) ، وابن حبان (6656 - 6660) ،
وأحمد (2/306 و 332) من حديث أبي هريرة .
والبخاري (7119) ، وأبو داود (4313 و 4314) من طريق أخرى عن أبي
هريرة ... مختصراً نحوه ؛ دون جملة الاقتتال ، وزادا - وهو رواية لمسلم - :
" فمن حضره ؛ فلا يأخذ منه شيئاً " .
ثم أخرجه مسلم وأحمد (5/139 و 140) ، والطبراني (1/168/ 537) ، وابن
حبان أيضاً (6661) من حديث أبي بن كعب ... مرفوعاً نحوه ؛ أتم منه .
ففي هذين الحديثين الصحيحين : ذكر الاقتتال دون الخسف ، فهو منكر .
والله سبحانه وتعالى أعلم .

(13/327)


6142 - (سألت رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل لم يحُجَّ ؛ أَوَيَسْتَقْرِضُ
للحجِّ ؟ قال : لا ) .
لا أصل له مرفوعاً .
أورده هكذا سيد سابق في كتابه "فقه السنة" (1/639
- 640) وقال :
" رواه البيهقي" !
وهذا خطأ فاحش مزدوج ؛ لا أدري إذا كان من السيد ، أو ممن قد يكون نقله عنه :
الأول : - وهو أسوؤهما - رفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !
والآخر : عزوه للبيهقي! فإنما رواه بهذا السياق موقوفاً الإمام الشافعي رحمه
الله في كتابه "الأم " فقال (2/99) :
أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن طارق بن عبدالرحمن عن
عبدالله بن أبي أوفى - صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال :
سألته عن الرجل لم يحج ؛ أيستقرض للحج ؟ قال : لا .
وهكذا هو في "مسند الإمام الشافعي " (ص 38) و"ترتيب مسند الشافعي
والسنن" للبنا الساعاتي (1/ 284) .
فأقول : والظاهر أن الناقل أو السيّد توهه أن ضمير ؛ (أنه قال) يعود إلى ابن
أبي أوفى! وأن ضمير : (سألته) يعود إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المذكور في الجملة المعترضة ،
وكل ذلك خطأ ، ولو أن الرواية كانت بدونها - هكذا : (عن طارق بن عبدالرحمن
عن عبدالله بن أبي أوفى أنه قال ...) - ؛ لم يقع الوهم إن شاء الله تعالى .
ثم إن رجال إسناد الشافعي ثقات رجال الشيخين ؛ غير سعيد بن سالم - وهو
القداح - : قال الحافظ :

(13/328)


"صدوق يهم" .
قلت : وقد تابعه وكيع فقال : عن سفيان عن طارق قال : سمعت ابن أبي
أوفى يسأل عن الرجل يستقرض ويحج ؛ قال :
"يسترزق الله ، ولا يستقرض . قال : وكنا نقول : لا يستقرض إلا أن يكون له
وفاءً " .
أخرجه البيهقي (4/333/) وإسناده صحيح ومتنه أتم ، فتأمل أيها القارئ كم
الفرق بينه وبين اللفظ الذي عزاه السيّد إليه ، مع اتفاق اللفظين على إيقافه على
ابن أبي أوفى ، فيا له من خطأ ما أفحشه !!
ولقد افترضت قبل هذا التحقيق أن يكون رفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في "فقه
السنة" من الأخطاء المطبعية في الطبعة التي نقلت منها (دار الكتاب العربي - دون
تأريخ) فرجعت - احتياطأ - إلى طبعة قديمة سنة (1382 هـ) : مطبعة الاستقامة ،
فرأيت الخطأ فيها بعينه . والله المستعان .

6143 - ( حُمَّى يوم كفَّارةُ سَنَةٍ للذنوب ، وحمى يومين كفارة
سنتين ، وحمى ثلاثة أيام كفارة ثلاثِ سنين ) .
موضوع .
أخرجه تمام في "الفوائد" (ق 199/ 1 - 2) عن سليمان بن داود عن
الحسين بن علوان الكلبي : ثنا عمرو بن خالد - مولى بني هاشم - عن أبي هاشم
عن سعيد بن جبير عن أبي هريرة مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد موضوع مسلسل بالكذابين والوضاعين وهم :
أولاً : عمرو بن خالد وهو القرشي مولاهم ، قال الذهبي في "الضعفاء" :

(13/329)


"كذبه أحمد والدارقطني . وقال وكيع : كان يضع الحديث " .
ثانياً : الحسين بن علوان الكلبي ، قال الذهبي في "الميزان "
"قال يحيى : كذاب . وقال علي : ضعيف جداً . وقال أبو حاتم والنسائي
والدارقطني : متروك الحديث ، وقال ابن حبان : كان يضع الحديث على هشام
وغيره وضعاً ؛ لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل التعجب " .
ثالثاً : سليمان بن داود - وهو : الشاذكوني - : قال البغوي :
" رماه الأئمة بالكذب " . وقال ابن معين :
"يضع الحديث " .
وللشطر الأول شاهد من حديث ابن مسعود ، ولكنه واهٍ جداً ؛ لأنه من رواية
صالح بن أحمد الهروي : ثنا أحمد بن راشد الهلالي : ثنا حميد بن
عبدالرحمن الرواسي عن الحسن بن صالح عن الحسن بن عمرو عن إبراهيم عن
الأسود عن عبدالله بن مسعود ... مرفوعاً بلفظ :
" الحمى حظ كل مؤمن من النار ، وحمى ليلة يكفر خطايا سنة مُجَرَّمَة " .
أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب" (1/71/62) .
وفي هذا الإسناد علتان ذكرهما أخونا حمدي السلفي في تعليقه على
"المسند" وهما :
1 - صالح بن أحمد الهروي : قال أبو أحمد الحاكم :
"فيه نظر" .

(13/330)


2 - أحمد بن راشد : قال الذهبي في "الميزان" :
"أتى بخبر باطل ... فسرد حديثاً ركيكاً فيه : " ... إذأ كانت سنة خمس
وثلاثين ومائة ؛ فهي لك ولولدك ، منهم السفاح " . رواه جماعة عن أحمد بن راشد ؛
فهو الذي اختلقه بجهل" . انظر الحديث الآتي (6145) .
قلت : فمثله مما لا يصلح الاستشهاد به ، ولا الاقتصار على تضعيف حديثه
- كما فعل العراقي في "المغني " (4/288) ، وأقره العلامة الزبيدي في "شرح
الإحياء ، (9/526)! - ؛ فضلاً عن السكوت عنه ، وأن يقوّى بالموقوف الضعيف
الآتي كما فعل السخاوي في "المقاصد" ، وقلده العجلوني في "كشف الخفاء" - ،
وأسوأ من ذلك كله - أو من مساوئ ذلك - أن الزرقاني لخّص ذلك في "مختصر
المقاصد ، بقوله (98/393) :
"حسن "!
وعلى العكس من ذلك ؛ فقد أعل حديث ابن مسعود بما لا يقدح ، وأعفلت
العلتان المذكورتان ؛ فقال الزبيدي عقبه :
"وكذلك رواه الديلمي في "مسند الفردوس " ، وأعله ابن طاهر بالحسن بن
صالح ، وقال : تركه يحيى القطان وابن مهدي " .
قلت : كذا قال! فما أحسن ؛ لأن الحسن هذا - وهو : ابن صالح بن صالح بن
حي الهمداني الثوري ، وهو - ثقة ثبت من رجال مسلم ، والترك الذي قيل فيه لأنه
كان يرى السيف ؛ أي ؛ الخروج بالسيف على أئمة الجور ، قال الحافظ في "التهذيب" :
"وهذا مذهب للسلف قديم ، لكن استقر الأمر على ترك ذلك ؛ لما رأوه أفضى
إلى أشد منه ، ففي وقعة الحرة ووقعة ابن الأشعث وغيرهما عظة لمن تدبر . وبمثل

(13/331)


هذا الرأي لا يقدح في رجل قد ثبتت عدالته ، واشتهر بالحفظ والإتقان ، والورع
التام ، والحسن مع ذلك لم يخرج على أحد" . ثم قال الزبيدي تبعاً للسخاوي :
"وله شاهد عن أبي الدرداء موقوفاً بلفظ :
، حمى ليلة كفارة سنة" .
رواه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات " له من طريق عبدالملك بن عمير
عنه ... به " .
قلت : هو عند ابن أبي الدنيا فيه (ق 10/1) ، ومن طريقه البيهقي في
"الشعب " (7/1/67 9869) من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر : ثنا
عبدالملك بن عمير قال : قال أبو الدرادء ... فذكره موقوفاً عليه .
سكتوا عنه أيضاً! وليس بجيد ؛ فإنه - مع وقفه - له علتان أيضاً :
إحداهما : الانقطاع بين ابن عمير وأبي الدرداء ؛ فإنه لم يسمع منه ، بل لعله
لم يدركه ؛ فإنه ولد لثلاث سنين بقين من خلافة عثمان ، ومات أبو الدرداء في
أواخر خلافة عثمان - كما في "التقريب" - . ولو فرض أنه أدركه وسمع منه ؛ فإن
قوله : (قال : قال أبو الدرداء) صورته صورة التعليق المشعر بأنه لم يسمعه منه ، وقد
رمي بالتدليس ؛ بل هو مشهور به ، ذكره غير واحد - كما قال العلائي في "جامع
التحصيل ، (123/ 32) - .
والأخرى : إسماعيل هذا : قال الذهبي في " المغني " :
"ضعفوه " . وقال الحافظ في "التقريب " :
"ضعيف" .

(13/332)


(تنبيه) : تقدم آنفاً عن الزبيدي أن حديث ابن مسعود رواه الديلمي أيضاً
في "مسند الفردوس" ، ولم يذكره الحافظ في "الغرائب الملتقطة منه " لنرى إسناده ،
ويغلب على الظن أنه من الطريق المتقدمة ، وهو في أصله "الفردوس" (2/156/
2788) ، فقال المعلق عليه مخرجاً له :
"مجمع الزوائد (2/ 306) : رواه البزار وإسناده حسن" .
قلت : وهذا التخريج خطأ من وجهين :
الأول : أن ما رواه البزار ليس من حديث ابن مسعود ، وإنما من حديث عائشة .
والآخر : أنه ليس فِي حَدِيثِها الشطر الثاني فِي حَدِيثِ ابن مسعود :
"... وحمى ليلة يكفر خطايا سنة مُجَرَّمَة" .
وقد وقع في هذا الخطأ وأكبر منه الأخ حمدي السلفي في تخريجه لحديث ابن
مسعود هذا ، حيث عزاه للبزار عن عائشة ، والطبراني وأحمد وغيرهما عن غيرها ،
وكلهم ليس عندهم الشطر الثاني المذكور ؛ فراجع إن شثت تعليقه على "مسند
الشهاب " (1/71) ، وتخريجي لأحاديثهم في "الصحيحة" (1821 و 1822) .
وأسوأ من كل ما تقدم من الأخطاء والأوهام : سكوت الحافظ السخاوي
- ومقلديه كالزبيدي والعجلوني - على حديث الترجمة ، مع أن فيه أولئك الكذابين
الثلاثة !

6144 - ( إنَّ اللهَ لَيُكَفِّرُ عَنِ المؤمنِ خطاياه كلَّها بحُمَّى ليلة ) .
منكر .
أخرجه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات " (ق 68/2) : حدثنا أبو
يعقوب التميمي : حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني عن عبدالله بن المبارك عن

(13/333)


عمر بن المغيرة الصغاني عن حوشب عن الحسن ... يرفعه . قال ابن المبارك :
"هذا من جيد الحديث " .
ورواه البيهقي في "شعب الإيمان " (7/167 9866) بعد أن رواه من طريق
علي بن عبدالعزيز : ثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني ... به موقوفاً : وأخبرنا أبو
سعيد ابن أبي عمرو : أنا أبو عبدالله الطالقاني ... فذكره ؛ غير أنه قال : عن
الحسن رفعه قال : "إن الله ... " .
كذا وقع فيه ، والظاهر أن فيه سقط ؛ فلم ندر هل هو من طريق ابن أبي الدنيا
- كما أرجح - أو غيره ؟ وقد رجعت إلى مصورة "الشعب " التي عندي ؛ فوجدت
فيها خرماً فيه أحاديث ، هذا منها!
ومدار الحديث مرفوعاً وموقوفاً على عمر بن المغيرة : قال الذهبي في "الميزان " :
"قال البخاري : منكر الحديث ، مجهول " .
كذا فيه . وأقره في "اللسان " . وله ترجمة في "تاريخ ابن عساكر" (13/ 360
- 361) ، وروى عن علي بن المديني أنه قال :
"لا أعرف عمر هذا ، مجهول " . وقال ابن عساكر :
"ولم يذكره البخاري في "تاريخه " ، وقد كان قبله " .
ثم ذكر أنه توفي سنة ثمان وسبعين ومائة .
وأقول : لم يذكره البخاري في "التاريخ الكبير" ، ولا في "التاريخ الصغير" ، ولا
في "الضعفاء" المطبوع في آخر "الصغير" ؛ فلعله في "التاريخ الأوسط " له . والله أعلم .
وقد أورده ابن أبي حاتم (3/1/ 136) وقال :

(13/334)


"بصري وقع إلى المِصِّيصة ... سألت أبي عنه ؛ فقال : شيخ " .
وأما شيخه حوشب ؛ فهما اثنان بصريان ، كلاهما يروي عن الحسن البصري ،
أحدهما حوشب بن عقيل الجرمي ، وهو ثقة . والآخر : حوشب بن مسلم الثقفي
مص لاهم ، وثقه ابن حبان (6/243) وروى عنه أربعة من الثقات ، ومع ذلك قال
الذهبي في " الميزان " :
" لا يدرى من هو" . وله حديث آخر عن الحسن عن أبي أمامة ، مضى برقم
(1802) .
ومع أن ابن عساكر توسع في ذكر شيوخ ابن المغيرة هذا ؛ فلم يذكر فيهم أحد
(الحوشبين) ، كما أن المزي توسع في ذكر الرواة عنهما ؛ فلم يذكر فيهم ابن المغيرة
هذا ، فلم أستطع تحديد أيهما المراد هنا ؟
وسواء كان هذا أو ذاك ؛ فالعلة جهالة ابن المغيرة . والله أعلم .
وإن مما يرجح أن رفع الحديث - مع إرساله - خطأ على الحسن البصري : أنه روى
ابن أبي الدنيا - وعنه البيهقي (7/167/ 9867) - من طريق هشام عن الحسن قال :
كانوا يرجون في حمى ليلة كفارة لما مضى من الذنوب .
ورجاله ثقات رجال الشيخين ؛ غير خالد بن خِدَاش ، فمن رجال مسلم ، قال
الحافظ في "التقريب" :
" صدوق يخطئ " .
لكنه قد توبع . فقال الترمذي (2090) : حدثنا إسحاق بن منصور قال :
أخبرنا عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن هشام بن حسان ... به نحوه .

(13/335)


قلت : وهذا إسناد صحيح موقوف ؛ فثبت أن رفع الحديث منكر ، مع مخالفته
لما قبله من الأحاديث على ضعفها ؛ مما يدل على أنه لا صلة لها بالنبي المصطفى
الذي قال الله فيه : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} . وصدق الله إذ
يقول : {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً} .
(تنبيه) : عمر بن المغيرة الصغاني . كذا وقع في مصورة "المرض والكفارات "
بالغين المعجمة ؛ وهي نسبة إلى بلاد مجتمعة وراء نهر جيحون ، ووقع في
"الترغيب " (4/154) : ..." الصنعاني" بالعين المهلمة وقبلها النون ، نسبة إلى
(صنعاء) وهي مدينة باليمن مشهورة ، وإلى (صنعاء الشام) ، وهي قرية على باب
دمشق خربت - كما في "الأنساب " - .
قلت : ولعل الصواب في عمر هذا أنه منسوب إلى هذه القرية ، وليس إلى
صاغان جيحون . والله أعلم .

6145 - ( نعم يا عباس ! إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة ؛ فهي
لك ولولدك ، منهم السفاح ، ومنهم المنصور ، ومنهم المهدي ) .
باطل .
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (1/63) من طريق جماعة من الثقات
قالوا : أنبأنا أحمد بن راشد الهلالي قال : نبأنا سعيد بن خُثيم عن حنظلة عن
طاوس عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال : حدثتني أم الفضل بنت الحارث الهلالية قالت :
مررت بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الحجر ، فقال :
"يا أم الفضل! إنك حامل بغلام " . قالت : يا رسول الله! وكيف وقد تحالف
الفريقان أن لا يأتوا النساء ؟ قال :

(13/336)


"هو ما أقول لكِ ، فإذا وضعتيه ؛ فأتيني به " . قالت : فلما وضعته ؛ أتيت به
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فأذن في أذنه اليمنى ، وأقام في أذنه اليسرى ، وقال :
"اذهبي بأبي الخلفاء" .
قالت : فأتيت العباس فأعلمته ، وكان رجلاً جميلاً لباساً ، فأتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فلما رآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ قام إليه فقبل بين عينيه ، ثم أقعده عن يمينه ، ثم قال :
" هذا عمي ، فمن شاء ؛ فليباه بعمه " .
قالت : يا رسول الله بعضَ هذا القول ، فقال :
" يا عباس! لم لا أقول هذا القول ؟ وأنت عمي ، وصنو أبي ، وخير من أخلف
بعدي من أهلي "!
فقلت : يا رسول الله! ما شيء أخبرتني به أم الفضل عن مولودنا هذا ؟ قال : ...
فذكره .
ومن طريق الخطيب رواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 291) وقال :
" لا يصح ؛ في إسناده حنظلة : قال يحيى بن سعيد : كان قد اختلط . وقال
يحيى بن معين : ليس بشيء . وقال أحمد : منكر الحديث ؛ يحدث بأعاجيب " .
كذا قال! وهو يعني : حنظلة بن عبدالله السدوسي ؛ فإنه المجروح من هؤلاء
الأئمة ، وذلك خطأ منه ؛ لأنه حنظلة بن أبي سفيان الجمحي المكي الثقة ،
واللليل على ذلك أمران :
الأول : أنه المعروف بالرواية عن عطاء - وهو : ابن أبي رباح المكي - كما في
"التهذ يب " وغيره .

(13/337)


والأخر : أن الطبراني رواه في "الكبير" (10/289 - 290) من طريق أخرى
عن أحمد بن رَشَتد (!) بن خثيم الهلالي ... به ؛ مصرحاً بأنه حنظلة بن أبي
سفيان ، وليس عنده قوله : "وخير من أخلف بعدي ... " إلى آخر الحديث ، بما فيه
حديث الترجمة . وقال الهيثمي في "المجمع " (9/276) :
"رواه الطبراني ، وإسناده حسن "!
كذا قال! وكأنه خفي عليه قول الحافظ الذهبي المتقدم في الحديث
(6143) : "إنه خبر باطل" . واتهم به أحمد بن راشد الهلالي ، لأنه رواه جماعة
عنه فقال :
"فهو الذي اختلقه بجهل " . وأقره الحافظ في "اللسان" (1/172) ، لكنه زاد
عقبه فقال :
"وذكره ابن حبان في "الثقات" ، فقال : روى عن عمه سعيد بن خثيم
ووكيع ، أكثر عليك الرازي الرواية عنه" .
قلت : أورده (8/ 40) في الطبقة الرابعة الذين رووا عن أتباع التابعين ، وقد
روى عنه جمع ؛ كما تقدمت الإشارة إليهم ، وقد ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح
والتعديلاً (1/ 1/ 51) كما وقع في "الطبراني الكبير" : أحمد بن رشد ... وقال :
"روى عنه أبي ، وسمع منه أيام عبيدالله بن موسى أربعة أحاديث" .
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . فكأن الهيثمي اعتمد على هذا مع توثيق
ابن حبان إياه .
ثم رأيته قد عاد إلى الصواب في مكان آخر ؛ ذكره بتمامه ، ثم قال (5/187) :

(13/338)


رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه أحمد بن راشد الهلالي وقد اتهم بهذا الحديث " .
وهو في "الأوسط " عن شيخ آخر فقال (2/292/2/9404) : حدثنا النعمان
ابن أحمد : حدثنا أحمد بن رشد بن خثيم الهلالي ... به . وقال :
"لم يروه عن طاوس إلا حنظلة بن أبي سفيان (الأصل : سليمان) ، ولا عنه
إلا سعيد ، تفرد به أحمد بن رشد" .
وقد اغتر بتحسين الهيثمي الشيخ عبدالله الغماري المعروف باتباعه لهواه ،
وأنة لم يستفد من اشتغاله بهذا العلم الشريف إلا انتصاراً لأهوائه ؛ فإنه نقل
التحسين المذكور ، وأقره بجهل أو تجاهل - أحلاهما مر! - ، ثم علق عليه بقوله في
رسالته "إعلام النبيل بجواز التقبيل" (ص 5) :
"يؤخذ منه استحباب القيام على سبيل التعظيم لذوي المزايا الدينية"!
يعني كأمثاله ؛ فمريدوه يقومون له بمثل توجيهه هذا الخاطئ ، ثم ينتصب أحد
مريديه شيخاً من بعده ليقوم له مريدوه ، وهكذا تُحيى البدع وتموت السنن! والله
المستعان .
وهو مع ذلك يعلم - إن شاء الله - أن الحديث - لو صح ؛ - لا يدل مطلقاً على
القيام الذي استحبه ؛ للفرق المعروف لغة وشرعاً بين القيام إلى الرجل - كما في
الحديث - ، والقيام له تعظيماً ، وهو المكروه ، وليراجع من شاء بعض تعليقاتي في
هذه المسألة ، ومن آخرها التعليق على كتابي الجديد "صحيح الأدب المفرد للإمام
البخاري " الأحاديث (727/945 و 748/946 و 752/977) ، وهو تحت الطبع ،
وعسى أن يكون بين أيدي القراء قريباً إن شاء الله تعالى (*) .
__________
(*) وقد صدر في حياة الشيخ رحمه الله . (الناشر) .

(13/339)


(تنبيهان) :
الأول : وقع في "التاريخ " - كما تقدم - : (راشد) ... وزن فاعل ، وكذا في غيره
- مثل "الميزان " و "اللسان " و "المجمع" - . وفي "الطبراني الكبير" - كما رأيت - :
(رَشَد) ... وزن بلد ، وكذا هو في "الأوسط " (2/292/2/9404) من طريق أخرى
عنه ، وهو الصواب ؛ كما في "المؤتلف والمختلف" للدارقطني (2/907) وغيره - كالمصادر
المذكورة في التعليق عليه - ؛ فراجع إن شئت .
والآخر : كنت ذكرت في "الصحيحة" (1041) لأحمد بن رشد هذا حديثاً
آخر له بإسناده هذا عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ شاهداً لحديث الترجمة هناك بلفظ :
"أنت عمي وبقية آبائي والعم والد" .
وإنما استشهدت به لتحسين الهيثمي لإسناده ، ولشواهد ذكرتها هناك ، وليس
فيه حديث الترجمة الذي هو الدال على سوء حاله - كما تقدم عن الذهبي - ،
ولسكوت ابن أبي حاتم عنه . والآن ؛ فقد وجب التنبيه على ذلك .
وكذلك كنت سقت له طريقاً بحديث :
"اقتدوا باللذين بعدي ... " في "الصحيحة" (1233) من رواية ابن عساكر
عنه ، وقلت : "لم أعرفه " .
والآن ؛ فقد تبين أنه المترجم في "الميزان " و"اللسان " باسم : (أحمد بن راشد
الهلالي) ، وأنه متهم ؛ فاقتضى التنبيه!

6146 - (افتحوا على صبيانكم أوَّل كلمة بـ : (لا إله إلا الله) ، ولَقِّنوهم
عند الموت : (لا إله إلا الله) ؛ فإن من كان أول كلامه (لا إله إلا الله) ،
وآخرُ كلامه (لا إله إلا الله) ثم عاش ألف سنة ؛ ما سُئِل عن ذنب واحد ) .
باطل .
أخرجه البيهقي في "شُعَب الإيمان " (6/379/8649) من طريقين

(13/340)


عن أبي النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه : نا أبو عبدالله محمد بن
محمويه بن مسلم : ثنا أبي : نا النضر بن محمد البيسكي عن سفيان الثوري
عن منصور عن إبراهيم بن مهاجر عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال : ... فذكره . وقال البيهقي :
"متن غريب ، لم نكتبه إلا بهذا الإسناد" .
وأقول : هذا إسناد مظلم ؛ من دون سفيان ثلاثتهم لم أعرفهم ، كما لم أعرف
هذه النسبة : (البيسكي) ، إلا أن الذهبي أورد محمد بن محمويه هذا في "الميزان " :
"محمد بن محمويه ، عن أبيه ، وعنه أبو النضر محمد بن محمد الفقيه بخبر
باطل " . وأقره الحافظ في "اللسان " .
وهما يشيران إلى هذا الخبر فيما يبدو لي . والله أعلم .
وأبو النضر محمد بن محمد بن يوسف - هو : الإمام الحافظ الطُّوسي - من
شيوخ الحاكم ، له ترجمة في "سير أعلام النبلاء" للذهبي (15/ 490 - 492) .

6147 - ( حَقُّ الولد على الوالد : أن يُحسن اسمَه ، ويحسن مَوْضِعَه ،
ويحسنَ أدبه ) .
ضعيف جداً .
أخرجه البيهقي في "الشعب " (1/406 - 402/8667) من
طريق عبدالصمد بن النعمان : نا عبدالملك بن حسين عن عبدالملك بن عمير
عن (الأصل : ابن!) مصعب بن سعد (الأصل : شيبة!) عن عائشة عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره ، وقال البيهقي :
"فيه ضعف" .

(13/341)


قلت : وعلته عبدالملك بن حسين ، وكنيته : أبو مالك النخعي ، وهو بها أشهر ،
قال الذهبي في "الضعفاء" :
"ضعفوه " . وقال الحافظ في "التقريب " :
"متروك " .
وعبدالصمد بن النعمان مختلف فيه: قال في "الميزان " :
" وثقه يحيى بن معين وغيره ، وقال الدارقطني والنسائي : ليس بالقوي " . وقال
في "الضعفاء" :
"صدوق مشهور ، قال النسائي : ليس بالقوي " .
والحديث مما أورده السيوطي في "الجامع الصغير" من رواية البيهقي هذه ، ولم
يَحْكِ عنه تضعيفه إياه ؛ فتعقبه المناوي بقوله :
"وقد مر غير مرة أن ما يفعله المصنف من عزو الحديث لمخرجه وحذفه من
كلامه مما عقبه به من تضعيفه وبيان حاله غير صواب " .
(تنبيه) ما نقلته عن البيهقي من قوله : "فيه ضعف " ... هو الموجود في
النسخة المطبوعة في لبنان ، وفي نقل المناوي عنه في "فيض القدير" :
"وهو ضعيف" . وأما في "التيسير" فوقع فيه :
" ... بإسناد ضعيف جداً ؛ كما قال مخرجه " .
فقوله : "جداً" إن كان محفوظاً ؛ فهو المناسب لما تقدم من ترك الحافظ لراويه
النخعي ، وهو في ذلك تابع لبعض المتقدمين من أئمة الجرح والتعديل . والله
أعلم .

(13/342)


والحديث في "الرسالة القشيرية " (ص 140) من الوجه المذكور .
وقد روي من حديث أبي هريرة وغيره نحوه . وتقدم برقم (199) و (3494) .

6148 - ( لا يحل لامرأة أن تبيت ليلة حتى تَعْرِضَ نفسها على
زوجها . قيل: وما عَرْضُها نَفْسَها على زوجها ؟ قال: إذا نَزَعَتْ ثيابَها
فدخلت في فراشه فأَلزَقَتَ جلدها بجلده ؛ فقد عَرَضَتْ ) .
باطل .
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/213) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "العلل المتناهية" (2/139/1063) ، وابن أبي حاتم في "العلل " (1/409) من
طريق جعفر بن ميسرة الأشجعي عن أبيه عَنْ ابْنِ عُمَرَ قال : قال رسول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال ابن أبي حاتم :
" قال أبي : هذا الحديث باطل " . وقال ابن الجوزي :
"لا يصح ، قال ابن حبان : جعفر بن ميسرة عنده مناكير [كثيرة] ، لا تشبه
حديث الثقات ، منها هذا الحديث " .
وتقدم له حديث آخر في المجلد التاسع رقم (4312) .

6149 - (أقسم الخوف والرجاء أن لا يجتمعا في أحد في الدنيا
فَيَرَحَ ريحَ النارِ ، ولا يفترِقا في أحدٍ في الدنيا ؛ فَيَرَحَ ريحَ الجنة ) .
منكر .
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (2/5/1004) من طريق إبراهيم
ابن منقذ : حدثني إدريس بن يحيى عن أبي إسحاق الرباحي عن ابن أبي
مالك قال :
دخل واثلة بن الأَسْقَعِ على مريض يعوده ، فقال له : كيف تجدك ؟ قال

(13/343)


المريض : لقد خفت الله خوفاً خشيت أن لا يقوم لي بعد نظام ، ورجوت الله
رجاء ، فرجائي فوق ذلك ، فقال : والله! - الله أكبر - ، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول : ... فذ كره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ وفيه علل :
الأولى : الانقطاع بين واثلة وابن أبي مالك ، واسمه : خالد بن يزيد بن
عبدالرحمن بن أبي مالك : قال الحافظ في بالتقريب " :
"مات سنة (185) وحلو ابن ثمانين " .
الثانية : وهاء ابن أبي مالك هذا . قال الحافظ :
"ضعيف ، مع كونه كان فقيهاً ، وقد اتهمه ابن معين " .
الثالثة : أبو إسحاق الرباحي : لم أعرفه ، ولم يورده السمعاني في "أنسابه " لا
في : (الرباحي) ... بالباء الموحدة ، ولا في : (الرياحي) ... بالمثناة التحتية ، ولا ذكره
الذهبي في "المقتنى في سرد الكنى" .
الرابعة : إبراهيم بن منقذ : لم أجد له ترجمة .

6150 - ( أمر الله عَزَّ وَجَلَّ بعبدين إلى النار ، فلما وقفَ أحدُهما
على شَفَتِها؛ التفت فقال : أما والله ! إن كان ظني بك لَحَسَنٌ ؟ فقال
الله عَزَّ وَجَلَّ : ردوه فأنا عند ظنك بي ، فغفر له ) .
منكر .
أخرجه البيهقي في "الشعب " (2/9/1016) من طريق جامع بن
سوادة : ثنا زياد بن يونس الحضرمي : ثنا عبدالرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن
عقبة عن رجل من ولد عبادة بن الصامت عن أبي هريرة : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ...
فذكره .

(13/344)


قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ فيه علتان :
الأولى : جهالة الرجل العُبَادي الذي لم يسم .
والأخرى : جامع بن سوادة : لم يترجمه المتقدمون من الأئمة ؛ كالبخاري
وابن أبي حاتم وغيرهما ؛ فهو في عداد المجهولين ، وذلك مما صرح به ابن الجوزي في
"الموضوعات " ، فإنه ساق له حديثاً بلفظ :
"من مشى في تزويج بين اثنين حتى يجمع الله بينهما ؛ أعطاه الله عَزَّ وَجَلَّ
بكل خطوة وبكل كلمة تكلم بها عبادة سنة ... " الحديث ، وقال عقبه :
"حديث موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وجامع بن سوادة مجهول " .
وأورده الذهبي في "الميزان " وقال :
"خبر باطل ، كأنه آفته " ، وقال في "الضعفاء" :
"خبر كذب ، كأنه وضعه " .
وتعقبه الحافظ في "اللسان " بأن الراوي عنه - علي بن محمد بن أحمد
الفقيه - غير معروف ، وأن الدارقطني ساق لجامع بن سوادة حديثاً أخر ، وقال :
"وجامع ضعيف " .
والحديث المشار إليه قد تقدم في المجلد الأول برقم (377) .
وقد توبع جامع هذا فِي حَدِيثِ الترجمة : فرواه الحسن بن علي بن زياد : ثنا
عبدالعزيز بن عبدالله الأُوَيْسي : ثنا ابن أبي الزناد ... به نحوه ؛ إلا أنه قال :
"بعبد إلى النار ، فلما وقف ..." والباقي مثله .

(13/345)


أخرجه البيهقي في "الشعب " أيضاً (1015) .
والأويسي هذا : ثقة من رجال البخاري ، لكن الراوي عنه - الحسن بن علي
ابن زياد - هو علة هذه المتابعة ؛ فقد قال الحافظ في ترجمته من "اللسان " :
"له منكرات " .
وقد روي الحديث من طرق أخرى عن ابن أبي الزناد بسنده المذكور بلفظ
آخر ، تقدم تخريجه بتوسع في المجلد العاشر برقم (4590) .
وقد اختلط الأمر على المعلقين الثلاثة على "الترغيب " (4/165) ، فإن المنذري
أورده باللفظ الثاني الذي فيه : (الحسن بن علي بن زياد) ؛ فأعلّو ، بجامع بن سوادة
الذي في اللفظ الأول! ولهم ومن مثل هذا الخلط الشيء الكثير .

6151 - ( يُوشك أن تظهر فتنةٌ لا يُنْجِي منها إلا الله عَزَّ وَجَلَّ ، أو
دعاءٌ كدعاءِ الغَرقى ) .
ضعيف .
أخرجه البيهقي فى "الشعب " (2/40/114) من طريقين عن
أبي عقيل ، عن يعقوب بن مظلمة عن أبيه عن أيي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : . " . فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ مسلسل بالعلل :
الأولى : أبو عقيل هذا - واسمه : يحيى بن المتوكل صاحب بُهية ، وهو - :
ضعيف - كما في "التقريب" - ، وقال الذهبي في "الكاشف " :
"ضعفوه " .
الثائية : يعقوب بن سلمة - وهو : الليثي - : قال في "الكاشف " :

(13/346)


" ليس بحجة" . وقال الحافظ :
"مجهول الحال " .
الثالثة : أبوه سلمة الليثي : قال الذهبي أيضاً :
"ليس بحجة" . وقال الحافظ :
"لين الحديث " .
وأرى أن الصواب أن يقال فيه : "مجهول العين " ؛ لأنه لا يعرف إلا برواية ابنه
فقط عنه ، وله عنه حديث آخر في التسمية على الوضوء ، قد خرجته في "صحيح
أبي داود" (90) لشواهده ، وقال الحافظ في آخر ترجمة سلمة :
"لا يعرف إلا في هذا الخبر"!
فكأنه لم يطلع على حديث الترجمة ، أو على الأقل لم يستحضره حين قال
هذا ؛ فالصواب أن يقال :
لا يعرف إلا برواية ابنه عنه ، ولهذا استصوبت أن يقال فيه ما ذكرت ؛ لأن ما
قاله الذهبي والحافظ فيه لا يعبر عن السبب الذي من أجله لا يحتج به ، وعن
كونه ليِّن الحديث ؛ فتأمل .
والحديث قد صح موقوفاً على حذيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بنحوه .
أخرجه البيهقي (1115) من طريق يعلى بن عبيد عن الأعمش عن إبراهيم
عن همام ، والحاكم (4/425) من طريق سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن
عمير ، كلاهما عن حذيفة ... به . وقال الحاكم :
"صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي .

(13/347)


6152 - ( طلب الحلال مثل مقارعة الأبطال في سبيل الله ، ومَنْ
بات عَيِيِّاً من طلب الحلال ؛ بات والله عَزَّ وَجَلَّ عنه راضٍ ) .
منكر .
أخرجه البيهقي في "الشعب " (2/86/1232) من طريق علي بن
عَثَّام عن رجل - أظنه قال : الحسن بيّاع الحصر ، أو كما قال - عن المعتمر عن
السكن يرفعه قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ مرسل أو معضل ، لأن السكن هذا إما تابعي أو
تابع تابعي ، لأن المعتمر - وهو : ابن سليمان بن طرخان - يروي عن التابعين
وأتباعهم ؛ فالله أعلم من أيهم هو ؟
ثم إنني لم أعرفه . ومثله الحسن بيّاع الحصر . على أنه لو كان معروفاً ؛ فإن
علي بن عثام لم يجزم بأنه هو ، وذلك مما يشعر أنه ليس من المشهورين بالرواية .
والله أعلم .

6153 - ( لا خير فيمن لا يجمعُ المال ... يصل به رحمه ، ويؤدي به
عن أمانته ، ويستغني به عن خَلْقِ ربِّه ) .
موضوع .
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (2/185) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "الموضوعات " ، والبيهقي في "الشعب " (2/92/ 1251) من طريقين عن العلاء
ابن مسلمة الرَّوَّاس عن هاشم بن القاسم عن مُرَجَّى بن رجاء عن سعيد عن قتادة
عن أنس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال ابن الجوزي :
"هذا ليس من كلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إنما يروى نحوه عن الثوري ، قال ابن
حبان : العلاء يروي الموضوعات على الثقات والمقلوبات ، لا يحل الاحتجاج به .

(13/348)


وقال أبو الفتح الأزدي : كان رجل سوء ؛ لا يحل لمن عرفه أن يروي عنه . وقال
محمد بن طاهر : كان يضع الحديث " .
وتعقبه السيوطي في "اللآلي" (2/ 320) ، ثم ابن عراق في "تنزيه الشريعة"
(2/303) بما أخرجه البيهقي في الموضع المذكور من طريق شيخه الحاكم ؛ أنا
أحمد بن إسحاق بن إبراهيم الصيدلاني : ثنا الحسين بن الفضل : ثنا أبو النضر
حدثنا مرجى بن رجاء عن شعبة عن قتادة ... به . وقال البيهقي :
"كذا وجدته في (كتاب شعبة) ، وقال فيه غيره : عن أبي النضر هاشم بن
القاسم عن المرجى بن رجاء عن سعيد عن قتادة عن أنس " .
ثم ساقه من الوجه الأول ، وقال عقبه :
"هكذا روي في هذا الإسناد ، وقال فيه راويه : قال : قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
ولكني هبته ، وإنما يروى هذا الكلام بعينه من قول سعيد بن المسيب " .
ثم ساق إسناده إلى ابن المسيب موقوفاً عليه ، وهو الأقرب ، وإن كان فيه بكر
ابن سهل الدمياطي : ثنا عبدالله بن صالح ، وكلاهما ضعيف .
وأما المرفوع : ففي الطريق الأولى ذاك المتهم - العلاء بخن مسلمة الرواس - ،
وتابعه في الطريق الأخرى الحسين بن الفضل - وهو : ابن عمير البجلي الكوفي - :
قال الذهبي في "الميزان " :
" ... العلامة المفسر أبو علي نزيل نيسابور ، روى عن يزيد بن هارون والكبار ،
ولم أر فيه كلاماً ، لكن ساق الحاكم في ترجمته مناكير عدة ، فالله أعلم " .
وتعقبه الحافظ في "اللسان " بقوله :

(13/349)


"ما كان لذكر هذا في هذا الكتاب معنى ؛ فإنه من كبار أهل العلم والفضل ...
قال الحاكم : كان إمام عصره في معاني القرآن ... ثم ذكر شيئاً من أفراده وغرائب
حديثه ، فساق له خمسة عشر حديثاً ليس فيها حديث مما ينكر[عليه ] لكون سنده
ضعيفاً ؛ فلا يلصق الوهم بالحسين ، بل لا بد فيه من راو ضعيف غيره ... " .
قلت : وما نقله عن الحاكم قد ذكره عنه الذهبي نفسه في "سيرأعلام
النبلاء" (13/414 - 415) ، ثم ختم ترجمته بقوله :
"ثمَّ إِنَّ الحَاكِم سَاق فِي تَرْجَمَتِهِ بَضْعَة عشر حَدِيْثاً غَرَائِب، فِيْهَا حَدِيْث
بَاطِل رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بن مُصْعَبٍ : حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْر عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ فَرَّج عَنْ مُؤْمِن كُرْبَةً ؛ جَعَل الله
لَهُ يَوْم القِيَامَةِ شُعْبَتَين مِنْ نُوْرٍ عَلَى الصِّرَاط ، يَسْتَضيء بِهِمَا مَنْ لاَ يُحْصِيهِم إِلاَّ
رَبّ العزَّة " .
قلت : ومحمد بن مصعب هذا فيه ضعف - كما قال الذهبي في "الكاشف " - ،
وقال الحافظ :
"صدوق كثير الغلط " .
قلت : فهذا يؤيد ما تقدم عن "اللسان " أن الوهم لا ينبغي أن يلصق بالحسين
ابن الفضل ، ما دام في السند من ضُعِّف !
ثم إن ظاهر قول الذهبي : " ... رواه عن محمد بن مصعب ... " ... أنه يعني :
أنه رواه الحسين عن ابن مصعب مباشرة ، وهذا وإن كان تاريخ ولادة الحسين يساعد
على ذلك ، فإنها كانت سنة (180) ، وكانت وفاة ابن مصعب سنة (208) ؛ فإني
أخشى أن يكون بينهما العلاء بن مسلمة الذي في الطريق الأولى . فقد رواه بعض

(13/350)


الأصبهانيين عن العلاء عن ابن مصعب - كما تقدم تخريجه برقم (5312) - .
على أنني لا أدري إذا كان السند إلى الحسين بما ذكره الذهبي صحيحاً ؛ فإني
أخشى أيضاً أن يكون الراوي عنه لحديث ابن مصعب هو نفس الراوي لحديث
الترجمة - وهو : أحمد بن إسحاق بن إبراهيم الصيدلاني شيخ الحاكم - ، فإني لم
أجد له ترجمة ؛ فيكون هو علة الطريق الثانية التي بها تعقب ابن الجوزي السيوطي
وابن عراق وسكتا عنها ، ولم يبينا علتها . والله سبحانه وتعالى أعلم .
ثم رأيت السيوطي قد أقر ابن الجوزي على وضعه ، فقال في "الجامع الكبير" :
"رواه ابن حبان في "الضعفاء" ، وابن لال ، والحاكم في "تاريخه " ، والبيهقي
في "الشعب " عن أنس ، قال ابن حبان : لا أصل له ، وأورده ابن الجوزي في
"الموضوعات " ، وقال البيهقي : إنما يروى عن سعيد بن المسيب قوله " .

6154 - (أكثرُ أهلِ الجنةِ البُلْهُ ) .
ضعيف .
أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (4/ 121) ، والبزار في "المسند"
(2/ 411 - الكشف) ، وابن عدي في "الكامل "(3/313) ، وعنه البيهقي في
"الشعب " (2/126/ 1367) ، وكذا ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/452/1559) ،
والبيهقي أيضاً (1368) ، وابن عساكر (12/108) ، والذهبي في "السير" (3/303)
كلهم من طريق سلامة بن روح عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس قال : قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال البزار وابن عدي - والعبارة له - :
"منكر بهذا الإسناد ، لم يروه عن عقيل غير سلامة" .
وأقره ابن الجوزي ، وفال الذهبي في "الميزان" و "المغني في الضعفاء" :

(13/351)


"سلامة ؛ قال أبو حاتم ؛ يكتب حديثه ، وقال أبو زرعة : منكر الحديث" .
وضعفه الحافظ في "التقريب " بقوله :
"صدوق له أوهام " .
وبه أعله الهيثمي في "المجمع " (8/79 و 10/264 و402) ، وقد عزاه للبزار وحده .
وروي الحديث من طريق أخرى لا يفرح بها لشدة ضعفها ، تفرد بها أحمد
ابن عيسى الخشاب قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة : ثنا مصعب بن ماهان عن
الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعاً بلفظ :
"دخلت الجنة فإذا أكثر ... " .
أخرجه البيهقي (2/125/1366) ، وكذا ابن عدي (1/191) ، - وعنه ابن
الجوزي أيضاً (1558) ، وأبو بكر الكلاباذي في "مفتاح المعاني " (ق 275/ 1) ،
وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (12/345/2) ، وقال البيهقي :
"منكر بهذا الإسناد ". وقال ابن عدي - وتبعه ابن الجوزي والذهبي والعسقلاني - :
"باطل بهذا الإسناد ، مع أحاديث أخر يرويها الخشاب عن عمرو بن أبي
سلمة بواطيل " . وقال سلمة :
"كذاب حدث بأحاديث موضوعة" . وقال ابن طاهر :
"كذاب يضع الحديث " . وأعله ابن عساكر بعلة أخرى فقال :
"قال ابن شاهين : تفرد به مصعب بن ماهان " .
قلت : هذا مختلف فيه ، وقد أثنى عليه أحمد خيراً ، ووثقه غيره ، وقال
الحافظ في "التقريب " :

(13/352)


"صدوق عابد كثير الخطأ" .
قلت : فإعلال الحديث بالخشاب المتهم أولى . والله أعلم .
وقد روي الحديث مرسلاً ، وزاد في بعض الروايات :
"وأعلى عليين لأولي الألباب " .
وفي إسناده ضعيف ، ومن لم أعرفه . وهو مخرج في تعليقي على "شرح العقيدة
الطحاوية" (ص 573 - 575) ، ورددت فيه على قول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله :
"ومجموع ما قيل فيه : أنه لا أصل له "! فراجعه إن شئت .
وكيف يصح أن يقال هذا والبزار يقول عقب الحديث :
" لو صح ؛ كان له معنى" . وقال الطحاوي - بعد أن ساقه بإسناده مساق
المسلمات - :
"فذكرت هذا الحديث لأحمد بن أبي عمران ؟ فقال لي : معناه معنى
صحيح ، فـ : (البله) المرادون فيه : هم البله عن محارم الله تعالى ؛ لا من سواهم
ممن به نقص العقل بالبله " ؟!

6155 - ( سَيَكُونُ بَعْدِي فِتَنٌ شَدَّادٌ ، خَيْرُ النَّاسِ فِيهَا مُسْلِمُو أَهْلِ
الْبَوَادِي ؛ الَّذِينَ لا يَتَنَدُّونَ مِنْ دِمَاءِ النَّاسِ ( وفي رواية : المسلمين ) ،
وَلا أَمْوَالِهِمْ شَيْئاً ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/365/914) وفي "المعجم
الأوسط " (1/289/4839 - بترقيمي) و"مسند الشاميين " (2/393/1562) ، وابن

(13/353)


عساكر في "تاريخ دمشق " (5/391) من طريق أبي معبد حفص بن غيلان عن
حيان بن حجر عن أبي الغادية المزني ... مرفوعاً .
قلت : ورجال إسناده ثقات ؛ غير حيان بن حجر ، يبدو أنه لا يعرف إلا بهذه
الرواية ؛ ففي ترجمته أخرج ابن عساكر هذا الحديث ، ولم يذكر له راوياً غير
حفص هذا ، وروى عن ابن أبي حاتم أنه قال :
"حيان بن حجر الدمشقي ، سمعت أبي يقول ذلك " . ولم يزد!
وليس له ذكر في "الجرح والتعديل " ؛ ولذلك قال الذهبي في "الميزان " - وتبعه
الحافظ في "اللسان " - :
"لا يدرى من ذا ؟ " . وقال الهيثمي في "المجمع " (7/304) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " و "الكبير" ، وفيه حيان بن حجر ... ولم أعرفه ،
وبقية رجاله ثقات " .
ومن طبقته حيان بن جحدر أبو السمين الطائي : قال ابن أبي حاتم :
"روى عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، روى عنه عتبة بن أبي سليمان ... قال ابن معين : ليس
به بأس " . وكذا ترجمه ابن حبان في "الثقات " (4/ 171) دون قول ابن معين ، وقال :
"وقد قيل : إنه حيان بن حجر" .
فالله أعلم هل هو هذا أم غيره ؟
قوله : (لا يتندون) ؛ أي : لا يصيبهم من دماء المسلمين شيء - كما في الحديث
الآخر : "من لقي الله لا يشرك به شيئاً ، لم يتند بدم حرام ؛ دخل الجنة" - وهو مخرج
في الكتاب الآخر : "الصحيحة" (2923) ، قال ابن الأثير في "النهاية" :

(13/354)


"أي : لم يصب منه شيئاً ، ولم ينله منه شيء ؛ كأنه نالته نداوة الدم وبلله " .
وقد اختلفت المصادر المتقدمة في ضبط هذه اللفظة : (يتندون) ... فوقعت
هكذا في "مسند الشاميين " و"المعجم الأوسط " و "تهذيب التاريخ " (5/ 21) ،
ووقعت في " المعجم الكبير" : (يندون) ، وفي " التاريخ " : (يندهون) ، وفي مكان آخر
من طريق الطبراني : (ينتدون) ، وكذا في "الجامع الكبير" للسيوطي ، لكن الواو فيه
راء : (ينتدرن)! وعزاه لـ"طب ، وابن منده وتمام ، كر" ... ولعل الصواب ما أثبتنا .

6156 - ( لا تقوم الساعة حتى يُجعل كتاب الله عاراً ، ويكون
الإسلام غريباً، وحتى تبدو الشحناء بين الناس ، وحتى يُقبض العلم ،
ويتقارب الزمان ، ويَنقُص عمر البشر ، ويُنتقص السنونَ والثمراتُ ،
ويُؤْمَنَ التُّهماء ، ويُتهم الأُمَناء ، ويُصدَّق الكاذب ، ويُكذَّب الصادق ،
ويَكثُرَ الهَرْجُ ، قالوا: وما الهرج يا رسول الله!؟ قال: القتل ، وحتى
تُبنى الغُرفُ فَتْطَّاول ، وحتى يحزن ذوات الأولاد ، وتفرح العواقر ،
ويظهر البغي والحسد والشُّح ، ويَهلِك الناس ، ويكثُر الكذب ، ويَقِلَّ
الصدق ، وتختلف الأمور بين الناس ، ويُتَّبع الهوى ، ويُقضى بالظنِّ ،
ويكثر المطر، ويَقِلَّ الثمر ، ويَغِيضَ العلم غَيْضاً ، ويَفيضَ الجهل فيضاً ،
وحتى يكون الولدُ غليظاً ، والشتاء قيظاً ، وحتى يُجْهَرَ بالفحشاء ،
ويُروى الأرضُ ريَّاً، ويقوم الخطباء بالكذب فيجعلون حقِّي لِشِرار
أمتي ، فمن صدّقهم بذلك ورضي به ؛ لم يَرَحْ رائحة الجنةِ ) .
ضعيف .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (7/453) من طريق عبدالرحمن
ابن عمرو بن عبدالله (هو : أبو زرعة الدمشقي) : نا سليمان بن عبدالرحمن : نا

(13/355)


عبدالله بن أحمد اليَحْصُبي : نا عمار بن أبي عمار عن سلمة بن تميم عن
عبدالرحمن بن غنم عن أبي موسى الأشعري ... مرفوعاً .
أورده في ترجمة سلمة بن تميم هذا ، ثم روى عن أبي زرعة أنه ثقة ، فالله
أعلم ، فإني لم أر من ترجمه أو ذكره غير ابن عساكر ، وأخشى أن يكون من أوهام
اليحصبي هذا ؛ فإنه غير مشهور ، ولم يترجمه أحد من أئمة الجرح والتعديل غير
العقيلي ، فأورده في " الضعفاء " (2/237) وقال :
"لا يتابع على حديثه " .
ثم ساق له حديثاً بإسناده عنه ؛ وقع فيه : (الحمصي) ... مكان : (اليحصبي) .
ورده الحافظ ابن عساكر بعد أن أقره على تجريحه المذكور ، فقال في "التاريخ "
(8/1030) :
"كذا قال : (الحمصي) ، وأظنه صحف : (اليحصبي) بـ : (الحمصي) " .
وأقره الذهبي في "الميزان " ، والحافظ في "اللسان " .
ولم يفهم هذا محقق "ضعفاء العقيلي " الدكتور القلعجي ؛ فغير نسبة :
(الحمصي) إلى ؛ (اليحصبي) مخالفاً بذلك ما جاء في كتب مصطلح علم الحديث
من وجوب المحافظة على الأصل ، مع التنبيه في الهامش على ما هو الصواب ، أو
على الأقل إذا صحح الأصل ؛ أن ينبه على ما كان عليه الأصل في الحاشية ، لأنه
قد يكون الأصل هو الصواب ؛ فلا بد من التنبيه . وهذا من أصول التحقيق الذي
يخل به أكثر المحققين في هذه الأيام .
إذا عرفت حال اليحصبي هذا ؛ فقد خالفه إسماعيل بن عياش فقال : عن
سعيد بن غنيم الكلاعي عن عبدالرحمن بن غنم ... به ؛ دون قوله :

(13/356)


" ويقوم الخطباء ... " إلخ .
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (7/339 - 340) من طريق ابن أبي الدنيا :
حدثني الحسن بن الصباح : حدثني أبو توبة : نا إسماعيل بن عياش ... به .
أورده في ترجمة سعيد هذا - وهو : حمصي - ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ،
وكذلك صنع ابن أبي حاتم (2/ 54/1) ، وكذا البخاري قبله (2/1/505) ؛ لكن
وقع فيه : "ابن عثيم أو غنيم " على الشك ، قال ابن عساكر :
"وهو غلط ، وصوابه : (ابن غنيم) بلا شك " .
وكلهم لم يذكروا راوياً عنه غير ابن عياش ؛ فهو مجهول ، وأما ابن حبان فذكره
في "الثقات " (6/368) على قاعدته!
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" بلفظ الترجمة ، وقال :
"رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وابن نصر السجزي في "الإبانة" ، وابن عساكر ،
ولا بأس بسنده " .
كذا قال ، ولعله تبع الهيثمي الذي قال (7/324) بعد أن ساقه باللفظ الآخر
المختصر :
"رواه الطبراني ، ورجاله ثقات ، وفي بعضهم خلاف " .
كذا قال! وفيه نظر ؛ لأنه إن كان عند الطبراني من الطريق الأولى التي فيها
عبدالله بن أحمد اليحصبي ؛ فهو ضعيف اتفاقاً - كما علمت - ، وإن كان من طريق
ابن عياش ؛ فشيخه سعيد بن غنيم : مجهول لم يوثقه غير ابن حبان ، ويلقى في
النفس أن هذه الطريق هي التي عناها الهيثمي ، ويشير بالخلاف الذي ذكره إلى

(13/357)


ابن عياش ؛ فهو الذي اختلفوا فيه ، لكن ذلك لا تأثير له هنا ، لأنه صحيح الحديث
في روايته عن الشاميين ، وهذه منها ؛ فإن شيخه سعيد بن غنيم حمصي - كما
سبق - ، ولولا أنه مجهول - كما عرفت - ؛ لقلت كما قال السيوطي :
"لا بأس بسنده " . والله أعلم .
(تنبيه) : قوله : "ويروى الأرض رياً" ... كذا في " التاريخ " ، وفي " الجامع " :
"وتزوي الأرض زياً" وكلاهما غير مفهوم . وفي رواية "التاريخ " الأخرى : "وتزول
الأرض زوالاً " ، ولفظ "المجمع " : "وتروى الأرض دماً" . وهو أوضحها . والله أعلم .
ثم رأيته هكذا في مكان آخر مختصراً (7/279) ، وقال :
"وفيه سليمان بن أحمد الواسطي ؛ وهو ضعيف " ، وسقط منه ذكر مَنْ خَرّجه .
ومن أحاديث ذاك اليحصبي الدمشقي الحديث التالي :

6157 - ( لا يضمن أحدكم ضالة ، ولا يردن سائلاً ؛ إن كنتم تحبون
الربح والسلامة . وقال لقوم سَفْرٍ : لا يصحبنكم ضلال من هذه النِّعم ) .
ضعيف .
أخرجه الدولابي في "الكنى" (1/ 31) ، والطبراني في " المعجم
الكبير" (376/22/ 1 94) ، وابن عساكر في "التاريخ " (8/1029) من طرق عن
عبدالله بن أحمد الدمشقي قال : ثنا علي بن أبي علي عن الشعبي عن أبي
ريطة كرامة المذحجي قال :
كنا جلوساً عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال : ... فذكره . والسياق للدولابي ، ولفظ
الطبراني :
"لا يصحبنكم خلال من هذه النعم - يعني : الضوال - ولا يصحبن أحد منكم

(13/358)


ضالة ، ولا يردن سائلاً ؛ إن كنتم تريدون الربح والسلامة ، ولا يصحبنكم من الناس
إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ساحر ولا ساحرة ، ولا كاهن ولا كاهنة ، ولا
منجم ولا منجمة ، ولا شاعر ولا شاعرة ، وإن كل عذاب يريد الله أن يعذب به
أحداً من عباده ؛ فإنما يبعث به إلى السماء الدنيا ، فأنهاكم عن معصية الله عشاءً " .
وقال الهيثمي في "المجمع " (3/212) عقبه :
"رواه الطبراني في "الكبير" ، وفيه علي بن أبي علي اللهبي ، وهو ضعيف " .
قلت : بل هو ضعيف جداً ؛ قال الذهبي في "الميزان " :
"له مناكير ، قاله أحمد ، وقال أبو حاتم والنسائي : متروك . وقال يحيى بن
معين : ليس بشيء" .
وأورده في "المغني في الضعفاء" ، وذكر فيه قول أبي حاتم والنسائي . فهو المعتمد .
قلت : والراوي عنه - عبدالله بن أحمد ، هو : اليحصبي ؛ الراوي للحديث الذي
قبله ، وقد - ضعفه العقيلي - كما ذكرت هناك - .
والحديث رواه ابن منده - أيضاً - من هذا الوجه ؛ كما في "الإصابة ، للحافظ
ابن حجر ، وسكت عنه!
وقد روي من طريقين آخرين واهيين عن الشعبي ، وسيأتي برقم (6847) .

6158 - ( أبعد الخلق من الله رجلان: رجل يجالس الأمراء ؛ فما
قالوا من جور ؛ صدقهم عليه ، ومعلم الصبيان ؛ لا يواسي بينهم ، ولا
يراقب الله في اليتيم ) .
منكر .
أخرجه ابن عساكر (9/165) من طريق أبي بكر عبدالله بن خيثمة

(13/359)


ابن سليمان الأطربلسي : حدثني أبو عبدالملك أحمد بن جرير بن عبدوس
- بصور - : نا موسى بن أيوب النصيبي : نا الوليد بن مسلم : نا بكير بن معروف
الأزدي عن أبان وقتادة عن أبي أمامة الباهلي ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف مظلم ؛ وفيه علل :
الأولى : عبدالله بن خيثمة هذا : في ترجمته أورد الحديث ابن عساكر ، ولم
يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، ولا راوياً غير عبدالوهاب هذا ؛ فهو مجهول .
وعبدالوهاب له ترجمة في "السير" (16/557) .
الثانية : أبو عبدالملك أحمد بن جرير : لم أجد له ترجمة .
الثالثة : الوليد بن مسلم : ثقة معروف يدلس تدليس التسوية ، ولم يصرح
بسماع من فوق شيخه .
الرابعة : بكير بن معروف : صدوق فيه لين - كما قال الحافظ - .
الخامسة والسادسة : أبان وقتادة ، أما أبان : فالظاهر أنه ابن أبي عياش ، وهو
متروك ، وأما قتادة : فهو ثقة مشهور ، ولكنه موصوف بالتدليس ، وقد قال أحمد
وغيره :
"لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس" .
وعليه : فهو منقطع ؛ لو صح السند إليه ، وهيهات!

6159 - (أَشَدُّ حَسَرَاتِ بني آدَمَ في الدنيا ثَلاثٍ :
1- رَجُلٌ كَانَتْ له أرض تُسقى ، وله سانية يسقي عليها أرضه ،
فلما اشتدَّ وأخرجت ثمرتها ؛ ماتت سانيته ، فيجد حسرة على سانيته

(13/360)


التي قد عَلِم أنه لا يجد مثلها ، ويجد حسرة على ثمرة أرضه أن تفسد
قبل أن يحتال حيلة .
2 - ورجل له فرس جواد ، فلقي جمعاً من الكفار فلما دنا بعضهم
من بعض ؛ انهزم أعداء الله ، فسبق الرجل على فرسه ، فلما كاد أن
يلحق انكسرت يد فرسه ، فنزل عنده ؛ يجد حسرة على فرسه أن لا
يجد مثله ، ويجد حسرة على ما فاته من الظفر الذي كان أشرف عليه .
3 - ورجل كانت عنده امرأة قد رضي هيأتها ودينها ، فنفست غلاما ؛
فماتت بنفاسها ، فيجد حسرة على امرأته ؛ يظن أنه لن يصادف مثلها ،
ويجد حسرة على ولده يخشى ضيعته قبل أن يجد من يرضعه . قال :
فهذه أكبر هؤلاء الحسرات ) .
ضعيف .
أخرجه البزار في "مسنده " (2/157/1415 - كشف الأستار)
- والسياق له - ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/256/6879) ، و"المعجم
الأوسط " (1/289/4841 - بترقيمي) ، وابن عساكر في "التاريخ " (9/888) من
طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة ... مرفوعاً . وقال الطبراني :
"لم يروه عن قتادة إلا سعيد بن بشير" .
قلت : وهو ضعيف من قبل حفظه ، وجزم الحافظ في "التقريب " بضعفه .
وأما الهيثمي فحسن حديثه هذا ، دون غيره : (انظر المجلد الثالث من "فهارس المجمع "
لزغلول ص 297) ، فقال الهيثمي (4/273) :
"رواه البزار ، والطبراني في "الكبير" و" الأوسط " ، وإسناده حسن ، ليس فيه
غير سعيد بن بشير ، وقد وثقه جماعة" .

(13/361)


كذا قال! وقد عرفت ما في سعيد ، على أن ما نفاه ليس مسلّماً أيضاً ؛ لأن
الحسن - وهو : البصري - اختلف في سماعه من سمرة ، والراجح أنه سمع منه
بعض الأحاديث ، ولكنه مدلس - كما يشهد بذلك أهل العلم منهم الهيثمي
نفسه في بعض أحاديثه (3/ 81) - ، وحينئذٍ فروايته هذه تكون معللة بعلة أخرى
وهي عنعنته ، فتنبه!
وللحديث طريق أخرى موصولة عن سمرة ، يرويه جعفربن سعد بن سمرة
عن خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن سمرة بن جندب ... به نحوه .
أخرجه البزار (1416) ، والطبراني في "الكبير ، (7084) ، وقال الهيثمي
(3/12) :
"رواه الطبراني في "الكبير ، و"الأوسط " بنحوه ، ورواه البزار ، وفي بعضها :
"أَشَدُّ حَسَرَاتِ بني آدَمَ عَلَى ثَلاثٍ: رَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ... "
فذكر نحوه باختصار ، وله إسنادان ؛ أحدهما حسن ، ليس فيه غير سعيد بن بشير ،
وقد وثق " .
قلت : اللفظ الذي عزاه للبعض : هو للطبراني في "الكبير" من الطريق الأولى ،
وهي التي عنده في "الأوسط " ، وحَسَّن إسناده ، وفيه علتان - كما سبق بيانه - .
وأما هذه الطريق : فسكت عليها فما أحسن ؛ لأنه مسلسل بالعلل :
1 - محمد بن إبراهيم بن خُبيب بن سليمان بن سمرة : وَهُوَ مَجْهُولٌ ، قال
ابن حبان في "الثقات " (9/58) :
"لا يعتبر بما تفرد به " .

(13/362)


2 - خبيب بن سليمان ؛ قال الذهبي في "الميزان " :
"لا يعرف ، وقد ضعف في جعفر بن سعد" . وقال الحافظ :
"مجهول " .
وأما ابن حبان ؛ فذكره في "الثقات " (6/274) ، وأشار الذهبي في "الكاشف "
إلى ضعف توثيقه بقوله :
" وُثِّق " .
3 - جعفر بن سعد : قال الحافظ :
"ليس بالقوي " .
4 - سليمان بن سمرة : مجهول الحال .

6160 - ( لا تقوم الساعة حتى يَكُونَ الْوَلَدُ غَيْظاً ، والْمَطَرُ قَيْظاً ،
ويفيض اللئام الْمَطَرُ قَيْظاً ، ويغيض الكرام غيضاً ، ويجترئ الصغير على
الكبير ، واللئيم على الكريم ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "الأوسط " (2/98/2/6573 بترقيمي) قال :
حدثنا محمد بن عبدالغني : ثنا أبي : ثنا مؤمل ، عن أبي أمية بن يعلى عن أم
عيسى عن أم الضراب قالت :
توفي أبي ، وتركني وأخاً لي ، ولم يَدَعْ لنا مالاً ، فقدم عمي من المدينة ،
وأخرَجَنا إلى عائشة ، فأدخلني معها في الخِدر ؛ لأني كنت جارية ، ولم يدخل
الغلام ، فشكا عمي إليها حاجته ، فأمرت لنا بفريضتين وغرارتين ، ومقعدين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفيزياء الثالث الثانوي3ث. رائع

الفيزياء الثالث الثانوي3ث. =============== . ...