روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

ب ميك

المدون

 

الأحد، 5 يونيو 2022

كتاب : المجلد الرابع عشر {2 مجلد}/سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة

 هكذا جاء ترقيمة من مشكاة {114 و214}


114.

 الكتاب : المجلد الرابع عشر
......... سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ...
............... وأثرها السيء في الأمة ............

....................... تأليف ...................
.............. محمد ناصر الدين الألباني ..........

................. المجلد الرابع عشر .............
................... القسم الأول ...............
................ 6501 - 6740 ............

  بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
فأن بين يديك - أخي القارىء - ثلاثة أقسام من "سلسلة الأحاديث الضعيفة
والموضوعة، وأثرها السيىء في الأمة"، وهي تضم المجلد الرابع عشر بأحاديثه
الخمس مئة (6501-7000)، بالإضافة إلى الأحاديث (7001-7162) من أول
المجلد الخامس عشر، وهي آخر ما حققه الشيخ رحمه الله تعالى.

وننوه هنا بأن الشيخ بدأ - حال مرضه - يملي تحقيقاته على بعض أبناءه
وحفدته - وربما غيرهم -، ظهر لنا ذلك أواخر المجلد الرابع عشر من أصله المخطوط،
ثم أخذ يكثر من إملائه - تحت وطأة المرض عليه - فيما حققه من المجلد الخامس
عشر، حتى غطى قسماً كبيراً من أحاديثه.
ومن الجدير - ونحن إذ ننشر آخر تحقيقاته الموسعة - أن نقول: إن هذه
التحقيقات تمثل قمة ما وصل إليه علم الشيخ في الحديث وفنونه، والفقه ودروبه ...،
فتلمس أخي القارىء قواعد وأساليب منهجه في البحث والتحقيق، وانهل من معين
فقه وفكره، وهاك أمثلة على ما أشرنا إليه، نقربها إليك سهلة ميسرة تحت الأحاديث:
(6502، 6504، 6506، 6508، 6059، 6511، 6513، 6514، 6519، 6528،
6531 - 6534، 6541، 6546، 6555، 6556، 6559، 6566، 6571، 6573،
6575، 6576، 6582، 6584، 6585، 6590، 6594، 6601، 6610، 6613،
6637- 6644، 6646، 6650، 6652، 6654، 6663، 6665، 6668، 6686
-6690، 6698، 6700)، وكثير غيرها.

(14/3)


@@@ 4
وبطبيعة الحال، فإن هذا المجلد - كسابقه - لم يراجعه الشيخ المراجعة الأخيرة
لتهيئته للطباعة - قدر الله وما شاء فعل -، ومن ذلك - بل أهمه - أننا وجدنا عدداً
من الأحاديث لم يُثبت عليها الشيخ - رحمه الله - الحُكم المختصر قبل التخريج -
كعادته -، فوضعنا الحكم المناسب عليها من خلال دراسة الشيخ لطرقه وتحقيقه،
مع الرجوع إلى بعض إخواننا طلاب العلم في ذلك، وإليك أرقام هذه الأحاديث
كلها:
(6503، 6512، 6520، 6527، 6534، 6539، 6608، 6644، 6673،
6720، 5746، 6792، 6896، 6913، 6949، 6950، 7001، 7029،
7039).
ووجدنا - أيضاً - بعض الأحاديث أخذت الرقم المكرر قبلها، ففصلنا اللاحق
عن السابق بوضع [/م] بعد الرقم المكرر، ولم نعدل الأرقام، لأن الشيخ - رحمه
الله -كان يحيل عليها في كتبه الأخرى، فتيسيراً على الباحث تركناها كما هي،
وهذه الأحاديث هي: (6888، 6925، 7157).
وقد وجدنا - أيضاً -قفزاً في تريقم الأحاديث في ثلاثة مواضع، من (6674)
إلى (6685)، ومن (6885) إلى (6887)، ومن (6926) إلى (6930).
وأخيراً، لا يفوتنا التوجه بالشكر إلى كل من كانت له يد في إنجاز هذا العمل
العظيم في جميع مراحله، بما فيه عمل الفهارس العلمية المختلفة على نحو ما كانت
تصنع في حياة الشيخ - رحمه الله - والتعليق في الحاشية على ما يحتاج إلى
تعليق في أثناء الكتاب باسم (الناشر)، استمراراً منهم على النهج الذي ساروا
عليه في "السلسلتين"، بل وفي سائر الكتب التي طبعت بعد وفاة الشيخ - رحمه
الله -، فجزاهم الله خيراً، وشكر لهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
14 من ذي القعدة 1423 هـ

الناشر

(14/4)


@@@ 5
6501 - (إنَّ غلاماً كان في بني إسرائيل على جبلٍ، فقال لأمه: من
خلق السماء؟ قالت: الله عزوجل، قال: فمن خلق الأرض؟ قالت: الله ع
زوجل، قال: فمن خلق الجبال؟ قالت: الله عزوجل.)قال: فمن خلق
الغيم؟ قالت: الله عزوجل. قال: إني لأسمع لله شأناً. ثم رمى بنفسه
من الجبل، فتقطع ).

منكر جداً.
أورده الغزالي في (كتاب آداب السماع والوجد) من "الإحياء"
(2/281)، جازماً بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً:
"فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر غلاماً كان في
بني إسرائيل ... " إلخ.
فقال الحافظ العراقي في تخريجه:
"رواه ابن حبان". ولم يزدْ، وكذلك نقله عنه العلامة الزبيدي في شرحه
على "الإحياء"، لم يذكر كم حال إسناده شيئاً، فأوردته هن لنكارته الظاهرة،
ولعلي أقف على إسناده، فما حصلته.
ومن المصطلح عليه عند العلماء، أن إطلاق العزو لابن حبان إنما يعني: أنه في
"صحيح ابن حبان" . ولا أظن أنه فيه، وذلك، لانه على شرط الهيثمي في "موارد
الظمآن إلى زوائد ابن حبان"، وليس فيه! فأنا بفضل الله تعالى من أعرف الناس
بأحاديثه، فقد كنت وضعت له - منذ سنتين - فهرساً لأطرافه، بإعانة بعض
الأخوة، ثم جعلته قسمين: "صحيح الموارد" و "ضعيف الماورد" ، كما كنت
جريت عليه في "السنن الأربعة" وغيرها وهما الآن تحت الطبع (*) وقبل بضعة
----------
(*) وقد صدرا بعد وفاة الشيخ - رحمه الله - بشهور (الناشر)

(14/5)


@@@ 6
أشهر نُشر "صحيح الأدب المفرد" للبخاري و "ضعيف الأدب المفرد" له.
ولعلمي بأن الهيثمي قد فاته أحاديث كثيرة - هي على شرطه - لم يذكرها
في "كوارده" ، واستدركت عليه في القسمين عشرات الأحاديث، زلذك فقد
افترضت أنه من المحتمل أن يكون هذا الحديث من تلك الأحاديثالتي فاتته،
فبحثت عنه في مظانه من أصل "الموارد"، ألا وهو "صحيح ابن حبان"، بواسطة
ترتيبه المسمى بـ "الإحسان"، واستعنت على ذلك بفهارس طبعة المؤسسة منه،
فلم أظفر به.
ثم افترضت أن الإطلاق المذكور غير مقصود من الحافظ العراقي فقلت: لعله
يعني "ثقات ابن حبان"، فراجعت فهرس أحاديثه من وضع "حسين إبراهيم
زهران"، فلم أظفر به.
ثم استمررت في البحث، فتتبعت أحاديث كتابه "المجروحون" حديثاً
[حديثاً] دون جدوى.
ثم قلبت صفحات كتابه "روضة العقلاء" صفحة صفحة عبثاً.
ثم قلت: لعل الصواب: (ابن حبان) .. بالمثناة التحتية، وهو: أبو الشيخ
صاحب كتاب "العظمة" ، ومع أن هذا احتمال بعيد، لكن الأمر كما قيل: الغريق
يتعلق ولو بخيوط القمر، فمررت بأحاديثه حديثاً [حديتاً]، فرجعت بخُفَّي حُنين!
فمن كان عنده علمٌ، فليتفضل به علينا، وجزاه الله خيراً.

6502 - (أنّ بين يدي الله عزوجل وبين الخلق سبعين ألف حجاب،
وأقرب الخلق إلى الله عزوجل جبريل وميكائيل وإسرافيل، وإن بينهم

(14/6)


@@@ 7
وبينه أربع حُجُبٍ: حجاب من نارٍ، وحجاب من ظلمةٍ، وحجاب من
غمام، وحجاب من الماء).

موضوع.
أخرجه الدارقطني في "الأفراد" (ج 3/رقم 51 - منسوختي)،
ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/116) من طريق حبيب بن أبي
حبيب: ثنا هشام بن سعد وعبد العزيز بن أبي حازم عن سهل بن
سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ... فذكره. وقال الدارقطني:
"حديث غريب من حديث أبي حازم، تفرد به حبيب بن أبي حبيب".

وقال ابن الجوزي:
"حديث لا أصل له، وحبيب ليس بثقة، كان يكذب، وقال يحيى: ليس
بشيء. وقال النسائي: متروك. وقال ابن عدي: كان يضع الحديث". قلت: وزاد
ابن عدي في "الكامل" (2/414):
"أحاديثه موضوعة". وقال ابن حبان (1/265):
"يروي عن الثقات الموضوعات، كان يُدخلُ عليهم ماليس من أحاديثهم".
(تنبيه): اختلط في "تهذيب التهذيب" كلام ابن عدي المتقدم بكلام ابن
حبان هذا، فقد سقط من طابع "التهذيب" قوله: "وقال ابن عدي"، فالتصق
كلامه بكلام ابن حبان! فاقتضى التنبيه.
وروى العقيلي في "الضعفاء" (3/152) - في ترجمة عمر بن الحكم- ،
وأبو يعلى (13/520/7525)، والطبراني في "الكبير" (8/182/5802)
من طريق موسى بن عبيدة عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن عبد الله بن عمرو بن

(14/7)


@@@ 8
العاص، وعن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعاً بلفظ:
"دون الله تبارك وتعالى سبعون ألف حجاب من نور وظلمة، ومايسمع من
نفس شيئاً من حسن تلك الحجب، ألإ زهقت نفسها".
وقال العقيلي:
"وقد روي هذا من غير هذا الوجه مرسلاً، فأسنده من هو نحو موسى بن
عبيدة أو دونه".
قلت: فهو من منكرات موسى بن عبيدة الرَّبذي، فكان ينبغي أن يذكر في
ترجمته، وليس في ترجمة شيخه عمر بن الحكم، فإنه صدوق - كما قال الذهبي -.

6503 - (والذي نفسي بيده! إن الله ليوحي إلى شجر الجنة: أن
أسمعي عبادي الذين شغلوا أنفسهم عن المعازف والمزامير بذكري،
فتُسمعُهم بأصوات ما سمع الخلائق مثلها قط، بالتسبيح والتقديس).

موضوع.
أخرجه الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (1/162-163)
من طريق نصر بن طريف بن يحيى بن اسحاق عن زيد بن أسلم عن عطاء بن ي
سار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رجل: يارسول الله! هل في الجنة سماعٌ، فإني أُحبُ السماع؟ قال:
"نعم، والذي نفسي بيده! ...".
قلت: نصر هذا، متفق على تضعيفه، قال يحيى:
"من المعروفين بوضع الحديث". وقال ابن حبان (3/52):

(14/8)


@@@ 9
"كان يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، كأنه كان المتعمد لها". وقال
البخاري:
"سكتوا عنه".

6504 - (ثلاث من كن فيه، استحق ولاية الله وطاعته: حلم أصيل
يدفع سفه السفيه عن نفسه، وورع صادق يحجزه عن معاصي الله،
وخلق حسن يداري به الناس).

موضوع.
أخرجه إبن أبي الدنيا في "كتاب الأولياء" (103/10
- مجموعة الرسائل) من طريق المعلى بن عيسى: نا نهشل بن سعيد القشيري عن
الضحاك بن مزاحم الهلالي عن ابن عباس رفعه.
قلت. وهذا موضوع، آفته (نهشل بن سعيد)، قال الذهبي في "المغني"
(702/6673):
"بصري واهٍ، قال ابن راهويه: كان كذاباً". وقال الحافظ:
"متروك، وكذبه إسحاق بن راهويه".
والمعلى بن عيسى - وهو: الوزان الرازي -، مجهول، قال ابن أبي حاتم:
"روى عن نهشل بن سعيد، سمع منه أبي قديماً في صباه".
وأما ابن حبان، فذكره في "الثقات" (7/492 - 493) من رواية خالد بن
خداش بن عجلان عنه قال: سمعت مالك بن دينار يقول: خلطتُ دقيقي برمادٍ،
فأضعفني، ولو قويت عليه، ما أكلت غيرهُ!

(14/9)


@@@ 10
ثم أنه منقطع، فإن الضحاك لم يلق ابن عباس.
وقد تعامى عن هذه العلل - وبخاصة الأولى منها- الشيخ عبد الله الغماري،
كما هي عادته في أحاديث الفضائل ونحوها، مما له فيها هوى، فإنه إقتصر على
تضعيف إسناده، فقال في أول كتابه "الحجج البينات في إثبات الكرامات"
(ص 11):
"وروى ابن أبي الدنيا في "كتاب الأولياء" بسندٍ ضعيف عن ابن عباس
رفعه ..." فذكره!
وله من مثل هذا التعامي الشيء الكثير، وقد ذكرت له أمثلة أخرى في
رسالتي "غاية الآمال في بيان ضعف حديث عرض الأعمال، والرد على الغماري
في تصحيحه إياه- بصحيح المقال". وهي تحت يدي لتبييضها، إعداداً لطبعها
قريباً إن شاء الله تعالى.
ثم إن في الحديث علة أخرى، وهي تفردُّ هذا الكتاب بذكر (ولاية الله) فيه،
فقد روي الحديث بنحوه من طريق أخرى دونها، وقد كنت خرجتها في "الروض
النضير" تحت حديث علي ابن أبي طالب نحوه (681)، ومنها طريق أخرى عن
ابن عباس بلفظ:
"ثلاثٌ من لم تكن فيه واحدة منهن، فلا تعتدّنًّ بشيء من عمله، تقوى
تحجزه عن معاصي الله، أو حلم يكف به السفيه، أو خُلُقٌ يعيش به في الناس".

أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (1/39/25-24-تحقيق
الدكتورة سعاد): حدثنا أحمد بن موسى المعدل البزار: ثنا إبن أبي الزرد الأيلي:
ثنا ياسين بن حماد: ثنا الخليل بن مُرة عن إسماعيل بن إبراهيم عن عطاء عن

(14/10)


@@@ 11
ابن عباس مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، الخليل بن مرة، قال الذهبي في "المغني":
"ضعفه يحيى بن معين". وجزم الخافظ في "التقريب" بضعفه.
وياسين بن حماد، لم أجد له ترجمة، ومن غرائب الدكتورة المحققة، أنها لما
ترجمت له قالت:
"ياسين بن حماد بن عبد الله الكلبي من أهل قنسرين، كان أبوه
مجهولاً، منكر الحديث، ضعيف الحديث. ترجمته في "الجرح والتعديل" (3/
143/628)"!
ووجه الغرابة ظاهر من ترجمتها لحماد بن عبد الرحمن أبي ياسين، وليس له
ذكر في الإسناد، فلا يجوز إعلاله به - كما لا يخفى على أحد-. ثم ما يدريها أنه
ابن حماد هذا، ولم يذكر في ترجمة أبيه، ولا ذكر في الإسناد أنه "قنسريني" أو
(كلبي)!
ومن أوهامها: قولها في ترجمة (أحمد بن موسى المعدل البزار) شيخ
الخرائطي:
"روى عنه أبو حاتم وقال: هو مجهول، والحديث الذي رواه باطل. ترجمته في
"الجرح والتعديل"(1/75/155)" !
وهذا وهم فاحش، فإن الذي في المكان الذي أشارت إليه إنما هو قول ابن أبي
حاتم:
"كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق". وسبب الوهم أنه انتقل بصرها إلى

(14/11)


@@@ 12
ترجمة (أحمد بن معدان العبدي) التي بعد الأولى، ففيها قال ابن أبي حاتم:
"سألت أبي عنه؟ فقال: هو مجهول ..."إلخ.
وثمة وهم آخر، وهو قولها:
"روى عنه أبو حاتم"!
فإن هذا ليس له ذكر في أي من الترجمتين!!

6505 - (إن ثلاثة نفر من بني إسرائيل خرجوا يرتادون لأهليهم،
فأصابهم المطر ، فأووا تحت صخرة ، فانطبقت عليهم ،فنظر بعضهم إلى
بعض فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذا إلا الصدق ،فليدع كل رجل
منكم بأفضل عمل عمله فقال أحدهم : .... - الحديث بطوله ، وفيه:-

ثم قال الثالث : كنت في غنم أرعاها، فحضرت الصلاة ،فقمت
أصلي. فجاء الذئب، فدخل الغنم، فكرهت أن أقطع صلاتي، فصبرت
حتى فرغت من صلاتي ، اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت هذا ابتغاء
مرضاتك واتقاء سخطك فافرج عنا ، قال: فانفرجت الصخرة ، قال
عقبة رضي الله عنه : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكيها حين انفرجت
قالت : طاق ، فخرجوا منها).

منكر بهذا اللفظ في النفر الثالث.
اخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/
871 - 872) من طريق ابن لهيعة: حدثني يزيد بن عمرو المعافري أن أبا سلمة
(الأصل: سلمى) القتباني: أخبره عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ...فذكره.

(14/12)


@@@ 13
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علّتان:
الأولى: أبو سلمة القتباني - واسمه (سلمان) -، غير معروف إلا في هذه
الرواية، ولم يذكرها الكبراني في " المعجم الكبير"، وقد ترجم فيه لكل من روى
من التابعين عن عقبة، وسرد أحاديث كل واحد منهم تحت إسمه (17/269/
351)، وليس فيهم هذا، ولا ذكره الذهبي في "المقتنى من الكنى"، فبدا لي
من ذلك أنه مجهول لا يعرف، ولا سيما أنني لم أجده عند أحد المؤلفين في
التراجم - فيما علمت - وإنما عرفت إسمه من ترجمة (يزيد بن عمرو المعافري) من
"تهذيب الكمال"، فقد ذكره فيها في شيوخه.
وأما الدكتور البخاري، فقال في تعليقه على "الدعاء":
"وأبو سلمى لم أقف على ترجمته" ولم يزد.
والعلمة الأخرى: ابن لهيعة، فأنه ضعيف من قبل حفظه - كما هو معروف-،
ولذلك ضعّفَ الحديث الحافظُ -كما يأتي -.
وله علة ثالثة: وهي نكارة متنه في الجملة الثالثة، ومن أجلها خرّجته هنا.
وإلا، فالقصة صحيحة مشهورة من رواية جماعة من الصحابة - استوعب
طرقها عنهم الطبراني (2/863-876)، وتمام في "الفوائد" (ق 59/2-61/
2) [1]، والبزار (2/361-370/كشف الأستار) وغيرهم-ومنهم:
عبد الله بن عمر، وعنه أخرجه الشيخان: البخاري (3465)، ومسلم (8/
89-91)، وكذا ابن حبان (2/127/894)، والبيهقي (6/117)، وفي

----------
[1] انظر "الروض البسام بترتيب وتخريج فوائد تمام" (4/14-25).

(14/13)


@@@ 14
"شعب الإيمان" (6/184-185)، وأحمد (2/116)، وابن عدي (4/
142).
وفي حديثه وحديث الآخرين أن الثالث قال:
" اللَّهُمَّ !إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي
حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ ،فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا
وَرِعَاءَهَا فَجَاءَنِي، فَقَالَ: إتق الله ولا تظلمني حقي. قلت: إذهب إلى تلك البقر
ورعائها فخذها! فقال: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تستهزيء بي [إنما لي فرق من أرز] ، فقُلْتُ:
إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا [فإنها من ذلك الفرق] فَذَهَبَ بِهِ.
فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِيَ، فَفَرَجَ اللَّهُ مَا
بَقِيَ، [فخرجوا من الغار يمشون]".

والسياق لمسلم، والزيادات بعضها له، والأخرى للبخاري وابن حبان، وقال
الحافظ في آخر شرحه للحديث (6/510-511):

"لم يخرج الشيخان هذا الحديث إلا من رواية ابن عمر، وجاء بإسناد صحيح
عن أنس، أخرجه الطبراني في "الدعاء"، ومن وجه آخر حسن، وبإسناد حسن
عن أبي هريرة، وهو في "صحيح ابن حبان"، وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن
أبي هريرة، وعن النعمان بن بشير من ثلاثة أوجه حسان، أحدها عند أحمد
والبزار، وكلها عند الطبراني، وعن علي وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو بن
العاص وابن أبي أوفى بأسانيد ضعيفة، وقد استوعب طرقه أبو عوانة في
"صحيحه"، والطبراني في "الدعاء" واتفقت الروايات كلها على أن القصص
الثلاثة: في الأجير، والمرأة والأبوين، إلا حديث عقبة بن عامر، ففيه بدل
الأجير أن الثالث قال: كنت في غنم أرعاها، فحضرت الصلاة ...، فلو كان
إسناده قوياً، لحُمِلَ على تعدد القصة".

(14/14)


@@@ 15
قلت: ومثله في النكارة - أو الشذوذ على الأقل - طريق أخرى عن ابن عمر،
يرويها عمر بن حمزة: أخبرنا سالم بن عبد الله عن أبيه قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول:
"من استطاع منكم أن يكون مثل صاحب فَرْقِ الأرز، فليكن مثله، قالوا:
ومن صاحب فَرْقِ الأرز يارسول الله؟ ... " فذكر حديث الغار.
أخرجه أبو داود (3387)، وأحمد أيضاً، ومن طريقه: الطبراني في "المعجم
الكبير" (13188)، وابن عدي (5/19)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"
(2/234) من طريقيه عن أبي داود به.
قلت: وعمر بن حمزة مع كونه من رجال مسلم، فهو ضعيف، كما جزم
الحافظ في "التقريب"، ونحوه الذهبي في "الكاشف"، لكنه ذكر أن مسلماً
روى له متابعة، وكذا في كتابه "المغني"، وأما في "الميزان" فقال:
"واحتج به مسلم". وهذا هو كلام الحافظ المزي في "التهذيب"، فإنه
قال:
"استشهد به البخاري في "الصحيح"، وروى له في "الأدب"، وروى له
الباقون سوى النسائي".
وبياناً للحقيقة أقول:
يبدو لي أن مسلماً احتج به، فقد أخرج له في "النكاح" حديث أبي سعيد
الخدري في تحريم إفشاء سر المرأة، ولم يَسُقْ في الباب غيره، ولكنه ليس أهلاً
للإحتجاج به - كما بينته في مقدمة كتابي "آداب الزفاف" طبعة المعارف، ردّاً على

(14/15)


@@@ 16
بعض الجهلة بهذا العلم - ثم خرجته في "الضعيفة" (5825)، وتوسعت فيه
بالرد عليه، وبيان جهله، كما بينت اضطراب عمر بن حمزة في رواية متن حديث
أبي سعيد هذا، مما يؤكد ضعفه، زأنه لا شاهد له!
وتفرد بهذه الزيادة مما يزيد الباحث قناعة بضعفه وأنه لا يحتج به، فإنه ليس
فقط زاد على تلك الطرق، بل إنه خالف الإمام الزُهري، فقد قال: حدثني سالم
ابن عبد الله به، دون الزيادة.
أخرجه البخاري (2272)، ومسلم ، وتمام، والطراني (197، 198) من
طرق عنه.
وفي ترجمته أورد ابن عدي هذا الحديث، وحكى تضعيفه عن جمع، وختمها
بقوله:
"وهو ممن يكتب حديثه".
(تنبيه): لم ينتبه أخونا الفاضل حمدي عبد المجيد السلفي للفرق بين رواية
عمر بن حمزة هذه وغيرها من الروايات الصحيحة، فعزاه لأحمد والشيخين وأبي
داود!

6506 - (إذا كان يوم القيامة، قال الله: أين الذين كانوا ينزهون
أسماعهم وأبصارهم عن مزامير الشيطان؟ ميزوهم، فيميزون في كثب
المسك والعنبر، ثم يقول للملائكة: اسمعوهم تسبيحي وتمجيدي،
قال: فيسمعُون بأصوات لم يسمع السامعون بمثلها قط).

موضوع.
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (1/138-139) من

(14/16)


@@@ 17
طريق عبد الله بن إبراهيم الغفاري: حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن المكندر عن
محمد بن المكندر عن جابر مرفوعاً.
قلت: وهذا موضوع، آفته عبد الله بن إبراهيم الغفاري، اتهمه ابن حبان
والحاكم بالوضع، وتقدمت له أحاديث موضوعة، فانظر مثلاً المجلد الأول
الحديث (92 و 99).
وشيخه عبد الله بن أبي بكر بن المكندر لم أجد له ترجمة، وقد ذكره المزي في
شيوخ الغفاري الذين روى عنهم. وقد خالقه الامام مالك، فقال: عن محمد بن
المكندر قال: ... فذكره مقطوعاً موقوفاً على محمد بن المكندر لم يجاوزه.
هكذا أخرجه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" ( ق 9/2 ) ، ومن طريقه
الأصبهاني في "الترغيب" (1/163/312): حدثني داود بن عمرو الضبّيٌّ:
ثنا عبد الله بن المبارك عم مالك بن أنس عن محمد بن المكندر به.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، فثبت أن الحديث موقوف
مقطوع، وأن رَفعُهُ إلى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم هو من عمل الغفاري أو شيخه، إن لم
يكن الغفاري افتراه عليه. والله أعلم.
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير"، وفي "الدرر المنثور" (5/153)
معزواً للديلمي - ساكتاً عليه، كما عادته في الغالب-. وذكره ابن تيمية في
كتابه القيّم "الاستقامة" (1/233) قائلاً:
"وقد ورد في الأثر ..." فذكره بنحوه، ولم يصرح برفعه، فكأنه يشير إلى
المقطوع، فكان هذا كله من دواعي تخريجه، وبيان وضعه مرفوعاً. والله ولي
التوفيق.

(14/17)


@@@ 18
6507 - (هلْ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَ الْمَوْتِ؟"قَالُوا: لا، قَالَ:فَهَلْ كَانَ يَدَعُ
كَثِيرًا مِمَّا يَشْتَهِي؟"قَالُوا: لا، قَالَ:"مَا بَلَغَ صَاحِبُكُمْ كَثِيرًا مِمَّا تَذْهَبُونَ
إِلَيْهِ)

ضعيف.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/228/5941) من
طريق إبراهيم بن المستمر العُرُوقي: ثنا حاتم بن عبد بن دينار الحرشي: ثنا يحيى
ابن قيس الكندي: ثنا أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال:
مات رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يُثنون عليه، ويذكرون من عبادته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت، فلما سكتوا، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ...فذكره.

قلت وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، غير حاتم بن عباد هذا، فلم أجد له
ترجمة، وقد ذكره المزي في شيوخ إبراهيم بن المستمر العروقي. وأما المنذري، فقال
(4/130) - وتبعه الهيثمي (10/309)-.
"رواه الطبراني بإسناد حسن"!
وما أظنهما وقفا على ترجمةٍ لحاتم هذا، فضلاً عن توثيق من أحد من الآئمة،
وقد قال فيه الهيثمي- في حديث آخر له-:
"لم أر من ذكر له ترجمة". وقال في مكان آخر:
"لم أعرفه". انظر الحديث المتقدم (6045) .
ورواه البزار في "مسنده" (4/240/3622) من طريق يوسف بن عطية
عن ثابت عن أنس به مختصراً جداً. وقال البزار:

(14/18)


@@@ 19
"لانعلم رواه عن ثابت عن أنس إلا يوسف".
قلت: وهو متروك، كما قال الهيثمي، وتبعه العسقلاني في "التقريب"، وهو
بمعنى قوله في "مختصر الزوائد" (2/467/2228):
"وهو ضعيف جداً".
قلت: فلا يستشهد به، ولا سيما ولفظه مختصر.

6508 - (قدم المدينة، فلما قدم المدينة، جاءت الأنصار برجالها
ونسائها، فقالوا: إلينا يا رسول الله! فقال:
دعوا الناقة ؛ فإنها مأمورة ، فبركت على باب أبي أيوب، قال :
فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدفوف وهن يقلن :

نحن جوار من بني النجار....... يا حبذا محمد من جار

فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
أتحبوني ؟ فقالوا : إي والله يا رسول الله قال :
وأنا والله أحبكم ، وأنا والله أحبكم ، وأنا والله أحبكم )

منكر بهذا التمام.
أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (2/508) من
طريق أبي عبد الله الحاكم بسنده عن محمد بن سليمان بن إسماعيل بن أبي
الورد قال: حدثنا إبراهيم بن صِرمة قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن إسحاق بن
عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: ...فذكره.

(14/19)


@@@ 20
قلت: وهذا إسناد واهٍ، آفته إبراهيم بن صِرمة - وهو: الأنصاري -، قال ابن
عدي في "الكامل" (1/252-253):
"حدث عن يحيى بن سعيد الأنصاري بنسخ لا يحدّث بها غيره، ولا يتابعه
على حديث منها" . ثم قال:
"وعامة أحاديثه، إما أن تكون مناكير المتن، أو تنقلب عليه الأسانيد، وبيّنّ
على أحاديثه ضَعفُه". وفي "اللسان":
"وقال ابن معين: كذاب خبيث" (1)
والرواي عنه محمد بن سليمان بن إسماعيل بن أبي الورد، لم أجد له
ترجمة. وفي "الجرح والتعديل" (3/269) ما نصه:
"محمد بن سليمان الأنصاري، روى عن ...(كذا الأصل، يشير إلى أنه
لا يُقرأ) سمعت أبي يقول: وهو مجهول". فيحتمل أن يكون هو هذا. والله أعلم.

ولقصة الجواري، والضرب بالدف شاهد من حديث أنس، ولكن ليس فيه أن
ذلك كان عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة، بل في رواية أن ذلك كان في عرس، وهو
الراجح - كما تقدم بيانه في تخريج حديث أنس برقم (3154)، من المجلد السابع
من "الصحيحة" - . والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما ماذكره الغزالي في "الإحياء" (2/277) من إنشاد النساء على
السطوح بالدف والألحان، عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم :

----------
(1) زاد الخطيب (6/104): "يكذب على الله ورسوله". وقال الخطيب: "في حديثه
غرائب لا يتابع عليها"

(14/20)


@@@ 21
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ..... وجب الشكر علينا مادعا لله داع
فهو مما لا أصل له، وإنما رواه البيهقي وغيره من طريق إبن عائشة، قال ...
فذكره مختصراً، دون ذكر السطوح والدف والألحان، ثم هو تضعيف معضل - كما
تقدم بيانه في المجلد الثاني برقم (598) - ، وأزيد هنا فأقولك: قال الحافظ في
"الفتح" (4/262):
"وهو سند معضل، ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك".
وإن مما يؤكد نكارة ذكر الدفوف في قصة إستقباله صلى الله عليه وسلم قول البراء بن عازب
رضي الله عنه :
ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول
الله صلى الله عليه وسلم ، حتى جعل الإماء يقُلن: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رواه البخاري (3925) وغيره، وهو مخرج في "تخريج فقه السيرة" (ص 169-
دار القلم).
ومثله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
إِنِّي لَأَسْعَى فِي الْغِلْمَانِ يَقُولُون: جَاءَ مُحَمَّدٌ فَأَسْعَى فَلَا أَرَى شَيْئًا ثُمَّ
يَقُولُونَ جَاءَ مُحَمَّدٌ فَأَسْعَى فَلَا أَرَى شَيْئًا قَالَ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ فَكُنَّا فِي بَعْضِ حِرَارِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ بَعَثَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
لِيُؤْذِنَ بِهِمَا الْأَنْصَارَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءَ خَمْسِ مئة مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا
فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ بَيْنَ
أَظْهُرِهِمْ فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى إِنَّ الْعَوَاتِقَ لَفَوْقَ الْبُيُوتِ يَتَرَاءَيْنَهُ يَقُلْنَ أَيُّهُمْ
هُوَ أَيُّهُمْ

(14/21)


@@@ 22
هُوَ قَالَ فَمَا رَأَيْنَا مَنْظَرًا مُشْبِهًا بِهِ يَوْمَئِذٍ.
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ دَخَلَ عَلَيْنَا وَيَوْمَ قُبِضَ فَلَمْ أَرَ يَوْمَيْنِ
شبيهاً بِهِمَا.

أخرجه البخاري في "التاريخ الصغير" (ص 6-هندية)، والبيهقي في
"الدلائل" (2/507)، وأحمد (3/222) من طريق سليمان بن المغيرة عن
ثابت عن أنس. وأخرجه أحمد (3/122) من طريق آخر عن ثابت مختصراً.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وسكت عنه الحافظ في
"الفتح" (7/251) رضىً به - كما في قاعدته -.
وتابعه عبد العزيز بن صهيب عن أنس به نحوه مطولاً.
أخرجه البخاري (3911)، وأحمد (3/211).
والمقصود، أن هذه الأحاديث الصحيحة تؤكد نكارة ذكر الدفوف والغناء
في حديث الترجمة ونحوه.
ويمكن أن يقال مثل ذلك في قصة الناقة، وبخاصة في بروكها على باب أبي
أيوب، فإن المعروف في كتب السيرة، أنها بركت حين أتت دار بني مالك بن
النجار على باب مسجده صلى الله عليه وسلم ، وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار،
هكذا ساقه ابن هشام في "السيرة" (2/112-113) عن ابن اسحاق معضلاً
بدون إسناد مطولاً، وفيها تكرار جملة:
"خلوا سبيلها، فإنها مأمورة" كلما مر صلى الله عليه وسلم بدارٍ من دور الأنصار، وقالوا له:
أقم عندنا في العدد والعُدّة والمنعة. ومن رواية ابن إسحاق هذه ساقها بطولها ابن

(14/22)


@@@ 23
كثير في "البداية" (3/198 - 199) ولم يسندها.
(تنبيه): عزا الحافظ في "الفتح" حديث الترجمة في موضعين منه (7/
245، 261) إلى الحاكم، وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن كثير، ولكنه قرنه بتحفظ
غريب غير معتاد، فقال بعدما ساقه من رواية البيهقي بإسناده (3/200):
"هذا حديث غريب من هذا الوجه، لو يروه أحد من أصحاب "السنن" وقد
أخرجه الحاكم - كما يروى -"!
فقوله: "كما يروى" لعله يعني رواية البيهقي عنه، وحينئذ فلا فائدة تذكر م
نه. وعلى كل حال، فهذا القول- أو القيد - منه خير من إطلاق الحافظ عزوه
للحاكم، لأنه يوهم أنه في "مستدركه" وليس فيه، ثم إنه سكت عنه، فأوهم
حسنه على الأقل عنده، وليس كذلك -كما تقدم- . ولقد كان هذا من الدواعي
على إخراجه، والكشف عن علته، واقترن مع ذلك الاستطراد لذكر أحاديث
صحيحة تدل على نكارته. والله ولي التوفيق.

6509 - (هذا ثوبٌ لا يؤدَّى شكرُه. يعني الطّيلسان).
منكر.
أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (1/461) من طريق عبد السلام
ابن حرب: حدثني موسى الحارثي - في زمن بني أمية - قال:
وُصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم الطيلسان، فقال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف معضل، رجاله ثقات، وموسى الحارثي: الظاهر أنه
(موسى بن مسلم أبو عيسى الطحان) المعروف ب (موسى الصغير)، فقد ذكروا
في الرواة عنه عبد السلام بن حرب هذا، وقد وقع في "تهديب التهديب"

(14/23)


@@@ 24
(الحزامي)، وهنا (الحارثي) فأحدهما محرف. والله أعلم.
والحديث أعله الحافظ في موضعين من "الفتح" (7/235 و 10/274-
275) بالإرسال. والصواب إعلاله بالإعضال- كما تقدم معنا -، لأن موسى هذا
لم يذكروا له رواية عن الصحابة، ولذلك ذكره الخافظ نفسه في الطبقة السابعة من
"التقريب". وهي طبقة أتباع التابعين.
(فائدة): الطيلسان: ضرب من الأوشحة يلبس على الكتف، أو يحيط
بالبدن، خال عن التفصيل والخياطة. أو هو مايعرف في العامية المصرية ب (الشال).
فارسي معرب: (تالسان) أو (تالشان). "المعجم الوسيط".
إذا عرفت هذا، فقد أشار ابن القيم في أول "زاد المعاد" إلى تضعيف الحديث
بقوله:
"وأما الطيلسان، فلم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه لبسه، ولا أحد من أصحابه، بل قد
ثبت في "صحيح مسلم"" من حديث النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر
الدجال، فقال:
"يخرج معه سبعون ألفاً من يهود أصبهان، عليهم الطيالسة".
ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة، فقال: ما أشبههم بيهود خيبر. ومن هنا
كره لبسها جماعة من السلف".
ثم إحتج على الكراهة بحديث "من تشبَّه بقوم، فهو منهم". وهو حديث
حسن صحيح مخرج في "جلباب المرأة المسلمة" (203-204) عن ابن عمر
وغيره.

(14/24)


@@@ 25
وأثر أنس أخرجه البخاري في "صحيحه" برقم (4208).
لكن قوله "ولا أحد من أصحابه". ففيه نظر، وإن مر عليه المعلقان على
"الزاد" (1/142-طبع المؤسسة) فلم يعلقا عليه بشيء! كما أنهما لم يخرجا
أكثر من مادة الكتاب حديثاً وآثاراً، ومن ذلك أثر أنس هذا! وقد كنت ذكرت في
"التعليقات الجياد على زاد المعاد" أن القسطلاني في "المواهب اللدنية" تعقبه
بأن ابن سعد روى من طريقين : أن الحسن بن علي رضي الله عنهما كان يلبس
الطيالسة.
ثم رأيت مثله عن جماعة من السلف في "مصنف ابن أبي شيبة" (كتاب
اللباس) منهم إبراهيم-وهو: ابن يزيد النخعي- رقم (4739)، والأسود بن
هلال (4741)، وعبد الله بن يزيد (4742)، وسعيد بن المسيب (4743)،
وعبد الله بن مغفل رضي الله عنه (4746).
قلت: فالقول بالكراهة مع لبس هؤلاء الأفاضل للطيلسان - لا سيما وفيهم
الصحابي الجليل عبد الله بن مغفل - بعيد جداً، أضف إلى ذلك أن بعضهم كان
يغالي بشراءه، فروى ابن أبي شيبة (4963) عن مغيرة قال:
كان إبراهيم لا يرى بأساً أن يلبس الثوب بخمسين درهماً، يعني: الطيلسان.
و (4964) عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن مسروق قال:
كان لا يغالي بثوب إلا بطيلسان.
فبهذه الآثار التي خفيت على ابن القيم - يرد القول بالكراهة، وليس بحديث
الترجمة - كما فعل الحافظ (10/274) -، لضعفه وإعضاله.

(14/25)


@@@ 26
وأما أثر أنس فيحمل على ما إذا كان شعاراً لهم، لحديث ابن عمر المتقدم،
قال الحافظ فب "الفتح" (10/275):
"وإنما يصلح الاستشهاد بقصة اليهود في الوقت الذي تكون الطيالسة من
شعائرهم، وقد ارتفع ذلك في هذه الأزمنة، فصار داخلاً في عموم المباح، وقد
ذكره ابن عبد السلام في أمثلة البدعة المباحة".
قلت: وقوله: "البدعة المباحة" لعله يعني البدعة اللُغوية، لأن البدعة
الشرعية لا توصف بمباحة أو حسنة، بل كلها ضلالة بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
مبين في محله. على أن وصفها بالبدعة اللغوية فيه نظر أيضاً - لما سبق من
الآثار السلفية -، فالظاهر أن ابن عبد السلام لم يقف عليها، كما أن الحافظ لم
يذكر شيئاً منها، وهذا من غرائبه!
(تنبيه): تقدم في كلام ابن القيم عزو حديث (يهود أصبهان) لـ "صحيح
مسلم" من حديث النواس بن سمعان، وهذا سبق قلم منه أو ذهن، فإنه
عنده (8/207) من حديث أنس بن مالك، وكذلك رواه ابن حبان وغيره، وهو
مخرج في "الصحيحة" (3080)، وخرجت له فيه بعده شاهداً من حديث جابر
ابن عبد الله، وأما حديث النواس بن سمعان فهو حديث طويل عند مسلم (8/
197-198)، ولكن ليس فيه ماذكره ابن القيم، ومن العحيب أن الحافظ تبعه
على ذلك في "الفتح" (10/274)! ثم القسطلاني في "المواهب" وشارحه
الزرقاني (5/27)!! وحديث النواس رواه أحمد وغيره، كما في "مسلم"، وهو
مخرج في "الصحيحة" أيضاً برقم (481).

(14/26)


@@@ 27
6510 - (ما وصف لي إعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة).
منكر.
أخرجه أبو الفرج الأصبهاني في "الأغاني" (7/144-تصحيح
الشنقيطي) عن عمر بن شبة: حدثنا ابن عائشة قال:
أُنشد النبي صلى الله عليه وسلم قول عنترة:
ولقد أبيت على الطوى فأظله .... حتى أنال به كريم المأكل
فقال صلى الله عليه وسلم ....فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف معضل، فإن به ابن عائشة هذا من شيوخ أحمد وأبي
داود وهذه الطبقة، فبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز، واسمه: عبيد الله بن محمد بن
حفص..القرشي التيمي، يعرف بـ (العيشي) وبـ (العائشي) وبـ (ابن عائشة،
لأنه ولد عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، وهو راوي قصة "طلع البدر علينا ..."،
ومضت (2/63).
وأبو الفرج الأصبهاني - اسمه: علي بن الحسين - فيه كلام كثير، مترجم
في "السير" (16/201-203) و "الميزان" و "اللسان"، ولخص القول فيه
الذهبي في "المغني" فقال:
"شيعي يأتي بعجائب ، يحتمل لسعة اطلاعه، فالله أعلم. قال ابن أبي
الفوارس: خلط قبل موته".
ولقد كان الباعث على تخريج هذا الحديث أن حفيدة من حَفَدَتي سألتني
عنه؟ فأنكرته. ثم سألتها: أين قرأتيه؟ فقدمت إلي كتاب "المطالعة والنصوص
للصف الأول الثانوي الأدبي والعلمي والتجاري"، فإذا هو فيه (ص 55)-

(14/27)


@@@ 28
جازمين فيه بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ! فبادرت إلى تخريجه أداءً للأمانة العلمية،
وتحذيراً من أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.

6511 - (إن هذا القرآن نزل بحُزن، فإذا قرأتموه، فبكوا، فإن لم
تبكوا، فتباكوا).

ضعيف.
أحرجه ابن ماجة (1337) ، وأبو يعلى (2/50/689)، ومن
طريقه المزي في "التهذيب" (17/128-129)، وأبو العباس الأصم في "حديثه"
(2/148)، والبيهقي في "السنن" (7/231)، وفي "الشعب" (2/
361/2051) من طريق الوليد بن مسلم عن إسماعيل بن رافع: حدثني ابن
أبي مليكة عن عبد الرحمن بن السائب قال:
قدم سعد بن مالك، فأتيته مسلماً، فنسبني، فانتسبت، فقال: مرحباً بابن
أخي، بلغني أنك حسن الصوت بالقرآن، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ..
.فذكره. وزاد:
"وتغنوا به، فمن لم يتغن به، فليس منّا".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الرحمن بن السائب - وهو: ابن أبي نهيك
المخزومي-، مجهول الحال، وفي "التقريب":
"مقبول" ، وقد اختلف في اسمه -كما هو مبين في "التهذيب"-، ولعل
ذلك لجهالته، ولكنه قد توبع على الزيادة- كما يأتي-.
وإسماعيل بن رافع ضعيف واهٍ، كما قال الذهبي في "الكاشف".

(14/28)


@@@ 29
وقال البوصيري في "زوائد ابن ماجة" (1/157):
"ضعيف متروك" .
وقد توبع من مثله، فقال البزار في "البحر الزخار" (4/69/1235):
وحدثنا إسماعيل بن حفص قال: نا الوليد بن مسلم قال: نا عبد الرحمن بن
أبي بكر عن ابن أبي مليكة مختصراً بلفظ:
"اقرأوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا، فتباكوا".
قلت: وعبد الرحمن بن أبي بكر - هو: المليكي-، ضعيف اتفاقاًُ. وبعضهم
تركه، وقال البزار عقب الحديث:
"ليّن الحديث".
وقد خالفهما الليث بن سعد وغيره، فرواه عن عبد الله بن أبي مليكة عن
عبيد الله بن أبي نهيك عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً مختصراً جداً بلفظ:
" ليس منا من لم يتغن بالقرآن" .
أخرجه أبو داود وغيره، دون القصة والبكاء.
وعبيد الله، هو: عبد الرحمن المذكور في رواية إسماعيل، وهو من الاختلاف
الذي أشرت إليه آنفاً، وهذا قد وثقه النسائي وغيره، مع أنهم لم يذكروا له راوياً
غير ابن أبي مليكة، لكن قد تابعه سعيد بن أبي سعيد المقبري عند أبي داود- كما
كنت ذكرت في " مشكل الآثار" للطحاوي" (2/127-128) أنه ليس متابعاً، وإنما هو شك
من بعض الرواة، ففي رواية من طريق الليث بن سعد عن ابن أبي مليكة عن ابن

(14/29)


@@@ 30
أبي نهيك عن سعيد بن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي ثانية قال: عن سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي ثالثة : عن سعد أو سعيد.
وفي رابعة: عن سعد.
وهذا هو الصواب، لأن أكثر الرواة عن الليث عليه، وقد توبع عليه- كما ذكرت
هناك-.
وإذ قد تبين هذا، فقد رجع الحديث إلى أنه عن ابن أبي نهيك، وقد علمت
مافيه من تفرد ابن أبي مليكة عنه. لكن قد ذكرت هناك ما يدل على أن ابن
أبي مليكة سمعه من أكثر من واحد،وهذا مما يعطي الحديث قوة/ لأنهم جمع من
مساتير التابعين. ولعل أبا داود أشار إلى ذلك بأن ساق الحديث من طريق عبد الجبار
ابن الورد قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال عبيد الله بن أبي يزيد:
مر بنا أبو لبابة، فاتبعناه... فسمعته يقول ... فذكر الحديث بلفظ:
" ليس منا من لم يتغن بالقرآن".
ورواه البيهقي (2/54) من طريق أبي داود، ومن طريق غيره (10/230 )
عن عبد الجبار به. وكذلك رواه الطبراني في "الكبير" (5/24-25)، لكن
وقع فيه (عبيد الله بن أبي نهيك)، وهو خطأ لمخالفته لما قبله، ولأنهم لم يذكروا
لابن أبي نهيك رواية عن أبي لبابة - وهو : المنذر-، وإنما ذكروها لابن أبي يزيد
- وهو المكي الثقة- عن أبي لبابة- وهو: المنذر- رضي الله عنه.
وعبد الجبار هذا ، ثقة، قال البخاري:

(14/30)


@@@ 31
"يخالف في بعض حديثه"، كما في " مغني الذهبي"، ولذلك اقتصرت
على تحسين إسناده في "صحيح أبي داود" (1322)، فيخشى أن يكون قوله:
عن أبي لبابة. وهماً منه. والله أعلم.
وجملة القول، أن حديث الترجمة ضعيف، لتفرد إسماعيل بن رافع مع
مخالفته للثقات الذين رووه عن شيخه ابن أبي مليكة بغير لفظه.
ومتابعة المليكي لا تفيده ولا تقويه، لأن روايته ليس فيها الشطر الأول من
الحديث، ولأنه في نفسه ضعيف اتفاقاً- كما تقدم-.
وأما الزيادة فصحيحة لرواية الثقات عن ابن أبي مليكة، واختلافهم في
صحابيه- هل هو سعد، أو أبو لبابة- لا يضر، لأن الصحابة كلهم عدول، ولعله
لذلك قال الحافظ في "الفتح" (9/72):
"أخرجه أبو داود بإسناد صحيح".
وقد بقي شيء، وهو قوله فيها: " وتغنوا به"، فهذا له شاهد في "سنن
الدارمي" (2/439) وغيره بسند صحيح عن عقبة بن عامر رفعه. وهو مخرج
في "الصحيحة" (3285)، ، و "التعليق الرغيب" (2/314).
هذا، وقد أورد الإمام الشاطبي الشطر الثاني من الحديث دون أن يرفعه، ساقه
كأنه من الحكم، وذلك من دقته وتحريه، فعلق عليه السيد رشيد رضا رحمه الله
تعالى بقوله (1/361):
"لعل أردا حديث "اتلوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا، فتباكوا". فاقتبسه ب
المعنى، وهو في "سنن ابن ماجة" من حديث سعد بن أبي وقاص بسند جيد"!

(14/31)


@@@ 32
وكذا قال، ولا جه لهذا التجويد مطلقاً، وأظن أن ذلك من حفظه، دون أن
يرجع إلى إسناده، وإلا، فضعفه ظاهر لا يخفى عليه إن شاء الله، مما يؤكد ظني:
أن اللفظ الذي عزاه لابن ماجة ليس هو عنده إلا بلفظ الترجمة، فهو إذن رواه
بالمعنى، وما ادعاه من (الاقتباس) ينافي ماذكرته من التحري ، والابتعاد عن
رواية مالم يصح، فهذا هو اللائق بالامام الشاطبي.
ثم رأيت الحديث قد أورده الزمخشري في تفسيره: "الكشاف" باللفظ الذي
ذكره السيد، وخرجه الحافظ (106/346) من رواية إسحاق والبزار عن
المليكي، ومن رواية أبي يعلى والحارث والبيهقي في " الشعب" - بغير لفظ
الزمخشري وبنحو مما تقدم- وضعفه بالمليكي وإسماعيل.

6512 - ( أنّ أحسن الناس قراءةً: من إذا قرأ، يتحزَّن).
ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (11/7/110852)، وعنه
أبو نعيم في "الحلية" (4/19): حدثنا عثمان بن يحيى بن صالح: ثنا أبي:
ثنا ابن لهيعة عن عمرو بن دينار بن طاوس عن ابن عباس مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن لهيعة ضعيف من قبل حفظه، إلا ماكان من
رواية البعادلة ونحوهم، وهذا ليس عن أحدهم، وبه أعله الهيثمي، لكنه قال (7/
170):
"رواه الطبراني، وفيه ابن لهيعة، وهو حسن الحديث وفيه ضعف".
وعثمان بن يحيى بن صالح، لم أجد له ترجمة، ولا هو في شيوخ الطبراني
الذين أخرج لهم في"المعجم الصغير" و " المعجم الأوسط"، كما يستفاد من

(14/32)


@@@ 33
فهرس كل منهما- من وضعي - ولا ذكره ابن عساكر في الرواة عن أبيه في ترجمة
هذا (18/136)، وتبعه الحافظان المزي والعسقلاني في كتابيهما " التهذيب"،
فالظاهر أنه من الشيوخ المجهولين. والله سبحانه وتعالى أعلم.

والحديث أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان" (2/58) من طريق أخرى
عن ابن إشكيب: ثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري: ثنا أبي: ثنا ابن لهيعة
به، إلا أنه قال: عن يزيد بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة به.

قلت: فانكشف لنا بهذه أن في رواية الطبراني وهماً، كان سبباً لجهلنا
بحال شيخه (عثمان بن يحيى بن صالح)، فإنه من المقلوب، وأن صوابه ( يحيى
ابن عثمان بن صالح)، وهذا معروف في شيوخ الطبراني، خرج له في "المعجم
الصغير" ثلاثة أحاديث، وهذه أرقامها من كتابي "الروض النضير" (1058،
1087، 1208) ولم يذكر له في "الأوسط" شيئاً، بل لم يترجم في حرف
الياء منه لأحد إلا لمن اسمه (يعقوب)! فلا أدري أهكذا هو بتأليفه أم في
النسخة خرم؟ وهذا الثاني أقرب، فإنه من المستبعد جداً أن لا يروي لأحد منهم،
وفي "المعجم الصغير" نحو ثلاثين شيخاً منهم غير من يسمى (يعقوب) فضلاً
عمن روى لهم في "المعجم الكبير"، فهذا مثلاً (يحيى بن عثمان بن صالح) قد
روى له عشرات الأحاديث في المجلد الحادي عشر منه فقط، وهذه أرقامها التي
تيسرت لي: ( 10914، 10947 ، 10969 ، 11181، 11189، 11193،
11251، 11405، 11428، 11429، 11430، 11431، 11489، 11499،
11507، 11514) ، وبعضها من روايته عن أبيه، وتقدم له غير بعيد حديثان
برقم (6052، 6226)، ثم هو مترجم في "التهذيب" و " الميزان"، وفيه بعض
الكلام تقدم هناك، فلا أدري أهذا الاختلاف الذي وقع في الإسناد بين رواية

(14/33)


@@@ 34
الطبراني وأبي نعيم من فوق ابن لهيعة، هو منه أو من ابن لهيعة؟ فإنه رواه عن
شيخ آخر بإسناده عن عائشة، فجعله من مسند عائشة، وهو عند الطبراني بإسناده
المذكور عن ابن عباس، أم هو خطأ من الطبراني أو ناسخه، كما أخطأ في اسم
شيخه كما تقدم؟ ذلك مما يحتاج إلى مزيد من التحقيق، وليس لدي الآن إلا ما
ذكرت. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وهناك خلاف آخر بين الكتابين في متن الحديث، فإنه هنا بلفظ:
"إذا قرأ يتحزن". وعند أبي نعيم بلفظ:
"إذا قرأ، رُئيت أنه يخشى الله" .
وهذا أرجح عندي لمجيئه من طريق أخرى عن طاوس وغيره عن ابن عباس،
ولذلك كنت خرجته في "الصحيحة" (1583)، واعتمدته في "صفة الصلاة".

6513 - (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وحاد يحدو:
طاف الخيالان فهاجا سقما ... خيال تكنى وخيال تكتما
قامت تريك خشية أن تصرما ... ساقا بخنداة وكعبا أدرما
والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينكر ذلك) .

منكر.
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (3/180)، وابن عساكر في
"التاريخ" (6/286) من طريق عمر بن شبّة أبي زيد: حدثني أبو حرب
البناني - رجل من حمير من آل حجاج بن باب (وفي التاريخ:ثابت) - : ثنا
يونس بن حبيب عن رؤبة بن العجاج عن أبيه عن أبي الشعثاء عن أبي هريرة

(14/34)


@@@ 35
قال: ... فذكره. وقال أبو زيد:
" وهذا خطأ، إن الشعر للعجاج، والعجاج إنما قال الشعر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم
بدهر طويل، إلا أن أبا عبيدة قال: قد قال العجاج من رجزه في الجاهلية".

قلت: وهذا إسناد مظلم مسلسل بالمجهولين:
الأول: العجاج والد رؤية، لا يعرف إلا برواية ابنه هذا، ومع ذلك ذكره ابن
حبان في "الثقات" (5/287)، مع أن ابنه لا يعرف- كما يأتي-.
الثاني: رؤبة بن عجاج، فهو وإن كان معروفا أكثر من أبيه، فقد روى عنه
جماعة من الثقات، لكن يبدو من ترجمته المطولة في "كامل بن عدي" (3/
179-182)، و "تاريخ ابن عساكر" (6/284-292) أن شهرته إنما هي في
روايته للشعر، ونظمه إياه، وليس في الحديث، بدليل أنهم لم يذكروا له إلا هذا
الحديث، بل صرح ابن عدي بأنه ليس له غيره، وأشار إلى ذلك العقيلي، فإنه
قال عقب هذا الحديث من طريق أخرى عنه - كما يأتي-:
"كان شاعراً، ليس له رواية يختبر بها". ولذلك قال الحافظ في "التقريب":
"ليّن الحديث". وأما ابن حبان فذكره أيضاً في "الثقات" (6/310)!
الثالث: أبو حرب البناني، لم أجد له ترجمة.
وقد خالفه في إسناده ومتنه معمر بن المثنى أبو المثنى فقال: عن رؤبة بن
العجاج عن أبيه قال:
أنشدت أبا هريرة هذه القصيدة التي فيها:

(14/35)


@@@ 36
"وكعباً أدرما". فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه نحو هذا من الشعر، أولها:
طاف الخيالان فهاجا سقماً.
أخرجه العقيلي (2/65)، والبزار (3/7/2111)، وابن عدي (3/
179)، وابن عساكر (6/285)، وقال العقيلي:
"لا يتابع عليه" . يعني: رؤبة بن العجاج.
ومعمر بن المثنى، صدوق أخباري، ووثقه الذهبي، فرواية هذا أرجح من رواية
أبي حرب المجهول - كما لا يخفى-، ولذلك خطّأ روايته عمر بن شبّة - وهو صدوق
مصنف -. وخَطَّؤُه في الإسناد: أنه أدخل (أبا الشعثاء) بين العجاج وأبي هريرة.

وأما خطؤه في المتن، فهو أنه زعم أن الحادي أنشد البيتين بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ،
وأنه لم ينكر ذلك. ورواية معمر أن الإنشاد كان بحضرة أبي هريرة بعد موت النبي
صلى الله عليه وسلم ، وهذا أقرب، ومع ذلك فهو منكر عندي، لتفرد رؤبة عن أبيه به.
ولقد كان الباعث على تخريج هذا الحديث: أنني رأيت ابن الجوزي قد ساقه
مساق المسلمات، في رده على محمد بن طاهر المقدسي، في كتابه "تلبيس
إبليس" فقال (ص 355):
"وقال ابن طاهر: (باب الدليل على استماع الغزل)، قال العجاج: سألت
أبا هريرة رضي الله عنه: طاف الخيالان فهاجا سقماً؟ فقال أبو هريرة رضي الله
عنه: كان يُنشَد مقل هذا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قلت: فرد عليه ابن الجوزي بقوله:
"فانظر إلى ابن طاهر ما أعجبه! كيف يحترج على جواز الغناء بإنشاد الشعر!

(14/36)


@@@ 37
وما مثله إلا كمثل من قال: يجوز أن يضرب بالكف على ظهر العود، فجاز أن
يضرب بأوتاره! أو قال: يجوز أن يعصر العنب ويشرب منه في يومه، فجاز أن
يشرب منه بعد أيام! وقد نسي أن إنشاد الشعر لا يطرب كما يطرب الغناء!".
وهذا رد صحيح، ولكن سكوته عن تضعيفه للحديث يوهم عامة القراء أنه
صحيح، ولا سيما وقد ذكره عقب حديث استنشاده صلى الله عليه وسلم الشريد من شعر (أمية)
وهو في "صحيح مسلم"، ولذلك فقد أحسن الأخ علي الحلبي بحذفه إياه من
كتابه "المنتقى النفيس من [كتاب] تلبيس إبليس".
(فائدة): في رواية لابن عساكر قال عثمان بن الهيثم:
سألت رؤبة: ما (بخنداة)؟ قال: الصوت الذي لعص (كذا) عليها
الخلخال.
ثلت: هكذا وقعت في (لعص) مهملة فلم أفهمها، ولا وجدت ما يدل على
معنى الجملة ذاتها. فقد قال ابن الأثير:
"(البخنْداة): التامة القصب الريا".
وقي "القاموس" و "شرحه":
"و (القصب) محركة - أيضاً - عظام الأصابع من اليدين والرجلين، وامرأة
تامة القصب، وهو مجاز".
(تنبيه): الحديث عند البزار هكذا: حدثنا رفيع بن سلمة: ثنا معمر بن
المثنى ... إلخ. وهو في "مجمع الزوائد" (8/128) هكذا:
"رواه الطبراني عن شيخه رفيع بن سلمة، ولم أعرفه. وبقية رجاله ثقات".

(14/37)


@@@ 38
قلت: فذكره (الطبراني) مكان (البزار) أظنه سبق قلم منه أو من الناسخ،
فإنه من المستبعد جداً أن يشارك الطبراني البزار في روايته عن شيخ البزار، لتأخر
طبقة الطبراني عنه. وليس في رواة الطبراني في "المعجم الصغير" فضلاً عن
شيوخه من اسمه (رفيع بن سلمة) - كما يستفاد من فهرسي لـ "الروض النضير
في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير" -. وقد غقل عن هذه الحقيقة الشيخ
حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه على "كشف الأستار" (3/7) فعقب
على قول الهيثمي المتقدم بقوله:
"قلت: رواه البزار أيضاً عن رفيه بن سلمة، فليس بمجهول"!!
فتفى عنه الجهالة بناء على غفلته المذكورة. وقد تنبه لذاك الخطأ المعلق على
"مختصر الزوائد" الفاضل صبري أبو ذر (2/234)، ولكنه لم ينتبه على خطأ
الشيخ الأعظمي المذكور، ولا على قول الحافظ عقب الحديث:
"قلت: هو عندي بإسناد حسن، إلا أنه اختلف في على (رؤبة)، وعلى
(العجاج)".
قلت: فإن التحسين ينافي ما تقدم تحقيقه من جهالة رؤبة وأبيه! فتنبه.

6514 - ( كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرَّ بقدر لبعض أهله فيها لحم
يُطبخ، فناوله بعضهم منها كتفاً فأكلها وهو قائم، ثم صلّى ولم يتوضأ).
منكر بذكر: (وهو قائم).
أخرجه ابن حبان (5221 - الإحسان) من طريق
زيد بن أبي أنيسة، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/310/985) من طريق
عبد الله بن عرادة: ثنا سليمان بن أبي داود كلاهما عن شرحبيل بن سعد

(14/38)


@@@ 39
الأنصاري عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف بمتن منكر، وله آفتان:
الأولى: ضعف شرحبيل بن سعد الأنصاري، ضعفه الجمهور، وقال الذهبي
في "المغني":
"اتهمه ابن أبي ذئب، وضعفه الدارقطني وغيره".
والأخرى: مخالفته للثقات الذين رووه عن أبي رافع مختضراً - يزيد بعضهم
على بعض الشيء بعد الشيء -، ولم يذكر أحد منهم قوله:
"فأكلها وهو قائم".
وهذه مصادر رواياتهم التي وقفت عليها:
مسلم ( 1/188 )، والنسائي في "الكبرى"( 4/155 )، والبيهقي وابن
أبي شيبة( 1/48) ، وأحمد (6/8، 9، 392) ، والروياني في "مسنده"
(ق 131/1) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/298، 301، 304،
309، 310 ) ، و "المعجم الأوسط" ( 1/41/2/715 و 2/284/2/
9295 - بترقيمي).
بل إن عند بعض المذكورين ما يمكن أن يستشعر منه أن الحديث مقلوب المتن،
وهو بلفظ:
"أكل كتفاً، ثم قام إلى الصلاة". وهو رواية ابن أبي شيبة وأحمد وغيرهما.
فانقلب على الراوي هذا اللفظ "قام إلى الصلاة" وذلك بعد الأكل. إلى:

(14/39)


@@@ 40
"فأكلها وهو قائم"!
هذا، وإن مما يسترعي الانتباه، ولفت النظر إليه أن ابن حبان هو ممن روى
الحديث باللفظ المحفوظ الذي ذكرته آنفاً، ولكن الغريب أنه رواه بنفس السند
والشيخ الذي روى الحديث المنكر، فقال ( رقم 1146) : أخبرنا الحسين بن محمد
ابن أبي معشر قال: حدثنا محمد بن وهب بن أبي كريمة قال : حدثنا محمد بن
سلمة عن أبي عبد الرحيم زيد بن أبي أنيسة عن شرحبيل بن سعد الأنصاري
عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
أهديت لرسول الله شاة، فشوي له بعضها، فأكل منها، ثم قام يصلي
ولم يتوضأ.
ولذلك لما ساق الهيثمي الحديث في "موارد الضمآن" (216) بدأ بهذا اللفظ
فساقه مع السند - كعادته فيه -، ثم قال:
"قلت: وبسنده إلى أبي رافع قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ". فساق حديث
الترجمة.
والمقصود: أنني أستبعد جداً أن يكون كل فرد من هؤلاء الرواة تلقى الحديث
أحدهم عن الآخر إلى شرحبيل بن سعد باللفظين المختلفين، فأخشى أن يكون
أحدهم دخل عليه حديث في حديث، - كما يقع ذلك لبعض الرواة أحياناً-، فإن
اللائق برواية هذا الحديث المنكر إنما هو سليمان بن أبي داود الحراني الذي في
الطريق الثاني، فإنه متفق على ضعفه، بل قال البخاري في "التاريخ":
"منكر الحديث". وقال ابن حبان في " الضعفاء" (1/337) :

(14/40)


@@@ 41
"منكر الحديث جداً، يروى عن الأثبات ما يخالف حديث الثقاة".
قلت: فهو آفة هذا الحديث، لمخالفته لزيد بن أبي أنيسة، عند ابن حبان
والطبراني، وروايته المطابقة له عند ابن حبان خطأ لا ندري منشأه، هذا، إن سلم
من شرحبيل نفسه. والله أعلم.
وإن من غرائب التخريجات، وضحالة التحقيقات: الخلط بين التخريج والحكم
بين حديث الترجمة المنكر، والحديث المحفوظ الخالي من الإنكار، ذلك ما فعله
المعلقان على طبعتهما الجديدة لـ "موارد الضمآن" (1/352 -353)، فإنهما
خلطا في التخريج بينهما، وأوهما القراء بأنهما صحيحان بالشواهد التي خرجاها،
دون أن يسوقا ألفاظ أكثرها، ولو أنهما فعلا ذلك، لما تنبه للنكارة إلا القليل جداً
من القراء. وأما العامة فلا بد من التصريح لهم بذلك - كما لا يخفى -. ولم لا،
وهؤلاء المتخصصون في علم الجرح والتعديل، والتضعيف والتصحيح - فيما يُظن -
لم ينتبهوا لذلك؟!
وقد سبقهم إلى مثله الشيخ شعيب، ومن تحت يده من المعاونين له، فإنه لما
خرج (3/227 - 228) اللفظ المحفوظ وضعف رواية شرحبيل بن سعد، قواه
ببعض الشواهد، فأحسن، ولكنه لما خرج اللفظ المنكر (12/50)، وضعف
شرحبيل أيضاً، لم يخرجه، وإنما أحال به على تخريجه فيما تقدم هناك، فأوهم
بذلك أنه قوي أيضاً، فأساء! ثم صار هذا الإيهام حقيقة عنده، فصرح بصحة
اللفظين في طبعته الجديدة لـ "الموارد" (1/116 -117)! فهكذا، فليكن
التخريج والتحقيق!!
ومن ذلك: قول الأخ الدارني في راوي حديث أحمد المتقدم (ص 39):

(14/41)


@@@ 42
رواه (6/8،9) من طريق عباد بن عبيد الله بن أبي رافع، فزعم أن (عباد)
محلاف في المكانين! والحقيقة أن هذا لقبه -كما في "التهذيب" وغيره -،
واسمه: عبد الله، ويتكرر ذكره بلقبه في كثير من الأسانيد، فيتوهم من لا علم
عنده أنه تحريف. والله المستعان.
وإذا علمت أن الحديث منكر لا يصح، فإنه يتبين لك بوضوح سقوط ترجمة
ابن حبان له بقوله (ذكر الإباحة للمرء أن يأكل الطعام وهو قائم).
وبمثل ذلك ترجم لحديث ابن عمر الآتي في ( 21 - الأشربة/ 3 - باب
الشرب قائماً والأكل)، وسأذكر هناك مافيه (*).
واعلم أنه لا يوجد حديث في الأكل قائماً غير هذا المنكر، بل صح عن أنس
رضي الله عنه أنه قال: هو أشر وأخبث من الشرب قائماً. وقد نهى عنه النبي
صلى الله عليه وسلم ، كما في "صحيح مسلم" وغيره، وقد سبق تخريجه في المجلد الأول من
"الأحاديث الصحيحة" رقم (177)، وقبله حديثان آخران يدلان على التحريم،
فراجع إن شئت.
إذ عرفت هذا، فقد ابتدع الكفار في العصر الحاضر - استكباراً منهم وتجبراً -
أن يأكلوا جميعاً قياماً، مع توفر الجلوس على المقاعد، وقلدهم في ذلك كثير من
المسلمين المترفين، أو ممن لا علم عندهم ، ولا التزام للدين وأحكامه لديهم.

والسنة: الأكل جلوساً على الأرض، أو على الكراسي، وأما الأكل قياماً،
فسنة الكفار، وقد نهينا عن التشبه بهم، وأُمرنا بمخالفتهم، حتى فيما ليس من
صنعهم واختيارهم، - كما هو مبين في آخر كتابي "جلباب المرأة المسلمة"،
__________
(*) بيَّن الشيخ رحمه الله مافيه في "الصحيحة" (3178). (الناشر).

(14/42)


@@@ 43
فراجعه -. وليس من هذا القبيل الأكل ماشياً، لأنه يكون للحاجة عادة، كما
سيأتي بيانه هناك عند حديث ابن عمر إن شاء الله تعالى.

6515 - ( الغناء واللهو ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء
العشب ، والذي نفسي بيده ، إن القرآن والذكر لينبتان الايمان في
القلب، كما ينبت الماء العشب)
موضوع.
أخرجه اديلمي في "مسند الفردوس" (3/175 - الغرائب
الملتقطة) من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود: حدثنا هشام بن عمار:
حدثنا مسلمة بن علي: حدثنا عمر مولى غُفرة عن أنس مرفوعاً.
قلت: وهذا موضوع، آفته ابن الجارود هذا، قال الخطيب:
"كان كذاباً".
قال الذهبي: ومن بلاياه حديث:
"جمال الرجل فصاحة لسانه". وقد مضى تخريجه برقم (3466).
ومسلمة بن علي، متهم، وساق له ابن عدي في "الكامل" (6/313 -
318) عدة أحاديث. وقال عقبها:
"وله غير ماذكر، وكل أحاديثه - ماذكرته وما لم أذكره - كلها أو عامتها غير
محفوظة".
وتقدمت له أحاديث، وهذه أرقام بعضها (141، 145، 150، 151، 864).
وعمر مولى غفرة - وهو: ابن عبد الله -، ضعيف.

(14/43)


@@@ 44
وإنما ثبت الحديث مقطوعاً من قول الشعبي رحمه الله بسند حسن عنه،
خرجته في (الفصل الثامن) من رسالتي في الرد على ابن حزم في إباحته
للملاهي وآلات الطرب (ص 95 - بخطي) [*].
وثبت الطرف الأول منه موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه - كما هو مخرج
هناك-. وروي عنه مرفوعاً بإسناد فيه من لم يسم، وسبق تخريجه برقم (2430).

6516 - ( من لها بالغناء، لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيين
يوم القيامة. قيل: وما الروحانيون؟ قال: قراء اهل الجنة).

موضوع.
أخرجه الواحدي في تفسيره "الوسيط" (3/441 - 442 - طبع
دار الكتب العلمية) من طريق حماد بن عمرو عن أبي موسى - من ولد أبي هريرة -
عن أبيه عن جده مرفوعاً.
قلت: وهذه موضوع آفته (حماد بن عمرو) - وهو: النصيبي - ، قال الذهبي
في "المغني":
"روى عن الثقات موضوعات، قاله النقاش، وقال النسائي: متروك".
قلت: وهو معدود فيمن يضع الحديث، كما قال ابن عدي وغيره - كما يأتي
في الحديث الذي بعده -. ولذلك فاقتصار المعلقين من الشيوخ والدكاترة (!) على
قولهم "حديث ضعيف" في تعليقهم على "الوسيط"، تقصير فاحش، هذا لو
كان المعلق واحداً، فكيف وهو أربعة، شيخان ودكتوران!
__________
[*] صفحة (148) في المطبوع، وأثر ابن مسعود خرج فيه (ص 145 - 148). (الناشر).

(14/44)


@@@ 45
6517 - ( من حمل طرفة من السوق إلى ولده ، كان كحامل صدقة،
حتى يضعها فيهم، وليبدأ بالاناث قبل الذكور، فإن الله رق للاناث،
ومن رق لانثى، كان كمن بكى من خشية الله عزوجل، ومن بكى من
خشية الله عز وجل، غفر له، ومن فرح أنثى ، فرحه الله عزوجل يوم الحزن).

موضوع.
أحرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/252)، وابن عدي في
"الكامل" (4/240)، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/276)
من طريق حماد بن عمرو النصيبي عن عبد الله بن ضرار بن عمرو الملطي عن
أبيه عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك مرفوعاً. وقال الجوزي:
"هذا الحديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه جماعة ضعفاء، فمنهم:
يزيد الرقاشي، كان فيه تدين، لكنه كان يغلط في الحديث، فربما قلب كلام
الحسن، فجعله عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم.
ومنهم: ضرار بن عمرو. قال يحيى: ليس بشيء، ولا ابنه عبد الله، ولا
حماد بن عمرو.قال ابن حبان: كان حماد يضع الحديث على الثقات، لا يحل
كتب حديثه إلا على التعجب".
قلت: فهو آفة الحديث، ولما أورده ابن عدي في ترجمة عبد الله بن ضرار بن
عمرو، وروى عن ابن معين أنه قال: ليس بشيء ولا يكتب حديثه، قال عقبه (4/
240):
" وهذا الحديث لعل إنكاره من حماد بن عمرو النصيبي، لا من عبد الله بن
ضرار، لأن حماد بن عمرو قد عده السلف فيمن يضع الحديث".
فإن قيل: قد ذكر له السيوطي في "اللآلي" (2/177) متابعاً من رواية

(14/45)


@@@ 46
الخرائطي في "مكارم الأخلاق" قال (2/647/693): حدثنا سعدان بن
يزيد البزار: ثنا صاحب لنا يقال له: عبيد الله عن عبد الله بن ضرار به.
فأقول: هذه المتابعة لا تسمن ولا تغني من جوع، لأن عبيد الله هذا لم
ينسب، ولم أجد من ذكره، فهو مجهول، فمن المحتمل أن يكون سرقه من حماد،
ومع ذلك فإنه إن سلم منها، فما هو سالم ممن فوقها، وقد قال العراقي في
"تخريج الإحياء" (2/53):
"أخرجه الخرائطي بسند ضعيف جداً".
ومع جهالته، فقد ذكر مكان (يزيد الرقاشي) في الإسناد (أبان بن أبي
عياش) وهو متروك.
ثم أخرجه الخرائطي (رقم 692) من طريق أخرى عن يزيد الرقاشي به
مختصراً، وفيه أبو جعفر الراسبي لم يذكروه في الكنى ولا في الأنساب، فهو
مجهول أيضاً؟
ثم ساق له السيوطي شاهداً من رواية الديلمي بسنده عن ابن عباس مرفوعاً
مثل حديث الترجمة، وسكت عنه، وفيه علي بن حاتم المكفوف، ولم أعرفه،
وفي "الميزان" و "اللسان":
"علي بن حاتم أبو معاوية، يجهل، وأتى بمنكر من القول".
ثم ساق بإسناده عنه عن عبيد الله بن موسى بسنده عن مجاهد:
{وقفوهم إنهم مسؤولون} قال: عن ولاية علي.
قلت: فالظاهر أنه هذا، فإنه من هذه الطبقة ، وتردد في ذلك ابن عراق في

(14/46)


@@@ 47
"تنزيه الشريعة" (2/211). ويحتمل عندي أنه سرقه أيضاً، ولا يستبعد ذلك
منه، وقد أتى بهذا التفسير المنكر، بل الباطل بسند صحيح إلى التابعي الجليل
مجاهد، وهو بريء منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
وبالجملة، فليس للحديث من المتابعات والشواهد ما يقويه، كيف ولوائح
الوضع ظاهرة عليه، وفيه نسبة الرقة إلى الله تعالى! وهذا مما لم يرد في الأحاديث
المعروفة في صفات الله عزوجل.

6518 - ( من أخرج أذى من المسجد، بنى الله له بيتاً في الجنة).
منكر.
أخرجه ابن ماجة ( 1/250/757) من طريق محمد بن صالح
المدني: حدثنا مسلم بن أبي مريم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف ، وله علتان:
الأولى: ضعف في محمد بن صالح المدني - وهو: الأزرق -، تناقض فيه ابن
حبان، فأورده في "الثقات" (7/375) برواية جمع عنه. ثم ذكره في
"الضعفاء" وقال (2/260):
"شيخ يروي المناكير عن المشاهير، لا يجوز الاحتجاج بخبره، إذا انفرد".
ثم علق له هذا الحديث.
وأشار إلى تضعيفه ابن أبي حاتم عن أبيه بقوله:
"شيخ"، أي: يستشهد به.
وذكر الذهبي تناقض ابن حبان في "الميزان"، وساق له هذا الحديث. ثم قال:

(14/47)


@@@ 48
"وقال غير ابن حبان: لا بأس به".
ولم أدر من الذي يعنيه بقوله: "غير ابن حبان".
والحديث أورده أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في " تذكرة الموضوعات"
وقال ( ص 80):
"فيه محمد بن صالح المدني، يروي المناكير عن الثقات". وإليه أشار المنذري
بقوله في " الترغيب" (1/119):
"رواه ابن ماجة، وفي إسناده احتمال للتحسين".
والعلة الأخرى: الانقطاع بين مسلم بن أبي مريم وأبي سعيد الخدري، قال
ابن أبي حاتم في "المراسيل" (130) عن أبيه:
"مرسل، بينهما علي بن عبد الرحمن المعاري".
وأما حديث: " ومن أخذ منه القذاة بقدر ما تقذى منه العين، كان له كفلان
من الأجر".
فهو موضوع، تقدم في الحديث (3294).

6519 - ( كان إذا قام من الليل يريد أن يتهجد، قال- قبل أن يكبر- :
لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، والله أكبر كبيرا ، أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم، من همزه ونفثه ونفخه. قال ثم يقول : الله أكبر . ورفع عمران يديه
يحكي)

منكر بهذا السياق.
أخرجه أبو داود في "المراسيل" (88/32): حدثنا

(14/48)


@@@ 49
أبو كامل: أن خالد بن الحارث حدثهم: حدثنا عمران بن مسلم أبو بكر عن
الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ... الحديث.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي بكر - واسمه:
فضيل بن حسين البصري - فهو من رجال مسلم، فهو إسناد صحيح، لولا أنه
مرسل من مراسيل الحسن - وهو : البصري -، ومراسيله كالريح - كما يقول بعض
الحفاظ -، وهذا الحديث مما يؤكد ذلك، فإن التهليل والتكبير المذكور فيه منكر لا
نعرفه إلا في هذا الحديث، وكذلك الاستعاذة، بل هذه ذكرها هنا قبل تكبيرة
الإحرام أشد نكارة، لأنها وردت في حديث أبي سعيد بعد دعاء الاستفتاح، وقبل
قراءة الفاتحة، وهو الذي صرح القرآن الكريم به {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله
من الشيطان الرجيم}، والأحاديث المشار إليها، تراها مخرجة في "إرواء
الغليل" (2/ 53 - 57).

وقد وهم في هذا الحديث رجلان:
أحدهما: المعلق على "المراسيل"، فإنه قال:
" ويشده حديث أبي سعيد الخدري .. قال" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من
الليل، كبر، ثم يقول: " سبحانك اللهم ..." ثم يقول : " لا إله ألا الله" (ثلاثاً)،
ثم يقول: " الله أكبر كبيراً (ثلاثاً)، أعوذ بالله السميع العليم [من الشيطان
الرجيم] من همزه ونفخه ونفثه". ثم يقرأ. وسنده حسن".
قلت: فهذا مما يوهنه - كما ترى، وكما ذكرت آنفاًُ - .
والآخر: مضعّف الأحاديث الصحيحة، فإنه قال في تعليقه على "إغاثة
اللهفان" لابن القيم (1/153) بعد تخريجه لحديث أبي سعيد المذكور:

(14/49)


@@@ 50
"قلت: ومرسل الحسن أخرجه أبو داود في "مراسيله" (32) نحو هذا"!!
وهذا من بالغ غفلته وجهله بالفرق الشاسع بين الحديثين، فإن لفظة (نحوه) ت
عني في علم المصطلح، أي: في المعنى. وقد تبين أنه مختلف، وكأنه اغتر بكلام
المعلق الأول - وهو شيخه كما يزعم - ثم لخصه بقوله: "نحوه". ومع أن شيخه قد
حسن إسناد حديث أبي سعيد كما رأيت - وهو في ذلك مصيب - فإن التلميذ
العاق قد شرد عنه بعيداً، فإنه قد أتبع الحديثين بشاهدين من حديث عبد الله بن
مسعود،و حديث أبي أمامة، أخذ تخريجهما، وتخريج ما قبليهما من كتابي
"الإرواء"، ثم قال عقب ذلك - مشيراً إلى مخالفته تصحيحي للحديث بمجموع
طرقه، قال المجتهد الأكبر الذي ينبغي للقراء أن يخضعوا لقوله-:
"وأرى أن يتمهل في تحسين هذا الحديث ( يشير إلى تحسين شيخه)، أو
تصحيحه بهذه الشواهد"! يشير إلى تصحيحي!
هكذا قال - هداه الله - دون أن يذكر سبباً! والعلماء في مثل هذا الموقف يعللون
ذلك بمثل قولهم: لشدة ضعف هذه الشواهد، أو لشذوذها، أو نكارتها، أو مخالفتها
للقرآن، أو لما عليه علماء الإسلام، أو لتضعيف علماء الحديث، ونحو ذلك من
العلل، ولكنه لما كان الأمر على خلاف ذلك - وأظن أنه هو على معرفة به -
فالشواهد خالية من الضعف الشديد كما تبين ذلك من تخريجه هو - مع أنه مبتور-
وعمل به علماء المسلمين ، وصححه بعض الحفاظ، وعليه مذهب أحمد وغيره،
كما ذكر ابن القيم نفسه في "الإغاثة" الذي سود عليه (المصنف) تعليقه، إذن،
ماهو السبب؟ الجواب: هو الهوى وحب الظهور، ولو بالمخالفة والمشاكسة والمعاندة
وبطر الحق. والعياذ بالله تعالى. وهذا أمر ظاهر في كل تعليقاته، يعرف ذلك كل
من تتبعها. والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

(14/50)


@@@ 51
ثم رأيت الرجل قد مهد بقوله المذكور آنفاً، ليقول بعد صفحة:
" وجملة القول: أن الاستعاذة قبل القراءة بـ " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
من همزه ونفخه ونفثه" وزيادة "السميع العليم" قبل القراءة، وفي غيرها لم يصح
في حديث البتة"!
فضرب بهذا التصريح كل تلك الأحاديث، وأقوال من عمل بها من الأئمة
كأحمد وإسحاق وغيرهم ممن ذكرهم ابن القيم في "الإغاثة"، وهكذا فليكن
التخريب من (مضعّف الأحاديث الصحيحة)!!

6520 - ( يخرج رجل يقال له : السفياني في عمق دمشق ، وعامة من
يتبعه من كلب ، فيقتل ، حتى يبقر بطون النساء ، ويقتل الصبيان ،
فتجمع لهم قيس، فيقتلها، حتى لا يمنع ذنب تلعة ، ويخرج رجل من
أهل بيتي في الحرة، فيبلغ السفياني ، فيبعث إليه جندا من جنده
فيهزمهم ، فيسير إليه السفياني بمن معه حتى إذا صار ببيداء من
الأرض خسف بهم ، فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم ).

منكر.
أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/520) من طريق محمد بن
إسماعيل بن أبي سمينة: ثنا الوليد بن مسلم: ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً، وقال:
" صحيح على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي.
قلت: وفيه نظر من ناحيتين:
الأولى: أن ابن أبي سمينة لم يخرج له مسلم.

(14/51)


@@@ 52
والأخرى: عنعة الوليد بن مسلم، فإنه كان يدلس تدليس التسوية، وهو أن
يسقط شيخ شيخه، أي: شيخ الأوزاعي، فقد جاء في ترجمته:
عن الهيثم بن خارجة قال: قلت للوليد بن مسلم: قد أفسدت حديث
الأوزاعي! قال: وكيف؟ قلت: تروي عنه عن نافع، وعنه عن الزهري، وعنه عن
يحيى - يعني: ابن كثير - (1) وغيرك يدخل بين الأوزاعي ونافع ( عبد الله بن
عامر الأسلمي)، وبينه وبين الزهري (قرة)، فما يحملك على هذا؟ فقال: أُنبَّلُ
الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء! قلت: فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء المناكير - وهم
ضعفاء - فأسقطتهم أنت، وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الأثبات، ضعف
الأوزاعي! فلم يلتفت إلي قولي!
ذكره العلائي في "المراسيل" (ص 118)، والحافظ في "التهذيب" ومن
قبله الذهبي في "السير" (9/215)، ومن قبله المزي في " تهذيبه" (31/
97)، ومن قبلهم ابن عساكر في "التاريخ" (17/906).
وذكروا نحوه عن الإمام الدارقطني.
وإذا عرفت هذا، وأن الوليد كان يدلس تدليس التسوية أيضاً، فمن الغريب أن
لا يفصح الذهبي في كتبه عن ذلك! ومنها: "السير"، فقال فيه:
ثقة حافظ، لكنه رديء الحفظ، فإذا قال: حدثنا، فهو حجة".
ومثله قوله في "الكاشف":
__________
(1) كذا في "السير" أيضاً، دون قوله: "يعني"، وهذا موافق لما في إسناد
حديثنا، وفي المصادر الأخرى (يحيى بن سعيد). فالله أعلم.

(14/52)


@@@ 53
"... وكان دلساً، فيتقى من حديثه ماقال فيه: (عن)".
ولعله يعني ذلك في كل سلسلة إسناده، أعني: كما عنعن هنا بين الأوزاعي
وشيخه يحيى، وبين هذا و ( أبي سلمة)، ويحتج به، إذا صرح بالتحديث مكان
العنعنة.
هذا التأويل محتمل يساعد عليه ما تقدم، لكني رأيته قد أفصح بخلافه،
فقال في "المغني":
" فإذا قال: حدثنا الأوزاعي، فهو حجة"!
وهذا تقصير منه بلا شك، فالصواب وصفه بالنوعين من ( تدليس السماع)،
وهو ما صرح به الحافظ في "التقريب" و " مقدمة الفتح"، فقال فيه (450):
" عابوا عليه كثرة التدليس، والتسوية ... وقد احتجوا به في حديثه عن
الأوزاعي، و ..و ..".
لكن في هذا الإطلاق المتعلق باحتجاج الشيخين به نظر، فقد قال الذهبي
عقب رواية الهيثم المتقدمة وغيرها:
"قلت: البخاري ومسلم قد احتجا به، ولكنهما ينتقيان حديثه، ويتجنبان ما
ينكر له".
قلت: ولعل حديثنا هذا من قبيل ما تجنبناه، لنكارته، ولما فيه من العنعنة،
ولذلك فقد وهم الذهبي - فضلاً عن الحاكم - في تصحيحه على شرطهما، لما
علمت من ترجمة ابن أبي سمينة، ولأنه ليس فيه تحديث الأوزاعي فمن فوقه.
يضاف إلى ذلك: يحيى بن أبي كثير مدلس أيضاً عن شيوخه معروف

(14/53)


@@@ 54
بذلك، كما في "مراسيل العلائي" وغيره.
والخسف المذكور في آخر الحديث، قد صح من حديث حفصة رضي الله عنها
أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"ليؤمَّنَّ هذا البيت جيش يغزونه، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف
بأوسطهم، وينادي أولُهم آخرهم، ثم يخسف بهم، فلايبقى إلا الشريد الذي يخبر
عنهم".
رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (1924 و 2432).

6521 - ( ليأتين على العلماء زمان يقتلون فيه كما يقتل
اللصوص ، فياليت العلماء يومئذ تحامقوا).

منكر.
أخرجه أبو عمر والداني في "الفتن" ( ق 29/ 1 - 2) من طريق
بقية بن الوليد عن الوضين بن عطاء عمن حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
فذكره.
قلت: وهذا إسناد مرسل ضعيف، بقية بن الوليد مدلس، وقد عنهن.
والوضين بن عطاء من أتباع التابعين - كما في "ثقات ابن حبان" ( 7/564) -،
وهو سيئ الحفظ - كما في "التقريب" -.
وشيخه الذي لم يسم الظاهر أنه تابعي، فهو مرسل.
والحديث مع ضعفه، فقد تحقق - مع الأسف - الشطر الأول منه، فقد نشرت
بعض الجرائد: ان بعض الطغاة في بعض البلاد العربية، قد قتلت بعض العلماء

(14/54)


@@@ 55
وطلاب العلم في هذه الأيام أوائل هذه السنة (1315)، بعد أن سجنوهم شهوراً
وسنين بتهمة الانتساب للوهابية! وهو يعلمون أنه لا أصل لها في واقع العالم
الإسلامي، وأنها كانت اختلقت لغرض سياسي، وسرعان ماتبين للناس أنها لا
حقيقة لها، حتى تعفنت وماتت، ثم أحيتها السياسة الغاشمة مجدداً لتفريق
الأمة، وخدمة لليهود ومن وراءهم! فنسأل الله تعالى أن يكفينا شرهم جميعاً، إنه
خير مسؤول.

6522 - ( لا يزال الميت يسمع الأذان، ما لم يطيَّن قبره).
موضوع.
أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس" (3/344) معلقاً عن
الحاكم، ووصله ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/238) عنه بسنده عن
محمد بن القاسم الطايكاني: حدثنا أبو مقاتل السمرقندي: حدثنا محمد بن
ثابت الأنصاري عن كثير بن شنظير عن الحسن عن ابن مسعود رفعه. وقال ابن
الجوزي:
"هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما الحسن، فإنه لم يسمع من ابن
مسعود، وأما كثير بن شنظير، فقال يحيى: ليس بشئ. وأما أبو مقاتل، فقال
ابن مهدي: والله ماتحل الرواية عنه. غير أن المتهم بوضع هذا الحديث محمد بن
القاسم، فإنه كان عَلَماً في الكذابين الوضاعين، قال أبو عبد الله الحاكم: كان
يضع الحديث".
وأقره السيوطي في "اللآلي" ( 2/ 439)، وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/363).
ومحمد بن ثابت الأنصاري، الظاهر أنه ( محمد بن ثابت بن عمرو بن أخطب

(14/55)


@@@ 56
الأنصاري أبو النضر، أخو علي وعزرة ابني ثابت)، قال أبو حاتم ( 3/ 2/216):
"لا أعرفه".
وأبو مقاتل - اسمه: (حفص بن سلم) - ، قال في "المقتنى":
"واهٍ بمرة".
واتهمه بعضهم بوضع الحديث، وهو صاحب كتاب "العالم والمتعلم".
ترجمته في "اللسان" ببسط.
ومن الغرائب أنه جاء في كنى "تهذيب العسقلاني"، دون المزي مرموزاً له بـ
(ت)، أي: من رجال الترمذي، وكذا في "التقريب" وقال:
"مقبول" !!
وأما إعلاله بكثير بن شنظير فلا وجه له، فإنه من رجال الشيخين، وإن كان
في حفظه ضعف.

6523 - ( من أتى كاهناً فصدقه بما يقول، فقد بريء مما أُنزل على
محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن أتاه غير مصدق له، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) [*].

منكر للفقرة الثانية.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/117/1)،
وابن عدي في "الكامل" (3/153) من طريق محمد بن [أبي] السري: ثنا
رشد بن سعد عن جرير بن حازم عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول
__________
[*] كُتب بهامش أصل الشيخ - رحمه الله - : "تقدم برقم (5281) ويأتي (6555)".

(14/56)


@@@ 57
الله - عز وجل - : ... فذكره. وقالا:
"لم يروه عن قتادة إلا جرير، ولا عنه إلا رشدين، تفرد به محمد بن [أبي]
السري".
قلت: هو محمد بن المتوكل بن أبي السري، قال الذهبي في "الكاشف":
"حافظ وثَّق، ولينه أبو حاتم". وقال الحافظ:
"صدوق عارف، له أوهام كثيرة".
ورشدين بن سعد، قال الحافظ:
"ضعيف، رجح أبو حاتم عليه ابن لهيعة. وقال ابن يونس: كان صالحاً في
دينه، فأدركته غفلة الصالحين، فخلط في الحديث".
قلت: وأنا أظن أن هذا من تخاليطه، وقد ذكره ابن عدي، ثم الذهبي من
مناكيره، وهو ظاهر النكارة، فإن الفقرة الثانية إنما صحت في المصدق بلفظ:
"من أتى عرافاً، فصدقه بما يقول، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً".
أخرجه أحمد بسند صحيح على شرط الشيخين، ورواه مسلم وغيره، وهو
مخرج في "غاية المرام" (172 - 173)، ولهذا أشار الحافظ في "الفتح" ( 10/
217) إلى نكارة حديث الترجمة بعد أن لين سنده.
وقد غفل عن هذه النكارة المعلق على "مجمع البحرين" (7/138)، فقال:
"قلت: إسناده ضعيف، لكن المتن ثابت من وجوه أخرى".

(14/57)


@@@ 58
6524 - ( لا سمر إلا لثلاثةٍ: مصل، أو مسافر، أو عروسٍ).
منكر بذكر: (عروس).
أخرجه سمويه في "الفوائد" ( ق 38/2) عن معاوية
ابن صالح عن أبي عبد الله الأنصاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ...فذكره.
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" (رقم 4879) عن معاوية: حدثني أبو عبد الله
الأنصاري عن عائشة قالت: ... فذكره موقوفاً عليها.
وهكذا ذكره الهيثمي في "المجمع" (1/314) من رواية أبي يعلى، وكذلك
الحافظ في "المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي" (1/112)، لكنه
في "المطالب العالية" (1/80/281) زاد بعد (عائشة): " رفعته".
فوافق رواية (سمويه) المرفوعة، لكن تعقبه الشيخ الأعظمي في تعليقه عليه بقوله:
" كذا في المجردة، وهو سهو من المجرد، لأنه موقوف على عائشة. راجع
"المسندة" و "الزوائد".
قلت: وهو في "المسندة" (ق 7/1 - 2) - كما قال - موقوف دون زيادة:
"ترفعه". فالله أعلم.
وعلى كل حال، فسواء كان الصواب رواية الرفع أو الوقف، فإن مدارها على
أبي عبد الله الأنصاري - كما ترى -، وقد أورده البخاري في "الكنى" (48/
417)، وابن أبي حاتم (4/2/1912) بهذا الحديث موقوفاً، ولم يذكر فيه
شيئاً، فهو في حكم المجهول.

(14/58)


@@@ 59
ولهذا، فقد وهم الهيثمي في قوله:
"رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح"!
كذا قال! ولست أدري من أبو عبد الله الأنصاري عنده حتى جعله من رجال
الصحيح! فإن المزي وغيره لم يذكروا أحداً بهذه الكنية في ترجمة معاوية بن
صالح - وهو : أبو عمرو الحضرمي - وقد ترتب من هذا الوهم وهم آخر، أو وهمان
من بعضهم، فقال المعلق على "مسند أبي يعلى" (8/289):

"منقطع، معاوية بن صالح لم يسمع أبا عبد الله - وهو: الجدلي - "! وقلده
في ذلك المعلق على "المقصد العلي". وفي ظني أن منشأ هذا الوهم إنما هو قول
الهيثمي المتقدم، فإنه استلزم منه أن رجاله ثقات، وغض النظر عن كونه ليس من
رجال الصحيح، فرجع إلى كنى " التهذيب"، فوجد فيها (أبو عبد الله الجدلي)،
وأنه روى عن (عائشة)، فألقي في نفسه أنه (الأنصاري)، ففسره به كما
تقدم: (وهو: الجدلي)، وجمع بين النسبين مقلده - وهو أجهل منه - فقال:

" ... معاوية بن صالح لم يسمع من أبي عبد الله الجدلي الأنصاري". مع
أنهما رأيا أمامهما في "مسند أبي يعلى" تصريحه بالسماع بقوله:
"حدثني أبو عبد الله الأنصاري".
وكذلك صرح في "تاريخ البخاري"، وقد فرق هو وابن أبي حاتم بينه وبين
(الجدلي)، فترجما لهذا في "الأسماء" بـ (عبد بن عبد)، ويقال: ( عبد الرحمن
ابن عبد) أبو عبد الله الجدلي.
وثمة احتمال آخر، أنه استلزم ذلك من كون هذه النسبة (الجدلي) هي نسبة

(14/59)


@@@ 60
إلى (جيدلة الأنصاري) ، ولا تلازم ما دام أن الحفاظ فرقوا بين (أبي عبد الله
الأنصاري) و(أبي عبد الله الجدلي) .

ثمإن الحديث قد جاء مرفوعاً من طرق عن ابن مسعود ، دون ذكر "عروس" ؛
ولذلك خرجته في "الصحيحة" (2435) ، وذكرت هذت شاهداً له . ثم عرض ما
اقتضى إفراده بالتخريج ههنا .

6525 - ( أن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونستهديه ونستنصره
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا
مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص
الله ورسوله فقد غوى حتى يفئ إلى أمر الله).

منكر جداً بزيادة (الاستهداء والاستنصار وغيره).
أخرجه الشافعي في
"الأم" (1/179): أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني إسحاق بن عبد الله
عن أبان بن صالح عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس:
أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوماً فقال: ...فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، آفته إبراهيم بن محمد - وهو: ابن أبي يحيى
الأسلمي -، قال الحافظ في "التقريب":
"متروك".
قلت: وكذبه كبار الأئمة مثل: يحيى القطان، وابن معين، وابن المديني،
فالظاهر أن الإمام الشافعي لم يعرفه. وقد طول الذهبي ترجمته في "الميزان" وكأنه

(14/60)


@@@61
لشدة ضعفه تحاشى الإمام البيهقي - مع خدمته المعروفة لكتب الشافعي - رواية
حديثه هذا، مع أنه ساق فيه جُلَّ الأحاديث الواردة في هذه الخطبة، وهي التي
تعرف بخطبة الحاجة، ولي فيها رسالة مطبوعة، جمعت فيها أحاديثها، وهي
سبعة عن الصحابة، وثامنها عن الزهري، ثالثها من حديث ابن عباس من طريق
أخرى عنه مختصراً، رواه مسلم.
ومجموع هذه الأحاديث تشهد لحديث إبراهيم هذا إلا الزيادة، وإلا قوله في
آخره:
"حتى يفيء إلى أمر الله".
فهي منكرة جداً، [تفرد] هذا الواهي بها.
ولقد كان من الدواعي لتخريجه هنا، أنني كنت علقت على هذه الخطبة في
مقدمة المجلد الخامس من "الصحيحة" بقولي:
"سمعت غير واحد من الخطباء يزيد هنا قوله : "ونستهديه". ونحن في
الوقت الذي نشكرهم على إحيائهم لهذه الخطبة في خطبهم ودروسهم، نرى لزاماً
علينا أن نذكرهم بأن هذه الزيادة لا أصل لها في شيء من طرق هذه الخطبة،
(خطبة الحاجة) التي كنت جمعتها في رسالة خاصة معروفة، و {الذكرى تنفع
المؤمنين}".
فأشكل هذا النفي على بعض إخواننا الناصحين، فلفت النظر إلى هذا
الحديث، مع تنبهه لضعف إسناده، ولا إشكال فيه، لأن النفي ليس عاماً، فإنه
ينصب على الطرق المذكورة في الرسالة، وعبارتي في ذلك صريحة، فلو فرض أنه
عُثر على طريق صحيح للزيادة، فذلك لا يرود على النفي المذكور، غاية ما في الأمر

(14/61)


@@@61
أنه ينبغي أن يستدرك، وهذا حق نعترف به، ونحققه دائماً إذا ما وجدنا مجالاً
للاستدراك، لا فرق بين أن المستدرك علي هو أنا أو غيري، كل ذلك عندي سواء،
ولسان حالي، بل وقالي أحياناً يقول "رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي" {ذلك
من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} {ولكن أكثر
الناس لا يعلمون }.

6526 - ( الموت غنيمة ، والمعصية مصيبة ، والفقر راحة ، والغنى
عقوبة ، والعقل هدية من الله ، والجهل ضلالة ، والظلم ندامة ، والطاعة
قرة العين ، والبكاء من خشية الله النجاة من النار ، والضحك هلاك
البدن ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ).

منكر جداً إلا الجملة الأخيرة.
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5/
388/7040)، والديلمي في "مسند الفردوس" (3/87) من طريق الفضل
ابن عبد الله بن مسعود اليشكري: نا أحمد بن عبد الله أبو علي النهرواني: نا
روح بن عبادة عن محمد بن مسلم عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن
المسيب عن عائشة مرفوعاً. وقال البيهقي:
"تفرد به النهرواني وهو مجهول، وقد سمعته من وجه آخر عن روح،
وليس بمحفوظ".
وذكره الذهبي في "المغني" و "الميزان"، وقال:
"اتهمه ابن ماكولا بحديث: في الجنة نهر زيت".
والفضل بن عبد الله اليشكري، أورده ابن حبان في "الضعفاء" (2/211)

(14/62)


@@@ 63
وقال:
"يروي عن مالك بن سليمان وغيره العجائب، لا يجوز الاحتجاج به
بحال ...".
وأما جملة :"التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، فهو حسن لشواهده،
كما قال الحافظ ابن حجر وغيره، وقد ذكرت شواهده تحت الحديث (615)
المتقدم.

6527 - ( الفريضة في المسجد - أو المساجد -، والتطوع في البيت).
ضعيف.
أخرجه أبو يعلى في "مسنده الكبير"، كما في "المقصد العلي"
للهيثمي (1/129/249): حدثنا عثمان: حدثنا أبو خالد: حدثنا زياد عن
معاوية بن قرة قال: حدثني الثلاثة الرهط الذين سألوا عمر بن الخطاب رضي الله
عنه عن الصلاة في المسجد - يعني التطوع - فقال عمر رضي الله عنه: سألتموني
عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، غير زياد، وهما (زيادان) في هذه الطبقة،
وكلاهما بصري يروي [عن] معاوية بن قرة، لكنهم لم يذكروا في الرواة عن أي
منهما (أبا خالد) هذا - وهو : سليمان بن حيان شيخ عثمان وهو: ابن أبي شيبة -
ولذلك، لم أتمكن من الجزم بالمراد منهما، وهما: (زياد بن أبي الجصاص)،
والآخر: (زياد بن مخراق)، وهذا ثقة، وذاك ضعيف، ولعله هو صاحب هذا
الحديث، لأنه هو الذي يليق به مثل هذا الحديث الغريب.
وما أشبه بما ذكره الهيثمي أيضاً في "المقصد العلي" (1/97/168) من

(14/63)


@@@ 64
طريق عاصم بن عمرو عن عمير - مولى عمر - قال:
جاء نفر من أهل العراق إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال لهم : ماجاء
بكم؟ قالوا: جئناك نسألك عن ثلاث. قال: ماهن؟ قالوا: صلاة الرجل في بيته،
ماهي؟ وما يصلح للرجل من امرأته وهي حائض؟ وعن غسل الجنابة؟
فقال: أما صلاة الرجل في بيته تطوعاً [فنور]، فنور بيتك ما استطعت ...
الحديث، وهذا مختصر منه.
وأورده الهيثمي في " المجمع" أيضاً (1/270 - 271) من رواية أبي يعلى،
ولم أره في "المسند" المطبوع، ولا هو أشار في "المقصد العلي" أنه في "مسنده
الكبير"، وقد رواه عنه الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"، وقد خرجته
فيما علقته عليه، وبينت أن فيه جهالة (1/51 - ترجمته رقم 248، 249)،
وفي "التعليق الرغيب" ( 1/159).

6528 - ( نهى أن تزوج المرأة على العمة والخالة، فقال: إنكن إذا
فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن).
منكر بزيادة (الشطر الثاني).
أخرجه ابن حبان (1275 - موارد)،
والطبراني في "المعجم الكبير" (11/337/11931)، وابن عبد البر في
"التمهيد" (18/277 - 278) من طريق المعتمر بن سليمان قال: قرأت على
الفضيل بن ميسرة عن أبي حريز عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه
مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد فيه علتان:

(14/64)


@@@ 65
إحداهما: ( أبو حريز) - واسمه: عبد الله بن الحسين - قاضي (سجستان)
قال الذهبي في "الكاشف":
"مختلف فيه، وقد وثق ، وقال ابن عدي: عامة مايرويه لا يتابعه أحد عليه".
قلت: قال ابن عدي هذا في "الكامل" (4/158 - 161) بعد أن ساق له
أحاديث هذا أحدها، مشيراً بذلك إلى نكارته، وتبعه على ذلك الذهبي في
"الميزان"، ولكن يحتمل أن العلة من الرواي عنه، وهي:
الأخرى: الفضيل بن ميسرة، فإنه مع كونه صدوقاً ثقة، ففي روايته عن أبي
حريز خاصة [نظر]، فقد ذكروا في ترجمته: عن يحيى بن سعيد قال:
"قلت للفضيل بن ميسرة: أحاديث أبي حريز؟ قال: سمعتها فذهب كتابي،
فأخذته بعد ذلك من إنسان".
فالعلة منه، أو من شيخه.
وقد أخطأ في هذا الإسناد رجلان:
أحدهما: (مضعف الأحاديث الصحيحة) في تعليقه على "إغاثة اللهفان"،
فإنه جهل أو تجاهل أن العلة من أحد الروايين، وحط بها على المعتمر فقال (1/
502) :
"ولعلها وهم من المعتمر بن سليمان، فإن عنده أوهاماً".
وهذا إعلال باطل، فإن (المعتمر) هذا ثقة محتج به في "الصحيحين"، ولم
يغمز من قناته أحد، بل هو من كبار العلماء، كما قال الذهبي في "السير" (8/
420)، ولا سيما وفي إسناد الحديث قوله: "قرأت على الفضيل بن ميسرة"،

(14/65)


@@@ 66
فمن أين لو كان له أوهام، كما يزعم (المضعف)؟! ولولا أن من عادته الطعن في
الثقات من الرواة - تظاهراً بالتحقيق! - لكان هناك احتمال كبير أن يكون قلمه
سبقه - لأنه كثير التحويش - أراد أن يقول: (الفضيل بن ميسرة) فكتب (المعتمر
ابن سليمان)، ولا سيما وهو مجرد ناقل غير حافظ! وهذا يذكرني بحكاية (جحا)
الراعي حين فجأ أهل القرية - مازحاً - بأن الذئب سطا على الغنم، فصدقوه، وفي
المرة الأخرى كذبوه، مع أنه كان صادقاً فيها!!
والرجل الآخر: الشيخ شعيب، فإنه قال في التعليق على "الإحسان":
"حديث حسن، أبو حريز حديثه حسن في الشواهد، فقد توبع".
ثم خرجه من طريقين آخرين ضعيفين عن عكرمة قال: "به"، مع أنه ليس
فيهما الزيادة، وفي أحدهما زيادة أخرى مستنكرة، خرجته من أجلها في "ضعيف
أبي داود" (352)، وهو بدون الزيادتين متفق عليه من حديث أبي هريرة، وهو
مخرج في "الإرواء" (6/288 - 290) مع أحاديث أخرى نحوه، وبعضها في
"الإحسان" (4068، 4117، 4118). ولذلك، فإني أستبعد صدور مثل هذا
التحسين والتخريج الهزيل ممن مضى عليه زمن طويل في هذا الفن، ويغلب على
الظن أنه من بعض المتمرنين على يديه من الموضفين، وهذا من شؤم الإعراض عن
قول العلماء: (من بركة العلم عزو كل قول إلى قائله). وإن من آثار هذا
الإعراض: تعدد أسماء المحققين على الكتاب الواحد، حتى وصلت في بعض
المطبوعات إلى خمسة أسماء أو أكثر! وبذلك تضييع مسؤولية الأخطاء العلمية التي
تقع في الكتاب! وهذا يذكرني بإلغاء وظيفة (المفتي)، واستبدال (لجنة الإفتاء)
بها، ومن أسباب ذلك قلة العلماء.

(14/66)


@@@ 67
ثم ألقي في البال: أنه لعل ذلك التحسين الهزيل هو من المعلق على الطبعة
الجديدة لكتاب " موارد الظمآن"، فقد رأيته قد نحا ذاك النحو في التحسين، دون
أن ينبه للزيادة التي عزاها لمن لم يخرجها، كدت أن أجزم بذلك، لأنني قد علمت
من بعض كتاباته ومقدمته أنه كان يعمل يوماً ما مع الشيخ شعيب في "الإحسان" ،
فصدني عن الجزم به أنني رأيت الشيخ وقرينه في تحقيق طبعة المؤسسة للكتاب
المذكور (1/ 548) قد حسنا الحديث في ذيله. وقد زاد الطين بلة، وفي
الوهم غفلة: أنهما علقا عليه ما نصه:
"جاء في حاشية الأصل: علقه البخاري. قلت: علقه البخاري بإثر حديث
(5108) المختصر من حديث أبي هريرة، وليس من حديث ابن عباس".
فأوهما بهذا التعليق أن الحديث بالزيادة عند البخاري عن أبي هريرة، لأنهما
لم يأخذا على (المحشي) إلا أنه أوهم أنه عند البخاري عن ابن عباس! ظلمات
بعضها فوق بعض، فالحديث ليس في البخاري عن ابن عباس مطلقاً، ولا عن أبي
هريرة، إلا بدون الزيادة - كما تقدمت الإشارة إلى ذلك -.
ويغلب على ظني أن الذي حملهم على التحسين وقوفهم مع قول الحافظ في
"التلخيص" (3/168):
"وثقه ابن معين وأبو زرعة، وضعفه جماعة، فهو حسن الحديث".
قلت: هذا الحكم من الحافظ نحوه قوله فيه في "التقريب":
"صدوق يخطىء".
فمثله ينتقى حديثه، ويتقى منه ما ظهر خطؤه فيه، كهذا، على ما سبق بيانه

(14/67)


@@@68
من كلام ابن عدي والذهبي، على أنه إن سلم منه، فلا يسلم من الفضيل بن
ميسرة، لاعترافه بأن كتابه عن أبي حريز ضاع، فأخذه فيما بعد من إنسان
مجهول. فينبغي الانتباه لهذا.
نعم، قد قال الحافظ عقبه:
"وفي الباب ما أخرجه أبو داود في "المراسيل" عن عيسى بن طلحة قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قرابتها".
قلت: وإسناده في "المراسيل" هكذا (182/208): حدثنا محمد بن عمر
ابن علي: حدثنا أبو عامر: حدثنا سفيان الثوري عن خالد بن سلمة المخزومي عن
عيسى بن طلحة به.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (4/248) قال: ابن نمير عن سفيان
به وزاد:
"مخافة القطيعة". ونحوه في "مصنف عبد الرزاق" (10767).
وهذا إسناد مرسل صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، ولكنه شاذ أو منكر، لأن
قوله" على قرابتها" أعم من قوله في حديث أبي هريرة المتفق عليه: "العمة
والخالة" - كما هو ظاهر -، وقد ذهب قوم إلى ذلك فقالوا مثلاً: لا يجوز الجمع بين
ابنتي العم. قال ابن عبد البر:
"والصحيح أنه لا بأس بذلك ... وعليه فقهاء الأمصار ...." . وانظر تمام
البحث فيه.

(14/68)


@@@ 69
6529 - ( من قال في دبركل صلاة:{ سبحان ربك رب العزة عما
يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين } ، ثلاث
مرات، فقد اكتال بالجريب الأوفى من الأجر ).
موضوع.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (5/240/5124):
حدثنا أحمد بن رشدين المصري: ثنا عبد المنعم بن بشير الأنصاري: ثنا
عبد الله بن محمد الأنسي من ولد أنس عن عبد الله بن زيد بن أرقم عن أبيه
مرفوعاً.
قلت: وهذا موضوع، آفته عبد المنعم هذا، قال أحمد وغيره:
"كذاب". وقال الحاكم:
"يروي عن مالك وعبد الله بن عمر الموضوعات".
واللذان فوقه لم أعرفهما، ولعلهما شخصان وهميان اختلقهما الأنصاري.
والحديث أشار المنذري (2/261 - 262) إلى تضعيفه، وأعله الهيثمي
(10/103) بالأنصاري فقال:
"وهو ضعيف جداً".
ولكنهما قالا: " وعن عبد الله بن أرقم عن أبيه"، وهو خطأ سقط (زيد) من
بين (عبد الله) و (أرقم). ففي ترجمة (زيد بن أرقم) أورده الطبراني، وكذلك
ذكره السيوطي في "الجامع الكبير"، و "الدر المنثور" (5/295)، ومن قبله ابن
كثير (4/25).

(14/69)


@@@ 70
وقد روى من فعله صلى الله عليه وسلم بسند واه جدا عن أبي سعيد الخدري - تقدم برقم
(4201) -، وضعفه ابن كثير.

6530 - ( من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة،
فليقل آخر مجلسه حين يريد أن يقوم: ( سبحان ربك رب العزة عما
يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين ).

ضعيف.
أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" من طريق يونس عن أبي
إسحاق عن الشعبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...ذكره ابن كثير (4/25).
قلت: وإسناده ضعيف، لإرساله، وعنعنة أبي إسحاق - وهو السبيعي -، واختلاطه.
ويونس - هو: ابنه -، مختلف فيه، وهو صدوق يهم قليلاً - كما قال الحافظ - ،
لكن لم يذكروه فيمن سمع من أبيه قبل الاختلاط، ولعله لذلك كان أحمد
يضعف حديثه عن أبيه.
قلت: وعلى هذا فقول الحافظ في "نتائج الأفكار" (1/157/2):
"أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" من مرسل الشعبي بسند صحيح إليه"،
فيه تساهل ظاهر.
ولا يقويه أن البغوي وصله في "تفسيره" (7/66) من طريق الثعلبي
بسنده عن ثابت بن أبي صفية عن أصبغ بن نباتة عن علي قال:
"من أحب أن يكتال ...." الحديث.

(14/70)


@@@ 71
أقول: لا يقويه، لأن (أصبغ بن نباتة) متروك - كما في "التقريب" وغيره -.
وثابت بن أبي صفية، ضعيف.
والمحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس إنما هو:
"سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك".
وفي ذلك عدة أحاديث خرجها الحافظ المنذري في "الترغيب" (2/236 -
237)، وتكلمت على أسانيدها في "التعليق الرغيب"، و "الكلم الطيب" (114)،
و "المشكاة" (2433)، و "الروض النضير" (305،308)، و "الصحيحة"
(3164).
وروي حديث الترجمة من طريق واهية جداً بزيادة في متنه، ونقص من طريق
بشر بن الحسين: ثنا الزبير بن عدي عن أنس بن مالك مرفوعاً بلفظ:
"من سره أن يكال بالقفيز، فليقل: {سبحان الله حين تمسون}
إلى قوله: {وكذلك تخرجون}، { سبحان ربك رب العزة عما يصفون} ..."
إلى آخره.
أخرجه الثعلبي في "التفسير" (ق 68 - 69)، والواحدي في "الوسيط" (3/
185/1).
وآفته بشر هذا، فإنه كذاب روى عن الزبير بن عدي موضوعات، رماه بذلك
أبو حاتم وغيره. وتقدمت له أحاديث.

(14/71)


@@@ 72
6531 - ( ما أنت بمنته يا عمر؟!) .
منكر.
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/40) من طريق إسحاق بن
عبد الله عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال:
سألت عمر رضي الله عنه: لأي شيء سميت (الفاروق)؟ قال:
أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت: الله لا إله
إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة هي أحب إلي من نسمة رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قلت: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت أختي: هو في دار الأرقم بن[أبي] (*)
الأرقم عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار ورسول
الله صلى الله عليه وسلم في البيت فضربت الباب فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة ما لكم؟
قالوا عمر بن الخطاب، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نتره نترة فما تمالك
أن وقع على ركبتيه، فقال:
" ما أنت بمنته يا عمر؟ "
قال قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك محمداً عبده ورسوله.
قال فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، قال فقلت: يا رسول الله !
ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال:
" بلى! والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم "
قلت ففيما الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن!فأخرجناه في
صفين، حمزة في أحدهما وأنا في الآخر ولي كديد ككديد الطحين حتى دخلنا
__________
(*) مابين المعقوفتين ليست في أصل الشيخ رحمه الله، تبعاً لـ "الحلية". (الناشر).

(14/72)


@@@ 73
المسجد، قال فنظرت إلى قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها،
فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ (الفاروق)، وفرق الله بي بين الحق والباطل).
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، إسحاق بن عبد الله - وهو: ابن أبي فروة -،
قال البخاري:
"تركوه". وقال أحمد:
"لا تحل - عندي - الرواية عنه". وكذبه بعضهم.
ثم أخرجه أبو نعيم، وكذا البزار (3/169 -171) من طريق إسحاق بن
إبراهيم الحنيني: ثنا أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: قال لنا عمر
رضي الله عنه: أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي؟ قلنا: نعم. قال: ... فذكر قصة
إسلامه مطولة جداً، وليس فيها سبب تسميته بـ (الفاروق)، ولا ذكر لـ (الصفين)،
واختصر منها أبو نعيم قصته قبل إسلامه مع أخته وزوجها، وقال البزار عقبه:
"لا نعلم رواه بهذا السند إلا (الحنيني)، ولا نعلم في إسلام عمر أحسن
من هذا الإسناد، على أن (الحنيني) خرج من المدينة، فكف واضطرب حديثه".
قلت: هو نحو ابن أبي فروة - أو قريب منه -، قال البخاري:
"في حديثه نظر". وقال النسائي:
"ليس بثقة". وقال ابن عدي:
"ضعيف، ومع ضعفه يكتب حديثه".
ومن طريقه أخرجه عبد الله بن أحمد في "فضائل الصحابة" (1/285 -

(14/73)


@@@ 74
288)، وذكر في إسلام عمر رضي الله عنه عدة روايات لا يصح شيء من
أسانيدها - مع وضوح التعارض بينها -، ومن أحسنها إسناداً مع الاختصار ما
أخرجه أحمد (1/17)، ومن طريقه ابن الأثير في " أسد الغابة" (3/644)
من طريق شريح بن عبيد قال: قال عمر رضي الله عنه:
خرَجْتُ أَتَعَرَّضُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى
الْمَسْجِدِ فَقُمْتُ خَلْفَهُ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْحَاقَّةِ فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ مِنْ تَأْلِيفِ
الْقُرْآنِ قَالَ فَقُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ شَاعِرٌ كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ قَالَ فَقَرَأَ{ إِنَّهُ لَقَوْلُ
رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ } قَالَ قُلْتُ كَاهِنٌ قَالَ:
{ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ
الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ .ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ
حَاجِزِينَ }
إِلَى آخِرِ السُّورَةِ قَالَ فَوَقَعَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِي كُلَّ مَوْقِعٍ.
ورجال إسناده ثقات، فالإسناد صحيح، لولا أن شريح بن عبيد لم يدرك عمر
بن الخطاب. ونحوه في "المجمع" (9/65)، إلا أنه وقع فيه معزواً للطبراني في
"الأوسط"، وهو وهم لعله من غيره.
(تنبيه): عزا الحافظ حديث ابن عباس لأبي جعفر بن أبي شيبة، وحديث
عمر للبزار، وسكت عنهما في "الفتح" (7/48) فما أحسن، لأنه يوهم - حسب
اصطلاحه - أن كلاً منهما حسن، وليس كذلك - كما رأيت - ، ولعل ذلك كان
السبب أو من أسباب استدلال بعض إخواننا الدعاة على شرعية (المظاهرات)
المعروفة اليوم، وأنها كانت من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة! ولا تزال بعض
الجماعات الإسلامية تتظاهر بها، غافلين عن كونها من عادات الكفار وأساليبهم

(14/74)


@@@ 75
التي تتناسب مع زعمهم أن الحكم للشعب، وتتنافى مع قوله صلى الله عليه وسلم : "خير الهدى
هدى محمد صلى الله عليه وسلم ".
ثم رأيت لحديث الترجمة شاهداً، يرويه إسحاق بن يوسف الأزرق قال:
أخبرنا القاسم بن عثمان البصري عن أنس بن مالك قال: ... فذكره مطولاً
بنحوه ليس فيه تسميته بـ (الفاروق) ولا ذكر (الصفين).
أخرجه ابن سعد في "لطبقات" (3/267 - 269)، والبيهقي في "دلائل
النبوة" (2/219 -220).
وعلته القاسم هذا، قال الذهبي في "الميزان":
"قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها، قلت: حدث عنه إسحاق الأزرق
بمتن محفوظ (1)، وبقصة إسلام عمر، وهي منكرة جداً".
وزاد الحافظ في "اللسان":
"وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الدارقطني في "السنن": ليس
بالقوي".
قلت: وقال ابن حبان (5/307):
"ربما أخطأ".
وحديث البزار عن الحنيني أعله الهيثمي (9/64) بشيخه أسامة فقال:
__________
(1) قلت: كأنه يشير إلى حديثه عن أنس عن أبي ذر قال: أوصاني خليلي بثلاث ...
الحديث. رواه (بحشل) في "تاريخ واسط" (ص 212) عن إسحاق عنه.

(14/75)


@@@ 76
"وفيه أسامة بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف".
فكتب الحافظ ابن حجر تعليقاً عليه فقال - كما في الحاشية -:
"وفيه من هو أضعف من أسامة، - وهو: إسحاق بن إبراهيم الحنيني -، وقد
ذكر البزار أنه تفرد به".
قلت: فمن الغرائب أن الحافظ سكت عن إسناده في كتابه "مختصر زوائد
مسند البزار" (2/292) كما سكت عنه في "الفتح"!!

6532 - ( ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي؟ إن مثلي ومثلك
كأبي زرع مع أم زرع .... ).
منكر.
أخرجه أبو القاسم عبد الحكيم بن حيان بسند له مرسل من طريق
سعيد بن عفير عن القاسم بن الحسن عن عمرو بن الحارث عن الأسود بن جبر
المغافري قال:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وفاطمة، وقد جرى بينهما كلام، فقال: ...
فذكره. كذا في "فتح الباري" (9/257-258) وعلى حاشيته:
"الأسود بن جبر غير مذكور في "الإصابة"، وسائر السند يحتاج إلى تحقيق".
فأقول:
أولاً: لا يوجد في الرواة هذا الاسم (الأسود بن جبر المغافري)، ويغلب على
ظني أنه محرف (الأسود بن خير) - وهو: أبو خير المصري -، روى عن بكر بن
عمرو المعافري، وعنه عبد الله بن يزيد المقريء ومعاوية بن يحيى أبو مطيع، كما في

(14/76)


@@@ 77
"تاريخ البخاري" (1/1/445)، و "الجرح والتعديل" (1/294)،
لكن فيه (المهري) مكان (المصري)، وفي "ثقات ابن حبان" (8/129):
(البصري) ولعل ما في "التاريخ" أصح، لأن سائر رجاله المعروفين مصريون.
ثانياً: قوله: (المغافري) بالغين المعجمة، ولا وجود أيضاً لهذه النسبة في كتب
"الأنساب" - فيما علمت-، فالظاهر أنه محرف (المعافري) نسبة إلى (معافر)
اسم جد ينسب إليه كثير من المصريين.
ثالثاًَ: وأظن أن المعافري هذا - هو: بكر بن عمرو المعافري - المذكور في ترجمة
(الأسود بن خير) سقط حرف (عن) بينه وبين (المعافري). وإذا صح هذا
فيكون الإسناد معضلاً، لأن (بكراً) من الطبقة السادسة عند الحافظ، وهم الذين
لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة، بل هو معضل على كل حال، فإن ابن حبان
أورد "الأسود" هذا في الطبقة الرابعة، وهي عنده: الذين رووا عن أتباع التابعين.
والله أعلم، فإنه يحتمل أن يكون من رواية الأقران بعضهم لبعض.
رابعاً: سعيد بن عفير - هو: سعيد بن كثير بن عفير - نسب إلى جده.
خامساً: لم أجد لشيخه (القاسم بن الحسن)، ولا لمخرجه (أبو القاسم
عبد الحكيم بن حيان) ترجمة.
والحديث قد أشار الحافظ إلى تضعيفه بقوله آنفاً: إنه مرسل. ويؤيد قوله
في حديث آخر صحيح فيه ذكر (الحميراء) - كنت خرجته في "الصحيحة" برقم
(3277)-:
"إسناد صحيح، ولم أر في حديث صحيح ذكر (الحميراء) إلا في هذا".

(14/77)


@@@ 78
ثم إن هناك سبباً آخر لحديث (أم وزع) ذكره الحافظ أيضاً من رواية النسائي،
يعني: في "الكبرى" (5/358/9138) من طريق عمر بن عبد الله بن عروة عن عروة
عن عائشة قالت:
فخرت بمال أبي في الجاهلية، وكان ألف ألف أوقية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
"اسكتي يا عائشة! فإني كنت لك كأبي زرع لأم زرع".
قلت: وسكت عليه فأشعر بثبوته، بل قد صرح بصحته قبيل ذلك (9/
257)، وفيه نظر، فقد أخرجه النسائي، وكذا البخاري في "تاريخه" (1/1/
224-225)، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/578/1238)، والطبراني
في "المعجم الكبير" (23/173-176) من طريق محمد بن محمد بن محمد أبي
نافع: حدثني القاسم بن عبد الواحد: حدثني عمر بن عبد الله بن عروة به.

قلت: وتصحيح هذا الإسناد من الحافظ من غرائبه، فإن هؤلاء الثلاثة من
عمر، ومن دونه هم في "تقريبه" من (المقبولين)، أي: عند المتابعة، وإلا، فلين
الحديث، كما نص عليه في "مقدمته". أعني لـ "تقريبه"، يعني: أن أحدهم
يكون ضعيف الحديث عند التفرد، وبالأولى عند المخالفة - كما هو الشأن هنا -، فإن
هذا السبب لم يرد في شيء من طريق الحديث عن عروة، وقد تكلم الحافظ عليها،
وأشار إلى زوائدها وفوائدها، ومنها هذا الطريق، وأنا أرى أن مثله لا ينبغي أن يعتد
بما فيه من زيادة، أو فائدة وهو مسلسل بـ (المقبولين) عنده، ولا سيما والحافظ
الذهبي قد أورد هذا الحديث في "الميزان" من مناكير (القاسم بن عبد الواحد)
وقال عقبه:
"قلت: "ألف" الثانية باطلة قطعاً، فإن ذلك لا يتهيأ لسلطان العصر".

(14/78)


@@@ 79
وهذا القطع وإن كان الحافظ قد غمز منه في آخر ترجمة (القاسم) هذا من
"التهذيب" بقوله عقبه:
"كذا قال!".
فإني لا أجد فيه ما يستلزم رده، بل لعل الإمام البخاري قد أشار إلى استنكاره
للحديث بإيراده إياه في ترجمة (القاسم) هذا.
على أنني أرى بأن الحديث على محمد بن محمد أبي نافع
أولى من الحمل على شيخه القاسم، لأنه لم يرو عنه غير واحد بخلاف من فوقه،
ولذلك قال في "الميزان":
"لايكاد يعرف، روى حديثاً عن القاسم بن عبد الواحد، رواه عنه عبد الملك
الجدي، ذكره ابن حبان في "ثقاته" ". وقال في "المغني":
"فيه جهالة". وأشار إلى تليين توثيق ابن حبان في "الكاشف" فقال:
"وُثق". وهو في "ثقات ابن حبان" (9/38) برواية الجدي هذا.

6533 - (لا ربا بين أهل الحرب وأهل الإسلام).
منكر.
قال الشافعي في "الأم" (7/326) - وعنه البيهقي في "المعرفة"
(7/47 - 48) -:
"قال أبو حنيفة رضي الله عنه : لو أن مسلماً دخل أرض الحرب بأمان فباعهم
الدرهم بالدرهمين، لم يكن بذلك بأس، لأن أحكام المسلمين لا تجري عليهم،
فبأي وجه أخذ أموالهم برضى منهم، فهو جائز".

(14/79)


@@@ 80
قال الأوزاعي: الربا عليه حرام في أرض الحرب وغيرها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد وضع من ربا أهل الجاهلية ما أدركه الإسلام من ذلك، وكان أول ربا وضعه ربا
العباس بن عبد المطلب، فكيف يستحل المسلم أكل الربا في قوم قد حرم الله عليه
دماءهم وأموالهم؟ وقد كان المسلم يبايع الكافر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا
يستحل ذلك.
وقال أبو يوسف: القول ما قال الأوزاعي: لا يحل هذا ولا يجوز، وقد بلغتنا
الآثار التي ذكر الأوزاعي في الربا، وإنما أحل أبو حنيفة هذا، لأن بعض المشيخة
حدثنا عن مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ... فذكر الحديث.
قال الشافعي رحمه الله:
"القول كما قال الأوزاعي وأبو يوسف، والحجة كما احتج الأوزاعي، وما
احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة ليس بثابت، فلا حجة فيه".
قلت: ومن تعصب بعض الحنفية لإمامهم أبي حنيفة رحمه الله: قول العيني
في "البناية شرح الهداية" (6/571) عقب قول الشافعي المذكور:
"قلت: لا نسلم عدم ثبوته، لأن جلالة قدر الإمام لا تقتضي أن يجعل
لنفسه مذهباً من غير دليل واضح. وأما قوله: ولا حجة فيه. فبالنسبة إليه، لأن
مذهبه عدم العمل بالمرسلات، إلا مرسل سعيد بن المسيب، والمرسل عندنا حجة
على ما عرف في موضعه. والله أعلم".
قلت: وهذا رد عجيب غريب لا يصدر من عالم فقيه، ورده من وجوه:
الأول: قوله: " .... من غير دليل واضح".

(14/80)


@@@ 81
فأقول: وكذلك شأن سائر الأمة، ومنهم الذين خالفوه: الأوزاعي والشافعي
وأبو يوسف. فهل خالفوه "من غير دليل واضح"؟! أم الأدلة متناقضة؟ كلا، لا
هذا ولا هذا. وإنما هو الصواب وخطأ، ولذلك قال الله تعالى: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ }، فالتعصب لإمام منهم
معناه الرضا بالتنازع والعياذ بالله.
الثاني: التزام القول بثبوت الحديث يعني القول بإباحة الربا في دار الحرب
سواء كان الربا لصالح المسلم، أو لصالح الحربي، وهذا ينافي تعليلهم الإباحة بأن
مال الحربي مباح، وهم لا يقولون بذلك، ولهذا قال ابن الهمام في "فتح القدير"
(6/178):
"وقد التزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم من حل الربا والقمار ما إذا
حصلت الزيادة للمسلم نظراً إلى العلة، وإن كان إطلاق الجواب خلافه. والله
سبحانه وتعالى أعلم بالصواب".
قلت: وبهذا يظهر تناقضهم، فإنهم إن أصروا على تصحيح الحديث، بطل
تعليلهم، ووجب عليهم الأخذ بعمومه، وهنا تتجلى المخالفة التي من أجلها رفض
الحديث الأئمة الثلاثة، وإن ظلوا متمسكين بالتعليل، لم يستفيدوا من الحديث
شيئاً، لأن التعليل أغناهم عن دلالته التي قيدوه به!
وإن من العجيب أيضاً أن ابن الهمام قرن مع الربا (القمار)، وهذا لا يمكن أن
يضمن كونه في صالح المسلم - كما هو ظاهر -، وهذا في الواقع ممن يشعر أنهم
يقولون بعموم الحديث. ولعل هذا من أسباب إقبال كثير من أغنياء المسلمين
ودولهم على إيداع أموالهم في بنوك الحربيين. والله المستعان.

(14/81)


@@@ 82
وأما الحافظ الزيلعي الحنفي، فقد أورد الحديث بلفظه في "الهداية":
"لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب". وقال (4/44):
"غريب".
يعني: لا أصل له بهذا اللفظ. ثم خرجه من رواية البيهقي عن الشافعي،
ونقل قوله المتقدم في تضعيفه، وأقره.
وكذا في "الدراية" للحافظ ابن حجر (2/158)
الثالث: قوله: "والمرسل عندنا حجة على ما عرف في موضعه".

قلت: ليس هو حجة عندهم على إطلاقه، بحيث يشمل كل عدل - كما هو
المشهور عندهم -، وجرى عليه الشيخ التهانوي في كتابه الذي سماه "قواعد في
علوم الحديث"، وكان الأحرى به أن يضيف إليه: "على مذهب الحنفية"، لأنه
هو حال هذا الكتاب، والأدلة على ذلك كثيرة، وحسبنا الآن ما نحن بصدده، فإنه
عقد فيه فصلاً خاصاً في (أحكام المراسيل)، قال بعد أن ذكر الخلاف في قبول
مرسل أهل القرون الثلاثة (ص 140):
"والمختار قبول مراسيل العدل مطلقاً".

ثم بين (ص 147) أن ذلك ليس مقيداً بالتابعي، بل هو يشمل القرون
الثلاثة، فإنه سرد أسماء كثير من الرواة العدول، وأقوال المحدثين فيهم قبولاً ورفضاً
لمراسيلهم، ومنهم : الحسن البصري وسفيان بن عيينة، وقول بعض المحدثين في
مراسيلهما: إنها كالريح!
فتعقب ذلك بقوله (ص 157):

(14/82)


@@@ 83
"قلت: هذا الكلام لا يتمشى على أصلنا، فإن كل هؤلاء من أهل القرن
الثاني أو الثالث، ومراسيلهم مقبولة عندنا!
ثم ختم الشيخ التهانوي فصله بأن الحق (المدلس) من القرون الثلاثة بـ
(المرسِل) منهم! (ص 158 - 159).

وعلى هذا فإني أقول: على علم الحديث السلام، وعلى جهود المحدثين في
حفظهم للأسانيد، ومعرفة طبقات الرواة ووفياتهم، وعلل الحديث، كالإرسال،
والانقطاع، والإعضال، والتدليس وأنواعه، فقد عاد كل ذلك على مذهبهم مما لا
قيمة له تذكر، فإن أصحاب الكتب الستة مثلاً كلهم من القرن الثالث، وآخرهم
وفاة الترمذي (279)، فإن قال أحدهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من فوقه،
صار الحديث عندهم صحيحاً! ولذلك كثرت الأحاديث الضعيفة، بل والموضوعة
في كتبهم أكثر مما هي في كتب غيرهم من بقية المذاهب الأربعة، وكثير منها لا
سنام لها ولا خطام، وبنوا عليها مع ذلك علالي وقصوراً وأحكاماً، وهي التي
يتلطف نابغتهم الحافظ الزيلعي في الحكم عليها بقوله: "غريب"! مكان قول
المحدث: "لا أصل له"!
وبعد، فإن المقصود هنا: أن بعض محققيهم كأنه رأى أن في إطلاق لفظ
(العدل) في تعريفهم للحديث (المرسل) توسعاً غير مرضي، ولا هو محمود
العاقبة، وبخاصة مع ذلك التوسع الآخر "القرون الثلاثة"! فقيَّده بقوله:
"المرسل: قول الإمام الثقة: قال عليه الصلاة والسلام".
هكذا قاله المحقق ابن الهمام وهو من كبار علمائهم، وله آراء يخالف فيها
مذهبهم، مما يدل على أنه من المجتهدين في المذهب، قال ذلك في كتاب "التحرير

(14/83)


@@@ 84
في أصول الفقه".
وفسر شارحه (1) كلمة (الإمام) بقوله (3/102):
"من أئمة النقل، وهو من له أهلية الجرح والتعديل"؟
قلت: وبهذا القيد ضاقت جداً دائرة الإطلاق، فلم تعد تشمل كثيراً من
الثقات المتقدمين فضلاً عن المتأخرين، ثم انحصرت في أئمة النقل وهم المحدثون،
فخرج منها الفقهاء المجتهدون الذين لا يعرفون بأنهم من أئمة النقل والجرح
والتعديل، فكيف إذ كان أئمة الجرح قد تكلموا فيهم؟ هذا ما أردت كتبه بياناً
للحقيقة، وتبصيراً للأذهان.
ومن الغرائب حقاً: أن الشيخ التهانوي لم يتعرض لكلام ابن همام هذا بذكر!
ولا المعلق عليه الشيخ أبو غدة الحلبي، بل إنه لم [يرد] له ذكر في الكتاب إلا مرة
واحدة، ناقلين عنه (ص 57) أن المجتهد إذا استدل بحديث، كان تصحيحاً له!
وهذا من مخالفاتهم للمقرر في علم المصطلح.

6534 - ( حوضي أشرب منه يوم القيامة ومن اتبعني من الأنبياء ،
ويبعث الله ناقة ثمود لصالح فيحلبها فيشربها والذين آمنوا معه حتى
توافي بها الموقف معه ولها رغاء، قال : فقال له رجل من القوم وأظنه معاذ
بن جبل : يا رسول الله ، وأنت يومئذ على العضباء ؟ قال : لا ، ابنتي ف
اطمة على العضباء ، وأحشر أنا على البراق وأختص به دون الأنبياء .
قال : ثم نظر إلى بلال فقال : يحشر هذا على ناقة من نوق الجنة فيقدمنا
__________
(1) هو (أمير باد شاه). وكذا في الشرح الآخر لابن أمير الحاج (2/288).

(14/84)


@@@ 85
بالأذان محضا . فإذا قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، قالت الأنبياء مثلها :
ونحن نشهد أن لا إله إلا الله . فإذا قال : أشهد أن محمدا رسول الله ،
فمن مقبول منه ومردود عليه ، فيتلقى بحلة من حلل الجنة ، وأول من
يكسى يوم القيامة من حلل الجنة بعد الأنبياء الشهداء وصالح المؤمنين).

موضوع.
رواه العقيلي في "الضعفاء" (254) عن عبد الكريم بن كيسان
عن سويد بن عمير مرفوعاً. وقال:
"عبد الكريم مجهول بالنقل، وحديثه هذا غير محفوظ". قال الذهبي:
"قلت: هو موضوع". وأقره الحافظ في "اللسان".
ثم رأيت الحديث في "موضوعات ابن الجزري" (3/244-245) من
طريق العقيلي، وقال:
" هذا حديث لا أصل له". ثم ذكر كلام العقيلي.
وتعقبه السيوطي في "اللآلي" (2/444 -445) بما رواه ابن عساكر في
"تاريخه" من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس: حدثنا سلام بن سلم (الأصل:
سلام): حدثنا جبلة بن عثمان عمن حدثه عن مكحول عن كثير بن مرة
الحضرمي مرفوعاًً. وبما رواه أبو الشيخ في "كتاب الأذان" من طريق عمر بن صبح
عن مقاتل بن حيان عن كثير بن مرة الحضرمي [عن] ابن أبي أوفى مرفوعاً.
وسكت عنه هو وابن عراق، بل وأورده هذا (2/380)، وانصرف عن
الكشف عن علته بالتحدث عن ترجمة (سويد بن عمير)!

(14/85)


@@@ 86
وفي الطريق الأولى (سلام بن سلم) - وهو: الطويل -، متروك، وكذبه
بعضهم. وفي الأخرى (عمر بن صبح) متروك أيضاً، وكذبه ابن راهويه.
ومما تقدم يعلم تساهل الهيتي في "الفتاوى الحديثية" (1/18) بسكوته
على الحديث، وكذا الشيخ (البربهاري) بإشارته إليه محتجاً به في كتابه "شرح
السنة" (72/19)، وهو ممن لا يعتمد عليه في الحديث.

6535 - (مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم يصلي مثل الذي
يتوضأ بالقيح ودم الخنزير، ثم يقوم فيصلي - وفي رواية: يقول: - لا
تقبل صلاته).

منكر.
أخرجه أحمد (5/370): ثنا مكي بن إبراهيم: ثنا الجعيد عن
موسى بن عبد الرحمن الخطمي أنه سمع محمد بن كعب - وهو يسأل عبد الرحمن -
يقول: أخبرني ما سمعت أباك يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عبد الرحمن:
سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ....فذكره.

ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في "التاريخ" (4/1/291 -292)، وأبو
يعلى في "مسنده" (1104، 1102)، والبيهقي في "السنن" (10/215)،
وفي "شعب الإيمان" (5/237-238) كلهم من طريق مكي به، إلا أن
الرواية الثانية ليست إلا في رواية أبي يعلى ورواية "الشعب".
وقال أبو يعلى: (عبد الرحمن بن أبي سعيد)! وهي شاذة، وعليها يكون
صحابي الحديث (أبو سعيد الخدري)! وإنما هو (أبو عبد الرحمن الخطمي)،
كما في رواية أحمد وغيره عن مكي، وبخاصة أنه قد توبع، فقال الطبراني في
"المعجم الكبير" (22/292-293): حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة:

(14/86)


@@@ 87
ثنا منجاب بن الحارث وسعيد بن عمرو الأشعثي قالا: ثنا حاتم بن إسماعيل: ثنا
الجعيد بن عبد الرحمن به، لم يقل: "ابن أبي سعيد".
قلت: وهذه متابعة قوية من حاتم بن إسماعيل الثقة، لكن شيخ الطبراني
(محمد بن عثمان بن أبي شيبة) فيه كلام كثير، فأخشى أن يكون هذا من
أوهامه. والله أعلم.

وفي ترجمة أبي عبد الرحمن الخطمي ذكر الحديث في "الإصابة" من رواية
البخاري والطبراني.
وعلة الحديث موسى بن عبد الرحمن هذا، فقد أورده البخاري في "التاريخ"،
وابن أبي حاتم (4/1/150)، ولم يذكر له راوياً غير الجعيد هذا، فهو مجهول،
وهو ما صرح به الحسيني، وأقره الحافظ في "التعجيل" (415/1008)،
وخفي ذلك على شيخه الهيثمي، فقال في "المجمع" (8/113) - بعدما عزاه
لأحمد وأبي يعلى والطبراني-:
"وفيه موسى بن عبد الرحمن الخطمي، ولم أعرفه، وباقي رجاله ثقات".
ومن الغريب أن الحافظ لما ذكر الحديث في "التلخيص" (4/199) لم يزد
على أن ساق إسناد أحمد به! وكذلك المجد ابن تيمية في "المنتقى" عزاه لأحمد
ساكتاً على عادته! وأما شارحه الشوكاني فما صنع شيئاً، سوى أنه نقل ما في
"التلخيص" و "المجمع"! فانظر (8/78-79)، وفي "السيل الجرار" (4/
378) نقل كلام الهيثمي فقط! بعد أن ساق بعض الأحاديث الصحيحة في
النرد، واحتج بها على تحريم النرد وقال:
"إن دلالتها واضحة بينة". وهو كما قال رحمه الله، وفيما صح ما يغني عما

(14/87)


@@@ 88
لم يصح.
وقد أشار إلى ذلك البعض المعلق على "مسند أبي يعلى" بقوله:
"وفي الباب عن بريدة ....و" إلخ. وهذا اصطلاح قل من يفهمه من القراء،
فكان الأولى أن يشار إلى ذلك بمثل قوله: وفي النهي عن اللعب بالنرد أحاديث
صحيحة تغني عن هذا مثل حديث بريدة بلفظ كذا ... و ...، فقد يفهم الكثير
من إطلاق لفظ (الباب) أنه نفس الحديث.

6536 - ( ما من آدمي إلا وله خطايا وذنوب يقترفها، فمن كانت
سجيته العقل وغريزته اليقين لم تضره ذنوبه ، قيل : وكيف ذلك يا
رسول الله ؟ قال : « لأنه كلما أخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة وندامة
على ما كان منه فيمحق ذلك ذنوبه ويبقى له فضل يدخل به الجنة ).

موضوع.
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" (ق 100/2-زوائد
المسند): حدثنا داود بن المحبر: ثنا ميسرة عن موسى بن عبيدة عن الزهري عن
أنس بن مالك قال:
قيل: يارسول الله! الرجل يكون حسن العقل، كثير الذنوب؟ قال: ....
فذكره.

قلت: وهذا موضوع، آفته ميسرة - وهو: ابن عبد ربه -، كذاب مشهور،
تقدمت له أحاديث، فانظر الحديث (221).
ومثله داود بن المحبر، فانظر الحديث (1).

(14/88)


@@@ 89
وهذا الحديث ذكره الحافظ في جملة أحاديث ساقها في "المطالب العالية"
(3/13-23 رقم 2742 -2771) تحت قوله:
" ومن كتاب "العقل" لداود بن المحبر أودعها الحارث بن أبي أسامة في
"مسنده" وهي موضوعة كلها".

6537 - ( ما من أحد من بني آدم يقول أحد عشر مرة: لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، أحداً صمداً {لم يلد ولم يولد}، إلا كتب الله له
ألفي حسنة، ومن زاد زاده الله).
منكر جداً.
ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (2/182/2032) فقال:
"سألت أبي عن حديث رواه مروان عن فايد عن محمد بن المكندر عن جابر
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ....(فذكره) قال أبي: هذا حديث منكر".
قلت: وفايد - هو: أبو الورقاء - ، قال الحافظ:
"متروك اتهموه". وقال الذهبي في "المغني":
"تركه أحمد والناس".
ومروان - هو: ابن معاوية الفزاري - ، قال الذهبي في "الميزان":
"ثقة عالم صاحب حديث، لكن يروي عمن هب ودب، فيُستأني في
شيوخه".

(14/89)


@@@ 90
6538 - ( ما تحت أديم السماء إله يعبد من دون الله أعظم من هوىً
متبعٍ).

موضوع.
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (6/118) عن بقية عن عيسى
ابن إبراهيم عن راشد عن أبي أمامة مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، عيسى بن إبراهيم هذا - هو: ابن طهمان
الهاشمي -، قال ابن معين:
"ليس بشيئ". وقال البخاري (3/2/407):
"منكر الحديث". وقال أبو حاتم (3/1/272):
"متروك الحديث". وقال النسائي، كما في "الميزان":
"متروك". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/121):
"يروي المناكير عن جعفر بن برقان، كأنه جعفر آخر، لا يجوز الاحتجاج به".
قلت: فهو مجمع على تركه، فالعجب من مضعف الأحاديث الصحيحة،
وهدام كتب الأئمة بتعليقاته الكثيرة الجاهلة!
أقول: العجب منه وهذت حاله من التشدد في التضعيف الذي لم يسبق إليه،
كيف قنع في هذا الإسناد على التضعيف اليسير بقوله في تعليقه على "إغاثة
اللهفان" لابن القيم - وقد ضعف في التعليق عليه، وعلى غيره مئات الأحاديث
الصحيحة (2/186) - :

(14/90)


@@@ 91
"أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (6/118) من حديث أبي أمامة بإسناد
ضعيف"!
أقول: هذا مع العلم بأن ابن القيم لم يصرح بأنه حديث مرفوع إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه قال:
"وفي الأثر....". وهذا يحتمل كلاً من الوقف والرفع في اصطلاح العلماء.
والله أعلم.
على أن الإسناد أسوأ حالاً مما ذكرنا عند التحقيق، فإنه يبدو أنه قد سقط من
إسناد أبي نعيم راويان واهيان جداً: الحسن بن دينار، والخصيب بن جحدر، فقد
أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (8/3)، وابن عدي في "الكامل" (2/
301)، وأبو القاسم الأصبهاني (ق 35/1 و 44/1) من طرق عن بقية:
حدثنا عيسى بن إبراهيم: حدثني ابن دينار عن الخصيب عن راشد بن سعد به.

وقد توبع بقية، فقال الخرائطي في "اعتلال القلوب" (1/15/2):
حدثنا عباد بن الوليد: حدثنا إسماعيل الصفار: حدثنا الحسن بن دينار به.
ومن طريق الخرائطي أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/139)،
وقال:
"هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه جماعة ضعاف، والحسن
ابن دينار والخصيب كذابان عند علماء النقل".
قلت: ترجمتهما سيئة جداً، وقد كذبهما غير واحد، فراجع، إن شئت
"الميزان" و "اللسان".

(14/91)


@@@ 92
و "الضعاف" الذين أشار إليهم ابن الجوزي لم أعرفهم غير المتهمين المذكورين،
وأما شيخه عباد بن الوليد - هو: أبو بدر المؤدب البغدادي -، فهو صدوق - كما قال
ابن أبي حاتم والحافظ -، وروى عنه جماعة من الثقات والحفاظ.
وأما (إسماعيل الصفار) ووقع في "اللآلي" (2/322) (إسماعيل بن
نصر الصفار) ولم أعرفه، ويحتمل أن يكون فيه شيء من التحريف، فقد أخرجه
الطبراني في "المعجم الكبير" (8/122-123) من طريق أحمد بن يونس: ثنا
إسماعيل بن عياش عن الحسن بن دينار به.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/188):
"رواه الطبراني في "الكبير" وفيه الحسن بن دينار، وهو متروك الحديث".
كذا قال! وفوقه من هو مثله أو أسوأ منه، فإعلاله به أولى من إعلاله بمن هو
دونه - كما هو ظاهر -، أو بهما كليهما، وهو الأولى.

6539 - ( نهى عن عشر : الوشر و الوشم و النتف وعن
مكامعة الرجل الرجل بغير شعار و مكامعة المرأة المرأة بغير شعار و أن
يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرا مثل الأعاجم و أن يجعل على منكبيه
حريرا مثل الأعاجم و عن النُّهْبى و ركوب النمور ، و لبس الخاتم ؛
إلا لذي سلطان ).

ضعيف.
أخرجه أبو داود (4049)، والنسائي (2/282) - مختصراً -
والبيهقي (3/277)، وأحمد (4/135)، وابن عبد البر في "التمهيد"
(17/104) من طريق أبي الحصين الهيثم بن شفى قال:

(14/92)


@@@ 93
خرجت أنا وأبو عامر المعافري نصلي بـ (إيلياء) - وكان قاضيهم رجلاً من
الأزد يقال له: (أبو ريحانة) من الصحابة - قال أبو الحصين: فسبقني صاحبي
إلى المسجد، ثم أدركته، فجلست إلى ناحيته، فسألني: هل أدركت قصص (أبي
ريحانة)؟ قلت: لا. قال: سمعته يقول:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشر ....الحديث.
وأخرج منه جملة الركوب فقط ابن أبي شيبة (8/494)، وعنه ابن ماجة
(3655) من طريق أبي الحصين هذا عن عامر (كذا) الحجري قال: سمعت أبا
ريحانة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ... فذكره.
كذا وقع فيه (عامر)! وهو خطأ قديم، وقد جاء في "التهذيب":
"والصحيح: (أبو عامر)" - كما تقدم في رواية الجماعة - ، واسمه: (عبد الله
ابن جابر)، ولم يوثقه أحد، ولم يورده ابن حبان في "ثقاته"، لا في (الكنى)،
و لا في "الأسماء"، وفي "التقريب":
"مقبول".
يعني عند المتابعة - كما هو نصه في المقدمة - ، ولم أجد له متابعاً حتى اليوم،
وأنكر ما فيه جملة الخاتم، والله تعالى أعلم.
ولكثير من الخصال الأخرى شواهد معروفة في "الصحيحين" وغيرهما،
منها: جملة ركوب النمور. فانظر "الصحيحة" (1011)، و " الرد على
حسان" (رقم 11).

(14/93)


@@@ 94
6540 - ( لا تشربوا في الثلمة التي تكون في القدح، فإن الشيطان
يشرب من ذلك).
منكر.
أخرجه ابن منده في "المعرفة" (2/62/1)، وكذا أبو نعيم في
"المعرفة" (2/88/2)، ومن طريقه الديلمي في "مسند الفردوس" (3/
154) من طريق إبراهيم بن بسطام: ثنا روح بن عبادة عن ابن جريج عن
عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان عن عمه عمرو بن أبي سفيان أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: .... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، أعله الحافظ بالإرسال في ترجمة (عمرو بن أبي
سفيان) هذا، أورده في (القسم الرابع) من الإصابة، وهو (فيمن ذكر من
الصحابة خطأ)، وقال فيه:
"تابعي مشهور، روى عن أبي موسى وأبي هريرة وابن عمر وغيرهم، روى عنه
ابن أخيه عبد الملك والزهري وابن أبي حسين وغيرهم. أخرج له الشيخان وأبو داود
والنسائي".
وخفي هذا على جمع من المتقدمين، فذكروه في (الصحابة) منهم: ابن
الأثير تبعاً لأبي نعيم وغيره، وعليه جرى الذهبي في "التجريد" (2/409)
وقال:
"له حديث غريب. ذكره ابن منده".
وأظن أنه يشير إلى هذا.
وعبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان، أورده البخاري وابن أبي حاتم، ولم

(14/94)


@@@ 95
يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، غير أن البخاري قال:
"قال ابن إسحاق: وكان واعية جالس العلماء".
وذكره ابن حبان في "ثقات التابعين" (5/116) وقال:
"روى عن عثمان بن عفان. روى عنه أهل الحجاز".
وأما إبراهيم بن بسطام، فلم أره إلا في "ثقات ابن حبان" (8/85) وقال:
"...الأبلي. روى عن البصريين، مات بعد سنة خمسين ومائتين. ثنا عنه
أحمد بن يحيى بن زهير وغيره".
وقد أخرج له في "صحيحه" (1/196/169 - الإحسان) حديثاً غير هذا
من طريق أحمد بن يحيى، وهو مخرج في "الصحيحة" (826) برواية الشيخين
وغيرهما.

6541 - ( هذا في الجنة - يعني: علياً - وإن من شيعته قوماً يعلمون
الإسلام ثم يرفضونه، لهم نبز يسمون: الرافضة، من لقيهم فليقتلهم،
فإنهم مشركون).

منكر.
أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (12/116- 117): حدثنا أبو
سعيد الأشج: حدثنا ابن إدريس عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف عن محمد
ابن عمرو الهاشمي عن زينب بنت علي عن فاطمة بنت محمد قالت:
نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي فقال: ....فذكره.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/22):

(14/95)


@@@ 96
"رواه الطبراني، ورجاله ثقات، إلا أن زينب بنت علي لم تسمع من فاطمة
فيما أعلم. والله أعلم.
قلت: فيه ملاحظتان:
الأولى: عزوه للطبراني، أظن أنه وهم أراد أن يقول: أبو يعلى، فسبقه القلم!
أو أنه خطأ من الناسخ أو الطابع.
والأخرى: توثيقه لرجاله، إنما هو بالنظر لما وقع في إسناد أبي يعلى: "ابن
إدريس"، فإنه كذلك في "المقصد العلي" للهيثمي (3/16/933)، و
"المطالب العالية" أيضاً (ق 487 /1 - المسندة"، وهو خطأ لا أدري منشأه،
والصواب (أبو إدريس)، واسمه: (تليد بن سليمان)، فهو الذي يروي عن (أبي
الجحاف) وعنه أبو سعيد الأشج، وإن كان هذا يروي أيضاً عن (ابن إدريس)،
لكن ابن إدريس ليس له رواية عن أبي الجحاف، وإنما يروي عن هذا (أبو إدريس)،
قال ابن حبان في "الضعفاء" (1/204-205):

"تليد بن سليمان، كنيته: (أبو إدريس) الكوفي، روى عن أبي الجحاف
داود ابن أبي عوفـ روى عنه الكوفيون، وكان رافضياً يشتم أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم ، وروى في فضائل أهل البيت عجائب، وقد حمل عليه ابن معين حملاً
شديداً، وأمر بتركه، روى عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف ...".
قلت: فساق هذا الحديث، وإسناده هكذا: حدثناه محمد بن عمرو بن
يوسف: ثنا أبو سعيد الأشج: ثنا تليد بن سليمان عن أبي الجحاف".
ومن طريق ابن حبان ساقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/159-
160) وقال:

(14/96)


@@@ 97
"لايصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أحمد وابن معين: (تليد) كذاب".
وقد غفل عن هذا التحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، فقال في تعليقه
على "المطالب العالية" فقال (3/95):
"إسناده أمثل من الحديث السابق (يعني: حديث ابن عباس المتقدم برقم
6267)، وفيه أبو الجحاف من غلاة الشيعة ...".

قلت: ولكنه ثقة، وليس هو الآفة، وإنما (أبو إدريس) ولم ينتبه، لكونه تحرف
إلى (ابن إدريس)، وهو معذور، لأنه يحكم على ما بين يديه مما يبدو له بادي
الرأي، فهو لا يبحث ولا يحقق، خلافاً لما يقتضيه ما أعطي له وقيل فيه ترويجاً
للكتاب : "تحقيق الأستاذ المحقق الشيخ ...."!
وقد تبعه على هذه الغفلة المعلق على "مسند أبي يعلى" فقال:
"إسناده صحيح إن كانت زينب [سمعت] من أمها، وإلا فهو منقطع..."!
(تنبيه): قوله في علي رضي الله عنه: "هذا في الجنة" ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
من طرق، وهي عقيدة أهل السنة، وأنه من العشرة المبشرين بالجنة، كما جاء في غير
ما حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم . فانظر "تخريج العقيدة الطحاوية" (ص 488-489).

6542 - ( مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ظَاهِرًا أوَنَظَرًا، أُعْطِيَ شَجَرَةً فِي الْجَنَّةِ، لَوْ
أَنَّ غُرَابًا أَفْرَخَ تَحْتَ وَرَقَةً مِنْهَا، ثُمَّ أَدْرَكَ ذَلِكَ الْفَرْخُ الْهِرَمَ فَنَهَضَ، لأَدْرَكَهُ الْهِرَمُ
قَبْلَ أَنْ يَقْطَعَ تِلْكَ الْوَرَقَةَ * .

منكر.
أخرجه الحاكم ( 3/554) ، والعقيلي في "الضعفاء" (4/38) ،

(14/97)


@@@ 98
والطبراني في "المعجم الكبير" (ج 69/206/2)، والشيروي في "العوالي"
(ق 211 -212)، وابن عدي في "الكامل" (2/3/389-399-ط دار
الفكر)، والبيهقي في "الشعب" (2/349/2004) من طريق مُحَمَّدُ بن
بَحْرٍ الْهُجَيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن سَالِمٍ القداح، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ، مرفوعاً به . وقال العقيلي:
"وهذا يروي مرسلاً".
قلت: لم أقف عليه، والموصول أورده في ترجمة محمد بن بحر هذا وقال:
"منكر الحديث كثير الوهم". وسكت عنه الحاكم! وتعقبه الذهبي بقوله:
"قلت: محمد منكر الحديث".
قلت: وتوبع، فقال البزار (3/93/2322): حدثنا عبد الله بن شبيب:
ثنا الوليد بن عطاء ومحمد بن الحسن الحسرى (!) قالا: ثنا نافع بن عمر عن ابن
أبي مليكة به.
لكن عبد الله بن شبيب، قال الذهبي في "المغني":
"واهٍ"، قال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث".
وقال الهيثمي في "المجمع" (7/165):
"رواه البزار والطبراني، وفيه محمد بن محمد الهجيمي، ولم أعرفه، وسعيد
ابن سالم القداح مختلف فيه، وبقية رجال الطبراني ثقات، وإسناده ضعيف".
قلت: كذا وقع فيه (محمد بن محمد ...) فلا أدري، أهو خطأ مطبعي أو

(14/98)


@@@ 99
نسخي، أو هكذا وقع في نسخة الهيثمي من "معجم الطبراني"؟ ولعله الأرجح،
فإني أستبعد أن لا يعرف (محمد بن بحر)، وهو مترجم عند العقيلي و " الميزان"،
وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/300-301):
"يروي عن الضعفاء أشياء لم يحدث بها غيره عنهم، حتى يقع في القلب أنه
كان يقلبها عليهم، فلست أدري البلية في تلك الأحاديث منه أو منهم، ومن أي
كان، فهو ساقط الاحتجاج حتى تتبين عدالته بالاعتبار بروايته عن الثقات".
فمثله من المستبعد جداً أن تخفى ترجمته على الهيثمي، فالغالب أن الخطأ
في نسخته من "المعجم". والله أعلم.
وقال البزار عقب روايته المتقدمة:
" لا نعلم رواه النبي صلى الله عليه وسلم إلا ابن الزبير. ورواه عبد المجيد بن عبد العزيز
عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير، فتابع نافع بن عمر".
قلت: وكذا في "مختصر الزوائد" للحافظ (2/136-137)، ولم يتعقبه
بشيء!
وعبد المجيد بن عبد العزيز - هو: ابن أبي رواد -، قال الحافظ:
"صدوق يخطئ".
فهو متابع لا بأس به لسعيد بن سالم القداح، إن صح السند إليه، فإني لم
أجد من وصله. فقد اتفق الاثنان على روايته عن ابن جريج معنعناً، مما يلقي في
النفس ثبوته عن ابن جريج، فتكون العلة منه، فإن كان مدلساً معروفاً بذلك، وقد
عنهنه، فمن المحتمل أنه تلقاه من بعض الضعفاء، فأسقطه، ولعله: محمد بن

(14/99)


@@@ 100
عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن ابن أبي مليكة به مختصراً، دون قوله: " لو
أن غراباً ..." إلخ.
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/47)، وابن عدي (6/221)
في ترجمة الليثي هذا، وروى تضعيفه عن جمع، فقال البخاري:
"منكر الحديث". وقال النسائي:
"متروك الحديث".
(تنبيه): وقع الحديث في "مجمع الليثي" من حديث (عبد الله بن
مسعود)، وهو خطأ أظنه من الطابع أو الناسخ، ولم ينتبه لذلك الشيخ الأعظمي،
فقال في تعليقه على "البزار" (3/94):
"أورده الهيثمي من حديث ابن مسعود، وعزاه للبزار، وضعف إسناده، ولم
يذكر حديث عبد الله بن الزبير"!!

6543 - (من مشى عن ناقة عقبة، كان له عدل رقبة).
منكر.
أخرجه أبو داود في "المراسيل" (232/301) من طريق إبراهيم بن
عمرو عن الوضين - وهو عندي ابن عطاء -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ....فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف معضل، الوضين بن عطاء من أتباع التابعين، وهو
سيئ الحفظ.
وإبراهيم بن عمرو - هو: الصنعاني -، قال ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (2/
485):

(14/100)


@@@ 101
"لا أعرفه". وقال الحافظ في "التقريب":
"مستور".
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" لـ ( ك عن ابن عمر)، وما
وجدته في "المستدرك" له، وهو المراد عند إطلاق العزو إليه - كما نص عليه في
مقدمته -، وقد أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (6/205/7912) من
طريق أحمد بن يزيد بن دينار أبي العوام: نا محمد بن إبراهيم - يعني: الحارثي -
عن حنظلة بن أبي سفيان السدوسي عن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر عن أبيه
عن جده مرفوعاً به. وقال:
"أحمد وشيخه الحارثي مجهولان".
ونقله الحافظ في "اللسان" وأقره.
ثم وجدته موصولاً من طريق أخرى عن الوضين بن عطاء عن يزيد بن مرثد
عن أبي الدرداء مرفوعاً.
أخرجه ابن عساكر (18/376) وزاد:
" ومن سافر منكم، فليرجع إلى أهله بهدية، ولو بالحجارة في مخلاته".
وقد تقدمت هذه الزيادة لوحدها من طريق أخرى عن الوضين عن مكحول عن
ابن عمر، هذه خير من تلك، (رقم 1437)، ومن حديث عائشة وغيرها برقم
(1436) و (2613).

(14/101)


@@@ 102
6544 - ( اللهم داحي المدحوات ، وباريء المسموكات ، وجبار
القلوب على فطراتها شقيها وسعيدها ، اجعل شرائف صلواتك ، ونوامي
بركاتك ، ورافع (1) تحيتك على محمد عبدك ورسولك ، الخاتم لما سبق ،
والفاتح لما أغلق ...). الحديث بطوله.

منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط" (2/279/9243-
بترقيمي): حدثنا مسعدة بن سعد: نا سعيد بن منصور: نا نوح بن قيس: نا
سلامة الكندي قال:
كان علي رضي الله عنه يعلم الناس الصلاة على نبي الله يقول: ... فذكره. وقال:
" لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به نوح بن قيس الطاحي".
قلت: هو ثقة ومن رجال مسلم، وإنما العلة من شيخه سلامة الكندي، فإنه لا
يعرف إلا برواية نوح، كما في "تاريخ البخاري" و " الجرح والتعديل"، وأشار إلى
هذا الحديث، وذكر أنه "مرسل". يعني: أنه منقطع بينه وبين علي رضي الله
عنه. وقال الهيثمي في "المجمع" (10/163):
"رواه الطبراني في "الأوسط" وسلامة الكندي، روايته عن علي مرسلة،
وبقية رجاله رجال الصحيح".
قلت: ما عدا - طبعاً - شيخ الطبراني مسعدة بن سعد - وهو: العطار المكي -
ولم اجد له ترجمة، ويظهر أنه من شيوخه المعروفين، فقد روى له في "الأوسط"
نحو خمسة وستين حديثاً.
__________
(1) كذا الأصل، وفي "المجمع" (رأفة). وكذا في "القول البديع".

(14/102)


@@@ 103
ولم يذكر الهيثمي في (سلامة الكندي) توثيقاً، وهذا منه غريب، فإن
الرجل ممن وثقه ابن حبان (4/343) على قاعدته في توثيق المجهولين، وقلما
يفوت الهيثمي العزو إليه.
والحديث قال السخاوي في "القول البديع" (ص 34):
"أخرجه الطبراني وابن عاصم، وسعيد بن منصور، والطبري في "مسند
طلحة" من "تهذيب الآثار" له، وأحمد بن سنان القطان في "مسنده"، وعنه
يعقوب بن شيبة في "أخبار علي" وابن فارس، وابن بشكوال هكذا موقوفاً بسند
ضعيف ... وقال ابن كثير: هذا مشهور من كلام علي ...، إلا أن في إسناده نظراً".

6545 - ( ما بال أحدكم يؤذي أخاه في الأمر، وإن كان حقا؟!) (*).
منكر.
أخرجه ابن سعد (4/24-25) - والسياق له -، وأبو داود في
"المراسيل" (345 -346) - مختصراً - من طريق داود بن أبي هند عن العباس
ابن عبد الرحمن:
أن رجلا من المهاجرين لقي العباس بن عبد المطلب فقال: يا أبا الفضل!
أرأيت عبد المطلب بن هاشم والغيطلة كاهنة بني سهم جمعهما الله جميعاً
في النار؟ فصفح عنه، ثم لقيه الثانية فقال له مثل ذلك فصفح عنه، ثم لقيه
الثالثة فقال له مثل ذلك فرفع العباس يده فوجأ أنفه فكسره، فانطلق الرجل
كما هو إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: ما هذا؟ قال:
__________
(*) سبق للشيخ رحمه الله تخريج هذا الحديث في "المجلد التاسع" برقم (4429)، وهو هنا
بزيادة في التخريج والتحقيق. (الناشر).

(14/103)


@@@ 104
"ما هذا؟".
قال: العباس. فأرسل إليه فجاءه فقال:
" ما أردت إلى الرجل من المهاجرين؟".
فقال: يا رسول الله !والله لقد علمت أن عبد المطلب في النار ولكنه لقيني
فقال: يا أبا الفضل أرأيت عبد المطلب بن هاشم و(الغيطلة)- كاهنة بني سهم -
جمعهما الله جميعا في النار؟ فصفحت عنه مرارا ثم والله ما ملكت نفسي وما
إياه أراد ولكنه أرادني. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد مرسل ضعيف، العباس بن عبد الرحمن هذا لا يعرف إلا
برواية داود هذا - كما في "التهذيب" تبعاً لـ (الكتابين) - ، ولذا قال الحافظ في
"التقريب":
"مستور".
وحقه أن يقول: "مجهول"، لأنه من المرتبة (التاسعة) التي قال فيها:
"... من لم يرو عنه غير واحد، ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ (مجهول)".
فهذا الوصف يصدق عليه، فإنه مع تفرد داود عنه، لم يوثق حتى ولا من ابن
حبان! ولعله سقط عنه، فإنه ذكره راوياً عن كندير الآتي ذكره قريباً.

والحديث اخرج المرفوع منه الديلمي في "مسند الفردوس" (3/54) من
طريق الروياني بسنده عن داود عن العباس بن عبد الرحمن عن العباس بن
عبد المطلب رفعه. كذا قال: (عن العباس بن عبد المطلب) فأسنده!

(14/104)


@@@ 105
ولداود بن أبي هند حديث آخر، يرويه عن عباس بن عبد الرحمن عن
كندير بن سعيد عن أبيه قال:
حججت في الجاهلية، فإذا أنا برجل يطوف البيت وهو يقول:
رب رد إلي راكبي محمدا ........رده لي واصطنع عندي يدا!
قلت: من هو هذا؟ قالوا: هذا عبد المطلب بن هاشم، ذهبت إبل له فأرسل ابنه
في طلبها، فاحتبس عليه، ولم يرسله قط في حاجة إلا جاء بها. قال:
فما برحت أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاء بالإبل معه، فقال: يابني! لقد حزنت
حزناً لا يفارقني أبداً.
أخرجه أبو يعلى في "مسنده الكبير" (3/136/1242 - المقصد العلي)،
والطبراني في "المعجم الكبير" (6/78/5524)، وأبو نعيم في "المعرفة"
(1/281/1-2)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/20-21).
قلت: وهذا إسناد ضعيف، لجهالة العباس هذا - كما تقدم - ومثله شيخه
كندير، فإنه لا يعرف إلا برواية هذا المجهول عنه. ومع ذلك ذكره ابن حبان في
"الثقات" (2/342)، وهذا من تساهله المعروف، بل ومن مخالفته لبعض
شروطه فيه - كما نبهت عليه في كتابي "تيسر الانتفاع" يسر الله نشره -.
وينبغي أن يلحق به أبوه سعيد، فإنه لا يعرف إلا من هذا الوجه، وتساهل ابن
حبان أيضاً، فذكره في "الصحابة" (3/156)، ولذلك قال الحافظ في
"الإصابة" - بعد أن ذكر له هذا الحديث -.
"قلت: لم أره في شيء من طرق حديثه أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم بعد البعثة، فالله

(14/105)


@@@ 106
أعلم، وتقدم نحو هذه القصة لحيدة القشيري".
قلت: ومما سبق يتبن لك تساهل الهيثمي أيضاً في قوله في "مجمع الزوائد"
(8/224):
"رواه أبو يعلى والطبراني، وإسناده حسن"!
وهذا من إفراطه في الاعتماد على توثيق ابن حبان، كما يفعل بعض
الناشئين والمعلقين اليوم! ويقابلهم آخرون، منهم من اشتهر بتتبع الأحاديث
دالصحيحة، لتضعيفها بغير علم ولا كتاب منير، فلا يعتد بتوثيقه مطلقاً، ولو كان
الموثق منه روى عن جماعة من الثقات، ووثقه بعض الحفاظ المتأخرين أو صححوا
حديثه، والحق وسط بين هؤلاء وهؤلاء.
وأما حديث (حيدة القشيري) الذي أشار إليه الحافظ، فقد عزاه في ترجمته
من "الإصابة" إلى رواية البارودي والبيهقي في "الدلائل" من طريق داود بن
أبي هند عن بهز بن حكيم عن أبيه عن حيدة بن معاوية - وهو جده - :
أنه خرج معتمراً في الجاهلية نحوه.
فأقول: لم أره في "الدلائل" من طريق داود بن أبي هند، وهو إسناد غريب،
فإنهم لم يذكروا لداود رواية عن (بهز) ، ولا لـ (حكيم بن معاوية) - والد (بهز) -
رواية عن جده (حيدة بن معاوية)، وقد ذكر الحافظ في ترجمته عن البلاذري أنه
لا تثبت له صحبة.
هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: فالبيهقي إنما أخرجه (2/21) من طريق عيسى الغنجار:

(14/106)


@@@ 107
حدثنا خارجة عن بهزبن حكيم عن أبيه عن معاوية بن حيدة قال:
خرج حيدة بن معاوية معتمراً الحديث نحوه.
فجعله من مسند (معاوية بن حيدة)، وصحبته ثابتة مشهورة، لكن خارجة
- وهو: ابن مصعب بن خارجة أبو الحجاج السرخسي -، قال الحافظ:
"متروك، وكان يدلس عن الكذابين، ويقال: إن ابن معين كذبه".
قلت: وبالجملة، فهذه القصة لا تصح، وما أشبه حال (حيدة بن معاوية)
بـ (سعيد بن حيوة) من حيث عدم ثبوت الصحبة. والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثم إن حديث الترجمة يغني عنه من حيث المعنى قوله صلى الله عليه وسلم :
"لا تسبوا الأموات، فتؤذوا الأحياء".
صححه ابن حبان وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (2397).

6546 - (الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين، وتضرع
وتخشع، وتمسكن، ثم تقنع يديك - يقول: ترفعهما - إلى ربك مستقبلا
ببطونهما وجهك، وتقول: يا رب يا رب، فمن لم يفعل ذلك فهي
خداج).

منكر.
أخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (404/1152)، ومن
طريقه الترمذي (385)، وكذا النسائي في "السنن الكبرى" (1/450/
1440)، والبغوي في "شرح السنة" (3/259/260)، وأحمد (1/
211) - كلهم عن ابن المبارك -، والبخاري تعليقاً في "التاريخ" (2/1/283-284)،

(14/107)


@@@ 108
وابن خزيمة في "صحيحه" (1213)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/24)،
والبيهقي في "السنن" (2/487)، وأحمد أيضاً (4/167)، وأبو يعلى
(12/101-102)، والعقيلي في "الضعفاء" (2/310-311)، والطبراني
في "المعجم الكبير" (18/295/757)، و "الدعاء" (2/884-885)
كلهم عن الليث بن سعد قال: حدثنا عبد ربه بن سعيد عن عمران بن أبي أنس
عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث عن الفضل بن العباس
مرفوعاً.
وخالفه شعبة، فقال: عن عبد ربه بن سعيد عن أنس بن أبي أنس عن
عبد الله بن نافع بن العمياء عن عبد الله بن الحارث عن المطلب مرفوعاً.
أخرجه الطيالسي في "مسنده" (195/1366): حدثنا شعبة به.

ومن هذا الوجه اخرجه البخاري أيضاً تعليقاً (2/1/284)، وأبو داود
(1296) ومن طريقه ابن عبد البر في "التمهيد" (13/246)، والنسائي
أيضاً (1441)، وابن ماجة (1325)، وابن خزيمة (1213)، والطحاوي،
والدارقطني (1/418/4)، والبيهقي (2/226)، وأحمد (4/167)،
والعقيلي (2/31) ، وابن عدي في "الكامل" (4/226) ، والطبراني (2/
885-886) من طرق عن شعبة به. وقال العقيلي:
"وفي الإسنادين جميعاً نظر".

قلت: وذلك، لأن مدارهما على (عبد الله بن نافع بن العمياء)، قال البخاري
في "التاريخ" (3/1/213):
"لم يصح حديثه". يشير إلى هذا - كما قال ابن عدي -.

(14/108)


@@@ 109
وقال ابن المديني:
"مجهول". وكذا قال الحافظ في "التقريب".
وأما ابن حبان، فذكره في "الثقات" (7/53)! وهذا من تساهله المعروف.
وفي الحديث علة أخرى، وهي: الاختلاف في إسناده بين الليث وشعبة،
وقد اتفق الحفاظ على ترجيح رواية الليث، وتخطئة شعبة في روايته، فقال أحمد
عقب رواية الليث:
"هذا هو عندي الصواب". وقال الطبراني:
"وضبط الليث إسناد هذا الحديث، ووهم فيه شعبة". وذكر نحوه الطحاوي.
وقال البخاري عقب رواية شعبة:
:وقد توبع الليث، وهو أصح". وزاد الترمذي والبيهقي عنه:
"وشعبة أخطأ في هذا الحديث في مواضع:
1 - قال: عن ( أنس بن أبي أنس) ... وإنما هو: (عمران بن أبي أنس).
2- وقال: عن (عبد الله بن الحارث) .. وإنما هو: عن (عبد الله بن نافع)
عن (ربيعة بن الحارث)، و (ربيعة بن الحارث) هو: (ابن المطلب).
3 - فقال هو: (عن المطلب) ... ولم يذكر فيه: (عن الفضل بن عباس)".
ولذلك قال ابن عبد البر في "التمهيد" (13/186):
" إسناد مضطرب ضعيف، لا يحتج بمثله".

(14/109)


@@@ 110
والمتابعة التي أشار إليها البخاري، قد أخرجها الطحاوي من طريق ابن لهيعة:
ثنا عبد ربه بن سعيد به. مثل رواية الليث.
وخالفهم جميعاً يزيد بن عياض، فقال:
عن عمران بن أنس عن عبد الله بن نافع بن أبي العمياء عن المطلب بن
ربيعة ... مرفوعاً.
أخرجه أحمد.
وابن عياض هذا كذبوه، فلا وزن لمخالفته البتة.
وإذا ثبت أن الصواب رواية الليث بن سعد، فيرد هنا سؤال: من هو (ربيعة
ابن الحارث) الراوي عن (الفضل بن العباس)؟ وما حاله؟
أما الجواب عن الأول، فقد تقدم في كلام البخاري الذي نقله عنه الترمذي
والبيهقي : أنه (ربيعة بن الحارث بن المطلب)، وزاد الطحاوي فقال (2/25-
26):
" هو ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، ويكنى (أبا أروى)، وكانت
وفاته في خلافة عمر بالمدينة، وكان أسن من عمه العباس ...".
ونحوه في "العلل" لابن أبي حاتم الرازي (1/132)، فقد سأل أباه عن
اختلاف الليث وشعبة في إسناد الحديث؟ فقال:
"ما يقول الليث أصح، لأنه قد تابعه عمرو بن الحارث وابن لهيعة، وعمرو
والليث كانا يكتبان، وشعبة صاحب حفظ.

(14/110)


@@@ 111
قلت لأبي: هذا الإسناد عندك صحيح؟ قال: حسن.
قلت لأبي: من ربيعة بن الحارث؟ قال: هو: ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.
قلت: سمع من الفضل؟ قال: أدركه.
قلت: يحتج بحديث ربيعة بن الحارث؟ قال: حسن.
فكررت عليه مراراً، فلم يرد على قوله: حسن. ثم قال:
الحجة سفيان وشعبة.
قلت: فـ (عبد ربه بن سعيد)؟ قال: لا بأس به.
قلت: يحتج بحديثه؟ قال: هو حسن الحديث".
قلت: ومن هذه الأجوبة تكونت في الذهن إشكالات، احدها يتعلق بالجواب
الذي نحن في صدد بيانه، والإشكال هو: إذا كان (ربيعة بن الحارث)، في هذا
الحديث هو (ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب)، وهو صحابي معروف مترجم في
(الصحابة)، بل وابنه (عبد المطلب) مترجم أيضاً في الصحابة، وقصة إرساله
مع الفضل بن العباس من أبويهما ربيعة والعباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليؤمرهما على
الصدقة مروية في "صحيح مسلم" (3/118) من حديث عبد المطلب هذا
نفسه (1).
وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يصح مع هذا قول أبي حاتم فيه بأنه أدرك
الفضل، أي: عاصره، ولم يلقه؟! ثم قوله: بأنه لا يحتج به، وأن حديثه حسن
__________
(1) وهو مخرج في "الإرواء" (3/386).

(14/111)


@@@ 112
فقط ويصر على ذلك ...فهذا وذاك يدل دلالة واضحة على أن ربيعة هذا ليس
بصحابي عند أبي حاتم، بل هو آخر تابعي أدرك عصر الصحابة. ويؤيد هذا قوله في
"الجرح والتعديل" (2/1/473):
"ربيعة بن الحارث: روى عن الفضل بن عباس. روى عنه عبد الله بن نافع
ابن العمياء".
وكأنه في ذلك تابع للبخاري، فإنه قال عقب حديث الليث - وقد ساقه تحت
ترجمة (ربيعة بن الحارث) - :
" لا يتابع عليه، ولا يعرف سماع هؤلاء بعضهم من بعض".
وقد تبعهما ابن حبان، فأورده في طبقة (التابعين) من كتابه "الثقات" (4/
230)، ولكنه ذكر (ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب) في (الصحابة)، وأرَّخ
وفاته سنة (23)، وعلى ذلك جرى المؤلفون في (الصحابة)، فالعجب من
البخاري وابن أبي حاتم، كيف لم يذكراه في كتابيهما، مع ذكرهما (ربيعة بن
الحارث) التابعي هذا؟!
ولما ترجم الحافظ المزي لربيعة الصحابي وذكر تحته هذا الحديث، استشكل
ذلك فقال:
"وقد قيل: إن ربيعة بن الحارث راوي هذا الحديث: رجل آخر من التابعين،
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه ... (فذكر ما تقدم آنفاً) وإن سن ربيعة
الصحابي قريب من سن عمه العباس بن عبد المطلب، ثم أشار إلى قصة الإرسال،
ثم قال (9/111-112):

(14/112)


@@@ 113
"وفي ذلك دلالة ظاهرة على أن ربيعة بن الحارث - راوي هذا الحديث - رجل
آخر، مع ما في إسناد حديثه من الاختلاف. والله أعلم". وتعقبه الحافظ بقوله:
"ليس في هذا دلالة ظاهرة على أنه غيره، بل روايته عن الفضل من رواية
الأكابر عن الأصاغر"!
وأقول: كان يمكن القول بهذا لو أن (ابن العمياء) كان ثقة حافظاً، وصرح في
روايته عن (ربيعة) أنه: (ابن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي)، والأمران معدومان
هنا، ففي كل الطرق لم يزد على قوله: (ربيعة بن الحارث)، فمن أين نأخذ أنه:
(ابن عبد المطلب الهاشمي)؟ أما الأمر الأول: فقد سبق أنه مجهول حتى عند
الحافظ، فما ادعاه أنه من باب (رواية الأكابر عن الأصاغر) مجرد دعوى.

وأيضاً، فإن من المستبعد جداً أن يخفى ذلك على الحفاظ الثلاثة: البخاري،
وأبو حاتم، وابن حبان، ولا سيما و (ربيعة بن الحارث الهاشمي) ليس له رواية
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما جاء ذكره في القصة المتقدمة، وهي من رواية ابنه المطلب
ابن ربيعة، وقول ابن الأثير في ترجمة أبيه في "أسد الغابة" (2/58):
"روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث منها: "إنما الصدقة أوساخ الناس". روى عنه
ابنه عبد المطلب".
فأقول: هذا خطأ مزدوج، فليس له رواية في كتب السنة - فيما علمت -، لا
في "المسند"، ولا "المعاجم"، ولا في كتب (الصحابة)، حتى ولا في "جامع
المسانيد" للحافظ ابن كثير.
والحديث الذي ذكره، هو من رواية ابنه في القصة، وليس له رواية عنه ولا
عن غيره.

(14/113)


@@@ 114
والخلاصة: أنه ليس لدينا ما يرجح أن راوي هذا الحديث هو: (ربيعة
الهاشمي) الصحابي، وبخاصة أنه لم يذكر في الرواة من الصحابة - كما تقدم - .
فالظاهر أنه غيره - كما استظهره الحافظ المزي -. والله أعلم.
وبهذا يتم الجواب عن السؤال الأول.
وأما الجواب عن السؤال الثاني، وهو ما حال ربيعة بن الحارث؟
فأقول: في اعتقادي أن الجواب يمكن استفادته مما سبق نقله عن البخاري وأبي
حاتم في ترجمتهما له، وأنهما لم يذكرا له راوياً غير (ابن العمياء) المجهول، وإن
ذكرهما ابن حبان في "الثقات"، فذلك من تساهله - كما تقدم - .
إلا أنه يشكل عليه جواب أبي حاتم لابنه بأنه " حسن الإسناد"، فإن هذا
الجواب لا يلتقي لا من قريب ولا من بعيد من تصريحه بجهالة من ليس له إلا راو
واحد في غالب الأحيان، ولو كان الرواي عنه ثقة، فكيف إذا كان مجهولاً مثل
(ابن العمياء) هذا؟!
فهل معنى هذا التحسين إذن أنه وقف له على راو آخر، أو رواة آخرين،
فاطمأنت نفسه من أجل ذلك إليه، فحسن إسناده، أو أنه حسنه لتابعيه؟ كل
ذلك محتمل، ولكني لا أجد الآن ما يؤيد شيئاً منه.
نعم، قد وجدت عن البخاري ما يشبه شيئاً منه، فقد روى الترمذي (550)
من طريق أبي بسرة الغفاري عن البراء بن عازب حديثاً استغربه. وقال:
"سألت محمداً عنه ... فلم يعرف اسم أبي بسرة الغفاري، ورأه حسناً".
ووجه الشبه أن أبا بسرة هذا حاله كحال (ربيعة بن الحارث)، لم يرو عنه غير

(14/114)


@@@ 115
صفوان بن سليم، ووثقه ابن حبان والعجلي أيضاً، ومع ذلك حسن البخاري حديثه!
ثم إن في جواب أبي حاتم لابنه لما سأله عن ربيعة هل سمع من الفضل؟
فأجابه بقوله: "أدركه".
ففيه لفتة نظر مهمة، وهي أن المعاصرة كافية في إثبات الاتصال، ولذلك
حسن إسناده جواباً عن سؤاله: "يحتج بحديث ربيعة؟"، لكن في ذلك كله
إشارة قوية إلى أن مرتبة حديث مثله دون مرتبة من ثبت لقاؤه لمن عنعن عنه.

وحينئذ فلا تعارض بين هذا وبين ماهو معروف عنه من إعلاله للأسانيد بعدم
اللقاء بين الراوي المعنعِن والمعنعَن عنه، فإن الجمع بين هذا وبين ما تقدم أن يحمل
هذا على نفي الصحة لا الحسن، وبهذا يجمع بين قول من اشترط في الاتصال
اللقاء - كالبخاري -، وبين قول من اكتفى بالمعاصرة - كمسلم-، فهذا شرط صحة
وذاك شرط كمال. ولذلك قال بعضهم" إن (الاتصال) إنما هو شرط للبخاري في
"صحيحه" دون غيره. ولعله يشهد لهذا تحسين البخاري لحديث أبي بسرة
الغفاري المشار إليه آنفاً، لأنه لم يصرح بالسماع ولا باللقاء، وإنما هي المعاصرة.
وفي اعتقادي أن الأمثلة في هذا تكثر، لو تيسر تتبعها. والله أعلم.

6547 - (كان يصف عبد الله، وعبيد الله، وكثيراً - من بني العباس -،
ثم يقول:
من سبق إليّ، فله كذا وكذا.
قال: فيستبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، فيقبّلهم ويلزمهم).
ضعيف.
أخرجه أحمد (1/214): ثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن

(14/115)


@@@ 116
عبد الله بن الحارث قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، يزيد بن أبي زياد، - هو: الهاشمي مولاهم -:
قال الذهبي في "الكاشف":
"صدوق رديء الحفظ، لم يترك". ونحوه في "المغني".
وقال الحافظ في "التقريب":
"ضعيف، كبر فتغير، وصار يتلقن".
قلت: فالعجب منه كيف يقول - مع هذا التضعيف، في ترجمة كثير بن
العباس المذكور في الحديث -:
"وهو مرسل جيد الإسناد"!
وأما أنه مرسل، فلأن عبد الله بن الحارث - وهو: ابن نوفل - ولد في عهد
النبي صلى الله عليه وسلم ، روى عنه مرسلاً - كما في "التهذيب" وغيره -. ويغلب الظن أنه
لما جوده لم يكن مستحضراً إسناده، وأنه اتبع في ذلك شيخه الهيثمي، فإنه قال
في موضعين من "مجمعه" (9/17 و 285):
"رواه أحمد، وإسناده حسن".
وهذا أعجب، فإنه لم يعله بالإرسال! وكذلك فعل في مكان ثالث! ولكنه
أعله بابن أبي زياد، فقال (5/263):
"رواه أحمد، وفيه يزيد بن أبي زياد، وفيه ضعف ليّن، وقال أبو داود: لا
أعلم أحداً ترك حديثه، وغيره أحب إلي منه. وروى له مسلم مقروناً، والبخاري
تعليقاً، وبقية رجاله ثقات".

(14/116)


@@@ 117
قلت: وجرير - هو: ابن عبد الحميد الضبي -: ثقة محتج به في "الصحيحين"،
وقد خالفه سنداً ومتناً الصباح بن يحيى، فقال: عن يزيد بن أبي زياد عن العباس
ابن كثير بن العباس قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمعنا أنا وعبد الله وعبيد الله وقثم، فيفرج بين يديه
هكذا! فيمد باعه، ويقول:
"من سبق إلي، فله كذا و كذا".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (19/188)، وقال الهيثمي:
"...وفيه الصباح بن يحيى، وهو متروك".
قلت: وذكره (العباس) في هذا الإسناد، إما من تخاليطه، وإما زيادة من
النساخ، فإنه لا يوجد في الرواة (العباس بن كثير بن العباس)، وإنما هو: (كثير
ابن العباس) المذكور في متن الإسناد الأول، وترجمته نحو ترجمة رواية (عبد الله
ابن الحارث)، أعني: أنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عن أبي بكر وغيره، وهو
ثقة من رجال الشيخين.
وعليه كان الهيثمي أن ينبه على إرساله أيضاًَ!

6548 - (إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي ثلاث :
ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها .
ورجال يتأولون القرآن على غير تأويله .
وزلة عالم.

(14/117)


@@@ 118
ألا أخبركم بالمخرج من ذلك ؟
إذا فتحت عليكم الدنيا ، فاشكروا الله .
وخذوا ما تعرفون من التأويل ، وما شككتم فيه، فردوه إلى الله عز
وجل .
وانتظروا بالعالم فيئته ، ولا تلقفوا عليه عثرة ).
ضعيف.
أخرجه أبو داود في "المراسيل" (358/535) من طريق مسكين
عن الأوزاعي عن إبراهيم بن طريف عن محمد بن كعب القُرظي: حدثني من لا
أتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: .... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، إبراهيم بن طريف: مجهول، لم يرو عنه غير
الأوزاعي - كما قال الحافظ -، وقد وثقه ابن حبان وابن شاهين. انظر "تيسير
الانتفاع".
ومسكين - هو: ابن بكير الحراني -، قال الحافظ:
"صدوق يخطىء".
ومحمد بن كعب: تابعي ثقة، فإن كان من حدثه صحابياً، فهو مسند، وإلا،
فمرسل، وهو الظاهر، لأنه لا يقال في الصحابي (من لا أتهم)، إذ لا متهم
فيهم، ولعل هذا هو ملحظ أبي داود في إيراده إياه في "المراسيل".
وقد روي مختصراً من حديث معاذ بنحوه، أخرجه الطيراني في "المعاجم
الثلاثة"، وبينت علته في "الروض النضير" (860).

(14/118)


@@@ 119
6549 - ( لئن ردّها الله عليّ، لأشكرن ربي عز وجل - يعني: ناقته
الجدعاء وقد سرقت -، فصبحت بالمدينة، فلما رآها صلى الله عليه وسلم ، قال: الحمد لله).

ضعيف جداً.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/59/1/
1047) من طريق أبي جعفر قال: حدثنا عمرو بن واقد عن الوليد بن أبي
السائب قال: حدثني بسر بن عبيد الله عن النواس بن سمعان قال:
سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"لئن ردها الله علي لأشكرن ربي عز وجل " فوقعت في حي من أحياء
العرب فيه امرأة مسلمة ، فكانت الإبل إذا سرحت سرحت متوحدة ، وإذا بركت
الإبل بركت متوحدة ، واضعة بجرانها ، فأوقع الله في خلدها أن تهرب عليها ،
فرأت من القوم غفلة فقعدت عليها ، ثم حركتها ، فصبحت بها المدينة ، فلما رآها
المسلمون فرحوا بها ، ومشوا بجنبها ، حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآها رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال :
" الحمد لله " ، فقالت المرأة : يا رسول الله ، إني نذرت إن نجاني الله عليها أن
أنحرها وأطعم لحمها المساكين ، فقال :
" بئس ما جزيتها ، لا نذر لك إلا بما ملكت " ، فانتظروا ، هل يحدث رسول
الله صلى الله عليه وسلم صوما أو صلاة ، فظنوا أنه نسي ، فقالوا : يا رسول الله ، قد كنت قلت :
" لئن ردها الله عز وجل علي لأشكرن ربي عز وجل" قال :
" ألم أقل : الحمد لله ؟".
وقال الطبراني:

(14/119)


@@@ 120
"لا يروى عن النواس إلا بهذا الإسناد ، تفرد به : النفيلي".

قلت: هو ثقة، وكذلك من فوقه، غير شيخه عمرو بن واقد، وهو متروك، كما
في "المغني" و "التقريب".
والحديث، قال الهيثمي (4/187):
"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وفيه عمرو بن واقد القرشي،
وقد وثقه محمد بن المبارك الصوري، ورُد عيله، وقد ضعفه الأئمة، وتُرك
حديثه".
والقصة في الجملة صحيحة، مع الاختلاف في بعض تفاصيلها، فقد رواها
عمران بن حصين، دون حديث الترجمة، وفيه نذر المرأ' أن تنحر الناقة،
وقوله صلى الله عليه وسلم :
"سبحان الله، بئسما جزتها، نذرت الله إن نجاها الله عليها، لتنحرنها، لا وفاء
لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد".
أخرجه مسلم (5/78-79)، وسعيد بن منصور في "سننه" (3/2/
372-373)، وأبو داود (3316)، والنسائي في "الكبرى" (3/136 و5/
175) - مفرقاً مختصراً -، وكذا ابن حبان (6/288/4375) -مختصراً جداً -،
وابن الجارودي (311-312)، والبيهقي (9/109 و 10/75)، والبغوي في
"شرح السنة" (11/83-84)، وعبد الرزاق (9395)، وأحمد (4/432
و 433-434)، والحميدي (2/365-367)، والطبراني في "الكبير" (18/
190-191) من طريق أبي المهلب عن عمران.

(14/120)


@@@ 121
وتابعه الحسن عن عمران ...به.
أخرجه النسائي (5/231/8762)، وابن حبان (6/288/4376)،
وأحمد (4/429).
ورجاله ثقات، لكن الحسن - هو: البصري - مدلس.
وجاءت القصة - مختصرة جداً - من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده،
وفيه أن المرأة هي امرأة أبي ذر، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (3309).
وفي بعض الطرق عن عمرو مرفوعاً بلفظ:
"لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما
لا يملك".
أخرجه الترمذي وغيره وحسنه، وهو مخرج في "الإرواء" (6/173)،
وفيما تقدم (2184) "الصحيحة"، وفي (2872) منها جملة: "ما لا
يملك".
وفي رواية لأحمد (3/297) من طريق أبي الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله
يقول:
لا وفاء لنذر في معصية الله عزوجل، لم يرفعه.
وإسناده صحيح، وهو في حكم المرفوع، وقد أخرجه قبله من طريق سليمان
ابن موسى: قال جابر: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ....فذكره.

(14/121)


@@@ 122
6550 - (أوَّلُ الآيات الدَّجالُ، وَنزول عِيسى بن مَرْيَمَ، وَنَارٌ تَخْرُجُ
مِنْ قَعْرِ عَدْنِ أَبْيَنَ تَسُوقُ النَّاسَ إلى المَحْشَر تَقِيلُ مَعَهُمْ إذَا قالوا،
والدُّخان"، قال حُذيفة: يا رسول الله! وما الدخان؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الآية: { يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } ،
يَمْلأ ما بَينَ المَشْرقِ والمَغْرِب يَمْكُثُ أرْبَعِينَ يَوْما وَلَيْلَةً أمَّا المُؤْمِنُ فَيُصِيبُهُ
مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكامِ. وأمَّا الكَافِرُ فَيَكُونُ بِمَنزلَةِ السَّكْرانِ يَخْرُجُ
مِنْ مَنْخِريْهِ وأُذُنَيْهِ ودُبُرِهِ).

موضوع بهذا التمام.
أخرجه الطبري في "تفسيره" (25/86): حدثني
عصام بن رواد بن الجراح قال: ثني أبي قال: ثنا سفيان بن سعيد الثوري قال: ثنا
منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ....فذكره. وقال الطبري عقبه:

" لاأشهد له بالصحة، لأن محمد بن خلف العسقلانيّ: حدثني أنه سأل
(رواداً) عن هذا الحديث: هل سمعه من سفيان؟ فقال له: لا. فقلت له:
فقرأت عليه؟ فقال: لا فقلت له: فقرئ عليه وأنت حاضر فأقرّ به؟ فقال: لا.
فقلت: فمن أين جئت به؟ قال: جاءني به قوم، فعرضوه عليّ ، وقالوا لي:
اسمعه منا، فقرءوه عليّ، ثم ذهبوا، فحدّثوا به عني، أو كما قال".

قلت: كذا فيه: "فحدثوا به عني". وكذا وقع في مكان آخر من "تفسير ابن
جرير" (22/73)، ولعله من تخاليط (رواد)، فقد وصفوه بالاختلاط مع
صلاحه، والسياق يقتضي أن يكون الجواب: "فحدثت به عنه". وهذا هو الذي
ذكره الذهبي في "الميزان" عن أبي حاتم في حديث آخر بلفظ : "خيركم خفيف
الحاذ"، وقد مضى تخريجه برقم (3580)، وقد ذكرت هناك عبارته، ولفظه:

(14/122)


@@@ 123
" ... ثم حدث به بعد، يظن أنه من سماعه".
ولذلك قال الحافظ في "التقريب".
"صدوق اختلط بأخرة، فترك، وفي حديثه عن الثوري ضعف شديد".
وقال ابن كثير عقب كلام ابن جرير الطبري المتقدم (4/139):
" وقد أجاد ابن جرير في هذا الحديث هنا، فإنه موضوع بهذا السند، وقد أكثر
ابن جرير من سياقه في أماكن من هذا التفسير، وفيه منكرات كثيرة جداً، ولا
سيما في أول سورة بني إسرائيل في ذكر المسجد الأقصى. والله أعلم".
قلت: يشير إلى حديثه الآتي عقب هذا.
وأما جملة خروج النار من (عدن)، فلها شاهد صحيح من حديث حذيفة بن
أسيد، في "صحيح مسلم" وغيره، ومن حديث أبي ذر عند أحمد وغيره، وهو
مخرج في "الصحيحة" (3083).

6551 - ( إِنَّ بنِي إسْرَائِيلَ لَمَّا اعْتَدَوْا وَعَلَوْا، وقَتَلُوا الأنْبِيَاءَ، بَعَثَ الله
عَلَيْهِمْ مَلِكَ فَارِسَ بُخْتَنَصَّر، وكانَ الله مَلَّكَهُ سَبْعَ مِئَة سَنةٍ، فسارِ إِلَيْهمْ
حتى دَخَلَ بَيْتَ المَقْدِسِ فَحاصَرَهَا وَفَتَحَها، وَقَتَلَ عَلى دَمِ زَكَرِيَّا سَبْعينَ
ألْفا، ثُمَّ سَبَى أهْلَها وبَنِي الأنْبِياء، وَسَلَبَ حُليَّ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَاسْتَخْرَجَ
مِنْها سَبْعِينَ ألْفا وَمِئَةَ ألْفِ عَجَلَةٍ مِنْ حُلَيٍّ حتى أوْرَدَهُ بابِلَ.
قال حُذيفة: فقلت: يا رسول الله لقد كان بيت المقدس عظيما
عند الله؟ قال:

(14/123)


@@@ 124
أجَلْ بَناهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ ذَهَبٍ وَدُرّ وَياقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ، وكانَ
بَلاطُه بَلاطَةً مِنْ ذَهَب وَبَلاطَةً منْ فِضَّةٍ، وعُمُدُهُ ذَهَبا، أعْطاهُ الله ذلك،
وسَخَّرَ لَهُ الشَّياطينَ يأْتُونَهُ بِهذِهِ الأشْياءِ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ، فَسارَ بُخْتَنَصَّر
بهذِه الأشْياءِ حتى نزلَ بِها بابِلَ، فَأقامَ بَنُوا إسْرَائِيلَ في يَدَيهِ مِئَةَ سَنَةٍ
تُعَذّبُهُمُ المَجُوسُ وأبْناءُ المَجُوسِ، فيهمُ الأنْبِياءُ وأبْناءُ الأنْبِياء، ثُمَّ إِنَّ الله
رَحمَهُمْ، فأوْحَى إلى مَلِك مِنْ مُلُوكِ فارِس يُقالُ لَهُ كُورَسُ، وكانَ مُؤْمِنا
أَنْ سِرْ إلى بَقايا بَنِي إِسْرَائِيلَ حتى تَسْتَنْقذَهُمْ، فَسارَ كُورَسُ بِبَنِي إسْرَائِيلَ ،
وحُليِّ بَيْتِ المَقْدِسِ حتى رَدَّهُ إِلَيْهِ، فَأقامَ بَنُو إسْرَائِيلَ مُطِيعينَ لله مِئَةَ
سَنَةٍ، ثُمَّ إِنَّهُمْ عادُوا في المعَاصِي، فَسَلَّطَ الله عَلَيْهِمْ ابْطيانْحُوسَ فَغَزَا بأبْناءِ
مَنْ غَزَا مَعَ بُخْتَنَصَّر، فَغَزَا بَنِي إسْرَائِيلَ حتى أتاهُمْ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَسَبى
أهْلَها، وأحْرَقَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وَقَالَ لَهُمْ: يا بَنِي إسْرَائِيلَ إنْ عُدْتُمْ فِي
المعَاصِي عُدْنا عَلَيْكُمْ بالسِّباءِ، فَعادُوا فِي المعَاصِي، فَسَيَّر الله عَلَيْهِمُ
السِّباء الثَّالِثَ مَلِكَ رُوميَّةَ، يُقالُ لَهُ قاقِسُ بْنُ إسْبايُوس، فَغَزَاهُم فِي البَرّ
والبَحْرِ، فَسَباهُمْ وَسَبى حُلِيّ بَيْتِ المَقْدِسِ، وأحْرَقَ بَيْتَ المَقْدِسِ بالنِّيرَانِ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هذَا مِنْ صَنْعَةِ حُلِيّ بَيْتِ المَقْدِسِ، ويَرُدُّهُ المَهْدِيُّ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ،
وَهُوَ ألْفُ سَفِينَةٍ وسَبْعُ مِئَةِ سَفِينَةٍ، يُرْسَى بِها عَلى يافا حتى تُنْقَلَ إلى
بَيْتَ المَقْدِسِ، وبِها يَجْمَعُ الله الأوَّلِينَ والآخِرِينَ).

موضوع.
أخرجه الطبري أيضاً (15/17) بإسناد الحديث الذي قبله،
وسكت عنه! فأنكره عليه الحافظ ابن كثير، فقال (3/5 - - 2):

(14/124)


@@@ 125
"وهو حديث موضوع لا محالة، لا يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة
بالحديث، والعجب كل العجب كيف راج عليه مع جلالة قدره وإمامته! وقد صرح
شيخنا الحافظ العلامة أبو الحجاج المزي رحمه الله بأنه موضوع مكذوب، وكتب
ذلك على حاشية الكتاب".
وأما السيوطي فساقه في "الدر" (4/165) برواية ابن جرير، وسكت أيضاً
عنه! فتأمل الفرق بين مفسر ومفسر، وحافظ وحافظ!

6552 - ( ذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب، قال: فبينما هم
كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فورة ذلك، حتى
ينزل دمشق، فيبعث جيشين؛ جيشًا إلى المشرق، وجيشًا إلى المدينة،
حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة، فيقتلون
أكثر من ثلاثة آلاف، ويبقرون بها أكثر من مائة امرأة، ويقتلون بها ثلاث
مئة كبش من بني العباس، ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما
حولها، ثم يخرجون متوجهين إلى الشأم، فتخرج راية هذا من الكوفة
فتلحق ذلك الجيش منها على الفئتين، فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر،
ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم ، ويخلي جيشه التالي
بالمدينة، فينهبونها ثلاثة أيام ولياليها، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة،
حتى إذا كانوا بالبيداء، بعث الله جبريل، فيقول: يا جبرائيل ! اذهب
فأبدهم، فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم، فذلك قوله في سورة سبأ:
{وَلَوْ تَرَى إِذْ فُزِعُوا فَلا فَوْتَ ...} الآية، ولا ينفلت منهم إلا رجلان؛
أحدهما بشير والآخر نذير، وهما من جهينة، فلذلك جاء القولُ:

(14/125)


@@@ 126
وَعِنْدَ جُهَينَةَ الْخَبَرُ اليَقِينُ).

موضوع كاللذين قبله.
وإسناده إسنادهما، من رواية الطبري ثلاثتهم، وآفتها
رواد بن الجراح، وقد انتقد الحافظ ابن كثير الإمام ابن جرير في سكوته عن الثاني
منها - كما تقدم -، وكذلك فعل في هذا، فإنه قال تحت الآية المذكورة:
" ثم أورد ابن جرير في ذلك حديثاً موضوعاً بالكلية، ثم لم ينبه على ذلك،
وهذا أمر عجيب غريب منه!".

6553 - ( ثلاثة أعين لا تحرقها النار أبداً:
عين بكت من خشية الله.
وعين سهرت بكتاب الله.
وعين حرست في سبيل الله).

منكر.
أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (1/228/487) من طريق
سعيد بن رحمة: ثنا ابن المبارك عن إسماعيل بن عياش عن ثعلبة بن مسلم
الخثعمي عن أبي عمران الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... فذكره.
الأولى: الإرسال، فإن عمران الأنصاري مولى أم الدرداء، روى عنها وأبي
الدرداء وغيرهما، وهو صدوق. وذكره ابن حبان في "ثقات التابعين" (4/329)
باسم (سليم)، وفي "أتباعهم" (6/395) باسم (سليمان)، وكذا أورده في
مكان آخر في "التابعين" (4/309)! وهو في الاسمين تابع للإمام البخاري

(14/126)


@@@ 127
في "التاريخ" (2/2/22/1830 و 125/2192).
والأخرى: ضعف سعيد بن رحمة، قال ابن حبان في "الضعفاء" (1/
228):
"يروي عن محمد بن حمير ما لم يتابع عليه. روى عنه أهل الشام، لا يجوز
الاحتجاج به، لمخالفته الأثبات في الروايات".
قلت: وروايته لهذا الحديث بالجملة الثانية منه مما يدل على ضعفه، وروايته مما
لا يتابع عليه، فقد جاء الحديث عن جمع من الصحابة، خرجت بعضها عن
خمسة من الصحابة، ليس في شيء منها هذه الجملة، وقد خرجته في المجلد
السادس من "الصحيحة" برقم (2673)، وهو وشيك الصدور إن شاء
الله تعالى (*).

6554 - (عرفة يوم يعرّف الإمام، والأضحى يوم يضحّي الإمام،
والفطر يوم يفطر الإمام).

منكر بذكر (الإمام).
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/360)،
والبيهقي في "السنن" (5/175) من طريق يحيى بن حاتم العسكري: ثنا
محمد بن إسماعيل أبو إسماعيل: ثنا سفيان عن ابن المكندر عن عائشة رضي
الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ...فذكره. والسياق للبيهقي، وقال:
"محمد هذا يعرف بـ (الفارسي)، وهو كوفي قاضي فارس، تفرد به عن
سفيان".
__________
(*) وقد طبعت "السلسلة الصحيحة" بكامل مجلداتها، ولله الحمد والمنة. (الناشر).

(14/127)


@@@ 128
قلت: هو ليس مشهور، أورده ابن حبان في كتابه "الثقات"، فقال (9/
78):
"يروي عن سفيان الثوري، روى عنه محمد بن يحيى الذهلي، يغرب".
قلت: وأخرجه له في "صحيحه" (719-موارد) حديث الذهلي المشار إليه،
وهو في تلقين الميت، وفيه زيادة غريبة، وهو مخرج في "الإرواء" (3/150).
وكذلك ذِكره (الإمام) في هذا الحديث غريب عندي. وقد خولف في إسناده
أيضاً، فرواه غير واحد عن محمد بن المكندر عن أبي هريرة، وهو مخرج في
"الإرواء" (4/11-14). وأعل بالانقطاع بين أبي هريرة وابن المكندر، ولكن
قد جاء موصولاً بإسناد آخر عنه مرفوعاً بلفظ:
"الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون".
وإسناده حسن، وحسنه الترمذي، وهو مخرج في "الإرواء" (4/11-14)،
و "الصحيحة" (224).
وبالجملة، فالحديث بلفظ: " الإمام" منطر لا يصح عندي، لتفرد محمد بن
إسماعيل هذا به، ومخالفته لحديث أبي هريرة المذكور وغيره. وتساهل الشيخ
أحمد شاكر رحمه الله، فصحح إسناده في رسالته "أوائل الشهور العربية" (ص
26).
وأستدرك فأقول: وكذلك تفرد بذكر جملة : "عرفة يوم يعرف الإمام"،
مكان: "والأضحى يوم تضحون". نعم، قد رواها بعض من لا تقوم به الحجة من
الضعفاء، كما تقدم برقم (3863).

(14/128)


@@@ 129
6555 - ( من أتى كاهناً، فصدقه بما يقول، فقد برئ مما أُنزل على
محمد.
ومن أتاه غير مصدق، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) (*).
منكر بالشطر الثاني: أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/117/1)
من طريق محمد بن [أبي] السري: نا رشدين بن سعد عن جرير بن حازم عن
قتادة عن أنس بن مالك مرفوعاً. وقال:
" لم يروه عن قتادة إلا جرير، ولا عنه إلا رشدين، تفرد به محمد بن [أبي]
السري".

قلت: قال الحافظ:
"صدوق عارف، له أوهام كثيرة".
وشيخه (رشدين بن سعد) ضعيف، وأشار المنذري إلى أعلاله به في
"الترغيب" (4/52)، وصرح بذلك الهيثمي، فقال (5/118):
"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه رشدين بن سعد، وهو ضعيف، وفيه
توثيق في أحاديث الرقاق، وبقية رجاله ثقات!
قلت: كذا قال! وفيه تساهل وإغضاء عن ابن أبي السري، وقد أقره المعلق على
"مجمع البحرين" (7/138)، وزاد ضغثاً على إبالة، فاستدرك عليه قائلاً:
"لكن المتن ثابت من وجوه أخرى".
__________
(*) أشار الشيخ رحمه الله إلى أنه سبق تخريجه برقم (5281 و 6523). (الناشر).

(14/129)


@@@ 130
وهذا وهم فاحش، وغفلة عجيبة، فإن الثابت منه إنما هو الشطر الأول في
"صحيح مسلم"، وهو مخرج في "غاية المرام" (172-173)، وتحت الحديث
المتقدم برقم (6523)، وقد نبه الحافظ رحمه الله في "الفتح" (10/217)
على هذا الفرق بين هذا وبين حديث الترجمة، وليّن إسناده.

6556 - ( يكون بعدي اثنا عشر خليفة: أبو بكر الصديق لا يلبث
بعدي إلا قليلاً، وصاحب رحى داره، يعيش حميداً ويموت شهيداً، قيل:
من هو يا رسول الله؟! قال:
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم التفت إلى عثمان فقال:
وأنت سيسألك الناس أن تخلع قميصاً كساك الله عزوجل، والذي نفسي
بيده! لئن خلعته، لا تدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط).

منكر.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/7/12 و 47/142)
عن عبد الله بن صالح: حدثني الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن
أبي هلال عن ربيعة بن سيف: أنه حدثه أنه جلس مع شفي الأصبحي فقال:
سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره. وبهذا
الإسناد أخرجه في "الأوسط" (2/3255/1/8913). وقال:
" لا يروى إلا بهذا الإسناد"؟
قلت: وهو إسناد ضعيف، ومتن منكر، وقول الهيثمي في "المجمع" (5/
178):
"رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير"، وفيه (مطلب بن شعيب)، قال

(14/130)


@@@ 131
ابن عدي: لم أر له حديثاً منكراً، غير حديث واحد، وغير هذا، وبقية رجاله وثقوا".
قلت: وتعقبه الأخ الفاضل (حمدي السلفي) بضعف عبد الله بن صالح،
فأصاب على تفصيل بينته في غير ما موضع، ولا مناسبة له هنا. ولكنهما وهما
معاً في تعصيب العلة في المطلب بن شعيب هذا، فإنه ممن أكثر عنهم الطبراني من
شيوخه الصدوقين في "المعجم الأوسط" وغيره، فروى عنه فيه فقط نحو مئتي
حديث (2/246/1-260/1/8794-8970). وانظر المجلد الأول من
كتاب "الدعاء" (ص 649).
وإنما العلة عندي من فوق، وهو (ربيعة بن سيف المعافري). قال البخاري
وابن يونس:
"عنده مناكير". كما في "المغني" للذهبي. ونحوه قال العسقلاني.
قلت: وهذا من مناكيره عندي، لما يأتي، وهو صاحب الحديث الذي فيه
الوعيد الشديد لفاطمة رضي الله عنها:
"لو بلغت معهم الكُدى، ما رأيت الجنة حتى يراها جدك".
وهو منكر جداً عندي، أخرجه أبو داود والنسائي، وليس له عندهما غيره،
ومع ذلك، فقد أعله النسائي بقوله عقبه:
"ربيعة ضعيف".
وهو مخرج في "ضعيف أبي داود" (560)، ولذا أوردته في "زوائد ضعيف
موارد الظمآن" آخر (الجنائز).
ويبدو لي أنه من الضعفاء الذين يكثر انفرادهم بالأحاديث المنكرة، كما

(14/131)


@@@ 132
تقدمت الإشارة إلى ذلك في كلمة البخاري، ومثله قوله:
"روى أحاديث لا يتابع عيلها".
هذا مع قلة أحاديثه - كما يدل على ذلك ترجمته في "التهذيب" -، ومع
ذلك فقد ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/301) وقال:
"وكان يخطيء كثيراً"!
فالعجب منه مع هذا كيف يوثقه، ويخرج له في "صحيحه" حديثين؟! أحدهما
حديث (الكُدى) المتقدم، وحديث آخر صححه لغيره! كما حققته في التخريج
الثاني لـ (المشكاة) (1186)، وتناقض المعلق أو المعلقان على كتاب "الإحسان"
طبع المؤسسة، فجاء في التعليق على حديث (الكدى) المنكر (7/451):
"إسناده ضعيف. ربيعة بن سيف .... كثير الخطأ".
وفي التعليق على الحديث الآخر (ص 325) من المجلد نفسه:
"إسناده قوي، رجاله ثقات رجال الصحيح، غير ربيعة بن سيف ... وهو
صدوق!
ثم تجدد هذا الخطأ في "موارد الظمآن" (1/335/770 - طبع المؤسسة)،
تحقيق " شعيب الأرناؤوط - محمد رضوان العرقوسي"، فمن الذي يتحمل
مسؤلية هذا الخطأ وذاك التناقض؟! أحدهما أو كلاهما، أحدهما مر! أم من
المقصود أن تظل (الطاسة ضايعة)! كما يقولون في دمشق؟ ذلك ما لا أرجو، فإن
من بركة العلم، نسبة كل قول إلى قائله - كما يقول العلماء - وقد ذكّرت بذلك،
ونصحت من يلزم، ولعل ذلك قد وجد طريقه إلى الأرض الطيبة التي تقبل الماء،

(14/132)


@@@ 133
وتنبت الكلأ والعشب بالكثير. والله الهادي إلى سواء السبيل.
ثم إن مما يدل على ضعف (ربيعة) هذا، أنه قد صح الحديث مختصراً مفرقاً
من رواية غير واحد من الصحابة، فروى أوله جابر بن سمرة مرفوعاً بلفظ:
"يكون من بعدي اثنا عشر أميراً، كلهم من قريش".
رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (1075).
وروى سفينة رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ:
"الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك".
رواه ابن حبان وغيره، وهو مخرج هناك برقم (459، 1534، 1535).
وأما حديث (قميص عثمان)، فهو محفوظ من حديث عائشة رضي الله
عنها. وليس فيه الوعيد الشديد الذي خلعه. أخرجه ابن حبان وغيره، وهو
مخرج في "المشكاة" (6068، 6070)، و "الظلال" (1172 - 1176).

6557 - (لا تشفي النار أحداً).
منكر جداً.
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/259/2/8964) من
طريق محمد بن عبد العزيز: نا عبد الله بن يزيد بن الصلت عن داود بن قيس
(الأصل: بشير) عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: ... فذكره
مرفوعاً. وقال:
" لا يروى عن سلمة إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن عبد العزيز".

(14/133)


@@@ 134
قلت: هو من شيوخ البخاري المتكلم فيهم، وهو وسط، قال الحافظ:
"صدوق يهم".
فالأولى إعلاله بشيخه عبد الله بن يزيد بن الصلت، وهو ما فعله الهيثمي،
فقال في "المجمع" (5/97):
"رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن يزيد البكري، ضعفه أبو حاتم".
لكن قوله: "البكري" سبق قلم، أو نظر منه إلى ما قبل ترجمة ابن الصلت
هذا بترجمتين من "الجرح" (2/2/201/938)، أو إلى الذي بعده - وهو
الأقرب - بترجمة، وكل ذلك وهم، ثم إن اقتصاره على نسبة التضعيف فقط لأبي
حاتم تقصير، لأنه قال فيه:
"متروك الحديث". وقال أبو زرعة:
"منكر الحديث"؟
وهذا يعني أنه شديد الضعف عندهما، وهو اللائق بمن يروي مثل هذا الحديث
المنكر، والمعارض لقوله صلى الله عليه وسلم :
"الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي عن
الكي".
رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (1154).
ثم إن في إطلاق الهيثمي عزوه الحديث للطبراني ما يوهم أنه أخرجه في
"المعجم الكبير"! وليس فيه، وقلده في ذلك السيوطي في "الزيادة على الجامع
الصغير".

(14/134)


@@@ 135
6558 - (إنما ذلك من الشيطان يدخل في إحليل أحدكم، حتى
يخيل إليه أنه يخرج منه الريح، فإذا وجد أحدكم ذلك، فلا يقطع
صلاته، حتى يجد بللاً، أو ريحاً، أو يسمع صوتاً).

موضوع.
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1/141/535) عن أبي
بكر بن عبد الله: أن عبد الله بن محمد مولى أسلم حدثه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل، فقال له: إنه يخيل إليّ إذا كنت أصلي أنه يخرج
من إحليلي الشيء، أو يخرج مني الريح، أفأقطع صلاتي؟ قال:
" لا، إنما ذلك ....".
قلت: وهذا موضوع، آفته أبو بكر هذا - هو: ابن أبي سبرة-، قال الإمام أحمد:
"كان يضع الحديث، ويكذب".
قلت: ومع وضوح حاله، وفضوح أمره، سكت عنه الأعظمي في تعليقه على
"المصنف"!
وأما شيخه عبد الله بن محمد، فيحتمل أنه أخو (إبراهيم بن محمد
الأسلمي)، فقد ذكروا هذا في شيوخه! والله أعلم.
ومما يؤكد وضع هذا الحديث أنه في "الصحيح" بنحو شطره الأخير.

6559 - (نهى عن نكاح الجن).
منكر.
قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشبلي في "أكام المرجان
في أحكام الجان" (ص 71): قال حرب الكرماني في "مسائله عن أحمد

(14/135)


@@@ 136
وإسحاق": حدثنا محمد بن يحيى القطيعي: حدثنا بشر بن عمر :حدثنا ابن
لهيعة عن يونس بن يزيد عن الزهري قال: ....فذكره. وقال:
"وهو مرسل، وفيه ابن لهيعة".
قلت: وهو ضعيف، ولعل هذا من تخاليطه بعد احتراق كتبه، فإني لم أره في
غير هذا المصدر والإسناد، وسائره ثقات من رجال مسلم، و (القطيعي) هكذا في
الأصل، وهو خطأ مطبعي، والصواب (القُطَعي)، كما في "التقريب" وغيره.

(فائدة): قال الذهبي في ترجمة ابن عربي الصوفي من "الميزان":
"نقل رفيقنا (أبو الفتح اليعمري) - وكان متثبتاً - قال: سمعت الإمام تقي
الدين بن دقيق العيد يقول: سمعت شيخنا أبا محمد بن عبد السلام السلمي
(هو: العز بن عبد السلام) يقول - وجرى ذكر أبي عبد الله بن عربي الطائي -
فقال: هو شيخ سوء شيعي كذاب. فقلت له: وكذاب أيضاً؟ قال: نعم، تذاكرنا
بدمشق التزويج بالجن، فقال: هذا محال، لأن الإنس جسم كثيف، والجن روح
لطيف، ولن يعلق الجسم الكثيف الروح اللطيف. ثم بعد قليل رأيته وبه شجة!
فقال: تزوجت جنية، فرزقت منها ثلاثة أولاد، فاتفق يوماً أني أغضبتها،
فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة، وانصرفت فلم أرها بعد. هذا أو معناه.

قلت: وما عندي أن محيي الدين تعمد كذباً، لكن أثرت فيه تلك الخلوات
والجوع فساداً وخيالاً وطرف جنون، وصنف التصانيف في تصرف الفلاسفة وأهل
الوحدة. فقال أشياء منكرة، عدها طائفة من العلماء مروقاً وزندقة، وعدها طائفة
من إشارات العارفين، ورموز السالكين، وعدها آخرون من متشابه القول، وأن
ظاهرها كفر وضلال، وباطنها حق وعرفان، وأنه صحيح في نفسه كبير القدر.

(14/136)


@@@ 137
وآخرون يقولون: قد قال هذا الباطل والضلال، فمن الذي قال: إنه مات عليه؟!
فالظاهر عندهم من حاله أنه رجع وتاب إلى الله، فإنه كان عالماً بالآثار والسنن،
قوي المشاركة في العلوم.
وقولي أنا فيه: إنه يجوز أن يكون من أولياء الله الذين اجتذبهم الحق إلى
جنابه عند الموت، وختم لهم بالحسنى.
فأما كلامه فمن فهمه وعرفه على قواعد الاتحادية، وعلم محط القوم، وجمع
بين أطراف عباراتهم، تبين له الحق في خلاف قولهم، وكذلك من أمعن النظر في
"فصوص الحكم"، لاح له العجب. فإن الذكي أذا تأمل من ذلك الأقوال والنظائر
والأشباه، فهو يعلم بأنه أحد رجلين: إما من الاتحادية في الباطن، وإما من
المؤمنين بالله الذي يعدون أن هذه النحلة من أكفر الكفر. نسأل الله العافية.
قلت: لقد كان الذهبي رحمه الله في زمانه محاطاً بالاتحاديين، فاضطر إلى
اتقاء شرهم، وإلا فالحق ما قاله في "السير" (23/48):
"ومن أراد تواليفه كتاب "الفصوص"، فإن كان لا كفر فيه، فما في الدنيا
كفر. نسأل الله العفو والنجاة، فواغوثاه بالله".

6560 - (اتقوا الله يا عباد الله! فإنكم إن اتقيتم الله أشبعكم من
خبز الشام، وزيت الشام).

منكر.
أخرجه الروياني في "مسنده" ( ق 84/1)، ومن طريقه ابن عساكر
في "تاريخ دمشق" (1/382-383 - طبع دمشق) عن عبد المهيمن بن عباس
ابن سهل بن سعد: سمعت أبي يذكر عن سهل بن سعد مرفوعاً.

(14/137)


@@@ 138
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد المهيمن هذا، قال الذهبي في "المغني":
"ضعفوه".

6561 - ( آخر وقت العشاء حين يطلع الفجر).
لا أصل له.
وإن تتابع فقهاء الحنفية على ذكره في كتبهم، والاحتجاج به
على الإمام الشافعي! لكن العلماء منهم بالحديث قد أنكروه مع تلطف بعضهم في
التعبير، كقول الزيلعي في "تخريج الهداية" (1/234):
"قلت: غريب". وقال ابن الهمام في "فتح القدير" (1/196):
"لم يوجد في شيء من أحاديث المواقيت". ونحوه في "الدراية" للحافظ
ابن حجر (1/103).
وقال العيني في "البناية في شرح الهداية" (1/808):
"لم يرد، وهو غريب. وفي "المبسوط": روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه
قال: آخر وقت العشاء حين طلوع الفجر الثاني.
والعجب من أكثر الشراح أنهم يستدلون به، ينسبون روايته إلى أبي هريرة
رضي الله عنه، ولم يصح هذا الإسناد"!
كذا قال! وقوله: "الإسناد" لعله مدرج من بعض النساخ، فإنه لم يذكر له
إسناداً إلى أبي هريرة، حتى تصح الإشارة إليه بقوله: (هذا)!
قلت: ومع تنبيه هؤلاء المحدثين الحنفيين على إنكار وروده، فقد حاولوا
تصحيح معناه تبعاً منهم للإمام أبي جعفر الطحاوي، مستنداً إلى ما رواه من طريق

(14/138)


@@@ 139
حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير قال:
كتب عمر إلى أبي موسى: وصّل العشاء أي الليل شئت ولا تغفل.
قلت: وهذا إسناد معلول، ومتن منكر، رجاله ثقات، لكن له علتان:
إحداهما: عنعنة حبيب بن أبي ثابت، فإنه مدلس.
والأخرى: الانقطاع بين نافع بن جبير وعمر، وصورة روايته عنه صورة
الإرسال: "قال عمر"، ولم يذكروا له رواية عن أحد من الخلفاء الراشدين غير
علي رضي الله عنه، فالظاهر أنه لم يدرك عمر، وبين وفاتيهما ست وسبعون (76)
سنة. ويمكن أن يكون بينهما (المهاجر)، فقد أخرجه الطحاوي أيضاً من طريق
محمد بن سيرين عن المهاجر:

أن عمر كتب ....فذكره، لكن بلفظ:
"إلى نصف الليل، أيّ حين شئت".
وزاد من طريق أخرى عن ابن سيرين:
"ولا أرى ذلك إلا نصفاً لك".

قلت: و (المهاجر) هذا لا يعرف إلا برواية ابن سيرين عنه، فهو مجهول، ومع
ذلك، فقد أورده ابن حبان في "الثقات" (5/428) وقال:
"لا أدري من هو؟ ولا ابن من هو؟"!!
قلت: وهذا من عجائبه المعروفة عنه، فإن له من مثل هذه الترجمة الشيء
الكثير، فكيف مع ذلك عرف عدالته وحفظه، فوثقه؟!

(14/139)


@@@ 140
وإنما استنكرت المتن لأمرين:
أحدهما: مخالفته للطرق الأخرى عن عمر، وهي أصح، وإن كانت لا تخلو
من إرسال أيضاًَ، فقال هشام بن عروة: عن أبيه قال:
كتب عمر إلى أبي موسى: أن صلوا صلاة العشاء فيما بينكم وبين ثلث
الليل، فإن أخرتم، فإلى شطر الليل، ولا تكونوا من الغافلين.
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1/556/2108)، وابن أبي شيبة
أيضاً (1/330).
ورجاله رجال الشيخين، لكن عروة ولد بعد وفاة عمر ببضع سنين.
ويشهد له ما روى أيوب عن محمد بن سيرين عن مجاهد كان يقول:
انظروا يوافق حديثي ما سمعتم من الكتاب أن عمر رضي الله عنه كتب إلى
أبي موسى الأشعري:
أن صلوا الظهر حين ترتفع الشمس - يعني: تزول -، وصلوا العصر والشمس
بيضاء نقية، وصلوا المغرب حين تغيب الشمس، وصلوا العشاء إلى نصف الليل
الأول، وصلوا الصبح بغلس - أو بسواد-، وأطيلوا القراءة.
أخرجه البيهقي (1/367). ورجاله ثقات رجال (الصحيح)، لكن
مجاهد ولد آخر خلافة عمر، لكن في روايته أن كتاب عمر كان معروفاً
عندهم. والله أعلم.
والأمر الآخر: مما يدل على النكارة، مخالفته لأحاديث التوقيت، ومنها:
حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً بلفظ:

(14/140)


@@@ 141
"وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس ... مالم يحضر وقت العصر، ...
ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط..." الحديث.
رواه مسلم وابن خزيمة وابن حبان وأبو عوانة في "صحاحهم" وغيرهم، وهو
مخرج في "صحيح أبي داود" (425).

6562 - (ينزل عيسى ابن مريم إلى الأرض، فيتزوج، ويولد له،
ويمكث خمساً وأربيعن سنة، ثم يموت فيدفن معي في قبري، فأقوم أنا
وعيسى ابن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر).
منكر.
أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/433/1529) من
طريق أبي عبد الرحمن قال: نا محمد بن يزيد عن عبد الرحمن بن زياد بن
أنعم عن عبد الله بن يزيد الحبلي عن عبد الله بن عمرو (1) مرفوعاً. وقال:
"هذا حديث لا يصح، والإفريقي، ضعيف بمرة".
وأبو عبد الرحمن هذا، لم أعرفه، وعزاه الذهبي لابن أبي الدنيا في بعض
تواليفه عنه. ذكره في جملة مناكير ساقها للإفريقي هذا.
والحديث أورده ابن الجوزي أيضاً في كتابه "الوفا في حقوق المصطفى" (2/
814) محذوف الإسناد، وأظن أن الحذف من غيره، وكذلك أورده السلامة
الكشميري في كتابه الجامع "التصريح بما تواتر في نزول عيسى المسيح" (ص
240) من طريق "الوفا" وغيره ساكتاً عنه، ودندن حول ذلك أبو غدة في تعليقه
عليه، فلم يصنع شيئاً.
__________
(1) الأصل (عمر) والتصحيح من "الوفا" و " الميزان".

(14/141)


@@@ 142
6563 - (السّقط يثقل الله به الميزان، ويكون شافعاً لأبويه يوم
القيامة).
موضوع.
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (2/118/2) من طريق
أبي نعيم معلقاً بسنده عن الخضر بن أبان: حدثنا أبو هدبة عن أنس بن مالك
مرفوعاً.
قلت: وهذا موضوع، آفته أبو هدبة - واسمه: (إبراهيم)-، كذبه أبو حاتم
وغيره، وقال ابن حبان (1/114-115):
"دجال من الدجاجلة، وكان رقاصاً بالبصرة، يدعى الأعراس، فيرقص
فيها، فلما كبر، جعل يروي عن أنس، ويضع عليه".
ولذلك أورد السيوطي الحديث في "ذيل الأحاديث الموضوعة" (ص 200)،
وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/217).
وقد روي عن أبي هدبة بلفظ آخر مضى برقم (3322).

6564 - ( في آخر الزمان تأتي المرأة حَجلتها، فتجد زوجها قد مسخ
قرداً، لأنه لم يؤمن بالقدر).
منكر.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/148/2) من طريق
حماد بن بحر التستري: ثنا بشار بن قيراط عن أبي مصلح عن عمرو بن دينار
عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. وقال:
"لم يروه عن عمرو بن دينار إلا أبو مصلح، تفرد به بشار".

(14/142)


@@@ 143
قلت: وهو متفق على تضعيفه، بل كذبه أبو زرعة. وبه أعله الهيثمي، فقال
(7/206):
"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه بشار بن قيراط، وهو ضعيف".
وشيخه أبو مصلح - اسمه: نصر بن مشارس -، قال الحافظ:
"لين الحديث".
وحماد بن بحر التستري، الظاهر أنه الرازي المترجم في "الجرح والتعديل"،
وروى عن أبيه أنه قال:
"لا أعرفه، شيخ مجهول".

6565 - (أعتق أو أمسك. قاله لمن صكّ وجه جاريته الراعية، وقد
انتزع السبع ضرع شاة صفي).

منكر بزيادة: "أو أمسك".
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (9/175-
176) عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء:

أن رجلا كانت له جارية في غنم ترعاها ، وكانت شاة صفي ، يعني غزيرة
في غنمه تلك ، فأراد أن يعطيها نبي الله صلى الله عليه وسلم : فجاء السبع فانتزع ضرعها ،
فغضب الرجل فصك وجه جاريته ، فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، وذكر أنها
كانت عليه رقبة مؤمنة وافية ، قد هم أن يجعلها إياها حين صكها ، فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم :
ايتني بها ! فسألها النبي صلى الله عليه وسلم :

(14/143)


@@@ 144
"أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟"
قالت : نعم .
"وأن محمدا عبد الله ورسوله ؟"
قالت : نعم .
"وأن الموت والبعث حق ؟"
قالت : نعم .
"وأن الجنة والنار حق ؟"
قالت : نعم .فلما فرغ قال :
" أعتق أو أمسك ؟".
قلت :أثبت هذا ؟ قال : نعم ، وزعموا. وحدثنيه أبو الزبير ، فولدت بعد ذلك
في قريش.
قلت: وهذا إسناد مرسل، ضعيف الإسناد، منكر المتن.
أما الإسناد ففيه:
أولاً: هو من رواية إسحاق الدبري عن عبد الرزاق، وفيها مناكير، كما ذكر
الذهبي وغيره. انظر "الميزان" و "المغني" و "اللسان".
ثانياً: عطاء شيخ ابن جريج فيه، قد ذكر المزي في "التهذيب" أنه روى عن
(عطاء بن أبي رباح)، وهو ثقة مشهور. وعن (عطاء بن السائب)، وهو ثقة

(14/144)


@@@ 145
مختلط، و (عطاء بن أبي مسلم الخراساني)، وهو صدوق يهم كثيراً، ويرسل
كثيراً ويدلس. فأيهم صاحب هذا الحديث يا ترى؟
الذي يبدو لي - والله أعلم - أن مثل هذا الحديث المنكر لا يليق أن ينسب إلى
الأول منهم، لثقته وفضله، ما دام أنه يحتمل أن يلصق باللذين دونه. ثم إن
الأولى به منهما إنما هو الثالث: (عطاء الخراساني)، لأني رأيت من الأئمة من
غمز في رواية ابن جريج عنه، فقد جاء في "تهذيب التهذيب":
"قال أبو بكر بن أبي خيثمة: رأيت في كتاب علي بن المديني: سألت يحيى
بن سعيد عن حديث ابن جريج عن عطاء الخراساني ؟ فقال: ضعيف. قلت
ليحيى: انه يقول: اخبرني؟ قال: لا شئ ،كله ضعيف، إنما هو كتاب دفعه إليه".

قلت: وهذا يشبه روايته عن الزهري مع أنه لم يسمع منه، ففي "التهذيب"
(6/405-406):
"وقال قريش بن أنس عن ابن جريج: لم أسمع من الزهري شيئاً، إنما أعطاني
جزءاً فكتبته، وأجاز لي".
وعلقه الذهبي في "السير" (6/332) على ابن جريج بصيغة الجزم. وذكر
عن ابن معين أنه قال:
"ابن جريج، ليس بشيء في الزهري".
وقد وجّه ذلك الذهبي بقوله (6/331):

"قلت: وكان ابن جريج يروي الرواية بالإجازة، وبالمناولة، ويتوسع في ذلك،
ومن ثم دخل عليه الداخل في رواياته عن الزهري، لأنه حمل عنه مناولة، وهذه

(14/145)


@@@ 146
الأشياء يدخلها التصحيف، ولا سيما في ذلك العصر لم يكن يحدث في الخط
بعدُ شكل ولا نقط".
هذا، فإذا ترجح أنه: (عطاء الخراساني)، فيكون مرسلاً ضعيفاً، لضعف
مرسله، وإلا، فهو على كل حال ضعيف، لما عرفت من حال رواية الدبري عن
عبد الرزاق.

وأما كونه منكر المتن فذلك ظاهر جداً من الزيادات التي جائت فيه، وإليك
بيانها:
أولاً: قوله: "أو أمسك"، فإنه منكر، بل باطل، فقد صحي الحديث عن جمع
من الصحابة بلفظ: "أعتقها، فإنها مؤمنة". وقد خرجته في "الصحيحة" في
المجلد السابع برقم (3161)، وأصحها حديث معاوية بن الحكم السلمي (1) من
رواية مسلم وأصحاب "الصحاح" من بعده من رواية هلال بن أبي ميمونة عن
عطاء بن يسار عنه.
وهو حديث الجارية المعروف بجوابها لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم إياها حين سألها: " أين
الله؟" فأجابت بقولها: في السماء. فقال صلى الله عليه وسلم لسيدها: "أعتقها، فإنها مؤمنة".
وقد رددت فيها على يعض المبتدعة المعاصرين الذين صرحوا بتضعيف هذا
الحديث، كالشيخ عبد الله الغماري ومقلديه، بل إن بعضهم غلا، فصرح ببطلانه!
ففي بحث مبسط، أرجو أن ييسر لنا نشره قريباً (*).

ثانياً وثالثاً: ليس في تلك الأحاديث جملة: (الشاة الصفي، وانتزع السبع
__________
(1) وقد سقطت لفظة بتمامه وخرجته أيضاً في "الإرواء" (2/112-113).
(*) وقد طبع المجلد السابع بعد وفاة الشيخ رحمه الله تعالى، وهو في ثلاثة أقسام. (الناشر).

(14/146)


@@@ 147
منها الضرع)، ولا جملة: (الهم). مما يرجح أن الرواي لم يحفظ القصة، وزاد فيها
على الثقات، مما يرجح أنه عطاء الخراساني - كما تقدم -. وهذا، إن سلم من الدبري!

ومع هذا كله، فقد حاول غماري حدث أن يجعل روايى ابن جريج هذه علة
قادحة في صحة حديث معاوية بن الحكم المتفق على صحته عند العلماء بعلة
الشذوذ، ومخالفة رواية هلال بن أبي ميمونة لرواية ابن جريج هذه! فقد أرسل إليَّّ
أحد الطلاب في دمشق خطاباً بتاريخ (1/8/1415) مفاده أنه ظهر فيهم
طالب علم تونسي، تبين لهم بعد لأيٍ أنه من تلامذة الشيخ عبد الله الغماري،
لكثرة كلامه السيىء في أهل السنة! وطعنه في الأحاديث الصحيحة عندهم -،
كحديث معاوية هذا -! وتبين من رسالته أن الغماري الحدث سلم سبيل شيخه
في المكابرة وقلب الحقائق، وإلا، فهو جاهل لا يدري ما ينطق به فمه، أو يجري به
قلمه! وأحلاهما مر! فقد استدل بحديث ابن جريج هذا على بطلان حديث
معاوية رضي الله عنه بقوله:

"وابن جريج إمام، فلا يعارضه مثل هلال، وإن تابعه من قيل فيه: صدوق"!
وهذا التعليل - وحده - يدل على حداثة التونسي هذا في هذا العلم الشريف
وجهله به، أو أنه كشيخه في المكابرة في قلب الحقائق العلمية وإنكارها، وتفصيل
ذلك فيما يلي:
أولاً: لقد نصب الخلاف بين رواية ابن جريج ورواية هلال، موهماً الطلاب أن
شيخهما واحد هو: (عطاء بن يسار)، وبنى على ذلك أن رواية ابن جريج المرسلة
أرجح لإمامته!
وجوابي عليه: أن هذا تدليس خبيث، أو جهل فاضح، لأن (عطاء بن يسار)

(14/147)


@@@ 148
ليس من شيوخ ابن جريج عند أحد من أهل العلم، وإنما شيخه أحد الثلاثة الذين
تقدم ذكرهم، وعلى الراجح هو : (عطاء الخراساني) المضعّف، فلا تعارض بين
رواية ابن جريج ورواية هلال، لأن كلاً منهما روى ما لم يرو الآخر، وقد قال الإمام
الشافعي رحمه الله:
"ليس الحديث الشاذ أن يروي الثقة ما لم يرو الثقات، وإنما هو أن يروي ما
خالف الثقات".
هذا يقال أولاً.
وثانياً: هب أن شيخهما واحد، وأنه لا بد من الترجيح، فترجيحه مبني على
جهله أو تجاهله الكلام الذي في رواية الدبري عن عبد الرزاق - كما تقدم !
وثالثاً: لنفترض أن الرواية عن ابن جريج صحيحة، ولكنها خالية عن متابع أو
شاهد، بخلاف رواية هلال، فلها شواهد كثيرة - كما تقدمت الإشارة إلى ذلك -،
بل إن الغماري الصغير قد صرح - كما رأيت - بأن هلالاً له متابع صدوق، فترجيح
رواية الثقة على ثقتين - بل على ثقات - هو قلب للحقائق العلمية التي عرف بها
الغماريون تقليداً لشيخهم. والله المستعان.

6566 - (ليس من خلق الله أكثر من الملائكة، ما من شجرة تنبت
إلا وملك موكل بها).
ضعيف.
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (3/238)، وأبو الشيخ في "العظمة"
(2/744 -745) من طريق عبد الغفار بن حسن أبي حازم عن
إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً.

(14/148)


@@@ 149
أورده ابن عدي في ترجمة أبي يحيى هذا - وهو: القتات -، وذكر الخلاف في
اسمه، وحكى أقوال الأئمة فيه، وختم ترجمته بقوله:
"وفي حديثه بعض ما فيه، إلا أنه يكتب حديثه". ولذا قال الحافظ:
"لين الحديث".
وعبد الغفار بن حسن، ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/421)، وقال ابن
أبي حاتم عن أبيه:
"لا بأس به". وقال الجوزجاني:
"لا يعتبر به". وقال الأزدي:
"كذاب"!
والشطر الأول من الحديث أخرجه البزار (2/449/2085) من حديث
عبد الله بن عمرو موقوفاً عليه. وإسناده صحيح، كما قال الحافظ في "مختصر
الزوائد" (2/261-262)، وقال الهيثمي (8/135):
"رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح".
قلت: فلعل هذا هو أصل الحديث موقوف، رفعه بعض الضعاء. والله أعلم.

6567 - (اللهم! أركسهما في الفتنة ركساً، ودُعَّهما إلى النار دعّاً).
منكر.
أخرجه أحمد (4/421)، والبزار (2/453/2093)، وأبو يعلى -
كما في "المطالب العالية" (4225) -، ومن طريقه ابن حبان في "الضعفاء"

(14/149)


@@@ 150
(3/101)، وعنه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/28) من طريق يزيد بن
أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص [عن أبي هلال العكي] عن أبي
برزة قال:
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت غناء، فقال:
"انظروا ما هذا؟".
فصعدت فنظرت، فإذا معاوية وعمرو يغنيان، فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: ....فذكره، والسياق لابن حبان، وليس عنده: (أبو هلال العكي)، وبه
أعله البزار، فقال عقبه:
"أبو هلال العكي، غير معروف".
وأعله ابن الجوزي بعلة أخرى، فقال:
"حديث لا يصح، ويزيد بن أبي زياد، كان يلقن في آخر عمره فيلقن، قال
علي ويحيى: لا يحتج بحديثه. وقال ابن المبارك: ارم به. وقال ابن عدي: كل
رواياته لا يتابع عليها".
وتعقبه السيوطي في "اللآلي" (1/427) بقوله:
"هذا لا يقتضي الوضع ... وله شاهد من حديث ابن عباس ....".
ثم ساقه من رواية الطبراني، ولا يصح الاستشهاد به، لشدة ضعفه، أخرجه
في "المعجم الكبير" (11/38/10970) من طريق عيسى بن سوادة النخعي
عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت رجلين ...
الحديث.

(14/150)


@@@ 151
قال الهيثمي في "المجمع" (8/121):
"رواه الطبراني. وفيه عيسى بن سوادة النخعي، وهو كذاب".
ولعله خفي على السيوطي حاله، لأنه وقع عنده محرفاً إلى (عيسى بن
الأسود النخعي).

أقول هذا من باب: (التمس لأخيك عذراً)، وإلا، فالسيوطي متساهل
معروف بذلك، ومنه أنه ساق عقبه من رواية ابن قانع في "معجمه" من طريق
سعيد (كذا) أبي العباس التيمي: حدثنا سيف بن عمر: حدثني أبو عمر مولى
إبراهيم بن طلحة عن زيد بن أسلم عن صالح شقران قال:
بينما نحن ليلة في سفر ...الحديث نحوه، لكن فيه:
"فإذا هو معاوية بن رافع، وعمرو بن رفاعة بن التابوت .....". وزاده في آخره:
"فمات عمرو بن رفاعة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم من السفر".
وختم السيوطي كلامه على الحديث بقوله:
"فهذه الرواية أزالت الإشكال، وبينت أن الوهم وقع في الحديث الأول في
لفظة واحدة وهي قوله: (ابن العاص) ... وإنما هو: (ابن رفاعة)، أحد المنافقين،
وكذلك معاوية بن رافع أحد المنافقين. والله أعلم!

قلت: يقال له: (أثبت العرش ثم انقش)، فهذه الرواية في الضعف الشديد
مثل حديث ابن عباس، يكفي أن فيها: (سيف بن عمر) - وهو: التميمي
صاحب "الفتوح" -، قال الذهبي في "المغني":

(14/151)


@@@ 152
"متروك باتفاق".
والرواي عنه (سعيد) محرف ...صوابه: (شعيب) - هو: ابن إبراهيم -،
ففي ترجمته ساق حديثه هذا ابن عدي في "الكامل" (4/4) وقال:
"ليس بذلك المعروف، ومقدار ما يرويه من الحديث فيه بعض النكرة". وقال
الذهبي:
"هو رواية كتب (سيف)، فيه جهالة".
واغتر بكلام السيوطي الشيخ الأعظمي، فقال في تعليقه على "كشف
الأستار":
"والصواب أن الحديث حسن، وأن اللذين كانا ينشدان: معاوية بن رافع
وعمرو بن رفاعة، وهما منافقان ....".
وجهل أو تجاهل مانقله ابن الجوزي وغيره عن الأئمة من جرحه، وقول
الذهبي في حديثه هذا:
"غريب منكر".

6568 - (لو أدركني هذا، لأسلم. يعني: سويد بن عامرٍ المصطلقي).
منكر.
أخرجه البزار (3/4/2105)، والدولابي في "الكنى" (1/89)،
والطبراني في "المعجم الكبير" (19/432/1049) من طريق يعقوب بن
محمد الزهري: ثنا يزيد بن عمرو بن مسلم الخزاعي: حدثني أبي عن أبيه قال:
كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنشده قول سويد بن عامر المصطلقي:

(14/152)


@@@ 153
لا تأمننَّ وإن أمسيت في حرم...... إن المنايا بجنبي كل إنسان
واسلك طريقك [تمش] غير مختشع....... حتى تلاقي ما يمني لم الماني
وكل ذي صاحب يوماً مفارقه .....وكل زاد وإن أبقيته فامي
والخير والشر مقرونان في قرنٍ ....كل ذاك يأتيك الجديدان

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : .... (فذكر الحديث)، فبكى أبي، فقلت: يا أبتاه! ما
يبكيك من مشرك مات في الجاهلية؟ فقال أبي: ما رأيت من مشرك خيراً من
سويد.
وعزاه الحافظ في "الإصابة" لابن السكن - أيضاً - وابن شاهين وابن
الأعرابي وابن مندة من هذا الوجه، وقال:
"وأشار ابن السكن إلى أن يعقوب بن محمد تفرد به".
قلت: وسكت عنه، وكأنه لشهرة ضعفه، وقد قال في "التقريب":
"مشهور، قوَّاه أبو حاتم مع تعنته في الرجال، وضعفه أبو زرعة وغيره، وهو
الحق، ما هو بحجة".
قلت: وشيخه يزيد بن عمرو بن مسلم الخزاعي وأبوه، لم أجد من ترجمهما.
وقال الهيثمي في "المجمع" (8/126):
"رواه الطبراني والبزار عن يعقوب بن محمد الزهري عن شيخ مجهول، وهو
مردود بلا خلاف".

(14/153)


@@@ 154
6569 - (كان لا يفسَّرُ شيئاً من القرآن برأيه إلا آيا بعددٍ، علَّمهنّ
إياه جبريل).

ضعيف.
أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (8/23/172) من طريق معن
القزاز عن فلان ابن محمد بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
مرفوعاً.
وأخرجه البزار (3/39/2185) من طريق محمد بن خالد بن عَثمة: ثنا
حفص - أظنه: ابن عبد الله - عن هشام به.
قلت: كذا وقع عندهما، لم ينضبط اسم الراوي عن هشام.
ولذا قال الهيثمي (6/303):
"رواه أبو يعلى والبزار بنحوه، وفيه راوٍ لم يتحرر اسمه عند واحد منهما،
وبقية رجاله رجال الصحيح".
قلت: قد تحرر اسمه عند غيرهما، فأخرجه ابن جرير في "التفسير" (1/
29) من طريق محمد بن يزيد الطرسوسي قال: أخبرنا معن عن جعفر بن خالد
به.
وأخرجه من طريق ابن عثمة قال: حدثني جعفر بن محمد الزبيدي قال:
حدثني هشام بن عروة ....
فاتفقت هاتان الروايتان على تسمية الرواي عن هشام بـ: (جعفر)، واختلفتا
في اسم الأب، فمعن سماه: (خالداً)، وابن عثمة سماه: (محمداً)، والخطب
في هذا سهل، فالأول نسبه لجده، وقد بين ذلك الإمام البخاري فقال في "التاريخ

(14/154)


@@@ 155

الكبير" (1/2/189-190):
"جعفر بن خالد بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي. قال لي خالد بن
مخلد: حدثنا جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير ....وقال معن: جعفر بن خالد".
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وكذلك سكت عنه ابن أبي حاتم، بعد أن
ذكره برواية الثلاثة: معن بن عيسى، وخالد بن مخلد، وابن عثمة.

وأما ابن حبان فذكره في "الثقات" (6/133) برواية خالد بن مخلد.
وخالفه البخاري فذكره في "الضعفاء"، كما في "المغني" للذهبي، وقال:
"لا يتابع في حديثه"، كما في "الميزان"، وقال:
"قال الأزدي: منكر الحديث".

وأقره الحافظ في "اللسان"، وزاد عليه ابن حبان في "الثقات".
وفاتهما قول الطبري - بعد أن بين معنى الحديث وتأويله - (1/30):
"هذا مع ما في الخبر من العلة التي في إسناده التي لا يجور معها الاحتجاج
به لأحد عَلِم صحيح سند الآثار وفاسدها في الدين، لأن راويه ممن لا يعرف في
أهل الآثار، وهو: جعفر بن محمد الزبيري".
وتبعه الحافظ ابن كثير في مقدمة "تفسيره" (1/6):
"حديث منكر غريب".
ثم أعله بـ: (جعفر بن محمد الزبيري)، وقول البخاري المذكور في "الميزان"،
وقول الأزدي، وقال:

(14/155)


@@@ 156
" وتكلم عليه الإمام أبو جعفر بما حاصله: أن هذه الأبيات مما لا يعلم إلا
بالتوقيف عن الله تعالى مما وقفه عليها جبريل. وهذا تأويل صحيح، لو صح
الحديث ...".
وأما الشيخ أحمد شاكر فمال رحمه الله إلى تقويته متشبثاً:
أولاً: بأن البخاري لم يذكره في "الضعفاء".
ُثانياً: ذكر البخاري إياه في "التاريخ" دون جرح أمارةُ توثيق عنده.
ثالثاً: توثيق ابن حبان إياه. قال:
"وهذان - يعني: الآخرين - كافيان في الاحتجاج بروايته"!
قلت: توثيق ابن حبان تساهله معروف، وقد تكلمنا عليه مراراً، والشيخ رحمه الله
واسع الخطو في الاعتداد به.
وما ذكره عن عدم جرح البخاري فليس على إطلاقه، لا سيما بالنسبة لكتابه
الذي لا نعرفه إلا فيما ينقله العلماء: "الضعفاء الكبير"، وها هو المثال بين
يديك، فهذا جعفر، قد أورده في "الضعفاء" - كما تقدم نقله عن الذهبي -،
والظاهر أن الشيخ لم يقف عليه. ولكن ليس مثل هذا التضعيف مخصصاً
بـ "الضعفاء الكبير"، ففي "الضعفاء الصغير" نحوه، ويحضرني الآن مثال
واحد، فقد أورده فيه (276/351 - هندية)، كما أورده في "التاريخ" أيضاً (4/
1/337)، وهو ثقة. وقد قال فيه أبو حاتم:
"أدخله البخاري في "الضعفاء"، فيحول عنه".

(14/156)


@@@ 157
6570 - (لما نزلت هذه الآية: {وآتِ ذا القُربى حقَّه}، دعا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك).

موضوع.
أخرجه البزار (3/55/2223) من طريق أبي يحيى التيمي:
ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال: ....فذكره، وقال:
" لا نعلم رواه إلا أبو سعيد، ولا حدث به عن عطية إلا فضيل. ورواه
عن فضيل أبو يحيى، وحميد بن حماد وابن أبي الخوار".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عطية - وهو: العوفي -، ضعيف مدلس تدليساً
خبيثاً، كما كنت بينته في المجلد الأول تحت الحديث (24).
وأبو يحيى التيمي - اسمه: (إسماعيل بن إبراهيم الأحول) -: شيعي، قال
الذهبي في "المغني":
"مجمع على ضعفه".

لكنه قد توبع من حميد، كما ذكر البزار وغيره - كما يأتي -، ووقع في "كشف
الأستار": (حميد بن حماد وابن أبي الخوار)، وأنا أظن أن الواو في : (وابن)
مقحمة من بعض النساخ، فإنه (حميد بن حماد بن أبي الخوار) - كما في
"التهذيب" وغيره من كتب الرجال -، وهو ضعيف، ومن الغريب أن هذا الإقحام
نفسه وقع في "مختصر الزوائد" المطبوع (2/90)، وجاء عقبه قول الحافظ:
"قلت: هما ضعيفان".
وهذا مما يؤكد الإقحام، لأنه يعني أبا يحيى وحميداً هذا، وإلا، كانوا ثلاثة
فتأمل. وعلى الصواب وقع في "تفسير ابن كثير" (3/36).

(14/157)


@@@ 158
وتابعهما سعيد بن خيثم، وهو صدوق، لكن الطريق إليه ليَّن، فقال أبو يعلى
في "مسنده" (1075 و 1409): قرأن على الحسين بن يزيد الطحان هذا
الحديث فقال: هو ما قرأن على سعيد بن خيثم عن فضيل به.
والطحان هذا، ليَّن الحديث - كما في "التقريب" -.
وتابعه علي بن عابس عن فضيل به.
أخرجه ابن عدي (5/190) في ترجمة علي هذا وقال:
"يروي أحاديث غرائب، وهو مع ضعفه يكتب حديثه".
وقال الذهبي في "الميزان" عقب حديثه هذا:

"قلت: هذا باطل، ولو كان وقع ذلك، لما جاءت فاطمة رضي الله عنها تطلب
شيئاً هو في حوزتها وملكها، وفيه غير علي من الضعفاء"، كأنه يشير إلى: (عطية).
وقال الحافظ ابن كثير - بعد أن ساقه من طريق البزار -:
"وهذا الحديث مشكل - لو صح إسناده -، لأن الآية مكية، و (فدك) إنما
فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا؟ فهو إذن حديث
منكر، والأشبه أنه من وضع الرافضة. والله أعلم".
قلت: وفي كلام الذهبي المتقدم إشارة إلى قصة مجيء فاطمة رضي الله عنها
بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه - تسأله نصيبها مما ترك صلى الله عليه وسلم
من خيبر و (فدك)، واحتج رضي الله عنه بقوله صلى الله عليه وسلم :
"لا نورث، ما تركنا صدقة".

(14/158)


@@@ 159
متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي معناه أحاديث، فانظر
"الصحيحة" (2038)، و "مختصر الشمائل" (336-342).
(تنبيه): لم يعز الهيثمي هذا الحديث في "المجمع" للبزار، وإنما قال (7/
49):

"رواه الطبراني، وفيه عطية العوفي، وهو ضعيف متروك".
وأنا أظن أن عزوه للطبراني وهم، فإني لم أره في "المعجم الكبير" - وهو المراد
عند الإطلاق -، ولا عزاه إليه أحد كالسيوطي في "الدر" (4/177)، ولعله
أراد أن يقول: "البزار" فسبقه القلم فقال: "الطبراني"! أو: هو من أوهام
النساخ.
وقد عزاه السيوطي للبزار وأبي يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي
سعيد. ولابن مردويه عن ابن عباس. ولهل ذكر ابن عباس من تخاليطه (عطية)
أو من بعض الضعفاء دونه. والله أعلم.

6571 - (في قول الله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ
أَلِيمٍ} قال:
لو أن رجلاً همَّ فيه (يعني: المسجد الحرام) بسيئة وهو بـ (عدن
أبين)، لأذاقه الله عذاباً أليماً).
موقوف.
أخرجه أحمد (1/428 و 451)، والبزار (3/60/2236-
الكشف)، وأبو يعلى (9/5384)، والطيري (17/104)، والحاكم (2/
388) من طريق يزيد بن هارون: أبنا شعبة عن السدي عن مرة عن عبد الله - قال

(14/159)


@@@ 160
شعبة: رفعه، وأنا لا أرفعه.
كذا قالوا جميعاً، إلا الحاكم فليس عنده: " وأنا لا أرفعه". وقال:
"صحيح على شرط مسلم". ووافقه الذهبي.
وقال ابن كثير عقب عزوه إياه لابن أبي حاتم وأحمد:
"قلت: هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه،
ولهذا صمم شعبة على وقفه من كلام ابن مسعود، وكذلك رواه أسباط وسفيان
الثوري عن السدي عن مرة عن ابن مسعود موقوفاً. والله أعلم".

قلت: رواية الثوري أسندها الطبري والحاكم من طريقين عنه به موقوفاً. ولفظ
الطبري:
" ما من رجل يهم بسيئة، فتكتب عليه، ولو أن رجلاً بـ (عدن أبين) همّ أن
يقتل رجلاً بهذا البيت، لأذاقه الله من العذاب الأليم".
وذكره السيوطي في "الدر" (4/351) من رواية سعيد بن منصور
والطبراني عن ابن مسعود موقوفاً بلفظ:
"من هم بخطيئة لم يعملها في سوى البيت، لم تكتب عليه حتى يعملها،
ومن هم بخطيئة في البيت، لم يمته الله من الدنيا حتى يذيقه من عذاب أليم".
وسكت السيوطي عنه، فما أحسن! فإنه عند الطبراني (9/253/9078)
من طريق الحكم بن ظُهير عن السدي به.
وابن ظهير هذا، متروك - كما قال الهيثمي (7/70)، والحافظ في "التقريب" -،

(14/160)


@@@ 161
فالعمدة على رواية الثوري المتقدمة. ولا سيما وقد تابعه أسباط - وهو: ابن نصر
الهمداني -، وهو صدوق كثير الخطأ من رجال مسلم، فيستشهد به، ولكني لم
أجد الآن من أسنده عنه، ومهما يكن من أمر، فما قاله ابن كثير: إن الوقف
أشبه. هو المختار، وقد أشار إلى ذلك الحافظ في "الفتح" (11/328).
وأما قول ابن كثير في الإسناد المرفوع:
" إنه على شرط البخاري"!

فهو خطأ، لعله سبق قلم منه، وإن سكت عليه الشيخ أحمد شارك رحمه الله
(6/65-66)، والصواب أنه على شرط مسلم - كما قال الحاكم -لولا الوقف،
فإن: (السدي) - وهو: الكبير، واسمه: إسماعيل بن عبد الرحمن -، لم يخرج له
البخاري، على أنه قد ضعف، وأوده الذهبي في "المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد"،
وقال (69/36):
"روى له مسلم متابعة، وثقه بعضهم، وقال أبو حاتم: لا يحتج به (1)، وقال أبو
زرعة: لين". وقال الحافظ في "التقريب":
"صدوق يهم".
إذا عرفت ما سلف، فقد تعقب الشيخ أحمد كلام ابن كثير المتقدم بقوله:
وهذا تحكم من شعبة ثم من ابن كثير، وكلمة يزيد بن هارون التي رواها ابن
أبي حاتم كلمة حكيمة، وإشارة دقيقة، يريد أن شعبة قد حكى رفعه عن شيخه،
فهو قد رفعه رواية، وإن وقفه رأياً، والرفع زيادة من ثقة، فتقبل، ونحن نأخذ عن
__________
() الأصل: "بقوله"، والتصحيح من "الجرح والتعديل" (1/1/185)، و "المغني".

(14/161)


@@@ 162
الرواي روايته، ولا نتقيد برأيه، وأما أن غير شعبة رواه موقوفاً، فلا يكون علة
للمرفوع، والرفع زيادة ثقة، كما قلنا".
قلت: وهذا كلام وجيه من عالم تحرير، إلا أن قوله: "والرفع زيادة من ثقة
فتقبل" ليس على إطلاقه عند الحفاظ النقاد - كما هو محقق في علم المصطلح -،
وإن كان الشيخ رحمه الله مال في تعليقه على "اختصار علوم الحديث" لابن كثير
(ص 67-68) أنها مقبولة على الإطلاق، ولا يخفى على المحققين في هذا العلم
الشريف ما في ذلك من تعطيل نوع هام من علوم الحديث، وهو (الحديث الشاذ)
الذي ذكروا في تعريفه قول الإمام الشافعي:
" هو أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس، وليس من ذلك أن يروي ما
لم يروه غيره".

وعلى هذا قامت كتب (العلل) مثل: كتاب ابن أبي حاتم، وكتاب الدارقطني
وغيرهما من الحفاظ، فكم من أحاديث رواها الثقات أعلوها بمخالفتهم لم هو أحفظ
أو أوثق أو أكثر عدداً! وهذا مما لا مناص منه لكل باحث عارف نقاد، وكأن الشيخ
رحمه الله شعر بهذا في نهاية تعليقه المشار إليه، فختمه بقوله:
"نعم، قد يتبين للناظر المحقق من الأدلة والقرائن القوية أن الزيادة التي زادها
الرواي الثقة زيادة شاذة، أخطأ فيها، فهذا له حكمه، وهو من النادر الذي لا تبنى
عليه القواعد"!
قلت: ولذلك، فإني أقول:
إن زيادة الرفع هنا شاذة غير مقبولة، للأسباب التالية:

(14/162)


@@@ 163
الأول: أن شعبة الذي روى الرفع عن شيخه (السدي)، لو أنه شك صراحة
في الرفع، لكان ذلك من دواعي التوقف في قبول الرفع، فكيف وهو يقول: "وأنا
لا أرفعه"؟! فينبغي على الباحث المحقق أن يقف قليلاً، ويتسائل عن السبب
الذي حمل شعبة عليه، فإن مما لا شك فيه عارف بفضل شعبة وإمامته في هذا
العلم أنه ما كان ليقول ذلك، لولا أنه بدا له شيء من الشك في رفع شيخه
للحديث، فأوقفه هو من عنده، خشية أن يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل،
ولعل من ذلك الضعف الذي في شيخه - كما سبق الإشارة إليه -.

الثاني: لو أن شعبة لم يوقفه، وروى الحديث عن شيخه مرفوعاً على الجادة
ثم خالفه سفيان الثوري فأوقفه - كما تقدم -، لكان الوقف هو الراجح، لأن سفيان
أحفظ من شعبة اتفاقاً، وباعتراف شعبة نفسه، فكيف وقد أوقفه أسباط بن نصر
أيضاً؟ فكيف وقد جزم به شعبة؟!

الثالث: مخالفة الرفع لعموم الأحاديث القاطعة بأنه لا مؤاخذة على الهم
بالسيئة، وإنما على العمل بها، وهي كثيرة معروفة، منها قوله صلى الله عليه وسلم : "إن الله تجاوز
عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم أو تعمل به".
متفق عليه، وهو مخرج في "الإرواء" (2062).
ولذلك اختار الإمام الطبري في تفسير الآية أن المراد بها المعصية، فقال بعد أن
ساق الأقوال في تفسيرها، ومنها حديث ابن مسعود مرفوعاً وموقوفاً:
"فتأويل الكلام: ومن يرد في المسجد الحرام بأن يميل بظلم، فيعصي الله فيه،
نذقه يوم القيامة من عذاب موجع له".
فقوله: "فيعصي الله فيه" ..فيه إشارة قوية إلى عدم اعتداده بالمرفوع من

(14/163)


@@@ 164
الحديث، فهو موافق لتصريح ابن كثير المتقدم بأن وقفه أشبه. وهذا هو الذي بدا
لي في هذا التخريج. والله ولي التوفيق، وهو الهادي إلى أقوم طريق.

6572 - (لو وججت أنها في قلب كل إنسان من أمتي. يعني: {يس}،
وفي رواية: {تبارك الذي بيده الملك}.

ضعيف.
أخرجه البزار (2/87/2305): حدثنا سلمة بن شبيب: ثنا
إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال
النبي صلى الله عليه وسلم : ....فذكره بالرواية الأولى.
وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/241/11616): حدثنا
محمد بن الحسين بن عجلان: ثنا سلمة بن شبيب بالرواية الأخرى.
وقال البزار:
"لا نعلمه يروى إلا عن ابن عباس بهذا الإسناد، و (إبراهيم) لم يتابع على
أحاديثه، على أنه قد حدق عنه أهل العلم".

قلت: قال الذهبي في "المغني":
"تركوه، وقلَّ من مشّاه على ضعفه".
قلت: وقد توبع من مثله، فقال حفص بن عمر العدني: حدثني الحكم بن
أبان بالرواية الثانية.
أخرجه الحاكم (1/565)، وقال:
"إسناد صحيح"! ورده الذهبي بقوله:

(14/164)


@@@ 165
"قلت: حفص واهٍ".
والحديث أورده السيوطي في "الدر" (5/256) من رواية البزار بالرواية
الأولى و (6/246) من رواية عبد بن حميد في "مسنده" والطبراني والحاكم
وابن مردويه بالرواية الأخرى.
ولم يذكر منهما ابن كثير إلا هذه. وقال (3/395):
"هذا حديث غريب، وإبراهيم ضعيف".
وكذلك فعل الهيثمي في "المجمع" خلافاً لقاعدته، فقال (7/127):
"رواه الطبراني، وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو ضعيف".

فلم يتعرض لذكر رواية البزار البتة، لا هنا، ولا في تفسير سورة {يس}!
فقد فاتته، ولذلك لم يعلق الشيخ حبيب الأعظمي على "كشف الأستار"
بشيء، لأنه لم يجد كلام الهيثمي عليه لينقله، وذلك مبلغ تحقيقه المزعوم!
وقد يلاحظ القراء معي أن البزار تفرد بذكر سورة {يس} مكان سورة
{تبارك}، دون سائر الحفاظ الذين خرجوه، فأخشى أن يكون ذلك من أوهامه
التي أشاروا إليها في ترجمته، ومن أولئك الحفاظ عبد بن حميد - كما تقدم في
تخريج السيوطي -، فقال ابن حميد في "مسنده" (1/525/601): حدثنا
إبراهيم ابن الحكم به، وزاد في أوله:
أن ابن عباس قال لرجل: ألا أطرفك بحديث تفرح به؟ قال الرجل: بلى يا
ابن عباس! رحمك الله، قال:
اقرأ: {تبارك الذي بيده الملك}، واحفظها، وعلمها أهلك وجميع ولدك،

(14/165)


@@@ 166
وصبيان بنيك، وجيرانك، فإنها المنجية، وهي المجادلة التي تجادل وتخاصم يوم
القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب له إلى ربها أن ينجيه من النار إذ كانت في
جوفه، وينجي الله بها صاحبها من عذاب القبر. قال إبراهيم: قال أبي ...(فذكر
الحديث).
ولاحظوا أيضاً أن مدار رواية البزار على شيخه (سلمة بن شبيب) - وهو ثقة
من شيوخ مسلم -، وتابعه عنه شيخ الطبراني (محمد بن الحسين بن عجلان)،
لكن خالفه في تسمية السورة - كما رأيت، وهو ثقة أيضاًَ، كما قال الخطيب في
ترجمته في "التاريخ" (2/227) -، فروايته أرجح، لموافقتها لرواية الآخرين.

و (عجلان) ...جده الأعلى، فإنه: (محمد بن الحسين بن إبراهيم بن زياد
ابن عجلان أبو شيخ الأصبهاني)، هكذا ساق نسبه الخطيب، وكذا أبو نعيم في
"أخبار أصبهان" (2/227)، وذكروا أن وفاته كانت سنة (ست وثمانين
ومئتين)، ووقعت في كتاب " شيوخ الطبراني" للشيخ الفاضل صاحبنا حماد
الأنصاري (277/538) سنة (276) هكذا بالرقم .. فيصحح، كما فاته توثيق
الخطيب ... فيستدرك، لأنه مهم.

6573 - ( كَانَ سُلَيمانُ نبيُّ اللهِ إذَا صَلَّى، رأى شجرة نابتة بين
يديه، فيقول لها ما اسمك؟ فتقول كذا، فيقول لأي شيء أنت؟ فإن
كانت تُغْرَسُ، غُرسَت، وإن كان لدواءٍ كُتبتْ.
فبينما هو يصلي ذاتَ يَومٍ، إذ رأى شجرةً بين يديه، فقال لها: ما
اسمك؟ قالت: (الخرنوب)، قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب هذا
البيت، فقال سليمان: اللهم عمِّ على الجن موتي؛ حتى يعلم الإنس

(14/166)


@@@ 167
أن الجن لا يعلمون الغيب، فنَحَتَها عصا، فتوكَّأ عليها حولا ميتًا، والجن
تعمل، فأكلتها الأرضة، فسقط، (فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا
يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين). قال: وكان ابن عباس
يقرأها كذلك. قال: فشكرت الجن للأرضة ، فكانت تأتيها بالماء).

ضعيف.
أخرجه ابن جرير الطبري في "التفسير" (22/51) والحاكم (4/
197 و 402)، والبزار (3/106/2355)، والطبراني في "المعجم الكبير" (11/
451 -452) من طريق إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ...فذكره. وقال الحاكم في الموضعين:
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.
وأما ابن كثير فقال في "التفسير" (3/529):
"حديث مرفوع غريب، وفي صحته نظر".

قلت: وعلته: (عطاء بن السائب)، فإنه كان اختلط، وإبراهيم بن طهمان
لم يذكر في جملة الذين سمعوا منه قبل الاختلاط. ثم قال ابن كثير:
"وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث إبراهيم بن طهمان به. ورفعُه في غرابة
ونكارة، والأقرب أن يكون موقوفاً، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني (كذا، ولعله
سبق قلم، أو خطأ من الناسخ)، له غرابات، وفي بعض حديثه نكارة".
قلت: والوقف الذي استغربه ابن كثير هو الصحيح عن ابن عباس، فقد جاء
عن ثقتين آخرين عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه.
أحدهما: جرير - وهو: ابن عبد الحميد - عنه مختصراً، وليس فيه قراءة ابن

(14/167)


@@@ 168
عباس للآية.
أخرجه الحاكم (2/423)، وقال:
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، إن جرير سمعه منه
قبل الاختلاط.
والآخر: سفيان بن عيينة عن عطاء به.
أخرجه البزار (2356): حدثنا أحمد بن أبان: ثنا سفيان بن عيينة ...

قلت: وهذا إسناد صحيح، فقد ذكروا في ترجمة (عطاء) أن ابن عيينة سمع
منه قبل الاختلاط وبعده، ولكنه اتقاه في الاختلاط واعتزله، ولذلك قال أحمد:
"سماعه من مقارب".
وإنما مما يرجح الوقف أن عطاء بن السائب قد تابعه على وقفه سلمة بن كهيل
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به، دون الآية أيضاً.
أخرجه الحسين المروزي في زياداته على "زهد ابن المبارك" (ص 378/
1072).
قلت: وإسناده جيد، رجاله ثقات رجال مسلم، غير عبد الجبار بن عباس
الهمداني، وهو صدوق.
وكذلك رواه أسباط عن السدي - في خبر ذكره - عن أبي مالك وعن أبي
صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وعن أناس من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ....فذكره.

(14/168)


@@@ 169
قلت: وأسباط - هو ابن نصر الهمداني، وهو -، صدوق كثير الخطأ، يغرب
- كما في "التقريب" -. وحديثه ليس صريحاً في الرفع، بل إن ظاهره الوقف.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومع عدم ثبوت القراءة المذكورة في الحديث عن ابن عباس، لا مرفوعاً ولا
موقوفاً، فهي مع ذلك مخالفة لنصها المتواتر في المصحف {فلما خر تبينت الجن
أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}. [سبأ: 14].
ولذلك جزم بعض المحققين من علماء التفسير بشذوذها، مثل: أبي حيان
التوحيدي (7/268)، والآلوسي (22/123)، وابن كثير - وقد سبق كلامه -،
وخالف الإمام القرطبي، فقال في "تفسيره" (14/279) بصحتها!

وفي الختام: لا بد لي من التنبيه على خطأين اثنين:
أحدهما: أن ناسخ أو طابع "كشف الأستار" ساق الآية في حديث ابن
عباس بنصها الوارد في المصحف، إلا في الكلمة الأولى منها: (فتبينت)،
وصوابها: {فلما خرَّ تبينت} وهذا خطأ، وفي اعتقادي أن الذي حمله على
ذلك إنما هو ظنه أن الرواي أخطأ في تلاوتها، فصححها دون أن ينتبه أنه أفسد
الحديث، لأن هذا التصحيح لا يتناسب مع قوله في الحديث: "وكان ابن عباس
يقرأها كذلك"، فقراءته حسب الرواية على وجه آخر غير ما في المصحف، على
أن الذي في المصحف: {تبينت} ...ليس: {فتبينت} - كما ذكرت -، وغفل
عن ذلك محققه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي فقال:
"نظم القرآن في المصحف كما هنا"!! ثم ساق الآية كما جاءت في الحديث
نقلاً عن "الزوائد" (8/208). ويعني: "مجمع الزوائد".

(14/169)


@@@ 170
والخطأ الآخر: أن الشيخ الأعظمي علق على رواية إبراهيم بن طهمان المرفوعة
بقوله: "أخرجه ابن المبارك ... عن ابن عباس مرفوعاً (ص 378)"!
وهذا خطأ، فإنما أخرجه موقوفاً - كما سبق -.
ثم أكد الخطأ بتعليقه على رواية سفيان بن عيينة الموقوفة بقوله:
"قال الهيثمي: رواه الطبراني والبزار بنحوه مرفوعاً وموقوفاً، وفيه عطاء، قد
اختلط، وبقية رجالهما رجال الصحيح (8/207)، قلت: تابع عطاءً سلمةُ بن
كهيل عند ابن المبارك".
قلت: سلمة بن كهيل روايته موقوفة فقط -، كما تقدم، وسبقت الإشارة إليه
آنفاً -، وتعقيب الشيخ على كلام الهيثمي يوهم أنه رواها مرفوعاً وموقوفاً! فتأمل.

6574 - (لما أوحيَ إليّ - أو: نبّئتُ، او كلمة نحوها -، جعلت لا أمرُ
بحجرٍ لا شجرٍ إلا قال: السلام عليك يا رسول الله!).

منكر أوله.
أخرجه البزار (3/166 -167): حدثنا عبد الله بن شبيب:
ثنا أيوب بن سليمان بن بلال: ثنا ابن أبي أويس -يعني: أبا بكر - عن سليمان
ابن بلال عن يحيى بن سعيد عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، قال الهيثمي في "المجمع" (8/260):
"رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن شبيب، وهو ضعيف".
فأقول: لقد أخطأ فيه (ابن شبيب) هذا إسناداً ومتناً.

(14/170)


@@@ 171
أما الإسناد: فقد رواه زيج بن الحريش: ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن
سماك بن حرب عن جابر بن سمرة مرفوعاً بلفظ:
"إني لأعرف حجراً كان يسلّم عليَّ قبل أن أُبعث".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/244/1907)، و "الأوسط"
(2206 - بترقيمي)، و "الصغير" (رقم 185 -الروض)، ومن طريقه أبو نعيم
في "أخبار أصفهان" (1/108) و "دلائل النبوة" ( ص 341) قال: ثنا أحمد
ابن محمد بن سعيد المعيني الأصبهاني: ثنا زيد بن الحريش به. وقال الطبراني:
"لم يروه عن شعبة إلا يحيى بن سعيد، ولا رواه عن يحيى إلا زيد بن
الحريش، - زاد في "الصغير" : - ولا كتبناه إلا عن المعيني".

قلت: وهو ثقة - كما قال أبو نعيم -، ومن فوقه ثقات رجال مسلم، غير (زيد
ابن الحريش)، وقد وثقه ابن حبان (8/251) وقال:
"حدثنا عنه عبد الله بن أحمد بن موسى القاضي عبدان. ربما أخطأ".
قلت: عبدان حافظ ثقة معروف، وقد روى عنه (المعيني) هذا - كما ترى -،
كما روى عنه (إبراهيم بن يوسف الهِسنجاني) - كما ذكر ابن أبي حاتم -، وإبراهيم
قال في "السير" (14/116): [ الإمام الحافظ المجوَّد]، فهؤلاء ثلاثة من الثقات
رووا عنه مع توثيق ابن حبان، فلا التفات بعد ذلك إلى قول ابن القطان، فيه:
"مجهول الحال" - كما حكاه في "اللسان" -، فالإسناد جيد.
وأما المتن: فقد صدَّره بقوله: "لما أوحي إلي"، وإنما كان ذلك قبل الوحي،

(14/171)


@@@ 172
كما حدث في حديث (ابن الحريش): "قبل أن أبعث"، وكذلك رواه إبراهيم بن
طهمان: ثني سماك بن حرب به.
رواه مسلم (7/58)، وابن حبان (6448) وغيرهما. وهو مخرج في "الروض
النضير" من طريق يحيى بن أبي بكير: ثنا إبراهيم بن طهمان به.
ويحيى ثقة من رجال الشيخين، وقد خالفه من هو دونه ثقة وحفظاً، فقال أبو
حذيفة: ثنا إبراهيم بن طهمان به، إلا أنه قال:
"حين بعثت"!
أخرجه الطبراني (1995).

وأبو حذيفة - واسمه: موسى بن مسعود النهدي -: قال الحافظ:
"صدوق سيىء الحفظ، وكان يصحف، وحديثه عند البخاري متابعة".
وله في "المغني" ترجمة سيئة.
وخالف إبراهيم بن طهمان ضعيفان: سليمان بن معاذ، وشريك.
أما الأول: فقال الطيالسي في "مسنده" (106/781): حدثنا سليمان
ابن معاذ عن سماك بلفظ:
"ليالي بعثت".
ومن طريق الطيالسي أخرجه الترمذي (3628)، و أحمد (5/105)،
والطبراني (2028)، وأبو نعيم (340)، والبيهقي في "الدلائل" (2/153)،
كلهم عنه.

(14/172)


@@@ 173
وسليمان بن معاذ - هو: ابن قرم -: قال الحافظ:
"سيىء الحفظ".
أما رواية شريك: فهي مثل رواية سليمان سنداً ومتناً.
أخرجها الطبراني (1961).
وشريك - هو: ابن عبد الله القاضي، وهو -: معروف بسوء الحفظ، ولذلك فلا
يحتج بحديث أمثاله، وبخاصة عند مخالفة الثقات -كما هنا -.

6575 - ( اللهم! ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي من هذا
الطير. فجاء أبو بكر فردَّه، وجاء عمر فردَّه، وجاء علي فأذن له).

منكر.
أخرجه النسائي في " السنن الكبرى" (5/107/8398-
الخصائص)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/226/362) من طريق
مسهر بن عبد الملك عن عيسى بن عمر عن السدي عن أنس بن مالك:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده طائر، فقال: ...فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، غير (مسهر بن عبد الله)، وهو
مختلف فيه، أورده الذهبي في "المغني" وقال:
"ليس بالقوي. قال البخاري: فيه بعض النظر". وقال الحافظ في "التقريب":
"ليّن الحديث".
وبقول البخاري المذكور أعله ابن الجوزي. لكن له متابع، فقال الترمذي

(14/173)


@@@ 174
(3823): حدثنا سفيان بن وكيع: أخبرنا عبيد الله بن موسى عن عيسى بن
عمر به، دون ذكر أبي بكر وعمر، وقال:
"حديث حسن (1) غريب، لا نعرفه من حديث السدي إلا من هذا الوجه".
قلت: سفيان بن وكيع: قال الذهبي في "المغني":
"ضُعف. وقال أبو زرعة: كان يتهم بالكذب".
قلت: لكنه قد توبع، فقد رواه ابن الجوزي (363) بإسناده من طريق
الدارقطني: نا محمد بن مخلد: نا حاتم بن الليث قال: نا عبيد الله بن موسى
به.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، إلا ما في (السدي) من الخلاف - وهو
(السدي الكبير)، واسمه: إسماعيل بن عبد الرحمن -، وبه أعله ابن الجوزي
فقال:
"وهذا لا يصح، لأن إسماعيل السدي قد ضعفه عبد الرحمن بن مهدي
ويحيى بن معين".

وأقول - وبالله أستعين -:
لعل إعلاله بـ (عبيد الله بن موسى) - وهو: ابن أبي المختار العبسي - أولى،
وذلك لسببين اثنين:
أحدهما: أن (عبيد الله) - وإن كان ثقة ومن رجال الشيخين، - ففيه كلام
كثير - كما تراه في "التهذيب" وغيره -، وكان له تخاليط، ومنكرات، مع غلو
في التشيع، قال ابن سعد في "الطبقات" (6/400):
__________
(1) كذا في طبعة الدعاس، ولك يثبت التحسين في طبعات أخرى.

(14/174)


@@@ 175
"كان ثقة صدوقاً إن شاء الله، كثير الحديث، حسن الهيئة، وكان يتشيع،
ويروي أحاديث في التشيع منكرة، فضعف بذلك عند كثير من الناس". وفي
"التهذيب":
"قال أبو الحسن الميموني: وذُكر عنده - يعني: أحمد بن حنبل -(عبيد الله
ابن موسى)، فرأيته كالمنكر له. قال:
"كان صاحب تخليط، وحدث بأحاديث سوء، أخرج تلك البلايا فحدث بها".
قيل له: فابن فضيل؟ قال: لم يكن مثله، كان أستر منه، وأما هو فأخرج
تلك الأحاديث الردية".
قلت: ولعل هذا منها - فيما يشير الإمام -، وذكر له في "العلل" (1/556/
1327 -تحقيق وصي الله) حديثاًَ، وعقب عليه بقوله:
"أراه دخل لـ (عبيد الله بن موسى) إسناد حديث في إسناده حديث".
قلت: وحديث الترجمة من هذا القبيل في نقدي، لما سأذكره قريباً.

والآخر - من السببين -: أن (عبيد الله) اضطرب في إسناد الحديث، فمرة
رواه عن عيسى بن عمر عن إسماعيل السدي - كما تقدم -ومرة قال: ثنا
إسماعيل بن سلمان الأزرق عن أنس به مطولاً.
أخرجه البزار (3/193-194 - كشف الأستار): حدثنا أحمد بن عثمان
ابن حكيم: ثنا عبيد الله بن موسى به. وعلقه البخاري (1/1/358). وقال
البزار:
"قد روي عن أنس من وجوه، وكل من رواه عن أنس فليس بالقوي،

(14/175)


@@@ 176
وإسماعيل كوفي حدث عن أنس بحديثين".
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/126):
"رواه البزار، وفيه إسماعيل بن سلمان وهو متروك".
قلت: فأنا أخشى أن يكون قول (عبيد الله بن موسى) في الإسناد المتقدم:
"إسماعيل السدي" من تخاليطه التي أشار إليها الإمام أحمد ... جعله مكان:
(إسماعيل بن سلمان) المتروك، فإن إسناد البزار إليه بذلك صحيح، فالحديث إنما
هو حديث ابن سلمان هذا المتروك، وليس حديث (إسماعيل السدي) الثقة،
ولعل في قول البزار المتقدم:
"وكل من رواه عن أنس فليس بالقوي" - إشارة إلى ذلك -. ومثله قول أبي
يعلى الخليلي في "الإرشاد" (1/420):
"حديث الطير، وضعه كذاب على مالك يقال له: (صخر الحاجبي) من
أهل مرو ... وما روى حديث الطير ثقة، رواه الضعفاء، مثل: (إسماعيل بن
سلمان الأزرق) وأشباهه، ويرده جميع أهل الحديث".

قلت: وعلى رأسهم الإمام البخاري، فقد أورده في "التاريخ" (1/2/2 -
3) من طريق عثمان الطويل عن أنس به، مثل رواية الترمذي، وقال:
"ولا يعرف لعثمان سماع من أنس".
قلت: وفي الطريق إليه (أحمد بن يزيد بن إبراهيم أبو الحسن الحراني)،
روى له البخاري متابعة، وضعفه أبو حاتم.
ثم رواه من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن أنس بهذا. وقال:

(14/176)


@@@ 177
"مرسل". يعني: منقطع بين عبد الملك وأنس.
قلت: ولعل هذا هو أصل الحديث: الانقطاع، لا يدري الرواي له عن أنس،
ثم سرقه بعض الوضاعين - من الشيعة والضعفاء والمجهولين منهم، أو المتعاطفين
معهم -، فركبوا عليه أسانيد كثيرة، يدلك على ذلك قول الحاكم في "المتسدرك"
(3/131):
"وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً".
ثمل لم يستطع أن يسوق منها إلا طريقين فقط، غير سالمين من الطعن، صحح
احدهما على شرط الشيخين! وسكت عن الآخر، فتعقبه الذهبي في هذا بقوله:
"قلت: إبراهيم بن ثابت ساقط" (1). وقال في الأول:
"قلت: ابن عياض لا أعرفه، ولقد كنت زماناً طويلاً أظن أن حديث الطير
لم يجسر الحاكم أن يودعه في "مستدركه"، فلما علقت هذا الكتاب، رأيت الهول
من الموضوعات التي فيه، فإذا حديث الطير بالنسبة إليها سماء"!
وتجد مصداق ما ذكرته آنفاً من تركيب الأسانيد عليه ممن أشرنا إليهم - من
الوضاعين وغيرهم - في الطرق التي خرجها ابن الجوزي، وقد بلغت في عده ستة
عشر طريقاً، وهي في الواقع خمسة عشر، لأن الطريق الرابع عشر والخامس عشر
مدارهما على مسلم أبي عبد الله في الأول منهما، وهو: مسلم الملائي في الآخر.
__________
(1) وقال العقيلي (1/46) في حديث إبراهيم هذا:
"وليس له من حديث ثابت أصل، وتابعه معلى بن عبد الرحمن، وهو يكذب، ولم يأت به
ثقة. وهذا الباب الرواية فيها لين وضعف، لا نعلم فيه شيء ثابث (!)، وهكذا قال البخاري".

(14/177)


@@@ 178
وللفائدة أقول:
وقد بيض للطريق العاشر، وفيه (أحمد بن سعيد بن فرقد الجُدّي): نا أبو
حُمة محمد بن يوسف اليمامي: نا أبو قرة موسى بن طارق بسنده عن أنس.
والظاهر أنه لم يعرف (أحمد بن سعيد) هذا، وحق له ذلك، فإن الذهبي لما
أورده في "الميزان"، لم يزد على قوله:
"وعنه الطبراني. فذكر حديث الطير بإسناد الصحيح، فهو المتهم به".
قلت: لم أقف على إسناده، ولعله في بعض كتبه التي لم نطلع عليها، مثل:
"كتاب فضائل علي رضي الله عنه"، أو: "كتاب دلائل النبوة".
وعزاه الحافظ في "اللسان" للحاكم عنه بإسناده المذكور أعلاه - ولم أره في
"المستدرك" - وقال:
"وأحمد بن سعيد معروف من شيوخ الطبراني، وأظنه دخل عليه إسناد في
إسناد".
قلت: لكن أحمد هذا ليس من مشهوري شيوخ الطبراني، فإنه لم يرو له في
"المعجم الأوسط" (1/94/1/1727، 1728 - بترقيمي) إلا حديثين
بإسناد واحد، وهو المذكور آنفاً، لكن عن موسى بن عقبة عن عبيد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر، وأحدهما في "المعجم الصغير" برقم (524 - الروض).
ثم قال ابن الجوزي (1/233):
"وقد ذكره ابن مردويه من نحو عشرين طريقاً، كلها مظلم، وفيها مطاعن،
فلم أر الإطالة بذلك".

(14/178)


@@@ 179
قلت: ولم يكن الحاكم مبالغاً في قوله المتقدم أنه رواه عن أنس من أصحابه
زيادة على ثلاثين نفساً، فقد رأيت الأخ الفاضل أحمد البلوشي قد أبلغها هذا
العدد في تعليقه على "خصائص علي" ( ص29 -33)، وقارب ذلك الأخ
الفاضل سعد بن عبد الله آل حميد في تعليقه على "مختصر استدراك الحافظ
الذهبي" (3/1447-1454)، فأوصلها إلى خمس وعشرين طريقاً، وقد أطالا
النفس في تخريجهما والكشف عن عللها. وجزاهما الله خيراً.
إلا أنني أخذت عليهما بعض الأشياء، أهمهما: أن الأول منهما لم يتكلم على
الطريق الأولى التي مدارها على عبيد الله بن موسى عن عيسى بن عمر عن
السدي، فأوهم بسكوته أنها سالمة من العلة، وهي في الحقيقة أقرب طرقه الثلاثين
إلى السلامة، فكان الأولى به أن يعنى بها عناية خاصة.
وأما الفاضل الآخر: فأعله (3/1456) بالسدي، تبعاً لابن الجوزي، ولكنه
زاد عليه إعلاله لرواية الترمذي - التي لم يسقها ابن الجوزي - بسفيان بن وكيع.
ولكنه قال:
"وأما متابعة حاتم بن الليث لسفيان بن وكيع فيتوقف فيها إلى أن يتضح من
هو حاتم بن الليث هذا، فإني لم أجد له ذكراًَ في غير هذا الموضع من "علل ابن
الجوزي"، ولم يذكره المزي في الرواة عن عبيد الله بن موسى، ولا الخطيب
البغدادي في شيوخ محمد بن مخلد بن حفص شيخ الدارقطني".
قلت: حاتم هذا ثقة - كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أول هذا التخريج -،
والآن لا بد من ذكر مستندي في ذلك، فأقول:
لقد ترجمه الخطيب في " تاريخ بغداد" (8/245-246)، وذكر في الرواة

(14/179)


@@@ 180
عنه ابن مخلد هذا، ثم قال:
"وكان ثقة ثبتاً متقناً حافظاً". وقال الحافظ الذهبي في "السير" (12/
519):
"....الحافظ المكثر الثقة".
قلت: فهذه متابعة قوية جداً لسفيان بن وكيع، فلم يبق كبير فائدة لإعلال
الحديث بإسماعيل السدي عند الفاضل وغيره، ولا سيما وقد ردها الحافظ
العسقلاني على الشيخ القزويني في رده المطبوع في آخر "المشكاة" (3/314)
بقوله:
"قلت: أخرج له مسلم، ووثقه جماعة، منهم: شعبة وسفيان ويحيى القطان".
وقد خفيت عليهم جميعاً علة الحديث الحقيقية في هذه الطرق، وهي وهم
عبيد الله بن موسى واضطرابه في إسناده، قال: (إسماعيل السدي) ...مكان:
(إسماعيل بن سلمان)، كما سبق بيانه-. وهو مما لم أسبق إليه -فيما علمت.
فإن أصبت، فمن الله وفضله، وإن أخطأت، فمن نفسي. والله تعالى أسأل أن
يغفر لي ذنبي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي.
"ثم صحت الرواية عن علي، وأبي سعيد، وسفينة".
وسكت عنه الذهبي هنا في "التلخيص"، فلم يتعقبه بشيء، وإنما تعقبه في
"جزءه" الذي جمعه في هذا الحديث فقال:

(14/180)


@@@ 181
" لا اللهَ! ما صح من ذلك شيء".
نقله عنه تلميذه ابن كثير في "تاريخه" (7/350-351).
قلت: وما حنث الذهبي رحمه الله، فقد بين ابن كثير علل الطرق عن هؤلاء
الأصحاب الثلاثة - كما بين علل كثير من الطرق المشار إليها آنفاً -، وختم ذلك
كله بقوله:
"وبالجملة، ففي القلب من صحة هذا الحديث نظر، وإن كثرت طرقه. والله
أعلم".
قلت: تقوية الحديث بكثرة الطرق الضعيفة ليست قاعدة مضطردة - كما هو
مشروح في علم المصطلح-، فكم من حديث كثرت طرقه، ومع ذلك ضعفه
العلماء كحديث: "من حفظ على أمتي أربعين حديثاً ..." وغيره. ولذلك قال
الحافظ الزيلعي في كتابه القيم "نصب الراية لأحاديث الهداية" (1/358-
360):
"وأحاديث الجهر - وإن كثرت رواتها، لكنها - كلها ضعيفة، وكم من حديث
كثرت رواته، وتعددت طرقه، وهو حديث ضعيف، كحديث الطير".
ومن هذا القبيل حديث قصة الغرانيق، ولي فيها رسالة نافعة مطبوعة.
ولهذا لم نر الحفاظ المتقدمين أعملوا هذه القاعدة هنا، بل صرحوا بضعف
الحديث -كما تقدم عن الإمام البخاري والعقيلي والبزار، وأبي يعلى الخليلي-،
بل إن هذا نقل رده عن جميع أهل الحديث -كما سبق-. ولقد كان من هؤلاء
الذين ضعفوه ولم يلتفتوا إلى طرقه الحاكم نفسه، فيما ذكره الذهبي في ترجمته

(14/181)


@@@ 182
من "السير" (17/168):
أنهم كانوا في مجلس، فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير؟ فقال:
"لا يصح، ولو صح، لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي صلى الله عليه وسلم ".
قال الذهبي عقبه:
"فهذه حكاية قوية، فما باله أخرج حديث الطير في "المستدرك"؟! فكأنه
اختلف اجتهاده، وقد جمعت طرق حديث الطير في جزء".

قلت: وقد أشار الحاكم بجوابه المذكور إلى حقيقة علمية مقطوع بها عند أهل
السنة، ولا يرتاب فيها إلا الرافضة وأمثالهم من فرق الضلالة، وهي أن أفضل
الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على الإطلاق أبو بكر، ثم عمر رضي الله عنهما، كما
جاء من طرق عن ابن عمر رضي الله عنه وبعضها في "صحيح البخاري"، وهي
مخرجة في آخر المجلد الثاني من "ظلال الجنة في تخريج كتاب السنة".
وكذلك، فحديث الطير يخالف حديث عمرو بن العاص: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم
عن أحب الناس إليك؟ قال: "عائشة". قال: قلت: من الرجال؟ قال: "أبوها".
متفق عليه. (انظر مقدمة المجلد الثالث من "المشكاة"). ولذلك قال شيخ
الإسلام ابن تيمية في رده على الشيعي في "منهاج السنة" (4/99):

"إن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق
النقل ..."؟ في بحث له قيم، فراجعه.
قلت: ومن الغرائب أنه أصاب الذهبي في هذا الحديث من اختلاف الاجتهاد
ما أصاب الحاكم، فإنه في كتابه "المنتقى من منهاج الاعتدال" نقل (ص 472-

(14/182)


@@@ 183
473) قول ابن تيمية المذكور وخلاصة بحثه المشار إليه وأقره، وهو الحق الذي لا
ريب فيه، ولكنه في مكان آخر من كتابه "السير" رأيته يقول (13/233):
"وحديث الطير -على ضعفه- فله طرق جمة، وقد أفردتها في جزء، ولم
يثبت، ولا أنا بالمعتقد بطلانه"!
وذكر نحوه في "التذكرة"، إلا أنه قال في طرقه:
"ومجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصل"!
قلت: هذا كلام مجمل لا يروي ولا يشفي، ولذلك فإني أوجه السؤال التالي
إلى الحافظ الذهبي ومن وافقه من الحفاظ كالعسقلاني ومن قلده من بعض
المتأخرين (1):
ماهو هذا الأصل الذي يراد إثباته ولو بأدنى درجات الإثبات -ألا وهو الحسن
لغيره -، فإن الحديث فيه اضطراب كثير جداً، كما بينه الأخ الفاضل الشيخ سعد
ابن آل حميد، فقال جزاه الله خيراً (ص 1470):
"وبالجملة، فالحديث لا ينقصه كثرة طرق، وإنما يفتقر إلى سلامة المتن، فإنما
أنكر من الأئمة هذا الحديث لما يظهر من متنه من تفضيل علي على الشيخين
رضي الله عنهم، بالإضافة لما في متنه من ركة اللفظ والاضطراب.
فمما يدل على سقوط هذا الحديث اضطراب الرواة في متنه، فالمتأمل في متن
الحديث من الطرق المتقدمة يجد الاختلاف ظاهراً بين الروايات، وهذه بعض
الأمثلة ..".
__________
(1) انظر (ص 1474) من التعليق على "مختصر استدراك الذهبي".

(14/183)


@@@ 184
قلت: فذكر خمسة منها، سبقه إلى ثلاثة منها الأخ البلوشي (ص 34 -35).
وقد غفل كلاهما عن المثال الأقوى، وهو أن في رواية لابن عساكر (12/
242) بلفظ:
"اللهم! ائتني برجل يحب الله ورسوله".
وكذا في رواية (12/244) أخرى وزاد:
"ويحبه الله ورسوله".
وفي ثالث بلفظ:
"اللهم! أدخل علي من تحبه وأحبه".
رواه ابن مردويه في الطريق (الرابع عشر) عند ابن الجوزي.
قلت: فلو أن الحديث كان في أكثر طرقه بلفظ من هذه الألفاظ المتفقة المعنى -،
ولم تكن باسم التفضيل "أحب خلقك" -، لكان من الممكن القول بثبوته،
ويكون كحديث الراية الصحيح الذي في بعض رواياته:
"لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله
ورسوله ..." رواه البخاري (4210)، ومسلم (7/127). لكن الواقع أن أكثر
الروايات بلفظ اسم التفضيل: "أحب" .. ومن هنا جاء الحكم عليه بالوضع -كما
تقدم-.
والمقصود: أن قول الذهبي في طرق الحديث: "ومجموعها يوجب أن يكون
الحديث له أصل" إن يعنِ طرقه التي فيها لفظ: "أحب" الصريح بالتفضيل، فهو

(14/184)


@@@ 185
باطل، وإن كان يعني الألفاظ الأخرى المثبتة لمطلق الحب، فالخطب سهل، لكن
الذي يظهر لي من سياق كلامه وقول المتقدم: "ولا أنا بالمعتقد بطلانه" أنه يعني
الأول، لأنه - بعد أن ساقه (13/232) - حاول تأويله بكلام غير مفهوم عندي،
وقد سألت بعض من أثق بعلمهم ومعرفتهم، فما أفادوني شيئاً، وهو على كل
حال مردود عندي برواية حديث الترجمة وما في معناها. والله سبحانه وتعالى أعلم.

6576 - (إذا رأيتم الرجل أصفر الوجه من غير مرض ولا عبادة،
فذاك من غشّ الإسلام في قلبه).

موضوع.
أخرجه أبو نعيم في "كتاب الطب" (باب استعمال الفراسة ...)
(ق 16/2) من طريق حماد بن المبارك: ثنا السري بن إسماعيل عن الأوزاعي
عن رجل عن أنس بن مالك مرفوعاً.
قلت: وهذا موضوع، آفته: (السري بن إسماعيل)، وهو متروك بالاتفاق،
بل كذبه القطان - كما في "المغني" -.
وفوقه الرجل الذي لم يسم، فهذه على أخرى، ولكنها دون الأولى، ومثلها
الراوي عن السري (حماد بن المبارك)، فإنه مجهول - كما قال أبو حاتم، وتبعه
الذهبي والعسقلاني-، وهو: أبو جعفر الأزدي السجستاني - فيما يظهر -. والله
أعلم.
وقد روي الحديث بإسناد آخر عن ابن عباس بنحوه، هو مثل هذا أو أسوأ منه
- كما تقدم بيانه برقم (2067) -، ومع ذلك بيض له جماعة من الحفاظ والعلماء،
فلم يتكلموا على إسناده بشيء - كما فصلت هناط -. ونحو ذلك وقع لهم في

(14/185)


@@@ 186
حديث أنس هذا، فقال السخاوي في "المقاصد" (ص 24) - بعد أن ساق متنه-:
"وقال شيخنا: إنه لم يقف له على أصل عنه، وإن ذكره ابن القيم في "الطب
النبوي" فذاك بغير سند".
ثم تعقبه السخاوي بقوله:
"قلت: ذكره أبو نعيم في "الطب" من حديث حماد بن المبارك عن السري
ابن إسماعيل ..." إلخ.
ومن العجيب أن السخاوي سكت عن إسناده ولم يتكلم عليه بشيء! فكأنه
قنع بظهور ضعفه بالرجل الذي لم يسم! وهذا لا يتناسب مع المعروف من حفظه
وتحقيقه ونقده، ولك لا، وهو الحافظ تلميذ الحافظ العسقلاني؟! فما كان ينبغي أن
يخفى على مثله حال (السري بن إسماعيل)، ويسكت عنه!
وهذا ما أصاب المعلق على "المقاصد"، وهو الشيخ عبد الله الغماري، فإنه
علق على (حماد بن المبارك) فقط وقال:
"وهو مجهول".
وهذا مما لا يستغرب منه، فإنه ليس بـ: (الحافظ...) - كما يدعي في
بعض كتبه -!
وأما المناوي، فقارب الصواب بقوله في "فيض القدير":
"أخرجه أبو نعيم في "الطب" بسند واهٍ عن أنس".
وأما الشيخ أحمد الغماري في "المداوي" (1/222-223، 380)، فشغله

(14/186)


@@@ 187
نقده للمناوي، وبيان بعض أوهامه عن بيان مرتبة هذا الحديث، وحديث ابن
عباس المشار إليه آنفاً!

6577 - (المجالِسُ ثلاثة: سالمٌُ، وغانمٌ، وشاجبٌ.
فالغانم: الذي يُكثر ذكر الله في مجسله.
والسالم: الذي يسكتُ، لا له ولا عليه.
والشاجب: الذي يكون كلامه وعمله في معصية الله عز وجب).

ضعيف جداً.
أخرجه الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (2/563/
1345) من طريق يحيى بن عبيد الله قال: سمعت أبي قال: سمعت أبا هريرة
رضي الله عنه يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ... فذكره.
ومن هذا الوجه رواه مسدد - كما في "المطالب العالية" (ق 122/2) -.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، يحيى هذا - هو: ابن عبيد الله بن عبد الله
ابن موهب المدني - قال ابن حبان في "الضعفاء" (3/121):
"كان من خيار عباد الله، يروي عن أبيه ما لا أصل له، وأبوه ثقة، فلما كثّر
روايته عن أبيه ما ليس من حديثه، سقط من حد الاحتجاج به، وكان سيء
الصلاة، وكان ابن عيينة شديد الحمل عليه".
قلت: وأبوه وثقه ابن حبان أيضاً في "الثقات"، وتفرج بذلك، وقال الشافعي
وغيره:
"لا نعرفه". ولهذه قال الحافظ في "التقريب":

(14/187)


@@@ 188
"مقبول".
وللحديث طريق أخرى: يرويه موسى الجهني عن مهراق مؤذن سعيد بن
جبير قال: سمعت أبا هريرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: .... فذكره نحوه.
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (7/417/10814).
قلت: ورجاله ثقات، غير (مخراق) هذا، ذكره البخاري وابن أبي حاتم في
كتابيهما من رواية موسى الجهني عنه، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وأما ابن
حبان فذكره من هذا الوجه أيضاً في "الثقات" (5/461)! وقال:
"شيخ"!
قلت: فهو مجهول. والله أعلم.
ورواه العلاء بن زيدل عن أنس بن مالك مرفوعاً نحوه.
أخرجه ابن حبان في ترجمة (العلاء) هذا (2/180)، ثم قال:
"شيخ يروي عن أنس بن مالك بنسخة موضوعة، لا يحل ذكره في الكتب
إلا على سبيل التعجب".
ثم ساق له أحاديث - هذا أحدها -، وقال:
"كلها موضوعة مقلوبة".
وذكره ابن طاهر المقدسي في "تذكرة الموضوعات" وقال (ص 119):
"فيه العلاء بن زيدل، له نسخة موضوعة، وهو متروك الحديث".

(14/188)


@@@ 189
6578 - ( فضل العالم على العابد سبعون درجة، ما بين كل درجتين
حضر الفرس سبعين عاما، وذلك، لأن الشيطان يضع البدع للناس
فيبصرها العالم، فينهى عنها، والعابد مقبل على عبادة ربه، ولا يتوجه
لها، ولا يعرفها).

منكر جداً بهذا التمام.
أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (2/867/
2116) من طريق القاسم بن الحكم عن سلام عن خارجة بن مصعب عن زيد
ابن أسلم عن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ...فذكره.

قلت: وهذا إسناد واهٍ جداً، آفته خارجة أو سلام - وهو: ابن سلم الطويل-،
فإنهما متروكان. وخارجة، قال فيه ابن حبان في "الضعفاء" (1/288):
"كان يدلس عن غياث بن إبراهيم وغيره، ويروي ما سمع منهم مما وضعوه
على الثقات من الثقات الذين رآهم، فمن هنا وقع في حديثه الموضوعات عن
الأثبات، لا يحل الاحتجاج بخبره".
وقال في (سلام) (1/339):
"يروي عن الثقات الموضوعات، كأنه كان المتعمد لها". وقال الحافظ في كل
منهما:
"متروك". وزاد خارجة:
"وكان يدلس عن الكذابين، ويقال: إن ابن معين كذبه".
والحديث أورده المنذري في "ترغيبه" (1/60) من رواية الأصبهاني، ثم

(14/189)


@@@ 190
أشار إلى تضعيفه، ولكنه قال:
"وعجز الحديث يشبه المدرج".
وأرى أن ادعاء الإدراج إنما يحسن في حديث الثقة الذي يغلب على الظن أنه
لم يحدث بالمدرج في حديثه. أما في غير الثقة - كما هنا -، فالأولى كان أن
يقال: (يشبه الموضوع)، لأنه ليس بعيداً عن أن يكون المتعمد له. والله أعلم.
والحديث تقدم مختصراً برقم (2140).

6579 - (كانت ليلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانسلَّ، فظننت أنما انسل
إلى بعض نسائه، فخرجتُ غيري، فإذا أنا به ساجدٌ كالثوب الطريح، فسمعته يقول:
سجد لك سوادي وخيالي، وآمن بك فؤادي، ربَّ! هذه يدي وما
جنبيت به على نفسي، يا عظيمُ! ترجى لكل عظيم، فأغفر الذنبي
العظيم. قالت: فرفع رأسه فقال:
ما أخرجك؟ قالت: ظنٌّ ظننتُه! قال:
إن بعض الظن إثمٌ، واستغفري الله! إن جبريل أتاني فأمرني أن
أقول هذه الكلمات التي سمعت، فقوليها في سجودك، فإنه من قالها،
لم يرفع رأسه حتى يُغفر - أظنه قال: - له).

منكر جداً.
أخرجه أبو يعلى (8/121-122)، والعقيلي في "الضعفاء"
(4/116)، وابن عدي (6/240) من طريق محمد بن عثيم أبي ذر قال:
حدثني عثيم عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن عائشة قالت: ...فذكره.

(14/190)


@@@ 191
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، مسلسل بالعلل:
الأولى: محمد بن عثيم: وفي ترجمته ساقه العقيلي من مناكيره، وروى عن
ابن معين أنه قال فيه:
"كذاب". وعن البخاري أنه قال:
"منكر الحديث". وضعفه آخرون.
الثانية: أبوه (عثيم): والظاهر أنه الذي في "التهذيب": (عثيم بن كثير
ابن كليب الحضرمي)، ولكنهم لم يذكروا في الرواة عنه ابنه محمداً هذا، وهم
ثلاثة ليس فيهم موثق، غير عبد الله بن منيب، ولذلك قال الحافظ:
"مجهول". وقال الذهبي:
"لا يدرى من هو؟".
وأما ابن حبان فذكره في "الثقات" (7/303)!
وقد أشار الذهبي في "الكاشف" إلى تليين توثيقه.
الثالثة: عثمان بن عطاء: ضعيف، ضعفه الدارقطني وغيره.
الرابعة: أبوه عطاء - وهو: ابن أبي مسلم الخاراساني -، لم يسمع من عائشة
رضي الله عنها، على انه مدلس.
وله عنها طريق أخرى: فقال الطبراني في "الدعاء" (2/1071-1072):
حدثنا بكر بن سهل: ثنا عمرو بن هاشم البيروتي: ثنا سليمان بن أبي كريمة عن
هشام بن عروة عن أبيه عنها مطولاً وفي آخره ذكر ليلة النصف من شعبان.

(14/191)


@@@ 192
ومن هذا الوجه رواه ابن الجوزي في "العلل" (2/67 -68) وقال:
" لا يصح. قال ابن عدي: أحاديث سليمان بن أبي كريمة مناكير".
وأقره الحافظ في "التلخيص" (1/254).
وبكر بن سهل: قال الذهبي:
"حمل الناس عليه، وهو مقارب الحال. قال النسائي: ضعيف". وفي
"اللسان":
"وقال مسلمة بن قاسم: تكلم الناس فيه، ووضعوه من أجل الحديث الذي
حدث به عن ... (ساق إسناده) عن مسلمة بن مخلد رفعه: (أعروا النساء
يلزمن الحجال)"، وقد مضى تخريجه برقم (2827).
وإن مما يؤكد نكارة هذا الحديث ما أشار إليه العقيلي بقوله عقبه:
"يروى من غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ".
ويعني: ما رواه أبو هريرة عنها قالت:
فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فلمست المسجد، فإذا هو ساجد، وقدماه
منصوبتان، وهو يقول:
"اللهم! إني أعوذ برضاك من سخطك ...". الحديث.
أخرجه مسلم وغيره من أصحاب "الصحاح" و "السنن" وغيرهم، وهو
مخرج في "صفة الصلاة" (147/12)، و "صحيح أبي داود" (823).

(14/192)


@@@ 193
6580 - (إن الله يوحي إلى الحفظة: لا تكتبوا على صُوَّام عبادي
بعد العصر سيئة).

باطل.
أخرجه الخطيب في "التاريخ" (6/124)، والديلمي في "مسند
الفردوس" (1/128/2- الغرائب الملتقطة) من طريق إبراهيم بن عبد الله بن
محمد بن أيوب المخزمي بسنده عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار عن
أنس مرفوعاً. وقال الخطيب:
"قال الدارقطني: وهذا باطل، والإسناد كلهم ثقات، - يعني: غير- المخزمي:
ليس بثقة، حدث عن قوم ثقات بأحاديث باطلة".
ولخص هذا الحافظ، فقال في "الغرائب":
"هذا الحديث باطل، وإبراهيم ليس بثقة".

6581 - (ألا من اشتاق إلى الله، فليسمع كلام الله، فإن مثل القرآن
كمثل جِراب مسكٍ، أيَّ وقت فتحته فاحَ ريحه).

ضعيف.
أخرجه الديلمي (1/171/2) من طريق محمد بن أنس أبي
بكر: حدثنا موسى بن إسحاق: حدثنا منجاب بن الحارث: حدثنا حماد بن
سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، محمد بن أنس أبو بكر: لم أعرفه، وكذا بعض
من دونه، ومن فوقه ثقات من رجال "التهذيب"، غير (موسى بن إسحاق)
-وهو: ابن موسى الأنصاري الخطمي -: قال ابن أبي حاتم (8/135):

(14/193)


@@@ 194
"كتبت عنه، وهو ثقة صدوق".
والحديث ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي في رسالته: "نزهة الأسماع في
مسألة السماع" (ص 85) ساكتاً عنه، فاقتضى تخريجه والنظر في إسناده.
والشطر الثاني منه له طريق أخرى عن أبي هريرة في حديث له في بعض
السنن، وفيه مجهول، وقد خرجته في "المشكاة" (2143/ التحقيق الثاني).

6582 - (من قرأ القرآن فأعربه، كان له بكل حرف أربعون حسنة،
ومن أعرب بعضاً, ولحن في بعض، كان له بكل حرف عشرون حسنة،
ومن لم يعرب منه شيئاً، كان له بكل حرف عشر حسنات).

موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (7/41)، والبيهقي في "شعب
الإيمان" (2/228/2296)، وأبو الحسن بن لؤلؤ في "حديث حمزة بن محمد
الكاتب" (ق 1/2)، والشجري في "الأمالي" (1/111)، والضياء في
"المنتقى من مسموعاته بمرو" (ق 37-38)، كلهم من طريق نعيم بن حماد: نا
نوح بن أبي مريم عن زيد العمي عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب
مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد موضوع، آفته (نوح بن أبي مريم)، وهو: كذاب معروف
بذلك، وشيخه والراوي عنه ضعيفان، كما يأتي بيان أكثره من كلام السيوطي،
وقد عزاه في "الجامع الكبير" لأبي عثمان الصابوني في "المئتين" والبيهقي في
"الشعب"، وقال في كتابه "الحاوي للفتاوي" (2/96):
"وهذا إسناد ضعيف (!) من وجوه:

(14/194)


@@@ 195
أحدها: أن سعيد بن المسيب: لم يدرك عمر، فهو منقطع.
الثاني: أن زيد العمي: ليس بالقوي.
الثالث: أن نوح بن أبي مريم هو: أبو عصمة الجامع الكذاب المعروف بالوضع،
والظاهر ان هذا الحديث مما صنعت يداه. وقد ذكره الذهبي في ترجمته، وعده من
مناكيره.
وقد رواه الطبراني في "الأوسط" على كيفية أخرى مخالفة في السند
والصحابي والمتن، وهو دليل ضعف الحديث ونكارته واضطرابه".
قلت: ثم ساق باللفظ التالي:
"من قرأ القرآن على أي حرف كان، كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه
عشر سيئات، ورفع له عشر درجات.
ومن قرأه فأعرب بعضه، ولحن بعضاً، كتب له عشرون حسنة، ومحي عنه
عشرون سيئة، ورفع له عشرون درجة.
ومن قرأه وأعربه كله، كتب له أربعون حسنة، ومحي عنه أربعون سيئة، ورفع
له أربعون درجة".
قلت: وهذا موضوع أيضاً، رواه عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن عروة
ابن الزبير عن عائشة مرفوعاً.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/484/4917 -ط) وقال:

(14/195)


@@@ 196
"لم يروه عن عروة إلا زيد العمي، تفرد به عبد الرحيم (1) بن زيد".
قلت: وهو متروك - كما قال الهيثمي في "المجمع"، ثم السيوطي في "الحاوي" -،
وقد قال فيه ابن معين:
"كذاب خبيث". وقال أبو حاتم:
"كان يفسد أباه، يحدث عنه بالطامات". وفي "المغني" للذهبي:
"قال البخاري: تركوه".
وأبوه زيد: ضعيف - كما تقدم في كلام السيوطي-.
(فائدة): قال الراغب الأصبهاني في "المفردات" (ص 449):
" (اللحن): صرف الكلام عن سننه الجاري عليه، إما بإزالة الإعراب أو
التصحيف، وهو المذموم، وذلك أكثر استعمالاً.
وإما بإزالته عن التصريح، وصرفه بمعناه إلى تعريض وفحوى، وهو محمود عنه
أكثر الأدباء من حيث البلاغة، وإياه قصد الشاعر بقوله:
وخير الحديث ما كان لحنا
وإياه قصد قوله تعالى {ولَتعرِفَنَّهم في لحن القول}، ومنه قيل للفطن بما
يقتضي فحوى الكلام: (لحن)، وفي الحديث: "لعل بعضكم ألحن بحجته من
بعض (2)"، أي: ألسن وأفصح وأبين كلاماً وأقدر على الحجة".
__________
(1) الأصل (عبد الرحمن) وهو خطأ مطبعي، مخالف لأصله والمتقدم في إسناده.
(2) هو قطعة من حديث متفق عليه من حديث أم سلمة، مخرج في "الصحيحة" برقم (455).

(14/196)


@@@ 197
قلت: والظاهر أن المراد بـ (اللحن) في الحديث - على وهائه! - المعنى الأول،
وهو إزالة الإعراب، لإنه جاء فيه مقابل (الإعراب)، وقد قال الشيخ أبو الربيع
سليمان بن سبع في كتابه "شفاء الصدور" (ج 4/17/2):
"معنى قوله: "ولم يعرب منه شيئاً"، أي: أرسله إرسالاً، ولم يقف عند
رؤوس الآي، ويمر عليها، ولا يعطي الحروف حقها من الإعراب، لشدة هذه، ولم
يرد أنه يلحن حتى يغير المعاني".
قلت: وإن مما [لا] شك فيه أن إعراب القرآن وقراءته - كما ذكر- من الوقوف
على رؤوس الآي - كما هو السنة -، وإعطاء الحروف حقها، وإخراجها من مخارجها
-حسبما هو مقرر في علم التلاوة والتجويد -أمر مهم، وبخاصة بالنسبة للأعاجم،
وبعض العرب، كحرف الضاد مثلاً، فأولئك ينطقوها (ظاء)، والبعض في الشام
ومصر مثلاً ينطقوها (دالاً) مفخمة، دون رخاوة واستطالة، والحق بين هؤلاء
وهؤلاء، كما قال ابن الجزري في أرجوزته:
والضاد باستطالة ومخرج ..... ميز عن الظاء وكلها تحبي
وقد صح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
لأن أقرأ آية بإعراب أحب إلي من أن أقرأ كذا و كذا آية بغير إعراب.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10/457/9967) بسند صحيح،
رجاله كلهم ثقات.
وقد روي الحديث من طريق أخرى عن عائشة رضي الله عنها بلفظ مختصر،
ولا يصح أيضاً، وهو الآتي:

(14/197)


@@@ 198
6583 - (من قرأ القرآن فأعرب فيه، كانت له عند الله دعوة
مستجابة، إن شاء، عجلها في الدنيا، وإن شاء، أخرها في الآخرة).

منكر.
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (2/351) وأبو نعيم في "الحلية"
(6/349) من طريق عبد الرحمن بن يحيى العذري: حدثنا مالك عن
عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة مرفوعاً.
أورده في ترجمة (العذري) هذا، وقال:
"مجهول لا يقيم الحديث، وليس لحديثه هذا أصل عن مالك، ولا يتابعه عليه".
ونحوه في "الحلية". وقال الدارقطني:
"ليس بالقوي".
وضعفه في موضع آخر -كما في "اللسان" -.

6584 - (من قرأ القرآن فلم يعربه، وُكل به ملك يكتب له كما
أُنزل، بكل حرف عشر حسنات.
ومن قرأه وأعرب بعضه ولم يعرب بعضه، وُكل به ملكان يكتبان له
كما أنزل، كل حرف عشرين حسنة.
ومن قرأه وأعربه كله، وُكل به أربعة ملائكة يكتبون له، بكل حرف
سبعين حسنة).

موضوع.
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (3/160)، وابن الأنباري في
"إيضاح الوقف والابتداء" (1/16/10) من طريق أبي الطيب المروزي:

(14/198)


@@@ 199
حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً.
أورده ابن حبان في ترجمة أبي الطيب هذا، وقال:
"شيخ يروي عن عبد العزيز بن أبي رواد الأعاجيب، لا يجوز الاحتجاج به
بحال".
وساق له في "الميزان" هذا الحديث، وذكر عقبه عن ابن معين أنه قال فيه:
"كذاب خبيث".
قلت: ويظهر أنه سرقه منه بعض الضعفاء، ثم دلسه أحد المعروفين
بالتدليس، وهو بقية بن الوليد، فقد رواه عن عبد العزيز بن أبي رواد به، دون
الفقرة الثالثة,
أخرجه البيهقي في "الشعب" (2/428/2294، 2295)، وأبو بكر
الكلاباذي في "مفتاح المعاني" (ق 332/1) من طريق بقية عن عبد العزيز
ابن أبي رواد به. وقال السيوطي في "الحاوي للفتاوي" (2/96):
"لا يصح، فإن بقية مدلس وقد عنعنه".
قلت: وتدليسه من أخبث التدليس، لأنه كان يدلس عن الثقات ما أخذه عن
الكذابين والوضاعين، مثل: مجاشع بن عمرو، وعمر بن موسى الوجيهي
وغيرهما - كما هو مبسوط في ترجمته-، فلا أستبعد أن يكون تلقاه عن أبي
الطيب الكذاب هذا أو عن غيره من أمثاله. والله أعلم.
(تنبيه): أورد ابن قدامة المقدسي هذا الحديث في رسالته "لمعة الاعتقاد"
(ص 19) بلفظ:

(14/199)


@@@ 200
"من قرأ القرآن فأعربه، فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن
فيه، فله بكل حرف حسنة"! وقال فيه: "صحيح"!
قلت: وهذا غريب جداً، فإنه لا أصل له بهذا اللفظ مطلقاً في شيء من طرقه
التي وقفنا عليها، وقد تقدم تخريجها وبيان عللها، فكيف مع ذلك يصححه؟!
فأخشى أن يكون مدسوساً عليه، وقد سئل عنه السيوطي في "الحاوي" (2/96)؟
فلم يجب عنه بصراحة، وإنما أورد الأحاديث المتقدمة وضعفها كلها -كما تقدم
مشيراً بذلك إلى أنه لا أصل له بهذا اللفظ-، ولم يفصح، فكأنه أخذته رهبة
الشيخ وفضله، ولذلك لم يورده في "الجامع الكبير" الذي (قصد فيه إلى
استيعاب الأحاديث الشريفة النبوية) -كما نص عليه في "المقدمة" -، وهيهات
هيهات!

6585 -(إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا، وتسائلا، أنزل الله بينهما
مئة رحمة، تسعة وتسعين لأبشَّهما، وأطلقهما، وأبرهما، وأحسنهما
مُساءلة بأخيه).
منكر.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/185/1/7822و8/
328-329/7668-ط) قال: حدثنا محمد بن موسى الإصطخري قال:
حدثنا الحسن بن كثير (!) يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن يحيى بن أبي
كثير عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ....فذكره، وقال:
"لم يروه عن يحيى بن أبي كثير إلا ابنه عبد الله، ولا رواه عن عبد الله إلا
يحيى بن مسع، تفرد به الحسن بن كثير".

(14/200)


@@@ 201
قلت: في هذا التعقيب والإسناد ما يلفت النظر:
أولاً: قوله في الإسناد: " الحسن بن كثير عن يحيى بن أبي كثير" : وذلك،
لأن يحيى بن أبي كثير من التابعين من الطبقة الخامسة- في اصطلاح الحافظ في
" التقريب" -، ولا يمكن أن يدركه- عادة- من كان في طبقة (الحسن بن كثير)،
وهي طبقة الأئمة الستة ونحوهم، فلعل صواب (عن): (بن)، أي: (الحسن
ابن كثير بن يحيى بن أبي كثير)- كما وقع في إسناد الحديث الذي قبل هذا في
"المعجم الأوسط" -. وكذلك وقع في " لسان الميزان "، وذكر عن الدارقطني أنه
ضعيف.
ولعله يؤيده ما في " الجرح والتعديل " (1/ 2/ 34):
"الحسن بن كثير: من آل يحيى بن أبي كثير".
لكن عكرعليه أنه جاء عقبه زيادة من بعض النسخ: [روى عن يحيى بن
أبي كثير]. ثم قال:
"حدثنا عنه علي بن حرب الموصلي، سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو
مجهول".
قلت: علي بن حرب هذا توفي سنة (265)- كما في " ثقات ابن حبان"
(8/ 471)-.
ثانياً: ذكر الطبراني في تعقيبه على الحديث (يحيى بن مسمع)! وكذلك
وقع في " مجمع البحرين " (5/ 264)، ولم يقع في إسناد الحديث، فلعله
سقط منه، ويكون هو الواسطة بين (الحسن بن كثير) و (عبد الله بن يحيى بن

(14/201)


@@@ 202
أبي كثير)، ولم أجد له ذكرأ في شيء من كتب الرجال التي عندي. والهيثمي
إنما أعله بالحسن هذا، فقال في " مجمع الزوائد " (8/ 37):
" رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه (الحسن بن كثير بن عدي)، ولم
أعرفه، وبقية رجاله رجال (الصحيح)".
قلت: كذا زاد في نسب (الحسن): (ابن عدي)! وليس لها ذكر أيضاً في
الإسناد!
ولهذه الأمور أو لبعضها قال المنذري في " الترغيب " (3/ 271):
" أواه الطبراني بإسناد فيه نظر "!
وقول الهيثمي المتقدم: " وبقية رجاله رجال الصحيح لما"، إنما يعني: دون شيخ
الطبراني- كما هي عادته-، وهذا لا يشكل على العارفين بهذا العلم، لأن شيوخه
أدنى طبقة من شيوخ "الصحيحين "، وانما يرد الإشكال حين يقول: وبقية رجاله
ثقات، وهذا يفعله كثيراً، فينبغي الانتباه لهذا، فكثيراً ما يكون شيخ الطبراني غير
موثق، بل وغير ثقة، وإنما هو التسامح والتساهل! وشيخه في هذا الحديث (محمد
ابن موسى الاصطخري) لم أجد له ترجمة، وهو مما فات صاحبنا الشيخ الأنصاري،
فلم يورده في كتابه القيم " البلغة "، وقد روى له الطبراني في " الأوسط" خمسة
وأربعين حديثأ (7637- 7682)، وآخر في " الصغير" (رقم 1113- الروض
النضير).
ونحو هذا الحديث ما رواه عبد الخالق بن عبد الله العبدي: نا حكيم بن
خذام عن أبان عن أنس مرفوعأ بلفظ:

(14/202)


@@@ 203
" إذا التقى المؤمنان فتصافحا، قسمت بينهما سبعون مغفرة، تسعة وستون
لأحسنهما بِشراً".
أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (2/ 820/ 908).
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، أبان- وهو: ابن أبي عياش- وحكيم بن
خذ ام: متروكان.
وعبد الخالق بن عبد الله العبدي: شبه مجهول، ذكره ابن حبان في "الثقات"
(8/ 423) من رواية إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي عنه.
وإبراهيم هذا: فيه كلام، وهو في " الثقات " أيضاً (8/ 67)، وانظر "التهذيب ".
وقد روى عنه أيضاً (أبو بدر عباد بن الوليد الغبري) شيخ الخرائطي في هذا
الحديث، وخفي على الدكتورة المعلقة على " المكارم " ترجمة (عبد الخالق) هذا
فقالت: " لم أجده"!
ولحديث أبي هريرة إسناد آخر، لكن فيه دجال، أذكره للتنبيه عليه: أخرجه
الخطيب في (التاريخ " (5/ 445)، ومن طريقه ابن الجوزي في " الموضوعات "
(3/ 79) من حديث محمد بن عبد الله بن إبراهيم الأشناني بإسنادين له عن
أبي هريرة مرفوعأ نحوه.
ذكره الخطيب في ترجمة الأشناني هذا وقال:
" روى عن الثقات أحاديث باطلة، وكان كذابأ يضع الحديث ".
وروى عن الدارقطني أنه قال فيه:
" كذاب دجال".

(14/203)


@@@ 204
ثم ختم ترجمته بقوله:
" وأنا أقول: إنه كان يضع ما لا يحسنه، غير أنه- والله أعلم- أخذ أسانيد
صحيحة من بعض الصحف، فركب عليها هذه البلايا! ونسأل الله السلامة في
الدنيا والآخرة ".
قلت: وإن من تساهل السيوطي وغرائبه أنه تعقب في "لآليه " (2/ 289)،
- وتبعه ابن عراق في " تنزيهه " (2/ 294/ 41)- ابن الجوزي في حكمه على
الحديث بالوضع بحديث عمر بن الخطاب المتقدم تخريجه بنحوه (2385) من
طريق عمر بن عامر التمار، وهو واه جداً، وسكت عنه السيوطي، مع علمه بأن
الذهبي تعجب من إخراج الخطيب لأحاديثه ساكتاً عنها، ولا يبين سقوطها،
وصرح الذهبي ببطلان أحدها- كما سبقت الإشارة إليه هناك-، ويأتي تخريجه
عقب هذا بإذن الله تبارك وتعالى.
ومن تساهل بعض المعلقين وقلة تحقيقهم، أن المعلق على " مجمع البحرين "
أتبع حديث الترجمة الذي هو من رواية (الحسن بن كثير) بقوله:
" قلت: أخرجه ابن الجوزي في " الموضوعات " (3/ 79) "! فكان عليه أن
يشير- على الأقل- أنه من طريق الأشناني الدجال، وليس من طريق (الحسن بن
كثير) كما أوهم!
وإن من الغرائب ما رواه الخطيب في ترجمة (خالد بن خداش) بسنده عن
محمد بن المثنى قال:
انصرفت مع بشر بن الحارث في يوم أضحى من المصلى، فلقي خالد بن
خداش المحدث، فسلم عليه، فقصر بشر في السلام، فقال خالد: بيني وبينك

(14/204)


@@@ 205
مودة من أكثر من ستين سنة ما تغيرت عليك، فما هذا التغير؟! قال: فقال بشر:
ما ههنا تغير ولا تقصير، ولكن هذا اليوم تستحب فيه الهدايا، وما عندي من
عرض الدنيا شيء أهدي لك، وقد روي في الحديث:
" إن المسلمين إذا التقيا، كان أكثرهما ثوابأ أبشهما لصاحبه"، فتركتك،
لتكون أكثر ثواباً"!

6586- (من أخذ بركاب رجل لا يرجوه ولا يخافه، غفر له. وفي
رواية: دخل الجنة).

باطل.
أخرجه تمام في "الفوائد" (ق 176/ 2)، والخطيب في "الجامع
لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1/ 187/ 306)، والأصبهاني في "الترغيب "
(1/76-77/106) من طريق عمربن عامر أبي حفص التمار: نا جعفر بن
سليمان بن علي الهاشمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس مرفوعأ.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم، فيه ثلاث علل:
الأولى: عمر بن عامر هذا: قال الذهبي- وتبعه العسقلاني-:
"بصري، روى عنه أبو قلابة ومحمد بن مرزوق حديثاًبإطلاً" . ثم ساق له
هذا الحديث، وقال:
" قلت: العجب من الخطيب كيف روى هذا، وعنده عدة أحاديث من نمطه،
ولا يبين سقوطها في تصانيفه".
قلت: وقد مضى له حديث آخر من هذا النمط الذي يشير إليه الذهبي في
المجلد الخامس برقم (2385)، لكن تعصيب الجناية به في حديث الترجمة غير

(14/205)


@@@ 206
وارد، لأنه قد توبع، فقال الطبراني في " المعجم الكبير " (10/ 347/10678)
وفي " الأوسط " (2/ 12/ 1016- ط): حدثنا أحمد بن داود المكي: ثنا
حفص بن عمر المازني: ثنا جعفر بن سليمان به نحوه. وقد مضى برقم (4563).
ومن طريق الطبراني أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3/ 212) وقال:
" ما كتبناه إلا من حديث حفص بن عمر المازني "!
قلت: وهو مثل (عمر بن عامر) في الجهالة، قال الحافظ في ترجمته الختصرة
في " اللسان "- وساق له حديثأ آخر-:
" لايعرف ".
وأشار إلى ذلك الهيثمي بقوله في " مجمع الزوائد" (8/ 16- 17):
"رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه (حفص بن عمر المازني)، ولم أعرفه،
وبقية رجاله ثقات "!
لكنه قصر في عزوه لـ " الأوسط " فقط، وهو في " الكبير" أيضأ! كما أن
توثيقه المذكور مرفوض، لما يأتي بيانه.
وهناك متابع آخر: أخرجه الدولابي في " الكنى " (2/ 99) من طريق
النسائي قال: أنبأ الفضل بن سهل قال: حدثنى أبو محمد عبد الله بن حرب
قال: حدثنا حسين المقري عن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس
به.
قلت: وهذه متابعة عزيزة غريبة، (حسين المقري): لم أعرفه، ويحتمل أنه:
(الحسين بن عيسى الخلال الرازي المقري أبو علي) الذي ترجمه ابن أبي حاتم (1/

(14/206)


@@@ 207
2/ 65) بروايته عن جمع، فإنه من هذه الطبقة، وقال:
" روى عنه أبي" .
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
والراوي عنه (عبد الله بن حرب): الظاهر أنه (الليثي) المترجم عنده أيضاً
(2/ 2/ 41- 42) بروايته عن جمع وقال:
" كتب عنه أبي، وقال: ثقة حافظ، لا بأس به".
وأمّا (الفضل بن سهل ): فهو ثقة من شيوخ الشيخين.
وبالجملة، فمهما كان هؤلاء الثلاثة، فاجتماعهم على روايتهم الحديث عن
جعفر بن سليمان مما يرفع التهمة عنهم- كما لا يخفى على أهل العلم-، وتلصق
بشيخهم جعفر أو أبيه سليمان، وبذلك تزول العلة الأولى.
ويغلب على ظني أن العلة الثانية هي العلة، وهي: (جعفر بن سليمان بن
علي)، فإنه غير معروف بالرواية، وهو أخو (محمد بن سليمان الهاشمي) أمير
البصرة، وكان له جلالة وقدر، كما في "تاريخ بغداد " (5/ 291- 292) و" طبقات
ابن سعد "، قال هذا: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال:
رأيت سليمان وعبد الله- ابني علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب-
وجعفراً ومحمداً- ابني سليمان بن علي- يحملون سريريونس بن عبيد على
أعناقهم، فقال عبد الله بن علي: هذا- والله-! الشرف.
ولأخيه محمد حديث واحد فقط، تقدم تخريجه في المجلد الثالث برقم
(1072)، وهذا جعفر ليس له إلا هذا الحديث الواحد، فيما أعلم.

(14/207)


@@@ 208
ويحتمل أن تكون العلة من أبيه سليمان، فإنه غير مشهور أيضاً بالرواية، ولم
يوثقه غير ابن حبان (6/ 381)، وقد روى عنه جمع، فيهم ثقتان وقال الحافظ:
" مقبول ". انظر " التيسير ".
هذا، والرواية الأخرى في " الفردوس " للديلمي (3/ 584/ 5828)، ولم
أقف على إسناده في " الغرائب الملتقطة "، لأن أحاديث (من) مخرومة منه، وهو
على الراجح لا يعدو أن يكون من طريق أحد الثلاثة المذكودين، وعلى الغالب من
طريق حفص بن عمر المازني، ويؤيده أن الحافظ قال في "تسديد القوس " عقبه:
"الطبراني وأبو نعيم عن ابن عباس، وفيه قصة زيد بن ثابت ".

يشير إلى أن الديلمي رواه من طريق المذكورين، إما تعليقاً على أبي نعيم
- وهذا عن الطبراني-، وإما بإسناده إليه عنه، أو عن كل منهما. لكن القصة عن
زيد لم ترد في شيء من الروايات المتقدمة، فأخشى أن يكون في العبارة شيء.
وقد روى الخطيب في " الجامع " (رقم 311) من طريق أبي معشر قال:
أتيت حماد بن زيد، فلما قمت لأركب، أمسك بركابي، فاقشعررت من ذلك
ولم أركب، فقال: ما بلغك أنه روي في الحديث: " من أمسك بركاب أخيه لغير
ضيعة، غفرله "؟
ثم جاءني حماد بن زيد، فلما قام ليركب، أمسكت بركابه، فامتنع من
الركوب، وقال: أما سمعت الخبر المروي:
" لا تكرم أخاك بما يشق عليه "؟!
فجعل أبو معشريقوم ويقعد".

(14/208)


@@@ 209
وفي إسناده (أحمد بن نصر بن عبد اللة الذارع)، قال الذهبي في " المغني":
" شيخ بغدادي، وضاع مفتر، له جزء مشهور. قال الدارقطني: دجال".
وحديث الترجمة عزاه السيوطي لابن عساكر فقط عن ابن عباس- كما في
"كنز العمال " (9/ 156/ 25501)-.

6587- ( ليسَ على الماء تجنابةٌ، ولا على الآرضِ جنابةٌ، ولا على
الثوبِ جنابةٌ).

منكر.
أخرجه الدارقطني في " سننه " (1/ 113/ 9) من طريق أبي عمر
المازني حفص بن عمر: ثنا سُليم بن حيان عن سعيد بن ميناء عن جابر
بن عبد الله... مرفوعأ.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو عمر المازني هذا: لا يعرف- كما قال الحافظ-،
وأشار إلى ذلك الهيثمي- كما تقدم في الحديث الذي قبله-.
ومن فوقه من رجال الشيخين.
لكن الراوي عن المازني (جعفر بن محمد بن عيسى العسكري): لم أجد
له ترجمة، ولا أستبعد أن يكون الذي ذكره أبو جعفر الطوسي في " رجال الشيعة "
هكذا، إلا أنه لم ينسبه (العسكري)- كما في "اللسان ! (2/ 23 1/ 524)-.
ثم روى الدارقطني من طريق زكريا عن عامر عن إبن عباس قال:
" أربع لا يجنبن: الإنسان، والماء، والأ رض، والثوب ".
قلت: ورجاله ثقات، غير أن (زكريا) - وهو: ابن أبي زائدة- كان يدلس

(14/209)


@@@ 210
كثيراً عن الشعبي- كما قال أبو زرعة الرازي وغيره-، وهو (عامر) هنا.
والجملة الأولى من حديث الترجمة صحيحة، لأن لها طريقأ أخرى من
حديث ابن عباس مرفوعأ، سبق تخريجها في "الصحيحة " برقم (2185)، وفي
"الإرواء" (1/ 64/ 27)، و"صحيح أبي داود" برقم (61).

6588- (قال الله: أيها الشابٌّ! التاركٌ شهوته لي، المبتذلُ شبابه
من أجلي، أنت عندي كبعضِ ملائكتي، ولك عندي كل يومٍ وليلة أجر
صِدّيق) (*).

موضوع.
رواه ابن عدي (74 1/ 2 و 3/ 357- 358- ط)، وعنه
الجرجاني (332) عن سعد بن سعيد عن الثوري عن منصور عن أبي الضحى
ومسروق- كذا قال- عن علقمة عن عبد الله بن مسعود مرفوعأ. وقال ابن عدي:
"سعد بن سعيد يلقب سعدويه كان رجلأ صالحأ حدث عن الثوري وغيره بما
لا يتابع عليه، ولم يكن ذلك من تعمد منه فيها أو ضعف في نفسه، إلا لغفلة
كانت تدخل عليه، وهكذا الصالحون، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً وهو من أهل
بلدنا ونحن أعرف به ".
قلت: قال الذهبي عقب الحديث:
" فهذا موضوع على سفيان ". وأقره الحافظ في"اللسان".
قلت: ويستشم منه رائحة الإسرائيليات، ويؤيده أن ابن المبارك رواه في
__________

(*) سبق للشيخ رحمه الله تخريج هذا الحديث دون أخره في سياق حديث طويل في المجلد
التاسع (4006)، فا نظره. (النا شر).

(14/210)


@@@ 211
" الزهد " (170/ 2، من الكواكب 575) بسنده إلى يزيد بن ميسرة قال:...
فذكره. فكأنه أصل الحديث تلقاه عن بعض أهل الكتاب ثم وهم فيه بعض الرواة
فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ويزيد هذا له ترجمة في "الجرح والتعديل " (4/ 2/
280) ولم يذكر فيه جرحآ ولا تعديلاً. والسند إليه حسن.

6589- (إذا تزين القوم بالآخرة، وتجملوا للدنيا، فالنار دارُهم).
موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (7/ 126) من طريق عبد الله
ابن إبراهيم بن أبي عمرو: ثنا هارون بن هارون الهديري عن الأعرج عن أبي
هريرة مرفوعاً.
قلت: وهذا موضوع، أورده ابن عدي في ترجمة (الهديري) هذا في مناكير
له، ثم قال:
"وله غير ما ذكرت، وأحاديثه عن الأعرج، وعن مجاهد وعن غيرهما مما لا
يتابعه الثقات عليه".
قلت: وتقدم له حديث آخر عن الأعرج برقم (2461).
لكن عقب على الحديث بقوله:
" وهذا لعل البلاء فيه من عبد الله بن إبراهيم الغفاري، لا من هارون بن
هارون ".
قلت: قد قال فيه ابن حبان (2/ 37):
" كان ممن يأتي عن الثقات المقلوبات، وعن الضعفاء الملزقات ". وقال الحاكم:

(14/211)


@@@ 212
" روى عن جماعة من الضعفاء أحاديث موضوعة لا يرويها غيره ".

6590- (قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبواً).

كذب.
أخرجه أحمد في (مسند عائشة) (3/ 115)، وعنه ابن الجوزي
في " الموضوعات" (2/ 13)، وكذا ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (10/
124)، والبزار (3/ 209/ 2586- كشف)، والطبرا ني في "المعجم الكبير"
(1/ 89- 0 9)، وعنه أبو نعيم في " الحلية " (1/ 98) من طرق عن عمارة
ابن زاذان عن ثابت عن أنس قال:
بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتآ في المدينة، فقالت: ما هذا؟ قالوا:
عِيرلعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام، تحمل من كل شيء، قال: فكانت
سبع مئة بعير، قال: فارتجت المدينة من الصوت، فقالت عائشة: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره. فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف، فقال:
إن استطعت، لأدخلنها قائمأ! فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل.
وأخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (3/178/1381)،
وعنه ابن عساكر (10/ 117) من طريق أخرى عن عمارة بن زاذان به، وزاد في
أوله قصة هجرة عبد الرحمن رضي الله عنه إلى المدينة ومؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بينه
وبين عثمان بن عفان (كذا)... الحديث وفيه قوله صلى الله عليه وسلم :
" أولم ولو بشاةٍ"، قال: فكثر ماله، حتى قدمت له سبع مئة راحلة... الحديث.
وضعف إسناده المعلق عليه بعمارة بن زاذان، وهو كما قال أو أسوأ- كما يأتي-،
ولكنه قال:

(14/212)


@@@ 213
" ولبعضه شواهد. انظر حديث 1388 ".
والحديث الذي أحال عليه عزاه للبخاري، وهو مخرج في "الارواء" (6/ 343/
1923)، و "آداب الزفاف " (ص 149- 150)، ولكن خفي عليه أمران مهمان:
أحد هما: ذكر (عثمان بن عفان) فيه.. والمحفوظ: (سعد بن الربيع) رضي
الله عنهما؟ كما قال ابن عساكر (10/ 117).

والآخر: أن حديث الترجمة موضوع متناً- وإن كان سنده ضعيفأ-، ولذلك
أورده ابن الجوزي في "الموضوعات "، تبعاً للإمام أحمد، وتبعه الحافظ ابن حجر
- كما يأتي-، فقال ابن الجوزي عقبه:
"قال أحمد بن حنبل: هذا الحديث كذب منكر. قال: و (عمارة) يروي
أحاديث مناكير. وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به ".

وقد قعقع عليه السيوطي في " اللآلي " (1/ 412- 414) كما هي غالب
عادته! لأن الشواهد التي ساقها كلها معلولة، ويطول الحديث جداً بإخراجها،
وبيان عللها مع تضارب متونها، واختلاف ألفاظها، ولعله ييسر لي تخريج بعضها
وبيان عللها. ويكفي العاقل المنصف قولُ أحمد المتقدم، ومثله قول النسائي في
بعض تلك الشواهد:
"حديث موضوع ".
ذكره ابن الجوزي، وأقره السيوطي!
ونحو ذلك قول الحافظ ابن حجر في رسالته " القول المسددة" - بعد أن ساق
حديث أغلب بن تميم الآتي عقب هذا إن شاء الله وبعد هذا- (ص 25):

(14/213)


@@@ 214
" وفيه من النكارة أيضاً إخاء عبد الرحمن لعثمان، والذي في " الصحيحين "
أنه سعد بن الربيع.. وهو الصواب.
والذي أراه عدم التوسع في الكلام عليه، فإنه يكفينا شهادة الإمام أحمد بأنه
كذب. وأولى مجاملة أن نقول:
هو من الأحاديث التي أمر الإمام أحمد أن يضرب عليها، فيما أن يكون
الضرب ترك سهواً، واما أن يكون بعض من كتبه عن عبد الله كتب الحديث،
وأخل بالضرب. والله أعلم".
ثم بدا له أن لا يكتفي بشهادة الإمام أحمد، وأن يتوسع في الكلام عليه،
فساق أحاديث أخرى، كما فعل السيوطي من بعده، وهو تابع له في ذلك،
ومستشهداً بها، وسترى أنها غير صالحة للشهادة، إما سنداً، واما متناً. وقد أشار
إلى ذلك الحافظ المنذري في " الترغيب، (4/ 89)، فقال عقب حديث عبد الله
ابن أبي أوفى الآتي برقم (6592):

(وقد ورد من غير ما وجه، ومن حديث جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، يدخل الجنة حبواً لكثرة ماله، ولا يسلم
أجودها من مقال، ولا يبلغ منها شيء بانفراده درجة الحسن، ولقد كان ماله
بالصفة التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم المال الصالح، للرجل الصالح " (1)، فأنى
ينقص درجاته في الآخرة، أو يقصر به دون غيره من أغنياء هذه الأمة، فإنه لم يرد
هذا في حق غيره، إنما صح: " سبق فقراء هذه الأمة أغنياءهم" (2)، على
__________
(1) أخرجه البخاري في (الأدب المفرد، (299) وغيره، وهو في "المشكاة" (3756/
التحقيق الثاني).
(2) فيه أحاديث صحيحة خرج هو بعضها، وانظر " المشكاة " (5243).

(14/214)


@@@ 215
الإطلاق. والله أعلم ".
وهذا كلام قوي متين يشير إشارة قوية إلى بطلان الحديث من حيث معناه،
وهو ما صرح به ابن الجوزي، فقال (2/ 13- 14) من " موضوعاته":
" قلت: وبمثل هذا الحديث الباطل تتعلق جهلة المتزهدين، ويرون أن المال مانع
من السبق إلى الخير! ويقولون: (إذا كان ابن عوف يدخل الجنة زحفأ لأجل ماله،
كفى ذلك في ذم المال!)، والحديث لا يصح، وحاشا عبد الرحمن المشهود له
بالجنة أن يمنعه ماله من السبق! لأن جمع المال مباح، وإنما المذموم كسبه من غير
وجهه، ومنع الحق الواجب فيه، وعبد الرحمن منزه عن الحالين، وقد خلف طلحة
ثلاثمائة حمل من الذهب، وخلف الزبير وغيره، ولو علموا أن ذلك مذموم،
لأخرجوا الكل.
وكم قاصًّ يشوق بمثل هذا الحديث، ويحث على الفقر، ويذم الغنى. فيالله در
العلماء الذين يعرفون الصحيح، ويفهمون الأصول ".
قلت: ولوضوح هذا الكلام ونحوه استنكر الحديث من ليس من عادته ذلك،
أعني به الحافظ الهيثمي، فإنه قال عقبه في " كشف الأستار ":
(قلت: هذا منكر، وعلته (عُمارة بن زاذان): قال الإمام أحمد: له مناكير.
وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وضعفه الدارقطني ".
ثم قال: "لا يصح في دخوله حبواً حديث ".
وعمارة بن زاذان مع تضعيف المذكودين إياه، واستنكارهم لحديثه- كما رأيت-
فقد وثقه أحمد في بعض الروايات عنه، فلا يفيده متابعة أغلب بن تميم اياه، لأنه

(14/215)


@@@ 216
أشد ضعفأ منه، ولا سيما وقد زاد في متنه زيادة منكرة، فقال حبّان بن أغلب بن
تميم: ثنا أبي: ثنا ثابت البناني عن أنس به مرفوعاً بلفظ:
"أول من يدخل الجنة من أغنياء أمتي عبد الرحمن بن عوف، والذي نفسي
بيده! لا يدخلها إلا حبواً ".
أخرجه البزار (2587) وقال:
" وأغلب: لا نعلم روى عنه إلا ابنه".
قلت: بلى، قد روى عنه غيره، ولكنه ضعيف اتفاقأ، بل قال البخاري وغيره:
"منكر الحديث". وقال ابن حبان في " الضعفاء" (1/ 175):
" روى عنه يزيد بن هارون، منكر الحديث، يروي عن الثقات ما ليس من
حديثهم ".
وأبنه (حبان)- الراوي عنه هذا الحديث-: قال ابن أبي حاتم (1! 2/ 271):
"روى عنه أبي قديماً، ثم أمسك عنه، وقال: هو ضعيف الحديث ".
قلت: فالسند ضعيف جداً، لحال أبيه المذكور، وقد جزم بضعفه الحافظ
العراقي في " تخريج الإحياء " (3/ 266)، فقول الحافظ في " القول المسدد "
(ص 24)- وتبعه السيوطي-:
" قلت: وأغلب شبيهُ بـ (عمارة) في الضعف، لكن لم أر من اتهمه بالكذب ".
قلت: يكفي في رد الاستشهاد به شدة ضعفه الذي أشار إليه البخاري بقوله:
" منكر الحديث "- كما هو معلوم من اصطلاحه-، ومما يدل على ذلك تفرده بذكر

(14/216)


@@@ 217
(أولية الدخول) دون سائر طرق الحديث على ضعفها كلها ووهائها، وهو مثال
صالح من الأمثلة الكثيرة على أن قاعدة تقوية الحديث بكثرة الطرق ليست على
اطلاقها كما حققه العلماء، والناشئون في هذا العلم ما بين إفراط وتفريط- كما هو
معروف عند العلاء النقاد، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى-.
ولذلك كان هو من هؤلاء العلماء الذين تبعوا الإمام أحمد في قوله بتكذيب
هذا الحديث، فقال في " الفتاوى " (11/ 128):
"وما روي: أن ابن عوف يدخل الجنة حبواً، كلام موضوع لا أصل له، فإنه
قد ثبت بأدلة الكتاب والسنة أن أفضل الأمة أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان،
والعشرة مفضلون على غيرهم... ".
وأما تلميذه الحافظ الذهبي، فلم يوضح موقفه من هذا الحديث، فإنه بعد أن
ضعف اسناده بـ (عمارة بن زاذان) في "السير" (1/ 77- 78) قال متكلفاً
تأويله- وكأنه أخذ برهبة " المسند "-:
" وبكل حال، فلو تأخر عبد الرحمن عن رفاقه للحساب، ودخل الجنة حبواً
على سبيل الاستعارة وضرب المثل (!) فإن منزلته في الجنة ليست بدون منزلة
علي والزبير، رضي الله عن الكل ".

6591- (إني أعجبني لقاكم أمتي! في الجنة. فقلت: أيما؟ قال:
الصعاليك المجاهدون في سبيل الله، إني رأيت أحدهم وإنه ليمر بحجبة
الجنة فيرمي إليهم بسيفه ويقول: دونكم، لم أعط ما تحاسبوني عليه، ثم
يعتق فيدخل الجنة.

(14/217)


@@@ 218
ورأيت أبطأ الناس دخولاً الجنة النساء وذوو الأموال، وما قام
عبد الرحمن بن عوف حتى استبطأت له القيام).

منكر.
أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (1/ 406/ 705) من
طريق أرطاة بن المنذر عن حفص بن ثابت الأنصاري عن عبد الحميد بن
عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن عمته حفصة بنت عمرقالت:
كان يوم من أيامها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام في بيتها، وطالت نومته، فهبت
أن أوقظه، فأهبته، فهب من نومه محمرة عيناه، فقلت: يا رسول الله! إني هبت
أن أوقظك من نومك، فأهبتك، فقال:... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وفيه علتان:
إحداهما: الانقطاع بين (عبد الحميد بن عبد الرحمن...) وعمته حفصة،
كما أفاد ذلك الحافظ في "التهذيب " بقوله:
" أرسل عن حفصة رضي الله عنها ".
والأخرى: ضعف حفص بن ثابت الأنصاري: نسب إلى جده، فإنه (حفص
ابن عمر بن ثابت بن زرارة الأنصاري)، قال ابن أبي حاتم في " الجرح " (1/ 2/
180):
" سمعت علي بن الجنيد يقول: هو منكر الحديث ".
وأما قول أخينا الفاضل حمدي السلفي في تعليقه على الحديث في " مسند
الشاميين ":
" وفي حفص بن عمر بن ثابت كلام كثير... " فليس دقيقأ، لأنه يوهم أن

(14/218)


@@@ 219
الكلام في جرحه، وليس كذلك، فاقتضى التنبيه!
ومن العلتين المذكورتين يتبين ضعف قول الحافظ (ص 25) من " القول
المسدد" أنه شاهد قوي الإسناد! ثم مضى، ولم يتكلم عليه بشيء! وتبعه
السيوطي في "اللالي " (1/ 413)، ثم ابن عراق في " تنزيه الشريعة" (2/
15-16) !!
ثم إنه لو سلمنا بالقوة المدعاة، وأنه شاهد، فهو شاهد قاصر، بل هو شاهد
عليه لا له، لأنه رؤيا منامية قابلة للتأويل من جهة، ثم إنه ليس فيه أنه رآه يحبو
حبواً، من جهة أخرى، فبطل الاستشهاد به. فتأمل منصفاً.

ويشهد لكونه رؤيا منامية، ما رواه ابن عساكر (10/ 124) من طريق أبي
العباس السراج بسنده الصحيح إلى عمرو بن أبي عمرو [ عن ] عبد الواحد بن
محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في النوم أنه دخل
الجنة، فلم يجد فيها أحداً إلا فقراء المؤمنين، ولم يجد من الأغنياء إلا عبد الرحمن
ابن عوف. قال: رأيت عبد الرحمن دخلها حين دخلها حبواً. فأرسلت أم سلمة
إلى عبد الرحمن تبشره: رآك دخلت الجنة، ورآك دخلتها حبواً. فقال عبد الرحمن:
إن لي عيراً أنتظرها، فهي في سبيل الله بأحمالها ورقيقها، وإني لأرجو أن
أدخلها غير حبو.

قلت: وهذا مع إرساله فإن (محمد بن عبد الرحمن بن عوف) لم أجد له
ترجمة، وهو أكبر أولاده وبه يكنى. ثم رأيته في " الثقات " (5/ 354).
وابنه عبد الواحد بن محمد يبدو أنه من المجاهيل، فقد أورده البخاري وابن
أبي حاتم في " كتابيهما"، وكذا ابن حبان في " الثقات" (5/ 127) من رواية

(14/219)


@@@ 220
عاصم بن عمر بن أبي قتادة عنه عن جده عبد الرحمن بن عوف، لم يذكروا
فيه: " عن أبيه "، ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه جرحاً ولا تعديلاً،
وقال البخاري:
" قال سليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن
عاصم بن عمرو(*) بن أبي قتادة، ولم يذكر عبد العزيز عن عاصم ".
قلت: وهي رواية ابن عساكر- كما تقدم-، فلا أدري إذا كان قوله فيها:
" عن أبيه " محفوظأ.
ثم إن الحديث- مع ضعفه- يخالف الحديث الذي قبله، لأنه ذكر الاستبطاء
فقط، ولم يذكر (الحبو).
ومثله الحديث الآتي:

6592- (إئي رأيت الليلة منازلكم في الجنة، وقرب منازلكم. ثم
أقبل على أبي بكر، فقال:
يا أبا بكر! إني لأعرف رجلاً، أعرف اسمه واسم أبيه، واسم أمه،
لا يأتي باباً من أبوب الجئة إلا قالوا: مرحباً مرحباً . فقال (سلمان):
إن هذا لمرتفع شأنه يا رسول الله! قال: فهو أبو بكر [ بن ] أبي قحافة.
ثم أقبل على عمر، فقال: يا عمر! لقد رأيت في الجنة قصراً من درة
بيضاء، [ شتزفه من ] لؤلؤ أبيض، مشيد بالياقوت، فقلت: لمن هذا؟

(14/220)


@@@ 221
فقيل: لفتى من قريش. فظننت أنه لي، فذهبث لأدخله، فقال: يا
محمد! هذا لعمربن الخطاب. فما منعني من دخوله إلا غيرتك يا أبا
حفص! فبكى عمر، وقال: بأبي وأمي! أعليك أغار يا رسول الله!؟
ثم أقبل على عثمان فقال: يا عثمان! إن لكل نبي رفيقاً في الجنة،
وأنت رفيقي في الجنة.
ثم أخذ بيد! علي فقال: يا علي! أوما ترضى أن يكون منزلك في
الجنة مقابل منزلي؟
ثم أقبل على طلحة والزبير، فقال: يا طلحة! ويا زبير! إن لكل نبي
حواري، وأنتما حواريَّ.
ثم أقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال: لقد بطىْ بك عني من
بين أصحابي حتى حسبت أن تكون هلكت، وعرقت عرقاًشديداً،
فقلت: ما بطأ بك؟ فقلت: يا رسول الله! من كثرة مالي، ما زلت
موقوفاً (1) محاسباً، أسأل عن مالي من أين اكتسبت؟ وفيما أنفقته؟).

منكر موضوع !
لوائح التركيب والصنع والوضع عليه لائحة. أخرجه البزار
(3/ 18 2/ 6 0 26- كشف الأستار) وابن عساكر في " التاريخ " (10/ 123-
124) من طريق عمار بن سيف عن اسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي
أوفى قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه أجمع ما كانوا، فقال:... فذكره.
__________
(1) الأصل: (موثوقاً).. والتصحيح من مصورة الأصل (ق 244/ 1)، و"تاريخ ابن عساكر
" و" القول المسدد ".

(14/221)


@@@ 222
وأخرج منه أبو نعيم في " الحلية" (1/ 99) قصة عبد الرحمن بن عوف
فقط، وزادوا- والسياق كله للبزار-:
فبكى عبد الرحمن وقال: يا رسول الله! هذه مئة راحلة، جاءتني الليلة من
تجارة (1) مصر، فإني أشهدك أنها على أهل المدينة وأبنائهم، لعل الله يخفف عني
ذلك اليوم ".
وقال الهيثمي عقبه:
" قلت: هذا الذي في حق عبد الرحمن بن عوف لا يصح، وعمار بن سيف
منكر الحديث. قال البزار: عمار بن سيف صالح، ولا نعلم هذا يروي عن ابن أبي
أوفى إلا بهذا الإسناد. قلت: البزار يتساهل في التوثيق، وهذا الحديث ضعيف ".

قلت: الظاهر أن البزار لا يعني بقوله: "صالح ": صالح الحديث، وانما في
العبادة. ويؤيده أنه ضعفه في روايته، وبذلك تأوله الحافظ في " التهذيب "، فقال
- بعد أن حكى أقوال الأئمة فيه توثيقاً وتجريحاً-:
" وقال البزار: ضعيف، وقال في موضع آخر: صالح. يعني: في نفسه ".
وهذا هو الذي انتهى رأي الحافظ إليه جمعأ بين الأقوال المشار اليها، فقال في
" التقريب ":
" ضعيف الحديث، عابد ". وجزم بضعفه في "القول المسدد " (ص 26)،
ونحوه قول الذهبي في " الكاشف ":
__________
(1) الأصل: (بحارة)، وعلق عليه الشيخ الأعظمي بقوله: " البحرة: البلدة، والعرب تسمي
المدن والقرى البحار ".
قلت: هذا لا غبار عليه لغة، لكن الشيخ لم يحسن قراءة الأصل فإنه فيه (بحاره).. مهملاً
دون إعجام، والصواب ما أثبته- كما في المصدرين المذكورين أنفاً-.

(14/222)


@@@ 223
" صالح عابد، ضعفه أبو حاتم ".
قلت: وهذا تلخيص منه لقول أبي حاتم في "الجرح " (3/ 1/ 393):
"كان شيخاً صالحاً، وكان ضعيف الحديث، منكر الحديث ". وقال المنذري
في (الترغيب) (4/ 89):
"رواه البزار- واللفظ له- والطبراني، ورواته ثقات إلا عمار بن سيف وقد وثق ".
قلت: فأشار بقوله: " وقد وثق " إلى تليين توثيقه، وأكد ذلك بكلامه الذي
نقلته في الحديث (6590) وخلاصته: أن الحديث المذكور هناك لا يبلغ شيء من
طرقه بانفراده درجة الحسن، وأنه منكر من حيث متنه.

فأقول: وهذا مثله في النكارة وأشد بالنسبة لسياقه الطويل، فإن الصنع والوضع
ظاهر عليه- كما ذكرت في مطلع التخريج-، وليس من الضروري أن يكون ذلك
قصداً، فقد يكون سهواً بسبب الانصراف عن العناية بحفظ الحديث وضبطه،
والانشغال بكثرة العبادة، كما هي عادة طاثفة من الرواة الصالحين، كما هو معروف
من أقوال الحفاظ وتراجمهم لبعضهم، وبخاصة منهم ابن حبان- كما هو قوله في
عمار هذا نفسه-، ففي كتابه " الضعفاء " (2/ 195):
"كان ممن يروي المناكير عن المشاهير، حتى ربما سبق إلى القلب أنه كان
المتعمد لها ".
والذي أريد أن أنتهي إليه أن (عماراً) هذا: إذا كان صلاحه منعه من تعمد
الوضع، فلا أقل من القول بأنه غلب على أمره، واختلطت عليه بعض الأحاديث
الصحيحة، فتركب منها في ذهنه هذا الحديث الطويل الغريب، وزاد في بعضها

(14/223)


@@@ 224
زيادات لا أصل لها فيها، وساق فيه بعض فضائل الخلفاء الأربعة وطلحة والزبير،
وساقها سياقاً واحداً، وألحق في آخره قصة عبد الرحمن هذه، على أنها من تمام
الرؤيا، كما أنه زاد فيها جملة الاكتساب والإنفاق، وهي كذلك معروفة في بعض
الأحاديث الصحيحة، ثم هي مع ذلك أقل نكارة من الحديث المتقدم برقم (6590):
" يحبو حبواً،! لأنها رؤيا، وفيها الاستبطاء، فحديثها من هذه الحيثية كحديث
حفصة المخرج قبله، والحديث المرسل المخرج تحته.

ومثله حديث مطرح بن يزيد عن عبيد الله بن زحرعن علي بن يزيد عن
القاسم عن أبي أمامة مرفوعأ بلفظ:
" دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة بين يدي... " الحديث بطوله، وفيه
قصة استبطائه عبد الرحمن بن عوف نحو ما في حديث الترجمة. وقد سقت
لفظه بتمامه وخرجته فيما تقدم برقم (5346)، وبينت أنه ضعيف جداً، مسلسل
بالعلل. وأزيد هنا فأقول:
إن ابن الجوزي أورده من هذا الوجه في " الموضوعات " (2/ 140) وقال:
"لايصح ".
وإن الطبراني لفظه: "رأيت البارحة كأني دخلت الجنة...،. وكذلك رواه
ابن عساكر (10/ 123).
قلت:- فهي رؤيا منامية أيضأ، لوصحت.
ويخالف هذه الأحاديث، ويتفق في الجملة مع الحديث الأول رقم (6590)،
ولكنه لا يصح أيضاً وهو:

(14/224)


@@@ 225
6593- (يا عبد الرحمن! إنك من الأغنياء، ولن تدخل الجنة إلا
زحفاً، فأقرض الله يطلق قدمك.
فقال عبد الرحمن: ما الذي أقرض أو أخرج؟ (وفي رواية: وما
الذي أقرض الله يا رسول الله! قال: تبدأ بما أمسيت فيه. قال: أمن كله
أجمع يا رسول الله!؟ قال: نعم)، وخرخ عبد الرحمن [ وهو يهئم بذلك]،
فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [ إن جبريل قال:] مر عبد الرحمن
فليضف الضيف، وليطعيم المسكين، وليعط السائل، [ ويبدأ بمن يعول ]،
فإن ذلك يجزيه من كثيرٍ مماهو فيه).

منكر جداً، بل موضوع.
أخرجه الحاكم (3/ 311)، وابن سعد في
" الطبقات" (3/ 31 1- 32 1)، والبزار في " مسنده" (3/209 - 210/
2588)، وأبو نعيم في " الحلية " (1/ 99)، وابن عساكر (10/122 - 123)
من طريق خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن إبراهيم
ابن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :... فذكره،
والسياق للبزار، والزيادات لابن سعد والحاكم وقال:
" صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله:
" قلت: خالد ضعفه جماعة، وقال النسائي: ليس بثقة".
وقال العراقي في "تخريج الإحياء " (3/ 266) متعقبأ الحاكم أيضأ:
" قلت: بل ضعيف، فيه خالد بن أبي مالك، ضعفه الجمهور ". وقال الحافظ
في "التقريب":

(14/225)


@@@ 226
" ضعيف، مع كونه فقيهاً، وقد اتهمه ابن معين ".
ومما تقدم [ تعلم ] أنه تسامح معه حين اقتصر على قوله فيه في كتابه "القول
المسدد" (ص 25):
" وفي هذا السند ضعف ".
ولقد كان أقوى منه حكماً شيخه الهيثمي- على خلاف العادة-، فقال عقب
الحديث في " كشفه ":
" قلت: لا يثبت في هذا شيء، وقد شهد عبد الرحمن بدراً. وشهد صلى الله عليه وسلم له
بالجنة، وهو أحد العشرة، فلا نلتفت إلى أحاديث ضعيفة".
هذا، ومن الملاحظ أن الحديث تميز في النكارة على أحاديث (الحبو)
المتقدمة: أنه زاد فيه أمر عبد الرحمن بالخروج من ماله كله، ثم تراجع عنه بأمر
جبريل بالإبقاء عليه، مع الأمر بإطعام الضيف وغيره مما ذكره، فكأن راويه يرد بهذه
الزيادة على الذين استدلوا بتلك الأحاديث على ذم المال، والحض على الخروج منه
من المتزهدين، وقد ذكرنا كلام ابن الجوزي في الرد عليهم فيما تقدم تحت الحديث (6590).

6594- (نعم الفرس تحتكما، ونعم الفارس هما. يعني: الحسن
والحسين رضي الله عنهما).

ضعيف جداً.
روي عن عمر، وسلمان، وأبي جعفر الباقر مرسلاً، رضي الله
عنهم جميعاً، والأسانيد عنهم واهية، وإليك البيان:

(14/226)


@@@ 227
1 - أما حديث عمر: فيرويه علي بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبيد الله
ابن أبي رافع عن زيد بن أسلم عن أبيه عنه.
أخرجه البزار في " مسنده" (3/ 225/ 2621- كشف الأستار) من طريق
الحسن بن عنبسة، وأبو يعلى في " المسند الكبير " من طريق الحسين الأشقر-
كما في "المجمع " (9/ 182)، و" المقصد العلي " (2/ 1 0 2/ 1366)،
و" المطالب العالية المسندة " (ق 64/ 1)-، وابن عدي في "الكامل " (2/
366) عن شيخه أبي يعلى، وقال البزار:
" لا يروى إلا عن عمر بهذا الإسناد، ولم يتابع محمد بن عبيد الله على
هذا ". وقال ابن عدي:
"والبلاء فيه من علي بن هاشم، لامن حسين ".
كذا قال! ولا وجه للحمل فيه على (علي بن هاشم)، فقد وثقوه، وروى له
مسلم، ومن الموثقين ابن عدي نفسه، فقد ترجمه في " الكامل " وختمها بقوله:
" وقد حدث عنه جماعة من الأئمة، وهو- إن شاء الله- صدوق في روايته ".
قلت: يشير إلى أنه كان يتشيع، وأن ذلك لا يضر في حديثه، لأنه صدوق،
وهو الحق.
وإذ الأمر كذلك، فالصواب خلاف ما ادعى من البلاء، أعني: أن البلاء من
الراوي عنه عنده: الحسين الأشقر، لأن فيه كلاماً كثيراً، حتى كذبه بعضهم،
وابن عدي نفسه ذكر له في ترجمته بعض المناكير وقال في أحدها: " البلاء منه "!
وسيأتي تخريجه برقم (6595). وذكر له الذهبي حديثاً آخر، وقال: "باطل "،

(14/227)


@@@ 228
وهو مخرج في المجلد الثامن منها برقم (3913)، وتقدمت له أحاديث أخرى
واهية في مجلدات أخرى منها- أعني: " الضعيفة "-، فليراجع من شاء فهارسها
الخاصة بالرواة المترجم لهم.
ومع ذلك كله فهناك من وثقه، فقال ابن معين: " صدوق "، وذكره ابن حبان
في " الثقات " (8/ 184)، ولكنه لم يخرج له في "صحيحه " شيئاً، وقال
الحافظ في " التقريب ":
"صدوق يهم، ويغلو في التشيع".
ومهما يكن من أمر، فالحمل عليه في هذا الحديث غير وارد لوجهين:

أحدهما: أنه قد تابعه عند البزار- كما تقدم- (الحسن بن عنبسة). وقد
ترجمه ابن أبي حاتم (1/ 2/ 31) برواية ثلاثة من الثقات، ويلحق بهم رابع،
وهو: الجراح بن مخلد، شيخ البزار فيه، وقد وثقه ابن حبان (8/ 164) والبزار
وغيرهما، وعلى هذا فـ (الحسن بن عنبسة) هو على شرط ابن حبان لرواية هؤلاء
الثقات عنه، فكان عليه أن يذكره في " ثقاته " ولم أره فيه!
والمقصود أن هذه متابعة قوية من (الحسن) لـ (الحسين)، فكأنه من أجلها
انصرف ابن عدي عن إعلاله بـ (الحسين) إلى إعلاله بـ (علي بن هاشم)، لكن
فيه ماعرفت.
والوجه الآخر: أن شيخ (علي بن هاشم)- وهو: (محمد بن عبيد الله بن
أبي رافع)- هو العلة، فإنه من المتفق على تضعيفه، ولقد أحسن البزار بالإشارة
إلى ذلك بقوله فيما تقدم:

(14/228)


@@@ 229
" ولم يتابع عليه ".
فالعجب من ابن عدي كيف غفل عنه، وقد ساق له في ترجمته (5/ 113)
عدة أحاديث منكرة، بعد أن روى عن البخاري أنه " منكر الحديث"، ومنها
حديث طنين الأذن، وقد تقدم تخريجه في " الضعيفة" (2631)، وقال ابن
عدي:
" هو في عداد شيعة الكوفة، ويروي من الفضائل أشياء لا يتابع عليها".
وأما ابن حبان فشذ عن الجماعة، فوثقه! لكنه عاد إليهم؟ فأورده في
" الضعفاء " وقال:
" منكر الحديث جداً". وكذا قال أبو حاام. انظر كتابي " تيسير انتفاع الخلان".
إذا عرفت هذا، فمن الأوهام الفاحشة قول الهيثمي في " المجمع" (9/ 82):

"رواه أبو يعلى في " الكبير "، ورجاله رجال الصحيح، ورواه البزار بإسناد
ضعيف"!!
قلت: فرقٌ بين إسناديهما مع أن مدارهما على (علي بن هاشم)، فهو إسناد
واحد، لكن هناك فرق شكلي- لعله من سبب الوهم- وهو أن (محمد بن عبيد الله
ابن أبي رافع) لم يقع مسمى في رواية أبي يعلى، ولكن هكذا: (ابن أبي رافع)،
فتوهم الهيثمي أنه (عبيد الله بن أبي رافع) والد محمد، وهو من رجال "الصحيح"
ولم يتأمل في رواية البزار الكاشفة عن أنه ولده! هذا يمكن أن يوجه وهمه فيه،
ولكن ما وجهه، وفي سند أبي يعلى (الحسين الأشقر) وهو مع ضعفه الشديد
ليس من رجال (الصحيح)؟! ليس إلا كونه بشراً. والمعصوم من عصمه الله تعالى.

(14/229)


@@@ 230
ولم يتنبه لهذا الوهم الفاحش الشيخ الأعظمي، قأره في تعليقه على "كشف
الأستار"، وذلك من شؤم التقليد، والنأي عن التحقيق! وكذلك أقره الدكتور
المعلق على " البحر الزخار " (1/ 418)!
ثم جاء من بعدهم من ليس في العير ولا النفير، فحذا حذوهم، وهو المدعو:
(سيد كسروي حسن)، وزاد عليهم أنه صدر كلام الهيثمي بقوله في تعليقه على
" المقصد العلي ": " إسناده حسن، وذكره الهيثمي... " إلخ. جاهلاً أو متجاهلاً
ما قيل في (الحسين الأشقر)، قانعاً بمقولة الحافظ المذكورة فيما تقدم!
وبهذا ينتهي الكلام على إسناد حديث عمر، وخلاصته: أنه ضعيف جداً،
من أجل (محمد بن عبيد الله بن أبي رافع).

2- أما حديث سلمان: فيرويه الطبراني في " المعجم الكبير" (3/ 62/
2677): حدثنا الحسين بن محمد الحناط (!) الرامهرمزي: ثنا أحمد بن رشد
ابن خثيم الهلالي: ثنا عمي سعيد بن خثيم: ثنا مسلم الملائي عن حبة
العرني وأبي البختري عن سلمان قال:
كنا حول النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاءت أم أيمن، فقالت: يا رسول الله! لقد ضل الحسن
والحسين... الحديث بطوله، وفيه:
أنهم لما طلبوهما، وجدوهما في سفح جبل، ملتزق أحدهما بأخيه، خوفاً من
شجاع قائم على ذنبه، يخرج من فيه شبه النار، فلما جاءهما النبي صلى الله عليه وسلم ، انساب
الشجاع، وقال لهما:
" بأبي وأمي أنتما، ما أكرمكما على الله! ".

(14/230)


@@@ 231
ثم حمل أحدهما على عاتقه الأيمن، والآخر على عاتقه الأيسر، فقلت، طوبا
لكما؟ نعم المطية مطيتكما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ونعم الراكبان هما، وأبوهما خير منهما ".
قلت: وهذا إسناد واه جداً، مسلسل بالعلل والضعفاء، وبعضهم من الشيعة.
فلنبدأ ببيان ذلك فأقول:
1 - الحسين بن محمد الحناط، كذا وقع هنا بالنون، وفي "المعجم الصغير "
و" الأوسط " في حديث آخر له " الخياط " بالمثناة التحتية، وهو مخرج في "الروض
النضير " (480)، ولم أجد له ترجمة، ولم يورده الشيخ الأنصاري في كتابه
النافع " بلغة القاصي "، ويحتمل عندي أن يكون الذي في " تاريخ بغداد " (8/
92):
" الحسن بن محمد بن عبد الرحمن أبو علي الخياط، صاحب بشر الحافي ".
فإنه من هذه الطبقة، فقد ذكر أنه توفي سنة (282)، وقال:
"كتب الناس عنه شيئأ من حكاياته، وبعض أطرافه من الحديث فيما قيل لنا".
2- أحمد بن رشد بن خثيم الهلالي: لم يوثقه أحد غير ابن حبان (8/ 40)،
لكن اتهمه الذهبي بحديث باطل في ذكر بني العباس، وقال:
" فهو الذي اختلقه بجهل ".
وقد سبق تخريجه برقم (6145)، وأرى أن حديثه هذا الطويل نحو ذاك بما
فيه من ضلال الحسنين، وانطوائهما على أنفسهما خوفاً من (الشجاع...) إلخ،
فإني أشعرأن يد الصنع فيه ظاهرة، وبخاصة أن فيه بعض الضعفاء من غلاة

(14/231)


@@@ 232
الشيعة- كما يأتي-. والله أعلم.
3- عمه (سعيد بن خثيم): قال الحافظ في " التقريب":
"صدرق، رمي بالتشيع، له أغاليط". وقال الذهبي في "المغني":
" وثقه ابن معين. وقال الأزدي: منكر الحديث. وقال ابن عدي: مقدار ما
يرويه غير محفوظ ".
4- مسلم الملائي- هو: ابن كيسان الأعور-: قال الذهبي في "المغني":
"تركوه ". وقال الحافظ:
"ضعيف".
5- حبة العرني- هو: ابن جوين-: قال الذهبي:
" من الغلاة، حدث أن علياً كان معه بصفين ثمانون بدرياً! قال السعدي:
غير ثقة ". وقال في "التقريب ":
"صدوق له أغاليط، وكان غالياً في التشيع ".
والجمهور على تضعيفه، وتناقض فيه ابن حبان، فأورده في "الضعفاء " (1/
267) وقال:
" كان غالياً في التشيع، واهياً في الحديث، قال ابن معين: ليس بشيء ".
وأورده في "الثقات " (4/ 182)! لكنه قال- كما في نسخةٍ-:
"ضعيف"!

(14/232)


@@@ 233
لكني أخشى أن تكون مدرجة من بعض النساخ، لأنها شاذة عن أسلوب
المؤلف في كل تراجم " ثقاته "، وإن كان فيها من صرح بأنه أدخله في " الضعفاء "
مثل (مصعب بن ثابت بن عبد الله الزبيري)، وانظر في آخر كتابي " تيسير
الانتفاع " (فهرس الرواة الذين ضعفهم المؤلف). ويؤيد شذوذها أنها لم ترد في
كتاب الهيثمي " ترتيب الثقات ". والله أعلم.

ولا تتقوى رواية (حبة العرني) لهذا الحديث، أن الراوي قرن معه (أبا
البختري)- واسمه: سعيد بن فيروز، وهو- ثقة ثبت، لأنه لم يسمع من سلمان،
كما في "التهذيب " وغيره.
والحديث قال الهيثمي في "مجمع الزوائد " (9/ 182):
"رواه الطبراني، وفيه أحمد بن راشد (!) الهلالي، وهو ضعيف "!

3- أما حديث أبي جعفر: فيرويه جابر عنه قال:
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحسن والحسين وهو حاملهما على مجلس من مجالس
الأنصار، فقالوا: يا رسول الله! نعمت المطية! قال:

" ونعم الراكبان ".
أخرجه ابن أبي ضيبة في "المصنف " (2 1/ 2 0 1/ 2243 1).
قلت: وهذا مع إرساله ضعيف جداً، فإن جابراً هذا، هو: ابن يزيد الجعفي،
وفيه كلام كثير، وقد كذبه بعضهم، وهو رافضي، وقيل: إنه كان يؤمن برجعة
علي! وهو إلى ذلك مدلس وقد عنعنه- كما ترى-.
وبالجملة، فالحديث ضعيف جداً من جميع طرقه، ومدارها كلها على بعض

(14/233)


@@@ 234
الضعفاء من الشيعة وغيرهم، وقد روي بلفظ أنكر من هذا، من حديث جابر بن
عبد الله الأنصاري، وسبق تخريجه في المجلد السادس برقم (2661).
نعم، روي بإسناد آخر ضعيف من رواية زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام
عن عكرمة عن ابن عباس قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل الحسن بن علي على عاتقه، فقال رجل: نعم
المركب ركبت يا غلام! فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" ونعم الراكب هو ".
أخرجه الترمذي (3785)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق، (4/512)
من طريق أبي يعلى، وليس هو في " مسنده "، وقال الترمذي:

" هذا حديت غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وزمعة بن صالح قد ضعفه
بعض أهل العلم من قبل حفظه ". وقال الحافظ في " التقريب":

"زمعة بسكون الميم... ضعيف، وحديثه عند مسلم مقرون".

فهذه الطريق خير الطرق كلها، وأخفها ضعفاً. والله أعلم.

6595- (كان يقسم غنائم خيبر، وجبريل عليه السلام إلى جنبه،
فجاء ملك فقال: إن ربك عز وجل يأمرك بكذا وكذا، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم
أن يكون شيطاناً، فقال لجبريل عليه السلام: تعرفه؟ فقال: هو ملك،
وما كل ملائكة ربك أعرف).

منكر جداً.
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (2/ 361- 362)، ومن
طريقه ابن الجوزي في " العلل " (1/ 74 1/ 278) عن الحسين بن الحسن

(14/234)


@@@ 235
الأشقر: ثنا هًشيم عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال:...
فذكره. وقال ابن عدي:
"وهذا حديث منكر [ جداً ] بهذا الإسناد، وما رواه غير الحسين الأشقر،
والبلاء عندي منه. قال البخاري: عنده مناكير ".
والزيادة من "العلل "، وزاد أيضاً:
"وقال أبو معمر الهذلي: هو كذاب".

6596- (اكتبوا العلم قبل ذهاب العلماء، وإنما ذهاب العلم موت
العلماء).

موضوع.
أخرجه ابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد " (17/ 260) من طريق
محمد بن زياد عن ميمون بن مهران عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً.
قلت: وهذا موضوع، آفته (محمد بن زياد)- وهو: اليشكري الميموني
الطحان-: في " مغني الذهبي ":
"قال أحمد: كذاب خبيث يضع الحديث. وقال الدارقطني: كذاب".
قلت: وقد تقدمت له عدة أحاديث، فلتراجع بواسطة فهرس الرواة المترجم
لهم في المجلدات المطبوعة.

6597- (يا معاذ! إني قد عرفت الذي لقيت في سبيل الله وفي
سنتي، وما ذهب من مالك؟ فإني قد أحللت الهدية، فما أهدي لك من
شيء في إمرتك؟ فهو لك هنيئاً مريئاً، وليست لأحدٍ من الأمراء بعدك).

(14/235)


@@@ 236
منكر جداً. أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (3/ 281) عن سيف
ابن عمرعن سهل بن يوسف بن سهل الأنصاري عن أبيه عن عبيد بن صخر بن
لوذان رفعه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، سيف بن عمر: متروك متهم.
ويوسف بن سهل الأنصاري: غير معروف- كما تقدم بيانه تحت
الحديث (5440)-.
ومن هذا الوجه أخرجه البغوي والطبري وابن السكن وقال:
" ولم يصح "- كما نقلته هناك-. لكن رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"
(16/ 618) من طريق البغوي: حدثني السري بن يحيى أبو عبيدة التميمي: نا
سهل بن يوسف به، وزاد:
" فرجع بثلاثين رأساً ".
فهذه متابعة قوية، فإن السري هذا صدوق- كما تقدم ثمة-. وفي النفس من
ثبوتها شيء- كما شرحت هناك، فلا داعي للإعادة-.
وله عند ابن عساكرطريق أو شاهد من رواية محمد بن سعيد عن عبادة بن
نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال:
لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال لي:
"لقد علمت الذي لقيت في أمر الله وفي سببي... " الحديث نحوه، وهو
حديث طويل فيه عدة وصايا.

(14/236)


@@@ 237
ومحمد بن سعيد- هو: المصلوب-! زنديق كذاب، مشهور بذلك.

6598- (قد كنت أنهاك عن حبَّ يهود).
ضعيف.
أخرجه أبو داود (3094)، والحاكم (1/ 341)- من طريق
محمد بن سلمة-، وأحمد (5/ 201)- من طريق يحيى بن زكريا بن أبي
زائدة، كلاهما قالا:- عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن أسامة بن
زيد قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود عبد الله بن أُبي في مرضه الذي مات فيه، فلما
دخل عليه، عرف فيه الموت، قال:... فذكره. قال:

" فقد أبغضهم سعد بن زرارة فمه؟"، وقال يحيى: " فمات "! وزاد محمد
ابن سلمة:
" فلما مات، أتاه ابنه، فقال: يا رسول الله! إن عبد الله بن أبي قد مات،
فأعطني قميصك، أكفنه فيه، فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه، فأعطاه إياه ". وقال
الحاكم :
" صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!

كذا قالا! ولا يخفى ما فيه من التساهل، فإن ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم
في الشواهد، زإن في حفظه شيئأ، ولذلك فهو حسن الحديث فقط- كما ذكر ذلك
الذهبي نفسه في "الميزان"-، وحكى عن الإمام أحمد أنه كثير التدليس جداً،
فهو حسن الحديث، إذا صرح بالتحديث، وقد روي هذا عنه في هذا الحديث، فقد
أخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " (5/ 285) من طريق أحمد بن عبد الجبار:

(14/237)


@@@ 238
حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثنا الزهري به إلى قوله: "فمه"
بلفظ:
" أما والله! إن كنت لأنهاك...".
قلت: ابن عبد الجبار فيه كلام كثير واختلاف شديد، ما بين مكذب له،
ومثن عليه خيراً، وموثق. وقال الحافظ في " التقريب":
"ضعيف، وسماعه للسيرة صحيح".

قلت: فمثله لا تطمئن النفس لزيادته التحديث على ذينك الثقتين، محمد
ابن سلمة ويحيى بن زكريا اللذين روياه عن ابن إسحاق قال: (عن) دون
التحديث، فهي زيادة من غير ثقة، فتكون منكرة، فإن ثبتت في رواية أحد من
الثقات، فالحديث حسن، وإلا، بقينا على التضعيف، وهذا هو الذي يُلزِمُنا به علم
الحديث.

وفي أثناء تحريري لهذا التحقيق انكشفت لي أوهام أو تساهلات لبعض من
حفاظ الحديث، لعله من المفيد بيانها:
أولاً: تصحيح الحاكم والذهبي- كما تقدم-! وقال ابن القيم في "أحكام
أهل الذمة " (1/ 202):
" وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه عاد عبد الله بن أبي، رأس المنافقين". وأظن أنه يعني
هذا.

ثانياً: جزم الحافظ ابن كثير في " البداية " بقوله (5/ 34):
"قال محمد بن إسحاق: حدثني الزهري... " دون أن يعزوه لأحد! والظاهر

(14/238)


@@@ 239
أن مستنده في ذلك رواية البيهقي المصرحة بالتحديث- وإن لم يكن التحديث
سبق قلم منه، فقد عزاه في "تفسيره " (2/ 69) لرواية أحمد التي فيها العنعنة
دون التحديث-.
ثالثاً: عزا الحافظ ابن حجر (التحديث) في " تخريج الكشاف، (ص 78)
إلى " مستدرك الحاكم " في (الجنائز)، يعني: المكان الذي سبقت الإشارة إليه
بالجزء والصفحة، وهو فيه معنعن- كما عرفت-. وقد تبين لي السبب بعد البحث
والتنقيب، فقد رجعت إلى كتاب " تخريج الكشاف" للحافظ الزيلعي، الذي هو
أصل كتاب "تخريج العسقلاني "، فإذا هو فيه (ص 268- المصورة)[ معزواً ]
للحاكم في الموضع المذكور، والبيهقي في "الدلائل "! فاختصر العسقلاني هذا المصدر
الثاني الذي فيه التحديث، فحصل الخطأ المذكور. والمعصوم من عصمه الله تعالى.
رابعأ: وقع الحديث في "جامع الأسانيد " لابن كثير (1/ 236) من رواية
أحمد بزيادة- بعد قوله:" فمات ":
"فمانفعه".
ولا أصل لهذه الزيادة عنده ولا عند غيره ممن ذكرنا في التخريج، وغفل عن
ذلك الدكتور القلعجي، وزاد- ضغثأ على إبالة- فعزاه لأ بي داود، مؤكدأ أنه حَوَّاشٌ
قمّاشٌ!
نعم، رويت هذه الزيادة مكان المزيد عليها بإسناد مظلم في "دلاثل النبوة "،
من طريق الحسن بن الجهم: حدثنا الحسين بن الفرج: حدثنا الواقدي قال:...
فذكر الحديث، وفيه قول عبد الله بن بي بن سلول: " قد أبغضهم أسعد (!) بن
زرارة فما نفعه؟ ثم قال: يا رسول الله! ليس هذا بحين عتاب! هو الموت، فإن

(14/239)


@@@ 240
مت، فاحضر غسلي، وأعطني قميصك أكفن فيه. فأعطاه رسول الله مع قميصه
الأعلى، وكان عليه قميصان ؛ فقال ابن أبي: أعطني قميصك الذي يلي جلدك.
فنزع قميصه الذي يلي جلده فأعطاه. ثم قال: وصلّ عليّ واستغفر لي.

قلت: وهذا إسناد معضل هالك، والواقدي: متهم بالكذب.
والحسين بن الفرج قال ابن معين:
" كذاب يسرق الحديث ".
والحسن بن الجهم: لم أعرفه.
والمتن منكر جداً، ولا يصح منه إلا إعطاؤه صلى الله عليه وسلم القميص، وصلاته عليه
بطلب ابنه ذلك منه صلى الله عليه وسلم ، وهذا القدر في " الصحيحين "، وهو مخرج في "أحكام
الجنائز " (ص 95).

ونحو حديث الترجمة ضعفاً ومتناً: ما رواه عبد الرزاق في" تفسيره " (1/ 2/
284- 285)، وابن جرير أيضاً (0 1/ 42 1) بسند رجاله ثقات عن قتادة في
قوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً} قال:

أرسل عبد الله بن أبي بن سلول- وهو مريض- إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما دخل
عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، قال له:
" أهلكك حب يهود".

قال له: يا رسول الله! إنما أرسلت إليك، لتستغفر لي، ولم أرسل إليك،
لتؤنبني! ثم ساله عبد الله أن يعطيه قميصه يكفن فيه، فأعطاه إياه... الحديث.

(14/240)


@@@ 241
وهذا مرسل أو معضل.
وروى الحكم بن أبان عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قال ابن عباس:
لما [ كان ] مرضُ عبد الله بن أبي الذي مات فيه، جاءه النبي صلى الله عليه وسلم ، فتكلما
بكلام بينهما، فقال عبد الله: قد فهمت ما تقول، امنن عليّ، فكفني في
قميصك، وصل عليّ. فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه ذلك وصلى عليه.

قال ابن عباس: والله أعلم أي صلاة كانت، وما خادع محمد صلى الله عليه وسلم إنساناً
قط.
أخرجه عبد الرزاق في " المصنف" (3/ 538/ 6627)، ومن طريقه
الطبراني في "المعجم الكبير" (1 1/ 235- 236)، وقال الهيثمي في "المجمع "
(7/ 33):

"رواه الطبراني، وفيه الحكم بن أبان، وثقه النسائي وجماعة، وضعفه ابن
المبارك، وبقية رجاله رجال الصحيح".

قلت: والحكم هذا وثقه الذهبي في " الكاشف "! وقال الحافظ في
"التقريب ":

" صدوق عابد، وله أوهام".
قلت: فمثله يمكن تحسين حديثه، ولعله الذي ثبته ابن القيم، وليس حديث
الترجمة كما ظننت أولاً، فإنه يلتقي معه في عيادته صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي المنافق.
والله أعلم.

(14/241)


@@@ 242
6599- (انبسطُوا في النفقة في شهر رمضان، فإن النفقة فيه
كالنفقة في سبيل الله).

منكر.
أخرجه ابن أبي الدنيا في "فضائل رمضان " (52/ 24) من طريق
أبي بكر بن أبي مريم عن صخرة بن حبيب وراشد بن سعد مرنوعاً.

قلت: وهذا مع إرساله ضعيف، لحال أبي بكر بن أبي مريم، فإنه كان اختلط،
ولذلك ضعفوه، بل قال الدارقطني:
"متروك".

وساق له الذهبي في "الميزان " بعض المنكرات.

6600- ( لا يقطع صلاة المسلم شيء إلا الحمار، والكافر، والكلب
والمرأة).

منكر بذكر: "الكافر ".
أخرجه أحمد (6/ 84- 85) وابن جرير في
" تهذيب الآثار " (ص 310/ 584- الجزء المفقود، تحقيق علي رضا) من طريق
راشد بن سعد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره.
فقالت عائشة: يا رسول الله! لقد قُرِنّا بدواب سوء.

قلت: وإسناده ضعيف، رجاله ثقات كلهم، غير أن راشد بن سعد لم يذكروه
في الرواة عن عائشة رضي الله تعالى عنها، لا في ترجمته، ولا في ترجمتها،
الأمر الذي يشعر بغرابة روايته عنها وسماعه منها. ويؤيد ذلك أمور يعل بها الحديث:

(14/242)


@@@ 234
أحدها: أنهم ذكروا في ترجمته أنه روى عن بعض الصحابة، ولم يسمع
منهم، وتاريخ وفاتهم قريب من تاريخ وفاتها، مثل سعد بن أبي وقاص- وهو مدني
مثلها-، وقد توفي سنة (55)، وهي سنة (57)، وهو سنة (158).
والثاني: أنه يستنكر جداً أن ينسب إليها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول
الحديث، فتقابله بقولها: " لقد قرنا بدواب سوء "! وهي الصدّيقة الأديبة الفقيهة
رضي الله عنها.

والثالث: أن المحفوظ من طرق صحيحة عنها في "الصحيحين" وغيرهما أنها
خاطبت بذلك بعض التابعين حينما ذكر عندها ما يقطع الصلاة: الكلب، والحمار،
والمرأة الحائض، فقالت: شبهتمونا بالحمير والكلاب! والله! لقد رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وأنا على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة... الحديث. وأحد
طرقه في "صحيح أبي داود " (706). وفي رواية لمسلم (2/ 65) أن عروة هو
الذي قال ذلك، فقالت: إن المرأة لدابة سوء! ففيه إشعار قوي بأنها لم تسمع
الحديث منه صلى الله عليه وسلم ، وإنما من أولئك المشار إليهم، ولذلك قالت لهم: شبهتمونا...
إلخ محتجة بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي مضطجعة بينه وبين القبلة، وإن كانت هذه
الصلاة لا تنافي حديث القطع، لأن اضطجاعها ليس مروراً- كما حققه العلماء- .

والمقصود تبرئة السيدة من أن ينسب إليها مجابهة حديث النبي صلى الله عليه وسلم بتلك
الكلمة بمثل هذا الإسناد المنقطع.

وأيضاً: ففيه ذكر (الكافر)، وهو خلاف الأحاديث الصحيحة التي اقتصرت
على ذكر الثلاثة المذكورة دونه، وهي من حديث أبي ذر وعبد الله بن مغفل، وأبي
هريرة، وأبي سعيد، وغيرهم، وقد خرجتها في "الروض النضير" (956)،

(14/243)


@@@ 244
وبعضها في "صحيح أبي داود " (699، 700).
نعم، جاء ذكر (اليهودي والمجوسي) في حديث لابن عباس، لا يصح
إسناده، وهو مخرج في "ضعيف أبي داود " (110)، وهو خلاف الصحيح عن
ابن عباس مرفوعاً وموقوفاً. انظر " صحيح أبي داود، (700).

وقد خفي هذا التحقيق على محقق " تهذيب الآثار"، فصرح في التعليق
عليه بأنه " حديث صحيح، وإسناده صحيح أيضاً "!

ثم تكلم على رواته الأربعة عند ابن جرير توثيقاً، ولم ينتبه لما ذكرته من علة
الانقطاع وغيره مما سبق بيانه. والله الموفق.

ثم تبين أنني كنت خرجت الحديث منذ زمن بعيد برقم (5542)، فوجدت
تطابقاً جميلاً بين التخريجين، وقد يزيد أحدهما على الآخر بفائدة لم تذكر في
الآخر، فرأيت إثبات هذا لهذا وللتاريخ. والله ولي التوفيق.

6601- (ستكون فتنة، لا يهدأ منها جانب، إلا جاش منها جانب،
حتى ينادي مناد من السماء: إن أميركم فلان).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (5/ 338/ 663 4)
قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمرو أبو زرعة قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا
اسماعيل بن عياش عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن دينار المكي عن سعيد
ابن المسيب عن طلحة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:... فذكره. وقال:
"لا يروى عن طلحة إلا بهذا الإسناد، تفرد به إسماعيل بن عياش".

(14/244)


@@@ 245
قلت: وهو ضعيف، قال الهيثمي (7/ 316):
" وفيه مثنى بن الصباح، وهو متروك، ووثقه ابن معين، وضعفه أيضاً".

وسائر رجاله ثقات، غير أن (إسماعيل بن عياش) ضعيف في غير الشاميين،
وهذه منها، فإن المثنى بن الصبّاح مكي، وكان اختلط.

وقد أسقطه بعض المجهولين من الإسناد مرة، وجعل مكانه ومكان عمرو بن
دينار: (ابن أبي حسين) مرة أخرى- واسمه: عبد الله بن عبد الرحمن النوفلي
المكي- وهو ثقة، فقال ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار:" (375- 376/
685- الجزء المفقود): حدثني أبو شرحبيل الحمصي قال: حدثنا إسماعيل عن
عمرو بن دينار المكي به. قال:
" 686- وحدثني أبو شرحبيل قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا إسماعيل
عن ابن أبي حسين عن سعيد بن المسيب... ".

وقال الطبري عقبه:
"وهذا خبر- عندنا- صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين
سقيماًغيرصحيح، لعلتين:

إحداهما: أنه خبر لا يعرف له مخرج عن طلحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصح إلا
من هذا الوجه.

والئانية: أنه من نقل إسماعيل بن عياش، وفي نقل إسماعيل عن غير أهل
بلده- عندهم- نظر "!
كذا قال! وهذا أسلوب منه غريب اتخذه عادة يكرره بين يدي الأحاديث التي

(14/245)


@@@ 246
يسوق أسانيدها ويصححها، ويحكى عن (الآخرين) تضعيفهم إياها بعلل ينسبها
إليهم، قد تكون قادحة أحياناً- كما هو الشأن هنا- ثم هو لا يدفعها، ولا يبين
وجهة نظره في تصحيحه! فما أشبهه من هذه الحيثية ببعض علماء الكلام-
كالفخر الرازي مثلاً- يحكي شبهة المعتزلة في بعض نصوص الصفات وتأويلهم
إياها، ثم يسكت عنها ولا يردها! وقد كنت ذكرت هذا أو نحوه في تخريج حديت
آخر من رواية الطبري، لا يحضرني الآن مكانه.

ويرد على أسلوبه المذكور ما يأتي:
أولاً: مما لا شك فيه أنه يعني بقوله: " الآخرين ": علماء الحديث، فمن هم؟!
وهو ينسب اليهم أنهم يعلون الخبر- ولو كان صحيح الإسناد- بأنه لا يعرف الا من
هذا الوجه! فإن المعروف عن العلماء في (علم المصطلح)- وعليه عملهم- أن تفرد
الثقة بالحديث لا يعتبر علة، وقد أشار إلى هذا الإمام الشافعي بقوله المأثور عنه:
" ليس الحديث الشاذ أن يروي الثقة ما لم يرو غيره، وإنما هو: أن يروي حديثاً
يخالف فيه ما رواه الثقات " (1).

وطالما رأينا الإمام الترمذي يقول في عشرات الأحاديث:

"حديث صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه "، ونحوه. ومن ذلك
قوله في الحديث المتفق على صحته: "انما الأعمال بالنيات...".

"حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري ".
فما عزاه إليهم إذن غير صحيح، إلا أن يكون عنى فرداً أو أفراداً منهم ، فكان
__________
(1) انظر الحديث الشاذ، والغريب في كتب المصطلح.

(14/246)


@@@ 247
عليه أن يسميهم، أو على الأقل أن لا يطلق العزو إليهم.

ثانياً: لقد حكى عنهم أن في نقل إسماعيل عن غيرأهل بلده نظراً، وهذا
حق، فهو المعروف عن كبارهم- كالإمام أحمد، وابن معين، وابن المديني،
ودُحيم، وعمرو بن علي، وكذا البخاري، والنساثي، ويعقوب بن شيبة، وابن
عدي وغيرهم كثير-، كلهم ضعفوا حديثه عن غير الشاميين.

وإذا كان الإمام الطبري يرى أنه صحيح الحديث مطلقاً لا فرق عنده بين شامي
وغيره، فلا يسعنا إلا اتباع الأئمة الخالفين له، لأن معهم زيادة علم لم يقف عليه
الطبري، ومن علم حجة على من لم يعلم، وبخاصة أنه جرح، وهو مقدم على
التعديل، وقد قال (دُحيم)- وهو من الحفاظ الشاميين العارفين بالمحدثين من أهل
بلده - :
" إسماعيل في الشاميين غاية، وخلط عن المدنيين ".

إذا عرفت هذا، وتذكرت أن مدار إسنادي الطبري على إسماعيل- مرة عن
عمرو بن دينار المكي، ومرة عن ابن أبي حسين المكي-، يتبين لك أنه إسناد
ضعيف من تخاليط إسماعيل عن غير الشاميين، وبذلك يبطل تصحيح الطبري
لإسناده.

وهذا نقوله على فرض صحة السند بذلك إلى إسماعيل، وهو غير مسلّم به
عندي، لأنه من رواية شيخ الطبري (أبي شرحبيل)، فإنه في عداد المجهولين،
فقد أورده أبو أحمد الحاكم في كتابه الحافل " الكنى والأسماء " (ق 224/ 1)،
وسماه (عيسى بن جابر البهراني الحمصي، ابن أخي أبي اليمان) مولى امرأة من
(بهراء)، يقال لها: (أم سلمة) كانت عند عمرو بن روبة التغلبي.

(14/247)


@@@ 248
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ولا رأيته عند غيره، حتى ولا في "تاريخ
دمشق" لابن عساكر. هذا مع مخالفة أبي زرعة الدمشقي لأبي شرحبيل، فقد
أدخل (المثنى بن الصبّاح) بين إسماعيل وعمرو بن دينار، فالمثنى هو علة هذا
الاسناد، لأن أبا زرعة ثقة حافظ.

وعلة الإسناد الثاني عند الطبري: شيخه ورواية إسماعيل عن ابن أبي
حسين، وهو مكي، فإنها ضعيفة- كما تقدم- والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثم إن الطبري أتبع حديث طلحة بحديث طويل أشار إلى تضعيفه، و فيه بيان
أن الأمير المنادى به من السماء هو المهدي، ساقه من رواية رواد بن الجراح
العسقلاني بسنده عن حذيفة بن اليمان مرفوعأ:

" إذا كان رأس الخمس والعشرين والمائتين، نادى مناد من السماء: ألا أيها
الناس! إن الله قطع مدة الجبارين والمناققين وأتباعهم... ووليكم المهدي..."
الحديث بطوله، وهو حديث جميل، كإنه يتحدث عن أحوال المسلمين الحاضرة،
وتسلط الكفار والمنافقين عليهم، ولكن يد الصنع ظاهرة عليه، ورواد بن الجراح
مختلف فيه، وقد أنكرت عليه أحاديث، هذا منها، بل قال الذهبي: إنه " حديث
باطل".

6602- (يعرّفني الله نفسه يوم القيامة، فأسجد سجدة يرضى بها
عني، ثئم أمدحه بمدحة يرضى بها عني، ثم يؤذنُ لي في الكلام...)
وفيه كلام طويل كثير.

موضوع.
أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (2/ 368/ 0 79)- والسياق
له-، وأبو يعلى في " مسنده الكبير " (ق 106/ 2- المطالب العالية المسندة)،

(14/248)


@@@ 249
وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1/ 307)، كلهم من طريق عبد الغفار بن
القاسم عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب مرفوعأ.

قلت: وهذا إسناد موضوع، آفته عبد الغفار بن القاسم- وهو: أبو مريم
الأ نصاري-: قال ابن المديني وأبو داود:
" يضع الحديث ". وقال ابن حبان في " الضعفاء " (2/ 143):

"كان ممن يروي المثالب في عثمان بن عفان، ويشرب الخمر حتى يسكر، ومع
ذلك يقلب الأخبار، لا يجوز الاحتجاج به، تركه أحمد وابن معين ".

والحديث عزاه السيوطي في " الدر المنثور" (6/ 107) لأ بي يعلى وابن
مردويه. وذكر في "لجامع الكبير ": (الدارقطني في " الأفراد").. مكان: (ابن
مردويه)، وسكت عنه كعادته! وما أظن إلا أنهما روياه من طريق عبد الغفار هذا،
والأغرب من سكوته سكوت ابن كثير عنه، بل وسكوت الحافظ ابن حجر في
"الفتح" (1 1/ 436-437) عنه، لكن سكوت ابن كثير مغتفر- في
اصطلاحهم-، لأنه ساقه بإسناد أبي يعلى، بينما سكوت الحافظ يعني- في
اصطلاحه هو- أنه حسن على الأقل. ولعل ذلك، لأن أصله، فإن فيه- مما
أشار إليه ابن أبي عاصم- المرور على الصراط، ووضع الرب قدمه في جهنم،
والحوض. وكل ذلك ثابت في الأحاديث الصحيحة.

6603- (لا تغيروا هذا الشيب، فمن كان مغيراً لا محالة، فبالحناء
والكتم).

منكر.
أخرجه الطبري في " تهذيب الآثار " (505/ 957- الجزء المفقود)،

(14/249)


@@@ 250
وابن عدي في "الكامل " (5/ 57) من طريق عمر بن سعيد الدمشقي:ثنا
سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، سعيد بن بشير: ضعيف.

وعمر بن سعيد الدمشقي: متروك، له ترجمة سيئة في "الميزان " و "اللسان "،
ويستدرك عليهما ما رواه ابن عساكر في "التاريخ " (5 4/ 68/ 5 23) عن
الدارقطني أنه قال فيه:
" روى عن سعيد بن عبد العزيز وسعيد بن بشير بواطيل ".

قلت: لكنه قد توبع، فقد أتبعه الطبري بطريق آخر عن محمد بن بكار قال:
أخبرنا سعيد بن بشير به بلفظ:

"من كان مغيراً.. " الحديث، دون طرفه الأول.

وهذه متابعة قوية من (محمد بن بكار)- وهو: ابن بلال العاملي الدمشقي-،
وهو ثقة، وقول الأخ علي رضا في تعليقه على " تهذيب الطبري" أنه: (ابن ريان)..
خطأ منه، قلد فيه الحافظ ابن حجر في " تهذيبه "، وهو سبق قلم منه- والله أعلم-
في ترجمته لـ (سعيد بن بشير)، بخلاف أصله " تهذيب الكمال" للحافظ
المزي، فإنه فيها- كما ذكرت-: (ابن بلال). وهكذا على الصواب وقع فيه في
ترجمة (محمد بن بكار) نفسه. وكذا هو في"الجرح والتعديل"، وكذلك وقع
في الترجمتين من " تاريخ دمشق " لابن عساكر (7/210 و 10/139).
وتابعه أيضاً يحيى بن صالح- وهو: الوحاظي- بلفظ:
" لا تغيروا هذه الشعور... " والباقي مثله سواء.

(14/250)


@@@ 251
أخرجه الديلمي (3/ 150- الغرائب الملتقطة).

والوحاظي ثقة من رجال الشيخين. فانحصرت العلة في سعيد بن بشير، فهو
من منكراته، لتفرده به، ومخالفة حديثه لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" غيروا الشيب... ".
صح ذلك عن جمع من الصحابة، فانظر " صحيح الجامع الصغير " رقم
(43 0 4- 46 0 4).

6604- (يا أم سلمة! إذا تحولت هذه التربة دماً، فاعلمي أن ابني
قد قتل. يعني: الحسين رضي الله عنه).

موضوع.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 4 1 1/ 7 281)، ومن
طريقه الشجري في "الأسالي" (1/ 163) من طريق عمرو بن ثابت عن
الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن أم سلمة قالت:
كان الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي،
فنزل جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك.
فأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله عن، وضمه إلى صدره، ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :
"وديعة عندك هذه التربة".
فشمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال:... فذكر الحديث. قال:
فجعلتها أم سلمة في قارورة، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يوماً

(14/251)


@@@ 252
تحولين دماً ليوم عظيم.
قلت: وهذا إسناد موضوع، رجاله كلهم ثقات، غير عمرو بن ثابت، وهو
رافضي متروك، متفق على تضعيفه، بل قال ابن حبان (2/ 76):
" كان يروي الموضوعات، لا يحل ذكره إلا على سبيل الاعتبار".
وقال الهيثمي في "المجمع " (9/ 189):
" رواه الطبراني، وفيه عمرو برد ثابت النكري، وهو متروك ".

6605- (إذا كان يوم ا لقيامة،حدّ الله الذين شتموا عائشة ثمانين
ثمانين على رؤوس الخلائق، فيستوهب ربي المهاجرين منهم، فأستأمرك
يا عائشة!).

منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (23/ 63 1- 64 1) من طريق
عبد الله بن هارون أبي علقمة الفروي: ثنا قدامة بن محمد الأشجعي: ثنا
مخرمة بن بكير عن أبيه عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :... فذكره، فسمعت عائشة الكلام، فبكت وهي في
البيت، ثم قالت: والذي، بعثك بالحق نبياً! لسرورك أطيب من سروري.

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً وقال:
" ابنة أبيها".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الله بن هارون هذا: قال الذهبي في "الميزان ":
"له عن القعنبي وغيره مناكير، ولم يترك ".

(14/252)


@@@ 253
وشيخه قدامة بن محمد الأشجعي: قال الذهبي في " المغني ":
" جرحه ابن حبان، ومشاه غيره".

6606- (إن طلاق أم سليم لحوب).
ضعيف.
أخرجه الحاكم (2/ 2 0 3)، وعنه البيهقي (7/ 323)، والبزار
في " مسنده "(3/ 246/ 2671- كشف الأستار) من طريق علي بن عاصم:
ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
كان بين أبي طلحة وبين أم سليم كلام، فأراد أبو طلحة أن يطلق أم سليم،
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال:... فذكره. وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله:
"قلت: لا والله! علي واهٍ ". وقال في ترجمته من " الميزان":

" قلت: وهذا منكراً. وقال الهيثمي في (المجمع، (9/ 262):
" رواه البزار، وفيه علي بن عاصم، وهو ضعيف، وقد وثَّق، وبقية رجاله رجال
الصحيح ".
ومن طريق علي أخرجه ابن عدي (5/ 193)، وزاد في آخره:
فكفَّ. وقال:
" والضعف على حديثه بيَّن ".
وعزاه ابن كثير في تفسير سورة النساء لابن مردويه والحاكم من هذا الوجه

(14/253)


@@@ 254
ساكتاً عنه، وكذلك سكت عنه الحافظ في " تخريج أحاديث الكشاف " (38/
316)!
ولعل أصل الحديث ما رواه خالد عن عوف عن أنس بن سيرين قال:
بلغني أن أبا أيوب أراد طلاق أم أيوب، فاستأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال:
" إن طلاق أم أيوب لحوب ".

أخرجه أبو داود في " المراسيل " (97 1/ 233).
وهذا إسناد صحيح، ولكنه مرسل. وقد وصله ابن مردويه، فقال: حدثنا
عبد الباقي: حدثنا بشر بن موسى: حدثنا هوذة بن خليفة: حدثنا عوف عن أنس
أن أبا أيوب... الحديث.

هكذا ساقه ابن كثير- وهو من فوائده- فقال: " عن أنس "، أطلقه ولم
يقيده، فأوهم أنه أنس بن مالك، وقد أدركه، ولكنهم لم يذكروا له رواية عنه،
ولعل ذلك من أوهام (عبد الباقي) - وهو: ابن قانع- الحافظ، فقد ذكر الخطيب
في ترجمته أنه كان اختلط.

وقد أسنده بعض الضعفاء وسراق الحديث، فقال الطبراني في "المعجم الكبير "
(12/ 195-196): حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة: ثنا يحيى بن
عبد الحميد: ثنا حماد بن ؤيد عن واصل مولى أبي عيينة عن محمد بن سيرين
عن ابن عباس: أن أبا أيوب... الحديث.
قلت: وهذا إسناد واهٍ، محمد بن عثمان هذا: مختلف فيه، قال الذهبي
في "المغني ":

(14/254)


@@@ 255
"حافظ، وثقه جزرة، وكذبه عبد الله بن أحمد ".

ويحيى بن عبد الحميد- وهو: الحماني- : قال الذهبي :
"حافظ،منكر الحديث، وقد وثقه ابن معين وغيره. وقال أحمد: كان يكذب
جهاراً وقال النسائي: ضعيف ". وقال الحافظ في " التقريب ":

" حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث ". وقال الهيثمي في"المجمع " (9/
262):
" رواه الطبراني، وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني، وهو ضعيف ".

قلت: وعزاه الحافظ في " تخريج الكشاف " لـ" أوسط " الطبراني، وما أظنه
إلا وهماً. وعزاه ابن كثير لابن مردويه وحده.

6607- (تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل
لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى).
منكر.
أخرجه الطبري في "التفسير" (25/ 65.)، والبيهقي في " شعب
الإيمان " (3/ 386/ 3839) من طرق عن الليث عن عقيل بن خالد عن ابن
شهاب عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
فذكره.
ولم يقع في " الشعب " رفعه، فلا أدري إذا كان سقط من الطابع أو الناسخ،
ولعل الأول أقرب، فقد عزاه السيوطي في " الدر " (6/ 26) إليه وابن جرير
مرفوعاً. والله أعلم.

(14/255)


@@@ 256
قلت: وهذا إسناد معضل، رجاله ثقات، غير أن ابن الأخنس هذا فيه كلام،
وليس له راية عن الصحابة، فهو معضل، وقال فيه الحافظ:
" صدوق له أوهام ".
وقد روي عنه مسنداً، أخرجه الديلمي في " مسنده " (1/ 47- الغرائب
الملتقطة) من طويقين آخرين قالا: حدثنا ليث عن عقيل عن ابن شهاب عن
عثمان بن محمد بن المغيرة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :... فذ كره.

لكن قال ابن المديني في " العلل " (89):
" روى عثمان هذا أحاديث مناكير عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة".

ولعل هذا الحديث مما أشار إليه من (المناكير)، وقد أشار الحافظ ابن كثير إلى
نكارته في تفسير قوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم}، فقال:

" ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان، فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن
أنها في رمضان، والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن
الزهري: أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال:... (فذكره)، فهو حديث مرسل، ومثله لا يعارض به النصوص ".
كذا فيه: " رواه عبد الله بن صالح "، ولم أره من روايته، وقد توبع- كما
تقدم-.
وقد روي الحديث بنحوه من طريق أخرى عن أبي هريرة عن عائشة، وقد
مضى تخريجه برقم (5086).

(14/256)


@@@ 257
6608- ( لا تقولوا :سورة {البقرة} ، ولا: سورة {آل عمران} ،
ولا: سورة {النساء} ، ولكن قولوا : السورة التي يذكر فيها البقرة ،
و: السورة التي يذكر فيها آل عمران، و: السورة التي يذكر فيهاالنساء،
وكذلك القرآن كله).

منكر.
رواه الطبراني. في " الأوسط " (6/ 352/ 5751)، ومن طريقه
الحافظ ابن حجر في " النتائج " عن خلف بن هشام البزار: ثنا عبيس بن ميمون
عن موسى بن أنس عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :... وقال
الطبراني:
" لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرد به خلف ". قال الحافظ:

" قلت: هو المقرئ من شيوخ مسلم، ولكن شيخه عبيس: ضعيف، وقد أفرط
ابن الجوزي فذكر هذا الحديث في "الموضوعات "، ولم يذكر له مستنداً إلا
تضعيف عبيس، وقول الإمام أحمد: إنه حديث منكر. وهذا لا يقتضي الوضع،
وقد قال الفلاس: صدوق يخطىء كثيراً، وقد ترجم البخاري في (فضائل القرآن):
(باب من لم ير بأسا أن يقول: سورة {البقرة}، وسورة كذا)، ثم ذكر حديث
أبي مسعود: من قرأ الآيتين من آخر سورة {البقرة} في ليلة، كفتاه. وحديث
عمر: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة {الفرقان }... الحديث. وكأنه أشار
إلى [ أن ] النهي لم يثبت فيجوز كل من الأمرين.

وقد ثبت اللفظ الآخر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك في الحديث الذي أخرجه
أبو داود والترمذي من طريق يزيد الفارسي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قلت لعثمان رضي الله عنه: ما حملكم على أن عمدتم إلى {الأنفال} وهي من

(14/257)


@@@ 258
المثاني، وإلى {براءة} وهي من المئين، فقرنتم بينهما... فذكر الحديث بطوله،
وفيه قول عثمان:
إن رسول الله كانت تنزل عليه الآية فيقول: ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا.
وقد وجدت حديث أنس في كتاب " فضائل القرآن " لخلف، كما أوردته،
وأخرج فيه عن حزم بن أبي حزم قال: سمعت الحسن يقول: ذكرلنا أن نبي
الله صلى الله عليه وسلم قال: "تدرون أي القرآن أعظم؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:
" السورة التي يذكر فيها البقرة ".

وقد أخرج الشيخان في " صحيحيهما " من طريق الأعمش قال: سمعت
الحجاج ابن يوسف يقول: لا تقولوا: سورة {البقرة}، ولكن قولوا: السورة التي
يذكر فيها البقرة. وفيه رد إبراهيم النخعي عليه بحديث ابن مسعود: هذا مقام
الذي أنزلت عليه سورة {البقرة}.

قال الشيخ عماد الدين ابن كثير: استقر الأمر والتفاسير على استعمال هذا
اللفظ مثل سورة {البقرة} وغيرها.
قلت: رأيت في بعض التفاسير استعمال اللفظ الثاني كـ "تفسير الكلبي "
وعبد الرزاق وابن أبي حاتم، والأكثر مثل الأول. واللة أعلم ".

قلت: فيه أمور:
أولاً: لم يتفرد بالحديث خلف بن هشام البزار- بالراء، كما في "التقريب"،
ووقع في "الأ وسط " بالزاي!-، فقد أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2/
519/ 2582) من طريق يحيى بن أبي طالب: أخبرني أبي: حدثني أبو عبيدة

(14/258)


@@@ 259
عبيس الخزاز به. وقال البيهقي:
"عبيس بن ميمون منكر الحديث، وهذا لا يصح، وإنما يروى فيه عن ابن عمر
من قوله ".

ثانياً: قوله: " وقد ثبت اللفظ الآخر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ..." إلخ فيه نظر،
لأن حديث ابن عباس مداره على (يزيد الفارسي)- كما ترى-، وهو غير مشهور
بالعدالة، ولذلك بيض له الذهبي في " الكاشف "، وقال الحافظ:

" مقبول ". يعني: عند المتابعة، ولم يتابع، بل فيه جملة منكرة- كما بينت
في "ضعيف أبي داود " (140- 141)-.

ولا يقويه مرسل الحسن البصري، لما هو معروف أن مراسيله كالرياح، ويمكن أن
يكون تلقاه من يزيد هذا.
على أن الراوي عنه (حزم بن أبي حزم) يهم، وإن كان صدوقاً- كما في
" التقريب "-.
ثالثاً: وفي رد إبراهيم النخعي على الحجاج إشارة قوية إلى أن المعروف عند
الصحابة وتابعيهم خلاف ما قال الحجاج، وفي الباب أحاديث كثيرة صحيحة من
لفظ النبي في تدل على الجواز، كما في " فتح الباري " (9/ 88)، وقوله فيه
بعد أن ذكر حديث الترجمة وضعفه، وحديت ابن عباس وسكت عنه:
" قال ابن كثير في " تفسيره ": ولا شك أن ذلك أحوط، ولكن استقر
الإجماع على الجواز في المصاحف والتفاسير. قلت: وقد تمسك بالاحتياط المذكور
جماعة من المفسرين... ".

(14/259)


@@@ 260
فأقول: لا أرى وجهاً لمثل الاحتياط- مهما كان شأن القائلين به- بعد تتابع
الأحاديث والآثار على الجواز. والله أعلم.

6609- ( إذا أبغض المسلمون علماءهم، (وفي رواية: قرّاءهم)،
وأظهروا عمارة أسواقهم، وتناكحوا (والرواية الأخرى: وتآلبوا) على
جمع الدراهم، رماهم الله عز وجل بأربع خصالٍ : بالقحط من الزمان ،
والجور من السلطان ، والخيانة من ولاة الأحكام ، والصولة (وفي الرواية:
والشوكة) من العدو).

منكر.
أخرجه الحاكم (4/ 325)- والسياق له-، والديلمي في " مسنده"
(1/ 44/ 1- 2- الغرائب) والرواية الأخرى له من طريق محمد بن عبد ربه
أبو تُميلة-، وقال الديلمي: (محمد بن عبد الله بن عبد ربه): ثنا أبو بكر بن
عياش عن أبي حصين عن ابن أبي مليكة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
مرفوعاً. وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد، إن كان عبد الله بن أبي مليكة سمع من أمير المؤمنين ".
ورده الذهبي بقوله:

" قلت: بل منكر منقطع، وابن عبد ربه لم أعرفه ".
قلت: ولم يورده في " الميزان "، واستدرك عليه الحافظ في " اللسان" فقال:
" محمد بن عبد الله عن أبي بكر بن عياش: قال المؤلف في ترجمة (أبي بكر):
محمد لا أعرفه (1). وأخرج الحاكم حديثأ في " المستدرك" من طريق محمد بن
__________
(1) "الميزان " (4/501).

(14/260)


@@@ 261
عبد ربه عن أبي بكر بن عياش، فقال الذهبي في " تلخيصه ": لا أعرفه. فيجوز
أنهما واحد". الأصل: " فيجوز هل هما واحد؟ "، ويمكن أن يكون الصواب:
"فينظر، هل هما واحد؟ ". والله أعلم.

قلت: ويحتمل أن يكون الذي في "ثقات ابن حبان " (9// 107):

" أبو تُميلة- اسمه: محمد بن عبد ربه بن سليمان المروزي-: يروي عن
الفضيل بن عياض: حدثنا عنه محمد بن أحمد بن أبي عون (1)، يخطئ
ويخالف".

ولمحمد بن عبد ربه حديث آخر، يرويه عن الفضل بن موسى بسند له عن أبي
موسى الأشعري. أخرجه البيهقي في " الشعب " وضعفه، وتقدم تخريجه برقم
(6272).

وأما كنيته (أبو تميلة)، فلم يذكره فيها أبو أحمد الحاكم ولا غيره فيما
علمت. والله أعلم.

6610- (خُذ، البس ما كساك الله ورسوله. قاله للبراء لما ألبسه
خاتماً من ذهب).
منكر.
أخرجه أحمد (4/ 294)- والسياق له-، وأبو يعلى (3/ 259)،
والطحاوي في "شرح معاني الآثار " (2/ 350) من طريق محمد بن مالك قال:
__________
(1) في الأصل زيادة [ وغيره]، وفي الحاشية: " زيد من (مد) "، ولما لم ترد في " ترتيب
الثقات " للهثمي ، ولا في " لسان العسقلاني"، لم أذكر ها.

(14/261)


@@@ 262
رأيت على البراء خاتماً من ذهب، وكان الناس يقولون له: لم تختَّم بالذهب،
وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال البراء:

بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين يديه غنيمة يقسمها، سبي وخُرثيَّ،
قال: فقسمها حتى بقي هذا الخاتم، فرفع طرفه، فنظر إلى أصحابه، ثم خفض،
ثم رفع طرفه إليهم، ثم خفض، ثم رفع طرفه، فنظر إليهم، (وفي رواية فقال: من
ترون أحق بهذا؟)، ثم قال: أي براء! [ ادن ]، فجئته حتى قعدت بين يديه، ف
أخذ الخاتم فقبض على كرسوعي، ثم قال:... فذكره. قال:
وكان البراء يقول: كيف تأمروني أن أضع ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البس ما
كساك الله ورسوله "؟!
قلت: وهذا إسناد ليس بذاك- كما قال الحازمي في " الاعتبار " (ص 187)-،
وعلته محمد بن مالك هذا- وهو: الجوزجاني أبو المغيرة-: ذكره ابن حبان في
"الضعفاء "، وقال: (2/ 259):
"خادم البراء بن عازب. يروي عن البراء بن عازب، أي: سمع منه...
يخطىء كثيراً، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد، لسلوكه غير مسلك الثقات في
الأ خبار ".
وسكت عنه البخاري في " التاريخ "، وأما أبو حاتم فروى ابنه عنه أنه قال:
" لا بأس به ".
ولم يتنبه الذين جاؤوا من بعده، كابن الجوزي، فإنه ذكره في " الضعفاء "
(2/ 95/3173)، وذكر مختصر كلام ابن حبان، وقال الذهبي في "الكاشف":

(14/262)


@@@ 263
"فيه لين ". وقال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق يخطئ كثيراً".

فكأنهما لخصا كلام ابن حبان وأبي حاتم، وجمعا بين قوليهما.
وخالفهما الهيثمي، فقال في " المجمع " (5/ 151):
"رواه أحمد وأبو يعلى باختصار، ومحمد بن مالك مولى البراء، وثقه ابن
حبان، وأبو حاتم، ولكن قال ابن حبان: لم يسمع من البراء.
قلت: قد وثقه، وقال: " رأيت " فصرح، وبقية رجاله ثقات ".

هذا كلامه. ولي عليه ملاحظتان:
الأولى: نسبته التوثيق لأبي حاتم فيه تسامح، فإنه لم يوثقه، وإنما قال فيه:
" لا بأس به "- كما تقدم-. وقد فرق بينهما ابنه عبد الرحمن في أول الجزء الأول
من كتابه (ص 37):
" ووجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى:

ا- فإذا قيل للواحد: إنه ثقة، أو متقن ثبت، فهو ممن يحتج بحديثه.
2- وإذا قيل له: إنه صدوق، أو محله الصدق، أو لا بأس به، فهو ممن يكتب
حديثه، وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية،.. ".

والأخرى: ما عزاه لابن حبان من القول والتوثيق، إنما يعني: أنه ذكره في
كتابه " الثقات "، وهو ما صرح به الحافظ المزي في " التهذيب "، وتبعه الحافظ
العسقلاني في " تهذيبه "، ولم نره في " الثقات " المطبوع، ولا ورد له ذكر في

(14/263)


@@@ 264
" جامع فهارس الثقات " للأخ حسين إبراهيم زهران، ولا في فهرسي "تيسير
الانتفاع"، بل ولا في كتاب الهيثمي نفسه " ترتيب الثقات "! فلعله وقع له
ولغيره في بعض النسخ. والله أعلم.

على أن جزم ابن حبان بأنه لم يسمع من البراء ينافيه تصريحه في الحديث ب
قوله: " رأيت"، كما قال الهيثمي، ولذلك تعقبه الحافظ في "التهذيب " بقوله:
" فهذا ينفي قوله أنه لم يسمع من البراء إلا أن يكون عنده غير صادق، فما
كان ينبغي له أن يورده في (كتاب الثقات) ".

قلت: وهذا الاعتراض وارد، إن كان قد أورده فيه. والله أعلم.

وقد صح من الحديث لبس البراء خاتم الذهب بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، فأخرج ابن أبي
شيبة في " المصنف " (8/ 0 47)، وابن سعد في " الطبقات " (4/ 368)،
والطحاوي- أيضاً- من طرق عن أبي السفر- (واسمه: سعيد بن يُحمِد)- قال:
" رأيت على البراء خاتماً من ذهب ".
وإسناده صحيح، كما قال الحافظ.

ثم أخرجه ابن أبي شيبة (8/ 468- 469) من طريق شعبة عن أبي
إسحاق قال:... فذكره.
وإسناده صحيح أيضاً. وقد ثبت مثله عن جماعة من الصحابة، وذكر بعض
الآثار عنهم الحافظ، قال:
" وأغربها ما جاء عن البراء الذي روى النهي".

(14/264)


@@@ 265
ثم ذكر رواية أبي السفر وأبي إسحاق عنه، وأتبعهما بحديث الترجمة، ثم
قال:
" قال الحازمي: إسناده ليس بذاك، ولو صح، فهو منسوخ ". فتعقبه بقوله:

" قلت: لو ثبت النسخ عند البراء ما لبسه بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روي النهي
المتفق على صحته عنه، فالجمع بين روايته وفعله، إما بأن يكون حمله على
التنزيه، أو فهم الخصوصية له من قوله: " البس ما كساك الله ورسوله "، وهذا أولى
من قول الحازمي: " لعل البراء لم يبلغه النهي "، ويؤيد الاحتمال الثاني أنه وقع
في رواية أحمد: كان الناس يقولون للبراء: لم تتختم بالذهب وقد نهى عنه رسول
الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيذكر لهم هذا الحديث، ثم يقول: كيف تأمرونني أن أضغ ما قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : (البس ما كساك الله ورسوله)!! ".

قلت: حديث البراء المتفق على صحته الذي أشار إليه الحافظ هو قوله رضي
الله عنه:
" نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن سبع: نهى عن خاتم الذهب... " إلخ، وهذا لفظ
البخاري في (كتاب اللباس) (5863)، وهذه القطعة منه مخرجة في " آداب
الزفاف " (214)، وهو من رواية معاوية بن سويد بن مقرن عنه عندهما، ولم
يذكر البراء تصريحه بسماعه إياه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فيحتمل أن يكون تلقاه عن
بعض الصحابة، فقد كان بعضهم يروي عن بعض، ومن هنا كان ما يعرف بـ
(مراسيل الصحابة) وأنها حجة. فإذا صح هذا الاحتمال، سقط تعقب الحافظ،
لأنه يقال: فعله قبل أن يسمع النهي عن بعضهم، ثم رواه عنه صلى الله عليه وسلم دون أن يصرح
بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فطاح الإشكال إن شاء الله تعالى.

(14/265)


@@@ 266
وأما قول الحافظ: "أو فهم الخصوصية له... " إلخ فجوابه: أن هذا يصح، لو
ثبت الحديث، أما وهو غير ثابت- كما عرفت-، فلا يصح. والله أعلم.

ويشبهه ما رواه ابن أبي شيبة (8/ 471/ 5213) قال: حدثنا مروان بن
معاوية عن أبي القاسم الأزدي قال:
سألت أنس بن مالك: أتختم بخاتم من ذهب؟ فقال: نعم، وإن شئت من
فضة، لا يضرك، ولكن لا تطعم في إناء ذهب ولا فضة.

قلت: أبو القاسم الأزدي: لم أعرفه، وفي " الكنى " للدولابي (2/ 84):

" وأبو القاسم عبد الرحمن قال: سألت أنس بن مالك. روى عنه عبد الواحد
ابن زياد ". ونحوه في " المقتنى " للذهبي (1/ 51) وقال:
"كناه البخاري ".
قلت: فكأنه مجهول، وهو منكر عندي، لأنه يخالف ما رواه ابن شهاب: أن
أنس بن مالك أخبره:
أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يوماً خاتماً من ذهب، فاضطرب الناس
الخواتيم، فرمى به، وقال:
"لا ألبسه أبداً ".

رواه ابن حبان بإسناد صحيح- كما بينته في " الصحيحة " (2975)-.
(تنبيه): هن سوء التصرف ما جاء في حاشية " تهذيب المزي" (26/
351) من إيهام أن ترجمة (محمد بن مالك الجوزجاني) هي في كتاب "الثقات "

(14/266)


@@@ 267
(9/ 423)! والواقع أن هذا الرقم يشير إلى موضع تعقيب الحافظ لابن حبان
الذي تقدم نقله عنه من "التهذيب"، فبدل أن يضعه عقب " التهذيب" وبين
يدي كلام الحافظ- كما هو المعروف في هذا العصر- وضعه في أخر كلامه!

وضغثاً على إبالة لم يحصره بين هلالين صغيرين "... "- كما هو المعروف
أيضاً-، كأن المعلق حديث عهد بفن الكتابة!

6611- (افعلوا بميتكم ما تفعلون بعروسِكم).
لا أصل له.
قال الحافظ في " التلخيص " (2/ 106):
" هذا الحديث ذكره الغزالي في " الوسيط " بلفظ: " افعلوا بموتاكم ما تفعلون
بأحيائكم ". وتعقبه ابن الصلاح بقوله: " بحثت عنه فلم أجده ثابتاً". وقال أبو
ضامة في " كتاب السواك ": هذا الحديث غير معروف ".

قلت: وإنما المعروف أنه عن بعض السلف، فقال بكر- وهو: ابن عبد الله المزني-
قدمت المدينة، فسألت عن غسل الميت؟ فقال بعضهم:
اصنع بميتك كما تصنع بعروسك، غيرأن لا تخلقه.

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3/ 245)، وإسناده صحيح- كما
قال الحافظ- لكن منتهاه إلى بعضٍٍ لم يسم.

ولقد كان الباعث على تخريج الحديث والكشف عن حاله تحذيراً من الاغترار
بما جاء في كتيب لأحد المعاصرين أسماه " الممنوع والجائز من أحكام الجنائز "،
جاء فيه تحت عنوان (أمور ينبغي مراعاتها والتنبيه عليها في تغسيل الميت)، فقال

(14/267)


@@@ 268
(ص 101-102):
" 19- أن يصنع بالميت كما يصنع بالعروس وهذا مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم "!
والعجيب من أمر مؤلفه أنه قال في مقدمته (ص 12):
" وقد عنيت بتخريج الأحاديث الصحيحة من مظانها، وتحاشيت الاستدلال
بالأحاديث الضعيفة بقدر المستطاع، وإن وجدت، نبهت عليها، وذكرت كلام أهل
العلم فيها ".

فلم يف بتعهده هذا في هذا الحديث، بل ساقه مساق الأحاديث الصحيحة،
دون أيما عزو أو تخريج، مع أنه قد ساقه قبل في صفحة (96) على أنه من قول
أنس رضي الله عنه، وقال في التعليق:
" (2) حاشية الروض المربع (3/ 46) ". ولم أجده في الطبعة التي
عندي منها! فالظاهر أنه اختلط عليه المرفوع بالموقوف.

6612- (أتدرون قبر من هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قبر
آمنة، دلَّني عليه جبريل عليه السلام).
منكر.
أخرجه عمر بن شبَّة في " تاريخ المدينة " (1/ 117) من طريق فرقد
السبخي عن رجل عن وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
كنا نمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ مر بقبر، فقال:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، لضعف (فرقد)، وشيخه لم يسم، فهو مجهول.
وقصة زيارته صلى الله عليه وسلم لقبر أمه ثابتة من حديث أبي هريرة، وبريدة، وليس فيهما

(14/268)


@@@ 269
ما في حديث فرقد هذا، وهما مخرجان في " أحكام الجنائز " (ص 238).

6613- (أيها الناش! إن الله تطوَّل عليكم في مقامكم هذا، فقبل
من محسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ووهب مسيئكم لمحسنكم، إلا
التبعات فيما بينكم، أفيضوا على اسم الله، فلمَّا كان غداة جمعٍ، قال:
أيها الناس! إن الله قد تطوَّل عليكم في مقامكم هذا، فقبل من
محسنكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، والتبعات بينكم عوضها من عنده،
أفيضوا على اسم الله.
فقال أصحابُه: يا رسول الله! أفضت بنا بالأمسِ كئيباً حزيناً،
وأفضت بنا اليوم فرحاً مسروراً؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إني سألت ربي بالأمس شيئاً لم يجُد لي به؟ سألته التبعات، فأبى
عليَّ، فلما كان اليوم أتاني جبريل، قال: إن ربك يقرئك السلام،
ويقولُ: التبعاتُ ضمنت عوضها من عندي).
منكر بهذا التمام.
أخرجه الطبري في " تفسيره " (2/ 172)، وأبو نعيم
في " الحلية" (8/ 199) من طريق مسلم بن حاتم قال: ثنا بشاربن بكير
الحنفي قال: ثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال:
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فقال:... فذكره.
قلت: بشار بن بكير هذا نكرة، لم أجد له ترجمة، ولا في " ثقات ابن حبان "!
وقد تابعه عبد الرحيم بن هارون الغساني عن عبد العزيز به.

(14/269)


@@@ 270
أخرجه أبو نعيم، وقال:
" السياق لبشار بن بكير، وحديث ابن هارون فيه اختصار، وقال فيه: " فإذا
كان غداة جمع، قال الله لملائكته: اشهدوا أني قد غفرت لهم التبعات والنوافل ".
غريب تفرد به عبد العزيزعن نافع، ولم يتابع عليه ".

قلت: قد وثقه جمع وروى له مسلم، فتعصيب الجناية بالراوي عنه أولى، وقد
عرفت حال بشار، وأما متابعه عبد الرحيم، فقال الحافظ في "التقريب ":
" ضعيف، كذبه الدارقطني ".

وله طريق أخرى أشد ضعفاً، يرويها يحيى بن عنبسة قال: حدثنا مالك عن
نافع به، وزاد:
فقام أعرابي فأخذ بزمام ناقته وقال: يا رسول الله! والذي بعثك بالحق! ما
بقي من عمل إلا وقد عملته، وإني لأحلف وعلى اليمين الفاجرة، فهل أدخل
فيمن وقف؟ فقال:
"يا أعرابي! أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني محمد رسول الله؟ " قال: نعم،
بأبي أنت! فقال:
"يا أعرابي! إنك إن تحسن فيما يستأنف، يغفرلك ".

أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " (3/ 124- 125)، ومن طريقه ابن
الجوزي في "الموضوعات " (2/ 214- 215)، وقال ابن حبان:
"يحيى بن عنبسة دجال يضع الحديث ".

(14/270)


@@@ 271
وكذا قال الدارقطني، وساق له الذهبي أحاديث منها هذا، وقال:
" هذا كله من وضع هذا المدبر ".

وقد روي الحديث مطولاً ومختصراً، وبألفاظ مختلفة، من رواية العباس بن
مرداس، وعبادة بن الصامت، وغيرهما بأسانيد فيها ضعف وجهالة- كما هو مبين
في " التعليق الرغيب" (2/ 27 1- 28 1) وفي "موضوعات ابن الجوزي"-،
لكن قد صح منه جملة المغفرة لأهل عرفات و (جمع)، وضمن عنهم التبعات.
وبيان ذلك في "الصحيحة" (1624).

(تنبيه): مما يدل على الحداثة في هذا العلم والجهل به، ممن استسهله وادعى
التحقيق فيه، ما جاء في الطبعة الجديدة ذات الأربع مجلدات لكتاب " الترغيب"
للمنذري بتعليق ثلاثة من الحققين- زعموا- ألا وهو قولهم في شرح لفظة (جمع)
(2/154):
" بـ (جمع): بـ (عرفات) "!

وإنما هي مزدلفة- كما لا يخفى عن المبتدئين-! ومن الغريب أن في بعض
تلك الأحاديث التي بين أيديهم ما يساعدهم- بل يساعد الأعاجم الذين لا
يعرفون من العربية شيئاً- على أن لا يقعوا في مثل هذا الخطأ الفاحش، لأن
الأحاديث يفسر بعضها بعضاً- كما هو معلوم-، ففي حديث ابن مرداس المشار إليه آنفاً:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة... فلما أصبح بـ (المزدلفة)... ".

(14/271)


@@@ 272
6614- (وا للهِ! إن تربتها ميمونة. يعني: المد ينةَ) (*).
منكر.
أخرجه أبو نعيم في " الطب " (ق 51/ 2): حدثنا سليمان بن
أحمد: ثنا جعفر بن الفضل: ثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبي شيبة
الحزامي: ثنا ابن أبي فديك: ثنا موسى بن يعقوب الزمعي: حدثنا زبير بن
عبد الله بن رُهيمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:

ذكررسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فقال:... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، زبير بن عبد الله هذا: ذكره ابن حبان في " الثقات"،
وقال أبو حاتم:
" صالح الحديث".
لكن ضعفه ابن عدي، ويأتي كلامه الصريح في ذلك قريباً، ولذلك قال الذهبي:
" ليس بحجة". وقال مرة: " ليس بذاك". وقال الحافظ:
" مقبول". يعني: عند المتابعة، وما وجدت له متابعاً.

وموسى بن يعقوب الزمعي: قال الحافظ:
" صدوق سيئ الحفظ ".

على أن في الطريق إليه (جعفر بن الفضل): لم أجد له ذكراً إلا في " تاريخ
بغداد" (7/ 194)، ووصفه بـ (التمار المؤدب)، ولم يزد في ترجمته على أن
ساق له حديثاً آخر من رواية الطبراني أيضاً بإسناده المتقدم إلى الزمعي بإسناد آخر
__________
(*) كتب الشيغ رحمه الله فوق هذا الحديث وبقلم الرصاص: " وانظر حديث (غبار
ا لمد ينة ...) (3957) " (الناشر).

(14/272)


@@@ 273
له عن إبن عمرمرفوعاً بلفظ:
" ما من غادر، إلا له لواء يوم القيامة يعرف به ".

وهو في " الصحيحين " من طريق أخرى عن نافع عنه نحوه. وهو مخرج في
" الروض النضير " (552) و" صحيح أبي داود " (2461".
لكن جعفر هذا- مع جهالته- قد توبع، فقد أخرج ابن عدي في "كامله "
(3/ 227) من طريق محمد بن عيسى بن يزيد الطرسوسي: حدثني أبو بكر
ابن أبي شيبة الحزامي به، إلا أنه قال:
" مؤمنة ".. مكان: (ميمونة). ولا أدري أهكذا الرواية وقعت في كل من
المصدرين، أو هو الاضطراب من أحد الرواة ولعله (الطرسوسي) هذا، فقد قال
ابن عدي في ترجمته (6/ 283):
"عامة ما يرويه لا يتابعونه عليه، وهو في عداد من يسرق الحديث ". وقال
في ترجمة (ابن رُهيمة):
"وأحاديث زبير هذا منكرة المتن والإسناد، لا تروى إلا من هذا الوجه ".

6615- (من رمى بسهم في سبيل الله أخطأ أو أصاب، كان له بمثل
رقبةٍ من ولد إسماعيل).

منكر بزيادة: (ولد إسماعيل).
أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير " (8/
143/ 7556) من طريق جعفر بن سليمان عن أبان عن شهر بن حوشب:
أخبرني أبو أمامة: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره من رواية عبد الرزاق عن

(14/273)


@@@ 274
جعفر، وهذا في "المصنف " (5/ 261/ 9548).
ثم رواه الطبراني (8/ 158/ 7610) من طريق موسى بن عمير عن مكحول
عن أبي أمامة مرفوعاً به، دون قوله: " من ولد إسماعيل ".
قلت: وهذا هو الصحيح في هذا الحديث، ليس فيه هذه الزيادة، بشهادة
الأحاديث الأخرى، وإلا، فهذا واهي الإسناد- كما يأتي-، وإن قال المنذري (2/
171) وتبعه الهيثمي (5/ 270)- وقد ذكره بالزيادة-:
" رواه الطبراني بإسنادين، رواة أحدهما ثقات "!

كذا قالا! فإن أرادا الأول، ففيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف لسوء حفظه،
والهيثمي يحسن له أحياناً. ومع ذلك فالراوي عنه (أبان) لم يتعين عندي من هو؟
فهناك ثلاثة كلهم رووا عن شهر:
الأول: أبان بن صالح بن عمير المدني-، وقيل: المكي، وقد-: وثقه
الأثمة.
الثاني: أبان بن صمعة الأ نصاري: وهو صدوق، تغير آخِراً.
الثالث: أبان بن أبي عياش العبدي البصري: وهو متروك.

فالأقرب أنه هذا، أو الذي قبله، لاشتراكهما في (البلدية) مع جعفر بن
سليمان، فإنه بصري أيضاً، ومن الغريب أنهم لم يذكروه في الرواة عنهما أو
أحدهما، فضلاً عن الأول. والله أعلم.
وإن أرادا الإسناد الآخر، ففيه علتان:

(14/274)


@@@ 275
الأولى: الانقطاع بين مكحول وأبي أمامة، فقد قال الدارقطني:
"لا يثبت سماعه منه".
ومع ذلك فمكحول مدلس.
والأخرى: موسى بن عمير- وهو: أبو هارون الأعمى-: قال الحافظ:
" متروك، وكذبه أبو حاتم".
إذا عرفت هذا، فمن الغرابة بمكان القول بأن رواة أحد الإسنادين رواته ثقات!
دعك عن المخالفة التي في متن الحديث- كما تقدمت الإشارة إلى ذلك-، وقد
جاء من حديث عمرو بن عبسة، وكعب بن مرة وغيرهما بدون الزيادة، وقد
خرجته من حديث عمرو في " الصحيحة " (1244، 2681).
وأنكر من حديث الترجمة ما رواه البزار (1706) من طريق شبيب بن بشر
عن أنس مرفوعاً به، إلا أنه قال:
" كان له مثل أجر أربعة أناس من ولد إسماعيل أعتقهم ".

وشبيب بن بشر: مختلف فيه، وقد أشار إلى ذلك المنذري (2/ 172)،
والراجح فيه أنه حسن الحديث، إلا أن يخالف- كما هنا-، فتنبه! وتفقه في هذا
العلم، فإنه في كثير من علومه فيه دقة متناهية، لا يتنبه لها المحدثون المتعلقون، بل
المتسلقون على هذا العلم الشريف، مثل أولئك المعلقين الثلاثة على "الترغيب "
في طبعتهم الجديدة التي يعجبك ظاهرها، ويحزنك مخبرها، لكثرة أخطاثهم
فيها، وادعاءاتهم الباطلة فيها دون أي بحث أو تحقيق، فقد حسنوا حديث

(14/275)


@@@ 276
الترجمة، مدعمين ذلك بقول الهيثمي المتقدم، غير عارفين أنه لا يلزم من ثقة
رجال الإسناد لو سلم من الوهم أنه حسن- كما نبهنا على ذلك مراراً- لأنه قد
يكون فيه علة، كانقطاع وتدليس يمنع من التحسين. وعلى العكس من ذلك،
ضعفوا حديث شبيب بن بشر- مع أنه حسن الإسناد- وكلام الهيثمي الذي ركنوا
إليه حجة عليهم، لأنه قال:
"... وفيه شبيب بن بشر، وهو ثقة وفيه ضعف ".
فهو يشير إلى أنه حسن، لأن الثقة الذي فيه ضعف أقل أحواله أنه حسن
الحديث. لو كانوا يعلمون. انظر تعليقهم (2/ 245، 246).
(تنبيه): في أول حديث الترجمة ما نصه:
" من شاب شيبة في الإسلام، كانت له نوراً يوم القيامة، ومن رمى...".
وهذا القدر منه صحيح، لمجيئه من طرق عن جمع من الصحابة، ولذلك لم
أستحسن ذكره في هذه " السلسلة "، وإنما أخرجته في " الصحيحة " رقم (1244،
2681).
وبعد كتابة ما تقدم رأيت حديث أنس في " الحلية " (6/ 306) من طريق
الربيع بن صبيح عن الحسن عنه. به نحوه بلفظ:
"رقبة".
وهذا- مع ضعف إسناده- يشهد لما رجحت من نكارة زيادة " أربعة...".
والله الموفق.

(14/276)


@@@ 277
6616- (يُثني عليك الناش شراً، فأُثني عليك خيراً. فقال عمر:
وما ذاك يا رسول الله!؟ فقال صلى الله عليه وسلم : دعنا عنك يا عمر بن الخطاب! من
جاهد في سبيل الله، دخل الجنة).
منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (22/ 337- 338) من طريق
عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد عن يزيد بن ثعلب عن أبي المنذر:

أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله! إن فلاناً هلك، فصلّ
عليه. فقال عمر: إنه فاجر، فلا تصل عليه. فقال الرجل: يا رسول الله! الم تر
الليلة التي صبحت فيها في الحرس، فإنه كان فيهم؟! فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى
عليه، ثم تبعه، حتى إذا جاء قبره، قعد، حتى إذا فرغ منه، حثا عليه ثلاث
حثيات، ثم قال:... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد اللة بن نافع- هو: الصائغ، وهو-: ثقة
صحيح الكتاب، في حفظه لين- كما في " التقريب "-، ولا أدري هذا مما حدث
به من كتابه أم من حفظه.
وقد تابعه حماد بن خالد- وهو: الخياط-، وهو ثقة من رجال مسلم، ولكنه
اختصره جداً، وخالفه في اسم (يزيد)، فقال: عن هشام بن سعد عن زياد
- يعني: ابن ثعلب- عن أبي المنذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حثا في قبرٍ ثلاثاً.
أخرجه أبو داود في " المراسيل" (302/ 420) وعنه البيهقي في " السنن
الكبرى" (3/ 410).
وإيراد أبي داود إياه في " المراسيل" يشعر بأن أبا المنذر هذا ليس له صحبة، وعليه
يدل صنيع أبي حاتم، فقد روى عنه ابنه في ترجمة (زيد بن تغلب) أنه قال:

(14/277)


@@@ 278
" زيد وأبو المنذر مجهولان ".
كذا وقع فيه (زيد بن تغلب)، وكذلك في "الميزان" وقال:
" لا يدرى من هو وشيخه؟ ". وتبعه في (اللسان".
قلت: وان مما يدل على جهالة الراوي عن (أبي المنذر) هذا الاختلاف في
اسمه واسم أبيه- كما رأيت-، فعند الطبراني: (يزيد بن ثعلب)، وأبي داود:
(زياد بن ثعلب)، وعند ابن أبي حاتم: (زيد بن تغلب)! وقال محققه:
"وهذا الرجل- أعني: الراوي عن أبي المنذر- من شرط " التهذيب "، لأن
حديثه هذا في " مراسيل أبي داود"- كما في الإصابة-، ومع ذلك لم أجد له
ترجمة في " التهذيب "، لا في باب (زيد)، ولا (زياد)، ولا (يزيد). والله
أعلم ".
قلت: وإذا عرفت جهاله هذا الرجل، يتبين لك بأن الذين ذكروا شيخه (أبا
المنذر) في الصحابة، قد تساهلوا، ولذلك أطلق أبو حاتم عليه أنه مجهول- كالراوي
عنه-، وذكر أبو داود حديثه في " المراسيل " وأقره البيهقي- كما تقدم-، ولذلك
أيضاً قال الحافظ في " تهذيب التهذيب":

" وقول أبي داود إنه مرسل أشبه ".
وبناء عليه جزم في " التقريب " بأنه تابعي.
وقد فات هذا التحقيق الحافظ المنذري، فقال في " الترغيب " (2/ 176).
" رواه الطبراني، وإسناده لا بأس به ان شاء الله تعالى"!

(14/278)


@@@ 279
وكذا الهيثمي إذ قال في "المجمع" (5/ 276):
" رواه الطبراني، وفيه يزيد بن ثعلب، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ".
لكن الجملة الأخيرة من الحديث: " من جاهد في سبيل الله، دخل الجنة"
لها شواهد كثيرة، يراجعها من شاء في " الترغيب ".

6617- (ما قال عبد قط: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له
الملك، وله الحمد، وهو على كل شئ قدير) مخلصا بها روحه،
مصدقا بها قلبه لسانه، إلا فتق له أبواب السماء، حتى ينظر الله إلى
قائلها، وحق لعبد نظر الله إليه ان يعطيه سؤله).

منكر بهذا التمام.
أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (150/ 28)
من طريق وَبر: حدثني محمد بن عبد الله بن ميمون عن يعقوب بن عاصم: أنه
سمع رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:...
فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، غير (محمد بن عبد الله بن ميمون)
- وهو: الطائفي-: مجهول، لم يرو عنه غير وبر هذا- كما قال ابن المديني والذهبي-،
وقال الحافظ:
"مقبول ".
قلت: وقد تفرد بهذا السياق، وفيه نكارة ظاهرة، عجبت للمنذري كيف
سكت عنها في "الترغيب " (2/ 241)، وزاد عليه المعلقون عليه في طبعتهم
الجديدة (2/ 399/ 2272) فصرحوا قائلين:

(14/279)


@@@ 280
"حسن، رواه النسائي... " مجرد دعوى بغير بيان- كعادتهم- ولا هدى ولا
كتاب منير، وإنما هو التقليد الأعمى، مع ادعاء التحقيق!! وقد رواه بعض
المجهولين بإسناد له عن أبي هريرة مرفوعأ نحوه، دون جملة الفتق.

ورواه الترمذي (3584) عن شيخ مجهول بلفظ أخصر وأقرب إلى الصحة،
وقد خرجت لفظ المجهول في المجلد الثاني من هذه " السلسلة" برقم (919)،
وهناك ذكرت لفظ الترمذي. فمن شاء، رجع إليه، وأسأل الله لنا مزيداً من
التوفيق، وحسن الخاتمة، والوفاة على الإيمان والتوحيد الصحيح.

6618- (من قال: (سبحان الله وبحمده) كتبت له مئة ألف حسنة
وأربع وعشرون ألف حسنة، ومن قال: لا إله إلا الله)؟ كان له بها عهد
عند لله يوم القيامة).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في "لمعجم الكبير " (12/ 437/13597):
حدثنا جعفر بن بُجير العطار البغدادي: ثنا إسماعيل بن إبراهيم الترجماني: ثنا
عامر بن يساف عن النضر بن عبيد عن الحسن بن ذكوان عن عطاء عن ابن عمر
مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، فيه علل:
الأولى: الحسن بن ذكوان: قال الذهبي في "المغني ":
" صدوق. قال النسائي: ليس بالقوي. وأما أحمد فقال: أحاديثه بواطيل.
وضعفه يحيى وأبو حاتم " . وقال الحافظ:
" صدوق يخطئ ". ورمز له هو وغيره بأنه من رجال البخاري.

(14/280)


@@@ 281
الثانية: النضر بن عبيد: لم أجد له ترجمة، ولم يذكره المزي في الرواة عن
الحسن بن ذكوان.
الثالثة: جعفر بن بجير العطار البغدادي: كذا وقع في هذا الحديث (ابن
بجير) منسوباًإلى جده، وكذا هو في " المعجم الأوسط" في حديث آخر (4/ 221). وهو في " المعجم الصغير " (624- الروض النضير): " جعفر بن محمد
ابق بجير العطار البغدادي ". وهكذا هو في " تاريخ بغداد " (7/ 97 1- 98 1)، وقال:
" روى عنه دعلج بن أحمد السجستاني، وسليمان بن أحمد الطبراني".

ثم ساق له الحديث الذي أشرت إليه آنفاً ولم يذكر فيه جرحاًولا تعديلاً.
ويبدو لي أنه ليس من شيوخ الطبراني المشهورين، فإنه لم يرو له في " الأوسط"
إلا ثلاثة أحاديث (3398- 00 34)، أحدها المشار إليه آنفاً.

والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (2/ 242- 243)، ويبدو أنه لم
يتمكن من التأكد من حال إسناده فقال:
" رواه الطبراني بإسناد فيه نظر ". وقال الهيثمي- مبيناًوجهة نظره في إسناده-
(10/ 87):
" رواه الطبراني، وفيه النضر بن عبيد، ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا ".
قلت: وقد توبع من عفيف بن سالم عن أيوب بن عتبة عن عطاء به، وزيادة
منكرة في متنه، ولفظه:
جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال النيي صلى الله عليه وسلم :

(14/281)


@@@ 282
" سل واستفهم ".
فقال: يا رسول الله! فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة، أفرأيت إن آمنت
بمثل ما أمنت به، وعملت مثل ما عملت به، أني لكائن معك في الجنة؟ قال:
"نعم".
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" والذي نفسي بيده! إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف
عام".
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :... فذكرحديث الترجمة بتقديم وتأخير، فقال رجل:
كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله!؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل، ولو وضع على جبل، لأثقله، فتقوم
النعمة من نعم الله فتكاد أن تستنفد ذلك كله، إلا أن يتطاول الله برحمته " ونزلت
هذه السورة:{ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئأ مذكوراً} إلى
قوله {[أيت نعيمأ ]} وملكاًكبيراً. قال الحبشي: وإن عيني لتريان ما ترى
عيناك في الجنة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" نعم ". فاستبكى حتى فاضت نفسه. قال ابن عمر:
لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيده.
ومن طريق الطبراني أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3/ 9 31- 0 32) وقال:
__________
(1) قلادة من "الحلية" و " ابن حبان ".

(14/282)


@@@ 283
"حديث غريب من حديث عطاء، تفرد به عفيف عن أيوب بن عتبة
اليمامي، وكان (عفيف) أحد العباد والزهاد من أهل الموصل، كان الثوري يسميه
(الياقوتة)".
قلت: وهذه التسمية فائدة عزيزة لم تذكر في ترجمة (عفيف) من " التهذيبين".
لكن شيخه (أيوب بن عتبة) ضعيف، ولذلك استغربه أبو نعيم- فيما أظن-،
وقد بين السبب الذهبي بقوله في " المغني ":

" ضعفوه لكثرة مناكيره ". وقال ابن حبان في " الضعفاء" (1/ 169):
" كان يخطئ كثيراً ويهم شديداً حتى فحش الخطأ منه".

ثم ساق له حديثين منكرين هذا أحدهما، ومن طريقه أورده ابن الجوزي في
" الموضوعات " (2/ 42- 43)، وقال عقبه:

" قال ابن حبان: هذا حديث باطل لا أصل له، وأيوب كان فاحش الخطأ".
كذا عزا لابن حبان هذا الإبطال، وكذلك فعل في الحديث الآخر الذي أشرت
إليه، وقد سبق تخريجه برقم (6436)، وكل ذلك ليس في " ضعفاء ابن
حبان "- كما نبهت هناك-. والله أعلم.
ولحديث الترجمة شاهد من حديث أبي طلحة الأنصاري مخالف له في بعض
متنه، مع ضعف إسناده، يرويه محمد بن يونس اليمامي: ثنا يحيى بن شعبة
ابن يزيد: حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أبيه عن جده
رضي الله عنه مرفوعاًبلفظ:

(14/283)


@@@ 284
" من قال: لا إله إلا الله، دخل الجنة- أوجبت له الجنة-، ومن قال: سبحان
الله وبحمده مائة، كتب الله له ألف حسنة وأربعاًوعشرين حسنة".
قالوا: يا رسول الله! إذاًلا يهلك منا أحد! قال:
" بلى إن أحدكم ليجيء بالحسنات لو وضعت على جبل، أثقلته... "
الحديث.
أخرجه الحاكم (4/ 251) وقال:
" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي!

قلت: وهذا التصحيح ككثير من أمثاله لا أجد له وجهاً فإن محمد بن يونس
اليمامي ويحيى بن شعبة بن يزيد لم أجد لهما ترجمة. ومنه يتجلى جناية
المعلقين على " الترغيب "؟ بل على السنة، فإنهم حسنوا الحديث مع نقلهم
التصحيح المذكور، فلا هم وافقوه، ولا هم بينوا وجه تحسينهم إياه حتى يعذروا،
وعلى ذلك جروا في عامة تعليقاتهم، فهم ينقلون عن بعض كتبي- مثلاً-
التصحيح، ويصدرون كلامهم بالتحسين! مما يشعر الواقف على أسلوبهم، أنهم
يريدون أن يتظاهروا بأنهم مجتهدون في هذا العلم، وهم في واقعهم غارقون
في التقليد إلى أذقانهم! وأنهم يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا! والعياذ بالله
تعالى.
ثم قلت: لعل نسبة: (اليمامي) محرفة من: (السامي)، فإذا صح هذا،
فيكون هو: (محمد بن يونس السامي).. المعروف بـ : (الكديمي)، وهو كذاب
وضاع. والله أعلم.

(14/284)


@@@ 285
6619- (من قال:( سبحان الله وبحمده)، كان مثل مئة رقبة
تعتق، إذا قالها مئة مرة، ومن قال:( الحمد لله) مئة مرة، كان عدل مئة
فرس مسرج ملجم في سبيل الله، ومن قال:! الله أكبر) مئة مرة، كان
عدل مئة بدنةٍ تنحرُ بمكة).

ضعيف جداً.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8/ 135/ 7534)
من طريق محمد بن عوف الحمصي: ثنا سليمان بن عثمان عن محمد بن زياد
عن أبي أمامة مرفوعاً

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، سليمان بن عثمان: ليس بثقة، كما تقدم
عن الذهبي تحت حديث آخر له تقدم برقم (5127)، وذكرنا هناك ما قاله أبو
حاتم وغيره فيه من التضعيف، وهو مما فات على الحافظ المنذري معرفة حاله، فقال
في "الترغيب " (2/ 246):
" رواه الطبراني، ورواة إسناده رواة الصحيح، خلا سليم بن عثمان الفوزي،
يكشف حاله، فإنه لا يحضرني الآن فيه جرح ولا عدالة ". وأ ما الهيثمي فقال
(10/ 92):
" رواه الطبراني، وفيه سليمان بن عثمان الطائي الفوزي، وقد روى عنه ثلاثة،
وذكره ابن حبان في " الثقات "، وذكر شرطاً،فوُجِد، فالحديث حسن، لأن بقية رجاله ثقات ".
قلت: كلا، ليس بحسن، بل هو ضعيف إن لم يكن ضعيفاً جداً، فإن الشرط
- الذي يدعي أنه وجد- لم يتحقق، لأن الثلاثة الذين رووا عن الطائي، اثنان
منهما لا قيمة لروايتهما عنه لضعفهما، فيبقى على الجهالة التي صرح بها أبو حاتم

(14/285)


@@@ 286
- كما تقدم بيانه تحت الحديث المشار إليه آنفاً، رداً على الهيثمي في كلام له يشبه
هذا-.
ومن هذا التخريج والتحقيق يتبين لنا مثال جديد من مئات الأمثلة على جهل
المعلقين الثلاثة على " الترغيب "، وأنهم جهلة نقلة، ينقلون ما لا يعون ويفهمون،
فإنهم في هذا الحديث لما وجدوا الهيثمي قد صرح بتحسين الحديث، حسنوه ونقلوا
كلامه، بخلاف الحديث المثار إليه أنفاً، فإنهم ضعفوه (2/400/ 2275)
ونقلوا كلامه أيضاً، وقد ذكرته هناك مع الرد عليه، ولكنهم لم يفهموا أنه يعني
بتحسينه أيضاً بختم كلامه بقوله: " وقد روى عنه ثلاثة... " كما قال هنا!
وعلى كل حال، فقد كان من الممكن أن ينجبر قلة فهمهم بالبحث والتنقيب
عن سند الحديثين، ولو أنهم فعلوا، لوجدوه واحداً، ولم يقعوا في مثل هذا
التناقض الظاهر الفاحش! ولكن لا فهم ولا بحث، وفوق ذلك ادعاء التحقيق..
آفة طلاب هذا الزمان. والله المستعان.

ثم رأيت الذهبي قد أكد تضعيفه لسليمان بن عثمان هذا بقوله فيه:
" منكر الحديث" في " المقتنى ".

6620- (قولي: (الله أكبر) عشر مرارٍ، يقول الله: هذا لي،
وقولي: (سبحان الله) عشر مرارٍ، يقول الله: هذ ا لي. وقولي: (اللهم!
اغفر لي)، يقول: قد فعلتُ، فتقولين عشر مرارٍ، ويقول: قد فعلت).

ضعيف بهذا السياق.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (24/ 302/
766) قال: حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي: ثنا محمد بن المثنى:

(14/286)


@@@ 287
ثنا أبو بكر الحنفي: ثنا بكير بن مسمار: أخبرني زيد بن أسلم عن سلمى أم بني
رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت:
يا رسول الله! أخبرني بكلمات ولا تكثر عليَّ، فقال:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد رواته محتج بهم في " الصحيح "، كما قال المنذري في
" الترغيب " (2/ 248)، والهيثمي في " المجمع " (5 1/ 92)، ولم يستثنيا
(النرسي) شيخ الطبراني، لنزول طبقته عن شيوخ "الصحيحين "، عند أهل
العلم، وأين هم اليوم؟! هذا أولاً.

وثانياً: إنما يصح هذا الإطلاق أو الاغماض، إذا كان الشيخ ثقة مشهوراً، أو
كان متابعاً من غيره، و (النرسي) هذا من شيوخ الطبراني الذين لم نجد له ترجمة،
وقد روى له حديثاً واحداً في "المعجم الصغير" كنت خرجته قديماً في " الروض
النضير" (1/ 129- 130) منوهاً بأنه ممن لم نجد له ترجمة، والأمر كذالك حتى
اليوم. ولم يرو له في " المعجم الأوسط " شيئاً، وروى له في "المعجم الكبير "
أحاديث أخرى. وله في كتابه " الدعاء" أكثر من عشرة أحاديث، تجد أرقامها في
المجلد الأول منه (ص 594- تحقيق الدكتور البخاري).

ولعل أصل الحديث ما رواه عطاف بن خالد عن زيد بن أسلم عن أم رافع أنها
قالت:
دلني يا رسول الله! على عمل يأجرني الله عليه، قال:
" يا أم رافع! إذا قمت إلى الصلاة، فسبحي الله عشراً وهلليه عشراً واحمديه عشراً
وكبريه عشراً واستغفريه عشراً.. " الحديث نحوه أتم منه.
وإسناده حسن، ولذلك خرجته في " الصحيحة " (3338).

(14/287)


@@@ 288
6621- (كلمتان إحد اهما ليس لها ناهية (!) دون العرش،
والأخرى تملأ ما بين السماء والأرض: لا إله إلا الله، والله أكبر).
منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (50/ 0 6 1/ 334) من
طريق سعيد بن أبي مريم: أنا ابن لهيعة عن موسى بن جبير: أن معاذ بن عبد الله
ابن رافع حدثه قال: كنت في مجلس فيه عبد الله (الأصل: عبد الرحمن) بن
عمر، وعبد الله بن جعفر، وعبد الرحمن بن أبي عمرة، فقال ابن أبي عمرة:
سمعت معاذ بن جبل يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:... (فذكره). فقال
ابن عمر لابن أبي عمرة: أنت سمعته يقول ذلك؟ قال: نعم. قال: فبكى
عبد الله بن عمر حتى اختضبت لحيته بدموعه، ثم قال: هما كلمتان نغلقهما
ونألفهما.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن لهيعة: ضعيف، ومعاذ بن عبد الله بن رافع:
غير معروف، وليس له ذكر في كتب الرجال، وقد أشار إلى ذلك المنذري بقوله في
" الترغيب " (2/ 250):
" رواه الطبراني، ورواته إلى معاذ بن عبد الله ثقات سوى ابن لهيعة ولحديثه
هذا شواهد. (نعلقهما)، أي: نحبهما ونلزمهما ".

وقال الهيثمي في " المجمع" (10/ 86- 87):
"رواه الطبراني، ومعاذ بن عبد الله بن رافع: لم أعرفه، وابن لهيعة: حديثه
حسن، وبقية رجاله ثقات ".
قلت: ليس هذا من رواية أحد العبادلة عن ابن لهيعة، فليس حديثه بحسن،
لو سلم من (معاذ بن عبد الله). ومن غرائب المناوي قوله في كتابه " التيسير ":

(14/288)


@@@ 289
" رواه الطبراني عن معاذ بإسناد حسن أو ضعيف "!
وأما قول المنذري المتقدم:" ولحديثه شواهد "!

فلعله يعني: (في الجملة)، فهذا مما لا يعطيه قوة، أو يعني: مثل قوله صلى الله عليه وسلم
في حديث: "الطهور شطر الإيمان... "، وفيه: " وسبحان الله والحمد لله تملآن أو
تملأ ما بين السماء والأرض ". رواه مسلم وغيره، فهذا عليه لا له- كما هو ظاهر-
وهو مخرج في "تخريج مشكلة الفقر " (35- 36/ 59).

وقوله: (ناهية): كذا في " الطبراني " و" الترغيب " و" المجمع "، ولم أفهمه!
ولعله: (نهاية ).

6622- (يا أبا هريرة! ألا أدئلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول
ولا قوة إلا بالله، لا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه).

منكر بزيادة: ( لا ملجأ ...).
أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة "
(295/ 358)، والحاكم (1/ 517)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (1/
444/ 659) والطيالسي في " مسنده" (322/ 2456)، وأحمد (2/ 309
و5 52)، والبزار أيضاً(4/ 6 1/ 89 0 3)، والطبرا ني في " الدعاء " (3/
1540/1636)، ومن طريقه الذهبي في " التاريخ " (6/177 - 178) كلهم
من طريق إسرائيل وأبي الأحوص عن أبي إسحاق عن كميل بن زياد عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :... فذكره. وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي!
كذا قالا. ويدفعه أمران:

(14/289)


@@@ 290
أحد هما: اختلاط وعنعنة أبي إسحاق- وهو: السبيعي-.
والآخر: المخالفة لعبد الرحمن بن عابس قال: سمعت كميل بن زياد به، دون
قوله: " لا ملجأ... " إلخ.
أخرجه أحمد (2/ 520): ثنا سليمان بن داود: أنا شعبة عن عبد الرحمن
ابن عابس قال: سمعت كميل بن زياد به، وزاد:
" أحسبه يقول: أسلم عبدي واستسلم ". وأخرجه الطبراني (1633) من
طرق عن شعبة به ولم يشك...
وابن عابس هذا: ثقة من رجال الشيخين، فالسند صحيح، والزيادة المذكورة
قد تابعه عليها عمرو بن ميمون عن أبي هريرة دون أي شك، وهو مخرج
في "الصحيحة " (1528).

وقد خولف شعبة من جابر بن الحر الجعفي عن عبد الرحمن بن عابس...
به، مثل رواية أبي إسحاق.
أخرجه الشجري في " الأمالي " (2/ 301).
قلت: وجابر هذا: غير معروف، لم يزد الذهبي على قوله في " الميزان":
" قال الأزدي: يتكلمون فيه ".
فمثله مخالفته مردودة منكرة، ولا سيما إذا كان المخالف شعبة بن الحجاج جبل
الحفظ. ثم رأيت أحمد قد أخرجه (2/ 535) من طريق جابر هذا دون الزيادة.
وأصل هذه الزيادة مقطوع من قول مكحول التابعي، جاء في رواية هشام بن

(14/290)


@@@ 291
الغاز عنه عن أبي هريرة مرفوعاً نحو حديث الترجمة بتقديم وتأخير. وفيه:
"قال مكحول: فمن قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا منجا من الله إلا إليه،
كشف عنه سبعين باباً من الضر، أدناهن الفقر ".

أخرجه الترمذي (3596) وقال:
" حديث ليس إسناده بمتصل، مكحول لم يسمع من أبي هريرة ".

قلت: ومن هذا التخريج والتحقيق يتبين لمن وقف على تخريج الحافظ المنذري
للحديث أنه لم يكن مسدداً فيه، فإنه:
أولاً: ساق الحديث في "الترغيب " (2/ 255) من رواية الترمذي هذه،
ونقل عنه إعلاله إياه بالانقطاع، ثم قال:
" ورواه النسائي- والبزار مطولاً- ورفعا: " ولا ملجأ من الله إلا إليه ". ورواتهما
ثقات يحتج بهم"!
فسكت عن اختلاط وعنعنة أبي إسحاق! ولم يتنبه لمخالفته لابن عابس الثقة!!
ثم زاد ضغثاً على إبالة، فقال:
وثانياً: ثم قال: " ورواه الحاكم وقال: صحيح ولا علة له. ولفظه (ثم ساقه
باللفظ الصحيح الذي ليس فيه الزيادة، والخرج في" الصحيحة ")، ثم قال:
"وفي رواية له وصححها أيضاً قال: يا أبا هريرة! ألا أدلك... " فذكر حديث
الترجمة، فأوهم أنها من غير طريق النسائي والبزار، وهي هي- كما ذكرنا في
التخريج-!

(14/291)


@@@ 292
ونحوه في التخليط قول الهيثمي في " المجمع " (0 1/ 98- 99)- بعد أن
[ ساق ] حديث الترجمة في حديث مطول عن أبي هريرة-:
" رواه البزار مطولاً هكذا، ومختصراً، ورجالهما رجال الصحيح، غير كميل
ابن زياد، وهو ثقة،. وفاته عزوه لأحمد.

ووجه الخلط يتبين لك، إذا عرفت أنه يعني بالمختصير رواية البزار (رقم 3088)
من رواية شعبة عن ابن عابس، التي ليس فيها الزيادة، ورواها الحاكم- كما ذكرت
في (ثانياً)-!

وجهل هذه الحقائق كلها المعلقون الثلاثة، والمدعون التحقيق، فوقفوا في
تعليقهم على طبعتهم الحسناء (!) لـ " الترغيب " (2/ 433) فوقفوا موقفاً
وسطاً - أنصاف حلول-، فصدروا الحديث- كعادتهم الغالبة- بقولهم:
" حسن، رواه... " ونقلوا فيه قول الهيثمي، وتصحيح الحاكم والذهبي!!!
وليس في كلامهم التحسين المدعى، وقد عرفت من التحقيق، أنه ليس إلا ما هو
صحيح ثابت، أو ضعيف منكر. وهكذا يستر مدعو العلم جهلهم بمثل هذا التوسط
الذي ينافي الواقع!

ثم إنني أقول: يبدو لي أن زيادة " لا ملجأ... " من تخاليط أبي إسحاق
السييعي، فقد رواها قبل اختلاطه في حديث (ما يقال إذا أتى فراشه)، كذلك
رواه عنه الثوري وشعبة أنه سمع البراء، فلما حدث به بعد الاختلاط، اختلطت
عليه بحديث الترجمة، وأدخلها في حديث أبي هريرة! وإنما هي في حديثه عن
البراء، وهو مخرج في المجلد السادس من " الصحيحة " (2889)، وقد صدر
والحمد لله.

(14/292)


@@@ 293
وقد خلط في تخريج الحديث معلق آخر، وهو محقق " تاديخ الذهبي" الدكتور
(تدمري)، فقد عزا حديثه للشيخين وأصحاب " السنن "- إلا النسائي- وأحمد،
دون أن يستثني الزيادة، فأوهم القراء أنها صحيحة، وأنها عندهم جميعأ إا
وإن مق غرائبه أنه عزاه لأحمد في أكثر من عشرين موضعاً بأرقامها وأجزائه
منه، وفيها ما ليس من حديث أبي هريرة ودون أن ينبه على ذلك، فكأن المقصود
تسويد السطور وتكثيرها، وليس التحقيق! واللة المستعان.

6623- (من قرأ {يس}في ليلة ابتغاء وجه الله، غفرله).
ضعيف.
روي من حديث أبي هريرة، وجندب بن عبد الله، وعبد الله بن
مسعود، ومعقل بن يسار المُزني.

1 - أما حديث أبي هريرة: فهو أشهرها، أخرجه الدارمي (2/ 457)،
والطيالسي (323/ 467 2)، وابن السني (17 2/ 268)، والعقيلي في "الضعفاء "
(1/ 03 2)، وأبو يعلى (1 1/ 93- 94)، واين عدي (1/ 416 و 2/ 299)،
والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 82- هند)، " الأوسط " (4/304/
3533)، وأبو نعيم في " الحلية " (2/ 59 1) وفي " أخبار أصبهان " (1/
252)، والبيهقي في " الشعب " (2/ 480/ 2462- 2464)، والخطيب في
" التاريخ " (3/ 253)، وابن الجوزي في "الموضوعات (1/ 247) من طرق
عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال أبو نعيم:
" هذا حديث رواه عن الحسن عدة من التابعين منهم يونس بن عبيد ومحمد
ابن جحادة".

(14/293)


@@@ 294
قلت: وأقواها إسناداً الثاني منهما، حتى قال السيوطي في " اللآلي " (1/
235):
" هذا إسناد على شرط (الصحيح) ".

فأقول: كان يكون كذلك، لولا أن الحسن- وهو: البصري- معروف
بالتدليس، مع الاختلاف في ثبوت سماعه من أبي هريرة، كما حكى الطبراني
عقب الحديث قال:
" قد قيل: إن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، وقال بعض أهل العلم: إنه قد
سمع منه ".
والذي قرره الحافظ في " التهذيب " أنه سمع منه في الجملة، لكن هذا لا
ينفع في المدلس حتى يصرح بالسماع الذي لا يحتمل التأويل.
نعم، في رواية أبي يعلى قوله: " سمعت أبا هريرة "، لكن الراوي عنه هشام
ابن زياد- وهو: أبو المقد ام المد ني، وهو-: متروك- كما قال النسائي والذهبي
والعسقلاني-، والظاهر أنه خفي أمره على الحافظ ابن كثير، فقال في " التفسير "
(3/ 563):
"إسناده جيد"!
2- أما حديث جندب بن عبد الله: فيرويه محمد بن جحادة أيضاً عن الحسن
أخرجه ابن حبان (665- موارد).
والعلة هي نفس العلة التي تقدم الكلام عنها، يضاف إليها الاختلاف على

(14/294)


@@@ 295
محمد بن جحادة في إسناده، ثم على الحسن نفسه.
3- وأما حديث ابن مسعود: فيرويه أبو مريم عن عمرو بن مرة عن الحارث بن
سويد عنه.
أخرجه أبو نعيم أيضاً (4/ 130) وقال:
" حديث غريب، لم يروه عن عمرو إلا أبو مريم- وهو: عبد الغفار بن القاسم-:
كوفي في حديثه لين ".

قلت: هو شر من ذلك، فقد قال فيه ابن المديني وأبو داود:
"كان يضع الحديث ".
4- وأما حديث معقل بن يسار: فيرويه مسلم بن إبراهيم بن عبد الله: ثنا أبو
عمر الضرير: ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن رجل عنه.
أخرجه البيهقي (2458).
قلت: وهذا إسناد مظلم، مسلم بن إبراهيم بن عبد الله: لم أعرفه، والرجل:
مجهول لم يسم، وأنا أظن أنه (أبو عثمان- وليس النهدي)، فقد روى المعتمر بن
سليمان عن أبيه عنه عن معقل حديثاً آخر في فضل {يس }، وهو مخرج في
" الإرواء " (3/ 150- 151) و" المشكاة " (1622)، وأبو عثمان مجهول،
- وليس هو النهدي الثقة-.
والخلاصة: ليس في هذه الطرق ما يمكن أن يعطي للحديث قوة، وقد أشار إلى
ذلك العقيلي بقوله عقبه:

(14/295)


@@@ 296
" والرواية في هذا المتن فيها لين،. وقال الدارقطني:
" هذا الحديث قد روي مرفوعاًوموقوفاً، وليس فيها شيء يثبت". نقله ابن
الجوزي.
وقد روي الحديث بألفاظ أخرى في بعضها نكارة شديدة، بل إن آثار الوضع
عليها لائحة، وقد تقدم بعضها برقم (69 1، 4636).

(تنبيه): عزا الحافظ المنذري حديث الترجمة في موضعين من "الترغيب "
(2/ 222، 257) لابن السني وابن حبان في " صحيحه" عن جندب بن
عبد الله. وليس هو عند ابن السني إلا من حديث أبي هريرة، فكأنه حمل حديث
جندب عليه! وهو تساهل غير مرغوب فيه. وعزاه في الموضع الأول لمالك أيضاً.
فلعله سبق قلم، أو زيادة من بعض النساخ، فإني لم أجده في "الموطأ "- وهو
المقصود عند إطلاق العزو إليه- مع الاستعانة على ذلك بالفهارس الموضوعة اليوم،
سواء ما كان منها خاصاً به أو أعم.

6624- (1 - مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ.
2- وَمَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ.
3- وَمَنْ قَرَأَ مِئَتَيْ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ.
4- وَمَنْ قَرَأَ أَرْبَعَ مِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْعَابِدِينَ.
5- وَمَنْ قَرَأَ خَمْسَ مِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْحَافِظِينَ.

(14/296)


@@@ 297
6- وَمَنْ قَرَأَ سِتَّ مِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْخَاشِعِينَ.
7- وَمَنْ قَرَأَ ثَمَانِ مِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُخْبِتِينَ.
8- وَمَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ أَصْبَحَ لَهُ قِنْطَارٌ، وَالْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِئَتَا
أُوقِيَّةٍ، الأُوقِيَّةُ خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَوْ قَالَ: مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ
الشَّمْسُ.
9- وَمَنْ قَرَأَ أَلْفَيْ آيَةٍ كَانَ مِنَ الْمُوجِبِينَ).

منكر جداً بهذا التمام.
"خرجه الطبراني في "المعجم الكبير " (8/ 211/
7748) قال: حدثنا علي بن سعيد الرازي: ثنا جبارة بن المغلس: ثنا يحيى بن
عقبة بن أبي العيزار عن محمد بن جحادة عن يحيى بن الحارث الدمشقي عن
القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد واه جداً، يحيى بن عقبة هذا: قال أبو حاتم:
"يفتعل الحديث ". وقال يحيى بن معين:
" كذاب خبيث، عدو الله ". وقال البخاري:
" منكر الحديث ".
وجبارة بن المغلّس ة ضعيف، كذبه ابن معين.

وعلي بن سعيد الرازي: حافظ فيه ضعف، لكن الآقة من يحيى بن
عقبة، وكأنه اختلق من نفسه هذا الحديث بهذا السياق، فإن لبعض فقراته

(14/297)


@@@ 298
أصلاً في أحاديث متفرقة، جمعها هو، وألحق بها ما لا يعرف له أصل،
وساقها مساقاً واحداً، ويحسن التنبيه على ما وقفت على صحته منه، وهي
الفقرات:
1 - " من قرأ عشر آيات... ".
2- " ومن قرأ مئة آية... ".
8- " ومن قرأ ألف آية... "، دون: " والقنطار... " إلخ، وفي تحديد وزن
القنطار أحاديث ضعيفة، تقدم تخريج بعضها برقم (4076)، والفقرات
الثلاث مخرجة في الجلد الثاني من " الصحيحة "، فانظر (642، 643، 644،
657).

6625- (من صلى عليّ، كتبت الله عزوجل له بها عشرحسنات،
ومحا عنه بها عشر سيئات، ورفعه بها عشر درجات، وكن له (1) عدل
عتق عشر رقاب).

منكر بزيادة: (الرقاب).
أخرجه ابن أبي عاصم في " الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم " (43/ 52) من طريق حاتم بن إسماعيل عن محمد بن عبد الله عن
مولى البراء بن عازب محن البراء بن عازب مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، غير مولى البراء، فهو
مجهول.
__________
(1) الأصل: "به، والمثبت من "القول البديع" (ص 81)، و" جلاء الأفهام" (ص 46).

(14/298)


@@@ 299
والراوي عنه (محمد بن عبد الله)، كان قد انقدح في النفس أنه لعله (ابن أبي
سبرة)، القاضي المشهور بكنيته (أبو بكر بن أبي سبرة) المتهم بالوضع، لأنه من
هذه الطبقة، وهو مدني كالراوي عنه (حاتم بن إسماعيل)، لكني لما لم أجد أنهم
ذكروه في الرواة عنه، توقفت، وإن كنت أرى أن النكارة التي في الحديث لا تليق
إلا بمثله، بيد أنني استمررت في البحث حتى وجدت الحافظ المزي قد ذكر في
ترجمة (محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد... التيمي المدني) أن (حاتم
ابن إسماعيل) قد روى عنه، فغلب على ظني أنه هو، وهو ثقة، كما بينته في
" الصحيحة" تحت الحديث (913).

وانما حكمت على الزيادة بالنكارة، لتفرد هذا الوجه الضعيف به، ولخالفته
لسائر الأحاديث الواردة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي كثيرة جداً، أُلفت
فيها مؤلفات معروفة، لم ترد فيها هذه الزيادة.

ومن هنا يظهر جهل المعلقين الثلاثة على " الترغيب " (2/ 492)، فإنهم مع
تصديرهم التعليق بقولهم: " ضعيف"، فقد قالوا:
" ولمتنه شواهد "!

وهذا مع مناقضته للتصدير المذكور، فإنه يخالف الواقع، كما شرحت آنفاً، ولو
كانوا يكتبون بعلم، كان تصديرهم بالتحسين إذا كانوا مُعتَدَّين بما أشاروا إليه من
الشواهد، أو أن يعقبوا عليها بما يشعر أنه لا يعتد بها! حتى لا يناقض ما صدروا.

6626- (من صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ واحدة ]، صلى الله عليه
وملائكته سبعين صلاة، فليُقلَّ عبد من ذلك أو ليُكثر).

منكر بلفظ: " سبعين".
أخرجه أحمد (2/ 172): حدثنا يحيى بن

(14/299)


@@@ 300
إسحاق: حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هُبيرة عن عبد الرحمن بن مُربح
الخولاني قال: سمعت أبا قيس مولى عمرو بن العاص يقول: سمعت عبد الله بن
عمرو يقول... فذكره.

ثم قال أحمد (2/ 187): حدثنا حسن بن موسى: حدثنا ابن لهيعة به،
إلا أنه قال:
"عن ابن مريح مولى عبد الله بن عمرو أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول..."
فذكره موقوفاً، كالذي قبله، وفيه الزيادة، ودون قوله: " فليقل...".

قلت: كذا قال في هذه الرواية، أسقط (أبا قيس مولى عمرو بن العاص)
كما أسقط اسم (ابن مريح)، وجعله مولى عبد الله بن عمرو، وهو في الرواية
الأولى مولى أبيه (عمرو بن العاص)، وهذا كله من تخاليط ابن لهيعة، وسوء
حفظه الذي طرأ عليه بعد احتراق كتبه.
ويحيى بن إسحاق وحسن بن موسى: لم يذكرهما أحد- فيما علمت- فيمن
روى عنه قبل احتراق كتبه، كالعبادلة الذين صرح بعض الحفاظ بصحة حديثهم
عنه- كما ذكرنا ذلك مراراً في غير ما موضع-.

وإن من تخاليط ابن لهيعة: قوله في هذا الحديث:
" صلى الله عليه وملاثكته سبعين صلاة "!
فإن المحفوظ في سائر الأحاديث
"... صلى الله عليه بها عشراً،. وهو بهذا العدد يكاد يكون متواتراً، فقد
جاء من حديث:

(14/300)


@@@ 301
1 - أبي هريرة.
2 - وأنس بن مالك.
3 - وعمر بن الخطاب.
4 - وعبد الرحمن بن عوف
5 - وعمار بن ياسر.
6 - وعمير البدري.
7 - وعبد الله بن عمرو أيضاً.
8 - ويعقوب بن زيد التيمي مرسلاً. وغيرهم.
وهي مخرجة في كتب الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانظرها - مثلاً - في " جلاء
الأفهام " لابن القيم (ص 17، 25، 28 - 31، 33، 0 4، 55، 61، 62، 64،
65). وأصحها حديث أبي هريرة، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1369)،
وحديث ابن عمرو، وهو مخرج في " الإرواء " (1/ 259/ 242)، و" صحيح
أبي داود " (536)، وفي رواة حديثه ابن لهيعة.. متابع عند أبي داود.
من أجل ذلك كله ؛ لم تطمئن النفس لقول المنذري في " الترغيب " (2/ 279):
" رواه أحمد بإسناد حسن ".
وإن تبعه الهيثمي (10/ 160)، والسخاوي في " القول البديع " (ص 77)،
وأحمد شاكر في تعليقه على " المسند " (15/ 141)، ومن ليس في العير ولا
في النفير! أمثال المعلقين الثلاثة على " الترغيب " (2/ 493).

(14/301)


@@@ 302
ولم يقنع الشيخ أحمد رحمه الله بالتحسين فقط ؛ بل رأيته قد صرح في
تعليقه على الموضع الثاني من "المسند " فقال (11/ 39):
" إسناده صحيح "!
وما هذا وذاك منه إلا على قاعدته التي أقامها على الاعتداد بابن لهيعة،
وتقويته لحديثه، غير آبه بما عليه الحفاظ المحققون من التفريق بين ما رواه العبادلة،
وما رواه غيرهم عنه ؛ فضلاً عن أقوال الحفاظ الآخرين الذين أطلقوا القول في
تضعيفه، ووصفوه بالتخليط في حديثه! وقال الحافظ الذهبي النقاد في ترجمته
من "تاريخ الإسلام" (11/ 224):

"قلت: ومناكيره جمة، ومن أردئها... ".

ثم ساق له الحديث الآتي عقب هذا:
" ادعوا لي أخي... ". في فضل علي رضي الله عنه.
وقال الحافظ في آخر ترجمته من " التهذيب":
" ومن أشنع ما رواه ابن لهيعة: ما أخرجه الحاكم في "المستدرك " من طريقه
عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذات الجنب.
انتهى. وهذا مما يقطع ببطلانه ؛ لما ثبت في " الصحيح " أنه قال ؛ لما لدوه:
"لم فعلتم هذا ؟ ". قالوا: خشينا أن يكون بك ذات الجنب، فقال:
" ما كان الله ليسلطها علي ". وإسناد الحاكم إلى ابن لهيعة صحيح، والآفة
فيه من ابن لهيعة، فكأنه دخل عليه حديث في حديث ".

(14/302)


@@@ 303
قلت: والحاكم نفسه حينما أخرجه (4/ 405) ؛ إنما رواه ليبين وهاءه - على
خلاف عادته - ؛ فإنه قال:
" إسناده واه ". وأيده الذهبي بقوله:
"لم يصح ".
ذكر ذلك عقب الحديث الصحيح الذي ذكره الحافظ، وهو مخرج في "الصحيحة"
برقم (3339).

وحديث ابن لهيعة: رواه أيضاً أبو يعلى (8/ 258)، والطبراني في " المعجم
الأوسط " (9/ 441 - 442) وقال:
" لم يروه عن أبي الأسود إلا ابن لهيعة ".
قلت: وبه أعله الهيثمي (9/ 34) ؛ فقال:
" وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف ".

(تنبيه): قول الحافظ المتقدم: " ثبت في الصحيح " يوهم - في الاصطلاح
العام - أنه في " الصحيحين " أو أحدهما، وليس كذلك!،انما أخرجا أصله،
وليس فيه قوله صلى الله عليه وسلم:
" ما كان الله ليسلطها علي ".
ولذلك خرجه الحافظ في "الفتح " (8/ 148) من رواية ابن سعد وغيره نحوه،
وقد وقع في هذا الوهم صراحة المعلق على " مسند أبي يعلى " (8/ 354) فعزاه
لـ " الصحيحين " وغيرهما! - كما ستراه في " الصحيحة " إن شاء الله تعالى -.

(14/303)


@@@ 304
ثم إن حديث الترجمة قد جاء من رواية عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن
عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من صلى علي صلاة ؛ صلى الله وملائكته عليه عشراً، فليكثرعبد أو ليقل ".
أخرجه ابن أبي عاصم في " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " (33/ 34)، وعبد الله
ابن عمر - وهو: العمري المكبر - وإن كان ضعيفاً ؛ فالحديث حسن على الأقل
بشاهدين له مخرجين في " الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لإسماعيل القاضي (رقم
3، 6)، فهو مما يؤكد شذوذ ابن لهيعة في قوله: " سبعين ".

6627 - (ادعوا لـ أخى، فدعى له عمر، فأعرض عنه، ثم قال:
ادعوا لي أخى، فدعى له أبو بكر، فأعرض عنه، ثم قال: ادعوا لـ
أخى. فدعى له عثمان فأعرض، عنه، ثم دعى على بن أبى طالب،
فستره بثوبه، وأكب عليه، فلما خرج من عنده. قيل له: ما قال ؟ قال:
علمني ألف باب كل باب [ يفتح ] ألف باب).

موضوع.
أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " (2/ 14)، وابن عدي في
" الكامل" (2/ 450) ؛ كلاهما من طريق أبي يعلى: ثنا كامل بن طلحة: ثنا
ابن لهيعة: ثنا حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه:... فذكره. وقال ابن عدد:
" هذا حديث منكر، ولعل البلاء فيه من ابن لهيعة ؛ فإنه شديد الإفراط في
التشيع، وقد تكلم فيه الأئمة، ونسبوه إلى الضعف ".
وتعقبه الذهبي في " تاريخ الإسلام " 11/ 225) بقوله:

(14/304)


@@@ 305
"كذا قال ابن عدي، وما رأيت أحداً قبله رماه بالتشيع. وكامل الجحدري وإن
كان قد قال أبو حاتم: لا بأس به. وقال أحمد: ما علمت أحداً يدفعه بحجة. فقد
قال فيه أبو داود: رميت بكتبه. وقال ابن معين: ليس بشيء. فلعل البلاء من
كامل. والله أعلم ".
قلت: الذي يبدو لي - والله أعلم - أن الرجل كما قال الإمام أحمد وغيره من
الموثقين، وقول أبي داود جرح غير مفسر ؛ فلا يقبل في هذه الحال، وإلى هذا مال
الحافظ ؛ فتبنى في " التقريب " قول أبي حاتم المذكور، فهو صدوق وسط إن شاء
الله تعالى، وقد صحح له ابن حبان عدة أحاديث، تجد أرقامها في فهرس المؤسسة
(ص 215)، وعليه ؛ فتعصيب البلاء بابن لهيعة - كما فعل ابن عدي - أولى ؛
ولكن ذلك لا يستلزم نسبته إلى التشيع ؛ بله الإفراط فيه لا من قريب ولا من
بعيد ؛ لأنه مجرد راوٍ، كما هو ظاهر لايخفى إن شاء الله تعالى.
وقد روي الحديث -طرفه الأول منه - من حديث على نفسه، من رواية
الواقدي، وقد مضى تخريجه والكلام عليه (4945).

6628 - (المرأة وحدها صف).
موضوع.
وضعه إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي عن المسعودي عن ابن
أبي مليكة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم... وهذا لا يعرف إلا بإسماعيل هذا.
كذا في " التمهيد " (1/ 268) لابن عبد البر، ولم أقف على من أخرجه
بإسناده عن إسماعيل ؛ لكن ابن عبد البر حافظ حجة، وكان من أسباب نقله عنه
أنني رأيت الحافظ ابن حجر قد عزاه في " الفتح" (2/ 212) إليه دون أن يذكر
حكمه عليه بالوضع أولاً، ومع سكوته عليه الموهم أنه حسن عنده ثانياً!!

(14/305)


@@@ 306
6629 - (كان يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول:
السلام (كذا) بما صبرتم، فنعم عقبى الدار. وأبو بكر وعمر
[ وعثمان ]).

منكر.
أخرجه ابن جريرفي "التفسير" (13/ 96) من طريق سويد:
أخبرنا ابن المبارك عن إبراهبم بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن محمد بن
إبراهيم قال:... فذكره.
قلت: وهذا إسناد مرسل ضعيف ؛ محمد بن إبراهيم هذا: أظنه أبو عبد الله
التيمي المدني، ولم يذكروه في شيوخ (سهيل بن أبي صالح)، وهو مدني أيضاً،
أورده الذهبي في " الميزان " وقال:
"من ثقات التابعين، قال أحمد: في حديثه شيء، يروي مناكير، أو قال:
أحاديث منكرة. قلت: وثقه الناس، واحتج به الشيخان، وقفز القنطرة ".

وسائر الرجال ثقات - وإبراهيم بن محمد: هو: أبو إسحاق الفزاري - ؛ سوى
سويد - وهو: ابن سعيد الحدثاني - ؛ قال الحافظ:
"صدوق في نفسه ؛ إلا أنه عمي، فصار يتلقن ما ليس من حديثه، فأفحش
فيه ابن معين القول ".
والحديث أورده السيوطي في " الدرر المنثور" (4/ 58) من رواية ابن جرير
عن محمد بن إبراهيم رضي الله عنه!
كذا وقع فيه: " رضي الله عنه"، فأوهم أنه صحابي ؛ لأن الترضي مشعر
بذلك اصطلاحاً، فكان هذا من الدواعي على إخراجي إياه، والكشف عن
إرساله، وضعف إسناده إليه.

(14/306)


@@@ 307
وأما نكارة متنه ؛ فإنه ينافي مشروعية زيارة القبور بدون توقيت وتوقيف، مما
يفتح الباب للجهلة الذين يتخذون لزيارتها أياماً مخصوصة، كما يفعلون يوم العيد
وغيره، ويضعون عليها الأكاليل والزهور!

6630 - (كان يدعو في دبر صلاة الظهر:
اللهم خَلّص الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة،
وضعفة المسلمين من أيدي المشركين، الذين {لا يستطيعون حيلة ولا
يهتدون سبيلا} ).

منكر بذكر: (دبر صلاة الظهر).
أخرجه ابن جرير الطبري في " التفسير"
(5/ 150) من طريق حماد عن علي بن زيد عن عبيد الله أو إبراهيم بن عبد الله
القرشي عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ، لسوء حفظ علي بن زيد - وهو ابن جدعان -
واختلاطه، وقد اضطرب في إسناده ومتنه ؛ فرواه عبد الوارث فقال: ثنا علي بن
زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه بعدما سلم وهو: مستقبل الكعبة، فقال:
اللهم! خلص الوليد، وعياش بن أبي ربيعة... إلخ.

وهذا أنكر من الأول ؛ لقوله: " بعدما سلّم ".

أخرجه ابن أبي حاتم في " التفسير " (1/ 174/ 1)، والبزار في " مسنده
(4/ 50/ 3172 - كشف).

(14/307)


@@@ 308
أما اللفظ الأول: " دبر " ؛ فليس نصاً بما بعد السلام ؛ فقد يأتي بمعنى قبل
السلام - كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض تحقيقاته -.

وهذا هو الأقرب إلى المحفوظ عن أبي هريرة ؛ أن الدعاء المذكور كان قبل
السجود الأول في الركعة الأخيرة ؛ صح ذلك عنه من طرق، منها: الزهري عن
سعيد عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح في آخر
ركعة قنت.

وهو مخرج في " الصحيحة " (2071). ورواه مسلم من هذا الوجه، وزاد:
" ثم يقول: وهو قائم: اللهم! أنجِ الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام... "
الحديث.
وكذلك رواه البخاري (804، 1006، 4597) ، ومسلم أيضاً، وأحمد (2/
255) وغيرهم من طرق أخرى عن أبي هريرة، وزاد أحمد:

"في الركعة الآخرة من صلاة الظهر، وصلاة العشاء [ الآخرة ]، وصلاة
الصبح ".
وهو مخرج في " الإرواء " (2/ 165)، و" صحيح أبي داود) (1294) من
طريق واحدة منها، وهي أبي سلمة عنه.
وكل طريق من هذه الطرق - وبخاصة الطريق الأولى، وهي طريق الزهري المتابع
لابن جدعان سنداً، والخالف له متناً - كل واحدة من هذه الطرق - كافية للحكم
على قوله فيه: " بعدما سلّم " بالنكارة ؛ فكيف بها مجتمعة؟
وقد جهل أو تجاهل هذه الحقيقة العلمية ذاك الجزائري المؤلف لرسالته التي

(14/308)


@@@ 309
أسماها: " كشف الأكنة عما قيل: إنه بدعة وهو سنة " ؛ فحاول تقوية حديث ابن
جدعان بلفظيه متجاهلاً أقوال الجارحين له، مقتصراً على من قال فيه: " صدوق"،
ومنهم الترمذي، مع أن تمام كلامه يلتقي مع أقوال الجارحين له، فإنه قال:
" إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره ".

ولست بحاجة إلى سرد أقوال الجارحين له ؛ فإنها معروفة عند المشتغلين بهذا
الفن، فحسبي الآن أن أنقل قول الحافظ العسقلاني في " التقريب ":
"ضعيف ".

وأن أتبعه بتأكيد ضعفه بمخالفته للإمام الثقة الحجة التابعي الجليل الحافظ
الزهري ومن تبعه من الثقات - كما تقدم -. فلست أدري هل [ وعى ] ذاك
الجزائري هذه الحقيقة العلمية، أم هو التزبب قبل التحصرم ؟! وله من مثل هذا
الشيء الكثير، فانظر على سبيل المثال الحديث المتقدم برقم (5701).

ولا يفوتني أن أذكر هنا أنه دلس على القراء، وأوهم أن الحافظ ابن كثير قوى
هذا الحديث بنقله عنه أنه قال في " التفسير ":
" ولهذا الحديث شاهد في " الصحيح " من غير هذا الوجه - كما تقدم - ".

والحافظ يشير بقوله هذا (1/ 542) إلى رواية البخاري التي كان ذكرها قبيل
حديث الترجمة، وهو من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة التي أشرت إليها آنفاً،
وليس فيها لفظ " دبر " ولا قوله: " بعدما سلم "، وإنما فيها دعاؤه صلى الله عليه وسلم على
المشركين، فهذا فقط هو مقصود الحافظ، وأما سائره فمنكر - كما تقدم بيانه -، وهو
جلي ظاهر لا يخفى على من أوتي حظاً من هذا العلم، وكان بعيداً عن الهوى،

(14/309)


@@@ 10
نسأل الله السلامة.
وإن من جهله بهذا العلم أنه ساق عقب الحديث ما نصه (ص 23):
"عن عبد الله بن الزبير: رأى رجلاً رافعاً يديه قبل أن يفرغ من صلاته، فلما
فرغ منها ؛ قال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته ". وقال:
" رواه الطبراني، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رجاله ثقات. وكذلك
قال السيوطي في (فض الوعاء)".
فأقول:
أولاً: الحديث لا يثبت، وتوثيق رجاله فيه تساهل يتبين لمن وقف على
إسناده ؛ فقد قال الطبراني في " المعجم الكبير " (13/ 129/ 324): حدثنا
سليمان بن الحسن العطار قال: حدثنا أبو كامل الجحدري قال: حدثنا الفضيل
ابن سليمان قال: حدثنا محمد بن أبي يحيى قال: رأيت عبد الله بن الزبير ورأى
رجلاً... الحديث.
وهذا إسناد فيه علتان:
الأولى: الفضيل بن سليمان ؛ وإن كان من رجال الشيخين، ففيه ضعف من
قبل حفظه ؛ قال الذهبي في "المغني ":
" فيه لين". وقال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق له خطأ كثير".

(14/310)


@@@ 311
والعلة الأخرى: شيخ الطبراني (سليمان بن الحسن العطار) ؛ لا يدرى
حاله، ولم يرو له الطبراني في "الأ وسط" (4/ 389 - 391) إلا أربعة أحاديث ؛
فهو من شيوخه المغمورين، ولم أجد له ترجمة، ولا في " بلغة القاصي والداني في
تراجم شيوخ الطبراني " للشيخ حماد الأنصاري، والشيخ الهيثمي كثيراً ما يغض
النظر عن شيوخ الطبراني، ويقول كما هنا: " رجاله ثقات" أو " رجاله رجال
(الصحيح) !! وهو تساهل عرف به، فينبغي التنبه لهذا.

وان من تفاهة رسالة الشيخ الغماري: " إتقان الصنعة" التي لا شيء من
الإتقان فيها: قوله في حديث عبد الله بن الزبير هذا (ص 131):

" أخرج ابن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن أبي يحيى الأسلمي قال: رأيت
عبد الله بن الزبير.. ". إلخ.
قلت: فهذا من تخاليط الغماري! فإن بين ابن أبي شيبة ومحمد بن أبي
يحيى - وهو تابعي - مفاوز - كما لا يخفى على المبتدئين بهذا العلم -! ثم إنني لم
أعثر عليه في " مصنف ابن أبي شيبة"، وهو المراد عند إطلاق العزو إلى ابن أبي
شيبة، وما أظنه فيه، فلعل أصل عبارته: " عن محمد ..." مكان:" قال:
حدثنا محمد... " ؛ هذا إن لم يكن واهماً بعزوه لابن أبي شيبة ؛ فقد رأيته علق
على الحديث بقوله:
" هذا الحديث ترجم له الطبراني بقوله: محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن
عبد الله بن الزبير".
قلت: وهذا التعليق - وإن كان لا يفيد القراء شيئاً ؛ فقد - يساعدنا على تأكيد
العزو المذكور، وأنه ربما كان الأصل: أخرج الطبراني في " الكبير " عن محمد...

(14/311)


@@@ 312
إلخ. والله أعلم بحقيقة أمر هذا التخليط.

هذا ما يتعلق بقولنا: " أولاً ".
وثانياً: ليس في هذا الحديث دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه بعد الفراغ من
صلاته ؛ إلا بدلالة المفهوم، وهذا ليس نصاً في ذلك ؛ لاحتمال أن يكون المراد بعد
الصلاة مطلقاً، وليس عقب السلام منها، لحاجة أو مناسبة ؛ لأن الحديث - لو صح -
لم يسق لإثبات الدعاء بعد الصلاة، وانما داخلها ؛ كما هو منطوقه. على أن هذا
غيرصحيح أيضاً ؛ فقد صح رفعه صلى الله عليه وسلم ليديه في دعاء القنوت، وفي صلاة
الكسوف (1).

6631 - (إن أهون أهل النار عذاباً: رجل يطأ جمرة يغلي منها
دماغه. فقال أبو بكر الصديق : وما كان جرمه يا رسول الله ؟ قال :
كانت له ماشية يغشى بها الزرع ويؤذيه ، وحرمه الله وما حوله غلوة
بسهم - أو قال : رمية بحجر - فاحذروا ، ألا يسحت الرجل ماله في الدنيا ،
ويهلك نفسه في الاخرة ، قال :
وإن أدنى أهل الجنة منزلة ، وأسفلهم درجة ، رجل لا يدخل الجنة ب
عده أحد ، يفسح له في بصره مسيرة مئة عام، في قصور من ذهب ،
وخيام من لؤلؤ ، ليس فيها موضع شبر إلا معمور ، يغدى عليه كل يوم
ويراح بسبعين ألف صحفة من ذهب ، ليس منها صحفة إلا فيها لون
ليس في الاخر مثله ، شهوته في آخرها كشهوته في أولها ، لو نزل به
__________
(1) انظر الحديث (2544).

(14/312)


@@@ 313
جميع أهل الدنيا لوسع عليهم مما أعطي ، لا ينقص ذلك مما أوتي شيئاً).

موضوع بهذا التمام.
أخرجه عبد الرزاق في كتابه " الجامع " المطبوع في آخر
"المصنف" (11/ 423 - 424) قال: عن معمر عن إسماعيل بن أبي سعيد:
أن عكرمة مولى ابن عباس أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:... فذكره.

قلت: وهذا مع إرساله موضوع، ولوائح الصنع والوضع عليه ظاهرة ؛ آفته
إسماعيل بن أبي سعيد هذا - وهو: (إسماعيل بن شروس الصنعاني) -: بيض
له ابن أبي حاتم، وأما البخاري ؛ فقال في " التاريخ " (1/ 1/ 359):

" قال عبد الرزاق عن معمر: كان يثبّج الحديث ".

وعلق عليه الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله بقوله:
" هكذا في الأصلين، وبهامش (كو): أي: لا يأتي به على الوجه.
أقول: وفي " الميزان " و" لسانه " عن ابن عدي حكاية هذه الكلمة عن
البخاري بلفظ: " يضع "، فلزم من ذلك ما لزم. والله المستعان ".

قلت: كأنه رحمه الله يشير إلى عدم اطمئنانه لتفسير الكلمة بالوضع، وقد
يكون له وجه من الناحية العربية، ولكن نحن المتأخرين لا يسعنا إلا أن نقبل
تفسير المتقدمين لأعلميتهم، ما لم يكن هناك ما يدل على خطئهم، فكيف إذا كان
هناك من رواه بلفظ الوضع ؟! فقد روى ابن عدي في " الكامل " (1/ 320) عن
البخاري قال:
" قال عبد إلرزاق: قال معمر: كان يضع الحديث ". ولعل الأقرب إلى هذا
المعنى: ما رواه ابن عدي بسنده عن أحمد: حدثنا عبد الرزاق قال: قلت لمعمر:

(14/313)


@@@ 314
ما لك لم تكثر عن ابن شروس ؟ قال:
" كان ينتج الحديث ".
فإنه بمعنى الوضع - كما هو ظاهر -.
ويبدو أن الحافظ الذهبي الذي ذكر في " الميزان " رواية عبد الرزاق المتقدمة عن
معمرقال:
" كان يضع الحديث ". مع هذا ؛ فكأنه رواه بالمعنى حين قال في ترجمة
إسماعيل هذا في "المغني ":
"كذاب. قاله معمر ".

كما يبدو أن ابن حبان لم يتبين له هذا الجرح البالغ، أو أنه لم يبلغه ؛ فذكره
في كتابه " الثقات" (3/ 31) برواية معمر عنه! وكذلك فعل ابن شاهين ؛
فذكره في "تاريخ أسماء الثقات"، وقال (51/ 10):
" ثقة من أهل اليمن ".
ولعل هذا هو السبب الذي حمل ابن حزم على إعلال الحديث بالإرسال
فقط ؛ فقال في "المحلى" (11/ 6):
"وهذا مرسل، ولا حجة في مرسل".

ولا يفوتني - إن شاء الله تعالى - أن أنبه أن الجملة الأولى من الحديث صحيحة
قد جاءت عن جمع من الصحابة، وقد خرجت بعضها في " الصحيحة" برقم
(54، 55، 1680)، وإنما أوردته هنا من أجل ما بعدها من قول أبي بكر الصديق:
" وما كان جُرمُه... " إلخ ؛ فإني لم أجد له أصلاً إلا في هذا الحديث الهالك!

(14/314)


@@@ 315
ولإسماعيل هذا حديث آخر ؛ ولكنه قد توبع من طريق أخرى عن ابن عباس ؛
ولذلك خرجته في "الصحيحة " (3349).

6632 - (كان إذا أُتي بمدهنِ الطيب، لعق منه، ثم ادهن).
موضوع.
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (7/ 33) من طريق الحكم بن
عبد الله الأيلي قال: قدم سليمان بن عبد الملك المدينة، فدخل عليه القاسم وسالم
ابن عبد الله، قال: وإذا سالم أحسنهما كِدنة. فقال: يا أبا عمر! ما طعامك ؟
قال: الخبز والزيت. قال: وتشتهيه؟ قال: أدعه حتى أشتهيه. قال: ثم دعا لهما
بـ (غالية) (1)، وجاءت جارية وضيئة الوجه، مديدة القامة، فذهبت تغلفهما،
فقال: تنحي عنا. ثم تناولا المدهن، فلعقا منه، ثم ادهنا، ثم قالا:... فذكر الحديث.
قلت: وهذا موضوع ؛ آفته (الأ يلي) هذا ؛ فإنه كذاب، وتقدمت له أحاديث.

6633 - (كان إذا أُتى بالمرء قد شهد بدراً والشجرة، كبر عليه
تسعاً، فإذا أُتى به قد شهد بدراً ولم يشهد الشجرة، أو شهد الشجرة ولم ي
شهد بدراً، كبر عليه سبعاً، وإذا أُتى به لم يشهد بدراً ولا الشجرة،
كبر عليه أربعاً).

منكر جداً.
أخرجه ابن عدي في " الكامل" (6/ 142)، وابن عساكر في
"تاريخ دمشق " (2/ 747) من طريق إبراهيم بن الحسن (أو الحسين)
__________
(1) نوع من الطيب مركب من مسك وعنبر وعود ودهن، وهي معروفة. و (التغلف) بها:
التلطخ. " نهاية ". و (الكِد نة) بالكسر: غلظ الجسم، وكثرة اللحم.

(14/315)


@@@ 316
الأنطاكي: ثنا بقية عن إسحاق بن ثعلبة عن محمد المكي عن عطاء بن أبي
رباح عن جابر بن عبد الله مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد هالك ؛ أورده ابن عدي في ترجمة (محمد المكى) هذا
- وهو: واهٍ ؛ كما قال أبو حاتم -، وساق له ابن عدي أحاديث وقال:

" وله غيرما ذكرت، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه".
قلت: وساق أحدها الذهبي في "الميزان "، وقال:

" قلت: هذا كأنه موضوع "! فتعقبه الحافظ في " اللسان " بقوله:
" إن لم يكن موضوعاً ؛ فما في الدنيا حديث موضوع!".
ولقد صدق رحمه الله، ولا أدري كيف خفي ذلك على الحافظ الذهبي النقاد
فتحفظ في الحكم عليه بالوضع ؟!

وإسحاق بن ثعلبة: قال ابن عدي (1/ 336) - وساق له أحاديث -:
" روى أحاديث مع ما ذكرت، وكلها غير محفوضة ". وقال الذهبي في "المغني ":
" ضعفه أبو أحمد الحاكم وغيره ".
والأ نطاكي: لم أجد له ترجمة، ووقع ذلك في " التاريخ " (الحسن)، وفي
" الكامل " (الحسين). والله أعلم.

ثم إنني إنما أوردت الحديث هنا ؛ لما فيه من التنويع مجموعاً في سياق واحد،
مما لم أجده في غيره، وإلا ؛ فقد صح في أحاديث متفرقة تكبيره على الجنائز بأربع
تكبيرات، وخمس، وتسع، كما صح عن بعض الصحابة - كعلي رضي الله عنه -

(14/316)


@@@ 317
التكبير بست وسبع، ولها حكم الرفع، وقد خرجت ذلك مفصلاً في " أحكام
الجنائز" (ص 141 - 146)، فمن رام التفصيل ؛ فليرجع إليه.

6634 - (كان إذا أصابته شِدة، ودعا ؛ رفعَ يديه حتى يُرى بياضُ
إبطيه).

موضوع بذكر: (الشدة).
أخرجه أبو يعلى في "المسند الكبير " ؛ كما في
" المطالب العالية المسندة " (ق 52/ 2) من طريق أبي داود الأعمى عن البراء
ابن عازب مرفوعاً.
قلت: وهذا موضوع ؛ آفته (الأ عمى) هذا، - واسمه: (نفيع) -: كذبه غير
واحد، وفي "المغني ":
" هالك تركوه ". ورواه بسند ضعيف من حديث أبي برزة - مختصراً - بلفظ:
"رفع يديه في الدعاء حتى رؤي بياض إبطيه ".
وهذا له شواهد كثيرة تشهد لصحته، وهو في " المسند المطبوع" (13/ 436 -
437/ 7440).

6635 - (كان إذا جلسَ يتحدثُ ؛ يخلغ نعليه).
ضعيف.
أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2/ 202/ 536 1) من
طريق الخضر بن أبان: ثنا سيار: ثنا جعفر - يعني: ابن سليمان -: ثنا ثابت
البناني قال:... (فذكره) فخلعهما يوماً، وجلس يتحدث، فلما قضى حديثه ؛
قال لغلام من الأنصار:

(14/317)


@@@ 318
" يا بني! ناولني نعلي ".
فقال غلام من الأنصار: دعني فَلأُنعلكَ. قال:
" شأنك فافعل " (1). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اللهم! إن عبدك يتحبب إليك ؛ فأحبه ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف مرسل ؛ الخضر بن أبان: ضعفه الحاكم وغيره.
لكني أخشى أن يكون سقط من الطابع أو الناسخ ذكر أنس ؛ فإن السيوطي عزاه
إليه في " الجامع الصغير " من رواية "الشعب "، ويؤيده أن القصة دون حديث
الترجمة قد أخرجها البيهقي من طريق أخرى عن ثابت عن أنس، وتقدم
تخريجه برقم (2999).

6636 - (كان إذا دخل رمضان ؛ تغير لونه، وكثرت صلاته، وابتهل
في الدعاء، وأشفق منه (2)).
منكر.
أخرجه البيهقي في " الشعب " (3/ 310/ 3625) من طريق
عبد الباقي بن قانع: ثنا أحمد بن علي الخراز: ثنا محمد بن عبد الحميد التميمي:
ثنا أبو داود: ثنا قرة بن خالد عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت:... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات ؛ إلا من دون (أبي داود) - وهو: الطيالسي - ؛
فإن محمد بن عبد الحميد التميمي لم أجد له ترجمة ؛ غير أن الراوي عنه (أحمد
__________
(1) كذا الأصل، ولعل الصواب: "شأنك) ففعل. والله أعلم.
(2) كذا الأصل: وفي " الجامع الصغير ": " وأشفق لونه ". وشرحه المناوي بقوله: " أي: تغير
حتى يصير كلون الشفق. وهذا لولا غرض الإطناب ؛ كان يغني عنه قوله: (تغير لونه)،. والله أعلم.

(14/318)


@@@ 319
ابن علي الخراز) - ووقع في الأصل: (الجرار) ؛ خطأ، وهو ثقة - ؛ كما قال
الدارقطني، والخطيب في "التاريخ " (4/ 303).

وأما (عبد الباقي بن قانع) ؛ فقال الذهبي في " المغني ":
"... الحافظ. قال الدارقطني: كان يحفظ ؛ لكن كان يخطئ ويصر. وقال
البرقاني: هو عندي ضعيف، ورأيت البغداديين يوثقونه. وقال أبو الحسن بن
الفرات: حَدَث به اختلاط قبل موته بسنتين ".

قلت: وبه أعله المناوي.

6637 - (مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته ، يجول
ثم يرجع إلى آخيته، يجول ثم يرجع إلى آخيته، وإن المؤمن يسهو ثم
يرجع ، فأطعموا طعامكم الأتقياء ، وأولوا معروفكم المؤمنين).

ضعيف.
أخرجه ابن المبارك في "الزهد " (24/ 73)، ومن طريقه أحمد
(3/ 55)، وكذا أبو نعيم في "الحلية" (8/ 179)، والأصبهاني في "الترغبب"
(1/ 42/ 25) - دون الجملة الأخيرة -، والبغوي في " شرح السنة " (13/ 69 -
70)، والبيهقي أيضاً في " الشعب" (7/ 152/ 10964/10965)، كلهم
عن ابن المبارك، وابن حبان في " صحيحه " (2451 - الموارد)، وأبو يعلى (2/
1106، 1332)، وأبو الشيخ في "الأمثال" (238/ 352)، والقضاعي في " مسند
الشهاب" (1/ 414/ 713، 714) - بالجملة الأخيرة فقط - ؛ كلهم من طريق.
عبد الله بن الوليد عن أبي سليمان الليثي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً، وقال
أبونعيم:

(14/319)


@@@ 320
" لا يعرف إلا من حديث أبي سعيد بهذا الإسناد، وأبو سليمان الليثي،
قيل: إن اسمه (عمران بن عمران) ".
يشير إلى تليين هذه التسمية، ولذلك لم يذكرها أحد ؛ بل قال الحافظ في
" اللسان "، وذكر الجملة الأخيرة من الحديث:

"ذكره الحاكم أبو أحمد في " كتاب الكنى " في (من لا يعرف اسمه)،
وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال ابن طاهر الكلام الذي جمعه على أحاديث
" الشهاب ": هذا الحديث غريب، لا يعرف ولا يذكر إلا في هذا الإسناد ".
قلت: وهذا يعني - كما هو ظاهر - أن (أبا سليمان) هذا مجهول لايعرف،
وهو الذي يدل عليه صنيع البخاري وابن أبي حاتم ؛ فإنهما لم يذكرا في كتابيهما
له راوياً غير (عبد الله بن الوليد)، وتبعهما ابن حبان ؛ فإنه لما أورده في " الثقات "
في موضعين منه، لم يذكر أيضاً سواه (5/ 569. 585)! ولذلك قال علي بن
المديني - كما نقله العسقلاني في " التعجيل " (492/ 1300) -:
"مجهول ".
بقي أن نعرف حال الراوي عنه (عبد الله بن الوليد)، وهو التجيبي المصري،
ذكره ابن حبان في " الثقات " (7/ 11)، وعقب عليه الحافظ في "التهذيب "
بقوله:
"قلت: وضعفه الدارقطني فقال: لا يعتبر بحديثه ". وهذا كناية عن شدة
ضعفه، ولذلك توسط الحافظ فقال في " التقريب ":
" ليَّن الحديث ".

(14/320)


@@@ 321
قلت: فالعجب من بعض المشتغلين بهذا العلم في العصر الحاضر، من الذين
لا يعبأون باجتهادات الحفاظ الذين سبقونا في هذا المجال، وتعقيباتهم على بعض
الحفاظ المتقدمين، وبخاصة من كان معروفاً بالتساهل فى التوثيق كابن حبان مثلاً!
فقد رأيت اتفاق رأي الحافظ ابن حجر مع الذين حكموا بجهالة (أبي سليمان
الليثي)، وترجيحه لضعف الراوي عنه، مع هذا كله ترى الأخ الداراني في تعليقه
على " موارد الظمآن " (8/ 100) يعرض عن ذلك كله، ويقول: "إسناده حسن "!
تقليداً لابن حبان! الذي لا يكاد يخالفه في توثيقه للمجهولين والضعفاء إلا فيما
ندر!

وليس هذا فقط ؛ بل زاد على ذلك، فختم تخريجه - الذي سود به صفحتين -
بقوله:
" ويشهد له حديث ابن عمر عند الرامهرمزي، ذكره صاحب "الكنز" فيه
برقم (1332) وقال: وسنده صحيح "!!

وهذا من تمام تقليده، واتباعه لهواه! وإلا ؛ فما الذي جعله يركن إلى هذا
النقل والتصحيح، وواقع إسناده بكذبه ؛ فإن فيه متهماً! وكتاب (الرامهرمزي)
- وهو: " الأمثال " - مطبوع، ولا أعتقد إلا أنه في حوزته، أو على الأقل يمكنه أن
يرجع إليه ليرى وهاء سنده، فلم لم يفعل ؟! أو أنه فعل فرأى ما ذكرت ؛ أحلاهما مر!
قال الرامهرمزي في " الأ مثال " (126/ 39): حدثني قتادة بن رستم
الطائي: ثنا عبيد بن آدم العسقلاني: ثنا أبي عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن
عمر مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناده رجاله ثقات، فكأنه مما ألصقه بهذا الحديث وركبه عليه

(14/321)


@@@ 322
(قتادة) هذا ؛ فإنه مجهول ليس له ذكرفي شيء من كتب الرجال، ولا في " ثقات
ابن حبان "! وإنما ذكره الحافظ الذهبي في " الميزان " لحديث آخر له موضوع، تقدم
تخريجه برقم (1658)، وقال فيه:
" هذا وإن كان معناه حقاً ؛ فهو موضوع... ".

فمثل هذا المجهول لا ينبغي الاستشهاد به ؛ فضلاً عن أن يصحح إسناده الذي
ركبه على هذا الحديث الضعيف ؛ ليروجه به.

ومن هنا يظهر خطأ الشيخ شعيب أيضاً الذي بعد أن ضعف إسناد حديث
الترجمة وخرجه، أنهاه بقوله:
" وله شاهد يتقوى به من حديث ابن عمر عند الرامهرمزي... ". ثم ساقه ؛
ولكنه صرح بجهالة (قتادة) وقال:
" ومع ذلك فقد أورده السيوطي في " الجامع الكبير" (2/ 745) عن
الرامهرمزي وصحح إسناده "!!

6638 - (يَبْعَثُ اللَّهُ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ، وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَهُمَا
عَيْنَانِ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ يَشْهَدَانِ لِمَنِ اسْتَلَمَهُما بِالْوَفَاءِ).
منكر بذكر: (الركن اليماني).
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير"
(11/ 82 1/ 11432) قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد الوكيعي: ثنا بكر بن
محمد القرشي: ثنا الحارث بن غسان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس
مرفوعاً.

(14/322)


@@@ 323
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات ؛ غير بكر بن محمد القرشي،
وشيخه الحارث بن غسان ؛ فقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3/ 242)
بعدما عزاه للطبراني:
"وكلاهما لم أعرفه ".
قلت: هذا الشيخ يحتمل أن يكون (الحارث بن غسان المزني) ؛ ذكره ابن
حبان في (أتباع التابعين) من كتابه "الثقات " (6/ 175) برواية أخرى عنه،
فإن يكن هو، فقد نص أبو حاتم أنه " مجهول ".

ثم ترجح عندي أنه هو ؛ فقد رأيت العقيلي قد أورده في "الضعفاء" (2/
218 - 219)، وذكر له حديثين أحدهما بالرواية الأخرى المشار إليها، والآخر
بروايته هذه عن ابن جريج.. بحديث آخر، وقال:
"لا يتابع عليهما، وقد حدث بمناكير ".
وأقره الذهبي والعسقلاني، وذكر هذا توثيق ابن حبان إياه، وقول الأزدي:
" ليس بذاك".
وإن مما يؤكد ضعف الحديث ونكارته: أنه صح من حديث سعيد بن جبير عن
ابن عباس مرفوعاً دون ذكر الركن. حسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة، وابن
حبان، والضياء المقدسي في " المختارة " (60/ 235/ 1)، فانظر التعليق على
" المشكاة " (2578)، و" صحيح ابن خزيمة " (2735 و 2736).
(تنبيه): من أحاديث (الحارث بن غسان) هذا: الحديث الأول من الحديثين
المشار إليهما - آنفاً - عند العقيلي، وهو بلفظ:

(14/323)


@@@ 324
" يجاء (وفي رواية: يؤتى) يوم القيامة بصحف مختمة... " الحديث.

أخرجه من طريق عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي عن الحارث بن غسان
المزني (الأصل: المري) قال: ثنا أبو عمران الجوني عن أنس بن مالك مرفوعاً.
ومن هذا الوجه أخرجه الدارقطني في " سننه " (1/ 51/ 2)، والأصبهاني
في " ترغيبه " (1/ 82 - 83)، والطبراني في " المعجم الأوسط " (3/ 287/
2624) ؛ ولكن وقع عنده (الحارث بن عبيد أبو قدامة)! ويغلب على ظني أنه
تحريف من بعض النساخ للأسباب الآتية:

أولاً: خالفته لرواية العقيلي والدارقطني، وهي من طريقين عن (الحجبي)
عن (الحارث بن غسان).

ثانياً: مخالفته لصنيع العقيلي ؛ فإنه أورده في ترجمة (الحارث بن غسان)،
وصرح بأنه لا يتابع عليه ؛ كما تقدم.

ثالثاً: أن البزار أخرجه في " مسنده " (3435 - كشف الأ ستار)، والطبراني
أيضاً في " الأوسط " (7/ 82/ 6129) ؛ كلاهما من طريق عمر بن يحيى
الرملي، والبيهقي في " شعب الإيمان " (5/ 335/ 6836) من طريق إبراهيم
ابن عرعرة، وأبو الشيخ في " التوبيخ" (192/ 160) عنهما قالا: ثنا الحارث بن
غسان: نا أبو عمران الجوني به. وقال البيهقي:

"كذلك رواه جماعة عن (الحارث بن غسان) ".
رابعاً: تصريح غير ما واحد من الحفاظ بتفرد ابن غسان هذا به.
أولهم العقيلي - كما تقدم -.

(14/324)


@@@ 325
ثانيهم: البزار ؛ فإنه قال عقبه:
" لا نعلم يُروى عن أنس إلا من هذا الوجه ".

ثالثهم: الطبراني نفسه ؛ فإنه قال:
" لم يروه عن أبي عمران الجوني إلا (الحارث بن غسان) ".

قلت: فهذا كله يؤكد أن ذكر (الحارث بن عبيد) مكان (الحارث بن غسان)
في رواية الطبراني الأولى غير محفوظ.
وقد خفي هذا التحقيق على الحافظ المنذري ؛ فقال في " الترغيب " (1/ 37/
30):
" رواه البزار، والطبرا ني بإسنادين، رواة أحدهما رواة (الصحيح)، والبيهقي ".
وأقره المعلق على "سنن الدارقطني "! وتبعه الهيثمي ؛ فقال في "مجمع الزوائد "
(10/350):
"رواه الطبراني في " الأوسط " بإسنادين، ورجال أحدهما رجال (الصحيح)،
ورواه البزار "!
وقلدهما المعلقون الثلاثة على طبعتهم الجديدة لكتاب " الترغيب " (1/ 89/
55) فأقروهما! ولا يسعهم إلا ذلك ؛ لجهلهم بهذا العلم ؛ بل وزادوا - ضغثاً على
إبالة - فقالوا:
"حسن "!
أما لِمَ وكيف هو (حسنٌ)، وليس بصحيح أو ضعيف؟ فهذا مما لا يتعرضون

(14/325)


@@@ 326
لبيانه البتة، ولا يعرف القراء هل هو تقليد منهم لغيرهم، أو من كيسهم - كما
ظهر لي -! ولا يعتمدون في ذلك على هذا العلم! وإنما مجرد الدعوى التي لا يعجز
عنها أجهل الناس، فهم يصححون ويحسنون، ويضعفون (على كيفهم) - كما
يقولون في سوريا، وهم سوريون فيما أظن -!

والحقيقة: أنني ما رأيت في العصر الحاضر فيمن حشروا أنفسهم في زمرة
المعلقين والمحققين في هذا العلم - على كثرتهم - أجرأ منهم على إصدار الأحكام
المشار إليها ارتجالاً بالرأي والهوى ؛ فما أكثر الأ حاديث التي حسنوها - بل
وصححوها - وهي ضعيفة، وعلى العكس أيضاً! وأنا على علم بما أقول، إن لم
أقل: أعلم الناس بذلك! ويطول الكلام جداً ؛ لو أردت أن أبين سبب ذلك والإكثار
من الأمثلة، فحسبي الآن - بالإضافة إلى ما تقدم - مثالان ؛ فإني في هذه
الأيام معني بتصحيح تجارب المجلد الثاني من كتابي " صحيح الترغيب
والترهيب " وإعادة النظر فيه ؛ لبعد العهد به، وقد كنت علقت على أصله:
" التعليق الرغيب " بعض الملاحظات والانتقادات على تعليقات الثلاثة المشار
إليهم، فأنقل خلاصة المهم منها إلى التجارب، ولذلك ؛ فقد وجدت في تعليقاتهم
العجب العجاب، وهاك المثالين:

الأول: حديث ابن عمر الطويل في فضل من يؤم البيت، وركعتي الطواف
وغير ذلك ؛ قال المنذري - وقد صدَّره بلفظ (عن) -:
" رواه الطبراني في " الكبير "، والبزار واللفظ له، وقال: وقد روي هذا الحديث
من وجوه، ولا نعلم له أحسن من هذا الطريق ".
فقالوا في التعليق عليه (2/ 118):

(14/326)


@@@ 327
"ضعيف ؛ رواه ابن حبان (887 1)، والبزار (1082)، وقال الهيثمي في
" مجمع الزوائد" (3/ 274): رواه الطبراني في " الكبير" بنحوه.

ورجال البزار موثقون. قلنا: بل فيهم عبد الوهاب بن مجاهد ضعيف ".

قلت: وهذا كذب! فليس في رواية ابن حبان والبزار عبد الوهاب هذا، وإن
من جرأتهم في الكذب عزوهم إليهما بالأرقام، موهمين القراء أنهم رجعوا إليهما!
ولو فعلوا ؛ لم يجدوا عندهما الضعيف المذكور، وإنما أخذوا الأرقام من الفهارس أو
غيرها!
المثال الثاني: جاءوا إلى الحديث الصحيح:

"الطواف بالبيت صلاة..." الحديث ؛ فضعفوه بقولهم (2/ 43 1/ 1712):
"ضعيف، رواه الترمذي (960)، وا بن حبان (3825) ".

قلت: وهم - كعادتهم - أطلقوا التضعيف، ولم يبينوا السبب ؛ تغطية لجهلهم!
ولذلك ؛ فلا نستطيع الجزم بتعيين سبب تضعيفهم إلا الظن بأنهم رأوا إشارة
المنذري إلى إعلاله بـ (عطاء بن السائب)، ولعلهم يعلمون أنه كان قد اختلط،
فإن كان كذلك ؛ فقد فاتهم أنه رواه عنه سفيان الثوري، وقد سمع منه قبل
الاختلاط ؛ كما ذكرت في " صحيح الترغيب " (2/ 27) الذي هو تحت
الطبع (*).
(تنبيه آخر): حول الحداثة أيضاً:
ا - نقل المعلق (م) على كتاب دا التوبيخ " كلام الهيثمي المتقدم في قوله:
__________
(*) وقد طبع. والحمد لله (الناشر).

(14/327)


@@@ 328
" ورجال أحدهما رجال (الصحيح)"، فقال رداً عليه:
"قلت: وهذا ليس بصحيح ؛ لما بينا من حال الحارث بن غسان (م)".

قلت: وهذا يشبه - إلى حد كبير - ما صنعه المعلقون الثلاثة في المثال الثاني،
من حيث إنَّ هذا الراد لم يقف على إسناد الطبراني الآخر، فحمله على إسناد
الآخرين !!

2 - أورد الدكتور (قلعجي) حديث الصحف هذا في، فهرس الأحاديث
الصحيحة، الذي ألحقه بآخر " الضعفاء " للعقيلي (4/ 525)، مع الإشارة إلى
موضعه من " الضعفاء " جزءاً وصفحة. ولا أجد لهذا الخطأ الفاحش [ مبرراً ] إلا
الجهل الفاضح بهذا العلم! ولعله رأى قول الهيثمي المتقدم:

" ورجال أحدهما رجال (الصحيح) "، فظن أنه يعني أنه صحيح! وليس
كذلك - كما هو معلوم -، ونبهت على ذلك أكثر من مرة، وهذا ؛ لو سلم من الخطأ
الذي سبق بيانه. فليتأمل القراء ضرر الحداثة في هذا العلم، فهذا يصحح الحديث
الضعيف لجهله، وسوء فهمه لعبارة الهيثمي، وذاك يخطئه لعدم وقوفه على إسناده
الآخر، وإن كان خطأ هذا أقل من الأول - كما هو ظاهر -.

وللدكتور في هذا الفهرس أحاديث أخرى ضعيفة صححها! كما أنه
على العكس من ذلك: أورد أحاديث صحيحة في " فهرس الأحاديث الضعيفة"!
ولا أستبعد أن يكون هذا الجهل المزدوج من صبيانه الذين يستأجرهم
بدريهمات معدودات - كما يقول البعض -، وهذا ؛ إذا أحسن الظن بعلم
الدكتور (!). وا لله أعلم.

(14/328)


@@@ 329
6639 - (هنيئاً لك يا عبد الله! أبوك يطير مع الملائكة في السماء).
ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "(13/ 77/ 190): حدثنا
زكريا بن يحيى الساجي قال: ثنا عبد الله بن هارون بن موسى الأودي (!)
قال: حدثنا قدامة بن محمد الأشجعي عن مخرمة بن بكيرعن أبيه عن علي
ابن عبد الله بن جعفر عن أبيه مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ فيه علل ثلاث:

الأولى: علي بن عبد الله بن جعفر، مجهول لا يعرف في شيء من كتب
التراجم، ولم يذكروه حتى ولا في أبناء (عبد الله بن جعفر) والرواة عنه، ولا في
شيوخ! بكر) - وهو: ابن عبد الله الأشج -، ولا هو في " ثقات ابن حبان " الذي
جمع مثات المجهولين!
الثانية: قدامة بن محمد الأشجعي ؛ قال الذهبي في " المغني ":
" جرحه ابن حبان، ومشاه غيره ". وقال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق يخطئ ".

الثالثة: عبد الله بن هارون بن موسى الأودي ؛ كذا وقع في " المعجم "، وأظنه
محرفاً من "الفروي " ؛ فإنه هكذا في كتب الرجال ؛ قال الذهبي في "الميزان ":
" له عن القعنبي وغيره مناكير، ولم يترك ".
وذكرله ابن عدي في "الكامل "! 4/ 260) حديثين، وقال في كل منهما:
"باطل ". وقال ابن أبي حاتم:

(14/329)


@@@ 330
" كتبت عنه بالمدينة، وقيل لي: إنه يتكلم فيه ". وأما ابن حبان ؛ فذكره في
" الثقات " (8/ 367) وقال:
" يخطئ ويخالف ". وذكره الحافظ في كنى " التهذيب" تمييزاً:
" أبو علقمة الفروي الصغير: عبد الله بن هارون... "، وذكر فيه ما قدمته عن
الحفاظ الثلاثة، وزاد:
" وقال الدارقطني في "غرائب مالك ": متروك الحديث ". ولخص ذلك كله في
" التقريب "بقوله:
"ضعيف ".
قلت: فالعجب بعد هذا كله قول الحافظ المنذري في " الترغيب " (2/ 191/
3 1) - وتبعه الهيثمي (3/ 273) -:
" رواه الطبراني بإسناد حسن "!

وقلدهما المعلقون الثلاثة (2/ 287/ 2035) فحسنوه! ولا غرابة في ذلك ؛
فإنهم لا يحسنون حتى التقليد، فكثيراً ما يخالفونهما والصواب معهما ا!

6640 - (ما أذن اللهُ لشيءٍ كأَذَنهِ لرجل حَسَنِ الترنم بالقرآن).
منكر بلفظ (الترنم).
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (6/ 261) من طريق
محمد بن أبي حفصة: ثنا عمرو بن دينار عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً:
أورده في ترجمة (محمد) هذا، واسم أبيه (ميسرة)، وروى فيه عن ابن
معين روايتين مختلفتين، قال في إحداهما:

(14/330)


@@@ 331
"صويلح، ليس بالقوي،. والأخرى:
"ثقة".
وتبنى هو الرواية الأولى ؛ فإنه بعد أن ساق له أحاديث مما أنكر عليه - هذا
أحد ها - قال:
"وهو من الضعفاء الذين يكتب حديثهم ". وذكر الذهبي الخلاف فيه في
" الميزان "، وقال:
"فيه شيء، ولهذا وثقه ابن معين مرة، وقال مرة: صالح. وقال مرة: ليس
بالقوي. وقال مرة: ضعيف.. " إلخ.

ثم ساق له هذا الحديث مشيراً إلى نكارته. وقال الحافظ في " التقريب ":
"صدوق يخطئ".

ويتلخص مما تقدم أنه وسط، والأصل في مثله أنه حسن الحديث إذا لم
يخالف، ولم يكن فيه ما ينكر، والواقع هنا خلافه ؛ فقد خولف في إسناده ومتنه.
أما الإسناد ؛ فقال ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي سلمة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره هكذا مرسلاً لم يذكر فيه أبا هريرة.

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف" (10/ 464/ 9992)، وكذا عبد الرزاق
(2/ 482/ 69 1 4) ؛ كلاهما عن ابن عيينة.

وتابعه عنده (4168) ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار به.
فهذا يؤكد خطأ (محمد بن أبي حفصة) في ذكره (أبا هريرة) فيه، ويبين

(14/331)


@@@ 332
أن الصواب مرسل.
وأما المتن ؛ فقد رواه أربعة من الثقات ؛ منهم الإمام الزهري عن أبي سلمة عن
أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
" يتغنى" مكان: "يترنم ".
رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " صفة الصلاة/ الأصل "، و "صحيح
أبي داود " (1324).

وقد وجدت للحديث شاهدين، ولكنهما واهيان جداً، فرأيت أنه لا بد من
ذكرهما، والكشف عن علتهما ؛ خشية أن يغتر بهما من لا علم عنده، فأقول:
أحدهما: يرويه إبراهيم بن أبي حميد: حدثنا عبد العظيم بن حبيب
الحمصي: حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن علي بن حسين عن
أبيه عن جده مرفوعاً:
"ما أذن الله لشيء قط أذَنه للحسن الترنم بالقرآن ".

أخرجه ابن عدي في " الكامل" (1/ 271) في ترجمة إبراهيم هذا،
وسمى أباه (أحمد بن عبد الكريم الحراني الضرير)، وقال:
"سمعت أبا عروبة يقول: كان يضع الحديث ".

واعتمده الذهبي في " الميزان "، والحافظ في " اللسان ".
وعبد العظيم بن حبيب الحمصي ؛ قال الذهبي:
"قال الدارقطني: ليس بثقة ".

(14/332)


@@@ 333
ثم ساق له الذهبي حديثاً، وقال:
" إنه من بلاياه". وأقره الحافظ في " اللسان ".

وإن من عجائب وغرائب ابن حبان أنه أورد (عبد العظيم) هذا في " الثقات"
(8/ 424) من رواية إبراهيم بن أبي حميد هذا!

وهذا مما يؤكد المعروف عنه، أنه يوثق المجهولين الذين لا يعرفهم، وأن هذا
يجعلنا لا نثق بتوثيقه الذي تفرد به، ولا يعرف من وثقه إلا بالراوي الواحد الذي
ذكره. وقد ذكر (عبد العظيم) هذا نفسه دون نسبة (الفهري) من رواية سليمان
ابن سلمة الخبائري، وقال عقبه:

" إن لم يكن الأول فلا أدري من هو ؟ ".
قلت: ويقال فيه ما قلت في الأول، فإن (الحبائري) هذا متروك، ومع ذلك
لم يعرفه، كما لم يعرف (إبراهيم بن أبي حميد)، وإلا ؛ لأوردهما في "الضعفاء "!

والآخر: يرويه سليمان بن داود الشاذكوني: حدثنا داود بن أبي سليمان
عن علي بن زيد عن محمد بن المنكدرعن جابر بن عبد الله مرفوعاً - مختصراً -
بلفظ:
" إن الله لم يأذن كأَذَنه للمترنم بالقرآن ".

أخرجه الطبراني في " المعجم الأ وسط " (8/ 207/ 7425) وقال:
" لم يروه عن علي بن زيد إلا داود بن أبي سليمان، تفرد به الشاذكوني ".
قلت: وهو كذاب، كما قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7/ 170).

(14/333)


@@@ 334
وداود بن أبي سليمان ؛ لم أعرفه.
وعلي بن زيد ؛ هو: ابن جدعان، ضعيف.
وجملة القول ؛ أن الحديث منكر بلفظ: " الترنم "، وأن هذين الشاهدين لا
يعطيانه قوة، وأنه محفوظ صحيح بلفظ: " التغني ". وبالله التوفيق.

وهنا تنبيهات لا بد من ذكرها:
الأول: أن الحديث أورد منه الحافظ في " الفتح" (9/ 71) جملة: " حسن
الترنم بالقرآن" من تخريج ابن أبي داود، والطحاوي من رواية عمرو بن دينار عن
أبي سلمة عن أبي هريرة. وسكت عنه! وما أظن إلا أنه من طريق (محمد بن
أبي حفصة) ؛ وقد عرفت ما فيه.
وأورده أيضاً من تخريج الطبري من رواية عبد الأعلى عن معمر عن ابن شهاب
في حديث الباب (يعني: حديث البخاري من طريق عقيل عنه) بلفظ:

" ما أذن لنبي في الترنم في القرآن ".

وسكت عنه أيضاً، وذكره المنذري في " الترغيب " (2/ 215) بنحوه،
وقال:
" رواه الطبري بإسناد صحيح "!

وفي هذا التصحيح والسكوت نظر قوي عندي ؛ لأن (معمراً) - وإن كان ثقة
ومن رجال الشيخين ؛ فقد - تكلموا فيما حدث به بالبصرة، وقالوا: انه حدث من
حفظه بالبصرة بأحاديث غلط فيها. ولذلك قال الحافظ في " مقدمة الفتح " (ص
444 -445):

(14/334)


@@@ 335
" لم يخرج له البخاري من رواية أهل البصرة عنه ؛ إلا ما توبعوا عليه عنه ".
قلت: وهذا من رواية أهل البصرة عنه ؛ فإن (عبد الأعلى) - وهو: ابن
عبد الأعلى السامي - بصري.

يضاف إلى ذلك مخالفته لرواية الجماعة عن الزهري، منهم عقيل - كما تقدم
عند البخاري -، وثلاثة آخرون عند مسلم وحده، وغيرهم عند غيره، كلهم لم
يذكروا لفظ: الترنم عن الزهري.

وإن مما يؤكد خطأ معمر فيه: أن عبد الرزاق قد رواه في " مصنفه " (2/ 481 -
482) عن معمر بلفظ الجماعة: "يتغنى " ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد
(2/ 271).

فثبت يقيناً شذوذ رواية الطبري هذه وعدم صحتها. وبالله التوفيق، وهو الهادي
إلى أقوم الطريق.

الثاني: أن حديث الطبراني في " الأوسط " عزاه إليه في " المجمع " بلفظ:
" إن الله لم يأذن لمترنم بالقرآن ".

فسقط منه قوله: " كأذنه " ؛ ففسد المعنى ؛ كما هو ظاهر بغض النظر عن
النكارة التي فيه، والضعف الشديد الذي في إسناده.

وقد كنت أوردته فيما تقدم برقم (561) هكذا نقلاً عن " المجمع " منذ
عشرات السنين، قبل أن يطبع " المعجم الأوسط "، فلما وقفت عليه فيه ؛ بادرت
إلى تخريجه هنا، والتنبيه على السقط المذكور.

(14/335)


@@@ 336
الثالث: كنت أوردت متن الحديث في " صفة الصلاة " من رواية الشيخين
ضاماً إليه الزيادات والألفاظ - كما جريت عليه فيه - وكان في المتن قولي: " وفي
لفظ: حسن الترنم" ؛ اعتماداً مني يومئذ على الحافظ وسكوته عنه، قبل أن ييسر
الله لي الوقوف على إسناده، وأرى أن هذا أمر لا بد منه، أن يستفيد المتأخر من
المتقدم من أهل العلم، ولا يغتر بما عنده ؛ كما عليه كثير من الناشئين اليوم! ومن
نافلة القول أن أذكر الشرط في ذلك، وهو ما لم يظهر خطؤه.

ولهذا أقول: والآن وقد تبين بوضوح لا غموض فيه أن الحديث بلفظ: " الترنم "
منكر، أو شاذ غير محفوظ ؛ فقد حذفته من متن الحديث في " صفة الصلاة "،
راجياً ممن كان عنده هذا الكتاب أن يحذفه منه ليوافق تصحيح المؤلف. وجزاه الله
خيراً !

6641 - (لا يَذْكُرُنِي عَبْدِي فِي نَفْسِهِ، إِلا ذَكَرْتُهُ فِي
مَلأٍ مِنْ مَلائِكَتِي، وَلا يَذْكُرُنِي فِي مَلأٍ، إِلا ذَكَرْتُهُ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى).

منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (20/ 182/ 391 - 393)
من طريق ابن لهيعة ورشدين بن سعد عن زبّان بن فائد عن سهل بن معاذ عن
أبيه... مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ زبان بن فائد ؛ ضعفه جمع، أحدهم أحمد وقال:
"أحاديثه مناكير". ولم يوثقه أحد، وأما قول المنذري في آخر " الترغيب ":
"وثقه أبو حاتم". فهو تسامح وتساهل منه في التعبير ؛ لأن أبا حاتم إنما قال
فيه

(14/336)


@@@ 337
" صالح ". وقد أفصح أبو حاتم نفسه عن مقصده هذا في أول كتابه (1/ 37)
فقال:
" وإذا قيل: " صالح الحديث " ؛ فهو ممن يكتب حديثه للاعتبار". وقال قبل
ذلك:
" وإذا قيل للواحد: إنه ثقة، أو متقن، [ أو ] ثبت ؛ فهو ممن يحتج بحديثه ".
فهذا وذاك يفيدنا أن الرجل ليس ثقة عنده، وأن حديثه مرشح ليكون حسناً
إذا لم يخالف، وهذا يقال: إذا لم يكن هناك جرح مفسر ؛ كقول أحمد المتقدم،
وحينئذ ؛ فقول المنذري في هذا الحديث (2/ 227/ 2) - وتبعه الهيثمي (10/
78) -:
" رواه الطبراني بإسناد حسن "!

فهو من تساهلهما، لا سيما، وهو مخالف لحديث أبي هريرة، الذي هو قبل
هذا في " الترغيب " بلفظ:
"يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإذا ذكرني في نفسه ؛
ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ ؛ ذكرته في ملأ خير منهم ... "
الحديث.

أخرجه الشيخان عنه، وفي معناه عن ابن عباس، وأنس، وقد خرجتهم في
"الصحيحة" (2011).
ففي هذه الأحاديث الثلاثة قول الله تعالى: "ذكرته في نفسي "، وفي
حديث الترجمة: " ذكرته في ملأ من ملائكتي "!

(14/337)


@@@ 338
وفيها: "ذكرته في ملأ خير منهم "، وفيه: " ذكرته في الرفيق الأعلى ".
وبأقل من مثل هذه المخالفة للأحاديث الصحيحة تثبت النكارة، كما لا يخفى على
العلماء المهرة.

وأما المعلقون الثلاثة المدعون العلم والتحقيق ؛ فقد تقلدوا التحسين المذكور
مصرحين به!
وأما أخونا الفاضل حمدي السلفي ؛ فقد تنبه لخطأ التحسين، ونبه عليه في
تعليقه على الطبراني، ولكنه لم يتنبه للنكارة التي في متنه، والمخالفة للاحاديث
الصحيحة ؛ فقال:
" قلت: قد علمت - فيما تقدم - ما في إسناده، ولكنه حسن لشواهده من
حديث أبي هريرة في الصحيح وابن عباس عند البزار"!

6642 - (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد بيده الخير، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ألف مرة،
جاءت يوم القيامة فوق كل عمل، إلا نبي أو رجل زاد في التهليل).

باطل أو منكر بهذ ا التمام.
أخرجه الطبراني في " الدعاء" (3/ 949/
335) من طريق أبي جابر محمد بن عبد الملك: ثنا الحسن بن أبي جعفرعن
محمد بن جُحادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وفيه علتان:

الأولى: أبو جابر هذا ؛ فقد قال أبو حاتم:

(14/338)


@@@ 339
" ليس بالقوي ".
واعتمده الذهبي في " المغني ".
وأما ابن حبان فذكره في كتابه " الثقات " (9/ 64)!
والأخرى: الحسن بن أبي جعفر، قال الذهبي:
" ضعفوه". وقال الحافظ:
" ضعيف الحديث مع عبادته وفضله ".
والحديث منكر، بل باطل ؛ لأنه قد جاء من طرق عن عمرو بن شعيب به
- مختصراً - بلفظ:
" مئتي مرة " مكان: " ألف مرة"، والباقي نحوه، وليس فيه: "بيده الخير
يحيي ويميت".
فهو من تخاليط (الحسن بن أبي جعفر) أو (أبي جابر).
وفي لفظ آخر:
"مئة مرة إذا أصبح، ومئة مرة إذا أمسى ".
وهو مخرج في "الصحيحة " (2562).
ومع هذا الفرق الكبير بين حديث الترجمة، واللفظين الثابتين قال المعلق على
"الدعاء":
" إسناده حسن لغيره، الحسن بن أبي جعفر ضعيف، وقد توبع في الروايتين
السابقتين "!

(14/339)


@@@ 340
قلت: وهذه غفلة شديدة ؛ لأن الروايتين اللتين يشير إليهما هما باللفظين
المذكودين، ودون تلك الزيادة، فكيف يصح تقوية الإسناد الخالف متنه لمتن الثقات ؟!
بل العكس هو الصواب، وهو أن تجعل اللفظين شاهداً على ضعف هذا المتن
وبطلانه ؛ كما لا يخفى على من مارس هذا العلم الشريف.

6643 - (غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوّ حَاسِرًا. قاله صلى الله عليه وسلم لمن قَالَ : يَا رَسُولَ
اللّهِ مَا يُضْحِكُ الرّبّ مِنْ عَبْدِهِ ؟؛).

منكر.
أخرجه ابن إسحاق في " السيرة " (2/ 268): حدثني عاصم بن
عمر بن قتادة:
أن عوف بن الحارث - وهو: ابن عفراء - قال: يا رسول الله! ما يضحك..
إلخ، فنزع درعاً كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل، رحمه الله.

ورواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (5/ 338): حدثنا يزيد بن هارون: أنا
محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: قال معاذ بن عفراء..

كذا قال (معاذ بن عفراء)، وهو خطأ، والظاهر أنه سقط منه: " الحارث، وهو
أخو...".
وأخرجه أبو نعيم في " المعرفة " (2/ 129/ 1) من طريق إبراهيم بن سعد
عن محمد بن إسحاق به معنعناً مثل رواية " السيرة ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، وفيه علتان، إحداهما ظاهرة
وهي الإرسال ؛ فإن (عاصم بن عمر) تابعي لم يدرك القصة، فالله أعلم بمن أخبره بها.

(14/340)


@@@ 341
والأخرى ظاهرة أيضاً في رواية (يزيد بن هارون) و (إبراهيم بن سعد)، وهي
عنعنة ابن إسحاق ؛ فقد كان مدلساً معروفاً بذلك، إلا أنه قد صرح بالتحديث في
رواية "السيرة "، لكنها من رواية (زياد بن عبد الله البكائي) عنه، وهو مختلف
فيه، وثبته بعضهم في روايته عن ابن إسحاق في (المغازي)، وهذه منها، فهو
حجة فيها لولا المخالفة للثقتين المذكورين، فإن سلمت من التدليس ؛ فما هي
بسالمة من الإرسال. والله أعلم.

وإذا ثبت ضعف إسناد الحديث، فقد جاء دور بيان نكارة متنه، فإن قوله:
" حاسراً " يعني: ليس على بدنه درع ولا مغفر - كما في " النهاية " -، فمن
المستبعد جداً أن يحضر النبي صلى الله عليه وسلم من كان عليه درع أن ينزعها ؛ وأن يقاتل العدو
حاسراً، فإن هذا ينافي كل المنافاة مبدأ الأخذ بأسباب الوقاية الممكنة، والإعداد
المأمور به في الآية الكريمة: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}، كما ينافي سنة
النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العملية في الجهاد، وقتاله للأعداء، مع كونه أشد
الناس شجاعة وتوكلاً على الله، فقد صح عنه أنه كان يضع البيضة (الخوذة) على
رأسه. (البخاري: 2 0 29) وأنه هشمت على رأسه يوم أحد. (البخاري: 2911)،
كما صح (فيه: 2901) أنه تترس بالترس، وأنه تدرع بالدرع يوم أحد. (2915)
بل ثبت في " السنن" أنه تظاهر فيه بين درعين. (صحيح أبي داود: 2332)،
ودخل مكة يوم الفتح وعليه مغفر. متفق عليه (مختصر الشمائل: رقم 91).

وليس هذا فقط ؛ بل صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه استعار من صفوان بن أمية مئة درع وما
يصلحها من عدتها. (الإرواء: 5/ 345). وهذا من اهتمامه بالأخذ بالأسباب،
والمحافظة على حياة المجاهدين معه صلى الله عليه وسلم.

فليس من المعقول - إذن - أن يصدر منه صلى الله عليه وسلم الحض على مخالفة هديه صلى الله عليه وسلم،

(14/341)


@@@ 342
وهو القائل:
"وخير الهدى هدى محمد ". رواه مسلم.
فثبت بما تقدم أن متن الحديث منكر، وهو ظاهر جداً.
وفي القصة نكارة أخرى، وهي قذف عوف رضي الله عنه للدرع ؛ فإنه يدخل
في باب إضاعة المال المنهي عنه في حديث المغيرة رضي الله عنه في " الصحيحين "
وغيرهما، وما كان للنبي،ولا أن يقر ذلك ؛ بله أن يحض على ما ينتج، أو يكون
سبباً لذلك.
نعم ؛ يمكن أن يقع نحوه من بعض الجاهدين باجتهاد منه مأجور أجراً واحداً،
أولغلبة حب الاستشهاد في سبيل الله، والنكاية في أعداء الله ؛ كما جاء في
قصة استشهاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة (مؤتة)، حين اقتحم
عن فرسه وعقرها، ثم قاتل حتى قتل رضي الله عنه. (صحيح أبي داود: 2318)،
فهذا مغتفر منه ؛ لأنه كان عن اجتهاد منه ؛ كما قال الحافظ في " الفتح " (6/
97)، واستدل على ذلك بقوله:
"والأصل عدم جواز إتلاف المال ؛ لأنه يفعل شيئاً محققاً في أمر غير محقق ".
قلت: وهذا هو العلم والفقه الصحيح، وقد أشار إلى ذلك الإمام البخاري بقوله
في " صحيحه ": (باب: من لم ير كسر السلاح عند الموت". وإن مما لا شك فيه
أن القذف المذكور في القصة يدخل في هذا الباب وفي الأصل المتقدم عن الحافظ ؛
كما هو جلي ظاهر.
هذا ؛ ولقد كان من البواعث على تخريج هذا الحديث أنني قرأت في " جريدة

(14/342)


@@@ 343
السبيل " (العدد 121 - السنة الثالثة) مقالاً كتبه دكتور في الجامعة، ساق هذا
الحديث مستدلاً به على بعضِ المسائل، قائلاً:
"وإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدخول في مواجهة العدو للقتل من أرفع أنواع الجهاد
عندما قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله قائلاً:
ما الذي يضحك الرب من عبده؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
أن يغمس يده في العدو حاسراً حافراً (كذا).
أي: أن يتوجه إلى العدو من غير درع يقيه السهام والرماح ".

قلت: لما قرأت هذا الحديث استغربته ؛ لعدم وروده في دواوين السنة المشهورة،
ولأن ظاهره مخالف للأدلة القاضية بوجوب الأخذ بوسائل القوة في الجهاد - كما
تقدم -، ولكني لما كنت أرى أن هذا لا يكفي في رد الحديث وتضعيفه ؛ لاحتمال
أن يكون ثابتاً في بعض كتب الحديث، وأن يكون له وجه من المعنى غير ظاهر لنا،
كما أنه لا يكفي أن يحكم على الحديث بالصحة لمجرد صحة معناه ؛ بل لا بد في
كل من الحالتين من الرجوع إلى علم الحديث وقواعده، والبحث عن إسناده ؛
خلافاً لبعض الكتاب المعاصرين العقلانيين الذين يصححون ويضعفون بعقولهم
وأهوائهم ؛ كما فعلوا بحديث البخاري:

" ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحِرَ [ والخمر ] والحرير والمعازف.. "
الحديث، وبغيره.

ومنذ أيام قريبة قيض لي أن أرى في التلفاز والمذيع يعلن عن وفاة شيخ مصري
مشهور، صورة ذاك الشيخ وهو يلقي كلمة في بعض المؤتمرات ؛ يقول فيها: وقد صح
- أو قال: ثبت - عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(14/343)


@@@ 344
" أحِبُّوا الله لما يغذوكم من نعمه...". ثم رأيته بكى واضطرب، فقطع البث.

وكان هو قد بيَّن وجهة نظره في تصحيح الحديث في مقدمة كتاب له في
" السيرة ": أنه يكفي عنده أن يكون معناه " متفقاً مع آية من كتاب الله أو أثر من
سنة صحيحة "! وقد كنت رددت عليه في بعض لقاءاتي معه: أن هذا لا يكفي
عند أهل العلم في تصحيح المتن، ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، خشية الوقوع في وعيد
قوله صلى الله عليه وسلم: " من قال عليَّ ما لم أقل ؛ فليتبوأ مقعده من النار ".

ورجوت منه أن يعيد النظر في موقفه هذا، فوعد خيراً، ولكنه لم يفعل ؛ بل
إنه استمر على ما عاش عليه. غفر الله له!
من أجل ذلك بادرت إلى البحث عن الحديث، والنظر في سنده ؛ لنكون على
بينة من أمره، فكان ما رأيت من الضعف في سنده، والنكارة في متنه، ومخالفته
لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

ويرى القراء أن الدكتور الفاضل لم يذكر جملة: " فنزع درعاً كانت عليه
فقذفها "، فلا أدري أسقطت من قلمه أو حافظته، أو أنه لاحظ ما تقدم بيانه من
النكارة ؛ فلم يستجز روايتها، وفي جريدة سيّارةٍ.

وعلى كل حال ؛ فهنا سؤال يطرح نفسه - كما يقول بعضهم اليوم -: هل يجوز
رواية مثل هذا الحدث المنكر سنداً ومتناً، ونشره على الناس دون أي تنبيه على
ضعفه، وعزوه لمصدر من كتب السنة التي تروي الأحاديث بأسانيدها ليتيسر لطالب
العلم الرجوع إليها إذا أراد التثبت منها ؛ لا سيما وفي آخره لفظ: "حافراً "، وليس
له ذكر في شيء من المصادر الثلاثة المتقدمة، ولا فهمت له معنى مناسباً هنا.
وأقول الآن: لعل أصل الحديث ما رواه الإمام أحمد في " مسنده " (5/

(14/344)


@@@ 345
287) بإسناد صحيح عن نعيم بن هَمّار: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الشهداء
أفضل ؟ قال:
" الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك ينطلقون
في الغرف العلى من الجنة، ويضحك إليهم ربهم، وإذا ضحك ربك إلى عبد في
الدنيا ؛ فلا حساب عليه".

وقد سبق تخريجه في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " برقم (2558) من
المجلد السادس، وهو تحت الطبع، وهو وشيك الصدور إن شاء الله تعالى (*).

قلت: فهذا يغني عن حديث الترجمة الضعيف، ويقوم مقامه في الاستدلال
لمواجهة الأعداء للقتل بنية الجهاد في سبيل الله، والنكاية بهم ؛ دون أن يكون فيه
نكارة ما.
ونحوه قصة عمير بن الحُمام الأنصاري في غزوة بدر من حديث أنس بن مالك
قال:... فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ".

قال عمير: يا رسول الله! جنة عرضها السماوات والأرض ؛ قال:
قال: بخٍ بخٍ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ما يحملك على قولك: بخٍ بخٍ؟ ".
__________
(*) صدر في حياة الشيخ رحمه الله وبإشرافه، والسابع منها - وهو الأخير - طبع بعد وفاته
بأقسامه الثلاثة. (الناشر).

(14/345)


@@@ 346
قال: لا والله يا رسول الله! إلا رجاء أن أكون من أهلها. فأخرج تمرات من
قَرنه، فجعل جمل منهن، ثم قال: ليّن أنا حَيِيتُ حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة
طويلة! قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل رضي الله عنه.
أخرجه مسلم (6/ 44).

فهذا ليس انتحاراً يأساً من الحياة، وانما هو استشهاد في سبيل الله، وشوقاً إلى
لقائه في جنة عرضها السماوات والأرض.

6644 - (تَدْرُونَ لِمَ أَمَّنْتُ؟
قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ:
جَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ , فَأَخْبَرَنِي: أَنَّهُ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ
يُصَلِّ عَلَيْكَ دَخَلَ النَّارَ , فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ , فَقُلْتُ: آمِينَ.
وَمَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا , فَلَمْ يَبَرَّهُمَا دَخَلَ النَّارَ , فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ
وَأَسْحَقَهُ , فَقُلْتُ: آمِينَ .
وَمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ دَخَلَ النَّارَ , فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ ,
فَقُلْتُ: آمِينَ).

ضعيف جداً.
أخرجه الطبرإني في " المعجم الكبير " (12/ 84/ 12551)
عن إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه عن سعيد بن جبيرعن ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم ارتقى على المنبر فأمّن ثلاث مرات ثم قال:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وفيه علتان:

(14/346)


@@@ 347
الأولى: عبد الله بن كيسان، وهو المروزي ؛ ضعفوه، ولم يوثقه كير ابن حبان
(7/ 33 و 52)، ومع ذلك فإنه قال فيه:
" يخطئ "! ولذلك قال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق يخطيء كثيراً ".
الأخرى: ابنه إسحاق ضعيف ؛ جداً، لم يوثقه أحد ؛ بل قال البخاري في
ترجمة أبيه (3/ 178/1):
" له ابن يسمى (إسحاق) ؛ منكر الحديث ".
ونقل الذهبي في " المغني " مثله عن أبي أحمد الحاكم.
وقال ابن حبان في الموضع الأول من ترجمة أبيه:
" يتقى حديثه من رواية ابنه عنه ".
وأشار الحافظ في " اللسان " إلى أن له حديثاً في "المختارة" في نزول:{ إذا
جاء نصر الله والفتح }، قال:
" فتعقبه الصدر الياسوفي فيما رأيت بخطه فقال: هو من رواية إسحاق عن
أبيه، وفيهما الضعف الشديد ".

قلت: وهذا الحديث مما يشهد لضعفه الشديد، وقول البخاري فيه: " منكر
الحديث "، وذلك قوله فيه: " وأسحقه "، فإنها منكرة جداً ؛ لأن الحديث قد صح
من طرق عند ابن حبان والحاكم وغيرهما عن كعب بن عجرة ومالك بن الحويرث
وأبي هريرة بنحوه ؛ دون هذه الزيادة المنكرة ؛ ولذلك فقد تساهل المنذري بقوله
في " الترغيب " (2/ 283):

(14/347)


@@@ 348
" رواه الطبراني بإسناد ليَّن "!
ومثله أو أسوأ منه قول الهيثمي (10/ 165):
" رواه الطبراني، وفيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان، وفيه ضعف ".

فهذا لو قيل في أبيه (عبد الله) ؛ لكان فيه تساهل ؛ لأن قوله: "فيه ضعف"
يشعر بأن الضعف يسير، بحيث يصح أن يقال مثله في راوي الحديث الحسن،
فكيف و (عبد الله) ليس كذلك ؛! لأنه لم يوثقه أحد إلا من عرف بتساهله في
التوثيق، فكيف والهيثمي قال هذا التضعيف اليسير فيمن اتفقوا على تضعيفه،
ومنهم ابن حبان نفسه المتساهل في توثيق أبيه ؛ فأخشى ما أخشاه أنه أراد بهذا
التضعيف الأب دون الابن. والله أعلم.

(تنبيه): عرفت مما سبق أن (عبد الله) هذا لم يوثقه غير ابن حبان ؛ فلا
يغرنك ما جاء في التعليق على قول الحافظ في " الكاشف ":" ضعفه أبو حاتم ":
"ووثقه أبو داود، والحاكم أبو أحمد، وابن حبان ".

فإنه سبق قلم من المعلقين الفاضلين، أو خطأ مطبعي ؛ فإن محله على
الترجمة التي قبل هذه.

6645 - (طلبُ الحلالِ فريضةٌ بعدَ الفريضةِ).
منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (0 1/ 0 9/ 9993)، وأبو نعيم
في "أخبار أصبهان " (2/ 339)، والبيهقي في " الشعب " (6/ 0 2 4/ 1 874)
عن يحيى بن يحيى النيسابوري: ثنا عباد بن كثيرعن سفيان عن منصورعن
إبراهيم عن علقمة عن عبد الله مرفوعاً.

(14/348)


@@@ 349
قلت: وهذا إسناد واهٍ، رجاله ثقات ؛ غير (عباد بن كثير)، وهما اثنان،
أحدهما: ثقفي بصري مكي، والآخر: فلسطيني رملي، والأول متروك متفق على
تضعيفه، والأخر ضعيف وثق، وكنت متردداً في تحديد المراد منهما ؛ لأن في كل
منهما قرينة تساعد على تعيينه لا توجد في الآخر، فالأول ذكروا في شيوخه
سفيان الثوري، ولم يذكروا في الرواة عنه يحيى النيسابوري، والآخر على العكس
من ذلك، ذكروا في الرواة عنه يحيى النيسابوري، ولم يذكروا في شيوخه سفيان
الثوري. انظر " تهذيب المزي ".

ثم وجدت ما يزيل التردد، ويبين أن المراد هو الرملي في كلام ابن حبان،
حيث قال في " الضعفاء " (2/ 169 - 170):
" عباد بن كثير الرملي، يروي عن سفياق الثوري. روى عنه يحيى بن يحيى،
كان يحيى بن معين يوثقه، وهو عندي لا شيء في الحديث ؛ لأنه روى عن سفيان
الثوري... (فذكر الحديث). ومن روى مثل هذا الحديث عن الثوري بهذا
الإسناد ؛ بطل الاحتجاج بخبره فيما يروي ما لا يشبه حديث الأثبات.

والدليل على أن (عباد بن كثير الرملي) ليسى بـ (عباد بن كثير) الذي كان
بمكة أن يحيى بن يحيى روى عنه، ويحيى لم يلحق الثوري، و (عباد بن كثير
المكي) مات قبل الثوري، ولم يشهد الثوري جنازته، ويحيى بن يحيى في ذلك
الوقت كان طفلاً صغيراً، فهذا دليل على أنهما اثنان ليسا بواحد، مات الثوري
سنة إحدى وستين ".
قلت: فتعين أنه (عباد بن كثير الرملي)، وقد ضعفه الجمهور، وذكره الذهبي
في " ا لمغني "، وقال:

(14/349)


@@@ 350
"قال النسائي: ليس بثقة ". وقال البيهقي عقب الحديث:
"قال أبو عبد الله (يعني: الحاكم): تفرد به عباد بن كثير عن الثوري،
وبلغني عن محمد بن يحيى أنه قال: لم أكره ليحيى بن يحيى شيئاً قط غيررواية
هذا الحديث ".

ولم يتنبه الهيثمي لهذا التحرير ؛ فقال (10/ 291):
"... وفيه عباد بن كثير الثقفي وهو متروك ".
وأما المنذري فاكتفى (3/ 12) بالإشارة إلى تضعيفه! وصرح العراقي في
" تخريج الإحياء" (1/ 221) بضعف سنده.

قلت: وقد روي بلفظ:
" طلب الحلال واجب على كل مسلم ".
وهو ضعيف أيضاً، وقد مضى برقم (3826).

6646 - (مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ
حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (*).
ضعيف.
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (125/ 928)، ومن طريقه
الدولابي في " الكنى " (2/ 124)، وأحمد (5/ 27) - والسياق له -،
والحاكم (2/ 12 - 13)، والبيهقي في "السن " (6/ 35) عن الطيالسي أيضاً،
__________
(*) أملى الشيخ رحمه الله على حاشية تخريج هذا الحديث: " أسد الغابة " (4/ 457)،
ولعلها ملاحظة لنفسه، والله أعلم. (الناشر).

(14/350)


@@@ 351
و " شعب الإيمان" (7/ 525/ 11214)، والروياني في " مسنده" (2/ 328،
329/1295/1300)، والطبراني في " المعجم الكبير" (0 2/ 209 - 210/
479 - 481)، و "الأوسط " (9/ 296/ 8646) من طرق عن زيد بن مرة أبي
المعلى عن الحسن قال:

ثَقُلَ معقل بن يسار، فدخل إليه عبيد الله بن زياد يعوده، فقال: هل تعلم يا
معقل أني سفكت دماً ؛ قال: ما علمت. قال: هل تعلم أني دخلت في شيء من
أسعار المسلمين ؟ قال: ما علمت. قال: أجلسوني، ثم قال: اسمع يا عبيد الله!
حتى أحدثك شيئاً لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ولا مرتين، سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول:... (فذكره)، قال: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال:
نعم ؛ غير مرة ولا مرتين. وقال الحاكم:
" ليس من شرط هذا الكتاب ".
يشير إلى أنه ضعيف. وأقره الذهبي في " تلخيصه"، وأكده بقوله:
" لا أعرف زيداً هذا".

وتبعه ابن الملقن في " مختصر الاستدراك " (1/ 513)، وتبعه المعلق عليه،
واستشهد بي! فقد كنت قد خرجت الحديث تخريجاً مختصراً في " غاية المرام"
(197/ 328)، لم تتيسر لي يومئذ ما تيسر لي الأن من المصادر والمراجع،
والحمد لله، فكان لا بد من الاعتماد على من تقدم من الحفاظ، وبخاصة منهم
الذهبي النقاد.
ثم تبين لي أن الرجل ثقة، وتعجبت كل العجب من تتابع الحفاظ على عدم
معرفتهم إياه ؛ مع أنه مترجم في كتب التراجم القديمة التي هي المرجع في كثير من

(14/351)


@@@ 352
الترجمات الواردة في كتب الحفاظ المتأخرين كالذهبي، والمزي، والعسقلاني
وغيرهم، فأقول:
ا - قال البخاري في " التاريخ " (2/ 1/ 405):
"زيد بن مرة - هو: ابن أبي ليلى أبو المعلى، مولى بني العدوية البصري -،
سمع الحسن، ورأى أنساً، روى عنه معتمر بن سليمان وأبو داود".

2 - وكذا في " الجرح والتعديل " (1/ 2/ 573)، وزاد عطفاً على: "وأبو
د اود "، فقال:
" وعبد الصمد بن عبد الوارث ".
قلت: وعبد الصمد هذا، هو شيخ أحمد في هذا الحديث.

3 - ابن حبان ؛ فقد ذكره في طبقة التابعين من " الثقات " (6/ 318)،
وقال:
" يروي عن الحسن، روى عنه المعتمر وأبو داود ".
قلت: فهؤلاء ثلاثة ثقات، ومعهم ثلاثة آخرون ذكرتهم في "تيسير الانتفاع "
اثنان منهما ثقتان أيضاً، فلا جرم أنه وثقه أبو داود الطيالسي وابن معين وقال أبو حاتم -:
" صالح الحديث ".
ومع ذلك لم يعرفه من سبقت الإشارة إليه، وهم:
ا - الحافظ المنذري ؛ قال في " الترغيب " (3/ 27) بعدما عزاه لأحمد
والطبراني والحاكم:

(14/352)


@@@ 353
" رووه كلهم عن زيد بن مرة عن الحسن، وقال الحاكم ة سمعه معتمر بن
سليمان وغيره من زيد. قال الحافظ: ومَن زيد بن مرة ؛ فرواته كلهم ثقات معروفون
غيره، فإني لا أعرفه، ولم أقف له على ترجمة "!

2 - الحافظ الذهبي، وقد سبق كلامه.
3 - الحافظ الهيثمي (4/ 151) ؛ [ قال ]:
"وفيه زيد بن مرة أبو المعلى، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله رجال (الصحيح) ".

4 - الحافظ ابن حجر ؛ فإنه استدرك ترجمته في " اللسان " على " الميزان " (
2/ 511)، ونقل كلام المنذري المتقدم وأقره!

فيستغرب منه أن يخفى عليه حاله أكثر من غيره ؛ لسعة دائرة حفظه، ولذلك
لم يترجم له في " تعجيل المنفعة " - وهو على شرطه - ؛ لرواية أحمد له!

5 - ومثله العلامة سراج الدين ابن الملقن ؛ لإقراره الحافظ الذهبي في قوله
المتقدم: " لا أعرف زيداً هذا "!

ويتلخص مما تقدم: أن الصواب أن يقال في " تخريج الحديث ":
" ورجاله ثقات رجال (الصحيح) ؛ غير زيد بن مرة ؛ وهو ثقة ".
وإذا كان الأمر كذلك، فهل يصح الحديث بذلك ؟
فأقول: لا ؛ لأن الحسن البصري معروف بالتدليس ؛ مع ثقته وفضله وزهده،
ولذلك ؛ فحديثه الذي لم يصرح فيه بالتحديث معلول، وهذا منه ؛ فإنه علقه فقال:

(14/353)


@@@ 354
" قال: ثقل معقل بن يسار.. ". فصورته صورة المرسل، وقد قال بعض الحفاظ:
" مراسيل الحسن البصري كالريح ".
(تنبيه): (زيد) المتقدم وقع في " المسند " (يزيد) بزيادة الياء في أوله!
وهو خطأ من بعض النساخ، ويبدو أنه خطأ قديم ؛ فإني رأيته كذلك في " جامع
المسانيد" لابن كثير (11/ 688). وعلى الصواب وقع في " أطراف المسند "
للحافظ ابن حجر (5/ 356/ 8 1 73)، فلا أدري أهكذا في نسخته من " المسند "،
أم أصلحه هو؟ والظاهر الأول، ويؤيده أنه كذلك عند شيخه الهيثمي - كما تقدم -،
وقد عزاه لأحمد والطبراني. والله أعلم.

6647 - (من انصرف غَرِيمه وهو راضٍ عنه ؛ صلَّت عليه دوابُ
الأرض، ونونُ الماء.
ومن انصرف غَرِيمه وهو ساخطٌ ؛ كُتب عليه في كل يوم وليلةٍ وجمعةٍ
وشهر ظلمٌ) (*).

منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (24/ 233/ 591، 635)
من طريق بقية بن الوليد عن ابن أبي الجون عن أبي سعد عن معاوية بن إسحاق
عن خولة قال:... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد مسلسل بالعلل:
الأولى: الانقطاع بين خولة (وهي بنت قيس الأنصارية امرأة حمزة بن
عبد المطلب) و (معاوية بن إسحاق) ؛ فإن عامة رواياته عن التابعين، ولذلك أورده
__________
(*) كتب الشيخ رحمه الله بخطه بهامش الأصل: " انظر الرقم (6466) ". (الناشر).

(14/354)


@@@ 355
ابن حبان في طبقة (أتباع التابعين) (7/ 467)، والحافظ في (الطبقة السادسة).
الثانية: أبو سعد هذا - هو: سعيد بن المرزبان، وهو - ضعيف مدلس - كما في
" التقريب " وغيره -.

الثالثة: ابن أبي الجون، لم أعرفه، وقد فتشت عنه ما ساعدني نشاطي
ووقتي، فلم أجده، ويغلب على الظن أنه من شيوخ بقية المجهولين.

الرابعة: بقية بن الوليد، مدلس معروف، وقد عنعن.

قلت: ومع كل هذه العلل الظاهرة قنع الهيثمي بواحدة منها ؛ فقال (4/ 131):
" رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه أبو سعد البقال، وهو ضعيف "!
وأشار المنذري في " الترغيب " إلى تضعيف الحديث (3/ 38) -
ثم رواه الطبراني (رقم 592)، وفي " ا لأ وسط " أيضاً (6/ 15 - 16/
5025) من طريق حبان بن علي عن سعد بن طريف عن موسى بن طلحة عن
خولة امرأة حمزة به نحوه.
وهذا فيه علتان:
الأولى: سعد بن طريف ؛ قال الحافظ:
" متروك، رماه ابن حبان بالوضع ".
والأخرى: حِبان بن علي ؛ وهو ضعيف.

(تنبيه): كان في أول الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:
" ما قدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها الحق من قويها غير متعتع".

(14/355)


@@@ 356
فما رأيت أن أذكره مع هذا الحديث الواهي لثبوته من طرق أخرى، منها:
عن أبي سعيد الخدري: عند ابن ماجه (2426) في قصة ذكرت فيها خولة
بنت قيس.
وإسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (6/ 592/3147)
دون القصة، ومن طريقه أبو يعلى في " مسنده " (2/ 344/ 1091).

وجاء في قصة أخرى من حديث ابن مسعود قال:
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أقطع الدور، وأقطع ابن مسعود فيمن أقطع، فقال له
أصحابه: يا رسول الله! نَكّبه عنا! قال:
" فلم بعثني الله إذن ؟! إن الله لا يقدس أمة لا يعطون الضعيف منهم حقه ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (10/ 274/ 0534 1) وفي " الأوسط "
(5/ 498/ 4946) من طريق يحيى بن جعدة بن هبيرة عنه.

قلت: ورجاله ثقات - كما قال الهيثمي (4/ 197) -، لكن يحيى هذا لم
يدرك ابن مسعود - كما قال الحربي وأبو حاتم -، ولولا ذاك ؛ لكان صحيح الإسناد،
فقول المنذري في " الترغيب " (3/ 40):
" بإسناد جيد " ؛ غير جيد. ورواه البيهقي (6/ 145) عن يحيى مرسلاً.
ثم روى له شاهداً من حديث بريدة مرفوعاً.
أخرجه (6/ 95) من طريق حامد بن أبي حامد بسنده عنه.
وحامد هذا - هو: ابن محمود المروزي - ؛ لم أعرفه، ومن فوقه ثقات.

(14/356)


@@@ 357
ثم أخرج له شاهداً آخر من طريق شيخ يحدث عن أبي سفيان بن الحارث بن
عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

وأخرجه الحاكم (3/ 256). وسمى الشيخ في رواية (عبد الله بن أبي
سفيان) وقال:
" لم يسمع عبد الله بن أبي سفيان عن أبيه ".

6648 - (من أخذ من طريق المسلمين شِبراً ؛ جاء يوم القيامة يحملُه
من سبعِ أرضِين).
منكر بذكر: (الطريق).
أخرجه أبو يعلى في " مسنده الكبير " - كما في
" المطالب العالية المسندة " (ق 82/ 1) - من طريق عون بن كهمس، والطبراني
في " المعجم الكبير " (3/ 241/ 3172)، وفي " الصغير" (رقم 295 -
الروض)، ومن طريقه الخطيب في " التاريخ " (14/ 440)، وابن عدي في
" الكامل " (6/ 247 - 248) من طريق محمد بن عقبة السدوسي: ثنا
محمد بن حمران كلاهما عن عطية بن سعد الدَّعاء عن الحكم بن الحارث
السلمي مرفوعاً.

قلت: أعله الهيثمي بقوله في " المجمع " (4/ 176):
"رواه الطبراني في " الكبير " و " الصغير "، وفيه محمد بن عقبة السدوسي،
وثقه ابن حبان، وضعفه أبو حاتم، وتركه أبو زرعة ".
وأشار المنذري (3/ 54) إلى إعلاله !.

(14/357)


@@@ 358
قلت: لكنه قد توبع من الطريق الأول، وعون بن كهمس فيه ثقة - كما حققته
في ترجمته من" تيسير الانتفاع " -، فلم يبق إعلاله إلابـ (عطية بن سعد
الدعاء)، وهو مجهول الحال، لا يعرف الا من الطريقين المذكودين، وقد ذكره ابن
حبان في "الثقات " (5/ 263) ولم يعرفه الهيثمي - كما سأذكر قوله في
الحديث الآتي بعده -. وعلى هذا فقول الحافظ في " الفتح " (5/ 104):

" ولأبي يعلى بإسناد حسن عن الحكم بن الحارث السلمي... ".
فهو غير حسن، لا سيما وذكر الطريق فيه لم يرد في شيء من الأحاديث
الصحيحة التي شرحها من " صحيح البخاري "، ولا في غيرها مما خرجه المنذري.
والله أعلم.

6649 - (إذا دفنتموني، ورششتم على قبري الماء ؛ فقوموا على
قبري، واستقبلوا القبلة، وادعوا لي).

منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3171) من طريقين عن
محمد بن حُمران عن عطية الدّعاء عن الحكم بن الحارث السلمي أنه غزا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث غزوات، قال: قال لنا:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ لما سبق بيانه من جهالة حال عطية الدعاء في
الحديث الذي قبله. وقال الهيثمي (3/ 44):
" رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه عطية الدعاء، ولم أعرفه ".
ومحمد بن حمران ؛ صدوق فيه لين ؛ كما في " التقريب ".

(14/358)


@@@ 359
وقال الذهبي في " الكاشف ":
"قال (س): ليس بالقوي ".

(فائدة): اختلفوا في ضبط (الدعاء) اختلافاً كثيراً، والراجح ما أثبته هنا،
وفي الذي قبله، وبيانه في " التيسير ".

6650 - (مَنْ أَشْرِبَ قَلْبَهُ حُبَّ الدُّنْيَا الْتَاطَ مِنْهَا بِثَلاثٍ: شَقَاءٍ لا
يَنْفَدُ عَنَاهُ، وَحِرْصٍ لا يَبْلُغُ غِنَاهُ، وَأَمَلٍ لا يَبْلُغُ مُنْتَهَاهُ، فَالدُّنْيَا طَالِبَةٌ
وَمَطْلُوبَةٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَتْهُ الآخِرَةُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ فَيَأْخُذَهُ،
وَمَنْ طَلَبَ الآخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا رِزْقَهُ).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (10/ 201/ 10328)،
ومن طريقه أبو نعيم في " الحلية" (8/ 119 - 125)، وكذا الشجري في " الأمالي "
(2/ 163) قال: حدثنا جبرون بن عيسى المقري بمصر: ثنا يحيى بن سليمان
الحُفري المغربي: ثنا فضيل بن عياض عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن
أبي عبد الرحمن السلمي عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً. وقال أبو نعيم:
"غريب من حديث فضيل والأعمش وحبيب، لم نكتبه إلا من حديث
جبرون عن يحيى".

قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالعلل:
عنعنة الأعمش وحبيب بن أبي ثابت.
ويحيى بن سليمان الحُفري المغربي فيه مقال ؛ كما قال أبو نعيم في حديث

(14/359)


@@@ 360
آخر بهذا الإسناد، كنت خرجته شاهداً في " الصحيحة " يرقم (343) ، والراوي
عنه (جبرون) لم يوثقه أحد، وقد ذكره الأمير ابن ماكولا في "الإكمال " (3/
208) وقال:

" توفي سنة (294) ". ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وقد روى له الطبراني في " المعجم الأوسط " (4/ 236 - 238) حديثين
عن (الحفري) هذا، أحدهما في " المعجم الصغير " أيضاً (ص 68 - هندية)،
و (21 - الروض)، وروى له في " الكبير " ستة أحاديث عن شيخه (الحفري)
أحدها الشاهد المشار إليه آنفاً كلها عن ابن عباس (1 1/ 267 - 269)، وفي
الشاهد المذكور جمع بين النسبتين بشيخه المذكور ؛ فقال:
" يحيى بن سليمان الحفري القرشي ".

وقد غفل عن هذا الجمع الحافظ الذهبي، ثم الحافظ الهيثمي تقليداً له، فقال
عقب الحديت (10/ 249):
" ولم أعرف (جبرون). وأما (يحيى) ؛ فقد ذكر الذهبي في " الميزان " في
آخر ترجمة (يحيى بن سليمان الجعفي) ؛ فقال:
فأما سميه (يحيى بن سليمان الحفري) ؛ فما علمت به بأساً.

ثم ذكر بعده (يحيى بن سليمان القرشي)، قال أبو نعيم: فيه مقال. وذكره
ابن الجوزي ".
قال الهيثمي عقبه:
" فإن كانا اثنين ؛ فـ (الحفري) ثقة، والحديث صحيح على شرط الخُطبة.

(14/360)


@@@ 361
والله أعلم. وبقية رجاله رجال (الصحيح) ".
قلت: يشيربـ " شرط الخطبة " إلى قوله في خطبة الكتاب:
" ومن كان من مشايخ الطبراني في " الميزان " نبهت على ضعفه، ومن لم
يكن في " الميزان " ألحقته بالثقات الذين بعده "!

فأقول: يرد على هذا التعقيب والشرط المذكور أمور:
أولاً: لم أفهم مرجع الضمير في قوله: " الذين بعده "، والكلام واضح دونه،
فلعله مدرج من بعض النساخ.

ثانياً: لا يصح عندي الإطلاق المذكور في كل شيوخ الطبراني ؛ بل أوى تقييد
ذلك بالشيوخ الذين أكثر الرواية عنهم ؛ فإنه يدل على شهرتهم واعتنائهم بهذا
العلم، وإن مما لا شك فيه أن معرفة هذا النوع منهم يتطلب تتبعاً خاصاً، لا يتيسر
ذلك إلا لمن تيسرت له سبل البحث من المتخصصين فيه، فمن يسر الله له ذلك،
ووجد فيه الشرط المذكور أمكنه الاعتماد عليه، وإلا بقي على الجهالة الحالية على
الأقل، و (جبرون) المذكور من هذا القبيل.

ثالثاً: يضاف إلى الشرط المذكور ؛ أن يكون الإسناد فوقه سالماً من ضعف أو
علة ؛ لأنه في حالة عدم السلامة لا يزول احتمال أن يكون الضعف من الشيخ،
وحينئذ لا يعتمد عليه، وهذا هو حال هذا الإسناد، فإن فيه العلل المتقدمة،
وبخاصة (الحُفري) هذا، ففيه المقال المتقدم عن أبي نعيم.

رابعاً: استرواح الهيثمي إلى تفريق الذهبي بين (الحفري) و (القرشي) إنما
هو اجتهاد منه لا دليل عليه، فلا يصح الركون إليه، وكيف يمكن توثيق مثله

(14/361)


@@@ 362
والذهبي نفسه لم يسم شيخا له غير (عباد بن عبد الصمد) ؟! وهوضعيف جداً ؛
كما قال أبو حاتم وغيره، وروى له الطبراني عنه حديثين منكرين جداً، خرجت
أحدهما فيما تقدم برقم (5183)، والآخر في "الروض النضير " رقم (21)
وإنما يمكن التوثيق إذا توفر الشرطان المذكوران في (ثانياً) و (ثالثاً)، وكان المتن
معروفاً، وليس منكراً كهذا.

خامساً: يبطل التفريق المذكور جمع (جبرون) - في (يحيى) هذا - بين
النسبتين (الحفري القرشي) ؛ - كما تقدم -، وهذا ظاهر جداً، وكأنه لذلك أعرض
الحافظ في " اللسان " عن ذكر تفريق الذهبي المذكور، بل أشار في كتابه " تبصير
المنتبه " إلى الرد عليه مفيداً أنهما واحد فقال (1/ 340):

" وبحاء مهملة مضمومة (يحيى بن سليمان الحفري المغربي) نسب إلى
موضع بالقيروان يقال له: " الحفرة "، روى عن الفضيل بن عياض، وعباد بن
عبد الصمد، وعنه جبرون بن عيسى ".

وهذا أخذه الحافظ بالحرف الواحد من " الإكمال" لابن ماكولا (2/ 244)،
والشاهد منه أنهما جعلا الراوي عن " الفضيل " هو نفس الراوي عن (عباد)
خلافاً للذهبي، فهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من أنه واحد، وأنه ممن فيه بأس.

ومن تناقض الحافظ العراقي ؛ أنه قال في حديث الترجمة، وقد ذكره الغزالي
في " الإحياء " (4/ 223):
" أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود بسند حسن"!
وهذا يناقض تصريحه بضعف إسناد حديث ابن عباس الشاهد الذي سبقت
الإشارة إليه - كما كنت نقلته هناك عنه -.

(14/362)


@@@ 363
ولِـ (جبرون) هذا عن يحيى المذكور حديث آخر منكر، وهو الآتي:

6651 - (بعثتُ لخرابِ الدُّنيا، ولم أبعث بِعمارتها).
منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (22/ 1 30 - 302/ 765)،
وعنه أبو نعيم في "الحلية " (8/ 130)! حدثنا جبرون بن عيسى المغربي: ثنا
يحيى بن سليمان الحفري المغربي: ثنا فضيل بن عياض عن سفيان الثوري عن
عون بن أبي جحيفة عن أبيه:
أن معاوية بن أبي سفيان ضرب على الناس بعثاً ؛ فخرجوا فرجع أبو الدحداح،
فقال له معاوية: ألم تكن خرجت مع الناس ؟ فقال: بلى، ولكني سمعت من
رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، فأحببت أن أضعه عندك ؛ مخافة أن لا تلقاني: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

" يا أيها الناس! من ولي منكم عملاً، فحجب بابه عن ذي حاجة المسلمين ؛
حجبه الله أن يلج باب الجنة، ومن كانت همته الدنيا ؛حرم الله عليه جواري،
فإني بعثت.. " الحديث.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ لجهالة (جبرون)، وشيخه (يحيى الجفري) ؛
فيه ضعف - كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله -. وقال أبو نعيم:
"غريب لم نكتبه إلا من. حديث الجفري ". وقال المنذرى في " الترغيب "
(3/ 142):
" رواه الطبراني، ورواته ثقات ؛ إلا شيخه (جبرون بن عيسى) ؛ فإني لم أقف
فيه على جرح ولا تعديل. والله أعلم!.

(14/363)


@@@ 364
كذا قال! و (يحيى بن سليمان الجفري) لم يوثقه أحد حتى ولا ابن حبان،
بل ضعفه أبو نعيم - كما تقدم - في الحديث الذي قبله، ولذلك لم يوثقه
الهيثمي، بل إنه لم يعرفه - خلافاً لما تقدم عنه في الحديث الذي قبله - ؛ فقال في
تخريجه
(5/211):
" رواه الطبراني عن شيخه جبرون بن عيسى عن يحيى بن سليمان الجفري،
ولم أعرفهما، وبقية رجاله رجال الصحيح "!

قلت: وأنا أظن أنه التبس على المنذري بـ (يحيى بن سليمان الجعفي) وهو
من شيوخ البخاري، وهو غير (الجفري) هذا ؛ كما نص عليه الذهبي، وجرى
عليه الحافظ في " تهذيبه " و" تقريبه ".

وأما سائر الحديث ؛ فهو ثابت بنحوه، فجملة الولاية والحجب، لها بعض
الشواهد قبل هذا في " الترغيب "، وجملة الدنيا يأتي في " الترغيب " (4/ 82)
من حديث زيد بن ثابت وأنس بن مالك ما يغني عنه ؛ دون جملة الخراب.
(تنبيه): (الجفري) هكذا وقع في هذا الإسناد بالجيم، وتقدم آنفاً عن
" الإكمال " و" التبصير " ضبطه بالحاء المهملة. لكن يبدوأن ضبطه بالجيم له
وجه أيضاً، فانظر التعليق على " الإكمال ".
ومن جهل المعلقين الثلاثة، وإقدامهم على التكلم بغير علم: قولهم في
تعليقهم على " الترغيب " (3/ 117):
"حسن بشواهده (!) قال الهيثمي.. "!
هكذا أطلقوا التحسين بالشواهد دون أن يبينوا - كعادتهم - وبخاصة ما يتعلق

(14/364)


@@@ 365
بحديث الترجمة ؛ فإنه منكر، لا شاهد له. والله المستعان.

6652 - (مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً،
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ،لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ.
وَمَنْ أَعْطَى أَحَدًا حِمَى اللَّهِ، فَقَدْ انْتَهَكَ فِي حِمَى اللَّهِ شَيْئًا بِغَيْرِ
حَقِّهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ -أَوْ قَالَ: تَبَرَّأَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ -).

ضعيف جداً.
أخرجه أحمد (1/ 6) من طريق بقية بن الوليد قال:
حدثني شيخ من قريش عن رجاء بن حيوة عن جنادة بن أبي أمية عن يزيد بن
أبي سفيان قال: قال أبو بكر رضي الله عنه - حين بعثني إلى الشام -:
يا يزيد! إن لك قرابة، عسيت أن تؤثرهم بالإمارة، وذلك أخوف ما أخاف
عليك ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات ؛ غير شيخ بقية الذي لم يسم، وقد جاء
مسمى من طريق موسى بن أيمن عن بكربن خنيس عن رجاء بن حيوة به ؛ دون
الشطر الثاني منه.
أخرجه الحاكم (4/ 93) وقال:
" صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله:
"قلت: بكر ؛ قال الدارقطني: متروك ".

وقد روى من طريق آخر أشد ضعفاً عن جنادة: أخرجه أبو بكر المروزي في
" مسند أبي بكر الصديق " (200 - 201/ 132) بسنده الصحيح عن الوليد بن

(14/365)


@@@ 366
الفضل العنزي قال: حدثنا القاسم بن أبي الوليد التميمي عن عمرو بن واقد
القرشي عن موسى بن يسار عن مكحول عن جنادة بن أبي أمية به. إلا أنه قال
مكان جملة اللعن الأولى:
" لم يرح رائحة الجنة ".
وهذا إسناد واهٍ بمرة ؛ عمرو بن واقد: متروك متهم بالكذب.

والقاسم بن أبي الوليد التميمي ؛ كذا وقع فيه (أبي الوليد)، والصواب
(الوليد) بإسقاط أداة الكنية - كما في "التهذيب " وغيره -، وهو ثقة ؛ لكن قال
ابن حبان في " الثقات " (7/ 334):
" يخطئ ويخالف ".
والوليد بن الفضل العنزي ؛ متروك أيضاً متهم بالوضع ؛ قال ابن حبان (3/
82):
"روى المناكير التي لا يشك من تبحّر في هذه الصناعة أنها موضوعة". وقال
الحاكم وأبو نعيم وأبو سعيد النقاش:
"روى عن الكوفيين الموضوعات ".

(تنبيه): أورد الشطر الأول من الحديث المنذري في " الترغيب "! 3/ 142)
وقال:
" رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد.( قال الحافظ المنذري): فيه بكر بن
خنيس، يأتي الكلام عليه، ورواه أحمد باختصار، وفي إسناده رجل لم يسم ".

(14/366)


@@@ 367
قلت: قوله: " باختصار " خطأ واضح، والصواب أن يقال: " بزيادة" ؛ لأن
الشطر الثاني من الحديث ليس في رواية الحاكم، وقد غفل عن هذا الخطأ وهي
العادة عند المعلقين الثلاثة على " الترغيب " (3/ 119) ؛ مع أنهم عزوه للمكان
المشار إليه من " المسند "!

6653 - (ايّاكم والخيانة ؛ فإئها بئست ِالبطانةِ، وإياكم...).
ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (22/ 4 0 2/ 538)،
و "الأوسط " (1/ 368/ 633) من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة
عن عكرمة بن عمار عن الهرماس بن زياد قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقته، فقال:... فذكره، وتمام الحديث:
" وإياكم والظلم ؛ فإنه ظلمات يوم القيامة، وإياكم والشح ؛ فإنما أهلك من كان
قبلكم الشح، حتى سفكوا دماءهم، وقطعوا أرحامهم".
وقال الطبراني:
" لا يروى عن الهرماس إلا بهذا الإسناد ".

قلت: وهو ضعيف ؛ عبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة ؛ قال الحاكم:
"الغالب على رواياته المناكير ".
وخطأه عبد الرحمن بن مهدي في حديثين - كما ذكر الحافظ في " اللسان " -.
قلت: ولعل أحدهما هذا الحديث ؛ فقد خالفه أبو الوليد الطيالسي فقال:
أخبرنا عكرمة بن عمار: أخبرنا الهرماس بن زياد قال:

(14/367)


@@@ 368
انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي مردفي وراءه على جمل له، وأنا صبي صغير،
فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى.
أخرجه ابن سعد في " الطبقات" (2/ 185 - 186): أخبرنا هشام أبو
الوليد الطيالسي به.

قلت: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم، وصححه الحافظ في ترجمة (الهرماس)
هذا من "الإصابة"، ورواه أبو داود وابن حبان وغيرهما وهو مخرج في " صحيح
أبي داود " (1707) من طرق أخرى عن عكرمة بن عمار به.

قلت: فمخالفة ابن مليحة لهؤلاء في زيادته عليهم هذه الخطبة تدل على
نكارتها.
وأيضاً، فقد جاءت هذه الخطبة عن جمع من الصحابة منهم: جابر، وأبو
هريرة، وابن عمرو، وليس فيها حديث الترجمة، ولذلك خرجته هنا دون سائره،
وهو مخرج عن المذكورين في "الصحيحة " (858).

وإذا عرفت هذا، فالعجب من الحافظ المنذري، فإنه مع تصديره الحديث
بقوله: " وروي... " مشيراً إلى تضعيفه قال في تخريجه (3/ 144):

" رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وله شواهد كثيرة!!

فإن الشواهد التي أشار إليها تنافي أولاً: تصديره المذكور، وهي ثانياً: ليس
فيها جملة الخيانة، فشهادتها قاصرة، فكان عليه البيان، لكي لا يغتر به من لا
علم عنده، كما فعل المعلقون الثلاثة عليه ؛ فإنهم قالوا - أيضاً تقليداً كعادتهم -:
"ولمتنه شواهد "!

(14/368)


@@@ 369
بل إنهم أوهموا أنه من قول الهيثمي، وكذبوا!

6654 - (من تحبّبَ إلى الناس بما يحبّونه، وبارزَ الله [ بما يكرة] ؛ لقيَ
الله تعالى وهو عليه غضبان) (*).

موضوع.
روي من حديث عصمة بن مالك الخطمي، وأبي هريرة السدوسي.
1 - أما حديث عصمة ؛ فقال الطبراني في " المعجم الكبير " (17/ 186/
499): حدثنا أحمد بن رشدين: ثنا إبراهيم بن منقذ: ثنا إدريس بن يحيى:
ثنا الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف بمرة، مسلسل بالعلل، بعضها أوهى من بعض:
الأولى: عبيد الله بن موهب، نسب لجده، وهو (عبيد الله بن عبد الله بن
موهب أبو يحيى التيمي)، قال أحمد:
" لا يعرف،. ولم يوثقه غير ابن حبان (5/ 72).

الثانية: الفضل بن المختار. قال أبو حاتم:
" أحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل،. وقال ابن عدي:
" أحاديثه منكرة، عامتها لا يتابع عليها ".

قلت: ولذلك قال الحافظ في ترجمة (عصمة) من "الإصابة ":
" ضعيف جداً ". فهو الآفة.
__________
(*) كتب الشيخ رحمه الله بخطه فوق هذا المتن: " تقدم برقم (22645، 3987)،. (الناشر).

(14/369)


@@@ 370
الثالثة: إبراهيم بن منقذ، لم أجد له ترجمة.

الرابعة: أحمد بن رِشدين، قال ابن عدي:
"كذبوه، وأنكرت عليه أشياءه ؛ كما في "الميزان "، وساق له حديثاً من
أباطيله.
والحديث أعله الهيثمي (15/ 224) بالعلة الثانية فقط! فقال:
" رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه الفضل بن المختار، وهو ضعيف"!

كذا قال! وهو تقصير آخر، فحاله أسوأ مما ذكرت - كما عرفت -.

وقوله: " الأوسط " سبق قلم أو خطأ مطبعي ؛ فإنه ليس في " الأوسط " من
حديث (عصمة)، وإنما من حديث أبي هريرة - كما يأتي -.
وعصمة نفسه غير معروف بالرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال الحافظ في
" الإصا بة ":
" له أحاديث أخرجها الدارقطني والطبراني وغيرهما، مدارها على (الفضل
ابن مختار)، وهو ضعيف جداً ".

قلت: وعددها في " المعجم الكبير " (7 1/ 78 1 - 86 1) اثنان وثلاثون
حديثاً، هذا أحدها، وأغلبها مناكير، وقد خرجت بعضها فيما تقدم (2366
و 3883 و 3985)، وأخرج واحداً منها ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/
157 - 158)، وأعله بما تقدم من كلام أبي حاتم وابن عدي.

2 - وأما حديث أبي هريرة ؛ فيرويه سليمان بن داود الشاذكوني قال: حدثنا

(14/370)


@@@ 701
محمد بن سليمان بن مَسمُول المخزومي قال: حدثنا مطيع بن عبد الرحمن عن
أبيه عنه به. والزيادة منه، ووقع فيه "بما يكرهون"!

أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (3/ 0 39/ 2838) وقال:
" لا يروى إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن سليمان ".
قلت: قال ابن عدي:
"عامة ما يرويه لا يتابع عليه متناً وإسناداً ".
ثم ساق له حديثين منكرين سبق تخريج أحدهما برقم (2047)، والآخر
مخرج في "الإرواء" (8/ 282/ 2667).

لكن الشاذكوني أسوأ منه ؛ قال الذهبي في "المغني ":
"رماه ابن معين بالكذب. وقال البخاري: فيه نظر".
وبه أعله الهيثمي ؛ فقال:
" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه سليمان بن داود الشاذكوني، وهو
متروك ".
(تنبيه): الحديث الأول عن (عصمة) وقع في " المجمع ": (عبد الله بن
عصمة بن فاتك)، وهو خطأ، وليس خطأ مطبعياً - إلا قوله: (فاتك) - فإنه قلد
في ذلك المنذري، فإنه كذلك ذكره في " الترغيب " (3/ 154)، وهو من أوهامه
الكثيرة التي فاتت الحافظ الناجي أن ينبه عليها ؛ فإن (عبد الله) لا ذكرله في
السند.

(14/371)


@@@ 702
وأما (فاتك) فأظنه خطأ مطبعياً، وقد اغتر به المعلقون الثلاثة على " الترغيب "
فاعتمدوه! وذكروا في التعليق أن في نسخة: (مالك)! ذلك مبلغهم من العلم.

6655 - (من شَهِدَ على مسلم شهادةً ليس لها بأهلٍ ؛ فليتبوأ مقعدَه
من النّار).
ضعيف.
أخرجه أحمد (2/ 509) من طريق جهير بن يزيد العبدي عن
خداش بن عياش قال:
كنت في حلقة بالكوفة، فإذا رجل يحدث قال: كنا جلوساً مع أبي هريرة،
فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره.

ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبي الدنيا في " الصمت " (143/ 258)، و" الغيبة
والنميمة " (111/ 123)، والخطيب في " التاريخ " (5/ 69).

وأعله المنذري في " الترغيب " (3/ 166) بتابعيه الذي لم يسم. وتبعه
العراقي في "تخريج الإحياء " (3/ 155)، والهيثمي في "المجمع " (4/ 200)،
وقد سقط من إسناد ابن أبي الدنيا ؛ كما نبه عليه. العراقي.

وخداش بن عياش: ليس بالمشهور، ولم يوثقه غير ابن حبان (6/ 276)،
وقال الترمذي في حديث له (2767):
"لا نعرفه ".
واعتمده الذهبي في " المغني "، وأشار إلى تليين توثيقه في " المغني ". ونحوه
قول الحافظ في " التقريب ":

(14/372)


@@@ 373
" ليّن الحديث ".

6656 - (أشرفت الملائكة على الدنيا ، فرأت بني آدم يعصون ،
فقالوا : يا رب! ما أجهل هؤلاء! ما أقل معرفة هؤلاء بعظمتك! فقال الله
تعالى : لو كنتم في مِسلاخِهم لعصيتُموني . قالوا : كيف يكون هذا
ونحن نسبح بحمدك ، ونقدس لك ؟! قال : فاختاروا منكم ملكين ، قال:
فاختاروا هاروت ، وماروت ، ثم أهبطا إلى الدنيا ، وركبت فيهما شهوات
بني آدم ، ومثلت لهما امرأة فما عصما حتى واقعا المعصية، فقال الله عز
وجل لهما : فاختارا عذاب الدنيا ، أو عذاب الآخرة؟ فنظر أحدهما إلى
صاحبه ، فقال : ما تقول ؟ قال : أقول إن عذاب الدنيا ينقطع ، وإن ع
ذاب الآخرة لا ينقطع ، فاختارا عذاب الدنيا فهما اللذان ذكرهما الله
عز وجل في كتابه : { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} ).

منكر.
أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (1/ 180 - 181) من طريق
محمد بن يونس بن موسى: ثنا عبد الله بن رجاء: ثنا سعيد بن سلمة عن
موسى بن جبير عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر مرفوعاً. وقال:
" ورويناه من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عمر موقوفاً عليه، وهو أصح، فإن
ابن عمر أخذه عن كعب ".
ثم ساقه بإسناده الصحيح عن سفيان عن موسى بن عقبة عن سالم بن
عبد الله عن ابن عمر عن كعب قال:... فذكر نحوه، وقال:
" وهذا أشبه أن يكون محفوظاً".

(14/373)


@@@ 374
قلت: وهو في " تفسير عبد الرزاق " (1/ 53 - 54): نا الثوري عن موسى
ابن عقبة به.
وهذا إسناد صحيح عن كعب، فهو يجعل رواية موسى بن جبير عن موسى
ابن عقبة.. عن ابن عمر مرفوعاً ؛ منكراً، وقد كنا قدمنا تحقيق ذلك في المجلد
الأول برقم (170)، وإنما أعدت تخريجه هنا من طريق سعيد بن سلمة - وهو: أبو
عمرو السدوسي - لأتني كنت نقلته هناك عن ابن كثير من تخريج ابن منده، وقلت ثمة:

" سكت عن علته ابن كثير، ولكنه قال: غريب. أي: ضعيف. وفي
" التقريب ": موسى بن سرجس مستور. قلت: ولا يبعد أنه هو الأول، اختلف
الرواة في اسم أبيه، فسماه بعضهم: (جبيراً)، وبعضهم (سرجساً)، وكلاهما
حجازي. والله أعلم ".

هذا ما كنت قلته هناك، مخرجاً إياه من طريق زهير بن محمد عن موسى بن
جبيرعن نافع عن ابن عمر. ثم من طريق سعيد بن سلمة عن موسى بن
سرجس، وقلت عقبه ما ذكرته آنفاً من سكوت ابن كثير عنه. والآن ؛ وقد وقفت
على رواية البيهقي هذه من الطريق المذكور عن سعيد بن سلمة عن موسى بن
جبير، بادرت إلى تخريجها ؛ لأنها تؤيد ما كنت استقربته هناك أن موسى بن
سرجس هو موسى بن جبير، وأن هذا الاختلاف في اسم أبيه إنما هو من بعض
الرواة.

على أن في هذه الطريق من لا ينبغي السكوت عنه، وهو (محمد بن يونس
ابن موسى) - وهو: الكديمي - ، قال الذهبي في " المغني ":

(14/374)


@@@ 375
"هالك، قال ابن حبان وغيره: كان يضع الحديث على الثقات ".
فالعجب من البيهقي كيف سكت عنه ؟! بل وأوهم القراء صحته، بقوله في
الوجه الآخر الذي ذكره عن مجاهد عن ابن عمر موقوفاً:
"وهو أصح ".
فكان الصواب أن يقول: " وهو الصحيح " ؛ لأن مقابله ضعيف غير صحيح
- كما هو ظاهر -، كما كان عليه أن يبين علة هذا الضعيف المرفوع من جهة إسناده،
وليس من جهة معارضته للوجه الأخرعن ابن عمر.
هذا ما دعاني إلى إعادة تخريجي مرة أخرى، وفي ذلك فائدة تذكر إن شاء الله
تعالى.

6657 - (من شرب خمراً ؛ أخرجَ الله نورَ الإيمانِ من جوفه).
منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1/ 227/ 343): حدثنا
أحمد بن رشدين قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده رشدين قال: حدثني أبو
عيسى المؤذن محمد بن عبد الرحمن عن أبي مرزوق التجيبي عن سهل بن علقمة
النسائي عن أبي عثمان عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالعلل، وأجمَلَ القول في ذلك الهيثمي ؛
فقال (5/ 72):
"رواه الطبراني في " الأوسط" وفيه من لم أعرفهم ".
وبيان ذلك كالتالي:

(14/375)


@@@ 376
أولاً: أحمد بن رشدين - هو: (أحمد بن محمد بن الحجاج بن رِشدين بن
سعد أبو جعفر المصري) -، قال الذهبي في " المغني ":
" قال ابن عدي: يكتب حديثه مع ضعفه ". وقد كذبه بعضهم، ووثقه آخرون.
ثانياً: أبوه محمد بن الحجاج: قال العقيلي:
"في حديثه نظر ".
وضعفه ابن عدي - كما يأتي -.

ثالثاً: الحجاج بن رشدين: ضعفه ابن عدي - كما يأتي -.

رابعاً: رشدين بن سعد: ضعيف أيضاً - كما في " التقريب " وغيره - ويبدو
أنه هو وذريته أهل بيت توارثوا الضعف فرداً فرداً، قال ابن عدي:
" كأن بيت رشدين خصوا بالضعف، رشدين ضعيف، وابنه حجاج ضعيف،
وللحجاج ابن يقال له: محمد، ضعيف ".

خامساً: أبو عيسى المؤذن محمد بن عبد الرحمن: أورده البخاري وابن أبي
حاتم في كتابيهما من رواية جمع من الثقات، وذكره ابن حبان فيهم (7/ 389)،
وفات هذا التوثيق على الحال ؛ فلم يذكره في ترجمته من " اللسان " ؛ بل ذكر
عن ابن أبي حاتم أنه نقل عن أبيه أنه:
"مجهول ".
قلت: ولا يوجد هذ! في التسخة المطبوعة من " الجرح "، فهل سقط من
الطابع، أو هو في كتاب آخر، أو هو وهم من الحافظ أو الناسخ ؟ ذلك مما لم يتبين لي.

(14/376)


@@@ 377
وذكر أيضاً عن الأزدي أنه قال:
" مجهول لا يحتج بحديثه ".
قلت: هذا بعيد جداً، وقد روى عنه الليث بن سعد ومن ذكرنا معه.

وبالجملة: فهذه علة غير قادحة ؛ لأن أبا عيسى هذا محله الصدق ؛ إن شاء
الله تعالى.
سادساً: سهل بن علقمة النسائي: لم أجد له ترجمة في شيء من المصادر
التي عندي. والله أعلم.

6658 - (من شربَ بصقةَ خمرٍ ؛ فاجلدُوه ثمانينَ).
منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (13/ 49/ 120) من طريق
هشام بن يوسف قال: حدثني عبد الرحمن بن صخرعن جميل بن كريب عن
عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ عبد الرحمن بن صخر شبه مجهول. أورده ابن
حبان في " الثقات " (8/ 376) من رواية ابنه عنه - عبد السلام - فقط، وتبعوه
في " التهذيب " وفروعه، ولذا قال الحافظ في " التقريب ":
" مجهول ".
وجميل بن كريب: لم أعرفه، والظاهر أنه مجهول ؛ فإنهم لم ينكروه في شيوخ
(عبد الرحمن بن صخر)، ولا في الرواة عن عبد الله بن يزيد - وهو أبو عبد الرحمن
الحبلي - وبه أعله الهيثمي ؛ فقال في " المجمع " (6/ 279):

(14/377)


@@@ 378
" رواه الطبراني، وفيه حميد (كذا) بن كريب، ولم أعرفه !.

6659 - (ثلاثة لا يُقبل لهم شهادة أن لا إله الا الله: الراكب
وا لمركوب، وا لراكبة وا لمركوبة، وا لإ مامُ الجائر) (*).

موضوع.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأ وسط " (4/ 1 9/ 28 31):
حدثنا بكرف قال: حدثنا أبو عطاء بلال بن عمرو عن صالح بن أبي صالح
عن عمر بن راشد عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة
مرفوعاً. وقال:
" لم يروه عن ابن حرملة إلا عمر بن راشد، ولا عن عمر إلا صالح بن أبي
صالح، تفرد به أبو عطاء ".
قلت: لم أجد له ترجمة ؛ لا في "الأسماء" ولا في "الكنى".
ومثله شيخه صالح بن أبي صالح ؛ لم أعرفه.

وشيخ هذا (عمر بن راشد) هو المدني الجاري، قال الحافظ الذهبي في "المغني ":
" قال أبو حاتم: وجدت حديثه كذباً وزوراً، وهو (عمر بن راشد مولى بني
أمية) الذي تكلم فيه ابن عدي، يقال له: (الجاري) كان ينزل (الجار) ".
قلت: ساق له ابن عدي في "الكامل " (5/ 17 - 18) عدة أحاديث
منكرة، وقال في خاتمة الترجمة:
" ليس بالمعروف، وهذه الأحاديث التي أمليتها كلها مما لا يتابعه الثقات عليها".
__________
(*) كتب الشيخ رحمه الله فوق هذا المتن:" مضى برقم (5363)، وهنا فائدة زائدة،. (الناشر).

(14/378)


@@@ 379
قلت: فهو الآفة ؛ إن سلم ممن دونه.

وبكر شيخ الطبراني هو: ابن سهل الدمياطي، وقد قال الذهبي في "المغني ":
(حمل الناس عنه، وهو مقارب الحال، قال النسائي: ضعيف،. وأشار
المنذري في " الترغيب " (3/ 200)، وقال:

"حديث غريب جداً، رواه الطبراني في " الأ وسط)". وكذا عزاه إليه
ا لهيثمي، وقال (6/ 272):
" وفيه عمر بن راشد المدني الحارثي (كذا)، وهو كذاب !.

ثم إنني أقول: هذا الحديث عندي موضوع باطل، ظاهر البطلان ؛ لأنه مخالف
كما عليه أهل السنة: أن الشهادة لا يبطلها الإخلال بشيء من أعمال الجوارح
الواجبة ؛ لقوله تعالى: { إن الله لا يغفرأن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }،
إلى غير ذلك من النصوص الثابتة التي يرد بها العلماء على أهل الأهواء ؛
كالإباضية والخوارج، ومن جرى مجراهم، وضل ضلالهم من جهلة العصر
الحاضر. فالعجب كيف خلت منه كتب الموضوعات، مثل "موضوعات ابن
الجوزي "، و " اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للسيوطي، و "ذيل
الموضوعات " له ؛ فضلاً عن " العلل المتناهية " لابن الجوزي، وغيرها.

6660 - (ألا أدلك على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة ؟ أن تصل من
قطعك ، وأن تعطي من حرمك ، وأن تعفو عمن ظلمك).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (6/ 264/ 5563):
حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا نعيم بن يعقوب بن أبي المتئد

(14/379)


@@@ 380
أبو المتئد قال: سمعت أبي يذكر عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال: قال
لي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:... فذكره.
وأخرجه العقيلي في " الضعفاء" (4/ 295): حدثنا محمد بن إسماعيل
قال: حدثنا سلمة بن شبيب قال: حدثنا نعيم بن يعقوب ابن أخت سفيان بن
عيينة قال: حدثني أبي نحوه. وقال الطبراني:
"لم يروه عن أبي إسحاق إلا يعقوب بن أبي المتئد، تفرد به نعيم بن يعقوب".

قلت: وفي ترجمته أورده العقيلي، وقال:
" لا يتابع على حديثه ".
وذكره ابن حبان في " الثقات " (9/ 219) برواية الحضرمي عنه، وقد تابعه
سلمة بن شبيب ؛ كما رأيت، وله عنه راو ثالث، وهو يزيد بن عبد الرحمن بن
مصعب المعني ؛ كما في " الجرح والتعديل "، ولم يذكر له غيره، ولا عدله ولا
جرحه، ولكني رأيته في " العلل " (2/ 212) قال:
" سألت أبي عن حديث رواه نعيم بن يعقوب بن أبي المتئد عن أبيه... " ؛
فساقه بتمامه وقال:
" قال أبي: هذا خطأ، إنما هو أبو إسحاق عن ابن أبي حسين عن النبي صلى الله عليه وسلم
مرسل. ونعيم هذا لا أعرفه ".

قلت: " أورده الحافظ في " اللسان "، وذكر فيه الحديث وقول العقيلي
المتقدم، وتوثيق ابن حبان إياه، ولم يزد!
ويعقول! بن أبي المتئد: لم أجد له ترجمة، فلعله هو العلة.

(14/380)


@@@ 381
وأما المنذري: فأشار في " الترغيب " (3/ 209) إلى إعلاله بـ (الحارث)
فقال:
" رواه الطبراني في " الأوسط " من رواية الحارث الأعور عنه ". وصرح بذلك
الهيثمي فقال (8/ 189):
" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه الحارث، وهو ضعيف".
ثم وجدت ما ينفي إعلال العقيلي الحديث بـ (نعيم) وقوله: " لا يتابع عليه"،
فقد تابعه سعيد بن محمد الجرمي: ثنا يعقوب بن أبي المتئد به.

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (10/ 235).
وسعيد بن محمد الجَرمي ثقة من شيوخ الشيخين، وذكر الحافظ المزي أنه روى
عن (يعقوب بن أبي المتئد خال سفيان بن عيينة).

ثم رأيت المرسل الذي تقدم نقله مرسلاً عن " علل ابن أبي حاتم، قد أسنده
عبد الرزاق في " مصنفه " (1 1/ 72 1/ 237 0 2)، ومن طريقه البيهقي في
" الشعب " (6/ 2 31/ 0 0 83) عن معمر، وابن أبي شيبة في " المصنف "
(14/ 43/ 17501)، وابن أبي الدنيا في " مكارم الأخلاق" (6/ 26)
عن أبي الأحوص ؛ كلاهما عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي حسين به مرسلاً،
وقال البيهقي:
" هذا مرسل حسين ".
ورأيت قد وصله بعض الضعفاء " فقال محمد بن سليمان (لُوَين): ثنا
محمد بن جابر عن أبي إسحاق عن [ ابن ] أبي الحسين عن كعب بن عجرة

(14/381)


@@@ 382
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره. قال! لوين): يقال - والله أعلم -: عبد الله
ابن أبي الحسين يكنى ( أبا الحسين).
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "! 19/ 155/ 343).
ومحمد بن جابر، هو اليمامي السُّحيمي، قال الذهبي في " المغني ":
"قال البخاري: ليس بالقوي عندهم. وقال أحمد: له مناكير. وقال ابن
معين: عمي واختلط. وقال أبو حاتم: هو أمثل من ابن لهيعة".

ولخص هذه الكلمات في "الكاشف" فقال:
" سيئ الحفظ ".
ونحوه قول الحافظ في " التقريب ":
" صدوق ذهبت كتبه ؛ فساء حفظه، وخلط كثيراًوعمي ؛ فصار يلقن،
ورجحه أبو حاتم على ابن لهيعة ".
قلت: ومما ذكرنا من هذه الأقوال عن هؤلاء الأئمة الجبال يظهرأن الهيثمي
غلا - على خلاف عادته - حين قال (8/ 189):
" رواه الطبراني، وفيه محمد بن جابر السحيمي، وهو متروك ".

نعم ؛ لا أشك في وهمه في إسناده عن كعب ؛ لمخالفته الثقات - كما تقدم -،
على أنهم لم يذكروا لابن أبي حسين رواية عن أحد من الصحابة ؛ إلا عن عامر
ابن وائلة، وقد تأخرت وفاته إلى سنة (110). وذكر بعضهم أنه لم يسمع من
عثمان،، وكعب مات بعد الخمسين، فالظاهر أنه لم يسمع منه. والله أعلم.

(14/382)


@@@ 383
وقد يشهد للحديث رواية علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن عقبة
ابن عامر مرفوعاً.
" يا عقبة! ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة ؟ "... فذكرهن.
أخرجه ابن أبي الدنيا (5/ 19)، والطبراني في " المعجم الكبير" (17/
269/ 739)، وفي " مكارم الأخلاق" (56/ 56)، ورواه أحمد (4/ 148)
بنحوه.

وعلي بن يزيد - هو: الألهاني -، قال في " المغني ":
"ضعفوه، وتركه الدارقطني ".
وروي نحوه عن عطاء مرسلاً. وتقدم برقم (5912).

6661 - (تجافوا - وفي رواية: تجاوزوا - عن ذنبِ السَخيّ، فإن الله
آخٌذ بيِده كلما عَثُر).

ضعيف.
روي عن عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس.

1 - أما حديث ابن مسعود ؛ فيروى من طريقين واهيين عن الأعمش عن
إبراهيم عن علقمة عنه.
أما الطريق الأولى ؛ فيرويها بشر بن عبيد الدارسي، قال: حدثنا محمد بن
حميد العتكي عنه.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2/ 114 - 115/ 1121)، وعنه
أبو نعيم في "الحلية " (5/ 58 - 59)، وقال الطبراني:

(14/383)


@@@ 384
" لم يروه عن الأعمش إلا محمد بن حميد، تفرد به بشر ".
قلت: روى عنه جماعة من الثقات منهم أبو حاتم، وذكره ابن حبان في " الثقات "
(8/ 141) فما أبعد، وكذبه الأزدي، وجرحه ابن عدي بما لا ينهض ؛ كما
حققته في " تيسير الانتفاع "، فقول الهيثمي في " المجمع " (6/ 282):
" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عبيد الله (!) الدارسي ؛ وهو ضعيف ".
قلت: فهو مما لا يعتمد عليه ، وإنما علة هذه الطريق في نقدي (محمد بن
حميد العتكي) ؛ فإني لم أجد له ترجمة، فالظاهر أنه من شيوخ (بشر). المجاهيل
الذين أشار إليهم ابن عدي في ترجمته.

وقول الطبراني: " لم يروه عن الأعمش إلا محمد بن حميد "، يخالفه ما
يأ تي، فأ قول:
وأما الطريق الأ خرى ؛ فيرويها عبد الرحمن بن حماد البصري، قال: ثنا الأعمش به.

هكذا أخرجه أبو نعيم (4/ 108) من طريق إبراهيم بن حماد الأزدي،
والبيهقي في " الشعب " (7/433/ 867 0 1) (1)، والأصبهاني في " الترغيب "
(2/ 636/ 1 52 1) من طريق أبي خالد يزيد بن محمد العقيلي، كلاهما
قالا: ثنا عبد الرحمن البصري به. وقال أبو نعيم:
" غريب من حديث الأعمش، لم نكتبه إلا من هذا الوجه ".
__________
(1) وسقط من روايته " عن علقمة"، ولذلك قال عقبه: " هكذا جاء منقطعاً بين إبراهيم وابن
مسعود ".

(14/384)


@@@ 385
قلت: هكذا وقع في رواية الأزدي والعقيلي: (عبد الرحمن بن حماد)، ولم
أجد لهما ترجمة ؛ فكأنهما مجهولان، وقال البيهقي:
" وقيل: عبد الرحيم بن حماد عن الأعمش... " إلخ.
ثم ساق إسناده من طريق إبراهيم بن أحمد بن النعمان: نا عبد الرحيم بن
حماد البصري... فذكره. وهذا إسناد مجهول ضعيف، وعبد الرحيم ينفرد به،
واختلف عليه في إسناده.

قلت: وعبد الرحيم هذا ؛ قال العقيلي في " الضعفاء " (3/ 82).
" روى عن الأعمش مناكير، وما لا أصل له من حديث الأعمش ".
قلت: وقد مضى له حديث آخر في المجلد الثاني عشر برقم (5759). وثالث
في المجلد السابع برقم (3009)، وقال فيه أبو نعيم:
" متروك الحديث ".

وهذه فائدة لا تجدها في كتب الرجال.
وأما ابن حبان فلم يعرفه ؛ فذكره في " الثقات " (8/ 413)!

2 - وأما حديث ابن عباس ؛ فيرويه تميم بن عمران القرشي عن محمد بن
عقبة المكى عن فضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد عنه.

أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (6/ 332/ 6 0 57)، والبيهقي
(10869)، وقال الطبراني.

(14/385)


@@@ 386
"لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن عبيد الله
الجدعاني ".

قلت: ولم أعرفه، وكذا شيخه (تميم) وشيخ هذا ؛ ولكنه لم يتفرد به، بل
تابعه أبو الفيض ذو النون بن إبراهيم المصري قال: حدثنا فضيل بن عياض به.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10/ 4)، والخطيب في " التاريخ " (8/
334 - 335).
وذو النون هذا هو الزاهد العارف ؛ تكلم فيه الدارقطني، انظر " الميزان "
و "اللسان ". وعلة الحديث ليث - وهو: ابن أبي سليم الحمصي - ؛ وكان اختلط،
وقال البيهقي في إسناد الجدعاني:
" في هذا الإسناد مجاهيل ". وقال الهيثمي:
" رواه الطبراني في " الأوسط"، وفيه جماعة لم أعرفهم،.
قلت: والأولى إعلاله بالليث ؛ لما ذكرت من المتابعة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
والحديث ذكره المنذري في " الترغيب " (3/ 249/ 26) من حديث ابن
مسعود، وأشار لضعفه، وقال:
" رواه أبن أبي الدنيا والأصبهاني. ورواه أبو الشيخ من حديث ابن عباس ".
ولعل أصل الحديث: ما رواه الطبراني في " الأوسط " (7558) من طريق
أخرى يستشهد بها عن ابن مسعود مرفوعاً بلفظ:
"أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم ".

(14/386)


@@@ 387
وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها بإسناد قوي ؛ ولذلك خرجتهما
في " الصحيحة " (638).
وروي بلفظ:
" أقيلوا السخي زلته... " الحديث، وقد مضى تخريجه برقم (2870).

6662 - (إذا جمع الله بين الخلائق يوم القيامة، نادى منادٍ: أين أهل
الفضل؟
قال: فيقوم ناس، وهم يسيرٌ، فينطلقون سراعاً إلى الجنة،
فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: وما فضلكم؟ فيقولون: كنا إذا ظُلمنا
صبرنا، وإذا أسيء إلينا، حلمنا. فيقال لهم: ادخلوا الجنة، { فنعم أجر
العاملين}).

ضعيف جداً.
أخرجه الأصبهاني في " الترغيب والترهيب " (972/ 2374)
من طريق أبي المطرف مفيرة الشامي عن العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ آفته (العرزمي) هذا، وهو متروك بالاتفاق،
واسمه (محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمى) ؛ ولأنه لم يسم في
الإسناد، لم يعرفه المعلقون الئلائة على " الترغيب " للمنذري (3/ 405)،
ولذلك أعلوه بالراوي عنه، فقالوا:
"وفيه مغيرة بن بكار الشامي مجهول ".
وهذا الإعلال وإن كان في واقعه صحيحاً ؛ لأنه قول ابن أبي حاتم (8/ 219)

(14/387)


@@@ 388
عن أبيه، ووافقه الذهبي والعسقلاني، فهو في الوقت نفسه يدل على جهل هؤلاء
المعلقين بهذا العلم ؛ لأنه لا يجوز فيه النزول بالإعلال، وفي العلو علة أخرى، ولا
سيما إذا كانت أقوى من العلة الدنيا، - كما هو الشأن هنا - ؛ ولكنها الجهالة،
وادعاء العلم والتحقيق الذي يعبر عنه بعضهم بالتزبب قبل التحصرم! والله
المستعان.

وقد أشار المنذري إلى تضعيف الحديث بقوله:
" وروي عن عمرو بن شعيب... ".
ولقد كثت أتمنى له أن يفصح عن علته الأقوى ؛ حتى لا يتشبث بما دونها من
لا علم عنده.

6663 - (إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا لَقِيَ أَخَاهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، تَحَاتَّتْ عَنْهُمَا ذُنُوبُهُمَا كَمَا
تَتَحَاتُ الْوَرَقُ مِنَ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ، وَإِلا، غُفِرَ لَهُمَا، وَإن
كَانَتْ ذُنُوبُهُمَا مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ).

ضعيف جداً.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (6/ 315/ 6150):
حدثنا الحسين بن إسحاق التستري: ثنا عبيد الله بن عمر القواريري: ثنا سالم بن
غيلان قال: سمعت جعداً أبا عثمان يقول: حدثني أبو عثمان النهدي عن سلمان
الفارسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: -.. فذكره.

وأخرجه البيهقي في " الشعب " (6/ 473/ 0 895) من طريق ابن أبي
قماش قال: نا القواريري قالت: نا سالم بن غيلان بن سالم به.

(14/388)


@@@ 389
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات ؛ غير سالم بن غيلان - وهو: البصري -، لا
المصري، قال البرقاني في " سؤالات البرقاني " (35/ 205):
"وسألته عن (سالم بن غيلان) ؛ يروي عنه ابن وهب ؟ فقال: بصري
متروك ".

قلت: هكذا وقع فيه: (بصري)، ولا أدري إذا كان محفوظاً ؛ فإن ابن وهب
مصري مشهور، فإذا صحت هذه النسبة فيه ؛ فهو نص من الدارقطني أنه لا يعني
( سالم بن غيلان التجيبي المصري) ؛ فإن هذا قد وثقه جمع، ويشكل عليه أن
البخاري وابن أبي حاتم ذكرا ابن وهب في ترجمته، وتبعهما على ذلك من جاء
بعدهما كصاحب " تهذيب الكمال " وفروعه، وفيها ذكر هؤلاء قول الدارقطني
المذكور! فإما أن يقال: إن الدارقطني شذ بتركه إياه عن الذين وثقوه، وإما أن
يقال: إنه عنى غيره ؛ فلم يشذ. وهذا لعله أرجح ؛ لأنه يوافق ما جاء في التعليق
على " تهذيب الحافظ المزي " (10/ 169 - 170):

" وجاء في حاشية النسخة من تعقبات المؤلف (المزي) على صاحب " الكمال "
قوله: وذكر في الأصل أنه يروي عن الجعد أبي عثمان أيضاً، ويروي عنه عبيد الله
ابن عمر القواريري أيضاً. وذلك وهم ؛ إنما ذلك رجل آخر من أهل البصرة متأخر
عن طبقة هذا، يقال له: (أبو الفيض صالم بن عبد الأعلى)، وبعضهم يقول:
( سالم بن غيلان)، وهو أحد الضعفاء المشهورين بالضعف ".

قلت: سالم بن عبد الأعلى ذكره الذهبي بكنيته هذه في " المقتنى " وقال:
(سمع عطاء، واهٍ ".

(14/389)


@@@ 390
وذكر في " الميزان " أنه روى عن نافع أيضاً.
فقول المزي: " متأخر... " فيه نظر.

والمقصود: أن المزي صرح بأن (سالم بن غيلان) الذي روى عن (الجعد)
وعنه (القواريري) هو غير (سالم بن غيلان) الذي روى عن غير (الجعد) وعنه
ابن وهب وغيره، فكان ينبغي على من جاء بعده أن يميزوا بينهما ؛ حتى لا يختلط
الأمر، ويتميز الثقة من الواهي، وهذا ما لم يتنبه له. الحافظ المنذري، ثم الهيثمي
فقال الأول في " الترغيب " (3/ 271):
" رواه الطبراني بإسناد حسن "!
وقال الهيثمي (8/ 37):
" رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ؛ غير سالم بن غيلان وهو ثقة"!

وقلده المعلقون الثلاثة على" الترغيب " (3/ 425)!
ولعل ما في إسناد البيهقي (سالم بن غيلان بن سالم) مما يرجح أنه غير
(سالم بن غيلان) الثقة.
وان مما يؤكد أنه الضعيف الواهي ؛ أنه زاد في آخر الحديث:
" وان كانت ذنوبهما مثل زبد البحر".

فإنها لم ترد في الأحاديث التي بمعناه وفيها ما هو صحيح، وقد خرجت
بعضها في " الصحيحة " (225، 226، 2692).

(14/390)


@@@ 391
6664 - (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ، فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ
الْغَضَبُ، وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ).

ضعيف.
أخرجه أحمد (5/ 152): ثنا أبو معاوية: ثنا داود بن أبي هند
عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبي ذر قال:
كان يسقي على حوض له، فجاء قوم، فقال: أيكم يورد على أبي ذر
ويحتسب شعرات من رأسه ؟ فقال رجل: أنا، فجاء الرجل، فأورد عليه الحوض
فدقه، وكان أبو ذر قائماً فجلس، ثم اضطجع، فقيل له: يا أبا ذر! لم جلست ثم
اضطجعت ؟ قال: فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ظاهره الصحة ؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم ؛ لكن له
علة خفية لم أر من تنبه لها ؛ ولذلك قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء "
(3/ 174):
"رواه أحمد بإسناد جيد، وأبو داود، وفيه عنده انقطاع، سقط منه (أبو
الأسود) ".

قلت: وهنا تكمن العلة ؛ فإن أبا داود أخرجه (4782)، ومن طريقه البيهقي في
" الشعب " (6/ 309/ 8284)، وكذا البغوي في " شرح السنة " (13/
162/ 3584)، فقال - أعني: أبا داود -: حدثنا أحمد بن حنبل: حدثنا أبو
معاوية.

قلت: فذكره دون قوله: " عن أبي الأسود "، فهو منقطع - كما تقدم عن
العراقي - ؛ لكن الحافظ المزي، وهَّم أبا داود في روايته هذه، فإنه ساق في " تهذيبه "
(33/ 235) رواية أحمد المتصلة، ثم أشار لرواية أبي داود هذه، وقال:

(14/391)


@@@ 392
" ولم يقل: " عن أبي الأسود "، وذلك معدود من أوهامه".

فأقول: ليس من السهل توهيم أبي داود لثقته وحفظه وضبطه الذي عرف به،
مع احتمال أن الوهم على الإمام أحمد من أحد رواة " مسنده "، وبخاصة منهم:
الحسن بن علي بن محمد ابن المذهب، راويه عن أبي بكر القطيعي أحمد بن جعفر بن
حمدان الرأوي له عن عبد الله بن أحمد عن أبيه ؛ فإنهما مع اعتماد
العلماء على روايتهما إياه، فقد قال الحافظ الذهبي في آخر ترجمة (ابن المذهب):
" قلت: الظاهر من ابن المذهب أنه شيخ ليس بمتقن، وكذلك شيخه ابن
مالك، ومن ثم وقع في " المسند " أشياء غير محكمة المتن، ولا الإسناد. والله
أعلم ". وأقره الحافظ في " اللسان ". هذا ما يتعلق بالعلة الخفية.

وفي الإسناد علة أخرى ؛ وهي الاختلاف على داود بن أبي هند، فقد أخرجه
أبو داود عقب روايته عن أحمد من طريق خالد عن داود عن بكر:
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا ذر بهذا الحديث. وقال أبو داود:
"وهذا أصح الحديثين ".
يعني: أنه مرسل.
وقد خولف (خالد) - وهو: ابن عبد الله الواسطي الطحان - ؛ فقد أخرجه
الديلمي في " مسنده " من طريق ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان
عن داود عن بكر عن أبي ذر. فأسنده عن أبي ذر! قال الحافظ في " الغرائب
الملتقطة " (1/35/1):
" قلت: بكر عن أبي ذر منقطع ".

(14/392)


@@@ 393
والخلاصة ؛ أن مدار الحديث على داود بن أبي هند، وأنه اختلف عليه على
وجوه ثلاثة:
الأول: أبو معاوية عنه عن أبي حرب عن أبي ذر منقطعاً.

الثاني: خالد عنه عن بكر - وهو: ابن عبد الله المزني - مرسلاً.

الثالث: عبد الرحيم بن سليمان عنه عن بكر عن أبي ذر منقطعاً.

قلت: ورواة هذه الوجوه عنه كلهم ثقات، وهذا يعني أن داود بن أبي هند لم
يتقن إسناده، وقد وصفه بعض الحفاظ بشيء من الوهم مع اتفاقهم على توثيقه،
فقال ابن حبان في "الثقات " (6/ 278):
" كان من خيار أهل البصرة من المتقنين في الروايات ؛ إلا أنه كان يهم إذا
حدث من حفظه ". وقال أحمد:
"كان كثير الاضطراب والخلاف ". ولذلك قال الحافظ في " التقريب ":
" ثقة متقن، وكان يهم بأخرة ".

وثمة وجه آخر من الخلاف عليه سنداً ومتناً ؛ إلا أن راويه ممن لا يوثق به، وهو
إسحاق بن عبد الواحد الموصلي: ثنا خالد بن عبد الله عن داود بن أبي هند عن
بكر بن عبد الله المزني عن عمران بن حصين قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" إذا غضبت ؛ فاجلس ".

أخرجه الخرائطي في " مساوئ الأخلاق " (161/ 342).
وإسحاق هذا: قال الذهبي في" الميزان ":

(14/393)


@@@ 394
" واه، قال أبو علي الحافظ: متروك ".
هذا ؛ وقد كنت ذهبت قديماً إلى تصحيح الحديث جرياً على ظاهر إسناد
أحمد، وتبعاً لمن قواه ممن سلف، والآن وقد تبينت علته، فأنا راجع عنه، وقد
يعجب هذا ناساً، ويغضب آخرين، وليس يهمني هذا ولا هذا، وانما إرضاء رب
العالمين، وهو ولي التوفيق.

6665 - (من اعتذر إلى أخيه، فلم يعذر، أو يقبل عذره، كان عليه
مثل خطيئة صاحب مكسٍ).
ضعيف.
روي من حديث جابر بن عبد الله بلفظين، هذا أحدهما ؛ أخرجه
الطبراني في " المعجم الأوسط " (9/ 293/ 8639)، والبيهقي في " شعب
الإيمان " (6/ 1 32 - 2 32/ 8338) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني
الليث قال: حدثني إبراهيم بن أعين عن أبي عمرو العبدي عن أبي الزبير
عنه به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: عنعنة أبي الزبير.
الثانية: جهالة أو ضعف أبي عمرو العبدي هذا ؛ فإني لم أجد من ذكره في
" الكنى " أو سماه. ولكن يغلب على ظني أنه المذكور في " تهذيب الكمال " وما
تفرع عنه:
" عقبة بن عبد الله الأصم الرفاعي العبدي البصري، روى عن... (فذكر
جمعاً)، روى عنه إبراهيم بن أعين، و... ".

(14/394)


@@@ 395
ثم ساق أقوال الحفاظ فيه، وأكثرها على تضعيفه. مثل قول ابن معين
وا لنسائي:
" ليس بثقة". وذكر في الحاشية: أن الحافظ يعقوب الفسوي قال:
"ضعيف ".
وهو الذي تبناه الحافظ الذهبي في " الكاشف "، والعسقلاني في " التقريب ":

الثالثة: إبراهيم بن أعين - وهو: العجلي البصري نزيل مصر -: قال ابن أبي
حاتم (1/ 1/ 87) عن أبيه:
"شيخ بصري، ضعيف الحديث، منكر الحديث، وقع إلى مصر ".

وقال البخاري في " التاريخ " (1/ 272/ 875):
"فيه نظر في إسناده ".

وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (8/ 57). وفرق بينه وبين (إبراهيم
ابن أعين الشيباني الرملي). وهو الظاهر. والله تعالى أعلم.

الرابعة: عبد الله بن صالح - وهو: كاتب الليث -: فيه ضعف معروف ؛ مع
كونه من شيوخ البخاري.

ومع كل هذه العلل، فقد اقتصر الهيثمي على العلة الثالثة فقال في" المجمع "
(81/8):
" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه (إبراهيم بن أعين)، وهو ضعيف ".

(14/395)


@@@ 396
وكذا عزاه شيخه العراقي في " تخريج الإحياء " (2/ 184) وقال:
"... بسند ضعيف ".
والحديث ساقه ابن أبي حاتم في " العلل " (2/ 315 - 316/ 2461) عن
أبيه هكذا: حدثنا أبو صالح كاتب الليث عن الليث عمن حدثه عن أبي الزبير عن جابر.

فأسقط من الإسناد رجلاً، ولم يسم الآخر.
وبهذا ينتهي الكلام على اللفظ الأول من حديث جابر.
وأما اللفظ الآخر ؛ فيرويه علي بن قتيبة الرفاعي قال: حدثنا مالك بن أنس
عن أبي الزبير به، ولفظه:
" من اعتذر إليه فلم يقبل ؛ لم يرد علي الحوض ".

أخرجه الطبراني في " الأ وسط " أيضاً (2/ 21/ 1033)، وأبو القاسم
الأصبهاني في " الترغيب " (1/ 209/ 437)، وقال الهيثمي:

" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه علي بن قتيبة الرفاعي، وهو ضعيف ".
قلت: حاله أسوأ مما قال ؛ فقد قال ابن عدي (5/ 207) فيه:
" منكر الحديث ". ثم ساق له حديثين هذا أحدهما، ثم قال:
" وهذه الأحاديث باطلة عن مالك ". ونحوه قول ابن عبد البر في " التمهيد "
(2/309)

(14/396)


@@@ 397
" حديث غريب من حديث مالك، ولا أصل له في حديث مالك عندي ".
وأول حديثه عند ابن عدي والأصبهاني:
" بروا آباءكم، تبركم أبناؤكم، وعفوا تعد نساؤكم، ومن تُنصَّل أليه فلم
يقبل ؛ لم يرد عليَّ الحوض ".
وقد ذكر المنذري في " الترغيب " (3/ 293) رواية التنصل هذه عقب رواية
الطبراني اللفظ الأول ؛ دون أن يعزوها لأحد بقوله:
" وفي رواية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تُنُصَّل... ".
فأوهم أنها من رواية الطبراني، وليس كذلك.

ثم وجدت لرواية (أبي عمرو العبدي) متابعاً من الحسن بن عمارة عن أبي
الزبير به.

أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (ق 106/ 2 - بغية الباحث).
والحسن بن عمارة: متروك ؛ فلا يفرح بمتابعته.

وقد عزاه الحافظ في " المطالب العالية " إليه (2/ 395/ 0 256)، وسكت
عنه.

وروي الحديث بإسناد فيه عنعنة ابن جريج.. عن (جودان) رفعه.
وهو مرسل ضعيف، و (جودان): لم تثبت صحبته، وهو مجهول. وقول
المنذري: إنه رواه أبو داود في " المراسيل " وابن ماجه بإسنادين جيدين ؛ فهو من
أوهامه ؛ كما حققته في " التعليق الرغيب ".

(14/397)


@@@ 398
6666 - (إن النميمة والحقد - وفي رواية: النميمة ؛ وهو الكذب -
والشتيمة والحقيبة في النار، ي النار لا يجتمعان في قلب مسلم).

ضعيف جداً.
أخرجه أبو أمية الطرسوسي في " مسند عبد الله بن عمر"
(25/19)، والطبراني في " المعجم الأوسط " (5/ 0 33 - 331/4650)
- والسياق له -، وا بن عدي في " الكامل " (5/ 381) - والرواية الأخرى له -
من طريق عفير بن معدان قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح قال: سمعت ابن عمر
يقول: !.. فذكره مرفوعاً.

ذكره ابن عدي في ترجمة (عفير بن معدان) في أحاديث أخرى ساقها له،
وختمها بقوله:
"وله غير ما ذكرت من الحديث، وعامة رواياته غير محفوظة".

قلت: وهو ممن اتفقوا على تضعيفه، واتهمه أبو حاتم، وتقدمت له أحاديث
موضوعة تدل على حاله، فانظر على سبيل المثال رقم (293 و 7 81). وقال
الهيثمي عقب الحديث (1/ 102):
" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه - عفير بن معدان -: أجمعوا على
ضعفه".

وأحياناً يقول فيه: " ضعيف جداً " - كما في الحديث (293) المشار إليه
آنفاً -.
وأما تعقيب الطبراني على الحديث بقوله:
" لم يروه عن عطاء إلا عفير، ولا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد ".

(14/398)


@@@ 399
قلت: فيرده أنه أخرجه هو في " المعجم الكبير" (12/ 445/ 13615)،
وكذا ابن عدي (7/ 271) من طريق أبي فروة يزيد بن محمد بن سنان
الرهاوي: حدثني أبي عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح، قال:
سمعت عبد الله بن عمر... فذكره بلفظ:
" النميمة، والشتيمة، والحمية في النار، ولا يجتمعن في صدر مؤمن ".
وقال ابن عدي:
" هذا الحديث عن عطاء غير محفوظ ؛ يرويه (يزيد بن سنان) عنه ".

قلت: ضعيف، وهو الجد، ويكنى بـ (أبي فروة) أيضاً كحفيده الذي في هذا
الإسناد ؛ وهو (يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي) كما ساقه ابن
أبي حاتم (4/ 2/ 288)، وقال:
" كتب إلى أبي وإليّ "

ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وأورده كذلك إبن حبان في " الثقات "، وقال (9/ 276):
"حدثنا عنه أبو عروبة، مات سنة (269) ".

وأما ابنه (محمد بن يزيد بن سنان)، فقال ابن أبي حاتم:
" سألت أبي عنه ؛ فقال: ليسَ بالمتين، هو أشد غفلة من أبيه، مع أنه كان
رجلاً صالحاً لم يكن من أحلاس الحديث، صدوق يرجع إلى ستر وصلاح، وكان
النفيلي يرضاه ".

(14/399)


@@@ 400
6667 - (إياكم والكبر ، فإن الكبر يكون في الرجل وإن عليه العباءة). (*)

ضعيف جداً.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1/329/547):
حدثنا أحمد بن القاسم قال: حدثنا عمي عيسى بن المساور قال: حدثنا سويد
ابن عبد العزيز قال: حدثنا عبد الله بن حميد قال: حدثنا طاوس عن عبد الله
ابن عمر مرفوعاً. وقال:
" لم يروه عن طاوس إلا عبد الله بن حميد، تفرد به سويد ".

قلت: وهو ضعيف متروك، ضعفه الجمهور، وتركه أحمد والبخاري، وذكره
ابن حبان في " الضعفاء " (1/ 350)، قال:
" كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، يجيء في أخباره من المقلوبات أشياء ؛
يتخايل إلى من سمعها أنها عملت تعمداً، والذي عندي: تنكب ما خالف
الثقات، والاحتجاج بما وافق الثقات، وهو ممن أستخير الله فيه ؛ لأنه يقرب من
الثقات ".
وقال الذهبي في " الميزان ":
" وقد هَرَتَ (أي: طعن) ابن حبان سويداً ثم آخر شيء قال: وهو ممن
أستخير الله فيه ؛ لأنه يقرب من الثقات. قلت: لا، ولا كرامة ؛ بل هو واه جداً ".
وأقول: الذي فهمته من ترجمة ابن حبان إياه بما قدم وأخر: أنه لما كان (سويد)
قريباً من الثقات في عدالته وعلمه (1) ؛ استخار الله تعالى في إيراده إياه في " الضعفاء "
بعد أن سبر حديثه، وتبين له سوء حفظه. فإذا كان كذلك ؛ فتعقيب الذهبي عليه
__________
(*) كتب الشيخ رحمه الله فوق هذا المتن: تقدم تخريجه مختصراً برقم (5263) " (الناشر).
(1) وصفه الذهبي في " تاريخ الإسلام " (13/ 220) بأنه كان من كبار العلماء.

(14/400)


@@@ 401
بما تقدم غير وارد - فيما يبدو لي -، ولذلك لم يورده ابن حبان في " الثقات ". والله
أعلم.
وبقية رجال الإسناد ثقات ؛ غير (عبد الله بن حميد) ؛ فلم أعرفه، وفي
طبقته (عبد الله بن حميد بن عبيد الأنصاري)، روى عن عطاء والشعبي وغيره،
وثقه ابن معين وغيره، فيحتمل أنه هو.

وأحمد بن القاسم - هو: ابن مساور الجوهري -: من شيوخ الطبواني الثقات،
وهو مترجم في " تاريخ بغداد " وغيره.

وقد خفيت علة الحديت على جماعة من الحفاظ، منهم المنذري في " الترغيب "
(4/ 16/ 11) فقال:
" رواه الطبراني في " الأوسط "، ورواته ثقات ".

وكذا قال الهيثمي في " المجمع " (10/ 226)، والحافظ في " الفتح " (10/
491). وهذا من الغرابة في مكان أن يخفى على هؤلاء الحفاظ حال (سويد)
هذا، وهم مع الجمهور الذين ضعفوه، أما المنذري فقد ساق له حديثاً في حق الزوج
على الزوجة، ووثق رواته - كما فعل في هذا - ؛ لكنه استثنى فقال:
" إلا سويد بن عبد العزيز ". وضعفه في آخرالكتاب. وقد مضى تخريجه
برقم (5341).

وأما الهيثمي فقال:
" متروك... " إلى آخر كلامه المذكور هناك.
وأما الحافظ فقال في " التقريب ":

(14/401)


@@@ 402
"ضعيف ".
ويدور في خلدي أن سبب اجتماع هؤلاء الحفاظ على هذا الخطأ إنما هو العجلة
في التخريج، يهم الأول - لسبب أو آخر - ؛ فيتبعه من بعده دون أن يجتهد، أو
أن يتمكن من الرجوع إلى سند الحديث والنظر فيه، وقد بلوت هذا كثيراً في
الهيثمي ؛ يتبع المنذري في التخريج والتعليل!

وقد يكون السبب بالنسبة لغير هؤلاء الحفاظ إنما هو عدم استطاعته الرجوع إلى
المصدر الذي وثقوا رجاله، أو صححوا إسناده، وهذا مما لا ينجو منه باحث، ويقع
لي كثيراً، أو يكون السبب الجهل بعلم الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف،
وهذه ظاهرة في هذا العصر في كثير من الطلاب والكتاب ممن يدّعون
التحقيق ؛ كالمعلقين الثلاثة على " الترغيب "، فإنهم يصححون ويحسنون
ويضعفون بدون علم، حتى وبدون تقليد، فتأمل قولهم في تعليقهم على هذا
الحديث:

" حسن، رواه (كذا!) الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 10/ 226): رواه
الطبراني في " الأوسط "، ورجاله ثقات ".

فتأمل كيف استلزموا من ثقة رجاله أنه حسن! وهو غير لازم ؛ لما هو معلوم أنه
قد يكون في السند علة قادحة تمنع من تحسينه. وهذا [ لو ] سلمنا بثقة رجاله،
فكيف وفيه ذاك الضعيف ؟! فوقعوا في مصيبتين ؛ إحداهما: التقليد. والأخرى:
التكلم بغير علم! والله المستعان.

وقد غفل الهيثمي عن هذا (المتروك) في حديث آخر ؛ فأخذ يعله بشيخ له
ضعيف، فرأيت تخريجه، وهو الآتي:

(14/402)


@@@ 403
6668 - (أعطيت قوة أربعين في البطش والنكاح ، وما من مؤمن إلا
أعطي قوة عشرة ، وجعلت الشهوة على عشرة أجزاء ، وجعلت تسعة
أجزاء منها في النساء ، وواحدة في الرجال ، ولولا ما ألقي عليهن من
الحياء مع شهواتهن ، لكان لكل رجل تسع نسوة مغتلمات).

ضعيف جداً.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1/ 339/ 571)
من طريق عيسى بن المساور قال: حدثنا سويد بن عبد العزيزعن المغيرة بن قيس
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً. وقال في جملة أحاديث ساقها عن
سويد عن المغيرة:
" لم يرو هذه الأحاديث عن المغيرة الا سويد بن عبد العزيز".

قلت: وهو متروك ؛ كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله عن بعض الحفاظ
المتقدمين، وعن الهيثمي أيضاً، ويظهر أنه نسي ذلك ؛ فأعله بشيخه فقال (4/
293):

" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه المغيرة بن قيس، وهو ضعيف".
قلت: قال ابن أبي حاتم عن أبيه:
" منكر الحديث" (1).
وذكره ابن حبان في " الثقات " (9/ 168).
قلت: فكان الأولى إعلاله بـ (سويد) ؛ لشدة ضعفه، أو يعل به أيضاً على
الأقل. واكتفى العراقي بقوله في " تخريج الإحياء " (2/ 380):
__________
(1) مضى له حديث في المجلد الثاني برقم (647).

(14/403)


@@@ 404
"... وسنده ضعيف".

وقد روي الطرف الأول من الحديث بلفظ:
" فضلت على الناس بأربع: بالسخاء، والشجاعة، وكثرة الجماع، وشدة
البطش ".

وحكم الذهبي ببطلانه، وتقدم الكشف عن علته في المجلد الرابع برقم
(1597).

6669 - (ثلاث هن أصل كل خطيئة فاتقوهن.
وثلاث إذا ذكرن فأمسكوا.
إياكم والكبر، فإن إبليس إنما منعه الكبر أن يسجد لآدم.
وإياكم والحرص، فإن آدم إنما حمله الحرص على أكل الشجرة.
وإياكم والحسد، فإن ابني آدم إنما قتلَ أحدهما صاحبه حسداً، فهن
أصل كل خطيئة، فاتقوهن واحذروهن.
والثلاث: إذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم، فأمسكوا،
وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا).

ضعيف جداً.
أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (1/ 272/ 2 0 6 و 2/
957/ 2333) من طريق ابن وهب قال: حدثني الحارث بن نبهان عن أبي
معبد (وفي الموضع الآخر: ابن معبد) عن أبي قلابة عن ابن مسعود رضي الله
عنه مرفوعاً.

(14/404)


@@@ 405
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ آفته الحارث هذا ؛ قال البخاري والنسائي وأبو حاتم:
" منكر الحديث". ولهذا قال الذهبي في " المغني ":
"ضعفوه جداً ".

وشيخه أبو معبد - أو: ابن معبد -: لم أعرفه.
ثم رأيت الحديث في " تاريخ دمشق " (14/ 309) من طريق آخر عن
الحارث بن شهاب (كذا) عن معبد عن أبي قلابة به مختصراً، وقال:
" الصواب: الحارث بن نبهان، والنضر بن معبد أبو قحذم ".

ثم رواه ابن عساكر من طريق الأصبهاني المذكور، وفيه " الحارث بن نبهان عن
ابن معبد...".
وبذلك انكشفت لي علة أخرى، وهي: أن (النضر بن معبد) ضعيف جداً،
وأن أبا قلابة لم يسمع من ابن مسعود ؛ كما كنت ذكرت ذلك في " الصحيحة "
(رقم 34)، فقد خرجت فيه الجملة الأخيرة من حديث الترجمة:
" إذا ذكر القدر ؛ فأمسكوا... " إلخ.

قويته فيه ؛ لأن هذا القدر له طريق أخرى عن ابن مسعود خير من هذه،
ولشواهد يقوي بعضها بعضاً خرجتها هناك.

6670 - (ذُو الوجهينِ في الدنيا يأتي يوم القيامةِ وله وجهانِ من نار).
موضع.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (7/ 51 1 - 52 1/ 6274)
من طريق خالد بن يزيد العمري قال: حدثنا سعيد بن مسلم بن بانك عن سعيد

(14/405)


@@@ 406
ابن أبي أويس عن ابن كعب عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً. وقال:
" لا يروى عن سعد إلا بهذا الإسناد، تفرد به خالد بن "يزيد العمري".

قلت: وهو كذاب - كما تقدم مراراً -، وبه أعله الهيثمي (8/ 95)، واكتفى
المنذري في " الترغيب " (4/ 35/ 3) بالإشارة إلى تضعيفه!

6671 - (ألينُ هذا الدين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً
رسول الله، وأشدُّه - أخا العالية! - الأمانة ، إنه لا دين لمن لا أمانة له،
ولا صلاة، ولا زكاة.
يا أخا العالية! إنه من أصاب مالاً من حرام، فلبس جلباباً - يعني:
قميصاً -، لم تقبل صلاته حتى ينحي ذلك الجلباب عنه، إن الله تبارك
وتعالى أكرم وأجل - يا أخا العالية! - من أن يتقبل عمل رجل أو صلاته ،
وعليه جلباب من حرام).

منكر جداً.
أخرجه البزار في " البحر الزخار " (3/ 61/ 819/ 1)، ومن
طريقه الشجري في " الأمالي " (1/ 38 - 39) - قال: حدثنا عبد الله بن سعيد
قال: نا أبو عبد الرحمن بن منصور - قال أبو سعيد: سألت رجلاً من قومه عن
اسمه ؛ فقال: (النضر) - قال: نا أبو الجنوب قال: نا علي قال:
كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فطلع علينا رجل من أهل العالية، فقال: يا
رسول الله! أخبرني بأشد شيء في هذا الدين وألينه. قال:
" ألينه شهادة... " الحديث. وقال:

(14/406)


@@@ 407
"لا نعلم له إسناداً إلا هذا، وأبو الجنوب فلا نعلم أسند عنه إلا النضر بن
منصور".

قلت: كذا قال! وقد روى عنه أيضاً عبد الله بن عبد الله الرازي - ؛ كما في
" التهذيب " - ؛ لكن قال ابن أبي حاتم عن أبيه (3/ 313/ 1743):

" ضعيف الحديث، وهو مثل أصبغ بن نباتة، وأبي سعيد (عقيصا)،
متقاربان في الضعف، ولا يشتغل به،.
وهو راوي حديث: " طلحة والزبير جاراي في الجنة ".

واستغربه الترمذي، وتقدم الكلام عليه برقم (1 231، 6417).
والنضر بن منصور مثله في الضعف، أو أسوأ ؛ فقد قال فيه البخاري وابن
معين :
" منكر الحديث ". وقال النسائي:
" ليس بثقة ". وقال ابن حبان في " الضعفاء " (3/ 50):
" منكر الحديث جداً، لا يجوز الاعتبار بحديثه، ولا الاحتجاج به ؛ لما فيه من
غلبة المناكير ".
ثم تناقض ؛ فذكره في " الثقات " أيضاً ولم يسم أباه، وقال (7/ 534):
" يخطئ "!
والحديث قال المنذري في " الترغيب " (3/ 13/ 9):

(14/407)


@@@ 408
" رواه البزار، وفيه نكارة ".
واقتصر الهيثمي في " المجمع " (10/ 292) على إعلاله بقوله:
" وفيه أبو الجنوب، وهو ضعيف ".
وقلده المعلقون الثلاثة على " الترغيب " (2/ 535)!

ولا بد لي هنا من التنبيه على أن قوله في الحديث:
" لا دين لمن لا أمانة له ".
هو طرف حديث صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً. وهو مخرج
من طرق عنه في " المشكاة " (رقم 35)، و" الروض النضير " رقم (569)، وأحدها
في " صحيح ابن حبان " (47 - موارد).

وزيادة: " ولا صلاة له " ؛ صحت عن أبي الدرداء موقوفاً عليه عند ابن نصر
في " قدر الصلاة " (ق 242/ 1)، وابن عبد البر في " التمهيد " (1/...).

6672 - (إن أسرع صدقة تصعد إلى السماء: أن يصنع الرجل
طعاماً طيباً، ثم يدعو إليه ناساً من إخوانه).

ضعيف.
أخرجه ابن أبي الدنيا في " الإخوان " (231/ 198) من طريق
هشيم عن عبد الرحمن بن يحيى عن حبان بن أبي جبلة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مرسل ؛ فيه علل:

(14/408)


@@@ 409
الأولى: الإرسال: فإن حبان هذا تابعي يروي عن العبادلة، ووثقه ابن حبان
(4/ 181) ومخيره. ولذلك فما أحسن السيوطي حين عزاه إلى ابن أبي الدنيا
عنه دون أن يقيده بقوله: " مرسلاً " - كما هي عادته في مثله ؛ كما كنت نبهت
عليه في التعليق على " ضعيف الجامع الصغير وزيادته " (2/ 29/1386 -
الطبعة الأولى الشرعية) -، وكذلك أطلق العزو إليه في " الجامع الكبير " (1/
224)، وسقط منهما كلمة (تصعد).

الثانية: (عبد الرحمن بن يحيى): فإنه مجهول الحال، ويقال فيه: (يحيى
ابن عبد الرحمن)، ذكره البخاري في " التاريخ " (4/ 2/ 290) على
الوجهين، وذكره ابن أبي حاتم (2/ 2/ 302) على الوجه الأول، ولم يذكرا
فيه جرحاً ولا تعديلاً. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (7/ 609) على الوجه
الآخر المقلوب (يحيى بن عبد الرحمن)، وكلهم كنوه بـ (أبي شيبة).

ثم رأيت أنه وثقه غيره أيضاً ؛ فهو صدوق - كما ذكرت في " تيسير الانتفاع " -.
والعلة الثالثة: عنعنة (هشيم).

6673 - (يتكلم رجل بعد الموت [ من خير التابعين]).
منكر مرفوعاً.
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (4/ 367 - 368)، ومن
طريقه الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (4/ 361 - 362) بسنده عن جعفر بن
محمد بن رباح الأشجعي: حدثني أبي عن عبيدة عن عبد الملك بن عُميرعن
ربعي بن خِراش قال:

كنا أربع إخوة، وكان الربيع أخونا أكثر صلاة، وأكثر صياماً في الهواجر، وأنه

(14/409)


@@@ 410
توفي، فبينا نحن حوله - وقد بعثنا من يبتاع لنا كفناً - ؛ إذ كشف الثوب عن وجهه
فقال:
السلام عليكم!
فقال القوم: وعليكم السلام يا أخا بني عبس! أبعد الموت ؟
قال: نعم ؛ إني لقيت ربي عز وجل بعدكم، فلقيت رباً غير غضبان،
واستقبلني بروح وريحان وإستبرق، ألا وان أبا القاسم ينتظر الصلاة عليَّ، فعجلوني
ولا تؤخروني. ثم كان بمنزلة حصاة رمي بها في طست.

فنمي الحديث إلى عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت: أما إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره. وقال أبو نعيم:
"هذا حديث مشهور، رواه عن عبد الملك جماعة، منهم: إسماعيل بن أبي
خالد، وزيد بن أبي أنيسة، والثوري، وابن عيينة، وحفص بن عمر، والمسعودي،
ولم يرفعه أحد إلا عبيدة بن حميد عن عبد الملك، ورواه المسعودي نحوه في
الرفع". وأقره الذهبي.

قلت: عبيدة بن حميد ثقة من رجال البخاري، لكن السند إليه لا يصح ؛ فإن
(جعفر بن محمد بن رباح) وأباه لا يعرفان في شيء من كتب الرجال التي
عندي. يضاف إلى ذلك أنهما زادا الرفع على أولئك الثقات الذين سماهم أبو نعيم
آنفاً، وكذلك رواه آخرون - كما يأتي النقل في ذلك - عن علي بن المديني عقب
ذكر القصة من طريق ابن عيينة موقوفاً! دون ذكر حديث الترجمة.

وأما حديث المسعودي! فهو مع كونه كان أختلط، ومخالفاً أيضاً لمن ذكرنا من ==

214.

الكتاب : المجلد الرابع عشر

@@@ 411
الثقات ؛ فليس حديثه صحيحاً في الرفع، يرويه عاصم بن علي قال: ثنا
المسعودي عن عبد الملك بن عمير به نحوه، وفيه:
" فما شبهت خروج نفسه إلا كحصاة ألقيت في ماء فرسبت، فذكرذلك
لعائشة فصدقت بذلك، وقالت:
قد كنا نتحدث أن رجلاً من هذه الأمة يتكلم بعد موته. قال: وكان أقومنا في
الليلة الباردة، وأصومنا في اليوم الحارة".

أخرجه أبو نعيم أيضاً.

وعاصم بن علي - وهو: الواسطي -: فيه ضعف مع كونه من رجال البخاري ؛
لكن تابعه إسحاق بن يوسف الأزرق عن المسعودي به ؛ إلا أنه قال:
" قال: فذكرت ذلك لعائشة، فقالت: قد بلغنا أنه سيكون في هذه الأمة
رجل يتكلم بعد موته ".

أخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " (6/ 454 - 455).
وإسحاق هذا ؛ ثقة من رجال الشيخين ؛ فالعلة المسعودي.

وكذلك رواه يزيد بن هارون عن المسعودي به عن عائشة، باختصار القصة.
أخرجه ابن أبي الدنيا في " من عاش بعد الموت " (21/ 10).
ثم رواه (رقم 11)، ومن طريقه البيهقي (455) عن خالد بن نافع: أخبرنا
علي بن عبيد الله الغطفاني وحفص بن يزيد قالا:
بلغنا أن ابن خراش كان حلف أن لا يضحك أبداً، حتى يعلم هو في الجنة أن

(14/411)


@@@ 412
في النار، فمكث كذلك لا يضحكه أحد، فضحك حين مات... فذكر نحو
حديث عبد الملك بن عمير ؛ غيرأنه قال:
فبلغ ذلك عائشة، فقالت: صدق أخو بني عبس رحمه الله ؛ سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره بالزيادة.

قلت: وهذا إسناد واه ؛ حفص بن يزيد: مجهول ؛ ذكره ابن أبي حاتم برواية
خالد بن نافع الأشعري، ولم يذكر فيه شيئاً.
وخالد بن نافع: ضعيف الحديث كما قال أبو زرعة، ونحوه قول أبي حاتم:
" ليس بقوي، يكتب حديثه ". وانظر " اللسان ".

وعلي بن عبيد الله الغطفاني: لم أجد له ترجمة ؛ فهو في عداد المجهولين.

وأما طريق سفيان بن عيينة الموقوفة ؛ فقد أخرجها ابن أبي الدنيا (رقم 9)،
ومن طريقه أبو نعيم عن حفص بن عمر وابن سعد في " الطبقات " (6/ 150)،
والبيهقي في " الدلائل " (6/ 454) عن إسماعيل بن أبي خالد وابن عبد البر
في " الاستيعاب " (ترجمة زيد بن خارجة) من طريق علي بن المديني، ثلاثتهم
عن ابن عيينة قال: سمعت عبد الملك بن عمير يقول: حدثني ربعي بن خراش قال:
مات أخ لي كان أطولنا صلاة، وأصومنا في اليوم الحار، فسجيناه، وجلسنا
عنده، فبينما نحن كذلك ؛ إذ كشف عن وجهه ثم قال:

السلام عليكم! قلت: سبحان الله! أبعد الموت ؟ قال:
إني لقيت ربي، فتلقاني بروح وريحان، ورب غير غضبان، وكساني ثياباً
خضراً من سندس وإستبرق، أسرعوا بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه قد أقسم أن لا

(14/412)


@@@ 413
يبرح حتى أدركه أو آتيه، وإن الأمر أهون مما تذهبون إليه ؛ فلا تغتروا.

ثم والله! كأنما كانت نفسه حصاة فألقيت في طست. وقال ابن عبد البر:
" قال علي: وقد روى هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير غير واحد، منهم
جرير بن عبد الحميد، وزكريا بن يحيى بن عمارة. قال علي: ورواه عن ربعي بن
خراش حميد بن هلال، كما رواه عبد الملك بن عمير، ورواه عن حميد بن هلال:
أيوب السختياني، و عبد الله بن عون". وذكر علي الأحاديث عنهم كلهم ". وقال
البيهقي عقبه:

"هذا إسناد صحيح، لا يشك حديثيُّ في صحته ".

ثم أخرجه ابن سعد وابن حبان في " الثقات " (4 / 326 -227) من
طريقين آخرين عن عبد الملك بن عمير به.

وبالجملة ؛ فالقصة صحيحة بلا شك، والله على كل شيء قدير.
وأما ما رواه البيهقي من طريق إبراهيم بن الحسن التغلبي: حدثنا شريك عن
منصور عن ربعي قال:... فذكر القصة مختصرة، وفيه:
" قال: فذكر لعائشة، قالت: صدق ربعي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من أمتي من يتكلم بعد الموت ".
فهو منكر أيضاً، والعلة من شريك - وهو: ابن عبد الله القاضي - ؛ وقد ضعف
من قبل حفظه ؛ فلا تقبل زيادته على " الثقات ".
وإبراهيم بن الحسن التغلبي ؛ روى عنه جمع [ من ] الثقات، وقال أبو حاتم:

(14/413)


@@@ 414
" شيخ ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (8/ 80).

6674 - (من أتى كاهناً، فسأله عن شيءٍ ؛ حُجِبت عنه التوبة
أربعين ليلة، فإن صدّقه بما قال ؛ كفر).

ضعيف جداً بهذا السياق.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (22/
69/ 169) من طريق سليمان بن أحمد الواسطي: ثنا يحيى بن [ أبي ]
الحجاج: ثنا عيسى بن سنان عن أبي بكربن بشيرقال: سمعت وائلة بن
الأسقع مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ مسلسل بالعلل:

الأولى: أبو بكر بن بشير: مجهول، ذكره البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان
في "الثقات " (5/ 586) من رواية مجهول آخر عنه ؛ وهو: عبد الملك بن أبي
جميلة، وتقدم حديثهما برقم (5797).

الثانية والثالثة: عيسى بن سنان، ويحيى بن أبي الحجاج: كلاهما ليّن
الحديث - كما قال الحافظ في" التقريب " -.

الرابعة: سليمان بن أحمد الواسطي: كذبه يحيى، وقال البخاري:
" فيه نظر ". وبه أعله الهيثمي فقال (5/ 118):
"وهو متروك ".
والحديث قد صح عن أبي هريرة وغيره بنحوه ؛ دون ذكر التوبة. فانظر

(14/414)


@@@ 415
" الترغيب " (4/ 52 - 53).

6685 - (*) - (من رمانا بالليل ؛ فليسَ منّا، ومن رقد على سطح لا
جدار له فمات ؛ فدمه هدر)

ضعيف جداً بالشطر الثاني.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (13/
87/ 217) من طريق محمد بن أبي رجاء العَبّاداني قال: ثنا سلمة بن رجاء
عن يزيد بن عياض عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن جعفرمرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ يزيد بن عياض ؛ قال النسائي وغيره:
" متروك ". وكذبه مالك وغيره. وبه أعله الهيثمي (8/ 99).

وسائر رجاله ثقات ؛ غير محمد بن أبي رجاء العباداني، ذكره المزي في الرواة
عن (سلمة بن رجاء) من "التهذيب "، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (9/
120) برواية شيخه عبد الله بن قحطبة عنه.

و (العبّاداني): بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة، والدال المهملة نسبة
إلى (عبّادان)، بُليدة بنواحي البصرة في وسط البحر ؛ كما في " الأنساب "، ولم
يذكر فيها ابن أبي رجاء هذا. وفي " تاريخ بغداد " (5/ 275):

" محمد بن أبي رجاء الخراساني، ولي القضاء ببغداد أيام المأمون، وهو من
أصحاب أبي يوسف القاضي... ".

وذكر أن وفاته كانت سنة (207). وفيها ذكره الذهبي في "تاريخ الإسلام "
(14/ 351 - 352)، وقال:
__________
(*) كذا الترقيم في أصل الشيخ رحمه الله، قَفَزَ في عشرة أرقام. (الناشر).

(14/415)


@@@ 416
" لا أعرفه ".
فيحتمل أن يكون هو العبّاداني ؛ فإنه من طبقته. والله أعلم.

والشطر الأول من الحديث قد صح من حديث ابن عباس وغيره، وهو مخرج
في " الصحيحة " (2339).

6686 - (يخرج المهديُّ وعلى رأسه ملك ينادي: إن هذا المهديُّ ؛
فاتبعوه).
موضوع.
أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (2/ 71 - 72/937)،
ومن طريقه الخطيب في " تلخيص المتشابه في الرسم" (1/ 417/ 660) قال:
حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي: ثنا عبد الوهاب بن الضحاك: ثنا
إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جببر ببن نفيرعن
كثيربن مرة عن عبدالله بن عمرو مرفوعاً.

وأخرجه ابن عدي في " الكامل " (5/ 295 - 296) من طريقين آخرين عن
عبد الوهاب بن الضحاك به ؛ إلا أنه قال:
" وعلى رأسه عمامة فيها مناد ينادي... ".

قلت: وهذا موضوع، آفته عبد الوهاب بن الضحاك ؛ قال الذهبي في" الميزان ":
" كذبه أبو حاتم وقال النسائي وغيره: متروك. وقال الدارقطني: منكر
الحديث. وقال البخاري: عنده عجائب ".
ثم ساق له أحاديث مما أنكر عليه، هذا أحدها، وقال:

(14/416)


@@@ 417
" إنه من أوابده "! ثم ساق له حديثاً آخر بالسند نفسه، وقال:
" إنه من بلاياه ". وقد مضى تخريجه برقم (3034).

والحديث عزاه السيوطي في رسالته " العرف الوردي في أخبار المهدي " (2/
217 - الحاوي للفتاوى) للحاكم وأبي نعيم أيضاً.

(تنبيه): إبراهيم هذا شيخ الطبراني أورده الذهبي في " الميزان "، وتبعه
الحافظ في" اللسان " فقال:
" إبراهيم بن محمد الحمصي. شيخ للطبراني غير معتمد، قال: حدثنا
عبد الوهاب بن نجدة: حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان عن عبد الرحمن بن
جبير عن كثير بن مرة عن ابن عمر (كذا) مرفوعاً: " يخرج المهدي... "
(الحديث) ؛ فالمعروف بهذا الحديث هو عبد الوهاب بن الضحاك... لا ابن نجدة ".

فأقول: نعم ؛ هذا هو المعروف - كما رأيت في التخريج -، لكن غمزه لإبراهيم
بأنه ذكر: (عبد الوهاب بن نجدة)... مكان: (عبد الوهاب بن الضحاك) في
رواية الطبراني عنه، يخالف ما في " مسند الشاميين " للطبراني، كما يخالف رواية
الخطيب عنه - كما تقدم - ؛ فأخشى أن يكون قد وهم الذهبي على الطبراني أو على
شيخه إبراهيم، ومن الظاهر أنه لم يعرفه، وقد روى له في " المعجم الأوسط " (3/
176 - 183) قرابة عشرين حديثاً، وسماه في أحدها - في مكان آخر منه رقم
(2981) -: (إبراهيم بن الحارث بن محمد بن عبد الرحمن بن عرق الحمصي) ؛
فتبين أن (عرق) جده الأعلى. وهذه فائدة تستدرك على " الإكمال " (7/ 21)
وفروعه ؛ مثل " التبصير " لابن حجر (3/ 144)، و " التوضيح " لابن ناصر
الدين، بل إن هذا فرق بينهما، وجعلهما شيخين للطبراني - لما قدمته آنفاً -.

(14/417)


@@@ 418
والغريب أن الحافظ ابن عساكر لم يذكره في " تاريخ دمشق ". والله أعلم.

ومن الأحاديث التي رواها الطبراني في " الأوسط " عنه (3/ 182 - 183/
1375)، وحسن إسناده المنذري ثم الهيثمي قوله بين:
" إن لكل شيء سيداً، وإن سيد المجالس قُبالة القبلة".

ومقتضى التحسين المذكور أنهم مشوا حديث إبراهيم هذا. ولذلك كنت
خرجت حديثه في" الصحيحة " (2645)، وذكرت له شاهداً ولكنه ضعيف
جداً، وآخر خير منه ؛ فهو بمجموع ذلك على الأقل حسن. والله أعلم.

6687 - ( لا تصحبُ الملائكةُ رِفقة فيها جلدُ نمر).
منكر.
أخرجه أبو داود في " سننه " (4130) من طريق أبي داود: حدثنا
عمران عن قتادة عن زرارة عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم ؛ غير (عمران) - وهو:
ابن داور القطان البصري -: مختلف فيه، قال الذهبي في "المغني ":
"صدوق، ضعفه يحيى والنسائي ".

ونحوه - بل وأبين منه - قول الحافظ في " التقريب ":
" صدوق يهم ".

قلت: فمثله يحسن حديثه، وعلى ذلك جريت في كثير من الأحاديث،
ومنها هذا ؛ فقد حسنته قديماً في بعض المختصرات، مثل تعليقي على" المشكاة ".
وما كان كذلك من الأحاديث والرواة، فحديثه معرض للنقد، إذا ما خولف

(14/418)


@@@ 419
من ثقة ضابط، وقد انكشفت لي - بفضل الله - المخالفة ؛ فقد قال معاذ بن هشام:
ثنا أبي عن قتادة بلفظ:
"... جرس ".. مكان: " جلد نمر".
رواه أحمد، وهو مخرج في " الصحيحة " (1873).

وتوبع معاذ بن هشام: فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (12/ 229/
12643): حدثنا وكيع قال: ثنا هشام الدستوائي عن قتادة به ؛ إلا أنه أوقفه على
أبي هريرة، ولا يضر، فقد رفعه معاذ عن أبيه ؛ فهو به أعرف وألصق، ولا سيما
وقد صح من طرق أخرى عن أبي هريرة وغيره مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم - كما تراه في
المصدر المذكور أنفاً -.

والمقصود أن ذكر " جلد نمر " في الحديث من أوهام عمران القطان التي أشار
إليها الحافظ في كلمته المتقدمة، وعلى ذلك ؛ فهو لفظ منكر أو شاذ. والله أعلم.

6688 - (ما من راكب يخلو في مسيرهِ بالله وذِكره ؛ إلا ردفه ملك،
ولا يخلو بشِعر ونحوه ؛ إلا ردفه شيطان).

منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (17/ 324/ 895) من
طريق عبد الله بن صالح: حدثني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله
ابن شراحيل قال: سمعت عقبة بن عامر يقول:... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ ليس فيه دون الصحابي،،من المذكورين ثقة غير
يزيد بن أبي حبيب.

(14/419)


@@@ 420
أما عبد الله بن شراحيل فهو غير معروف في شيء من كتب الرجال، حتى إن
الحافظ المزي لم يذكره في الرواة عن (عقبة)، ولا فيمن روى عنه يزيد بن أبي
حبيب، والطبراني نفسه لم يذكر تحت ترجمته غير هذا الحديث. وهذا يدل على
أنه مجهول لا يعرف.

وأما ابن لهيعة وعبد الله بن صالح فهما معروفان بالضعف، إلا في بعض
الأحوال المعروفة عند العلماء، ولا شيء من ذلك هنا، فإن تعجب ؛ فاعجب من
قول المنذري في " الترغيب " (4/ 67/ 4)، ومتابعة الهيثمي إياه (0 1/ 131):

" رواه الطبراني بإسناد حسن "!

وأما تقليد المعلقين الثلاثة لهما في طبعتهم لـ " الترغيب " (3/ 657) فلا
عجب ؛ لأنهم ليسوا من أهل هذا العلم بل هم من المعتدين عليه، ككثير من
الطلبة الناشئين المغرورين بما عندهم من ثقافة مزجاة. والله المستعان.

6689 - (من سره أن يسبق الدائب المجتهد ؛ فليكف عن الذنوب).
ضعيف جداً.
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (8/ 61 3/ 4950)، وأبو ن
عيم في " أخبار أصبهان " (2/ 116) من طريقين عن علي بن مسهرعن
يوسف بن ميمون عن عطاء عن عائشة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيفا جداً ؛ يوسف بن ميمون - هو: الصباغ - ؛ ضعفه
أحمد وغيره. وقال ابن أبي حاتم.
" سئل أبي عنه؟ فقال: ليس بالقوي، منكر الحديث جداً، ضعيف ". وقال
ابن حبان (3/ 134):

(14/420)


@@@ 421
" فاحش الخطأ، كثير الوهم، يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات".
وقال المنذري في " الترغيب " (4/ 73):
" رواه أبو يعلى، ورواته رواة " الصحيح " إلا يوسف بن ميمون ".

ونحوه في " مجمع الهيثمي " ؛ إلا أنه قال (10/ 200):
"... وفيه يوسف بن ميمون، وثقه ابن حبان، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله رجال
(الصحيح) ".

وتعقبه المعلقون الثلاثة بقولهم (4/ 7):
" قلنا (!): فيه أيضاًسويد بن سعيد: ضعيف ".

قلت: وصورة هذا الاستدراك منهم دليل من الأدلة الكثيرة على أنهم لا
يفقهون من هذا العلم شيئاً ؛ لأن (سويداً) هذا من رجال مسلم في " صحيحه " ؛
فكان حق الاستدراك أن يقال: " نعم ؛ لكن سويد بن سعيد، مع كونه من رجال
" الصحيح "، إلا أنه ضعيف "، أو نحو ذلك مما يجمع بين تصويب قولهما،
والاستدراك الحق عليهما. والأحسن في مثل هذا الاستدراك أن يبين سبب
الضعف، وهو أنه كان يتلقن - كما قال الحافظ ابن حجر وغيره -.

هذا من جهة.

ومن جهة أخرى: فلا فائدة من هذا التضعيف ؛ لأن (سويداً) متابع عند أبي
نعيم، وقد أشرت إلى ذلك بقولي في التخريج: " من طريقين ". لكن خفاء هذا
على أولئك الثلاثة ليس فيه غرابة ؛ لأنهم مجرد نقلة!

(14/421)


@@@ 422
6690 - (كانت قريتان إحداهما صالحة، والاخرى ظالمة ، فخرج
رجل من القرية الظالمة يريد القرية الصالحة، فأتاه الموت حيث شاء الله ،
فاختصم فيه الملك والشيطان ، فقال الشيطان : والله! ما عصاني قط ،
فقال الملك : إنه قد خرج يريد التوبة ، فقضى بينهما أن ينظر إلى أيهما
أقرب فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بشبر ، فغفر له ، قال معمر :
وسمعت من يقول : قرب الله إليه القرية الصالحة).

منكر جداً بذكر: (اختصام الشيطان).
أخرجه عبد الرزاق في" المصنف "
(11/ 284/20550) ؛ ومن طريقه الطبراني في " المعجم الكبير" (9/190/
8851): أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود
قال:... فذكره موقوفاً عليه.

قلت: وهذا إسناد رجاله رجال " الصحيح " كما قال الهيثمي (10/ 213)،
وجرى على ظاهره المنذري، فقال (4/ 77/ 25):
" رواه الطبراني بإسناد صحيح، وهو هكذا في نسختي غير مرفوع".

قلت: وتوسط المعلقون الثلاثة عليه - كعادتهم - ؛ تحفظاً منهم وستراً لجهلهم،
فقا لوا (4/ 14):
" موقوف حسن، قال الهيثمي... ".

فلا هم بينوا سبب اقتصارهم على التحسين، ولا تبعوا المنذري في التصحيح!!
وأنا أرى أن في الحديث عللاً إسناداً ومتناً:

الأولى: الوقف: فيحتملى أن يكون من الإسرائيليات.

(14/422)


@@@ 423
الثانية: أبو إسحاق - وهو: عمرو بن عبد الله السبيعي، وهو -: مدلس
مختلط، وقد عنعنه، ومعمر - وهو: ابن راشد - لم يذكر فيمن روى عنه قبل
الاختلاط. فهذه علة ظاهرة ما كان ينبغي أن تخفى على الحافظ المنذري.
الثالثة: أنه من رواية إسحاق بن إبراهيم - وهو: الدبري - وفي روايته عن
(عبد الرزاق) كلام معروف.

الرابعة: قوله في متن الحديث: " فاختصم فيه الملك والشيطان " ؛ فإنه منكر
جداً ؛ لأن المحفوظ في هذه القصة من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً نحوه، وأتم
منه بلفظ:
" فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب... ".
أخرجه البخاري (3470)، ومسلم (8/ 03 1 - 4 5 1).

نعم ؛ زاد ابن أبي شيبة في " المصنف " (3 1/ 89 1/ 67 0 6 1)، وعنه ابن
ماجه (2622)، وأحمد (3/ 72):

" قال إبليس: إنه لم يعصني ساعة قط ".

فهذه الزيادة تؤكد أنه لا علاقة للشيطان في المخاصمة في قبض روح الرجل،
وإنما هو تدخل متطفلاً مؤيداً وجهة نظر ملائكة العذاب الذين قالوا:
" إنه لم يعمل خيراً قط "، وزاد:
"فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين،
فإلى أيتهما كان أدنى ؛ فهو له. فقاسوه ؛ فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد
[ بشبر]، فقبضته ملائكة الرحمة ". والسياق لمسلم، ولفظ البخاري:

(14/423)


@@@ 424
"فغفرله ".
ثم خرجته في " الصحيحة " برواية أحمد وسياقه، وزيادات الشيخين
وغيرهما عليه، فراجعه إن شئت برقم (2640).

6691 - (قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ بني إِسْرَائِيلَ سَبْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَذَهَبَ
إِلَى رَاهِبٍ، فَقَالَ: إِنِّي قَتَلْتُ سَبْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟
قَالَ: لا، فَقَتَلَ الرَّاهِبَ.
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى رَاهِبٍ آخَرَ، فَقَالَ: إِنِّي قَتَلْتُ ثَمَانِيَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ
تَجِدُ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لا، فَقَتَلَهُ،
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الثَّالِثِ، فَقَالَ: إِنِّي قَتَلْتُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا مِنْهُمْ
رَاهِبَانِ، فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَقَدْ عَمِلَتْ شَرًّا وَلَئِنْ قُلْتُ: إِنَّ
اللَّهَ لَيْسَ بِغَفُورٍ رَحِيمٍ لَقَدْ كَذَبْتُ فَتُبْ إِلَى اللَّهِ، قَالَ: أَمَّا أَنَا فَلا أُفَارِقُكَ
بَعْدَ قَوْلِكَ هَذَا، فَلَزِمَهُ عَلَى أَنْ لا يَعْصِيَهُ فَكَانَ يَخْدُمُهُ فِي ذَلِكَ، وَهَلَكَ
يَوْمًا رَجُلٌ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ قَبِيحٌ، فَلَمَّا دُفِنَ قَعَدَ عَلَى قَبْرِهِ فَبَكَى بُكَاءً
شَدِيدًا، ثُمَّ تُوُفِّيَ آخَرُ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ حَسَنٌ، فَلَمَّا دُفِنَ قَعَدَ عَلَى قَبْرِهِ
فَضَحِكَ ضَحِكًا شَدِيدًا، فَأَنْكَرَ أَصْحَابُهُ ذَلِكَ، فَاجْتَمَعُوا إِلَى رَأْسِهِمْ،
فَقَالُوا: كَيْفَ تَأْوِي إِلَيْكَ هَذَا قَاتَلُ النُّفُوسِ؟ وَقَدْ صَنَعَ مَا رَأَيْتَ فَوَقَعَ
فِي نَفْسِهِ وَأَنْفُسِهِمْ فَأَتَى إِلَى صَاحِبِهِمْ مَرَّةً مِنْ ذَلِكَ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ
فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَأْمُرُونِي؟ فَقَالَ: اذْهَبْ فَأَوْقِدْ تَنُّورًا، فَفَعَلَ ثُمَّ أَتَاهُ
بِخَبَرِهِ أَنْ قَدَ فَعَلَ، قَالَ: اذْهَبْ فَأَلْقِ نَفْسَكَ فِيهَا فَلَهِيَ عَنْهُ الرَّاهِبُ،

(14/424)


@@@ 425
وَذَهَبَ الآخَرُ فَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي التَّنُّورِ، ثُمَّ اسْتَفَاقَ الرَّاهِبُ، فَقَالَ: إِنِّي
لأَظُنُّ الرَّجُلَ قَدْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي التَّنُّورِ بِقَوْلِي لَهُ، فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَوَجَدَهُ حَيًّا
فِي التَّنُّورِ يَعْرَقُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَخْرَجَهُ مِنَ التَّنُّورِ، فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي أَنْ
تَخْدِمَنِي وَلَكِنْ أَنَا أَخْدِمُكَ أَخْبَرَنِي عَنْ بُكَائِكَ عَلَى الْمُتَوَفَّى الأَوَّلِ،
وَعَنْ ضَحَكِ عَلَى الآخَرِ، قَالَ: أَمَّا الأَوَّلُ فَإِنَّهُ لَمَّا دُفِنَ رَأَيْتُ مَا يَلْقَى
مِنَ الشَّرِّ فَذَكَرْتُ ذُنُوبِي فَبَكَيْتُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَإِنِّي رَأَيْتُ مَا يَلْقَى بِهِ مِ
نَ الْخَيْرِ فَضَحِكْتُ، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ عُظَمَاءِ بني إِسْرَائِيلَ ).

منكر بهذا السياق.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (22/ 311/
788): حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح: حدثني أبي: ثنا ابن لهيعة: حدثني
عبيد الله بن المغيرة عن أبي قيس مولى بني جمح قال: سمعت أبا زمعة البلوي -
وكان من أصحاب الشجرة، بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحتها - وأتى يوماً بمسجد الفسطاط،
فقام في الرحبة - وقد كان بلغه عن عبد الله بن عمرو بعض التشديد - فقال: لا
تشددوا على الناس ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وييدو أنه من تخاليط ابن لهيعة، وبه أعله
الهيثمي فقال (10/ 213):
" رواه الطبراني، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف ".

ويحتمل أن العلة من (يحيى بن عثمان بن صالح) المصري ؛ فقد تكلم فيه
بعضهم، فقال فيه الذهبي في " الكاشف ":
" حافظ أخباري، له ما ينكر ". وقال الحافظ في " التقريب ":

(14/425)


@@@ 426
" صدوق رمي بالتشيع، ولينه بعضهم لكونه حدث من غيرأصله ".

6692 - (يا أبا ذر! أعلمت أن بين أيدينا عقبة كؤوداً ، لا يصعدها إلا
المخفون ؟ فقال رجل : يا رسول الله ، أمن المخفين أنا أم من المثقلين ؟ قال :
عندك طعام يوم ؟
قال : نعم . وطعام غدٍ. قال :
وطعام بعد غد ؟
قال : لا. قال :
لو كان عندك طعام ثلاثٍ لكنت من المثقلين).

منكر جداً.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (5/ 406 - 407/
4806): حدثنا عبيد بن عبد الله بن جحش قال: حدثنا جُنادة بن مروان قال:
حدثنا الحارث بن النعمان قال: سمعت أنساً يقول:

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وهو آخذ بيد أبي ذر، فقال:... فذكره. وقال - وقد
ساق بهذا الإسناد خمسة أحاديث -:
" لم يرو هذه الأحاديث عن أنس إلا الحارث بن النعمان".
قلت: قال البخاري:
" منكر الحديث ". وقال النسائي:
" ليس بثقة ". وضعفه آخرون. وأما ابن حبان، فذكره في "الثقات " (4/ 135).

(14/426)


@@@ 427
وذكر الحافظ في " التهذيب " أنه ذكره في " الضعفاء" أيضاً ؛ ولكنه غير
موجود في النسخة المطبوعة منه. والله أعلم.

و (جنادة بن مروان) - وهو: الحمصي -: ضعفه أبو حاتم بقوله:

" ليس بقوي، أخشى أن يكون كذب في حديث عبد الله بن بسرأنه رأى في
شارب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بياضاً بحيال شفتيه".

وفسر الحافظ في " اللسان " قوله: "كذب " بـ: " أخطأ"، ورد على الذهبي قوله:
" اتهمه أبو حاتم " ؛ فأصاب. وبه أعله الهيثمي كما يأتي.

و (عبيد بن عبد الله بن جحش) - وهو: الأسدي - ؛ كما جاء في الحديث
الأول من تلك الأحاديث الخمسة، فهو من شيوخ الطبراني الذين لم نجد لهم ذكراً
في شيء من كتب الرجال ؛ فالإسناد مسلسل بالعلل ؛ فالعجب من قول الهيثمي
في " المجمع "
(10/263):

" رواه الطبراني في " الأوسط " (وفيه جنادة بن مروان)، قال أبو حاتم: ليس
بقوي، وبقية رجاله ثقات ".

وأشار المنذري (4/ 85/ 3) إلى تضعيف الحديث ؛ ولكنه أطلق عزوه
للطبراني ؛ فأوهم أنه في " المعجم الكبير"، وليس فيه.

6693 - ( لوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ؛ لَمْ
يُعْطِهَا إِلا أَوْلِيَاءَهُ وَأَحِبَّاءَهُ مِنْ خَلْقِهِ).

منكر بهذا السياق.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (12/ 348 -

(14/427)


@@@ 428
349/ 0 1331) من طريق يحيى بن عبد الله البابلتي: ثنا أيوب بن نُهيك
قال: سمعت محمد بن قيس قال: سمعت ابن عمر يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول:
" والذي نفسي بيده! إن الدنيا أهون على الله من هذه السخلة على أهلها، ولو
كانت... " الحديث.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، أورده الهيثمي بتمامه (0 1/ 287 - 288)
وقال:
" رواه الطبراني، وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي، وهو ضعيف ".

قلت: إعلاله بشيخه (أيوب بن نهيك) أولى ؛ لأنه أشد منه ضعفاً، ولذلك
قال الذهبي في " المغني ":
" تركوه ".
ولما ساق له الحافظ في " اللسان " حديثاً آخر له عنه ؛ قال:
" ويحيى ضعيف ؛ لكنه لا يحتمل هذا ". يشير إلى إعلاله بأيوب. انظر
الحديث (5087).
والحديث قد صح من طريق أخرى عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ:
"... ما سقى كافراً منها شربة ماء".

وكذلك روي عن جمع آخر من الصحابة من طرق يقوي بعضها بعضاً، وقد
خرجتها في " الصحيحة " (686، 943).

(14/428)


@@@ 429
وأما الطرف الأول من الحديث فإني لم أسقه مع حديث الترجمة ؛ لأن له
شواهد صحيحة، خرجت بعضها في" الصحيحة " برقم (3392).

6694 - (الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع
من لا عقل له).

منكر.
أخرجه ابن أبي الدنيا في " الجوع " (ق 29/ 2)، وعنه البيهقي في
" شعب الإيمان " (7/ 375/ 638 0 1) من طريق الحسين بن محمد: ثنا أبو
سليمان النصيبي عن أبي إسحاق عن زرعة عن عائشة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وزرعة هذا: لم أعرفه، ومن المحتمل أنه (أبو عمرو
السيباني الفلسطيني) اسمه: (زرعة) ؛ فإنه من هذه الطبقة، روى عن عمر
وغيره من الصحابة، ولكنهم لم يذكروا فيهم عائشة، ولا ذكروا في الرواة عنه أبا
إسحاق. فالله أعلم.

وأبو إسحاق ؛ إن لم يكن عمرو بن عبد الله السبيعي ؛ فلم أعرفه، والسبيعي
مدلس مختلط.

وأبو سليمان النصيبي ؛ لم أره في كتب (الكنى) التي عندي، ولا ذكره
السمعاني في نسبة (النصيبي) ؛ فهو إسناد مظلم، فمن الغريب قول المنذري في
" الترغيب " (4/ 104):
" رواه أحمد والبيهقي... وإسنادهما جيد"!

فأقول: أنى لهما الجودة وفيه ما تقدم من الجهالة بالنسبة لرواية البيهقي
وكذلك بالنسبة لرواية أحمد ؛! لكنها كشفت لنا عن اسم (أبي سليمان النصيبي)

(14/429)


@@@ 430
وشيء من حاله ؛ فقال أحمد (6/ 71): ثنا حسين بن محمد قال: ثنا دويد
عن أبي إسحاق... به ؛ دون قوله: " ومال من لا مال له ".

فرواية أحمد هذه توضيح أن (أبا سليمان النصيبي) هو: (دويد) ؛ لاتحاد
شيخه والراوي عنه، فمن (ذويد) هذا ؟ لقد تبادر لذهني أنه لعله: (ذويد
الفلسطيني) المترجم في " ثقات ابن حبان " (8/ 237) وغيره. لكني لم أجد
أحداً ذكر ما هنا من شيخه والراوي عنه، وإن كان الهيثمي يشير إلى أنه هو
بقوله (10/ 288):

"رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ".

فإن يكن هو ؛ فالعلة ممن فوقه. والله أعلم.

وقد روي عن ابن مسعود موقوفاً:
أخرجه أحمد في " الزهد " (ص 161)، وابن أبي الدنيا أيضاً، وفي "ذم
الدنيا" أيضاً (17/ 16 ط) وعنه البيهقي عن مالك بن مِغول عنه.

ورجاله ثقات ؛ لكنه معضل ؛ بين ابن مغول وابن مسعود واسطتان على الأقل.
وأخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (2/ 1418) من طريق أبي حمزة
قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه:... فذكره.

وهذا صورته صورة المنقطع أيضاً، ولكني لم أعرف أبا حمزة، ولا بعض من
دونه.

ثم رأيت الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3/ 203) جود أيضاً إسناد
ابن أبي الدنيا والبيهقي.

(14/430)


@@@ 431
ثم رأيت الأمير (ابن ماكولا)، قد أورد (دويداً) هذا في " الإكمال " (3/
387) - في دويد.. أوله دال مهملة - وقال :
" لم ينسب، يروي عن أبي إسحاق عن زرعة عن عائشة: الدنيا... ".

وفرق بينه وبين من ذكره قبله:
(دويد بن سليمان: حدث عن سلم بن بشربن جحل، وعثمان بن عطاء.
روى عنه حسين بن محمد المروزي ".

وأنت ترى أن (دويداً) الأول - راوي الحديث - روى عنه محمد بن حسين
هذا. وعلى كل حال فهو مجهول لا يعرف.

6695 - (لا يلج النار من بكى من خشية الله ، ولا يدخل الجنة مصرٌّ
على معصية ، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم).

موضوع بفقرة (الإصرار).
أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (1/ 489/
798) من طريق الكديمي: ثنا عبد الله بن الربيع الباهلي: ثنا محمد بن عمرو
عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:
لما نزلت { أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون } ؛ بكى
أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
حنينهم ؛ بكى معهم، فبكينا ببكائه، فقال صلى الله عليه وسلم:... فذكره.

قلت: وهذا موضوع ؛ آفته (الكديمي) - واسمه: محمد بن يونس البصري - ؛
تال الذهبي في " المغني ":

(14/431)


@@@ 432
" هالك، قال ابن حبان وغيره: كان يضع الحديث على الثقات ".
وعبد الله بن الربيع الباهلي ؛ لم أجد له ترجمة.

وإنما خرجت الحديث هنا من أجل الفقرة الوسطى ؛ لتفرد هذا الوضاع بها،
بخلاف الفقرتين الأخريين، فالأولى منهما قد جاءت في " السنن " من طريق
أخرى عن أبي هريرة مرفوعاً، وصححه الترمذي والحاكم، وأقرهما الحافظ
في " الفتح " (11/ 312).

والفقرة الأخرى لها طرق أخرى عن أبي هريرة ؛ أحدها صحيح عند مسلم،
والأخرى حسنة، وشواهد بعضها عند مسلم أيضاً، وهي مخرجة في " الصحيحة "
(967 - 0 97 و 948 1 - 1 95 1).

6696 - (ألأ أنبئكم بخياركم؟ خياركم إذا سددوا).
منكر بهذا اللفظ.
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (6/ 4 21/ 3496):
حدثنا الجراح بن مخلد: حدثنا سالم بن نوح: حدثنا سهيل: حدثنا ثابت عن
أنس مرفوعاً.

وبهذا الإسناد أخرجه البزار (2/ 6 0 4/ 0 97 1) ؛ لكن بلفظ:
"... أحاسنكم أخلاقاً - أو قال: أحسنكم خلقاً -... ". وقال:
" لا نعلم رواه عن ثابت عن أنس إلا سهيل ".

قلت: وهو ابن أبي حزم - كما وقع في رواية البزار -: وهو لين ؛ كما قال الحافظ
في " مختصر الزوائد " (2/ 93 1/ 679 1)، وقال في " التقريب ":

(14/432)


@@@ 433
"ضعيف ".
وعليه فقول المنذري (4/ 135 *43) - وتبعه الهيثمي (0 1 / 203) -:
" رواه أبو يعلى بإسناد حسن ".

فهو غير حسن! ولا سيما ولفظه مخالف للفظ البزار، ثم هو منكر ؛ لمخالفته
للأحاديث الواردة بنحوه، ومنها حديث عبد الله بن بسر مرفوعاً بلفظ:
" خير الناس من طال عمره وحسن عمله ".

وما في معناه ؛ فانظر" الصحيحة " (298 1، 836 1).

6697 - (من وعك ليلة فصبر، ورضي بها عن الله، خرج من ذنوبه
كيوم ولدته أمه).

ضعيف.
أخرجه ابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (63 - 64 /83)
و" الرضا عن الله " (105 - 106 / 75)، وعنه البيهقي في " شعب الإيمان " (7 /
167 / 9868) من طريق زافر بن سليمان عن إسماعيل بن إبراهيم عن أبي
سفيان عن سالم عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ مسلسل بالعلل:

الأولى: زافر بن سليمان، وهو مختلف فيه ؛ قال الذهبي في " الكاشف ":
" فيه ضعف، وثقه أحمد ". وقال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق كثير الأوهام ".

(14/433)


@@@ 434
الثانية: إسماعيل بن إبراهيم: لم أعرفه.
الثالثة: أبو سفيان: لم أعرفه أيضاً.

الرابعة: سالم - هو: ابن عبد الله الخياط البصري -: مختلف فيه أيضاً، قال
الذهبي في " الكاشف ":
" ضعف ". وقال الحافظ:
" صدوق سيئ الحفظ ".

الخامسة: عنعنة الحسن - وهو: البصري - ؛ مدلس.
وقد روي عنه من وجه آخر مرفوعاً نحوه، وموقوفاً، وقد مضى برقم
(6144).

6698 - (يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين: ديوان فيه
العمل الصالح، وديوان فيه ذنوبه، وديوان فيه النعم من الله، فيقول الله
لأصغر نعمة - أحسبه قال - في ديوان النعم: خذي ثمنك من عمله
الصالح. فتستوعب عمله الصالح كله، ثم تنحى وتقول: وعزتك!
وعزتك! ما استوفيت، وتبقى الذنوب، والنعم، وقد ذهب العمل
الصالح كله، فإذا أراد الله أن يرحم عبداً، قال: يا عبدي! قد ضاعفت
لك حسناتك، وتجاوزت عن سيئاتك، - أحسبه قال: - ووهبت لك نعمي).
ضعيف جداً.
أخرجه البزار (4/ 160) من طريق داود بن الحبر: ثنا صالح
المري عن جعفر بن زيد العبدي عن أنس مرفوعاً.

(14/434)


@@@ 435
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً - إن لم يكن موضوعاً - ؛ آفته (داود بن المحبر):
قال الذهبي في " المغني ":
" صاحب " العقل " واهٍ. قال ابن حبان: كان يضع الحديث. وأجمعوا على
تركه ".
وقال الحافظ في " التقريب ":
"متروك، وأكثر " كتاب العقل " الذي صنفه موضوعات ".

قلت: فالعجب بعد هذا أن يكتفي المنذري بالإشارة إلى تضعيف الحديث في
" الترغيب " (4/ 199/ 7) بتصديره إياه بقوله فقط: " روي "!

وأعجب منه غفلة الهيثمي عن الآفة المذكورة، وقوله في " المجمع " (10/
357):
" رواه البزار، وفيه صالح المري، وهو ضعيف "!

وأعجب من هذا العجب قول الحافظ ابن كثير - بعد أن ساق الحديث بإسناد
البزار (2/ 540/ سورة إبرا هيم) -:
" غريب، وسنده ضعيف "!

وقد تكررت الغفلة والإشارة المذكورة في حديث آخر لابن المحبر هذا في
" الميزان "، أخرجه البزار أيضاً (3445) عنه عن صالح المري عن ثابت البناني
وجعفر بن زيد ومنصور بن زاذان عن أنس يرفعه:

" ملك موكل بالميزان، فيؤتى بابن آدم فيوقف بين يدي الميزان، فإن ثقل
ميزانه ؛ نادى ملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها
أبداً. وإن خف ميزانه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق ؛ شقي فلان شقاوة لا

(14/435)


@@@ 436
يسعد بعدها أبداً ".
فضعفه المنذري (4/ 211) بقوله: " وروى... "، وعزاه للبيهقي أيضاً.

وقال الهيثمي (10/ 250):
" رواه البزار، وفيه صالح المري، وهو مجمع على ضعفه ".

وقد تنبه لهذه الغفلة هنا دون هناك الحافظ ابن حجر، فتعقبه في تعليقه عليه
في الحاشية - وأحسن - بقوله:
" بل آفته من دواد بن المحبر ؛ فقد اتهموه بوضع الحديث، وصالح غايته أنه
كان سيئ الحفظ ".

ومع أن المعلقين الثلاثة على " الترغيب " نقلوا (4/ 325 - 326) عن الحافظ
هذا التعقيب العلمي، فإنهم لم يستفيدوا منه شيئاً ؛ لجهلهم بهذا العلم، وغلبة التقليد
للهيثمي عليهم ؛ فقد اقتصروا على قولهم في هذا الحديث - كالحديث الذي قبله -:
"ضعيف "!

فلا فرق عندهم بين ما غفلوا عنه تقليداً لغيرهم، وبين ما نبهوا عليه، إذ الغاية
تكثير السطور بالنقول، وتسويد الصفحات، وإخراج الكتاب في أربع مجلدات،
والهدف معروف عند ذوي الألباب!

6699 - (إن لكل يومٍ نحساً ؛ فادفعوا نحسً ذلك اليوم بالصدقة).
منكر.
أورده الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه " لطائف المعارف " (ص
76) قائلاً:

(14/436)


@@@ 437
"وفي حديث... ".
وما وجدت له مصدراً حتى الآن، ولا عزاه هو لأحد.

ثم رأيت السيوطي قد عزاه في " الدر المنثور " (5/ 239) لابن مردويه ؛ يعني: في
" التفسير "، وهو غير مطبوع، وما أظن إسناده بصحيح. والله أعلم.

وإني لأشم منه رائحة التشاؤم والتطير، ولا شيء من ذلك في الإسلام - كما
هو معلوم -، ونحوه حديث:
" آخرأربعاء في الشهريوم نحس مستمر ".

وهو موضوع - كما تقدم بيانه برقم (1581) -.

والأيام كلها سواء، لا نحس فيها إلا بالنظر لما قد يقع فيها من المعاصي،
فيصيب شؤمها أصحابها ؛ - كما في قوله تبارك وتعالى في عاد: { إنا أرسلنا
عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحسٍ مستمر} -. قال ابن كثير:
" { يوم نحس } ؛ أي: عليهم، قاله الضحاك وقتادة والسدي.

{ مستمر } عليهم نحسه ودماره ؛ لأنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالأخروي".

6700 - (إن حوضي من كذا إلى كذا ، فيه من الآنية عدد النجوم ،
أطيب ريحا من المسك ، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج وأبيض من اللبن ،
من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً ، ومن لم يشرب منه لم يرو أبدا).

منكر بزيادة: " ومن لم يشرب...".
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (284/
2135)، ومن طريقه البزار (4/178/ 3484)، والطبراني في " المعجم الأوسط "

(14/437)


@@@ 438
(6/ 13/ 520) من طريق عاصم بن علي كلاهما قالا: حدثنا المسعودي عن
عدي بن ثابت عن أنس بن مالك مرفوعاً به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ المسعودي كان اختلط، وبه أعله المنذري (4/
207/ 2)، والهيثمي (0 1/ 361)، وقد أشار الطبراني إلى تفرده به ؛ فقال عقبه:
" لم يروه عن عدي بن ثابت إلا المسعودي ".

وقد خالفه في إسناده عبد الغفار بن القاسم: فقال: عن عدي بن ثابت عن
زر بن حبيش عن أُبي بن كعب مرفوعاً به.

أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (2/331/ 7 71).

لكن عبد الغفار كان يضع الحديث، كما قال ابن المديني، وكذا قال أبو
داود - كما في " لسان الحافظ " -، فالعجب منه كيف سكت عن زيادته هذه في
" الفتح " (11/ 473)، وقد عزاها لابن أبي عاصم فقط!

وقد رويت من طرق أخرى، فأنا أسوقها لأبين وهاءها:

الأولى: عن عثمان بن عمير عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال:
جاء ابنا مليكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم... الحديث بطوله، وفي آخره:

" من شرب منه شربة ؛ لم يظمأ بعده، وإن حرمه ؛ لم يرو بعده ".

أخرجه أحمد (1/ 398 - 399)، والبزار (4/ 75 1 - 76 1/ 3478)،

(14/438)


@@@ 439
والطبراني في " المعجم الكبير " (9/ 017 10)، وقال البزار:
"لا يروى بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه ".

قلت: وهو ضعيف، عثمان بن عمير - وهو أبو اليقظان - قال الذهبي في
" الكا شف " و " ا لمغني ":
" ضعفوه ". وقال الحافظ:
" ضعيف، واختلط، وكان يدلسى، ويغلو في التشيع".

وقال الهيثمي بعد أن عزاه للثلاثة المذكورين (10/ 362):
"وفي أسانيدهم كلهم عثمان بن عمير، وهو ضعيف ".

الثانية: عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن أبي بردة عن أبي سعيد
الخدري مرفوعاً بلفظ:
"إن لي نهراً ما بين صنعاء إلى أيلة... " الحديث، وفيه:
" ومن لم يطعمه ؛ لم يُروً أبداً ".

أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (7/ 289/ 6558) من طريق زهير
ابن عباد الرؤاسي قال: حدثنا داود بن هلال عن محمد بن عبيد الله العرزمي...
وقال:
" لم يروه إلا العرزمي، ولا عنه إلا داود بن هلال، تفرد به زهير".
قلت: هو ثقة ؛ كما قالل أبو حاتم.

(14/439)


@@@ 440
وشيخه داود بن هلال: لا يعرف إلا بهذه الرواية - كما يستفاد من " الجرح
والتعديل " (1/ 4272) -.
والآفة: العرزمي ؛ فإأنه متروك - كما قال الهيثمي -.

وإن مما يؤكد [ نكارة ] هذه الزيادة أن حديث الحوض متواتر - كما ذكر العلماء -،
ودل عليه التتبع لطرقه والاستقراء، وقد جاء في الكثير الطيب منها أن من شرب
منه شربة ؛ لم يظمأ بعدها أبداً، دون الزيادة ؛ من ذلك: حديث ثوبان، وعبد الله
ابن عمرو - وقد أخرجه الشيخان -، وأبي ذر، وابن عمر -وهما في مسلم - وأبي
برزة، وحذيفة، وأبي أمامة، وسهل بن سعد - وهو متفق عليه -، وقد ساق
أسانيدها ابن أبي عاصم في " السنة "، وخرجتها في " ظلال الجنة " (2/ 325
- 345)، وبعضها في " الترغيب " للمنذري (4/ 207 - 209)، وفي الباب عن
جمع آخر من الأصحاب ؛ فراجع " مجمع الزوائد " (0 1/ 1 36 - 367) إن
شئت.

وقد جهل هذه الحقائق المعلقون الثلاثة على " الترغيب " ؛ فقالوا في تعليقهم
على الحديث (4/ 318):
" حسن بشواهده "!

دون أن يذكروا - أو على الأقل أن يشيروا أو يحيلوا إلى - الشواهد التي ادعوها،
وتلك عادتهم -، يلقون الكلام على عواهنه دون تروَّ أو تفكّر وبيان. والله المستعان.
(تنبيه): سقطت هذه الزيادة المنكرة من الحديث في " المجمع ". وقال (10/ 361):

(14/440)


@@@ 441
"رواه البزار والطبراني في " الأوسط "، وفيه المسعودي وهو ثقة ولكنه اختلط،
وبقية رجاله رجال الصحيح ".

ونقله المعلقون المشار إليهم دون أن ينبهوا للفرق بين ما في " المجمع " و " الترغيب "!
وقد كنت تعرضت لهذا في " الظلال " (2/ 332)، واستظهرت يومئذ أن الزيادة
ليست عند البزار والطبراني معاً ؛ وإنما عند أحدهما. وكان ذلك قبل طبع
كتابيهما، والآن تبين أن في " المجمع " سقطاً، كان من واجب التحقيق الذي
يدعونه أن يبينوه، ولكن صدق من قال: (فاقد الشيء لا يعطيه)!!

6071 - (ما أحسن محسن من مسلم ، ولا كافر إلا أثابه الله عز وجل.
قال : فقلنا : يا رسول الله ، ما إثابة الله الكافر ؟ قال : إن كان قد وصل
رحما ، أو تصدق بصدقة، أو عمل حسنة، أثابه الله المال والولد
والصحة وأشباه ذلك. قال : فقلنا : ما إثابته في الآخرة ؟ فقال : عذابا
دون العذاب . قال : وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}
[غافر: 46] ). (*)
منكر بمرة.
أخرجه الحاكم (2/253)، والبيهقي في " الشعب " (1/
260 - 261/ 281) وفي " البعث " (32/9 1)، والبزار (1/ 48 4/ 945)
من طريق عتبة بن يقظان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود
مرفوعاً، والسياق للبيهقي. وقال:
" لا يثبت ؛ لأن في إسناده من لا يحتج به ".
__________
(*) كتب الشيخ رحمه الله بخطه فوق هذا المتن: " تقدم برقم (4983) ؛ فيعاد النظر فيه ".

(14/441)


@@@ 442
يشير إلى (عتبة بن يقظان)، وبه تُعُقَّبَ الحاكم لما قال:
" صحيح الإسناد ". فرده الذهبي بقوله:
" قلت: عتبة واهٍ".

وقال في " الميزان " -، وقد ساق الحديث من رواية ابن ماجه في " تفسيره "
من طريق عامر بن مدرك عن عتبة، وذكر أقوال الجارحين لعتبة، وقال -:
"قواه بعضهم، عامر صدوق، والخبر منكر".

ويشير إلى ذكر ابن حبان لعتبة في " الثقات" (7/ 271) مخالفاً في ذلك
لأئمة الجرح - مثل النسائي - ؛ فإنه قال:
" غير ثقة". وابن الجنيد:
"لا يساوي شيئاً ". وقال الدارقطني في " السنن " (4/ 281):
" متروك ".

ولذلل! جزم الحافظ بضعفه في " التقريب "، ولما قال شيخه الهيثمي في
" المجمع " (3/ 111):
"رواه البزار، وفيه عتبة بن يقظان، وفيه كلام، وقد وثقه ابن حبان "!

رده الحافظ بقوله في " مختصر الزوائد " (1/ 392):
" قلت: قد تفرد بهذا، ولا يُحتمل التفرد من مثله، والمتن شاذ بمرة".
وقال في " الفتح " (11/ 432) - بعد ما عزاه لابن مردويه والبيهقي -:

(14/442)


@@@ 443
" سنده ضعيف ".
وروى ابن جرير في " التفسير " (30/ 175) من طريق ليث قال: ثني
المعلى عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره مختصراً جداً
بلفظ:
"ما أحسن من محسن ؛ مؤمن أو كافر ؛ إلا وقع ثوابه على الله في عاجل
دنياه، أو آجل آخرته ".

قلت: وهذا مرسل ضعيف. ليث - هو: ابن أبي سُليم -، وكان اختلط.
و (المعلى): لم أعرفه.

6702 - (يشفع الله تبارك وتعالى يوم القيامة آدم من جميع ذريته في
مئة ألف ألف وعشرة ألف ألف).
منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (7/ 0 43/ 6836) من
طريق موسى بن إسماعيل: حدثنا نوح بن قيس الطاحي (الأصل: الطائي!)
عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك مرفوعاً. وقال:
" لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرد به موسى بن إسماعيل ".

قلت: هو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك سائر الرواة ثقات ؛ غير يزيد - وهو:
ابن أبان الرقاشي - وهو ضعيف، وفي ترجمته أورد الحديث الذهبي من مناكيره.
وقال العراقي في" تخريج الإحياء " (4/ 544)، وتلميذه الهيثمي في " المجمع "
(10/ 381) واللفظ له:

(14/443)


@@@ 444
" رواه الطبراني في " الأ وسط "، وفيه يزيد الرقاشي، وهو ضعيف ".

ونحوه في " الترغيب " (4/ 220/ 16).

6703 - (أشفع لأمتي ، حتى يناديني ربي تبارك وتعالى ، فيقول :
أرضيت يا محمد ؟ ، فأقول : رب رضيت).

منكر.
أخرجه ابن خزيمة في" التوحيد " (ص 180): حدثنا محمد بن
أحمد بن زيد - بعَبَّادان - قال: ثنا عمرو بن عاصم قال: ثنا حرب بن سريج البزار
قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين: جعلت فداك! أرأيت هذه
الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق ؛ أحق هي ؟ قال: شفاعة ماذا ؟ قال:
شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. قال: حق والله! إي والله! لحدثني عمي محمد بن علي ابن
الحنفية عن علي بن أبي طالب أن رسول الله عن قال:... فذكره.

وبهذا الإسناد أخرجه البزار في " البحر الزخار " (2/ 239/ 638) و (4/
170/ 3466 - كشف الأستار) ؛ لكن وقع فيهما (محمد بن يزيد المذاري)
منسوباً إلى جده. لكن في " الكشف " (المدارلي)، وهو خطأ مطبعي.

وأخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " قال (3/ 44/ 2083): حدثنا
أحمد بن زهير قال: حدثنا محمد بن أحمد بن زيد المذاري به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات ؛ غير حرب بن سريج، فهو مختلف
فيه، فوثقه بعضهم، وضعفه آخرون، بل قال البخاري ؛ كما روى العقيلي في
" الضعفاء " (1/ 295):
"فيه نظر".

(14/444)


@@@ 445
وقول الدكتور القلعجي في التعليق عليه:
" ووثقه ابن حبان، وقال: يخطئ "!

فهو من أوهامه ؛ لأنه له يذكره في" ثقاته "، ولم يذكر أحد ممن ترجمه توثيقه
عنه ؛ بل هو أورده في كتابه " المجروحين " (1/ 261) وقال:
"يخطئ كثيراً، حتى خرج عن حد الاحتجاج به ".

من أجل ذلك ؛ فإني لم أطمئن لقول المنذري في " الترغيب " (4/ 221/ 21):
"رواه البزار والطبراني، وإسناده حسن إن شاء الله".

وقال الهيثمي - بعدما عزاه للمذكورين - (10/ 377):
" وفيه محمد بن أحمد بن زيد المداري، ولم أعرفه ؛ وبقية رجاله وثقوا، على
ضعف في بعضهم ".

يشير إلى (حرب بن سريج).

وأما (المداري! ؛ فيستغرب منه عدم معرفته به، وهو في " ثقات ابن حبان "
(9/ 123)، وذكره الهيثمي نفسه في كتابه " ترتيب الثقات " ؛ لكن لم تقع فيه
نسبته هذه، وهي في " الثقات " (المدادي) بالدالين المهملتين، والصواب:
(المذاري) - كما تقدم عن " الأوسط " - ؛ فإن السمعاني أورد المترجم فيها، وأفاد
أنها نسبة إلى (مذار) قرية بأرض البصرة، وذكر أنه روى عنه عبد الله بن قحطبة،
وهذا نقله من " ثقات ابن حبان "، وعبارته فيه:
"حدثنا عنه عبد الله بن قحطبة وغيره ".

(14/445)


@@@ 446
وقد استفدنا من تخريجنا لهذا الحديث أنه روى عنه ابن خزيمة أيضاً - وهو من
شيوخ ابن حبان الذين أكثر عنهم -، والبزار أيضاً ؛ فعلة الحديث (حرب بن سريج).
والله أعلم.

وله حديث آخر في الشفاعة ؛ ولكنه قد توبع عليه - كما تراه محققاً في
" ظلال الجنة " برقم (830) -.

(تنبيه): وقع في " الترغيب " زيادة في أول الحديث بلفظ:
" ما أزال أشفع... ".

ولا أصل لها عند أحد ممن أخرج الحديث ؛ فاقتضى التنبيه!

ومن الادعاءات الكاذبة للمعلقين الثلاثة على " الترغيب " (4/ 345)
تقويتهم للحديث بقولهم:
" حسن بشواهده، قال الهيثمي ..." وليس له ولا شاهد واحد! والله المستعان.

ثم رأيت الناجي نقل عبارة الهيثمي المتقدمة على وجه آخر ؛ قال (ق 227/ 2):
" وعبارة الهيثمي: فيه محمد بن أحمد بن زَبدا وغيره ممن ضعف "!

كذا وقع فيه، ثم عقب عليه بقوله:
" قلت: وهذا المذكور (ابن زبدا): بزاي معجمة مفتوحة، ثم باء موحدة
ساكنة، ثم دال مهملة مفتوحة ثم ألف ساكنة.

(المذاري): بالميم والذال المعجمة المفتوحتين، والراء المهملة المكسورة،
منسوب إلى (المذار) ؛ قرية بأسفل أرض البصرة يروي عن عمرو بن عاصم، وعنه

(14/446)


@@@ 447
أحمد بن يحيى بن زهير، ولم يذكره ابن الجوزي في " الضعفاء "، ولا الذهبي في
" الميزان ". والله أعلم ".

قلت: ولقد كان من حق شيخه الحافظ ابن حجر عليه، أن يقول أيضاً: (ولا
الحافظ ابن حجر في " اللسان ")، لأن الحافظ كثيراً ما يستدرك على الذهبي كثيراً
من التراجم، وبخاصة ما كان منها في " ثقات ابن حبان " - كما هو معروف عند
المعتنين بهذا العلم، وخصوصاً بكتابيهما -، ولكنه فاتته هذه الترجمة - كما فاتت
تلميذه الناجي -، وهي في " ثقات ابن حبان " - كما قدمت -.

وقد استفدنا مما ذكره الناجي رحمه الله من الضبط والترجمة فائدتين:
الأولى: ضبط اسم شيخ (*) ابن خزيمة والبزار، وذلك يعني: أن ما وقع في
إسنادهما وإسناد الطبراني أيضاً: (زيد): هو محرف: (زبدا)، وهكذا على
الصواب ذكره المزي في ترجمة (عمرو بن عاصم)، لكن وقع فيه: (زبدة)..
بالتاء المربوطة مكان الألف الساكنة.

والفائدة الثانية: أن من الرواة عنه (أحمد بن يحيى بن زهير) - وهو: التستري -
الحافظ، وهو من شيوخ الطبراني الذين أكثر عنهم في " معجميه " " الكبير "
و" الأوسط "، وروايته عن (ابن زبدا) في " الأ وسط " (3/ 33/2057)،
وبهذه الرواية يقوى حال (ابن زبدا)، ويجتمع عندنا أنه روى عنه أربعة من
الحفاظ ؛ فخذها فائدة عزيزة قلما تراها.
والفائدتان المذكورتان، هما في " الإكمال " لا بن ماكولا، وإدت كان الناجي لم
يعزهما اليه!
__________
(*) في أصل الشيخ رحمه الله: لا جد،. (الناشر).

(14/447)


@@@ 448
6704 - (يا معشر المسلمين! ارغبوا فيما رغبكم الله فيه ، واحذروا
مما حذركم الله منه ، وخافوا مما خوفكم الله به من عذابه وعقابه ومن جهنم ؛
فإنها لو كانت قطرة من الجنة معكم في دنياكم التي أنتم فيها، حلتها،
ولو كانت قطرة من النار معكم في دنياكم التي أنتم فيها، خبثتها عليكم ).

منكر.
أخرجه البيهقي (291/ 599) من طريق عبد الله بن محمد الأملي:
ثنا سليمان بن عبد الرحمن: ثنا عبد الرحمن بن سوار الهلالي: حدثني أبو
عكرمة الطائي قال: سمعت أنس بن مالك يقول:... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم ؛ ؛ أبو عكرمة الطائي، والهلالي الراوي عنه
ليس لهم ذكر في كتب الرجال فيما علمت ؛ فهما مجهولان. وكأن المنذري يشير
إلى ذلك بقوله (4/ 223/ 9):
" رواه البيهقي، ولا يحضرني إسناده ".

6705 - (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتاً هاله، فأتاه جبريل عليه السلام،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الصوت يا جبريل ؟ فقال: هذه صخرة
هوت من شفيرجهنم من سبعين عاماً، فهذا حين بلغت قعرها. فأحبَّ ا
لله أن يسمعك صوتها.
فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك اليوم ضاحكاً ملء فيه حتى قبضه
الله).
منكر بهذا التمام.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1/ 453/ 819)
من طريق أحمد بن عبيد الصمد الأنصاري قال: حدثنا إسماعيل بن قيس عن

(14/448)


@@@ 449
يحيى بن سعيد عن أبي سعيد عن أبي الحباب سعيد بن يسارعن أبي سعيد
الخدري قال:... فذكره. وقال:
" لم يروه عن يحيى بن سعيد إلا إسماعيل بن قيس، تفرد به أحمد بن عبد
الصمد".

قلت: ذكره ابن حبان في " الثقات " فقال (8/ 30):

" أحمد بن عبد الصمد أبو أيوب النهرواني: يروي عن إسماعيل بن قيس عن
يحيى بن سعيد الأنصاري. ثنا عنه محمد بن إسحاق الثقفي وكيره، يعتبر
بحديثه إذا روى عن الثقات ".

قلت: وشيخه هنا (إسماعيل بن قيس) ضعيف اتفاقاً ؛ بل قال البخاري وأبو
حاتم والدارقطني:
" منكر الحديث ". وقال ابن حبان في " الضعفاء" (1/ 127):
" في حديثه من المناكير والمقلوبات التي يعرفها من ليس الحديث صناعته،
مات وقد نيف على تسعين سنة ".

(تنبيه): ذكر الذهبي في " الميزان " أحمد بن عبد الصمد هذا بكنيته (أبي
أيوب الأنصاري)، وساق له حديثاً آخر من رواية إبراهيم بن زياد المصري: ثنا
أحمد بـ (النهروان): ثنا مالك... إلخ، ثم قال:
" لا يعرف، والخبر منكر ".
وعقب عليه الحافظ في " اللسان " بترجمة ابن حبان المتقدمة اياه، ثم قال:

(14/449)


@@@ 450
" وأظن النهرواني غير صاحب الترجمة ".

قلت: وأنا أرى أنه هو هو ؛ لأ نه (نهرواني) أيضاً، - كما في الرواية التي
ساقها الذهبي -. والله أعلم.

والحديث سكت عنه المنذري في " الترغيب " ( 4/ 231/ 3)، وقال
الهيثمي في " المجمع " (10/ 389):
" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه إسماعيل بن قيس الأنصاري، وهو
ضعيف ".

وحقه أن يقول: (ضعيف جداً) ؛ لدلالة أقوال الأئمة الأربعة المتقدمة على
ذلك.

وفي السند أيضاً (أبو سعيد)، ولم أعرفه، ويحتمل أنه (أبو سعيد المقبري)
واسمه: (كيسان)، وهو من هذه الطبقة، وثقة. والله أعلم.

هذا ؛ وقد صح الحديث مختصراً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" تدرون ما هذا؟ " قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال:
" هذا حجررمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار الآن حتى
انتهى إلى قعرها ".

أخرجه مسلم (8/ 150)، والبيهقي في " البعث " (265/ 531)،
وأحمد (2/ 371) من طريقين عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عنه.

(14/450)


@@@ 451
ثم وجدت لحديث الترجمة طريقاً أخرى ببعضه اختصار، فقال ابن أبي شيبة
في " المصنف " (13/ 62 1/ 5996 1): حدثنا محمد بن بشر عن هارون بن
أبي إبراهيم عن أبي نصر (كذا) قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول:

كنا يوماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيناه كئيباً، فقال بعضهم: يا رسول الله! بأبي
وأمي ما لي أراك هكذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" سمعت هدة لم أسمع مثلها، فأتاني جبريل، فسألته عنها ؟ فقال: هذا
صخر قذف به في النار منذ سبعين خريفاً ؛ فاليوم استقر قراره ".

فقال أبو سعيد: والذي ذهب بنفس نبينا صلى الله عليه وسلم ما رأيته ضاحكاً بعد ذلك
اليوم حتى واراه التراب.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات ؛ غير (أبي نصر)، فلم أعرفه، ومن المحتمل
أنه: (أبو نضرة).. وهو: (العبدي).. واسمه: (المنذر بن مالك بن قطعة)،
وهو ثقة معروف بالرواية عن أبي سعيد، ولكني لم أر من ذكره في شيوخ (هارون
بن أبي إبراهيم)، وهو ثقة أيضاً مترجم في " التهذيب " وغيره. والله أعلم.

6706 - (قَصْرٌ فِي الْجَنَّةِ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ، فِيهَا سَبْعُونَ دَارًا مِنْ يَاقُوتَةٍ
حَمْرَاءَ، فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ بَيْتًا مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ، في َكُلُّ بَيْتٍ سَبْعُونَ
سَرِيرًا، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِرَاشًا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ امْرَأَةٌ
[ من الحورِ العين ]، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ مَائِدَةً، عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ
لَوْنًا مِنَ الطَّعَامِ. فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ وَصِيْفًا وَوَصِيفَةً، وَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ مِنَ
الْقُوَّةِ مَا يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ).

(14/451)


@@@ 452
منكر جداً.
أخرجه البزار في " مسنده " (3/ 51 - 52/ 2217 - الكشف)،
والطبري في " تفسيره " (9 1/ 124)، وابن أبي الدنيا في " صفة الجنة " (63/
181)، والطبراني في " المعجم الكبير " (18/ 160 - 161) وفي " الأوسط "
(5/ 431/ 4846) - الشطر الأ ول منه -، والحسين المروزي في " زيادات الزهد"
(550/ 1577)، وأبو نعيم في " صفة الجنة " (0 21 - 1 21/ 377 - تحقيق
الأخ علي رضا)، والبيهقي في " البعث " (160/ 281)، وابن الجوزي في
" الموضوعات " (3/ 252 -253) ؛ كلهم من طريق جسر بن فرقد عن الحسن -
وأدخل بينهما بعضهم رجلاً - عن عمران بن حصين وأبي هريرة قالا:

سئل رصول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: { ومساكن طيبة في جنات عدن } ؟
قال:... فذكره. وقال البزار:

" لا نعلم له طريقاً إلا هذا، و (جسر): ليّن الحديث، وقد حدث عنه أهل
العلم، والحسن: فلا يصح سماعه عن أبي هريرة من رواية الثقات".

وقال ابن الجوزي:
" هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده جسر ؛ قال يحيى:
ليس بشيء، لا يكتب حديثه. وقال ابن حبان: خرج عن حد العدالة ".

قلت: عبارة ابن حبان في" الضعفاء " (1/ 317):
" كان ممن غلب عليه التقشف، حتى أغضى عن تعهد الحديث ؛ فأخذ يهم إذا
روى، ويخطىء إذا حدث، حتى... ".

قلت: فالظاهر أنه أصابته غفلة الصالحين ؛ فروى ما لا أصل له ؛ فإن لوائح

(14/452)


@@@ 453
الصنع والوضع في هذا الحديث ظاهرة، وقد نقل بعضهم عن الحافظ ابن كثير أنه
قال:
"الأشبه أنه موضوع ".

ولم أره في كتابه " النهاية " (2/ 240 - تحقيق أبو عبية فهيم الأزهري)،
فالذي فيه:
" قلت: وهذا الحديث غريب، فإن هذا (الجسر) ضعيف جداً، وإذا كان
(الجسر) ضعيفاً ؛ فلا يملك الاتصال "!

إلا أن هذا المحقق (الفهيم) ممن لا يوثق بأمانته وتحقيقه ؛ فقد تصرف في
الكتاب بتراً وحذفاً - حسب فهمه - ؛ كما صرح بذلك في كثير من تعليقاته! وهي
تدل دلالة قاطعة على جهله التام بعلم الحديث ورجاله ومصطلحه من جهة، وأنه
لا يقيم وزناً للعارفين به من الأئمة، فالعلم عنده هو عقله وفهمه! فهو من نمط
(أبي ريا) و (الغزالي المصري) وأمثالهما من العقلانيين الذين ابتليت بهم الأمة.
فعبارة ابن كثير المذكورة ليست صريحة بما نقلته عن (بعضهم) آنفاً. والله
أعلم.

هذا ؛ ولم يتعقب السيوطي في " اللآلي " (2/ 452) بشيء يذكر، سوى
أنه عزاه لجمع ممن أخرجوه من طريق (جسر) نفسه، منهم ابن أبي حاتم في
" التفسير "! وليس بشيء ؛ لأنهم لم يلتزموا عدم إيرادهم ما هو موضوع - ما دام
أنهم يذكرون سنده ؛ كما هو ظاهر لا يخفى على العلماء -. وأما قول ابن عراق في
" تنزيه الشريعة " - بعد أن ذكر تعقب السيوطي المشار إليه -:

(14/453)


@@@ 454
" وجسر لم يتهم بكذب ".

فليس بشيء أيضاً ؛ لأن ابن الجوزي إنما حكم بوضع الحديث من حيث متنه،
لا اتهاماً لراويه بالكذب. وهذا أسلوب معروف عند العلماء النقاد. ولا يتقنه إلا
النابغون منهم، الجامعون بين علم الرواية والدراية.

وقال العراقي في " تخريج الإحياء " (4/ 537) - وعزاه لأبي الشيخ في
" العظمة "، والآجري في " النصيحة " من رواية الحسن بن خليفة عن الحسن
قال: سألت أبا هريرة وعمران بن حصين في هذه الآية -:
" ولا يصح، والحسن بن خليفة لم يعرفه ابن أبي حاتم، والحسن البصري لم
يسمع من أبي هريرة - على قول الجمهور - ".

6707 - (ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة).
ضعيف.
أخرجه أحمد (4/ 105)، ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ
دمشق " (4 1/ 37 1)، وابن بطة في" الإبانة " (1/ 348/ 224) من طريق
بقية عن أبي بكر بن عبد الله عن حبيب بن عبيد الرحبي عن غضيف بن الحارث
الثمالي قال:

بعث إليَّ عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء! إنا قد جمعنا الناس على
أمرين. قال: وما هما ؟ قال: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد
الصبح والعصر. فقال:
أما إنهما أمثل بدعكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء منهما. قال: لم ؟
قال: لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:... فذكره. وزاد:

(14/454)


@@@ 455
" فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ وفيه علتان:

الأولى: بقية بن الوليد وهو: مدلس، وقد عنعن، ولكنه قد توبع - كما يأتي
قريباً -.

والأخرى: أبو بكر بن عبد الله - وهو: ابن أبي مريم الغساني -: قال الحافظ
في " التقريب ":
"ضعيف، وكان قد سُرق بيته فاختلط ". ومع هذا فقد قال في " الفتح " (13/
253):

" أخرجه أحمد بسند جيد عن غضيف بن الحارث "!

فجل ربي، { لا يضلُّل ربي ولا يَنْسى}.

أما المتابعة ؛ فهي عند البزار في " مسنده " (1/ 82/ 121 - كشف الأستار)،
ومن طريقه الطبراني في " المعجم الكبير " (8 1/ 99/ 78 1)، ومن طريقه أبو
نعيم في " المعرفة " (2/ 131/ 2)، ومن طريقه الديلمي في " مسند الفردوس "
(3/ 22 - 23 - الغراثب الملتقطة)، واللالكائي في " السنة " (2/ 90/121)،
وكذا ابن منده في " المعرفة " (2/ 108/ 2) أخرجوه من طرق أخرى - بعضهم
مختصراً - عن أبي بكر بن أبي مريم به، ولفظ الزيادة التي في آخره عند
اللالكائي:

" فالتمسك بالسنة أحب إلي من أن أحدث بدعة ".

مما يؤكد أنها موقوفة على (غضيف) وأنها ليست من تمام الحديث ؛ ولذلك لم

(14/455)


@@@ 456
يذكرها السيوطي في " الجامع الصغير "، وغفل عن هذه الحقيقة المعلقون الثلاثة،
فجعلوها ؛ من تمام الحديث ؛ فأغلقوا الحديث الذي ابتدأوه بفتح الهلالين الصغيرين
(")، ثم أغلقوه بهما في آخره (")! ذلك مبلغهم من لمعلم!

وقد وقع للمنذري ومَن قبله بعض الأوهام فيه، فيحسن التنبيه عليها -، ولم يتنبه
لكل ذلك المثار إليهم آنفاً -:

أولاً: عزا المنذري في " الترغيب " (1/ 45/ 7، 8) رواية أحمد المذكورة
- وفيها القصة - للبزار أيضاً ؛ إلا المرفوع، وبلفظ:
" ما من أمة ابتدعت بعد نبيها بدعة ؛ إلا أضاعت مثلها من السنة".

ثم عزا هذا اللفظ للطبراني وحده، وهو إنما رواه من طريق البزار - كما سبق - ؛
فعزوه إليه أولى!

وقلده في هذا كله الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/ 188) ؛ فكأنه يتبعه
في بعض التخريجات دون أن يرجع إلى الأصول، وقد بلوت مثل هذا منه كثيراً!

ثانياً: الطبراني: فإنه أخرجه تحت ترجمة (عفيف بن الحارث اليماني)
وتحت عنوان (من اسمه " عفيف ")، مع أنه أفرد ترجمة لـ (غضيف بن الحارث
الكندي)، وساق له حديثاً آخر ؛ فتحرف عليه (غضيف) إلى (عفيف)، كما
تحرف عليه (الغساني) إلى (النسائي)! وكل ذلك مخالف لأصله الذي رواه من
طريقه (البزار)! وقد بين ذلك الحافظ في ترجمة (عفيف) هذا من القسم الرابع
من " الإصابة " ؛ فقال - بعد أن ساق رواية الطبراني عنه -:
" قال أبو موسى في " الذيل ": وقع التصحيف عنده في مواضع:

(14/456)


@@@ 457
الأول: قي اسمه ؛ وإنما هو: (غضيف).. بمعجمتين.
الثاني: في نسبه ؛ وإنما هو: (الثُمالي).. بضم المثلثة.
الثالث: في السند ؛ وإنما هو: (أبو بكر الغساني) - وهو: ابن أبي مريم -، قال:
" وقد أورده الطبراني في "كتاب السنة" على الصواب ".

ولعل أصل هذا الحديث موقوف، فرفعه (الغساني) ؛ فقد روى الدارمي (1/
45)، وابن وضاح القرطبي في " الباع والنهي عنها " (ص 37)، واللالكائي
أيضاً ( 2/ 93/ 29 1) عن حسان بن عطية قال:
" ما ابتاع قوم بدعة في دينهم ؛ إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها
إليهم إلى يوم القيامة".

وإسناده صحيح إلى حسان.

6708 - ( إن الله عز وجل لا يغلب ولا يخلب ، ولا ينبأ بما لا يعلم.
من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، ومن لم يفقهه لم يُبل به).

ضعيف جداً.
قال أبو يعلى في " مسنده " (3 1/ 371/ 7381): حدثنا
سويد بن سعيد: حدثنا الوليد عن ثور عن خالد بن معدان عن معاوية بن أبي
سفيان مرفوعاً.

وأخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (1/ 0 24/ 428)، ومن طريقه
أبو نعيم في " الحلية " (5/ 218 - 219) قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن
حنبل: ثنا سويد بن سعيد به، إلا أنه قال:

(14/457)


@@@ 458
" لم يبالِ به". والمعنى وإحد. وقال أبو نعيم:

" هذه اللفظة الأخيرة من المبالاة لم يروها عن معاوية غيره، ورواه عدة عن
معاوية في الفقه، ورواه ثابت بن ثوبان عن أبي عبد ربه الزاهد عن معاوية، وذكر
الغلبة والخلابة وغيرها ".

قلت: ذكر هذا في ترجمة (خالد بن معدان)، فأشار إلى نكارة هذه
اللفظة ؛ لمخالفتها للطرق العدة عن معاوية، لكن نسبة ذلك إلى خالد لا يخلو من
نظر ؛ لأن الطريق إليه واهية، وآفتها (الوليد) - وهو: ابن محمد الموقري -، وهو
متروك - كما في " التقريب " -، وسويد بن سعيد: ضعيف وان كان من شيوخ
مسلم.

واقتصر الحافظ في " الفتح " (1/ 165) على عزوه لأبي يعلى من وجه
ضعيف! وكأنه تبع في ذلك شيخه الهيثمي في " المجمع " (1/ 183).

وإن مما يؤيد النكارة: أن ثابت بن ثوبان روى عنه يزيد بن يحيى بن عبيد: أن
شيخاً حدثه: أنه سمع جده قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان على المنبريقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكر الحديث ؛ دون جملة المبالاة.

أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (1/ 158/ 257).
لكن الشيخ وجده مجهولان.
وقد رواه يزيد بن يوسف عن ثابت بن ثوبان عن أبي عبدِ ربٍ قال: سمعت
معاوية بن أبي سفيان به.

(14/458)


@@@ 459
أخرجه الطبراني في " المعجم " (9 1/ 369 - 0 37/ 868).

وأبو عبد ربٍ هذا هو الزاهد - كما تقدم في كلام أبي نعيم -، وهو تابعي وثقه
ابن حبان، وروى عنه جماعة من الثقات، وروى له ابن حبان في " الصحيح "،
ولذا قال الذهبي:
" صدوق ". وهذا أصح من قول الحافظ فيه:
"مقبول ".
لكن في الطريق إليه يزيد بن يوسف، وهو ضعيف جداً، قال الهيثمي (1/ 84):
" رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه يزيد بن يوسف الصنعاني، وهو ضعيف
متروك الحديث ". وقال الذهبي في " المغني ":
" تركوه ".
وجملة الفقه من الحديث صحيحة - كما أشار إلى ذلك أبو نعيم فيما تقدم -،
وقد رواها الشيخان وغيرهما عن معاوية، وقد خرجتها في" الصحيحة " برقم
(1194).
وزاد فيه بعض الضعفاء زيادة أخرى بلفظ:
" وألهمه رشده ".
وسبق تخريجها وبيان علتها برقم (5032) من حديث عبد الله بن مسعود،
وأن المنذري وهم في عزوها للطبراني. فراجع إن شئت.

(14/459)


@@@ 460
6709 - (مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ فَأَدْرَكَهُ كَانَ لَهُ كِفْلاَنِ مِنَ الأَجْرِ ،
فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنَ الأَجْرِ).

ضعيف جداً.
أخرجه الدارمي في" سننه " (1/ 96 - 97)، وتمام في
" فوائده " (1/ 27 1/ 65 - من ترتيبه)، والطبراني في " معجمه " (22/ 68/
165)، والقضاعي في" مسند الشهاب " (1/ 292/ 481)، وابن عبد البر في
" جامعه " (1/ 45)، وابن عساكر في " تاريخه " (8 1/ 272) - من طريق
تمام وغيره، أخرجوه - من طرق عن يزيد بن ربيعة الصنعاني: حدثنا ربيعة بن
يزيد قال: سمعت وائلة بن الأسقع يقول:... فذكره مرفوعاً. وأشار ابن عبد البر
إلى تضعيفه بقوله:
" أحاديث الفضائل تسامح العلماء قديماً في روايتها عن كل، ولم ئنتقدوا فيها
كانتقادهم في أحاديث الأحكام ".

قلت: وذلك يكون إما بسوقهم لأسانيدها، أو ببيان حالها عند تجريدها من
أسانيدها - كما هو مقرر في محله -.
وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ آفته (يزيد بن ربيعة الصنعاني) الدمشقي
الرحبي ؛ فإنه متفق على تضعيفه، وقال البخاري في " تاريخه " (4/ 332/2):
"حديثه مناكير". وقال النسائي وغيره:
" متروك ". وشذ ابن عدي ؛ فقال في" الكامل " (7/ 259):

" أرجو أنه لا بأس به ". مع أنه روى عن أبي مسهرأنه قال:
" كان قديماً غير متهم ؛ ولكني أخشى عليه سوء الحفظ والوهم ".

(14/460)


@@@ 461
قلت: وفي قوله " قديماً " إشارة قوية إلى أنه تغير فيما بعد، وهذا ما صرح به
ابن حبان ؛ فقال في " الضعفاء " (3/ 104):
" كان شيخاً صدوقاً، إلا أنه اختلط في آخر عمره، فكان يروي أشياء مقلوبة،
لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ".

ومما تقدم تعلم تساهل المنذري في " الترغيب " (1/ 54/ 7) بتصديره
الحديث بـ (عن) المشعر بقوته، وقوله عقبه:
" رواه الطبراني في " الكبير "، ورواته ثقات، وفيهم كلام "!

على أن قوله: " فيهم " وهم ظاهر ؛ لأن رجاله كلهم ثقات غير يزيد هذا،
ونحوه قول الهيثمي (1/ 123):
" رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله موثقون "!

فكأنه قلد المنذري ؛ فقد جمعا بين تشدد وتساهل، والصواب أن يقولا: " ورواته
ثقات، وفي أحدهم كلام "!

ومن الغريب أن البوصيري قد قلد المنذري أيضاً - كما سترى -.
وقد رواه بعض الضعفاء عن (يزيد)، فزاد في المتن، وأسقط من السند، فقال
أبو يعلى في " مسنده الكبير " - كما في" المطالب العالية " (ج 1/ 11/1) -:
حدثنا الهذيل بن إبراهيم: ثنا مجاشع بن يوسف: حدثني يزيد بن ربيعة
الدمشقي عن وائلة بن الأسقع به.

فأسقط من السند (ربيعة بن يزيد)، وزاد في المتن فقال -:

(14/461)


@@@ 462
" ففسره فقال: من طلب علماً فأدركه ؛ أعطاه الله أجر ما علم، وأجر ما عمل،
ومن طلب علماً فلم يدركه ؛ أعطاه الله أجر ما علم، وسقط أجر ما لم يعمل ".
ومن طريق أبي يعلى أخرجه ابن حبان في " الضعفاء" (3/ 38)، وابن
عساكر أيضاً، أورده ابن حبان في ترجمة (مجاشع) هذا وقال:
"يقلب الأسامي في الأخبار، ويرفع الموقوف من الآثار، لا يحل كتابة حديثه
إلا على سبيل الاعتبار ". وقال عقب الحديث:
"... أقلب اسمه ؛ إنما هو (ربيعة بن يزيد) -... ورفعه. وهو قول وائلة ".

قلت: (ربيعة) هذا تا بعي، وما أظن مجاشعاً أدركه ؛ فالصواب أن يقال:
(أسقطه) - كما أسلفنا -، وإلى. ذلك أشار الحافظ ابن عساكر بقوله - بين يدي
الحديث، وعقب الحديث المتقدم -:
" ورواه مجاشع بن يوسف الأسدي عن يزيد بن ربيعة عن وائلة، وقصر به ".

ثم إن (الهذيل بن إبراهيم) الراوي عنه، لم يوثقه غير ابن حبان، وقال في
" ثقاته " (9/245):
" حدثنا عنه أبو يعلى، يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات ".

ونقله عنه في " اللسان " ولم يزد.
وقال البوصيري في " إتحاف السادة المهرة " (ق 20/2):
" رواه أبو يعلى، وفي سنده يزيد بن ربيعة الدمشقي، وهو ضعيف، ورواه
الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات وفيهم كلام "!

(14/462)


@@@ 463
كذا قال! وقلده الشيخ الأعظمي في تعليقه على " المطالب العالية " المطبوعة
(3/ 121)! وهو من أعجب ما رأيت من التتابع على التقليد ؛ فقد عرفت مما
سبق أن هذا كلام المنذري. وهم فيه وهمين.. قلده عليهما الهيثمي.. ثم
البوصيري.. ثم الأعظمي.. وأخيراً المعلقون الثلاثة على " الترغيب " (1/
123).. والمعلق على " الروض البسام بترتيب وتخريج فوائد تمام ".. فيا حسرتاه
على ذهاب العلم! وفشو التقليد!

ولهذا الأخير وهم آخر ؛ وهو أنه حشر رواية أبي يعلى مع رواية الدارمي وغيره
الموصولة، وكذلك فعل من قبله أخونا حمدي السلفي في تعليقه على " مسند
الشهاب " ؛ كما أنه لم ينتبه في تعليقه على " المعجم الكبير " لخطأ الهيثمي
المتقدم في توثيق رجاله ؛ فقد نقله وأقره، ولا لخطأ آخر وقع في إسناد " المعجم " ؛
وهوأنه وقع فيه سقط ووهم من طريق يحيى بن صالح الوحاظي وغيره قالا: ثنا
ربيعة بن يزيد الرحبي عن وائلة... ؛ فأسقط من الإسناد (يزيد بن ربيعة) - علة
الحديث -، وألصق فيه نسبته (الرحبي) بشيخه الثقة ؛ فقال: (ربيعة بن يزيد
الرحبي)، ولا يعرف بهذه النسبة.. والصواب ما في " مسند الشهاب " من طريق
يحيى المذكور: ثنا يزيد بن ربيعة - من أهل دمشق -: حدثني ربيعة بن يزيد عن
وائلة... وهي رواية الجماعة - كما تقدم - ؛ لكن ليس فيها نسبة (الرحبي) ؛
فاقتضى التنبيه!

ولعل السقط المذكور والوهم المزبور في نسخة، المعجم كالتي كانت عند
المنذري ؛ فلم ينتبه للسقط، ولا لوصف ربيعة بن يزيد بـ (الرحبي) - وليست له - ؛
فوثقه، وإن كان كذلك ؛ فيكون هناك وهم آخر، وهو أنه لم ينتبه للانقطاع الحاصل
من السقط ؛ لأن يحيى بن صالح الوحاظي المتوفى سنة (222) لم يدرك بداهة
ربيعة بن يزيد الدمشقي ؛ لأنه توفي سنة (ثلاث - على الأكثر - وعشرين ومئة)!

(14/463)


@@@ 464
6710 - (ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم، يهدي صاحبه إلى
هدى أو يرده عن ردى ، ولا استقام دينه حتى يستقيم عقله).

ضعيف جداً.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1/ 209/ 2/
4862 - بترقيمي) و " المعجم الصغير " (ص 140 - هندية) من طريق أصبغ بن
الفرج: ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب
مرفوعاً. وقال:
" لا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به أصبغ ".

قلت: هو ثقة من شيوخ البخاري، وإنما الآفة من شيخه عبد الرحمن بن زيد
ابن أسلم ؛ فإنه متروك، وهو صاحب حديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق
تخريجه في المجلد الأول.

ثم إن ما ذكره الطبراني من التفرد إنما هو بالنسبة إلى ما أحاط به علمه، والا ؛
فقد أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (ق 100/ 1 - 2 - بغية الباحث):
حدثنا داود بن الحبر: ثنا عباد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر(1) به.

لكن داود هذا: متهم بالكذب، وهو صاحب " كتاب العقل "، وقد ذكر
الحافظ وغيره أن عامة أحاديث العقل موضوعة ؛ لكن لفظ الحديث في " المعجم
الصغير ": " عمله ".. مكان: " عقله ".
وبلفظ " الصغيرة " ورده المنذري في " الترغيب " (1/ 55) ؛ وقال:
" رواه الطبراني في " الكبير " - واللفظ له - و" الصغير " - إلا أنه قال فيه:
__________
(1) وقع في " المطالب العالية " المطبوعة (3/ 0 2/ 2765): " ابن عمر، خطأ.

(14/464)


@@@ 465
حتى يستقيم عقله. وإسنادهما مقارب "!

كذا قال! وهو من تساهله. ونحوه قول الهيثمي (1/ 121):
" رواه الطبراني في " الصغير " و" الأوسط "، وفيه عبد الرحمن بن زيد بن
أسلم، وهو ضعيف "!

وفي تخريج المنذري ملاحظتان أخريان:

الأولى: أنه عزاه لـ : " كبير الطبراني " دون " الأوسط "، وهو خطأ، لعله من
الناسخ، والعكس هو الصواب ؛ فليس هو في " الكبير ".

والأخرى: أنه جعل لفظ " عقله " لـ: " الصغير " وهو لـ : " الأوسط ".

(تنبيه): سقط هذا الحديث وآخر عقبه من مطبوعة " المعجم الأوسط " التي
قام على تحقيقها الدكتور محمود الطحان ؛ فليس فيه (5/ 366/ 4723، 4724)
منهما إلا كلمات من إسناديهما، ولا أدري السبب في ذلك إلا قلة العناية
بالتحقيق والمقابلة بالأصل المصور، والحديثان فيه مقروآن، ومنه نقلت، وهذا مثال
قوي جداً من مئات الأمثلة على مبلغ صدقه فيما ادعاه في المقدمة (ص 13) من
اعتنائه بتحقيق الكتاب!

6711 - (مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ - فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، وَمَسَحَ
عَلَى رَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ - ،غَفَرَ اللَّهُ لَهُ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ مَا مَشَتْ إِلَيْهِ رِجْلُهُ، وَقَبَضَتْ عَلَيْهِ يَدَاهُ، وَسَمِعَتْ إِلَيْهِ أُذُنَاهُ،
وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ عَيْنَاهُ، وَحَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ سُوءٍ).

منكر بذكر: (اليوم، وتحديث النفس).
أخرجه أحمد (5/ 263) من

(14/465)


@@@ 466
طريق أبان بن عبد الله: ثنا أبو مسلم قال:
دخلت على أبي أمامة وهو يتفلى في المسجد، ويدفن القمل في الحصى،
فقلت له: يا أبا أمامة! إن رتجلاً حدثني عنك أنك قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول:... (فذكره) ؛ قال: والله! لقد سمعته من نبي الله ما لا أحصيه.

ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني أيضاً في " المعجم الكبير " (8/ 319/
8032 )، والبيهقي في " الشعب " (3/ 4 1/ 2736).

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ لجهالة (أبي مسلم) هذا، فإنه لا يعرف الا بهذه
الرواية، وأما قول الهيثمي في " المجمع " (1/ 222) - بعدما عزاه لأحمد
والطبراني -:
" وأبو مسلم: لم أجد من ترجمه بثقة ولا جرح، غير أن الحاكم ذكره في
" الكنى "، وقال: روى عنه أبو حازم. وهنا روى عنه أبان بن عبد الله، وكذلك
ذكره ابن أبي حاتم ".

قلت: ففيه ما يأتي:
أولاً: أشار إلى أنه لم يوثقه أحد، ولا ابن حبان المعروف تساهله بتوثيق
المجهولين، وهو كذلك ؛ فإنه لم يورده في كتابه " الثقات ".

ثانياً: قوله: " الحاكم ".. المراد به عند الإطلاق أبو عبد الله صاحب
" المستدرك "، وهو وهم ؛ وإنما هو (أبو أحمد الحاكم) مؤلف " الكنى والأسماء "،
فلعله سقطت الكنية من قلمه أو من بعض النساخ، وعلى الصواب وقع في
" تعجيل المنفعة " للحافظ ابن حجر - كما يأتي -.

(14/466)


@@@ 467
ثالثاً: قوله: " روى عنه أبو حازم، وهنا... " إلخ.. خطأ، نتج منه خطأ
آخر، ذلك أن (أبو حازم) هذا لم يرو عنه، إنما هو جد أبان الراوي هنا ؛ فقد قال
البخاري في (الكنى) من " تاريخه الكبير " (68/ 629):
" أبو مسلم الثعلبي: سمع أبا أمامة، روى عنه أبان بن عبد الله بن أبي
حازم ".

وكذا في " الجرح والتعديل " (4/ 2/ 4362/2178) حرفاً بحرف.

وقد تبع الحافظ ابن حجر شيخه الهيثمي في هذا الخطأ، وزاد عليه ؛ فقال في
" التعجيل " - بعد أن ذكره برواية أبان بن عبد الله عنه -:

" قلت: ذكره أبو أحمد الحاكم في " من لا يعرف اسمه "، وروى عنه (أبو
حازم)، ونقل ذلك عن البخاري ".

قلت: وهذا النقل خطأ ؛ مخالف لما في " تاريخ البخاري " - كما تقدم -،
ويظهر أنه خطأ قديم ؛ لأني رأيت الحافظ الذهبي قد ذكر أيضاً رواية أبي حازم عنه
في كتابه " المقتنى في سرد الكنى "، وهو مختصر كتاب أبي أحمد الحاكم المذكور
آنفاً، فلا أستبعد أن يكون الخطأ منه، ثم تناقله الحفاظ المذكورون، دون أن ينتبهوا
له.

والخلاصة: أن (أبو مسلم) هذا مجهول لا يعرف ؛ لأنه ليس له إلا راوٍ
واحد، وهو.: (أبان بن عبد الله بن أبي حازم)، وهو صدوق فيه لين - كما في
" التقريب ".
فالحديث ضعيف لا يصح ؛ بل هو منكر، لأنه قد جاء من طرق على أبي

(14/467)


@@@ 468
أمامة بألفاظ مختلفة ليس فيها ما أضرت إليه في صدر هذا التخريج ؛ وهي عند
أحمد (5/ 251، 254، 255، 256، 0 26، 263، 264)، والطبراني (8/145،
146 ، 146 -147، 148 ، 292، 300، 301، 306، 318) و " المعجم
الصغير " (2 0 9 - الروض النضير) و" الأوسط " (1/315 - 320 - مجمع
البحرين)، يضاف إلى ذلك أحاديث أخرى في الباب عن عثمان وأبي هريرة
وغيرهما ؛ ذكرها المنذري في " الترغيب " (1/ 94 - 96)، وأتبعها بذكر بعض
الألفاظ المشار إليها من حديث أبي أمامة، وفيها هذه الرواية المنكرة التي تفرد بها
ذاك المجهول دون سائر الطرق، ومع ذلك قال المعلقون الثلاثة:
" حسن بشواهده "!!
ذلك مبلغهم من العلم بهذا الفن.

ومن جهلهم بالسنة وعدم جمعهم إياه: أنه خفي عليهم أن قوله في أخر الحديث:
" وحدث به نفسه من سوء ".

مخالف للأحاديث الصحيحة ؛ كقوله عليه الصلاة والسلام:
" إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ؛ ما لم تتكلم به، أو تعمل به".

أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة، وهو مخرج في " صحيح أبي داود "
(1915).
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي:
"... وإذا هم [ عبدي ] بسيئة ولم يعملها ؛ لم أكتبها عليه، فإن عملها ؛

(14/468)


@@@ 469
كتبتها سيئة واحدة".

متفق عليه أيضاً، وهو مخرج في" الروض النضير " (2/ 347).
فقد فرقت هذه الأحاديث بين ما يعمله العبد من السيئات - فهي ذنب يؤاخذه
الله عليه الا أن يغفره -، وبين ما حدث به نفسه ولم يعمله - فهو لا يؤاخذ عليه -،
بينما حديث الترجمة سوَّى بين الأمرين، وجعل حديث النفس ذنباً يؤاخذ عليه
كسائر الأعمال... فكان منكراً من ناحية المتن أيضاً.

وهنا شيء لا بد من التنبيه عليه ؛ وهو: أنه لم يذكر في الحديث غسل
الرجلين في كل من " المسند " و" المعجم "، وكذلك هو في " جامع المسانيد " (13/
230) لابن كثير، و " أطراف المسند " لابن حجر (6/ 44)، وأما المنذري في
" التركيب " (1/ 96) ففيه زيادة " وغسل رجليه " ؛ فالظاهر أنها زيادة من بعض
النساخ إن لم يكن وهماً من المنذري رحمه الله.

ثم ان نسبة (أبي مسلم الثعلبي) هي بالثاء المثلثة في كل المصادر المتقدمة،
ورأيته في ترجمة (أبان) من " تهذيب الكمال " (2/ 14) بالتاء المثناة من
فوق، ولم يرد (أبو مسلم) هذا في أن من النسبتين في " إكمال " ابن ما كولا،
و" تبصير" كابن حجر.

6712 - ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَحَوَّلَ خِيَارُ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ
وَيَتَحَوَّلَ شِرَارُ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى الْعِرَاقِ).

ضعيف موقوف.
أخرجه أحمد (5/ 249)، ومن طريقه ابن عساكر في
" تاريخ دمشق " (1/ 97 - دار الفكر) من طريق الجريري عن أبي المشاء - وهو:

(14/469)


@@@ 470
لقيط بن المشاء - عن أبي أمامة قال:... فذكره موقوفاً، وزاد:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالشام ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف على وقفه، رجاله ثقات ؛ غير ( لقيط بن المشاء أبو
المشاء): لم يوثقه غير ابن حبان، وقال (5/ 344):
" يخطئ ويخالف ".

ولم يذكرله راوياً غير الجريري ؛ لكن قرن معه ابن أبي حاتم (7/ 177) قرة
ابن أبي خالد. ورواية هذا عنه في " كنى " الدولابي (2/ 115) و" معجم "
الطبراني (8/
6 30/ 7995) بحديث آخر في (فضل الوضوء).

وأما الزيادة المرفوعة: " عليكم بالشام " ؛ فهي ثابتة صحيحة من حديث
عبد الله بن حوالة، وله عنه أربعة طرق، وشاهد من حديث عبد الله بن عمر، وقد
خرجتهما في " فضائل الشام " (ص 10 - 11، 32 - مكتبة المعارف)،
وحديث ابن عمر في " الصحيحة " برقم (2768).

(تنبيه): وقع (مشاء) في" المسند ": (المثنى).. في الكنية واسم
الأب ؛ فصححته من " التاريخ "، و" جامع المسانيد " (13/ 179/10353)
لابن كثير، و
" أطراف المسند " (6/ 35/ 7666) لابن حجر، و" معجم " الطبرا ني،
و " المقتنى " للذ هبي، وغيرها.

6713 - ( لزمت السواك حتى خشيت أن يدردني ).
ضعيف بهذا اللفظ.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (7/ 271/
6522) من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن عائشة قالت: قال رسول

(14/470)


@@@ 471
الله صلى الله عليه وسلم:... فذ كره. وقال:
" لا يروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد ".

قلت: وهو ضعيف منقطع، وإن كان رجاله رجال الصحيح - كما قال الهيثمي
(2/ 99)، تبعاً للمنذري في " الترغيب " (1/ 2 0 1/ 4 1) - ؛ فإن ذلك لا
ينفي العلة ؛ كما نبهنا على ذلك مراراً تعليماً للجاهلين، وتنبيهاً للغافلين، أو
المتساهلين، من أمثال المعلقين الثلاثة على " الترغيب " (1/ 230) ؛ فقد صدروا
تخريجه إياه في تعليقهم عليه بقولهم:
" حسن، قال الهيثمي... " فذكروا ما أشرت إليه من قوله، وزادوا عليه
موهمين أنه من كلامه، فقالوا:
" ورواه البزار ؛ كما في " كشف الأستار " (497)، وقال الهيثمي (2/ 99):
رواه البزار وفيه عمران بن خالد وهو ضعيف ".

قلت: وهذا من تخاليطهم وجهلهم ؛ فإن رواية البزار هذه في الموضع المشار إليه
من "الكشف " و"المجمع " إنما هي عن أنس لا عن عائشة، وبلفظ: " أمرت
بالسواك... "، وليس بلفظ: " لزمت ".. خلافاً لما أوهموا!!

ثم إذا كانوا يريدون بهذه الرواية تقوية حديث عائشة - والفرق بينهما ظاهر - ؛
فلا وجه لذكرها دون غيرها مما روي عن غير أنس ؛ كابن عباس وغيره مما كنت
خرجته في " الصحيحة " (4/ 77 - 78/ 56 5 1) تقوية لففظ المذكور.

هذا ؛ وقد كنت قلت هناك في رواية (عمرو بن أبي عمرو) عن عائشة:
" وما أظن أنه سمع منها ".

(14/471)


@@@ 472
والآن لا بد لي من بيان وجهة ذلك ؛ فأقول:
لقد ذكروا في ترجمة (عمرو بن أبي عمرو) هذا أنه توفي سنة (144)،
وفي ترجمة عائشة أنها توفيت سنة (56)، فبين وفاتيهما (88) سنة. فهذا
يعني: أنه ولد بعد وفاتها رضي الله عنها. وهذا هو السبب - والله أعلم - أنهم لم
يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة ؛ إلا أنس بن مالك رضي الله عنه الذي
تأخرت وفاته إلى سنة (92)، وقال أبو حاتم - كما في " جامع التحصيل " (301/
579) -:

" حديثه عن أبي موسى الأشعري مرسل ".

قلت: وكانت وفاته سنة (50) ؛ أي: قبل وفاة عائشة بست سنين.
ولحديث أنس شاهد من حديث ابن عباس وغيره، وهو مخرج في
" الصحيحة " (1556).

6714 - (من سمع المؤذن يؤذن، فقال كما يقول ، ثم يقول : رضيت
بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ، وبالقرآن إماما ، وبالكعبة
قبلة ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله ، اللهم! اكتب شهادتي هذه في عليين، وأشهد عليها
ملائكتك المقربين ، وأنبياءك المرسلين ، وعبادك الصالحين ، واختم عليها
بـ (آمين ) ، واجعلها لي عندك عهدا توفنيه يوم القيامة ، إنك لا تخلف
الميعاد ، بدرت إليه بطاقة من تحت العرش فيها أمانه من النار).

منكر جداً ؛ شبه موضوع.
آخرجه البيهقي في " الدعوات الكبير " (1/ 35/

(14/472)


@@@ 473
51)، والأصبهاني في " الترغيب " (1/ 47 1/ 274) من طريق أبي الوليد
هشام بن إبراهيم المخزومي: حدثنا موسى بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري عن
عمه عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً. قال أبو الوليد:
" سألته عن البطاقة ؛ فقال: الصك الصغير ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، ومتن مركب شبه موضوع ؛ آفته (موسى بن
جعفر بن أبي كثير الأنصاري) ؛ قال الذهبي في " الميزان ".
" لا يعرف، وخبره ساقط ".

ثم ساق له حديثاً في آخره أنه قال لحفصة:
"يلي الأمر بعدي أبو بكر، ويليه من بعد أبي بكر أبوك ". وقال الذهيي:
" قلت: هذا باطل ". وقال العقيلي في " الضعفاء " (4/ 155):
" مجهول بالنقل، لا يتابع على حديثه، ولا يصح إسناده".

ثم ساق حديث الولاية، وقال:
" ولا يعرف إلا به ".

وأقره الحافظ في " اللسان "، وساق له حديث الترجمة وقال:
"وزاد فيه على حديث عائشة عند أبي داود زيادات مستغربة، ورأيت له
حديثاً آخر، أخرجه الطبراني في " الأوسط " في ترجمة (إبراهيم بن محمد
الصنعاني) في صلاة التسابيح. وعمه لم أقف على اسمه ، ولا عرفت حاله،

(14/473)


@@@ 474
ولا رأيت لموسى هذا ذكراً في " تاريخ " البخاري، ولا " ثقات " ابن حبان،
وهو أخو محمد وإسماعيل ابني جعفر بن أبي كثير المتقنين المشهورين. والله
أعلم!.

قلت: وكنت أود أن يفيدنا من علمه بحال الراوي عنه (هشام بن إبراهيم
المخزومي) ؛ فإني لم أجد له ذكراً في شيء من كتب الرجال التي عندي. والله أعلم.

6715 - (من قال مثل مقالته - يعني: أذان بلال -، وشهد مثل
شهادته فله الجنة).

ضعيف جداً.
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (7/ 65 1/ 38 1 4): حدثنا
أبو الربيع الزهراني: حدثنا سلام عن زيد العمي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرّس ذات ليلة، فأذن بلال ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:...
فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ مسلسل بعلل ثلاث:
الأولى: سلام بن سُليم الطويل، وهو: متروك - كما قال الذهبي
وا لعسقلاني -.
الثانية: زيد العمي - وهو: ابن الحواري -: قال الحافظ:
" ضعيف ". وقال الذهبي في" المغني ":

(14/474)


@@@ 475
" مقارب الحال. قال ابن عدي: لعل شعبة لم يرو عن أحد أضعف منه".

الثالثة: يزيد الرقاشي - وهو: ابن أبان -: قال الذهبي في " الكاشف "، وابن
حجر في " التقريب ":
"ضعيف ".

ومن هذا التحقيق يتبين أن العلة الأولى هي الأقوى من الأخريين، بحيث أنه
إذا اقتصر عليها بالذكر أغنى عن ذكر غيرها ؛ لشدة وهائها، فمن الغرائب أن يغفل
عنها حفاظنا:

أولهم: الحافظ المنذري في " الترغيب " (1/ 113/ 7): فإنه ذكره من
رواية أبي يعلى عن يزيد الرقاشي عن أنس... يشير إلى تضعيفه بـ (يزيد)
فقط!

ثانيهم: الهيثمي: فإنه أفصح عن ذلك بقوله (1/ 332):
" وفيه يزيد الرقاشي، ضعفه شعبة وغيره، ووثقه ابن عدي، وابن معين في
رواية ".

ثالثهم: البوصيري: فإنه قال في " إتحافه " (1/ 56/ 2):
" يزيد الرقاشي ؛ ضعيف، وكذا الراوي عنه ".

وهذا - وإن كان أنبههم فقد - غفل أيضاً عن العلة الكبرى، وقد قلده في ذلك
الشيخ الأعظمي في تعليقه على " المطالب العالية " (1/ 68)، وتبعه في ذلك
المعلق على " مسند اًبي يعلى " (ص 165)!!

(14/475)


@@@ 476
وأما المعلق على" المقصد العلي، (1/ 117) فإنه - مع قوله بأن "اسناده
ضعيف جداً" ؛ فإنه - لم يعله بما يدل على قوله إلا بقول الهيثمي المذكور أنفاً، وهو
إلى أن يدل على أنه حسن عنده أقرب من أن يدل على ضعفه ؛ بله ضعفه
الشديد، ومثل هذا التناقض إنما يأتي من التقليد والتلفيق بين الأقوال المتناقضة،
والجهل بهذا العلم الشريف.

هذا ؛ ويغني عن هذا الحديث الواهي ويفيض عليه في الإفادة حديث عمر بن
الخطاب مرفوعاً بلفظ:
" إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر.... "
الحديث إلى قوله:
"ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه ؛ دخل الجنة". رواه
مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1/ 258/ 240) وغيره.
والاستشهاد بهذا أقرب مما استشهد به المعلق على " مسند أبي يعلى " وهو
حديث ابن عمرو بلفظ:
"إذا سمعتم المؤذن ؛ فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي... "، الحديث،
وفيه: "فمن سأل الله لي الوسيلة ؛ حلت له الشفاعة ".

رواه مسلم أيضاً وغيره، وهو مخرج في المصدر المذكور برقم (242). وليس
يخفى الفرق بين الحديثين على العلماء والفقهاء.

(14/476)


@@@ 477
6716 - (من بنى مسجداً يصلّى فيه ؛ بنى الله عز وجل له [ بيتاً ]
في الجنة أفضل منه).

منكر بزيادة: (أفضل منه).
أخرجه البخاري في " التاريخ " (1/ 2/ 71)،
وأحمد (3/ 490)، وكذا ابنه عبد الله، والطبراني في " المعجم الكبير " (22/
88 - 89/ 213)، وابن عدي في " الكامل " (2/ 324)، وأبو نعيم في " الحلية "
(8/ 319)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (15/ 231 - 232) ؛ كلهم من
طريق الحسن بن يحيى الخُشني عن بشربن خيان قال:

جاء وائلة بن الأسقع ونحن نبني مسجدنا، قال: فوقف علينا فسلم، ثم قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره. والسياق لأحمد وغيره ؛ كأبي نعيم،
وقال هو وابن عدي:
" تفرد به الخشني عن بشر ".

والخشني هذا: مختلف فيه، والجمهور على تضعيفه، وقال الذهبي في " المغني ":
(واهٍ، تركه الدارقطني وغيره ". وقال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق كثير الغلط ".

وابن عدي - مع أنه مشاه ولم يضعفه جداً - قال في آخر ترجمته - وساق له
مع هذا الحديث أحاديث أخرى -:
"وأنكر ما رأيت له هذه الأحاديث التي أمليتها، وهو ممن تحتمل روايته ".
وأما ابن حبان فقال في " الضعفاء " (1/ 235):

(14/477)


@@@ 478
" منكر الحديث جداً، يروي عن الثقات ما لا أصل له، وعن المتقنين ما لا
يتابع عليه... وقد كان رجلاً صالحاً يحدث من حفظه، كثير الوهم فيما يرويه،
حتى فحش المناكير في أخباره عن الثقات، حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد
لها ؛ فلذلك استحق الترك ".

ثم ساق له حديثاً آخر وقال: إنه " باطل ". فانظره في الجلد الأول رقم (201).
والحديث أشار المنذري إلى ضعفه (1/ 117)، وعزاه لأحمد والطبراني،
وبيّن السببَ الهيثمي فقال (2/ 7):
"... وفيه الحسن بن يحيى الخشني، ضعفه الدارقطني وابن معين في رواية،
ووثقه في رواية، ووثقه دحيم وأبو حاتم "!

كذا قال ؛ لم يبتّ فيه برأي، مع أن الجرح مقدم على التعديل حين يكون
مفسراً - كما هنا -، على أنه أخطأ فيما نسب إلى أبي حاتم من التوثيق، فإنما قال
فيه: " صدوق سيئ الحفظ "، وهذا منه تضعيف له منه، إلا أنه وصفه بالصدق
وأنه لا يتعمد الكذب، فكلامه يلتقي مع كلام الجارحين وبخاصة مع كلام ابن
حبان الذي صرح بتركه، مع وصفه إياه بالصلاح وعدم تعمد الكذب. ولقد اغتر
بكلام الهيثمي هذا المعلقون الثلاثة على " الترغيب " (1/ 265) ؛ فحسنوا الحديث،
وساقوا كلامه!! وذلك مما يؤكد أنهم مجرد نقلة لا علم عندهم. والله المستعان.

بقي شيء: أن نكشف عن حال (بشر بن حيان) شيخ الحسن بن يحيى
الخشني، لم أجد أحداً من الحفاظ المتأخرين مَْن ذكره، بخلاف بعض المتقدمين
منهم ؛ كالبخاري، فقد ذكره في " التاريخ "، وساق له الحديث، وكذلك ذكره ابن
أبي حاتم برواية الخشني هذا عنه. وكذا ابن حبان في " الثقات " (4/ 70):

(14/478)


@@@ 479
وهذا من غرائبه، ومخالفاته لما هو الحق من قوله:
" والشيخ إذا لم يرو عنه ثقة ؛ فهو مجهول لا يجوز الاحتجاج به ؛ لأن رواية
الضعيف لا يختفي من ليست بعدل عن حد المجهولين، إلى جملة أهل العدالة ؛ لأن
ما روى الضعيف وما لم يرو في الحكم سوأء ".

قلت: وهذا النص كنت نقلته منذ نحو عشرين سنة في أول المجلد الثاني من
هذه " السلسلة " (2/ 3)، وهو من النصوص الهامة الني تؤكد ما عليه العلماء
الحفاظ أن ابن حبان متساهل في التوثيق، وهذا هو المثال بين يديك ؛ لقد وثق من
لم يرو عنه إلا الخشني هذا الذي شهد هو نفسه أنه ضعيف ؛ بل متروك ، ومثله
كثير، لو تتبعها أحد من طلاب العلم ؛ لكان منها رسالة مفيدة.

والخلاصة: أن الحديث لا يصح من حيث إسناده، فيه ضعف وجهالة، ومتنه
منكر ؛ لمخالفته للأحاديث الصحيحة الخالية من زيادة"
" أفضل منه".

فهي في النكارة ؛ كالزيادة الأخرى بلفظ:
" ييتاً في الجنة من در وياقوت".
وتقدم تخريجها برقم (5039).

(تنبيه): (حيان) والد (بشر): هو بفتح المهملة والمثناة التحتية المشددة،
هكذا في كل المصادر المتقدعة التي روت الحديث أو ترجمت له ؛ فمن الأوهام
العجيبة التي لا يعرف مثلها عن مثل الحافظ إبراهيم الناجي المحقق المدقق الناقد
قوله في " عجالته " (ص 48) تعليقاً على اسم (بشر بن حيان) الوارد في

(14/479)


@@@ 480
حديث " الترغيب " للمنذري:
" لم يتعرض لضبط هذا الراوي ؛ لشهرته، وهو ؛ (بشر) بالكسر والإعجام ؛
بل ولم يضبط أباه (حيان)، وهو من الأسماء الخفية التي قل من تنبه لها، أو نبه
عليها، والموجود في نسخ " الترغيب " وغيرها من الكتب المذكور فيها هذا الحديث
أو الاسم (ابن حيان) بفتح المهملة وبالياء الأخيرة، وكأنه من المشي على الظاهر،
وإنما هو (حِبان) بكسر أوله وبالموحدة ؛ كما أفاده إمام هذا الفن: الأمير ابن ماكولا
في كتابه، ونقله عنه شيخنا ابن حجر في تحريره. لـ " مشتبه " الذهبي، لكن غفل
شيخنا ؛ فلم يذكر لـ (بشر) ترجمة في كتابه: " رجال الأربعة "، وكذا جرى
الشريف الحسيني ؛ فأخذ بذكره في رجال " المسند "، وذلك عجب منهما".

قلت: أعجب منه جزمه بخطأ اسم (حيان) في كل " الكتب المذكور فيها
هذا الحديث "، وقد ذكرت منها خمسة، (أو الاسم)، وقد ذكرت منها " الكامل "
و "المغني " و" التقريب "، و" ضعغاء ابن حبان "، و" مجمع الهيثمي " و " الجرح
والتعديل " و" تاريخ البخاري " و" ثقات ابن حبان "!

وأعجب من كل ذلك أن ما عزاه لكتاب الأمير، وشيخه ابن حجر يخالف ما
عزاه إليهما، ويطابق ما في المصادر المذكورة آنفاً، ذكرا ذلك في مادة ( الخشني)،
وفيها أورده الذهبي في " المشتبه " (ص 217) فقال:

" أبو ثعلبة الخشني الصحابي، ومسلمة بن علي الخشني، والحسن بن يحيى
الخشني - شاميان واهيان. وبشر بن حيان الخشني - تابعي ".

وهكذا جاء في " تبصير المشتبه " لشيخه الحافظ، وكذلك هو في " توضيح
المشتبه " للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي. فلا أدري مع هذا كله كيف وقع

(14/480)


@@@ 481
الحافظ الناجي في هذ الخطأ العجيب الغريب ؟!

6717 - (من بنى لله مسجداً، صغيراً أو كبيراً ؛ بنى الله له بيتاً في
الجنة).

منكر بزيادة: (أو كبيراً).
أخرجه الترمذي (319)، والدولابي في " الكنى "
(2/ 45) من طريق عبد الرحمن مولى قيس عن زياد النميري عن أنس
مرفوعاً.

قلت: أشار الترمذي إلى تضعيفه إياه بقوله: " روي...،، وكأنه لذلك لم
يتكلم على إسناده على خلاف غالب عادته، ولعل ذلك لظهور ضعفه ؛ وذلك لأن
عبد الرحمن مولى قيس [ لا يعرف ] إلا برواية نوح بن قيس عنه هذا الحديث ؛ فهو
مجهول - كما أشار إلى ذلك الذهبي في " الميزان " وصرح به الحافظ في " التقريب " -.
وزياد - وهو: ابن عبد الله النميري -: مختلف فيه، قال الذهبي في
" الكاشف ":
" ضعيف، وقد وثق ". وقال الحافظ في " التقريب ":
" ضعيف".
والحديث قال الشوكاني في تخريجه تحت حديث عثمان المتفق عليه دون زيادة
(الحجم) (2/ 124):

" رواه الترمذي، وفي إسناده زياد النميري، وهو ضعيف، وله طرق أخر عن
أنس منها عند الطبراني، ومنها عند ابن عدي، وفيهما مقال ".

(14/481)


@@@ 482
قلت: فيه أن الزيادة موجودة قي الطريقين المشار اليهما، وعلى ذلك جرى
الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على حديث الترمذي في " سننه " (2/ 135)،
فنقل - بعد أن بين ضعفه - كلام الشوكاني وأقره، مشيراً بذلك إلى تقويته، وكنت
تبعته في ذلك في " التعليق الرغيب " (1/ 117/ 5)، وعليه أوردته في " صحيح
الترغيب " (1/ 182/ 267)، ثم لما طبع " المعجم الأوسط " وكتاب ابن عدي
" الكامل " ؛ ظهر أن الزيادة ليست فيهما، فحذفته من الطبعة الجديدة لـ " صحيح
الترغيب "، وهي حافلة - والحمد لله - بالفوائد والتحقيقات التي لم تكن في
الطبعات السابقات. من أجل ذلك كان لابد من بيان ما أجملته، فأقول:

أولاً: أما الطبراني فأخرجه (2/ 511/ 1878) من طريق شريك عن
الأعمش عن أنس مرفوعاً بلفظ:
" من بنى لله عز وجل مسجداً كمفحص قطاة، بنى الله عز وجل له بيتاً في
الجنة!. وقال:
" لم يروه عن الأعمش إلا شريك".

قلت: وهو: ابن عبد الله القاضي، وليس بالقوي.
ثم هو منقطع ؛ فإن الأعمش لم يسمع من أنس، مع أنه مدلس.
فأنت ترى أنه ليس فيه تلك الزيادة، وإنما فيه:
"... كمفحص قطاة... " ؛ فهو يصلح شاهداً لحديث جابر، فإن فيه هذه
وزيادة أخرى وهي:
"... أو أصغر.. "، وهو الحديث الرابع في" صحيح الترغيب ".

(14/482)


@@@ 483
ولم يتكلم على اسناده الدكتور الطحان في تعليقه على " المعجم الأوسط " الا
بقوله:
"الحديث من طريق أنس من الزوائد ؛ إذ لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب
الستة عن أنس، لكني لم أعثر عليه في " مجمع الزوائد ". فالله أعلم ".

قلت: خفي عليه إخراج الترمذي اياه بدون الزيادة ؛ ولذلك لم يخرجه
الهيثمي في " مجمع الزوائد "، وهذه عادته. فتنبه!

ثانياً: أما ابن عدي قأخرجه (5/ 24) من طريق العباس بن الحسن
البلخي: ثنا يحيى بن غيلان: أخبرنا عمر بن رُديح: أخبرنا ثابت البناني عن
أنس مرفوعاً بلفظ حديث شريك، وزاد:
قالوا: يا رسول الله! إذن نكثر. قال:
" فالله أكثر".

أورده في ترجمة (عمر) هذا مع حديثين آخرين له، وقال:
" وله غير ما ذكرت من الحديث، ويخالفه الثقات في بعض ما يرويه ". وقال
الذهبي في " الميزان " و " المغني ":
" ضعفه أبو حاتم: وقال ابن معين: صالح الحديث ".

لكن في الطريق إليه (العباس بن الحسن البلخي)، وقد أورده الذهبي في
" الميزان "، وقال:
" قال ابن عدي في ترجمة (أصرم): كان يسرق الحديث. وقال الخطيب
[12/141]: ما علمت من حاله إلا خيراً". وقال الحافظ في " اللسان "

(14/483)


@@@ 484
" قال ابن عدي: والعباس الراوي عن أصرم في عداد الضعفاء الذين يسرقون
الحديث. ولم أره أفرده بترجمة ".

6718 - (إني رأيتها في الجنة ؛ لما كانت تلقط القذى من المسجد
- يعني: المرأة -).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (11/ 238/11607)
و " الأوسط " (9/ 03 1/ 6 1 82) من طريق عبد الملك بن عبد الرحمن
الذِّماري قال: حدثنا فائد بن عمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس
رضي الله عنه:
أن امرأة كانت تلقط القذى من المسجد، فتوفيت، فلم يؤذن النبي بدفنها،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" إذا مات منكم ميت ؛ فأذنوني "، وصلى عليها، وقال:... فذكره، وقال:
" لم يروه عن الحكم بن أبان إلا فائد بن عمر، تفرد به الذماري".

قلت: قال الذهبي في " المغني ":
" صويلح. قال الدارقطني: ليس بقوة". وقال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق كان يصحف ".

وشيخه (فائد بن عمر): لم أجد من ذكره هكذا، وإنما ذكره ابن أبي حاتم
(3/ 2/ 392/ 1823) كالتالي:
" عبد العزيز بن فائد أبو عمر العدني: روى عن الحكم بن أبان، روى عنه

(14/484)


@@@ 485
عبد الملك الذماري، سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: هو مجهول،.
وبهذه الرواية ذكره ابن حبان في " الثقات " والاسم أيضاً، وزاد: "من أهل
اليمن " ؛ فالظاهر أن قوله: " فائد بن عمر " وهم وقع في إسناد الطبراني، وهو ما
صرح به الهيثمي، فقال في" المجمع " (2/ 10):
" رواه الطبراني في " الكبير "، وقال في (تراجم النساء):
الخرقاء السوداء التي كانت تميط الأذى عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

وذكر بعد هذا الكلام إسناداً عن أنس، قال:... فذكر الحديث. ورجال
إسناد أنس رجال الصحيح،، وإسناد ابن عباس فيه (عبد العزيز بن فائد) وهو
مجهول، وقيل فيه: (فائد بن عمر) وهو وهم ".

قلت: وإسناد أنس عند الطبراني تحت ترجمة (الخرقاء التي ..." إسناده
هكذا: قال (24/ 256/ 655): حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي: ثنا هدبة
ابن خالد: ثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس (فذكر الحديث).

هكذا قال ؛ لم يسق لفظه، ولم أعثر عليه، والظاهر أنه غير معروف حتى عند
الحفاظ ؛ فقد أورد (الخرقاء) هذه أبو نعيم أيضاً في " المعرفة " (2/734/ 2)
كما ذكرها الطبراني، ولم يزد! وكذلك فعل الحافظ في " الإصابة " وقال:
" هكذا أوردها ابن منده وتبعه أبو نعيم ".
وفاته الطبراني!
وقد رواه حبيب بن الشهيد عن ثابت به مختصراً بلفظ:

(14/485)


@@@ 486
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة قد دفنت.

أخرجه أحمد، وأصله في " مسلم ". وأخرجه البيهقي في طريق خالد بن خداش
عن حماد بن زيد عن ثابت به ؛ أتم منه ؛ لكن فيه أن الميت رجل. وقد صح من
طرق أخرى عن حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة.

أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، أو شاباً، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فسأل
عنها أو عنه... الحديث، وفيه أنه صلى عليها.

أخرجه الشيخان هكذا على الشك. ورواه ابن ماجه وابن خزيمة بلفظ:
"إن امرأة سوداء كانت... " الحديث بدون شك.

وإن إسناده صحيح. وله شواهد انظر (الإرواء، (3/ 84 1 - 86 1)، و "أحكام
الجناثز " (ص 113 - 115).

6719 - (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلاةِ، فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ،
وَكُشِفَتْ لَهُ الْحُجُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَاسْتَقْبَلَتْهُ الْحُورُ الْعِينُ، مَا لَمْ يَمْتَخِطْ أَوْ
يَتَنَخَّعْ).

منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8/ 299/ 0 798) من
طريق طريف بن الصلت أبي غالب: ثنا حجاج بن عبد الله بن هارون عن
إسماعيل الشامي عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم ؛ الثلاثة الذين دون أبي أمامة ليس لهم ذكر
في شيء من كتب الرجال، والطبراني ساقه تحت ترجمة (إسماعيل الشامي ل

(14/486)


@@@ 487
ينسب عن أبي أمامة) ؛ فهو غير معروف أيضاً خلافاً لما يوهمه صنيع الهيثمي
حيث قال (2/ 20):
"رواه الطبراني في " الكبير " من طريق طريف بن الصلت عن الحجاج بن
عبد الله بن هرم (كذا)، ولم أجد من ترجمهما".

وكنيته أبو غالب لم يذكر الذهبي تحتها في " المقتنى" طريفاً هذا، مما يؤكد أنه
غير معروف. فلا غرابة بعد هذا أن يقول المنذري في " الترغيب " (1/ 122/ 10):
" رواه الطبراني في " الكبير"، وفي إسناده نظر ".

على أنه لم يعطه حقه من النقد ؛ فإن هذا لا يقال فيما علته ظاهرة، فكأنه لم
يتيسرله دراسة وتتبع ترجمة هؤلاء الثلاثة، والا ؛ لجزم بجهالتهم - كما يفعل
أمثالهم - ولما صَدّر الحديث بقوله: " وعن " المشعر عنده بأنه حسن أو قريب من
الحسن!

6720 - (إن الله عز وجل ضمن لمن كانتِ المساجدُ بيته الأمن،
والجواز على الصراطِ يوم القيامة).

ضعيف.
أخرجه البزار في " مسنده " (1/ 217/ 434 - الكشف): حدثنا
نصر بن علي: ثنا أبو أحمد: ثنا إسرائيل عن عبد الله بن المختار عن محمد بن
واسع عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال:
لتكن المساجد بيتك ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره. وقال:
" لا نعلم بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد، واسناده حسن، وقد روي نحوه بغير
لفظه".

(14/487)


@@@ 488
قلت: ووافقه المنذري في " الترغيب " (1/ 133) على تحسينه، وهو
عندي صحيح ؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم (*). وقال الهيثمي في " المجمع "
(2/ 22):

" رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، والبزار، وقال: إسناد، حسن.
قلت: ورجال البزار كلهم رجال الصحيح ".

وإسناد الطبراني من طريق أخرى، ولكنها ضعيفة ؛ فقد أخرجه في " المعجم
الأوسط " (8/ 73/ 45 71 - ط) (2/ 48 1/ 2/ 1 729 - بترقيمي)، والخطيب
في " التاريخ " (8/ 340) من طريق عمرو بن جرير: ثنا إسماعيل بن أبي خالد
عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا الدرداء وهو يقول لابنه:
يا بني! ليكن المسجد بيتك ؛ فإن المساجد بيوت المتقين، سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره مع تقديم وتأخير، وقال:
" لم يروه عن إسماعيل إلا عمرو بن جرير ".

قلت: قال في " الميزان ":
" كذبه أبو حاتم، وقال الدارقطني: متروك الحديث".

قلت: فمثله لا يستشهد به ؛ فالعمدة على طريق البزار، وقد رواه الطبراني من
طريق أخرى مختصراً بلفظ:
" المسجد بيت كل تقي ".
وقد مضى تخريجه والكلام عليه في المجلد الثاني [ من " الصحيحة " ] برقم
__________
(*) سجل الشيخ رحمه الله هنا - بالرصاص ؛ تذكيراً: " سيأتي أنه معلول ". (الناشر).

(14/488)


@@@ 489
(716) ؛ فليرجع إليه من شاء.

(تنبيه): قد أورد الحديث ابن الجوزي في " العلل " (1/ 410 - 411) من
طريق الخطيب، وأعله بعمرو بن جرير وقول الدارقطني فيه، ثم قال:
" قال الدارقطني: روى عبد الله بن المختار عن محمد بن واسع عن أبي الدرداء
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المساجد بيوت الله في الأرض ؛ فقد ضمن الله لمن
كانت المساجد بيته بالرحمة والجواز على الصراط ". قال الدارقطني: رواه حماد بن
سلمة عن محمد بن واسع أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان، والمرسل هو المحفوظ".

قلت: ونص كلام الدارقطني في " العلل " (6/ 230):
"وسئل عن حديث ابن أبي الدرداء عن أبي الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:...
(فذكر الحديث)، فقال:
يرويه محمد بن واسع، واختلف عنه ؛ فرواه عبد الله بن المختار عن محمد بن
واسع عن ابن أبي الدرداء عن أبي الدرداء.
ورواه إسماعيل بن أبي خالد، واختلف عنه ؛ فقيل: عنه عن محمد بن واسع
عن أبي الدرداء.
وقيل: عن إسماعيل عن رجل من أهل البصرة عن محمد بن واسع عن أبي
الدرداء.

ورواه حماد بن سلمة ومطعم بن المقدام الصنعاني عن محمد بن واسع: أن أبا
الدرداء كتب إلى سلمان، ولم يذكر بينهما أحداً، والمرسل هو المحفوظ".

قلت: يعني: المنقطع ؛ لأن أكثر الروايات لم تذكر الواسطة بين محمد بن

(14/489)


@@@ 490
واسع أبي الدرداء.
ورواية مطعم الصنعاني وصلها البيهقي في " الشعب " (7/ 379/10657).
وروى أبو نعيم في " الحلية " (1/ 214) من طريق معمرعن صاحب له أن
أبا الدرداء كتب إلى سلمان... الحديث.

قلت: وأنا أظن أن الصاحب المشار إليه هو (محمد بن واسع) ؛ لأن هذا ذكر
في شيوخه، فهو مما يرجح الانقطاع الذي جزم به الدارقطني ؛ فهو علة الحديث،
وهي تكشف عن وهم أحد رواة البزار في وصله، ولعله عبد الله بن المختار ؛ فإنه مع
كونه من رجال مسلم ووثقه ابن معين وغيره ؛ فقد قال أبو حاتم - وتبعه الحافظ -:
" لا بأس به ".

فمهله لا تحتمل مخالفته لمن هو أوثق منه: إسماعيل بن أبي خالد ؛ فكيف
ومعه ثقات آخرون مخالفون في الوصل ؟.. فهو شاذ.

على أنني لاحظت فرقاً بين رواية البزار عنه ؛ ففيها: أن شيخ محمد بن
واسع: (أم الدرداء)، ورواية الدارقطني ؛ ففيها أنه: (ابن أبي الدرداء)، فإذا كان
هذا ثابتاً في كتاب الدارقطني، فيكون ابن المختار قد خالف مخالفة أخرى، و (ابن
أبي الدرداء) اسمه: (بلال)، وهو ثقة، ولم يعرفه المعلق على" العلل ".
وجملة القول: أن الحديث ضعيف ؛ لجهالة الواسطة بين محمد بن واسع،
وأبي الدرداء في أكثر الروايات.

نعم ؛ لجملة: " المسجد بيت كل تقي " ما يقويه ؛ فراجعه في المكان المشار
إليه من الجلد الثاني [ من " الصحيحة " ].

(14/490)


@@@ 491
6721 - (عليكم بذكر ربكم، وصلوا صلاتكم في أولِ وقتكم ؛ فإن
الله يضاعف لكم).

موضوع.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (7 1/ 369 - 370/1013)
عن سليمان بن داود المنقري: ثنا عثمان بن عمرعن النهاس بن قهم ومحمد بن
سعيد عن أبي شيخ الهُنائي قال: حدثني رجل من عبد القيس يقال له: عياض:
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره.

ومن طريق الطبراني أخرجه أبو نعيم في " المعرفة " (2/ 122/ 1)، ولم
يزد، الأمر الذي يشير أن هذا الرجل (عياض) لا تثبت صحبته، ولو صرح
بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن السند إليه مظلم هالك، ففيه:

أولاً: محمد بن سعيد: والظاهر أنه المصلوب في الزندقة ؛ فإنه من هذه
الطبقة، وقد كذبوه. وإن لم يكن هو ؛ فلم أعرفه.

ثانياً: النهاس بن قهم! قال الذهبي في "المغني ":
" لينه أبو أحمد الحاكم، وتركه القطان ". وقال الحافظ في" التقريب ":
"ضعيفاً ".

ثالثاً: سليمان بن داود المنقري: وهو الحافظ الشاذكوني فإنه مع حفظه متهم
في صدقه، كذبه ابن معين وغيره، وقال في رواية:
" يضع الحديث ". وقال الذهبي في " المغني ":
" حافظ مشهور، رماه ابن معين بالكذب. وقال البخاري: فيه نظر".

(14/491)


@@@ 492
قلت: فقول الهيثمي في " المجمع " (1/ 303):
" رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه النهاس بن قهم، وهو ضعيف !.

فيه ذهول عن العلة الكبرى التي لا يذكر تجاهها ضعف النهاس - كما لا يخفى -!
ولذا قال الحافظ في " الإصابة ":
" وفي السند من لا يعرف، وفيه سليمان بن داود المنقري - وهو: الشاذكوني -
المشهور بالحفظ والضعف الشديد ".

واكتفى المنذري بالإشارة إلى ضعفه على غالب عادته في " الترغيب " (1/
147)، وقلده مع الهيثمي المعلقون الثلاثة ؛ فاقتصروا على تضعيفه وتقليد كلام
الهيثمي فيه! { ذلك مبلغهم من العلم }.

6722 - ( وَلَوْ يَعْلَمُ هَذَا الْمُتَخَلِّفُ عَنِ الصَّلاةِ فِي الْجَمَاعَةِ مَا لِهَذَا
الْمَاشِي إِلَيْهَا لأَتَاهَا، وَلَوْ حَبْوًا عَلَى يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ).

منكر بذكر: (الرجلين).
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8/ 266 -
267/ 7886) من طريق الحسين بن أبي السري العسقلاني: ثنا محمد بن
شعيب: حدثني أبو حفص القاص عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن
القاسم عن أبي أمامة قال:

أقبل ابن أم مكتوم وهو أعمى، وهو الذي أنزلت فيه: { عبس وتولى. أن
جاءه الأعمى}، - وكان رجلاً من قريش - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول
الله! بأبي أنت وأمي، أنا كما تراني، قد كبرت سني، ورق عظمي، وذهب

(14/492)


@@@ 493
بصري، ولي قائد لا يلاومني (1) قياده إياي ؛ فهل تجد لي من رخصة أصلي في
بيتي الصلوات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"هل تسمع المؤذن من البيت الذي أنت فيه ؟ ". فقال: نعم يا رسول الله!
قال رسول والله صلى الله عليه وسلم:
"ما أجد لك من رخصة، ولو يعلم... " الحديث.

قلت: وهذا إسناد واهٍ ؛ فيه علل:

الأولى: علي بن يزيد - وهو: الألهاني -: قال الذهبي في " المغني ":
" ضعفوه، وتركه الدارقطني ". وقال في " الكاشف ":
" ضعفه جماعة ولم يترك ". وقال الحافظ في " التقريب ":
"ضعيف ".

الثانية: عثمان بن أيي العاتكة أبو حفص القاص: قال في " المغني ":
" وثق، وضعفه النسائي وغيره ". وقال الحافظ:

" صدوق، ضعفوه في روايته عن الألهاني ".
قلت: فالعلة مترددة بينهما ؛ إن سلم من الآتي، وهو:
الثالثة: الحسين بن أبي السري العسقلاني: قال في " المغني ":

"ضعفه أبو داود. وقال أبو عروبة الحراني: هو خال أمي، وهو كذاب". وقال الحافظ:
__________
(1) كذا وقع في " المعجم "، وفي " الترغيب " و" المجمع ": (يلايمني).. وهو الصواب.

(14/493)


@@@ 494
"ضعيف"ً.
ثم ان الحديث فيه جمل استنكرتها ؛ لأنها لم ترد في رواية الثقات لها، فقد
أخرجها مسلم وغيره من حديث أبي هريرة - وهو مخرج في" الإرواء " (2/ 246 -
247) -، ومن حديث ابن أم مكتوم نفسه، عند أبي داود وغيره - وهو مخرج
في " المشكاة " رقم (78 0 1)، وفي " صحيح أبي داود " (561 و 562) -.

وروي من حديث كعب بن عجرة عند الطبراني - والبراء أيضاً - من تلك
الجمل المستنكرة: قوله في آخر الحديث:
" ولو حبواً على يديه ورجليه ".

نعم ؛ جاء قوله: " ولو حبواً " في حديث جابر بن عبد الله قال:
أتى ابن أم مكتوم النبي صلى الله عليه وسلم... مختصراً جداً، وفيه:
" قال: فإن سمعت الأذان ؛ فأجب ولو حبواً أو زحفاً ".

أخرجه أحمد ( 3/ 367) - والسياق له -، وأبو يعلى (3/ 337/ 1803)،
وعنه ابن حبان (28 4)، والعقيلي في " الضعفاء " (3/ 383)، والطبراني في
" الأوسط " (4/ 439/3738) من طريق يعقوب القمي عن عيسى بن جارية
عنه.

وفي ترجمة عيسى ساقه ابن عدي في " الكامل " (5/ 249) مع أحاديث
أخرى له، وقال فيها:
"وكلها غير محفوظة ". ولذلك قال فيه الذهبي في " الكاشف ":
"مختلف فيه. قال ابن معين: عنده مناكير". وفي "المغني ":

(14/494)


@@@ 495
" مختلف فيه. قال النسائي: متروك. وقال أبو زرعة: لا بأس به !. وقال
الحافظ:
" ليَّن،. وأشار إلى هذا الهيثمي بقوله في " المجمع " (42/2):
" رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني في " الأوسط "، ورجال الطبراني موثقون
كلهم "!

فقوله: "موثقون " تشعر بضعف التوثيق، وهذا مما بلوته من الحافظ الذهبي ؛
فإنه يستعمله كثيراً بهذا المعنى، وبخاصة في توثيق ابن حبان للمجاهيل، وقوله
المتقدم: "وثق " في (عثمان بن أبي العاتكة) ليس ببعيد عنك.

الا أن قوله: "ورجال الطبراني " لا وجه له ألبتة ؛ أعني: اضافة الرجال إلى
(الطبراني)، وذلك ؛ لأن إضافتهم إلى أحمد وأبي يعلى أولى ؛ لأن رجالهما من
رجال "التهذيب"، ولأن شيخ الطبراني فيه: (عثمان بن عبيد الله الطلحي)،
ليس منهم، ولا له ذكر في شيء من كتب الرجال التي عندي ؛ فأخشى أن يكون
ذكر الطبراني فيه خطأ من الناسخ أو الطابع، وأن الصواب: (ورجاله) ؛ أي:
بالنظر إلى أن طرقهم دارت على من أشار إليهم بقوله: " موثقون... "، وهما:
يعقوب القمي وعيسى بن جارية.

ومما يؤيد ما ذكرت من الخطأ أن الهيثمي لما أخرج حديث جابر: " صدق أُبَيّ "
من رواية أبي يعلى والطبراني في " الأوسط "، وهو عندهما بهذا الإسناد عينه ؛
قال (2/185):
" رواه أبو يعلى، والطبرا ني في " الأوسط " بنحوه، وفي " الكبير " باختصار،
ورجال أبي يعلى ثقات ".

(14/495)


@@@ 496
فأضاف الرجال هنا إلى أبي يعلى.. وهو الصواب - لما تقدم - ؛ لكنه أخطأ في
قوله فيهما: " ثقات " ؛ لأن يعقوب وعيسى لا يصح توثيقهما، وفيهما خلاف
معروف، وغاية ما يمكن أن يقال في إسناد حديثهما أنه يحتمل التحسين ؛ كما
قلت في غير ما حديث لهما، ومن ذلك حديث أُبي المشار إليه آنفاً، وهو مخرج
في " الصحيحة " (2251) كشاهد. وهذا هو طبيعة أحاديث من كانت ترجمتهم
كترجمتها ؛ فهي مرشحة للتقوية تارة بالمتابعات أو الشواهد - كما هو حال حديث
(أبي)، وتارة للتضعيف ؛ بسبب المخالفة - كما هو الشأن في حديث جابر هذا -.

وقد كنت غفلت عن هذه المخالفة يوم ألفت كتابي " صحيح الترغيب " منذ
نحو عشريق سنة ؛ فأوردته فيه محسناً له لشواهده المذكورة في الباب، وهو مخالف
للدقة التي التزمتها فيه في أمثاله ؛ وهو حذف الجملة المخالفة منه، والإشارة إلى
ذلك بالنقط (...)، ولكن لحكمة أرادها الله كانت الغفلة، وتبعني عليها بعض
المعلقين المشتغلين بهذا العلم، الذين يستفيدون من تخريجاتي. وتحقيقاتي، ولكن
(على النصت) - كما يقال في بعض البلاد - ؛ بل ومع تتبع العثرات! فحسنه
أيضاً المحققان المعلقان على " موارد الظمآن " (1/ 196 - طبع المؤسسة)، وكذا
المحققان المعلقاق عليه طبع الثقافة (2/ 132)، مع أنهم جميعاً صرحوا بضعف
إسناده في التعليق على " الإحسان " (5/ 413)، وعلى" مسند أبي يعلى "
(3/ 337)!!

وأما المعلقون الثلاثة على " الترغيب " في طبعتهم الجديدة فهم لجهلهم أتبع
لي من ظلي! ولغيري أيضاً! فهم كالشاة العائرة ؛ فقد قلدوني في التحسين المشار
إليه في حديث جابر، وحديث الترجمة أيضاً! (1/ 338/580 و 353/ 612/
613).

(14/496)


@@@ 497
نعم ؛ قد صحت جملة: " ولو حبواً " في حديث لأبي هريرة في فضل صلاة
العشاء والفجر في المسجد جماعة، وفيه:
"ولو يعلمون ما فيهما ؛ لأتوهما ولو حبواً ".
متفق عليه، وهو مخرج في " الإرواء " (2/ 245 - 246).
ومما استنكرته أيضاً في حديث الترجمة قول ابن أم مكتوم:
"وقد كبرت سني، ورق عظمي "!

فإنه لم يرد له ذكر في شيء من طرق الحديث المشار إليها فيما سبق. والله
سبحانه وتعالى أعلم.

6723 - (مَنْ تَوَضَّأَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ
جَلَسَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْفَجْرَ كُتِبَتْ صَلاتُهُ يَوْمَئِذٍ فِي صَلاةِ الأَبْرَارِ،
وَكُتِبَ فِي وَفْدِ الرَّحْمَنِ).

منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8/218/ 7766) من
طريق إسماعيل بن هود: ثنا محمد بن يزيد عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن
عروة بن رويم عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، أشار المنذري (1/ 154/ 7) إلى إعلاله
بـ (القاسم) هذا - وهو: أبو عبد الرحمن صاحب أبي أمامة - ، وأفصح عن ذلك
الهيثمي ؛ فقال (2/ 41 ):
" رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه القاسم أبو عبد الرحمن، وهو مختلف في

(14/497)


@@@ 498
الاحتجاج به ".
قلت: والذي استقر عليه عمل الحفاظ المتأخرين أنه ودوق حسن الحديث ما
لم يخالف، وأشار المنذري إلى ذلك بتصديره لحديثه هذا بقوله: " وعن أبي
أمامة...". ولما كان الأمر كذلك ؛ فإني كنت اعتمدت عليهما في تحسين
الحديث، وفي إيرادي إياه في كتابي " صحيح الترغيب "، ثم لما عزمنا على متابعة
نشر بقية أجزائه، وعلى إعادة طبع الجزء الأول منه طبعة رابعة ؛ اقتضى الشعور
بضعف الإنسان، وبحقيقة قوله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً}،
ووجوب التبصر في الدين، ونبذ التقليد ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ولاسيما بعد
أن يسر الله ذلك بتيسيره لبعض الناس نشر كثير من الكتب والمصادر التي لم تكن
قد طبعت من قبل، ومن ذلك " المعجم الكبير " للطبراني وغيره ؛ ولذلك فقد
رأيت أن من الواجب علي أن أعيد النظر فيما كنت قررت من الأحكام قديماً،
وبخاصة ما كنت فيه ناقلاً عن غيري، أو تابعاً له ؛ فأنت ترى أن اقتصار المنذري
ثم الهيثمي على إعلال الحديث بالقاسم المذكور فيه غفلة أو تقصير بمن هو أولى
بالإعلال منه، ألا وهو: (إسماعيل بن هود) ؛ فقد أورده الذهبي في" المغني في
الضعفاء " وقال:
" قال الدارقطني: ليس بالقوي ". وزاد في " الميزان ":
" قال أبو حاتم: كان جهمياً ". زاد ابن أبي حاتم (1/ 157) عنه:
" فلا أحدث عنه ". قال ابن أبي حاتم:
" وانتهى أبو زرعة في " مسند ابن عمر " إلى حديث لإسماعيل بن إبراهيم
ابن هود، فقال: اضربوا عليه. ولم يقره. وسمعت أبي يقول: كان يقف في

(14/498)


@@@ 499
القرآن ؛ فلا أحدث عنه ".

وأما ابن حبان ؛ فذكره في " الثقات "، وقال (8/ 104):
" حدثنا عنه الحسن بن سفيان وغيره من شيوخنا".

قلت: وقد نفر قلبي من قول الراوي فيه: " ثم أتى المسجد فصلى الركعتين
قبل الفجر... "، لمخالفته سنة النبي صلى الله عليه وسلم العملية والقولية، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي
الركعتين في بيته، ثم يخرج فيصلي الفجر في المسجد، ورغب في ذلك أمته في
أحاديث كثيرة معروفة منها قوله صلى الله عليه وسلم:

" أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ". ومثله كثير ؛ فانظر " الترغيب "
(1/ 158 - 159 ). فاستنكرت أن يكون من فضائل الأعمال المخالف لهذه
السنة، وأن يكتب في (وفد الرحمن). والله أعلم.

6724 - (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يُسْتَقْبَلُونَ
- أَوْ: يُؤْتَوْنَ - بِنُوقٍ بِيضٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ، عَلَيْهَا رِحالٌ الذَّهَبُ، شِرْكِ نِعَالِهِمْ
نُورٌ يتلألأَ، كُلُّ خُطْوَةٍ مِنْهَا مَدَّ الْبَصَرِ، فَيَنْتَهُونَ إِلَى شَجَرَةٍ يَنْبُعُ مِنْ
أَصْلِهَا عَيْنَانِ، فَيَشْرَبُونَ مِنْ إِحْدَاهُمَا، فَتغْسِلُ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ دَنَسٍ،
وَيَغْتَسِلُونَ مِنَ الأُخْرَى، فَلا تَشْعَثُ أَبْشَارُهُمْ، وَلا أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا،
وَيَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمُ، فَيَنْتَهُونَ - أَوْ: فَيَأْتُونَ - بَابَ الْجَنَّةِ، فَإِذَا حَلْقَةٌ
مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ عَلَى صَفَائِحِ الذَّهَبِ، فَيَضْرِبُونَ بِالْحَلْقَةِ عَلَى الصَّفْحَةِ،
فَيُسْمَعُ لَهَا طَنِينٌ - يا عليُّ! - فَيَبْلُغُ كُلَّ حَوْرَاءَ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ أَقْبَلَ،
فَتَبْعَثَ قَيْمُهَا، فَيَفْتَحُ فَإِذَا رَآهُ خَرَّ لَهُ - قَالَ مَسْلَمَةٌ : أُرَاهُ قَالَ : -

(14/499)


@@@ 500
سَاجِدًا، فَيَقُولُ : ارْفَعْ رَأْسَكَ، إِنَّمَا أَنَا قَيِّمُكُ، وُكِّلْتُ بِأَمْرِكَ، فَيَتْبَعَهُ
وَيَقْفُو أَثَرَهُ، فَتَسْتَخِفُ الْحَوْرَاءَ الْعَجَلَةُ، فَتَخْرُجَ مِنْ خِيَامِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ
حَتَّى تَعْتَنِقَهُ، ثُمَّ تَقُولُ : أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّكَ، وَأَنَا الْخَالِدَةُ الَّتِي لا أَمُوتُ،
وَأَنَا النَّاعِمَةُ الَّتِي لا أَبْأسُ، وَأَنَا الرَّاضِيَةُ الَّتِي لا أَسْخَطُ، وَأَنَا الْمُقِيمَةُ
الَّتِي لا أَظْعَنُ، فَيَدْخُلَ بَيْتًا مِنْ أُسُسِهِ إِلَى سَقْفِهِ مِائَةُ أَلْفِ ذِرَاعٍ بَنَاؤهُ عَلَى
جَنْدَلٍ اللُّؤْلُؤُ، طَرَائِقُ أَصْفَرُ وَأَحْمَرُ وَأَخْضَرُ، لَيْسَ مِنْهَا طَرِيقَةٌ تُشَاكِلُ
صَاحِبَتَهَا، فِي الْبَيْتِ سَبْعُونَ سَرِيرًا، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ حَشْيَةً، عَلَى
كُلِّ حَشْيَةٍ سَبْعُونَ زَوْجَةٌ، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً، يُرَى مُخُّ سَاقِهَا
مِنْ بَاطِنِ الْحُلَلِ، فَيَقْضِي جِمَاعُهَا فِي مِقْدَارِ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيكُمْ، هَذِهِ الأَنْهَارُ
مِنْ تَحْتِهِمْ تَطَّرِدُ، أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ - قال: صاف لا كَدَر فيه -وأنهار
من لبن لم يتغير طعمه، لم يخرج من ضروع الماشية، وأنهار من خمر
لذة للشاربين، لم يعتصرها الرجال بأقدامهم ، وأنهار من عسل مصفى،
لم يخرج من بطون النحل، فيستجلي الثمار، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ قَائِمًا، وَإِنْ
شَاءَ ، قَاعِدًا، مُتَّكِئًا، ثُمَّ تَلا : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ
قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } ، فَيَشْتَهِي الطَّعَامَ، فَيَأْتِيهِ طَيْرٌ أَبْيَضُ - وربما قَالَ : أَخْضَرُ -،
فَتَرْفَعُ أَجْنِحَتَهَا، فَيَأْكُلُ مِنْ جُنُوبِهَا أَيَّ الأَلْوَانِ شَاءَ، ثُمَّ تَطِيرُ فَتَذْهَبُ،
فَيَدْخُلُ الْمَلَكُ، فَيَقُولُ : سَلامٌ عَلَيْكُمْ ، { تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ}، ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت لأهل الأرض، لأضاءت
الشمس معها سواد في نور).

باطل ؛ لوائح الوضع عليه ظاهرة.
أخرجه ابن أبي حاتم في " التفسير " من
طريق مسلمة بن جعفر البجلي: سمعت أبا معاذ البصري قال: إن علياً كان ذات

(14/500)


@@@ 501
يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ هذه الآية: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً }،
فقال: ما أظن (الوفد) إلا الراكب يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وآله
وسلم:... فذكره.

ساقه ابن كثير في " تفسيره " (3/ 37 1 - 138) قائلاً:
" وروى ابن أبي حاتم ههنا حديثاً غريباً جداً مرفوعاً عن علي، فقالت:... ".
فساق إسناده إلى (مسلمة).

قلت: وإسناده ضعيف جداً ؛ وفيه علتان:
الانقطاع بين أبي معاذ البصري ؛ فإنه لم يدرك علياً - واسمه: سليمان
ابن أرقم -، وضعفه الشديد في شخصه، قال البخاري في " التاريخ " (2/ 2/
2):
" روى عن الحسن والزهري، تركوه، كنيته أبو معاذ،. ولذا قال الذهبي في
" الكاشف ":
" متروك ". وأما الحافظ فاقتصر في " التقريب " على قوله فيه:
"ضعيف "!

ولذلك تعجب منه أخونا الفاضل (علي رضا) في تعليقه على " صفة الجنة "
لأبي نعيم (2/ 129)، وهو محق، ولكنه غفل عن الانقطاع الذي ذكرته ؛ وأعله
أيضاً بـ (مسلمة بن جعفر) ؛ فقال:
" أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4/ 1/ 267) ولم يذكر فيه

(14/501)


@@@ 502
جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول "!

قلت: لو أنه قال: (مجهول الحال)، لكان أهون، لأن الإطلاق يشعر بأنه
مجهول العين، وليس كذلك، فقد ذكر ابن أبي حاتم أنه روى عنه ستة من الرواة،
أكثرهم من الثقات المعروفين، فمثله لا يقال فيه: " مجهول" ؛ بل الأولى أن يقال
فيه: (صدوق)، ولا سيما وقد ذكره ابن حبان في " الثقات" (9/ 180)
برواية ثقتين منهم ؛ ولذلك أخذت على الذهبي في كتابي " تيسير انتقاع الخلان "
قوله فيه: " يجهل " - في " المغني " و" الميزان " -! وهو معذور ؛ لأنه لم يقف على
ما ذكرته، وغاية ما قال فيه:
"... عن حسان بن حميد عن أنس عنه في سب الناكح يده. يجهل هو
وشيخه، وقال الأزدي: ضعيف ".

هذا عذر الذهبي ؛ فما عذر مقلده ؟ وقد وقف على رواية أولئك الثقات عنه
في " الجرح "، وعلى استدراك الحافظ العسقلاني في " اللسان " توثيق ابن حبان
إياه، ولكنها الغفلة التي لا ينجو منها إنسان إلا من عصم الله، أو الحداثة المنتشرة
في هذا الزمان.

والحديث ساقه المنذري في " الترغيب " (4/ 242 - 243) من رواية ابن
أبي الدنيا في كتاب " صفة الجنة " عن الحارث - وهو: الأعور - عن علي مرفوعاً
هكذا - يعني: مطولاً -، ورواه ابن أبي الدنيا أيضاً والبيهقي وغيرهما عن عاصم بن
ضمرة عن علي موقوفاً عليه بنحوه، وهو أصح وأشهر، ولفظ ابن أبي الدنيا
قال:... " فساقه.

قلت: ومن طريق الحارث أخرجه أبو نعيم أيضاً في " صفة الجنة " (2/ 127)

(14/502)


@@@ 503
عقب رواية عاصم بن ضمرة، ولكنه لم يسق لفظه، ولا رفعه، وإنما قال:
" وذكر نحو حديث عاصم بن ضمرة ".

والحارث: ضعيف ؛ بل كذبه بعضهم. قال الذهبي في " الكاشف ":
" قال ابن المديني: كذاب. وقال الدارقطني -: ضعيف. وقال النسائي: ليس
بالقوي. وقد كذبه الشعبي. وقال أبو بكر بن عياش عن مغيرة قال: لم يكن
يصدق عن علي في الحديث إلا أصحاب عبد الله ".

قلت: فلا يحتج بحديثه سواء رفعه أو أوقفه.

وأما عاصم بن ضمرة: فهو حسن الحديث، ومع أنه أوقفه فإنما رواه عنه أبو
إسحاق - وهو: السبيعي -، وهو مدلس، ولم يصرح بالتحديث في كل الروايات عنه،
وقد أخرجها الأخ علي رضا (2/ 126)، ثم قال:
" قال الحافظ ابن حجر في " المطالب العالية " (4/ 400): هذا حديث
صحيح، وحكمه الرفع ؛ إذ لا مجال للرأي في مثل هذا. وأقره السيوطي. قلت:
مدار الطرق على أبي إسحاق - وهو: السبيعي -، وكان مدلساً، وقد عنعنه ؛ فأنى
له الصحة! ".

ولقد صدق - وفقه الله - ؛ ولذلك فلم يصب المنذري في تصديره الحديث
بقوله:
" عن. علي... " المشعر بحسنه على الأقل!

(14/503)


@@@ 504
6725 - (إنه سيصيب أمتي في آخر الزمان بلاء شديد من
سلطانهم ، لا ينجو فيه إلا رجل عرف دين الله بلسانه وقلبه ويده ، فذلك
الذي سبقت له السوابق.
ورجل عرف دين الله ، فصدق به ، فالأول عليه سابق.
ورجل عرف الله فسكت ، فإن رأى من يعمل بخير أحبه عليه ، وإن
رأى من يعمل باطلا أبغضه عليه ، فذلك الذي ينجو على إبطائه).

ضعيف.
أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1/ 81)، والبيهقي في
" شعب الإيمان " (6/ 95/ 7587) من طريق محمد بن عبيد الطنافسي: ثنا
سالم المرادي عن عمرو بن هرم الأزدي عن جابر بن زيد عن عمر بن الخطاب
مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ وله علتان:

الأولى: الانقطاع بين جابر بن زيد - وهو: أبو الشعثاء البصري - وعمر بن
الخطاب رضي الله عنه: فإنهم لم يذكروا له رواية عنه، وإنما عن ابنه عبد الله،
وعبد الله بن عباس وأمثاله، وبين وفاتيهما سبعون أو ثمانون سنة.

والأ خرى: ضعف (سالم المرادي) - وهو: ابن عبد الواحد، أو: ابن العلاء،
أبو العلاء -: قال الذهبي في" المغنى ":
" قال أبو حاتم: يكتب حديثه. وقال النسائي: ضعيف. وضعفه ابن معين
أيضاً، ووثقه ابن حبان ". وقال في " الكاشف ":
" ضُعَّف، وقد وثق ".

(14/504)


@@@ 505
كذا، ولعل الأصل: (ضعيف وقد وثق) ؛ فليحقق.
وأما الحافظ فقال:
"مقبول، ؛ أي: عند المتابعة، وإلا ؛ فلين الحديث - كما نص عليه في المقدمة -.

و (محمد بن عبيد الطنافسي) - فمع كونه من رجال الشيخين ؛ فقد -: أورده
الذهبي في " المغني " وقال:
" صدوق مشهور. قال أحمد بن حنبل: يخطئ ويُصر،.

(تنبيه): وقع الحديث في " الشعب " محرفاً في بعض جمله، وفي " الجامع
الكبير " للسيوطي مقتصرا ًعلى قوله: " فصدق به " ؛ دون ما بعده معزواً لأبي نصر
السجزي في" الإبانة " وأبي نعيم، فليصحح إذن من هنا. ووقع في " المشكاة "
(5151) كاملاً برواية البيهقي، ولم يتيسر لي يوم أن علقت عليه تخريجه وبيان
مرتبته.

6726 - (كان إذا صلى الفجر ؛ لم يقم من مجلسه حتى يمكنه الصلاة ).
منكر.
أخرجه السراج في " مسنده " (ق 107/ 1)، والطبراني في " المعجم
الأوسط " (6/ 279 - 0 28) من طريقين عن الفضل بن الموفق قال: حدثنا
مالك بن مِغول عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً. وقال الطبراني:
" لم يروه عن مالك بن مغول إلا الفضل بن موفق".
قلت: قال الذهبي في "المغني ":
" ضعفه أبو حاتم، وقال: روى موضوعات ".

(14/505)


@@@ 506
قلت: وعبارته في كتاب ابنه (3/ 2/ 68):
" ضعيف الحديث، كان شيخاً صالحاً، قرابة لابن عيينة، وكان يروي أحاديث
موضوعة".

وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (9/ 6) ؛ فكأنه لم يقف على ما أشار
إليه أبو حاتم من الأحاديث التي كشفت عن ضعفه، وهذا الحديث منها في
نقدي ؛ لأنه يخالف، ويزيد على حديث مسلم وغيره عن جابر بن سمرة قال:

"كان صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع
الشمس، فإذا طلعت الشمس ؛ قام ".

وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1171).

ولم يتنبه لما ذكرته من المخالفة المنذري ؛ فقال في " الترغيب " (1/ 165/ 7):
" رواه الطبراني في " الأوسط "، ورواته ثقات، إلا الفضل بن الموفق ؛ ففيه
كلام"!
ومثله قال الهيثمي (10/ 105)، إلا أنه قال في (الفضل):

" وثقه ابن حبان، وضعف حديثه أبو حاتم الرازي !! وهذا من تساهلهما تبعاً
لتساهل ابن حبان المعروف تساهله، مع مخالفته لأبي حاتم في جرحه الشديد إياه!
ولذلك لم يعبأ الذهبي بتوثيق ابن حبان ؛ فقال في " المغني ":

" ضعفه أبو حاتم وقال: روى موضوعات ".

قلت: فمن جهل المعلقين الثلاثة على " الترغيب " (1/ 370) قولهم:
" حسن. قال الهيثمي... ".

(14/506)


@@@ 507
(تنبيه): للحديث تتمة بلفظ:
" وقال: من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة ؛ كان بمنزلة
عمرة وحجة متقبلتين ".

ولم أستجز أن أذكرها مع الحديث حتى لا يتبادر لذهن أحد من القراء أن
حكمها حكمه ؛ وذلك لأن لها من الشواهد ما يقويها، وقد خرجت بعضها في
" الصحيحة " (3403).

ثم إنني قد استغربت جداً إغفال الحافظين المزي والعسقلاني في " تهذيبيهما "
توثيق ابن حبان للفضل بن الموفق هذا، وأغرب منه متابعة الدكتور بشار إياهما في
ذلك، وهو المتفرد اليوم بطول باعه بالاستكثار من ذكر المصادر تحت كل ترجمة،
من المطبوعات والمخطوطات، مما يساعد الباحثين على التحقيق والتدقيق في التخريج
والتعديل والتجريح.

6727 - (انَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَوَى النَّهَارُ، خَرَجَ إِلَى بَعْضِ
حِيطَانِ الْمَدِينَةِ ،وَقَدْ يُسِّرَ لَهُ فِيهَا طَهُورٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَضَاهَا،
وَإِلا تَطَهَّرَ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ قَدْرَ شِرَاكٍ، قَامَ فَصَلَّى
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَلَمْ يَتَشَهَّدْ بَيْنَهُنَّ ،وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الأَرْبَعِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي
الْمَسْجِدَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا هَذِهِ الصَّلاةُ الَّتِي تُصَلِّيهَا وَلا
نُصَلِّيهَا؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاس! منْ صَلاهُنَّ مِنْ أُمَّتِي، فَقَدْ أَحْيَا لَيْلَتَهُ،
سَاعَةً يُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، ويُستجابُ فِيهَا الدُّعَاءُ).

ضعيف جداً.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (11/ 161/ 11364)

(14/507)


@@@ 508
من طريق نافع أبي هرمز عن عطاء عن ابن عباس قال:... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، قال الهيثمي (2/ 220):

" رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه نافع أبو هرمز، وهو متروك ".

قلت: وقد صح منه صلاة الأربع بعد الزوال من حديث عبد الله بن السائب
وغيره، وهو مخرج في " الصحيحة " (3404)، وجملة:

"لم يتشهد بينهن " لها شاهد من حديث أبي أيوب الأنصاري ؛ لكن سنده
ضعيف، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1161).

6728 - (من صلى الضحى، وصام ثلاثة أيام من الشهر، ولم يترك
الوتر في سفرٍ، ولا حضرٍ ؛ كتبت له أجر شهيد).

منكر.
ذكره المنذري في " الترغيب " (1/ 206/ 4) من حديث ابن عمر
مرفوعاً. وقال:

"رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه نكارة ".
وبين علته الهيثمي ؛ فقال (2/ 241):
" وفيه أيوب بن نهيك، ضعفه أبو حاتم وغيره، ووثقه ابن حبان، وقال:
يخطئ ". كذا قال! وقال الحافظ في " المغني ":
"تركوه ".
قلت: ولم أره في " المعجم الكبير " المطبوع من مسند ابن عمر ؛ فإنه ينقص

(14/508)


@@@ 509
منه قسم لا بأس به من أحاديثه - كما يدل عليه عزو الحفاظ إليه كهذا الحديث -،
وقد رواه أبو نعيم في " الحلية " (4/ 332) من طريق يحيى بن عبد الله
البابلتي قال: ثنا أيوب بن نهيك قال: سمعت الشعبي يقول: سمعت ابن عمر
يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره. وقال:

" غريب من حديث الشعبي، تفرد به أيوب ".

قلت: والبابلتي ضعيف، ولكنه أحسن حالاً من أيوب، وقد أشار إلى هذا
الحافظ بقوله في حديث آخرله عن أيوب:
" ومن مناكيره... ويحيى ضعيف، لكنه لا يحتمل هذا".

وهو الحديث المتقدم برقم (5087)، ولهما عقبه حديث آخر.

6729 - (من قال حين يستيقظ وقد رد الله عليه روحه: لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير، وهو على كل شيء
قدير ؛ غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر).

ضعيف جداً.
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (ق 126/ 1 -
بغية الباحث): حدثنا خالد بن القاسم: ثنا ليث بن سعد عن إسحاق بن
عبد الله بن أبي فروة عن موسى بن وردان عن نابل - صاحب العباء - عن عائشة
مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ إسحاق بن أبي فروة: متروك.

وخالد بن القاسم: متهم بالوضع - كما في " المغني " -.

(14/509)


@@@ 510
6730 - (إن الله يباهي الملائكة بالعبد إذا نام وهو ساجد ؛ يقول:
انظروا إلى عبدي هذا، نفسه عندي، وجسده في طاعتي).

ضعيف.
أخرجه ابن أبي الدنيا في " التهجد " (3/ 63) من طريق زائدة:
ثنا شيخ من أهل البصرة عن أنس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات ؛ غير الشيخ البصري، فإنه لم يسم ؛
فهو مجهول.

6731 - (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في جوف الليل : [ اللهم !] نامت
العيون، وغارت النجوم، وأنت الحي القيوم، لا يواري منك ليل ساج،
ولا سماء ذات أبراج، ولا أرض ذات مهاد، ولا بحر لجي، ولا ظلمات
بعضها فوق بعض، تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، اللهم! إني
أشهد لك بما شهدت به على نفسك، وشهدت به ملائكتك وأنبياؤك
وأولو العلم، ومن لم يشهد بما شهدت به ،فاكتب شهادتي مكان
شهادته ،أنت السلام ومنك السلام ، تباركت ذا الجلال والإكرام، اللهم!
إني أسألك فكاك رقبتي من النار).

ضعيف.
أخرجه ابن أبي الدنيا في " التهجد " (3/ 67)، ومن طريقه
الديلمي في " مسنده " (1/ 102/ 2 - الغرائب الملتقطة) عن محمد بن
حميد: ثنا جرير عن محمد بن خالد الضبي عن أنس قال:... فذكره. والزيادة
من " المسند".

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات ؛ غير محمد بن حميد - وهو:

(14/510)


@@@ 511
الرازي -: حافظ ضعيف.
وروى طرفه الأول إلى قوله: " القيوم " مالك في" الموطأ " (1/ 220): أنه
بلغه أن أبا الدرداء كان... فذكره. هكذا بلاغاً ؛ بغير إسناد. ولقد حاولت أن أرى
ما قاله الحافظ ابن عبد البر في تخريجه من كتابه العظيم " التمهيد "، ولكني لم
أعثر عليه بعد مراجعته في مظانه، والاستعانة عليه بما وضعه له محققوه من
الفهارس، وهي غير دقيقة، ولا جامعة!

6732 - (من قال حين يصبح ثلاث مرات :
اللهم! لك الحمد لا إله إلا أنت ، أنت ربي ، وأنا عبدك ، آمنت بك
مخلصا لك ديني . أصبحت على عهدك ووعدك ما استطعت ، أتوب
إليك من شر - وفي لفظ: سيىء - عملي ، وأستغفرك لذنوبي التي لا
يغفرها إلا أنت.

فإن مات في ذلك اليوم دخل الجنة ، وإن قال حين يمسي ثلاث مرات :
اللهم! لك الحمد لا إله إلا أنت ، أنت ربي وأنا عبدك ، أمسيت
على عهدك ووعدك ما استطعت ، أتوب إليك من شر -وفي لفظ: سيىء -
عملي ، وأستغفرك لذنوبي التي لا يغفرها إلا أنت.

فمات في تلك الليلة دخل الجنة .
ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلف ما لا يحلف على غيره ، يقول :

(14/511)


@@@ 512
والله! ما قالها عبد في يوم حين يصبح ثلاثاً، فيموت في ذلك
اليوم إلا دخل الجنة ، وإن قالها حين يمسي فتوفي في تلك الليلة، دخل الجنة).
ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (4/ 87/ 3120)
و " الكبير " (8/ 231/ 2 0 78) و " الد عاء " (2/ 935 - 936/310):
حدثنا بكر قال: حدثنا عمرو بن هاشم قال: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور
قال: حدثني يحيى بن الحارث الذماري عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي
أمامة الباهلي مرفوعاً. وقال:

" لم يروه عن يحيى بن الحارث إلا محمد بن شعيب، تفرد به عمرو بن هاشم ".
قلت: وهو صدوق يخطئ، وقد توبع على بعضه كما يأتي، وإنما العلة من علي
ابن يزيد الألهاني، وهو ضعيف، وقال الذهبي في "المغني ":

" ضعفوه، وتركه الدارقطني ".:

ثم أخرجه الطبراني (رقم 7879) من طريق عثمان بن أبي العاتكة عن علي
ابن يزيد به مختصراً.

وعثمان هذا: قال الحافظ في " التقريب ":

" ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني ".

والحديث أشار [ إليه ] المنذري في " الترغيب " (1/ 231/ 22/ 2) ولم
يعزه إلا لـ " الكيير " و" الأوسط "، وكذلك فعل الهيثمي، إلا أنه بين السبب ؛
فقال (10/ 114):

(14/512)


@@@ 513
" وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيف ".

قلت: وروايته لهذا الحديث هكذا مطولاً مما يؤكد ضعفه ؛ فإن الحديث محفوظ
من رواية جماعة من الصحابة مختصراً ؛ منهم: شداد بن أوس - عند البخاري في
أول " كتاب الدعوات " -، وبريدة بن الحصيب - عند أبي داود وغيره -، انظر " صحيح
الترغب " (1/ 6/ 14).

ثم قال المنذري عقب الحديث:
" ورواه ابن أبي عاصم مات حديث معاذ بن جبل أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحلف
ثلاث مرات لا يستثني: أنه ما من عبد يقول هؤلاء الكلمات بعد صلاة الصبح
فيموت من يومه ؛ إلا دخل الجنة، وإن قالها حين يمسي فمات من ليلته ؛ دخل
الجنة... فذكره باختصار، إلا أنه قال: " أتوب إليك من سيئ عملي "، وهو
أقرب من قوله: " من شر عملي "، ولعله تصحيف. والله سبحانه أعلم ".

قلت: ورواية: " سيئ عملي " هي رواية الطبراني في " الكبير " وفي" الدعاء "
في حديث الترجمة، بخلاف روايته في " الأوسط " ؛ فهي باللفظ الآخر. ومع أنه
لا يصح إسناده على اللفظين ؛ فإن هذا الأخير هو الأولى بالترجيح عندي ؛ لموافقته
لحديث شداد المشار إليه آنفاً، فإنه بلفظ:

" أعوذ بك من شر ما صنعت ". فتأمل.

(تنبيه): لم أقف على إسناد ابن أبي عاصم لننظر فيه ونعطيه الحكم اللائق
به، وما أظنه إلا أنه مما لا يصح، وأما قول المعلقين الثلالة على " الترغيب " (1/
513/ 971) في تعليقهم عليه:

(14/513)


@@@ 514
"رواه الطبراني في كتاب " الدعاء " (310) ".

فهو من تخاليطهم ؛ لأن الرقم المذكور إنما هو رقم حديث الترجمة - كما تقدم -،
فهل هو وهم من أوهامهم الكثيرة، أم هو التظاهر بالبحث والتدقيق ؟! وهم من أبعد
المعلقين عنه. والله المستعان.

6733 - (قُلْ كُلَّ يَوْمٍ حِينَ تُصْبِحُ:
لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ! لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَمِنْكَ وَإِلَيْكَ.
اللَّهُمَّ! مَا قُلْتُ مِنْ قَوْلٍ، أَوْ نَذَرْتُ مِنْ نَذْرٍ، أَوْ حَلَفْتُ مِنْ حَلِفٍ،
فَمَشِيئَتُكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، مَا شِئْتَ، كَانَ، وَمَا لَمْ تَشَأْ، لَمْ يَكُنْ، وَلَا حَوْلَ وَلَا
قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
اللَّهُمَّ! وَمَا صَلَّيْتُ مِنْ صَلَاةٍ، فَعَلَى مَنْ صَلَّيْتَ، وَمَا لَعَنْتُ مِنْ لَعْنَةٍ،
فَعَلَى مَنْ لَعَنْتَ، إِنَّكَ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِمًا
وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) الحديث بطوله.

ضعيف.
أخرجه أحمد (5/ 191): ثنا أبو المغيرة: ثنا أبو بكر: ثنا ضمرة
ابن حبيب بن صهيب عن أبي الدرداء عن زيد بن ثابت:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه دعاء، وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم، قال:...
فذكره.

وأخرجه الطبراني في " الكبير " (5/ 128/4803) و " الدعاء " (2/
942/ 321)، وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (17/ 45)، وكذا الحاكم

(14/514)


@@@ 515
(1/516 - 517)، ومن طريقه البيهقي في " الدعوات الكبير " (1/ 28 - 29/
42) ؛ كلهم من طريق أبي المغيرة، غير الحاكم فمن طريق عيسى بن يونس عن
أبي بكر بن أبي مريم به ؛ إلا أن عيسى لم يذكر (أبا الدرداء) في إسناده، وكذلك
أبو المغيرة في " دعاء الطبراني "! وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله:

" قلت: أبو بكر ضعيف ؛ فأين الصحة ؟! ".

قلت: وقد توبع، لكنه مضطرب - كما تقدم -، فإن سلم منه ؛ ففيه انقطاع
- كما سأبينه - ؛ فقال الطبراني في "الكبير" (5/ 174 - 175/ 4932) و" الدعاء "
(2/ 941/ 320): حدثنا بكربن سهل: ثنا عبد الله بن صالح: حدثني
معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن زيد بن ثابت به مطولاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف منقطع، أما الضعف فلما هو معروف من الكلام في
(عبد الله بن صالح)، وهو: كاتب الليث.

وبكر بن سهل - وهو: الدمياطي -: قال الذهبي في " الميزان ":

" حمل الناس عنه، وهو مقارب الحال. قال النسائي: ضعيف ". وقال في
" المغني ":
" متوسط، ضعفه النسائي ".
واتهمه في " الميزان " بوضع قصة، وساق له حديثاً منكراً، لكن الحافظ ذكر
له في " اللسان " متابعاً، وقال:
" وقال مسلمة بن قاسم: تكلم الناس فيه، ووضعوه من أجل الحديث الذي

(14/515)


@@@ 516
حدث به (...) عن مسلمة بن مخلد رفعه: أعروا النساء يلزمن الحجال ".

قلت: من أحاديثه المنكرة التي تفرد بها - كما تقدم بيانه في المجلد السادس
برقم (2827) -.

ولما ترجمه الذهبي في " تاريخ الإسلام " (21/ 135) ؛ ذكر تضعيف
النسائي له، ولم يزد.
وجملة القول فيه: أنه ضعيف لا يحتج به ؛ لعدم وجود مخالف للنسائي، مع
العلم أن الجرح مقدم على التعديل لو وجد ؛ ولذلك فإني أقول:
لقد تساهل الحافظ المنذري بتصديره الحديث بقوله في " الترغيب " (1/
232/ 29):
" وعن ليد بن ثابت... ".
وبسكوته عن إعلاله بقوله في تخريجه:
"رواه أحمد والطبراني والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وروى ابن أبي عاصم
منه إلى قوله: (بعد القضاء) (1) ".

كما تسامح الهيثمي بقوله (10/ 173):

" رواه أحمد والطبراني.، وأحد إسنادي الطبراني رجاله وثقوا، وفي بقية
الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف ".
__________
(1) يعني. في الجملة التي تلي آخر ما ذكرت من الحديت، وهي: " اللهم! اني أسالك الرضا
بعد القضاء ". وكتاب ابن أبي عاصم ؛ لم أقف عليه، وأظنه " الدعاء " له.

(14/516)


@@@ 517
ووجه التسامح إطلاقه قوله في رجاله: " وثقوا ".. فإنه يوهم أن (بكر بن
سهل) له موثق من الحفاظ المتقدمين، كابن حبان، فإنه كثير الاستعمال لقوله
هذا فيمن وثقهم ابن حبان، وهذا لم يوثقه أحد منهم لا هو ولا غيره، ولربما عنى
هنا قول الذهبي المتقدم: " متوسط "، وقد عرفت ما فيه.

ثم إنه قد خفي عليه وعلى كل من وقفت على تخريجه لهذا الحديث الانقطاع
الذي وعدت ببيانه ؛ فأقول:

لقد توفي زيد بن ثابت سنة (48)، وتوفي ضمرة بن حبيب سنة (130) ؛
- كما جاء في " التهذيب " وغيره - ؛ فبين وفاتيهما (82) صنة، وهذا يعني أنه
ولد بعد وفاة (زيد) رضي الله عنه، أو على الأقل كان صغيراً، ومثله يقال - وأولى
- في روايته الأولى عن أبي الدرداء ؛ لأن هذا توفي في نحو سنة (35)، في
خلافة عثمان رضي الله عنه.

ومن هذا التحرير والتحقيق يتبين أنه لا وجه لتحسين الحديث مطلقاً - كما
فعل المعلق على " الدعاء " (2/ 941، 942)، والمعلق على " مختصر استدراك
الحافظ الذهبي " (1/ 428)، فضلاً عن المعلقين الثلاثة على " الترغيب
والترهيب " (1/ 516) الذين لا يحسنون حتى النقل! -.

ولا بد لي بهذه المناسبة من أن أعترف بأنني كنت قد حسنت الحديث في
" صحيح الترغيب "، تبعاً للمنذري، ثم الهيثمي الذي كنت نقلت كلامه على
نسختي من " الترغيب " ؛ لعدم وقوفي يومئذ على الإسناد الثاني للطبراني الذي
أشار إليه الهيثمي، فكان لا بد لي في هذه الحالة من الاعتماد عليهما، إعمالاً
مني للقاعدة التي كنت وضعتها في الحكم على الأحاديث (ص رقم 35)،

(14/517)


@@@ 518
وخلاصتها: الاعتماد على المنذري في التصحيح والتضعيف، حينما لا تطول يدي
المصدر الذي عزا الحديث إليه. ومن هنا يظهر الفرق بيني وبين من حسَّن الحديث
وقد وقف على إسناديه!! والحمد دته على توفيقه وأسأله المزيد من فضله.

6734 - (من صلى بسورةِ { الدخان } ليلة ؛ بات يستغفر له
سبعون ألف ملك حتى يصبح).

موضوع.
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (5/ 65)، وأبو القاسم ا
لأصبهاني في " الترغيب " (2/ 788/ 925 1) من طريق عمر بن عبد الله بن
أبي خثعم: ثنا يحيى بن أبي كثيرعن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع ؛ آفته (ابن أبي خثعم) هذا: قال البخاري:

" ضعيف الحديث، ذاهب الحديث"، وضعفه جداً. وقال ابن حبان (2/
83):

" كان ممن يروي الموضوعات عن ثقات أئمة، لا يحل ذكره في الكتب إلا على
سبيل القدح فيه، ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب ".

ومن طريقه أخرجه الترمذي في " سننه " (2890)، وابن نصر في " قيام
الليل " (ص 69)، والبيهقي في " الشعب " (2/ 484/ 2475) - مختصراً -،
وكذا ابن الجوزي في " الموضوعات " (1/ 248) وذكر كلام ابن حبان المتقدم.
وقال الترمذي:
" حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وعمر بن أبي خثعم يضعف،
قال محمد (هو: الإمام البخاري): وهو منكر الحديث". وكذا قال البيهقي.

(14/518)


@@@ 519
وروي من حديث أُبي بن كعب، وفيه متهم بالوضع، وغيره، وقد تقدم برقم
(4632).

(تنبيه): عزا حديث ابن أبي خثعم السيوطي في " اللالي المصنوعة " (1/
235) لابن نصر في كتاب " الصلاة "، وهو وهم ؛ فإنه لم يخرجه فيه - وقد طبع
والحمد لله -، وإنما في " قيام الليل " - كما تقدم -.

وأشار المنذري إلى ضعفه في " الترغيب " (1/ 261/ 3)، وذكره من رواية
الترمذي بلفظيه، ومن رواية الأصبهاني بلفظه، وقال المعلقون الثلاثة عليه في
تخريج هذا (1/577 -578):

"... والأصبهاني في " الترغيب والترهيب " (918)، وقال الهيثمي في
" مجمع الزوائد " (2/ 168): رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه فضال بن
جبير، وهو ضعيف جداً ".

فأقول: هذا من تخليطاتهم الكثيرة التي لا تحصى ؛ فإن التخريج المذكور
وبالأرقام المذكورة، إنما هو لحديث آخر عندهما عن فضال بن جبير عن أبي أمامة
مرفوعاً نحوه بلفظ:
"... بنى الله له بها بيتاً في الجنة "!

وهومما تقدم تخريجه برقم (5112).

6735 - (أرْبَعٌ فَرَضَهُنَّ اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ فَمَنْ جَاءَ بِثَلَاثٍ لَمْ يُغْنِينَ عَنْهُ
شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِنَّ جَمِيعًا الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ).

ضعيف.
أخرجه أحمد في" المسند ". (4/ 200 - 201): ثنا قتيبة بن

(14/519)


@@@ 520
سعيد قال: ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق عن المغيرة بن
أبي بردة عن زياد بن نعيم الحضرمي مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، لكنه مرسل ؛ زياد بن نعيم الحضرمي:
تابعي، وقد روي عنه مسنداً، فقد قال المنذري فى " الترغيب " (1/ 269) وقد
ذكره من حديث عمارة بن حزم رضي الله عنه:

" رواه أحمد، وفي إسناده ابن لهيعة، ورواه أيضاً عن نعيم بن زياد الحضرمي
مرسلاً".

وكذلك ذكره الهيثمي في " المجمع " وقال (1/ 47):

" رواه أحمد، والطبراني في " الكبير "، وفي إسناده ابن لهيعة".

ولم أره في " مسند أحمد " المطبوع إلا مرسلاً - كما ذكرت - ؛ بل ليست لعمارة
ابن حزم فيه أي حديث آخر، ولا أورده الحافظ ابن كثير في " جامع المسانيد " (4/
389) إلا عن زياد بن نعيم الحضرمي مرسلاً، وتبعه السيوطي في " الدر المنثور "
(1/ 298)، ومن قبله الحافظ ابن حجر في " أطراف المسندة " وقال (2/ 365/
2398):

"هكذا وقع في بعض النسخ، وعليه مشى ابن عساكر، ووقع في بعضها: عن
عمارة بن حزم ".

ثم لم يذكره في (مسند عمارة بن حزم) (5/ 13 - 14).
وكذلك فعل ابن كثير (9/ 315 - 316)، وإنما ذكرا له حديثين آخرين

(14/520)


@@@ 521
أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم: " لاتؤذ صاحب القبر "، وتقدم تخريجه - وبيان أنه ليس في
" المسند " المطبوع - في المجلد السادس من " الصحيحة " رقم (2960). غير أن
ابن كثير ساق عقبهما حديث الترجمة من رواية أبي نعيم: حدثنا سليمان بن
أحمد: حدثنا أبو يزيد القراطيسي: حدثنا أسد بن موسى: حدثنا ابن لهيعة به
نحوه.

وأبو نعيم هو: الأصبهاني، أخرجه في كتابه " معرفة الصحابة " (2/ 102/
2)، وسليمان بن أحمد هو: الطبراني، وقد تقدم في كلام الهيثمي أنه رواه في
"المعجم الكبير "، وليس في المطبوع منه مسند عمارة بن حزم هذا، ومن المعلوم أن
في المطبوع خرماً كبيراً.

ثم إن (أبو يزيد القراطيسي) - شيخ الطبراني، اسمه: (يوسف بن يزيد)
وهوى: ثقة. وشيخه (أسد بن موسى) - هو المعروف بـ (أسد السنة)، وهو: -
صدوق ؛ فعلة الحديث المسند ابن لهيعة ؛ لسوء حفظه، وغرابة متنه. والله
أعلم.

ثم رأيت السيوطي قد أورد الحديث في " الجامع الكبير " (1/ 91 - المصورة)
من رواية أحمد والطبراني في " الكبير " عن (عمارة بن حم) وحُسَّن، وأحمد
والبغوي عن قلاد بن نعيم الحضرمي!

(تنبيه): انقلب اسم الحضرمي هذا على المنذري ؛ فوقع في كتابه: (نعيم
ابن زيادالحضرمي) - كما تقدم - ؛ فلعله من بعض النساخ، ولم يتنبه له المعلقون
الثلاثة على " الترغيب " (1/ 596)، رغم أنهم عزوه - كعادتهم في النقل
الأعمى - إلى أحمد والهيثمي بالرقم، وهو فيهما على الصواب.

(14/521)


@@@ 522
6736 - ( لا يكون الدينار على الدينار، ولا الدرهم على الدرهم،
ولكن يوسع جلده {فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ...} الآية).

موضوع.
أخرجه أبو يعلى في " مسنده الكبير " - كما في " المطالب العالية
المسندة " (2/ 41/ 2) - قال: حدثنا محمود بن خداش: ثنا سيف بن محمد
عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال الحافظ:
"هذا ضعيف جداً ؛ لضعف سيف ".

قلت: هو سيئ الحال جداً ؛ قال الحافظ في " التقريب ":
"كذبوه". وقال الذهبي في " الكاشف ":

" كذاب، والعجب من الترمذي... يحسن له ". وقال في " المغني ":

" قال أحمد: كذاب يضع الحديث ". وقال ابن حبان في" الضعفاء " (1/
346):

" كان شيخاً صالحاً متعبداً، إلا أنه يأتي عن المشاهير بالمناكير، كان ممن يُدخل
عليه فيجيب، إذا سمع المرء حديثه ؛ يشهد عليه بالوضع ".

والحديث أورده ابن كثير في تفسير الآية المذكورة من رواية ابن مسعود موقوفاً
عليه، وقال (2/ 352):

" وقد رواه ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعاً، ولا يصح رفعه ".

قلت: وأثر ابن مسعود المشار إليه أخرجه ابن جرير في" التفسير " (10/ 87)،
وابن أبي حاتم أيضاً (4/ 43/ 1)، والطبراني (9/ 64 1/ 8754) من طريق

(14/522)


@@@ 523
الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عنه.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وعبد الله بن مرة - هذا، هو:
الهمداني الخارفي، وهو -: ثقة من رجال الشيخين، وقع في " تفسير ابن كثير ":
(عبد الله بن عمرو بن مرة) - وهو: المرادي الجملي -، وهو أدنى من الأول طبقة
وثقة، ومن الظاهر أن قوله: " عمرو بن " زيادة مقحمة من النساخ.

وعزاه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3/ 65) بلفظ:
" لا يكون رجل يكنز فيمس درهم درهماً، ولا دينار ديناراً، يوسع جلده حتى
يوضع كل دينار ودرهم على حدته ". وقال:
" رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". وكذا في مكان أخر ؛ إلا أنه
قال (7/30):
" لا يكوى... ". وقال:
"... ورجاله رجال الصحيح ". وقال المنذري في" الترغيب " (1/ 271/
20):
" رواه الطبراني موقوفاً بإسناد صحيح ".

وأما المعلقون الثلاثة عليه فتوسطوا - كغالب عادتهم أمام مثل هذا النص الذي
يحتمل الصواب والخطأ، ولا علم عندهم يساعدهم على الترجيح - ؛ فقالوا (1/
600):
" حسن، قال الهيثمي... "!

(14/523)


@@@ 524
ثم رأيته في " المعجم الكبير " (9/ 64 1/ 8754) من طريق زائدة عن
الأعمش به، لكن بلفظ الهيثمي الآخر ؛ فصدق قوله:
"ورجاله ثقات " و " رجاله رجال الصحيح "، وقول المنذري: (بإسناد صحيح "،
وكذب المعلقون في قولهم: " حسن "!

6737 - (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحْرَاءِ فَإِذَا مُنَادٍيا يُنَادِيهِ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ! فَالْتَفَتَ فَلَمْ يَرَ أَحَدًا، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا ظَبْيَةٌ مُوَثَّقَةٌ، فَقَالَتْ:
ادْنُ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَدَنَا مِنْهَا، فَقَالَ:
حَاجَتَكِ؟ قَالَتْ:إِنَّ لِي خَشَفَيْنِ فِي ذَلِكَ الْجَبَلِ فَحُلَّنِي حَتَّى
أَذْهَبَ، فَأُرْضِعَهُمَا، ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَيْكَ، قَالَ:
وَتَفْعَلِينَ؟ قَالَتْ: عَذَّبَنِي اللَّهُ بِعَذَابِ الْعِشَارِ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ، فَأَطْلَقَهَا
فَذَهَبَتْ، فَأَرْضَعَتْ خَشَفَيْهَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَأَوْثَقَهَا وَانْتَبَهَ الأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ:
لَكَ حَاجَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
نَعَمْ، تُطْلِقُ هَذِهِ، فَأَطْلَقَهَا، فَخَرَجَتْ تَعْدُو، وَهِيَ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا
إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في" المعجم الكبير " (23/ 331 - 332/ 763)،
وأبو نعيم - كما في " البداية " (6/ 47 1 - 48 1) - من طريق حَبان بن أغلب بن
تميم المسعودي عن أبيه عن هشام بن حسان عن الحسن عن ضبة بن محصن عن
أم سلمة قالت:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ أغلب بن تميم: قال البخاري وغيره:

(14/524)


@@@ 525
" منكر الحديث ".
وابنه حَبان: وهاه أبو حفص الفلاس، وقال أبو حاتم:
"ضعيف الحديث " - كما في " الميزان " -، وذكر له في " اللسان " هذا
الحديث، مشيراً إلى نكارته.

وأخرجه أبو نعيم في " دلائل النبوة " (ص 320)، والبيهقي في " الدلائل "
أيضاً (6/ 34 - 35) من طريق يعلى بن إبراهيم الغزال: حدثنا الهيثم بن
حماد عن أبي كثير عن زيد بن أرقم قال:

كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة، فمررنا بخباء أعرابي، فإذا ظبية
مشدودة إلى الخباء، فقالت: يا رسول الله! إن هذا الأعرابي اصطادني، ولي
خشفان في البرية... الحديث بتمامه نحوه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ قال الذهبي في ترجمة الهيثم بن حماد هذا
من " الميزان ":
" لا يعرف ؛ لا هو، ولا شيخه، روى عنه يعلى الغزال، والظاهر أنه الهيثم بن
جماز الذي تقدم ".

قلت: وابن جماز هذا: متروك.
وقال الذهبي في ترجمة (يعلى) المذكور:
" لا أعرفه، له خبر باطل، عن شيخ واه...". ثم ساق هذا الحديث.
وقد رويت القصة من طرق أخرى، لا يصح منها شيء، وفي بعضها ما ليس

(14/525)


@@@ 526
في الأخرى، ومنها الآتي:

6738 - ( لو علمت البهائم من الموت ما تعلمون ؛ ما أكلتم منها
سميناً أبداً).

ضعيف.
أخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " (6/ 34) من طريق أبي
العلاء خالد بن طهمان عن عطية عن أبي سعيدقال:
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظبية مربوطة إلى خباء، فقالت: يا رسول الله! حلّني حتى
أذهب فأرضع خشفي، ثم أرجع فتربطني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" صيد قوم وربيطة قوم ". قال: فأخذ عليها، فحلفت له، فحلها، فما مكثت
إلا قليلاً حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها، فربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتى
خباة أصحابها، فاستوهبها منهم، فوهبوها له، فحلها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:...
فذ كره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ وفيه علتان:

الأولى: ضعف عطية العوفي وتدليسه الذي تفرد به في روايته عن أبي سعيد
دون سائر المدلسين، وهو معروف. انظر بيان ذلك في مقدمة المجلد الأول من
" الضعيفة " في الرد على الشيخ الأنصاري، طبعة المعارف.

والأخرى: اختلاط خالد بن طهمان، قال الحافظ في " التقريب ":

" صدوق اختلط ". ولذلك أشار البيهقي إلى تضعيفه بقوله عقبه:
"وروي من وجه آخر ضعيف ".

(14/526)


@@@ 527
يشير إلى حديث زيد بن أرقم المخرج تحت الحديث السابق.

6739 - (1 - مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ قَطُّ.
2 - وَمَا مَدَّ عَبْدٌ يَدَهُ بِصَدَقَةٍ إِلا أُلْقِيَتْ بِيَدِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ
السَّائِلِ.
3 - وَلا فَتْحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ لَهُ عَنْهَا غِنًى إِلا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ).

منكر بذكر الفقرة (2).
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (11/ 405/
12150): حدثنا محمد بن أبان الأصبهاني: ثنا الحسين بن محمد بن شيبة
الواسطي: ثنا يزيد بن هارون: أنا شريك عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن
عباس رفعه قال:... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ لضعف (شريك) - وهو: ابن عبد الله القاضي -،
وشيخه (يزيد بن أبي زياد)، وتغافل عنهما الهيثمي ؛ فقال في " المجمع " (3/
110):
" رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه من لم أعرفه "!
وليس فيه من لا يعرف! إلا أن يعني (الحسين بن محمد بن شيبة الواسطي) ؛
فإنه غير مترجم في كتب الجرح والتعديل المعروفة ؛ كما جاء هنا: (ابن شيبة)،
وهو من شيوخ (بحشل) في كتابه " تاريخ واسط " وكناه بـ (أبي - عبد الله)
(ص 232 - 233)، وساق له حديثاً معروفاً صحيحاً في مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين
سلمان وأبي الدرداء، وقوله له: " إن عليك لربك حقاً... ! الحديث.

(14/527)


@@@ 528
لكن يبدو أنه خفي عليه أن (شيبة) سلك فيه بعض النساخ [ غير ] الجادة،
وأنه محرف (شنَبَة) ؛ فإنه هكذا جاء في " تهذيب المزي " فقال:

" الحسين بن محمد بن ثتنبة الواسطي أبو عبد الله البزار ....".
وذكرأنه روى عن جمع، منهم (يزيد بن هارون) شيخه هنا، وعنه جماعة،
منهم ابن ماجه وبحشل الواسطي، وقال:

" قال أبو حاتم: صدوق ".

قلت: وهو في " الجرح والتعديل " (1/ 3/ 65) - كما في " التهذيب " -،
وعلق عليه محققه العلامة اليماني بقوله:
" ضبطه أصحاب المشتبه وغيرهم ؛ (يعني: بفتح المعجمة والنون)، ووقع في
الأصلين: "شيبة". وقد قال فيه ابن أبي حاتم:
" كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (8/
188) وقال:
" حدثنا عنه شيوخنا ".

إذا عرفت هذا ؛ فالذي يتحرر عندي أن الهيثمي وقع له هذا الاسم محرفاً في
نسخته من " كبير " الطبراني - كما هو في مطبوعته - ؛ فلم يعرفه، أو أنه غفل
عنه، ولم ينشط للبحث عنه، وهو الذي يترجح عندي. والله سبحانه وتعالى
أعلم.

وأما شيخ الطبراني (محمد بن أبان الأصبهاني) فهو من شيوخه المعروفين
الثقات، توفي سنة (292).

(14/528)


@@@ 529
ومن فوقه من رجال الإسناد المترجمين في " التهذيب " بالثقة والضبط حاشا
الاثنين المذكورين، فإنهما مذكوران فيه بالضعف ؛ فهما العلة - كما تقدم -. والله
ولي التوفيق.

هذا ؛ وانما خرجت الحديث في هذه " السلسلة "، من أجل الفقرة الثانية منه ؛
فإني لم أجد لها شاهداً، وكأنه لذلك أشار المنذري في " الترغيب " (2/ 20/ 6)
إلى تضعيفه، بخلاف الفقرة الأولى منه ؛ فلها شاهد عن غير ما واحد من
الصحابة، منهم أبو هريرة في " صحيح مسلم " وغيره، وهو مخرج في " الارواء "
(7/ 259/2200)، و " الصحيحة " (2328).

وكذلك الفقرة الثالثة لها شواهد من حديث عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن
ابن عوف وغيرهما، يقوي بعضها بعضاً، وهي في كتابي " صحيح الترغيب " (8 -
الصدقات/ 4 - الترهيب من المسألة...). ومن حديث أبي هريرة، وهو مخرج
في " الصحيحة " (2543).

ونحوه حديث ابن مسعود، وهو مخرج في " الصحيحة " (2787)، و " صحيح
أبي داود " (1452).

6740 - (تدرون ما الصعلوك ؟ قال: قلنا: الرجل الذي لا مال له.
قال: إن الصعلوك كل الصعلوك الرجل له المال لم يقدم منه شيئاً).

منكر.
أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (3/210/3341) من طريق
عبد الملك بن محمد: نا وهب بن جرير: نا شعبة عن يزيد بن خصيفة عن
المغيرة بن عبد الله الجعفي قال:

(14/529)


@@@ 530
جلسنا إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: خصفة - أو: ابن خصفة -،
فجعل ينظر إلى رجل سمين، فقلت له: ما تنظر إليه ؛ فقال: ذكرت حديثاً
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ سمعته يقول:

" هل تدرون ما الشديد ؟ ". قلت: الرجل يصرع الرجل. قال:
"إن الشديد كل الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. تدرون ما الرقوب ؟ !.
قلنا: الرجل لا يولد له. قال:
" إن الرقوب الرجل له الولد، لم يقدم منهم شيئاً ". قال:... فذكر الحديث.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم ؛ فيه علل:
الأولى: خَصفة أو ابن خَصَفة: كذا وقع في هذه الرواية، وفي رواية أحمد
التي سأذكرها: (ابن حصبة)، أو: (أبي حصبة)، وهنا وجه ثالث من الخلاف
تراه في " الإصابة "، وقد قال في ضبط (خصفة):

" بفتح المعجمة، ثم المهملة ".

فلا غرابة مع هذا أن لا يكون من المعروفين بالصحبة، ولما ذكروه في تراجم
الصحابة ؛ قالوا فيه:
"مجهول ".

كما قال ابن الأثير في " أسد الغابة " (2/ 614/ 1459) ؛ تبعاً لأبي نعيم
- كما سيأتي -، وتبعهما الذهبي في " التجريد " (1/ 165/ 1659) والحسيني -
كما في " التعجيل " (476/ 257 1) -، فلعله لذلك لم يورده ابن حبان في الصحابة

(14/530)


@@@ 531
من كتابه " الثقات "، وكذا ابن عبد البر في " الاستيعاب في أسماء
الأصحاب ".
على أن رواية أحمد المشار إليها، تشير إلى أنه تابعي - كما يأتي بيانه إن شاء
الله تعالى -.

الثانية: المغيرة بن عبد الله الجعفي: لم أجد له ترجمة فيما عندي من
المصادر، وقد سمي في غير هذه الرواية بـ : (عروة بن عبد الله الحنفي) - كما
يأتي -، وهي أصح.

الثالثة: عبد الملك بن محمد - وهو: الرقاشي -: قال الذهبي في " المغني ":
" قال الدارقطني: كثير الوهم، لا يحتج به ".

ومن طريقه أخرج منه أبو نعيم في " معرفة الصحابة " حديث الترجمة فقط،
في ترجمة (خصيفة)، وقال فيه:
" مجهول " - كما تقدمت الإشارة إلى ذلك -.

وقد خولف الرقاشي في إسناده: فقال أحمد (5/ 367): ثنا محمد بن
جعفر: ثنا شعبة قال: سمعت عروة بن عبد الله الحنفي يحدث عن ابن حصبة
- أو: أبي حصبة - عن رجل شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال:
" أتدرون ما الرقوب ؟... " الحديث نحوه ؛ بتقديم وتأخير.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، رجال الشيخين ؛ غير عروة بن عبد الله
الحنفي، وهو ثقة مترجم في " التهذيب "، وغير (أبي حصبة) - أو: ابن حصبة -،

(14/531)


@@@ 532
وهو مجهول - كما قال الحسيني - ؛ فهو علة الحديث، وهذا يرجح أنه ليس
بصحابي ؛ لأن السند إليه صحيح، وقد رواه هو عن صحابي شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
بخلاف رواية الرقاشي ؛ فقد جعله صحابياً، وخالف في اسمه - كما تقدم -. والله
سبحانه وتعالى أعلم.

ثم إن جملة الشديد والرقوب لها شاهد من حديث عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه عند مسلم وغيره، وهو مخرج في " الصحيحة " برقم (3406)، كما
يشهد لها حديث أبي هريرة في " الصحيحين ".

والحديث قال المنذري في " الترغيب " (2/ 29/ 46):

"رواه البيهقي، وينظر في سنده".

فأقول: قد نظرت في سنده، وكشفت لك عن علته التي دندن حولها الحافظ
الناجي في " عجالته " (ق 127/ 1 - 2) ولم يشفِ ؛ لأنه لا يخرج القارئ من
كلامه - مع توسعه فيه - بخلاصة واضحة. ولعل ذلك من أسباب تحسين المعلقين
الثلاثة للحديث! مع أنهم نقلو! (1/ 677) قول الحسيني في أبي حصنة (!) أو
ابن حصنة (كذا في الموضعين!): " مجهول "!

حسنوه هنا، وفي آخره حديث الترجمة المنكر، وفي مكان آخر ذكره المنذري
برواية أحمد مقتصراً على جملة (الشديد) بلفظ آخر، وبألفاظ زائدة على رواية
البيهقي التي حسنوها، بل وعلى الشاهد الصحيح المشار إليه آنفاً، ومع ذلك قالوا
(3/ 441):
" حسن بشاهده المتقدم"! ولو عكس ؛ لكان أقرب إلى الصواب، وليس بصواب.

(14/532)


@@@ 533
6741 - (1 - مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ وَقَاهُ اللَّهُ مِنْ قيْحِ جَهَنَّمَ.
2 - أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ (ثَلَاثًا).
3 - أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِشهْوَةٍ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُقِيَ الْفِتَنَ.
4 - وَمَا مِنْ جَرْعَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا عَبْدٌ ، مَا
كَظَمَهَا عَبْدٌ لِلَّهِ إِلَّا مَلَأَ اللَّهُ جَوْفَهُ إِيمَانًا).

ضعيف جداً.
أخرجه أحمد (1/ 327) قال: ثنا عبد الله بن يزيد: ثنا
نوح بن جَعونة السُلمى - خراساني - عن مقاتل بن حيان عن عطاء عن ابن
عباس قال:

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، وهو يقول بيده هكذا - فأومأ أبو عبد الرحمن
بيده إلى الأرض -: " من أنظر... " الحديث.

وأخرج هذا الشطر الأول منه ابن أبي الدنيا في " الفرج بعد الشدة " (96/
103) وفي " اصطناع المعروف " (ق 35/ 1) من طريق آخر عن عبد الله بن
يزيد - وهو: أبو عبد الرحمن المقرئ - بإسناده المذكور.

ورواه القضاعي في " مسند الشهاب " (2/ 199 - 0 20/ 180 1) من طريق
ثالث عن أبي عبد الرحمن المقرىء بتمامه.

قلت: وهذا إسناد واه جداً ؛ آفته نوح بن جعونة، ولم يعرفه أبو حاتم، ولا
ابنه ؛ فأورده في " الجرح والتعديل " (4/ 1/ 485) بهذه الرواية شيخاً وتلميذاً،
وبيض له ؛ فلم يذكر فيه جرحاً، ولا تعديلاً. وأورده الذهبي في " الميزان " وقال:

(14/533)


@@@ 534
" أجوز أن يكون (نوح بن أبي مريم)، أتى بخبر منكر ؛ ففي " مسند
القضاعي "... (فساق طرفاً من الحديث، وقال:) وذكر الحديث بطوله ؛ فالآفة
نوح ". وعقب عليه الحافظ بقوله في " اللسان ":

" والحديث بطوله أخرجه إسحاق في " مسنده " عن (المقرئ)، وأخرج
أحمد عن (المقرئ) - الأصل في الموضعين: المقبري - بعضه (1)، ونقل الحسيني
في " رجال المسند " أن الذهبي جزم بأن (نوح بن جعونة) هو: (نوح بن أبي مريم) ؛
فكأنه جزم بذلك في غير " الميزان "، وأما فيه ؛ فإنه متردد. قال الحسيني:

وقد ذكره ابن حبان في" الثقات " ؛ فقال: وقيل: أبو نوح بن جعونة. مات
سنة ثلاث وخمسين (2). قال الحسيني: فتبين أنه غير ابن أبي مريم ؛ لأن ابن أبي
مريم مات سنة ثلاث وسبعين ".

قلت: وليس ما قاله الحسيني بحجة ؛ لأن عبارة ابن حبان: "نوح بن ربيع..."
فذكر كلامه ثم قال: " وقد قيل: أبو نوح بن جعونة..." إلخ ما قاله الحسيني ؛
فهذا - كما ترى و - لم يعرج ابن حبان على (نوح بن جعونة)، وأنا أظن أن
قوله: (أبو) تصحيف... وإنما هي: (إنه). وأما اعتماد الحسيني في التفرقة
على اختلاف الوفاة فليس بمعتمد ؛ لأن كثيراً من الرواة قد اختلف في سنة
وفاتهم، فلا يستلزم التغاير. والله أعلم.

وهو: (نوح بن أبي مريم) بعينه ؛ فإن اسم أبي مريم: (يزيد بن جعونة)..
__________
(1) كذا قال! وهو خطأ في دوج ؛ فإق أحمد ساقه بتمامه بفقراته الأربعة، بينما القضاعي لم
يسق منه إلا بعض الفقرة الأولى، والفقرة الثانية والثالثة إلى قوله: " سهل بشهوة!... الحديث بطوله".
(2) زاد في " التعجيل ": " ومئتين " وهو خطأ.. والصواب: " ومئة".

(14/534)


@@@ 535
جزم بذلك ابن حبان (1)، وترجمته مستوفاة في " التهذيب "، وقد أجمعوا على
تكذيبه. وقد سبق المؤلف إلى [ عدم ] التفريق بينهما الأزدي ؛ لكن قال: (نوح
ابن يزيد بن جعونة) فقال: هو أبو عصمة المتقدم ".

قلت: هذا كله كلام الحافظ، وهو قوي متين، وأما قول الشيخ أحمد شاكر:
" وهذا التجويز من الذهبي بعيد ؛ فإن نوح بن جعونة خراساني - كما نص
عليه هنا في " المسند " - لا حجازي - كما في " التعجيل " -، ونوح بن أبي مريم
مروزي، وأيهما كان ؛ فهو ضعيف. مقاتل بن حيان النبطي البلخي: ثقة، وثقه
ابن معين و... ".

قلت: ما في " المسند " أنه خراساني لا ينافي أنه (نوح بن أبي مريم) ؛ لأن
هذا مروزي اتفاقاً، وهي نسبة إلى (مرو).. بلد في خراسان، ولا ينافي ذلك أن
يكون حجازياً - إن صح ما في " التعجيل " - ؛ لأنه يمكن أن يكون أقام في الحجاز
مدة، فنسب إليه - كما هو معروف في كثير من الرواة، غيرهم - ؛ فأنا مثلاً ألباني، سوري، ثم أردني.

وإنما قلت آنفاً: " إن صح ما في التعجيل " ؛ لأني أظن أن قوله فيه: (حجازي)..
تحريف: (خراساني) ؛ وذلك لأن الحسيني إنما ترجم لـ (نوح من جعونة) ؛ لأنه
من رجال " المسند "، ولم ينسب فيه حجازياً، وإنما خراسانياً - كما تقدم في
إسناده -. هذ ا أولاً.

وثانياً: هو إنما ترجمه بما في هذا الإسناد: أنه روى عن مقاتل بن حيان، وعنه
عبد الله بن يزيد المقرئ، وانما فيه أنه سلمي خراساني.
__________
(1) في" الضعفاء " (3/ 48).

(14/535)


@@@ 536
وإن مما يؤيد ما ذهب إليه الحافظ الذهبي أمرين:
أحدهما: أنهم ذكروا (مقاتل بن حيان) في شيوخ (نوح بن أبي مريم)
أيضاً.
والآخر: قول الإمام البخاري:
" نوح بن يزيد بن جعونة، يقال: إنه نوح بن أبي مريم أبو عصمة المروزي،
قاضي مرو، عن مقاتل بن حيان، منكر الحديث ". وقول النسائي:

" أبو عصمة نوح بن جعونة، وقيل: نوح بن يزيد بن جعونة، وهو: نوح بن
أبي مريم قاضي مرو، ليس بثقة ولا مأمون، روى عنه المقرئ".

والخلاصة: أن قول الحسيني وأحمد شاكر مرجوح، وقول الذهبي هو الراجح،
والأرجح قول الحافظ أنه عين (نوح بن أبي مريم).

وعليه يكون إسناد الحديث واهياً جداً. فمن أوهام بعضى الحفاظ قول الهيثمي
في " المجمع " (4/ 33 1 - 34 1):

" رواه أحمد، وفيه عبد الله بن جعونة (كذا) السلمي، ولم أجد من
ترجمه، وبقية رجاله رجال الصحيح"!

فهذا في جانب، وقول المنذري في " الترغيب " في جانب آخر ؛ فإنه قال (2/
37/ 13):

"رواه أحمد بإسناد جيد")!! وأما المعلقون عليه فقالوا (1/ 693):
" وفي إسناده نوح بن جعونة، ومقاتل بن حيان: ضعيفان. وانظر في " المسند "

(14/536)


@@@ 537
بشرح الشيخ أحمد شاكر برقم (3017) "!!

وهذا من الأدلة الكثيرة على جهلهم بتراجم الرجال، ومنازلهم في الرواية
حيث ضعفوا مقاتل بن حيان - وهو ثقة من رجال مسلم -، وقرنوه مع نوح بن
جعونة، وهو متهم على الراجح، أو مجهول على المرجوح ؛ بل إنهم أوهموا القراء
بأنه قول العلامة أحمد شاكر بإحالتهم القراء على شرحه لـ " المسند "، وهو فيه قد
وثقه - كما تقدم -، ورد على من خلطه بـ (مقاتل بن سليمان) المتهم! والله
المستعان.

6742 - (يا بلال! الق الله فقيرا ولا تلقه - وفي طريق: مُت فقيراً،
ولا تمت - غنياً. قال : قلت : وكيف لي بذلك يا رسول الله ؟ قال : إذا
رزقت، فلا تخبأ ، وإذا سئلت فلا تمنع . قال : قلت : وكيف لي بذلك يا
رسول الله ؟ قال : هو ذاك وإلا فالنار).

ضعيف.
أخرجه الحاكم (4/ 316) - والسياق له -، وابن السني في
" القناعة " (79 - 80)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (0 1/ 465 - فكر)
من طرق عن محمد بن يزيد بن سنان [ الرهاوي ] عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن أبي
سعيد الخدري عن بلال رضي الله عنهما مرفوعاً. وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله:
"قلت: واهٍ ".

قلت: وذلك ؛ لأن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي، ليس بالقوي - كما قال
الحافظ في " التقريب " -.

(14/537)


@@@ 538
وأبوه يزيد بن سنان: ضعيف.

وروي عنه على وجه آخر: فقال عمران بن أبان: ثنا طلحة بن زيد عن يزيد
ابن سنان عن أبي المبارك عن أبي سعيد الخدري عن بلال رضي الله عنهما به ؛
إلا أنه قال:
"... مت فقيراً، ولا تمت غنياً ".

قلت: وهذا اسناد واه بمرة ؛ مسلسل بالعلل:

الأولى: أبو المبارك: لا يعرف ؛ كما قال الذهبي في " المغني "، وأما ابن
حبان فذكره في " الثقات " (7/ 666) على قاعدته في توثيق المجهولين، ولا
سيما وهذا لا يعرف الا بيزيد بن سنان هذا الضعيف، حتى عند ابن حبان ؛ فقد
أورده في " ضعفائه " وقال (3/ 106):

" كان سيئ الحفظ، كثير الوهم، ممن يرفع المراسيل ولا يعلم، ويسند الموقوف
ولا يفهم، فلما كثر ذلك منه في حديثه ؛ صار ساقط الاحتجاج به اذا انفرد".
وهو القائل في ترجمة أحد " ضعفائه " (1/ 327 - 328) (1):

" والشيخ اذا لم يرو عنه ثقة ؛ فهو مجهول، لا يجوز الاحتجاج به... " (!).

وقد أخل بهذا الشرط كثيراً في" ثقاته "، في عشرات المترجمين عنده وهذا
منهم، وهذه فائدة مهمة قل من يعرفها ؛ فتنبه لها! لتكون على بينة بخطأ بعض
الناشئين الذين يعتدون بتوثيق ابن حبان، ويتطاولون على الحفاظ الذين نسبوه إلى
__________
(1) انظر " سلسلة الأحاديث الضعيفة " رقم (504).

(14/538)


@@@ 539
التساهل، مثل: الذهبي والعسقلاني وغيرهما.

الثانية: يزيد بن سنان الرهاوي: وقد تبينت ضعفه.

الثالثة: طلحة بن زيد - وهو: الرقي -: متهم بالكذب.

الرابعة: عمران بن أبان - وهو: الواسطي -: قال الذهبي:

" ضعفه أبو حاتم والنسائي ".

(تنبيه): قال أخونا حمدي السلفي في تعليقه على حديث الطبراني هذا
بعد أن ضعفه:
" ورواه البيهقي في " الشعب "، وهو حديث صحيح، لطرقه الكثيرة "!

فظننت أنه يعني غير هذا الحديث. والله أعلم.

ولبعضه شاهد بإسناد واه جداً ؛ يرويه عمر بن راشد عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة مرفوعاً نحوه، وفيه:
" إن أردت أن تلقى الله وهو عنك راض ؛ فلا تخبىء شيئاً رزقته، ولا تمنع شيئاً
سئلته ".

أخرجه الخطيب في " التاريخ " (10/ 268)، ومن طريقه ابن الجوزي فى
" الموضوعات " (3/ 134)، وقال:
" حديث لا يصح، قال أحمد بن حنبل: (عمر بن راسد) لا يساوب حديثه
شيئاً. وقال ابن حبان: لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه، يضع
الحديث ".

(14/539)


@@@ 540
قلت: وهو المدني الجاري، ورواه ابن عدي في " الكامل " (5/ 17 - 18)
عنه به نحوه بلفظ:
" فليكثر الصلاة علي.. مكان: " فلا تخبئ... " إلخ.

6743 - (ألم أنهك أن ترفعي شيئاً ؛ فإن الله عز وجل يأتي برزق كل
غد) .

منكر.
أخرجه أحمد في " المسند " (3/ 98 1) و " الزهد " (ص 8)، ومن
طريقه أبو نعيم في " الحلية " (0 1/ 243)، وأبو يعلى (7/ 224/ 4223)،
والدولابي في " الكنى " (2/ 124)، وا بن عدي في " الكامل " (7/ 122)،
والبيهقي في " الشعب " (2/ 18 1 - 9 1 1/ 1347 و 1348، 72 1/1465)
من طريق هلال بن سويد أبي معلى قال: سمعت أنس بن مالك يقول:

أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث طوائر، فأطعم خادمه طائراً، فلما كان من الغد ؛
أتته به، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ هلال بن سويد: قال ابن عدي - بعد أن ساق له
حديثاً آخر -:
" وهذان الحديثان أنكرا على هلال بن سويد ". وذكره العقيلي في " الضعفاء "
(4/ 346)، وقال عن البخاري:
" لا يتابع عليه ". ولذا قال الذهبي في " المغني ":
"ضعفوه".

(14/540)


@@@ 541
وأما ابن حبان فذكره في " الثقات" (5/ 505)! وهو عمدة من وثقه من
بعض المتأخرين ؛ مثل الحافظ المنذري، فإنه قال في " الترغيب " (2/ 42// 19):
" رواه أبو يعلى والبيهقي، ورواة أبي يعلى ثقات "!

وفيه أنه ما يوهم أن رواة البيهقي خلاف رواة أبي يعلى، وأنهم غير ثقات، مع
أنه ليس فيه إلا هلال بن سويد هذا!

وأيضاً أوهم أنه لم يروه من هو أعلى طبقة وأشهر من المذكورين ؛ وقد رواه
أحمد.
ومثل الهيثمي ؛ فإنه قلد المنذري، فقال في " المجمع " (10/ 241):
" رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات ".

فقلده في الاعتداد، وفي إهمال العزو لأحمد ؛ لكنه في موضعين آخرين
تدارك الإهمال، وأكد التوثيق! فقال (10/ 353):

" رواه أحمد، وإسناده حسن "! وقال في الموضع الأخر (10/ 322):
" رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، غير هلال أبي المعلى، وهو ثقة"!

ثم إن الحديث مخالف لبعض الأحاديث الصحيحة، والآثار السلفية، من
ذلك أحاديث الأمر بادخار لحوم الأضاحي، وأكل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
القديد بالمدينة من قديد الأضاحي، وهي مخرجة في " إرواء الغليل " (4/ 369)،
وترجم البخاري لبعضها في " صحيحه " بقوله:
" باب ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم ؛ من الطعام واللحم!

(14/541)


@@@ 542
وغيره، وقالت عائشة وأسماء: صنعنا للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر سُفرة ".

وقد قال الحافظ بعد شرحه إياه (9/553):

" قال ابن بطال: في الحديث رد على من زعم من الصوفية أنه لا يجوز ادخار
طعام لغد، وأن اسم الولاية لا يستحقه من ادخر شيئاً ولو قل، وأن من ادّخر
؛ أساء الظن بالله. وفي هذه الآحاديث كفاية في الرد على من زعم ذلك".

ومن ذلك أيضاً حديث عمر رضي الله عنه:
" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم ".

أخرجه البخاري (5357). قال الحافظ في " الفتح " (9/ 503):

" وفي السياق ما يؤخذ منه الجمع بينه وبين حديث: " كان لا يدخر شيئاً
لغد " (1) ؛ فيحمل على الادخار لنفسه، وحديث الباب على الادخار لغيره، ولو
كان له في ذلك مشاركة ؛ لكن المعنى أنهم المقصد بالادخار دونه، حتى لو لم
يوجدوا لم يدخر ".

6744 - (يا عم! قليل يصيبك، خير من كثير يطغيك).
منكر.
أخرجه ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار - مسند ابن عباس " (1/
265/ 441): حدثني حسان بن محمد بن عبد الرحمن الطائي - من أهل
حمص - قال: حدثنا سلامة بن جواس عن محمد بن القاسم عن عبد الله بن
بُسر المازني قال:... فذكره مرفوعاً.
__________
(1) انظر " صحيح الترغيب " [ رقم935 ].

(14/542)


@@@ 543
قلت: هذا إسناد ضعيف مظلم ؛ ليس فيهم موثق ؛ غير سلامة بن جوّاس،
ولم يوثقه - فيما علمت - غير ابن حبان ؛ فقد ذكره في " الثقات" وقال (8/
300):
" روى عنه الكوفيون ".

وأما محمد بن القاسم الطائي: فترجمه ابن أبي حاتم (4/ 1/ 64 - 65)
برواية جمع عنه، منهم سلامة بن جواس، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وأما سلامة بن جواس: فترجمه بروايته عن محمد بن القاسم صاحب عبد الله
ابن بسر، وأبي مهدي سعيد بن سنان، وقال (2/ 1/ 302):

" روى عنه أبو زرعة: ومحمد بن عوف الحمصي ".

فهو عند أبي زرعة ثقة ؛ لأنه لا يروي إلا عن ثقة - كما ذكروا عنه -، وبذلك
يتقوى توثيق ابن حبان إياه، فتبقى العلة محصورة في شيخه (محمد بن القاسم)،
أو في الراوي عنه (حسان بن محمد الطائي). والله أعلم.

6745 - (إِنِّي لأَلِجُ هَذِهِ الْغُرْفَةَ مَا أَلِجُهَا حِينَئِذٍ إِلا خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ
فِيهَا مَالٌ، فَأُتَوَفَّى وَلَمْ أُنْفِقْهُ).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (7/ 325/ 7105) من
طريق جعفر بن سعد بن سمرة: حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه عن سمرة
ابن جندب قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره.

(14/543)


@@@ 544
قلت: وهذا إسناد مسلسل بالعلل:
أ - جعفر بن سعد بن سمرة: ليس بالقوي.
ب - خبيب بن سليمان: لا يعرف.
ج - أبوه سليمان - وهو: ابن سمرة بن جندب -: مجهول الحال.

فالعجب مع هذا كله تقوية المنذري إياه في " الترغيب " (2/ 42 - 43/ 21)
بقوله:
" رواه الطبراني في " الكبير " بإسناد حسن "!

وكذا قال الهيثمي (3/ 123)، وقلدهما المعلقون الثلاثة على " الترغيب "
(1/ 704) !!!

6746 - (يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط، وأظْمأ ما
كانوا قط، وأعرى ما كانوا قط، وأنصب ما كانوا قط، فمن أطعم لله،
أطعمه الله عز وجل، ومن سقى لله، سقاه الله عز وجل، ومن كسا لله،
كساه الله عز وجل، ومن عمل لله، كفاه الله عز وجل).

لا أصل له مرفوعاً، ضعيف موقوفاً.
ذكره الديلمي في " الفردوس " (5/
468/ 8782) من حديث أبي هريرة. ولم أجده مسنداً في " زهر الفردوس "،
ولا في غيره، والظاهر أنه لم يسنده ابنه أبو منصور الديلمي في " مسند الفردوس "،
ولذلك لم يورده الحافظ في كتابه " تسديد القوس في ترتيب مسند الفردوس "،
والله سبحانه وتعالى أعلم.

(14/544)


@@@ 545
وإنما رأيته موقونأ على ابن مسعود في كتاب " اصطناع المعروف " (ص 17)،
وهو المطبوع باسم " قضاء الحوائج " في " مجموعة الرسائل " (78 - 79/ 30)
من طريق شريك بن عبد الله عن هلال عن عبد الله بن عكيم عنه قال:...
فذكره موقوفاً عليه باختصار بعض الفقرات.

وشريك - هو: القاضي - ضعيف من قبل حفظه.
وهلال - وهو: ابن أبي حميد الجهني مولاهم، وهو - ثقة، روى له الستة سوى
ابن ماجه.

وعبد الله بن عكيم، - وهو: أبو معبد الجهني -، مخضرم، من رجال مسلم.

6747 - (من أطعم مؤمناً حتى يشبعه من سغبٍ ؛ أدخله الله باباً من
أبواب الجنة، لا يذخفه إلا من كان مثله).

ضعيف جداً.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (20/ 85/ 162)،
و" مسند الشاميين " (رقم 2208)، وابن عدي في " الكامل " (5/ 118) من
طريق عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عن معاذ بن جبل
مرفوعاً.

أورده ابن عدي في ترجمة (عمرو بن واقد)، وروى عن البخاري أنه قال:
" منكر الحديث ". وعن السعدي أنه قال:

" سألت عنه محمد بن المبارك ؛ فقال: كان يتبع السلطان، وكان صدوقاً. وما
أدري ما قال الصوري (هو ابن المبارك)، أحاديثه معضلة منكرة".

(14/545)


@@@ 546
فأقول: لا تعارض بين القولين، فالسعدي يحدث عن الواقع في أحاديثه،
والصوري يتحدث عن صدقه في نفسه، فكما أن الكذوب قد يصدق، فكذلك
الصدوق قد يكذب ويكذب ؛ ولكن بدون قصد. وقد جمع لك هذه المعاني أبو مسهر الدمشقي فقال:

" عمرو بن واقد يكذب بغير تعمد".
رواه عنه ابن عساكر في " التاريخ " (13/ 659 - المصورة)، ولذلك قال
جماعة من الحفاظ كالدارقطني والذهبي والعسقلاني:
"متروك ".

فلا تغتر بعد هذا بسكوت الهيثمي على قول الصوري مرتضياً له. حيث قال
في " لجمع " (131/3):
"رواه الطبراني في" الكبير "، وفيه (عمرو بن واقد)، وفيه كلام، وقال
محمد بن المبارك الصوري: كان يتبع السلطان، وكان صدوقاً "!

وقد بنى على تصديق الصوري هذا إياه ؛ قوله: "وفيه كلام "! وهذا إنما يقال
فيمن فيه كلام لين لسوء حفظ ونحوه، أما من كثرخطؤه حتى كذبوه ؛ فما يقال: "
فيه كلام " فتنبه.

وأما الحافظ المنذري فقد اكتفى في " ترغيبه " بالإشارة إلى ضعفه، وعزاه
للطبراني في " الكبير " ولم يزد!

وأما المعلقون الثلاثة عليه، فقد قلدوه في التضعيف ؛ لكنهم قالوا - عقب
نقلهم لقول الهيثمي المتقدم -:

(14/546)


@@@ 547
"وقال الذهبي في " الميزان " (3/ 292): لا يعرف، وأتى بخبر منكر" !

ومثل هذا النقل الذي وضع في غيرمحله، مما يوجب على أن أصفهم بما فيهم
من الجهل والخبط والخلط، وأنهم لا يحسنون حتى النقل! فإن قول الذهبي المنقول
إنما قاله في (عمرو بن واقد، بصري، عن محمد بن عمرو...).

وهذا بصري، وذاك دمشقي ؛ ترجم له الذهبي ترجمة طويلة، وساق له
أحاديث عدة منكرة أحدها هذا، ومع ذلك عموا عنه ؛ لقلة الفهم في هذا العلم،
والسرعة في النقل لتسويد السطور فقط، وليس للعلم!

6748 - (بعث صلى الله عليه وسلم أبا موسى سرية في البحر، فبينما هم كذلك قد
رفعوا الشراع في ليلة مظلمة، إذا هاتف من فوقهم يهتف: يا أهل السفينه!
قفوا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه، قال أبو موسى: أخبرنا إن
كنت مخبراً، قال: إن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه من أعطش
نفسه له في يوم صائف ؛ سقاة الله يوم العطش).

ضعيف.
أخرجه البزار في " مسنده " (1/ 488/ 39 0 1 - موارد) من طريق
عبد الله بن المؤمل عن عطاء عن ابن عباس:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث... إلخ. وقال:

" لا نعلمه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه، وروي عن أبي موسى قوله، وفيه
زيادة كلام من قول أبي موسى ".

قلت: وكلاهما ضعيف.

(14/547)


@@@ 548
أما حديث ابن عباس هذا، فعلته عبد الله بن المؤمل، قال الذهبي في "المغني ":
" ضعفه الدارقطني وجماعة ". وقال الحافظ في " التقريب ":

" ضعيف الحديث ". أما الحافظ المنذري فقال (2/ 61/ 12):
" رواه البزار بإسناد حسن إن شاء الله "! وقال الهيثمي (3/ 183):
" رواه البزار، ورجاله موثقون ".

ومع أنه أشار إلى تليين توثيق بعضهم، فقد تعقبه تلميذه الحافظ بقوله في
" مختصر الزوائد " (1/ 404) بقوله:
" قلت: بل (عبد الله بن المؤمل) ضعيف جداً، وقد رواه ابن أبي الدنيا من
طريق لقيط عن أبي بردة ".

كذا قال ا ولعله سقط من قلمه أو أحد نساخه قوله: " عن أبي موسى" ؛ فإنه
من روايته موقوفاً ؛ كما تقدم في كلام البزار عقب الحديث، وكذلك ذكره المنذري
معزواً لابن أبي الدنيا من حديث لقيط عن أبي بردة عن أبي موسى بنحوه.

قلت: ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (1/ 260)، والبيهقي
في " الشعب " (3/ 1 41/ 3922) من طريق واصل مولى أبي عيينة عن
لقيط به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف أيضاً، رجاله ثقات ؛ غير (لقيط) هذا، ويكنى
بـ (أبي المغيرة)، لا يعرف إلا برواية (واصل) هذا، كذلك ترجمه البخاري في
" التاريخ "، وابن أبي حاتم في " الجرح "، وابن حبان في " الثقات " (7/ 362) ؛
فهو مجهول، وذكره الأزدي في " الضعفاء " وقال:

(14/548)


@@@ 549
" لا يصح حديثه ".

6749 - (كان يعظم يوم عاشوراء ، حتى إن كان ليدعوا بصبيانه،
وصبيان فاطمة المراضيع ، فيقول لأمهاتهم : لا ترضعوهم إلى الليل،
ويتفل في أفواههم ، فكان ريقه يجزئهم).

ضعيف.
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " - مضعفاً - (3/ 288 - 289/
2089 و 2090)، وأبو يعلى في " مسنده " (13/ 92/ 62 71)، والطبراني في
" المعجم الكبير " (4 2/ 277/ 4 0 7)، و " الأوسط " (3/ 269 -270/
2589) - والسياق له -، والبيهقي في " دلائل النبوة " (6/ 226) من طريى
عليلة بنت الكُميت العتكية قالت: سمعت أمي أمينة تحدث عن أمة الله ابنة
رزينة - وكانت أمها خادماً للنبي صلى الله عليه وسلم - قالت: سمعت أمي رزينة تقول:...
فذكره. وقال ابن خزيمة مترجماً للحديث:

" باب استحباب ترك الأمهات إرضاع الأطفال يوم عاشوراء ؛ تعظيماً ليوم
عاشوراء إن صح الخبر ؛ فإن في القلب من خالد بن ذكوان ".

ثم ساق هذا الحديث، ولم يتكلم على إسناده ؛ لكن الظاهر من هذه الترجمة
أنه يشير إلى تضعيفه، وهو معنى قول الحافظ في" الفتح " (4/ 201):
" أخرجه ابن خزيمة، وتوقف في صحته، وإسناده لا بأس به "!

كذا قال! خلافاً لاعلال شيخه الهيثمي إياه بقوله (3/ 186):
"رواه أبو يعلى والطبراني في " الكبير " و "الأوسط " ولفظه...، وعليلة،
ومن فوقها لم أجد من ترجمهن ".

(14/549)


@@@ 550
وهو كما قال رحمه الله ؛ إلا (رزينة)، فقد ذكروها في الصحابة، بهذا
الإسناد! وسكت عنه الحافظ في " الإصابة "، فأتعجب منه كيف قال فيه: " لا
بأس به " ؟!
وهذا في جانب، وقول ابن خزيمة في الترجمة:
" فإن في القلب من خالد بن ذكوان ". في جانب آخر ؛ فإن خالداً ثقة بلا
خلاف ؛ إلا ما في قول ابن خزيمة هذا من الغمز! فإنه ساق تحت الترجمة مباشرة -
وقبل حديث الترجمة - حديثه عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت:

أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قرى الأنصار التي حول المدينة:
" من كان أصبح صائماً ؛ فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطراً ؛ فليتم بقية
يومه ".

فكنا بعد نصومه، ونصوم صبياننا الصغار، ونذهب بهم إلى المسجد، فنجعل
لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم ؛ أعطيناه إياه حتى يكون عند الإفطار ".

وقد رواه الشيخان وابن حبان في " صحاحهم " وغيرهم من طريق خالد بن
ذكوان عن الربيع به.

ولعل ابن خزيمة إنما غمز من حديث خالد هذا ؛ لقوله فيه:
" فليتم بقية يومه " في حق من أصبح مفطراً، ففهم منه: فليتم بقية يومه
مفطراً، وهو الظاهر ؛ لكن الصواب فيه بلفظ:
" فليصم بقية يومه ".

(14/550)


@@@ 551
كما في رواية ابن حبان، وأحمد في رواية، وكذا الطبراني في " المعجم الكبير"
(24/ 275/ 700).

ويشهد له عدة أحاديث صحيحة، منها حديث سلمة بن الأكوع مرفوعاً بلفظ
ابن حبان المذكور.

أخرجه البخاري ومسلم وابن خزيمة وابن حبان أيضاً وغيرهم، وهو مخرج مع
الشواهد الأخرى في " الصحيحة " (2624) من المجلد السادس، وقد طبع والحمد
لله.

(فائدة): قال الحافظ تحت حديث. (الربيع) (4/ 201 - 202):

" وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام كما تقدم ؛
لأن من كان في مثل السن الذي ذكر في الحديث غير مكلف، وإنما صنع لهم ذلك
للتمرين. وأغرب القرطبي فقال: لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بذلك، ويبعد أن يكون
أمر بذلك ؛ لأنه تعذيب صغير بعبادة غير متكررة في السنة! وما قدمناه من
حديث (رزينة) يرد عليه (!) مع أن الصحيح عند أهل الحديث، وأهل الأصول
أن الصحابي إذا قال: فعلنا كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كان حكمه الرفع ؛ لأن
الظاهر اطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك، وتقريرهم عليه، مع توفر دواعيهم على سؤاله إياه
عن الأحكام، مع أن هذا مما لا مجال. للاجتهاد فيه، فما فعلوه إلا بتوقيف. والله
أعلم ".

قلت: وهذا هو الجواب والرد الصواب، وأما الرد عليه بحديث (رزينة) فليس
بحجة ؛ لضعفه - كما بينت -، فدر مع الحق حيث دار.
(تنبيه): سبق قول ابن خزيمة: " فإن في القلب من خالد بن ذكوان ".

(14/551)


@@@ 552
وقد نقله عنه الحافظ في ترجمة (خالد) من " التهذيب " بزيادة فيه فقال:

"... خالد بن ذكوان حسن الحديث، وفي القلب منه ".

وأنا أظن أن هذه الزيادة " حسن الحديث " مقحمة. والله أعلم.

6750 - ( لَمَّا كَانَ يَوْمُ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَفِيَّةَ
بنتِ حُيَيٍّ وذِرَاعُها فِي يَدِهِ، فَلَمَّا رَأَتِ السَّبْيَ، قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ
إِلا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَأَرْسَلَ ذِرَاعَهَا مِنْ يَدِهِ، وَأَعْتَقَهَا، وَخَطَبَها،
وَتَزَوَّجَهَا، وَأَمْهَرَهَا رُزَيْنَةَ).

منكر.
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (13/ 91/ 7161)، والطبراني في
" المعجم الكبير " (4 2/ 277 - 278/ 5 0 7) بسندهما المذكور في الحديث الذي
قبله، وقد عرفت ضعفه وتسلسله بمن لا يعرف، وخطأ الحافظ في قوله:
" وإسناده لا بأس به "!

وقد عاد إلى الصواب الذي دل عليه النقد العلمي، فقال في " المطالب العالية "
(4/ 134 - 135/ 4155) تحت هذا الحديث وعزاه لأبي يعلى:

" قلت: حديث منكر، عن نسوة مجهولات، والذي في " الصحيح " عن
أنس أنه جعل عتقها صداقها. وكذا تقدم عنها نفسها في (كتاب النكاح) ".

وقد سبقه إلى ذلك شيخه الهيثمي، فقال في "المجمع " (9/ 251):
" رواه الطبراني، وأبو يعلى بنحوه من طريق كليلة بنت الكميت عن أمها
__________
(1) الأصل: النبي صلى الله عليه وسلم! والتصحيح من " المجمع "، وفي " أبي يعلى ": النساء.

(14/552)


@@@ 553
أمينة عن أمة الله بنت رزينة، وهؤلاء الثلاث لم أعرفهن، وبقية رجاله ثقات، وهو
مخالف لما في ( الصحيح). والله أعلم".

قلت: يشير إلى حديث أنس الذي ذكره الحافظ، وقد رواه الشيخان وغيرهما،
وهو مخرج في " الإرواء " (6/ 224/ 1825)، و" الروض النضير " (رقم 23).
إذا عرفت هذا ؛ فالعجب من الحافظ أيضاً، كيف سكت عن علة هذا الحديث
أيضاً في " الإصابة " ؟! فقال:

" وأخرج أبو يعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج صفية ؛ أمهرها خادماً، وهي رزينة!!

6751 - (صام نوح عليه السلام الدهر إلا يوم الفطر والأضحى ،
وصام داود عليه السلام نصف الدهر ، وصام إبراهيم عليه السلام ثلاثة
أيام من كل شهر صام الدهر وأفطر الدهر).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (13/ 54/ 133) من
طريق خالد بن عمرو الحراني قال: ثنا ابن لهيعة عن أبي قّنّان عن يزيد بن رباح
أبي فراس أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:...
فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجالة كلهم ثقات ؛ غير ابن لهيعة فهو ضعيف من
قبل حفظه، وقد اضطرب في إسناده، فرواه خالد بن عمرو عنه هكذا، وقال ابن
أبي مريم (واسمه سعيد بن الحكم بن... يعرف بابن أبي مريم المصري): نا ابن
لهيعة: نا جعفر بن ربيعة عن أبي فراس أنه سمع عبد الله بن عمرو به.

أخرجه البيهقي في " الشعب " (3/ 388/ 6 384) - بتمامه -، وعنه ابن

(14/553)


@@@ 554
عساكر في " التاريخ " (6/ 225 - فكر)، وابن ماجه (4 171) فقرة نوح فقط.
وقد وهم الحافظ المنذري في تخريجه لهذا الحديث، فقال في " الترغيب " (2/ 82/ 4):
" رواه الطبراني في " الكبير " و البيهقي، وفي إسنادهما أبو فراس، لم أقف
فيه على جرح ولا تعديل، ولا أراه يعرف، والله أعلم ".

قلت: قد جاء مسمى في إسناد الطبراني " يزيد بن رباح " - كما رأيت -، وهو
ثقة من رجال مسلم، وما أعتقد أن مثل هذا يخفى عليه، فأظن أنه سبق فكرأو
قلم، أراد أن يقول: (أبو قنان)، فقال (أبو فراس)! وقد حاد عن هذا الوهم
الهيثمي فقال (3/ 195):

" رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه أبو قنان، ولم أعرفه"!

وقد فاته أنه معروف بكنيته ؛ كما في " تاريخ البخاري "، وأن اسمه (أيوب
ابن أبي العالية) ؛ كما في " الجرح والتعديل "، وذكرا أنه روى عنه (عمرو بن
الحارث)، وكذا سماه ابن حبان في (أتباع التابعين) من "الثقات " (6/ 59)،
وقال:
" روى عنه أهل مصر ".

كأنه يشير إلى ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، وإلى غيرهما، فقد ذكر الأمير
ابن ماكولا راويين آخرين، فانظر كتابي " تيسير الانتفاع "، وله ذكر في غير ما
موضع من كتاب " فتوح مصر " فمثله يكون صدوقاً إن شاء الله تعالى، وإنما علة
الحديث ضعف ابن لهيعة، واضطرابه في إسناده، وقد أشار الحافظ ابن كثير في

(14/554)


@@@ 555
" تاريخه " (1/ 118) إلى اضطرابه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقد كنت خرجت الفقرة الأولى من الحديث من رواية ابن ماجه - فيما تقدم
من هذه " السلسلة " (459) - وذكرت هناك وهم الحافظ المنذري المبين أنفاً ؛
ولكني وهمت فنسبته إلى الهيثمي أيضاً، و المعصوم من عصمه الله، فكان هذا من
دواعي إعادة تخريجه، ولا سيما وقد طبع الجزء الذي فيه الحديث من" المعجم
الكبير "، كما طبع كتاب البيهقي: " شعب الإيمان "، فساعدني ذلك على تبين
الفرق بين إسناديهما، واتفاقهما على رواية الحديث بتمامه، بخلاف رواية ابن
ماجه، كما أنني وقفت على توهيم الأخ الفاضل حمدي السلفي إياي تنبيهاً،
فجزاه الله خيراً، ورحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي.

6752 - (يقبض الله عز وجل العلماء قبضا ، ويقبض العلم معهم ، فينشأ
أحداث ينزو بعضهم على بعض نزو العير على العير ، ويكون الشيخ
فيهم مستضعفا).

منكر بجملة: (النزو).
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2/ 531/
1913): حدثنا أحمد بن طاهر قال: حدثنا أحمد بن الربيع النوفلي قال:
حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم قال: حدثنا حجاج بن
رِشدين عن أبيه عن عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن
أبي سعيد الخدري مرفوعاً. وقال:

" لم يروه عن عمرو إلا رشدين، تفرد به الحجاج بن رشدين ".

قلت: ذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من " الثقات" (8/ 202)، وضعفه
ابن عدي، فقال في ترجمته من " الكامل " (2/ 234):

(14/555)


@@@ 556
"كأن نسل ( رِشدين) قد خصوا بالضعف، (رشدين) ضعيف، وابنه
(حجاج)، وله ابن يقال له: (محمد) ضعيف، ولـ (محمد) ابن يقال له:
(أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين) ضعيف".

قلت: وفوقه (دراج أبو السمح) وهو ضعيف في أبي الهيثم .

ودونه أحمد بن الربيع النوفلي: حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن بن وهب
ابن مسلم، ولم أجد لهما ترجمة.

و (أحمد بن طاهر) - وهو: ابن طاهر بن حرملة المصري -، وفي ترجمته ساق
له الطبراني هذا الحديث، وقد قال فيه الدارقطني:
"كذاب " .

ومع كل هذه البلايا، لم يعله الهيثمي إلا بالحجاج وأبيه ؛ فقال (1/ 201:

" وفيه حجاج بن رشدين بن سعد عن أبيه، والحجاج ضعفه ابن عدي، ولم
يوثقه أحد (!)، وأبوه أختلف في الاحتجاج به، والأكثر على تضعيفه"!

قلت: ومن الظاهر أن الحافظ اعتمد على شيخه الهيثمي في هذا الإعلال
القاصر، فقال في " الفتح " (13/ 386) وقد عزاه لـ " أوسط الطبراني ":
" ضعيف،. ولعلهما وقفا، عند قول الطبراني المتقدم:

" تفرد به الحجاج بن رشدين ".

وفهما منه أن من دونه قد توبعوا، وهذا غير لازم، وإن كان من الحتمل، ولكن
ما بالهما سكتا عن (دراج)، والحافظ يقول فيه:

(14/556)


@@@ 557
" صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف " ؟!

هذا ؛ ومن أجل النكارة المشار إليها في صدر هذا البحث خرجت الحديث هنا،
وبيان عللها، مع أنها تمثل واقح كثير من شباب الصحوة المزعومة اليوم، الذين يرد
بعضهم على بعض، ويطعن بعضهم في بعض للضغينة لا النصيحة، ووصل
تعديهم وشرهم إلى بعض العلماء وأفاضلهم، ونبزوهم بشتى الألقاب، غير
متأدبين بأدب الإسلام: " ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا،،ويعرف
لعالمنا حقه "، ومغرورين بنتف من العلم جمعوه من هنا وهناك حتى توهموا أنهم
على شيء، وليسوا على شيء كما جاء في بعض أحاديث الفتن (1) وصرفوا قلوب
كثير من الناس عنهم، بأقوال وفتاوى ينبىء عن جهل بالغ، مما يذكرنا بأنهم من
الذين أشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح:

" إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض
العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً ؛ اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير
علم، فضلوا وأضلوا ". متفق عليه، وهو مخرج في" الروض النضير" (579).

وهو شاهد قوي جداً للطرف الأول من حديث الترجمة، وأما سائره، فلم أجد
ما يشهد له، وإن كان معبراً عن واقع بعض الناس اليوم. والله المستعان.

6753 - (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ؛ فَإِنَّ مُتَابَعَةً بَيْنَهُمَا يَزيدانِ في
الأجل [والرزقِ] ، وينفيان الْفَقْرَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ الْخَبَثَ).

منكر بزيادة: (الأجل والرزق).
أخرجه أحمد (3/ 446 - 447)،
__________
(1) انظر " الصحيحة " (1682).

(14/557)


@@@ 558
والحميدي أيضاً في " مسنده " (10/ 67)، وعنه البيهقي في" شعب الايمان "
(3/ 472/ 95 0 4)، والأصبهاني في " الترغيب " (1/ 437 - 438/1028)
من طريق عاصم بن عبيد الله العمري عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه عن
عمر بن الخطاب مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات ؛ غير عاصم بن عبيد الله، فهو
ضعيف، قال ابن حبان (2 / 127):

"كان سيئ الحفظ، كثير الوهم، فاحش الخطأ، فترك من أجل كثرة خطئه".
قلت: وهذا الحديث مما يدل على وهمه ؛ فإنه اضطرب في روايته إسناداً ومتناً.

أما الإسناد ؛ فكان تارة يذكر فيه عمر ؛ كما في هذه الرواية وغيرها، وهي
مخرجة في " الصحيحة " تحت الحديث (1200)، وهي من رواية سفيان بن عيينة عنه.

وتارة لا يذكرفيه عمر، يجعله من مسند عامر بن ربيعة.

أخرجه عبد الرزاق (5/ 3/ 8796)، وعنه أحمد (3/ 46 4).

وتابعه شريك عن عاصم به.
أخرجه أحمد أيضاً (3/ 446 - 447).

وأما المتن ؛ فتارة يذكر فيه قوله: " يزيدان في الأجل " ؛ كما في حديث
الترجمة، وقد أشار الحميدي إلى نكارتها، فقال عقب الحديث:

(14/558)


@@@ 559
" قال سفيان: هذا الحديث حدثناه عبد الكريم الجزري عن عبدة عن عاصم،
فلما قدم عبدة ؛ أتيناه لنسأله، فقال: إنما حدثنيه عاصم، وهذا عاصم حاضر.
فذهبنا إلى عاصم فسألناه، فحدثنا به هكذا، ثم سمعته منه بعد ذلك، فمرة يقفه
على عمر، ولا يذكر فيه: " عن أبيه "، وأكثر ذلك كان يحدثه عن عبد الله بن
عامرعن أبيه عن عمرعن النبي صلى الله عليه وسلم ".

قلت: وهذا نوع آخر من اضطرابه في إسناده ؛ لا يذكر عبد الله بن عامر أباه
بينه وبين عمر! وهي رواية لأحمد ( 3/ 447)، وقال في آخرها:

" قال سفيان: ليس فيه " أبوه " و " يزيد في العمر " مائة مرة!.

وتارة لا يذكر الزيادة، وأكثر الروايات عنه دونها، وهو المحفوظ في الأحاديث
الأخرى في المتابعة بين الحج والعمرة من حديث ابن عباس، وابن مسعود، وابن
عمر وجابر، وهي مخرجة في المكان الذي سبقت الإشارة إليه من " الصحيحة ".

تنبيهان:

أحدهما: قول الشيخ الأعظمي في تعليقه على " مصنف عبد الرزاق ":
" واعلم أن هذا الحديث يرويه عبد الله بن عامر عن عمر، وعن أبيه جميعاً،
وقد أخرجه أحمد من حديث كليهما، وأخرجه الحميدي وابن ماجه من حديث
عمر وحده فتنبه. وقال المباركفوري: لم أقف على حديث عامر بن ربيعة ".

فأقول: هذا تنبيه منه باهت لا فائدة تذكر تحته ؛ سوى الغمز من الشيخ
المباركفوري رحمه الله أنه لم يقف على حديث عامر! ولقد كان الأولى بالشيخ
الأعظمي أن لا يشغله شهوة الاعتراض على من يخالفه في تعصبه المذهبي عن

(14/559)


@@@ 560
نصح القراء ببيان حال الرواية التي ذكرها بصيغة: " يرويه عبد الله... " الموهمة
لصحتها، وهي ضعيفة عنه على الوجهين - كما سبق بيانه -. كان هذا هو واجبه،
ولكن: حبك الشيء يعمي ويصم.

والآخر: ذكر المنذري الحديث في " الترغيب " (2/ 107/ 13) من
حديث ابن مسعود دون الزيادة، مشيراً إلى تقويته، وناقلاً تصحيحه عن الترمذي
وابن خزيمة وابن حبان، ثم عزاه لابن ماجه، والبيهقي. ثم عزا إليه حديث
الترجمة بالزيادة، وسكت عنه فما أحسن! فقد اغتر به المعلقون الثلاثة ؛ فقد
صدروا تخريجهم الحديث بقولهم:

" حسن، رواه الترمذي... وابن ما جه (...)، والبيهقي (...)، وكذا
الأصبهاني (...) من حديث عمر "!

فخلطوا ما شاء لهم الخلط، ولم يميزوا بين إسناد حديث ابن مسعود الحسن
فعلاً، وإسناد حديث عمر الضعيف واقعاً، ولا فرقوا بين رواية ابن ماجه عنه التي
يشهد لها حديث ابن مسعود، وبين رواية البيهقي والأصبهاني التي فيها الزيادة
المنكرة، ولا شاهد لها.

ومثلهم المعلق على " ترغيب الأصبهاني " ؛ فإنه بعد أن عزا حديثه عن عمر
لأحمد وابن ماجه قال:
" وقال البوصيري: عاصم بن عبيد الله ضعيف، والمتن صحيح من حديث ابن
مسعود... " لخ.
فهو بهذا النقل أوهم أن البوصيري أوهم أنه يصحح حديث عمر الذي فيه

(14/560)


@@@ 561
الزيادة التي عند الأصبهاني، وإنما هو يعني حديث ابن ماجه الخالي منها. فكان
ينبغي على هؤلاء النقلة أن يميزوا الغث من السمين لو كانوا يعلمون.

هذا، وزيادة: [ والرزق ] تفرد بها الأصبهاني دون الأخرين، فاقتضى التنبيه
أيضاً.

6754 - (االحجاج والعمار وفد الله عز وجل ، يعطيهم ما سألوا ،
ويستجيب لهم ما دعوا ، ويخلف عليهم ما أنفقوا الدرهم ألف ألف ).

منكر بهذا التمام.
أخرجه البيهقي في" شعب الإيمان" (3/ 476/ 5 0 1 4)
من طريق ثمامة البصري: نا ثابت البناني عن أنس بن مالك مرفوعاً.

وهذا إسناد ضعيف جداً، ثمامة هذا - هو: ابن عبيدة البصري -: قال البخاري
في " التاريخ " (1/ 2/ 178):
"ضعفه علي (يعني: ابن المديني)، ونسبه إلى الكذب ". وكذا رواه عنه
ابن أبي حاتم، وروى عن أييه أنه قال:
" هو منكر الحديث ".

قلت: ولهذه النصوص ؛ فقد تساهل البيهقي في تعقيبه على الحديث - بقوله:
" ثمامة غيرقوي ".

وإنما أخرجت الحديث هنا لجملته الأخيرة ؛ فإنها ظاهرة النكارة والتفرد، وإلا ؛
فلما قبله شواهد أخرجتها في " الصحيحة " (1820).

(14/561)


@@@ 562
6755 - (طُوبَى لِمَنْ أَكْثَرَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ
لَهُ بِكُلِّ كَلِمَةٍ سَبْعِينَ أَلْفَ حَسَنَةٍ، كُلُّ حَسَنَةٍ مِنْهَا عَشَرَةُ أَضْعَافٍ، مَعَ
الَّذِي لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مَنَ الْمَزِيدِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ النَّفَقَةَ؟ فَقَالَ:
"النَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ) (1) .

ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (0 2/ 77 - 78/143):
حدثنا بكر بن سهل الدمياطي: ثنا عبد الله بن صالح: حدثني يحيى بن أيوب
عن رجل حدثه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال:... فذكره.

قال عبد الرحمن: فقلت لمعاذ: إنما النفقة سبع مئة ضعف! فقال معاذ: قل
فهمك ؛ إنما ذلك ؛ إذا أنفقوها وهم مقيمون في أهليهم غير غزاة، فإذا غزوا وأنفقوا ؛
خبأ الله لهم من خزانة رحمته ما ينقطع عنه علم العباد، وصفتهم فأولئك حزب
الله، وحزب الله هم الغالبون.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ بكر بن سهل: ضعفه النسائي، ولم يوثقه أحد.
وعبد الله بن صالح: فيه ضعف.
والرجل: لم يسم ؛ فهو مجهول، وبه أعله الهيثمي (5/ 282).

وقول عبد الرحمن بن غنم: " إنما النفقة سبع مئة ضعف "، يشير إلى
الحديث الصحيح: " من أنفق نفقة في سبيل الله، كتب له سبع مئة ضعف " رواه
ابن حبان (1647) وغيره. وعلى ذلك فرد معاذ عليه - لو صح - بقوله: "إنما ذلك
__________
(1) تقدم برقم (2610) وهنا زيادة فائدة.

(14/562)


@@@ 563
إذا أنفقوها وهم مقيمون في أهليهم غير غزاة " غير وارد على عبد الرحمن ؛ لأن
الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم: " في سبيل الله " إنما هو الجهاد ؛ ولذلك أورده العلماء في
فضل الإنفاق في الجهاد في سبيل الله. ولهذا ؛ فهذا الرد منكر يمكن اعتباره علة
أخرى، فيصير الحديث منكراً سنداً ومتناً. فتأمل.

6756 - (من قرأ { إذا زلزت الأرض} أربع مرات ؛ كان كمن قرأ
القرآن كله).

موضوع.
أورده القرطبي في " تفسيره " (20/ 146) بدون عزو أو تخريج
- كما هي عادته -، وقد أخرجه الثعلبى فى " تفسيره " وساق إسناده الحافظ
الزيلعي في " تخريج أحاديث الكشاف " (ص 717 - المصورة) من طريق أبي
القاسم الطائي: حدثني أبي: حدثني علي بن موسى الرضا: حدثني موسى بن
جعفر: حدثني أبي جعفر بن محمد: حدثني أبي محمد بن علي: حدثني أبي
علي بن الحسين: حدثني أبي الحسين بن علي: حدثني أبي علي بن أبي طالب
مرفوعاً.

قلت: وسكت عنه الزيلعي، ولعله لم يعرف أبا القاسم هذا، ولقد جهدت
حتى من الله عليّ بمعرفته ؛ لأنه ليس معروفاً بكنيته، حتى إن الذهبي لم يورده في
كتابه الجامع للكنى: " المقتنى "، وكان مفتاح الدلالة على معرفته، أنني كنت
نقلت عن بعضهم في كتابي " الأحاديث الضعيفة " تحت الحديث (1342) أنه
رواه الثعلبي، فرجعت الآن إلى " الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف "
للحافظ العسقلاني ؛ فرأيته يقول (187/ 351):
" أخرجه الثعلبي من حديث علي، بإسناد أهل البيت، لكنه من رواية أبي

(14/563)


@@@ 564
القاسم الطائي، وهو ساقط ".

فأخذت أبحث عن هذه الكنية في كنى " الميزان " و" اللسان "، وغيرهما
وبصورة خاصة كتب " الكنى " ومنها " المقتنى " - كما سبق -، ولكن دون
جدوى، فرجعت إلى تخريج الزيلعي - وهو أصاب تخريج العسقلاني - فوقفت فيه
[ على ] إسناد الحديث المتقدم، فعرفت منه شيخ أبي القاسم الطائي، وأنه (علي
ابن موسى الرضا)، فرأيت أنه لا بد من الرجوع إلى ترجمته من " تهذيب الكمال "
للحافظ المزي ؛ فإن من عادته أن يتوسع في استقصاء الرواة عن المترجم، فرأيته
قد ذكر في الرواة عنه (عامر بن سليمان الطائي والد أحمد بن عامر أحد الضعفاء،
له عنه نسخة كبيرة).

فألقي في البال لعل (عامر الطائي) هذا هو اسم (أبي القاسم الطائي)،
فتتبعت ترجمة عامر في كتب التراجم فرجعت بخفي حنين! فرجعت إلى ابنه
(أحمد بن عامر)، فوجدته في " لسان الميزان ":
" أحمد بن عامر الطائي. له ذكر في الأصل في ترجمة ابنه عبد الله... ".
فرجعت إلى أصله " الميزان " ؛ فإذا فيه:
" عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن علي الرضا، عن آبائه بتلك النسخة
الموضوعة الباطلة، ما تنفك عن وضعه، أو وضع أبيه. قال الحسن بن علي
الزهري: كان أمياً، لم يكن بالمرضي... مات سنة أربع وعشرين وثلاث مئة ".

وكذا في " اللسان " لم يزد عليه شيئاً.

فغلب على ظني أن عبد الله هذا هو أبو القاسم الطائي، وهذا وإن كان كافياً،

(14/564)


@@@ 565
ولكن النفس كانت تتوق إلى زيادة من الاطمئنان لما وصلت اليه، فرجعت إلى
" تاريخ الإسلام " للحافظ الذهبي، فرأيته قد أورده بكنيته، فقال (24/ 149)
- جزاه الله خيراً -:
" عبد الله بن أحمد بن عامر أبو القاسم الطائي، عن أبيه عن علي بن موسى
الرضا بنسخة، وأحسبه واضعها ".

فتيقنت أنه هو.

ثم بدا لي - ولو بعد لأي - أن أرجع إلى نسبة (الطائي) من كتاب " الأنساب "
للسمعاني، ولو استقبلت من امري ما استدبرت ؛ لرجعت إليه ابتداء، ولكن هكذا
قُدّر، فقد رأيته قد ذكره فيه بكنيته ونسبته، وساق نسبه إلى جده الثالث، وذكر
أنه بغدادي، فغلب علي ظني أنه مترجم في " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي ؛
فإنه كثير الاستفادة منه، فوجدت كما ظننت، قال (9/ 385):

" عبد الله بن أحمد بن عامر بن سليمان بن صالح أبو القاسم الطائي... ".

ثم ساق بإسناد هذا الحديث حديثاً آخر (1)، وروى ما تقدم في ترجمته من
" الميزان " أنه كان أمياً غير مرضي، كما روى سنة وفاته المتقدمة.

ومما سبق - وبخاصة مما ذكره الخطيب - يتبين من نسب الرجل أن ما في " تهذيب
المزي " أن (عامر بن سليمان الطائي) روى عن (علي بن موسى الرضا) وأنه والد
(أحمد بن عامر) خطأ ؛ وإن تبعه الحافظ العسقلاني في " التهذيب "، وأن
الصواب أن الراوي عن الرضا هو أحمد بن عامر، وأن ابنه عبد الله، وأن (عامر بن
سليمان) - هو جد (عبد الله بن أحمد)، وأن (عامراً) لا علاقة له بالرواية.
__________
(1) تقدم برقم (2271)، وحديث ثالث مضى (278).

(14/565)


@@@ 566
فاقتضى التنبيه.
ثم إن الحافظ قال عقب ما سبق نقله عنه من سقوط أبي القاسم الطائي:
" وشاهده عند ابن أبي شيبة والبزار من رواية سلمة بن وردان عن أنس
مرفوعاً: " إذا زلزلت تعدل رع القرآن " وأخرجه ابن مردويه والواحدي بإسناديهما
إلى أبيّ بن كعب بلفظ: من قرأ: إذا زلزلت ؛ أعطي من الأجر كمن قرأ القرآن".

قلت: لم يسق إسنادهما إلى (أبيّ) رضي الله عنه، لننظر فيه - كما فعلنا
بحديث الترجمة -، وقد ساقه الزيلعي في تخريج آل عمران (ص 123) من
طريقهما بإسنادين لهما مشيراً إلى أنه حديث طويل فيه ثواب كل سورة من أول
القرأن إلى آخره، وأن ا بن الجوزي رواه في " الموضوعات "، وأقره، وقد تكلم ابن
الجوزي على طريقيه، وعلى غيرهما في أول (أبواب تتعلق بالقرآن) من " الموضوعات "
(1/ 239 - 242)، وقال:

" إنه حديث محال، مصنوع بلا شك، قال ابن المبارك: أظن الزنادقة
وضعوه ".

وأقره السيوطي في " اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " (1/ 226 -
228)، وغيره، فكأن الحافظ سكت عنه ؛ لشهرة وضعه عند الحفاظ.

ثم تأكدت من ذلك، لما رأيته أقر ابن الجوزي على حكمه بالوضع على حديث
ثواب من قرأ (آل عمران) في " تخريجه " (37/ 310)، وقال:
" وسيأتي آخر الكتاب ".

وهناك قال في آخر حديث في: " من قرأ المعوذتين... ".

(14/566)


@@@ 567
"الثعلبي وابن مردويه والواحدي بأسانيدهم إلى أبي بن كعب رضي الله عنه،
وقد مضى غير مرة أنها واهية، وأن الحديث المرفوع في ذلك موضوع ".

وقال في أول الكتاب (3/ 13):
" حديث أبي بن كعب رضي الله عنه في فضائل القرآن سورة سورة. أخرجه
الثعلبي من طرق عن أبي بن كعب رضي الله عنه كلها ساقطة، وأخرجه ابن
مردويه من طريقين، وأخرجه الواحدي في " الوسيط "، وله قصة ذكرها الخطيب،
ثم ابن الصلاح عمن اعترف بوضعه، وكذا روي عن أبي عصمة أنه وضعه".

ومن هنا استجاز الحافظ السكوت عن الحديث، وقد عزاه لابن مردويه
والواحدي. وهذا قد ساق الحديث في سورة {الزلزلة} بلفظ:

".. ومن قرأ سورة {إذا زلزلت} ؛ فكأنما قرأ {البقرة}، وأعطي من الأجر
كمن قرأ ربع القرآن ".

كذا فيه: " ربع القرآن " فلعل لفظ (ربع) مقحمة من بعض النساخ. ولم
يسق الواحدي إسناده هنا، وإنما ساقه في أول سورة (ص) (3/ 537) من
طريق أحمد بن يونس: نا سلام بن سليم: نا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم
عن أبيه، عن أبي أمامة عن أُبيّ بن كعب مرفوعاً.

كذا وقع فيه (... أسلم)، وهو تحريف، والصواب: (زيد بن سالم) كما قال الحافظ
في " اللسان " (6/ 181)، وكذلك تحرف في غير ما مصدر، ومنها
" الميزان "، لكن ترجمته إياه تدل على أنه من بعض الناسخين ؛ فإنه قال:

" هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم (!)، مجهول، وزيد عن أبيه نكرة، عن

(14/567)


@@@ 568
أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم... فذكر حديثاً آخر بلفظ:

" خياركم شبابكم، وشراركم شيوخكم". قالوا: ماتفسير هذا ؟ قال: " إذا
رأيتم الشاب يأخذ بزي الشيخ العابد المسلم في تقصيره وتشميره ؛ فذلك خياركم،
وإذأ رأيتم الشيخ [ الطويل الشاربين ] (1) يسحب ثيابه ؛ فذلك شراركم ". قال أبو
حاتم: هذا باطل، لا أعرف من الإسناد سوى أبي أمامة ".

قلت: فهذا كله يدل على أن (أسلم) تحريف (سالم)، ومما يؤكد ذلك أن
(زيد بن أسلم) معروف بروايته عن أبيه في " الصحيحين " وغيرهما، فلا يقال
في مثله:

"زيد عن أبيه نكرة،. ولا يقول أبو حاتم فيهما:
" لا أعرفهما".

وكذلك تحرف في " الكامل " لابن عدي (7/ 127) وقال:

"هارون بن كثير، شيخ ليس بمعروف ". ثم ساق له هذا الحديث وقال:

" حدث بذلك عنه سلام الطويل بطوله، والحديث غير محفوظ عن زيد ".

وهذه فائدة منبهة من ابن عدي أن (سلام بن سُليم) في إسناد الواحدي هو
الطويل، وهو المدائني المتروك، وقد جاء في إسناد ابن مردويه موصوفاً بـ (المدائني)
- كما في " تخريج الزيلعي " -.

قلت: فإذا تبين أن حديث الترجمة موضوع بشهادة حفاظ الأمة - ومنهم ابن
__________
(1) زيادة من " العلل " (2/ 130/1880 )، وفي معنى الشطر الأول من الحديث أحاديث
في " المجمع " (10/ 270 - 271) وأعلها.

(14/568)


@@@ 569
حجر العسقلاني - ؛ فلا يستقيم حينئذ قوله عقبه - كما تقدم -:
" وشاهده... رواية سلمة بن وردان... " إلخ.

لما هو معروف عند أهل العلم، أن الحديث الموضوع لا تأثير له، ولا شهادة له ؛
لأن وجوده وعدمه سواء! ألا ترى أن العكس لا يصح أيضاً، وهو أن يقال:
" يشهد له رواية سلمة بن وردان... "!

وهذا - أعني: سلمة - ضعيف ؛ كما قال الحافظ في " التقريب "، وقد كان
الشيخ الخفاجي أيضاً استشهد له أيضاً بحديث الترجمة! وكذلك فعل الشيخ
زكريا الأنصاري ؛ كما كنت ناتلت ذلك عنهما تحت الحديث المتقدم (1342)،
واقتصرا على أن حديث الترجمة ضعيف فقط، فاستشهدا له بحديث سلمة، وقال
الخفاجي:

"فظهر أنه حديث صحيح ليس كغيره من أحاديث الفضائل"!

وقد كنت رددت هناك ما استظهره من الصحة بضعف حديث (سلمة) هذا،
وبأن سند الثعلبي لم أقف عليه.

"ها وقد تبين الأن أن فيه ذاك الطائي المتهم، وأن حديثه موضوع، وأنه لا
يتقوى بالحديث الضعيف ؛ فالحمد لله على توفيقه، وأساعيه المزيد من فضله.

تنبيه وتذكير:
لقد ابتليت الأمة الإسلامية اليوم ببلايا لم تكن معروفة من قبل، وهي
استحلال الكسب الحرام بأساليب عديدة، وطرق مختلفة، قائمة على التزوير
ومخادعة الجماهير، من أسوأها ادعاء العلم والمتاجرة به من بعض الطلبة. واستغل

(14/569)


@@@ 570
ذلك بعض الطابعين والناشرين الجشعين، الذين لا هم لهم إلا بتكثير المجلدات
وتضخيمها بالحواشي والتعليقات التي لا تحقيق فيها إلا مجرد النقل من الكتب
المطبوعة، بقلم من لا يحسنون شيئاً يذكر من العلم مقابل دريهمات معدودات!
وقد نبهت على شيء من ذلك في بعض المناسبات من آخرها ما سوّد به المعلقون
الثلاثة مطبوعتهم الحديثة لكتاب " الترغيب والترهيب " للحافظ المنذري من
أخطاء وأوهام من تصحيح الضعيف وتضعيف الصحيح. وغير ذلك.

وبين يدي الآن ؛ تفسير الإمام الواحدي: " الوسيط " طبع دار الكتب العلمية
في بيروت سنة (1415 هـ)، وإن مما يسترعي الانتباه ويلفت النظر، أن الناشر
المحترم، قد زين الصفحة الأولى وكذلك الغلاف من المجلدات الأربعة تحت جملة
(تحقيق وتعليق) بأسماء أربعة من الدكاترة أحدهم أزهري، واثنان آخران:
الشيخ... الشيخ...! ولدى الرجوع إلى مقدمة الكتاب، وقد أخذت أربعين
صفحة من القياس الكبير! فلا يتبين القارئ منها مطلقاً ما هوتخصص كل من
هؤلاء من التعليق والتحقيق المزعوم، من هو المسؤول مثلاً عن التخريج والتصحيح
والتضعيف للأحاديث، والمسؤول عن مقابلة النسخ المخطوطة ؛ وعن اللغة والشعر
ونحو ذلك ؟

نعم ؛ لقد قيل في الدكتور الأزهري إنه: " قدمه وقرظه " فإذا رجع القارئ إلى
المقدمة ؛ لم يجد لها نهاية موقعة باسم الدكتور! ووجد في صفحة (21) عنوان
" منهج الواحدي في التفسير " في آخرها: " وكتبه... " وذكر اسم الشيخين
المشار إليهما. ثم يجد بعدها إلى صفحة (40) ترجمة للواحدي، ووصف
لمخطوطات الكتاب، ثم عنوان " المنهج المتبع في التحقيق " (ص 36)، وتحته فقرة
عن تخريج الحديث. ثم كرر العنوان (ص 39)! كما كرر الفقرة أيضاً!! ثم ختم

(14/570)


@@@ 571
الكلام بدون توقيع أيضاً ؛ فلم ندر من هو صاحب المنهج والتخريج، ويلاحظ في
كلامه تكرار مخل وممل لبعض الجمل مما يشير إلى أنه حديث عهد بالكتابة أيضاً،
وهذا النوع من الغموض والعي في البيان إن دل على شيء - كما يقول بعضهم
اليوم - ؛ فإنما يدل على أن الأمر قد وسد إلى غير أهله! ومجال تأكيد ذلك واسع
جداً جداً، ولا فائدة من ذلك تذكر، ولا سيما في هذه المناسبة، ولكن حسبي من
ذلك مثالان فقط للعبرة:

الأول: ترجم لـ (أحمد بن يونس) الثقة، ولا فائدة هنا من توثيقه، وفوقه
من لا يوثق به، وبخاصة شيخه (سلام بن سليم) المتروك، ومع ذلك سكت
عنه، وما ذاك ؛ إلا لأنه لم يعرفه، ولو عرفه ؛ لم يجزله أن يغمض عينه عنه،
ويوثق من دونه!

والأخر: أول حديث يواجهنا في" الوسيط " ما ساقه بإسناده (1/ 46) عن
البراء بن عازب مرفوعاً بلفظ:
" العلماء ورثة الأنبياء، يحبهم أهل السماء، ويستغفر لهم الحيتان في البحر
إلى يوم القيامة".

فقال مخرجه المجهول:
" أخرج البخاري صدره في الصحيح - كتاب العلم - باب العلم قبل العمل 1/
23 - 24 بلفظ: " العلماء ورثة الأنبياء"،. والترمذي... ".

قلت: هذا العزو فقط للبخاري يشعر العارفين بهذا العلم الشريف أن المخرج
المجهول لم يشم بعد رائحته، ولم يعرف " صحيح البخاري "، وأنواع الأحاديث
الواردة فيه، وأن منها المسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى غيره من
الصحابة ومن

(14/571)


@@@ 572
بعدهم، ومن هذا ا النوع ما هو معلق، وهذا على أقسام، وفيه أقوال لم تنسب
لأحد، ومنها هذا الحديث، وإن كان معروف النسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بعض
كتب السنة، وقد يكون غير ثابت عنده فلم يذكره مرفوعاً، وهو إذا رفعه أشار إلى
ضعفه، و قد... و قد...

ومن المعروف عند العلماء أن فقه البخاري في تراجم أبوابه، وما أظن الرجل
يفقه شيئاً من هذا ؛ وإلا لم يقع في مثل هذا الكذب على البخاري، والذي حمل
عليه بالإضافة إلى جهله أنه رأى هذه الجملة معزوة في بعض الفهارس إلى
البخاري فتقلده، فصدق فيه ما يروى عن الشافعي رحمه الله أنه قال: مثل المقلد
كمثل الحطاب، يجمع الحطب فيلقيه على ظهره، وفيها الأفعى تلدغه وهو لا يشعر!

ثم إن حديث البراء هذا بتمامه لا يصح، وهو مخرج عندي في " الضعيفة "
(3952)، قبل طبع " الوسيط " بنحو عشر سنين ؛ غير أن الصدر، واستغفار
الحيتان منه، له شواهد يتقوى بها - كما قال الحافظ - وهو مخرج في المجلد السابع
من " الصحيحة " (3024).

6757 - (يقول الله عز وجل كل يوم للجنة : طيبي لأهلك فتزداد
طيبا ، فذلك البرد الذي يجده الناس بسحرٍ من ذلك ).

ضعيف جداً.
أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 15 - هند)،
ومن طريقه أبو نعيم في " صفة الجنة " (1/ 46/ 20): ثنا أحمد بن جعفر
ابن فاتك التُستري: ثنا يوسف بن موسى أبو غسان السكري الرازي: ثنا عمرو
ابن عبد الغفار الفقيمي: ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعاً. وقال
الطبراني:

(14/572)


@@@ 573
" لم يروه عن الأعمش إلا عمرو بن عبد الغفار، تفرد به يوسف بن موسى أبو
غسان ".
قلت: وهوصدوق - كما قال أبو حاتم - ؛ لكن الآفة من شيخه: (عمرو بن
عبد الغفار الفقيمي): قال الذهبي في " المغني ":
"هالك، قال أبو حاتم: متروك الحديث. قال ابن عدي: اتهم بالوضع ". وقال
الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10/ 412):

"رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عمر [و] بن عبد الغفار، وهو متروك ".
وأما شيخ الطبراني (أحمد بن جعفر بن فاتك التستري) ؛ فلم أجد له
ترجمة، وقد وقع اضطراب كثير في اسمه على وجوه:
!ولأ: لم يقع اسم (جعفر) في رواية أبي نعيم عن الطبراني، فقال: (أحمد
ابن فادك التستري). وكذا وقع في " المعجم الأوسط " (3/ 3 1 1/ 2233) في
حديث آخر له. وكذا في ترجمة (يوسف بن موسى التستري) من " تهذيب
الكمال " في الرواة عنه فقال:
" وأبو جعفر أحمد بن فاذك التستري".

فكناه (أبو جعفر)، وأعجم دال (فادك). وكذا في " توضيح المشتبه " لابن
ناصر الدين (1/ 511): فالظاهر أن ما في " المعجم المصغير " خطأ من بعض
النساخ، وأن الصواب أنه (أبو جعفر) لا (ابن جعفر). والله سبحانه وتعالى
أعلم.
ثانياً: وقع أيضاً في اسم أبيه (فاتك)، فعند أبي نعيم في" الأوسط ": (فادك)

(14/573)


@@@ 574
بالدال المهملة مكان التاء المثناة، وأعجمه في" التهذيب " - كما تقدم -، ولعل
الصواب الإهمال، وليست هذه المادة أصلاً في " التوضيح " أو " التبصير "، ولا
في أصلهما " الإكمال "، نعم ؛ في " التبصير " (ص 1064):
" فاتك، جماعة ". ولم يذكر أحداً.

ثالثاً: لقد وقع لأخينا الفاضل علي رضا في اسم الشيخ عدة أوهام في تعليقه
على"صفة الجنة":
أحدها: جعل اسمه (أحمد بن نازك)، هكذا بالنون، وعلق عليه فقال:
" في الأ صل (قادك) (1) وهو تحريف، وما أثبته هو الصواب. انظر " الإكمال "
لابن ماكولا (1/ 436) ".

وفيه ما يأتي:
أولاً: ما أثبته هو الخطأ بعينه لمخالفته للمصادر المتقدمة، على ما بينها من
اختلاف.
والآخر: ما نسبه لـ " الإكمال "، خطأ أيضاً ؛ لأنه لم يذكر ثمة ولا اسماً
واحداً، وإنما هو في التعليق عليه للشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله، ثم هو في
نفسه خطأ مطبعي ؛ كما نبه عليه محقق " التوضيح " الأخ العرقسوسي، فقال في
تعليقه على (فادك):
" تحرف إلى (نازك) قي حاشية " الإكمال " (1/ 436)، وإلى (فاتك)
في " المعجم الصغير " ".
__________
(1) كذا الأصل بالقاف، ولعله خطأ مطبعي.

(14/574)


@@@ 575
رابعاً: قال الأخ علي رضا (ص 47) بعد أن ضعف الحديث جداً:
" وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري، إلا أنه مما لا يفرح به. انظر
التعليق على الأثر (16) ".

ولدى الرجوع إلى حيث أشار إليه، وجدت الحديث في (ص 43) بلفظ:
" إن الله بنى جنات عدن بيده، وبناها لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وجعل
ملاطها المسك، وترابها الزعفران، وحصباءها اللؤلؤ، ثم قال لها: تكلمي... "
الحديث.

فعجبت له كيف جعل هذا شاهداً لحديث الترجمة، وليس فيه ولا جملة
واحدة تشهد له ؟! ولو كانت ؛ فلا يصح في العلم إطلاق لفظ الشهادة ؛ لأنها
قاصرة، على ما فيه من الضعف الشديد في إسناده - كما بينه جزاه الله خيراً - وان
كان ذهب أخيراً إلى تقوية الحديث بما له من متابع وشاهد، وانتقدني في ذكري
لحديث ابن عباس الذي حسنه هو - في " ضعيف الجامع " (5/ 33) -، وقد بينت
علته في " الصحيحة " تحت الحديث (2662)، وهو عندي صحيح باللفظ المخرج
هناك، وليس فيه لفظة (عدن)، فليتنبه لهذا ؛ فإنه موضع يستحق النظر والتأمل.

ثم إن حديث الترجمة، قد أورده الديلمي في كتابه " الفردوس " (5/ 248/
8094)، ولم يورده الحافظ في " زهر الفردوس "، لننظر إسناده، هل هو من طريق
الطبراني وشيخه، أو من طريق غيره، ويغلب على ظني أنه الأول.
ثم رجعت إلى كتابه الآخر " تسديد القوس في ترتيب مسند الفردوس "، وهو
محذوف الأسانيد، فرأيته يقول عقبه:

(14/575)


@@@ 576
" الطبراني في " الصغير " عن جابر ".
فهذا يعني أنه رواه من طريق الطبراني، فصدق ظني والحمد لله.
ولقد ذكرني عزوه لـ " صغير الطبراني " أن أنبه وأن عزو شيخه الهيثمي إياه
لـ " أوسط الطبراني " - كما تقدم - إنما هو من أوهامه ؛ فإن شيخ الطبراني المتقدم
ليس له في " المعجم الأوسط " إلا حديث واحد غير هذا - كما سبقت الإشارة
إليه -.

والحديث عزاه ابن القيم في " حادي الأرواح " (1/ 252) من رواية أبي
نعيم من حديث الأعمش... إلخ. فما أعجبني طيه من إسناده آفته، وكان الأولى
به أن يقول: من حديث عمرو بن عبد الغفار الفقيمي: ثنا الأعمش... إلخ ؛ لأنه
إذا ساق المحدث الحديث الضعيف بإسناده فقد تبرأت ذمته، ولا مسؤولية عليه.
ولهذا لم يعجبني أيضاً صنيع الحافظ ابن رجب في " لطائف المعارف " (ص 58)
فإنه أورده أيضاً بمعناه، ودون عزو، وبلفظ:

"وفي الحديث أيضاً: أن الجنة تفتح... "، وسكت عنه!

ثم إن (عمرو بن عبد الغفار) هذا قد خفي أمره على ابن حبان ؛ فأورده في
كتابه " الثقات " (8/ 478)!

6758 - (الدرهم يصيبه الرجل من الربا ؛ أعظم عند الله من ثلاثة
وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام).

منكر بهذا التمام.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (13/ 171/
411): حدثنا المقدام بن داود قال: حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار قال:

(14/576)


@@@ 577
حدثنا ابن لهيعة عن أبي عيسى الخراساني سليمان بن كيسان عن عطاء
الخراصاني عن عبد الله بن سلام مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، أعله المنذري بالانقطاع فقط! فقال في " الترغيب "
(12/50/3):
" رواه الطبراني في " الكبير " من طريق عطاء الخراساني عن عبد الله، ولم
يسمع منه ".

وكذا قال الهيثمي (4/ 117):
قلت: وهو في نفسه صدوق، ولكنه يهم كثيراً، ويرسل ويدلس - كما قال
الحافظ -.
وابن لهيعة: ضعيف في غير رواية العبادلة عنه، وهذه منها.
والمقدام بن داود: قال النسائي:
"ليس بثقة".

وسائر رجال الإسناد ثقات، وقول الحافظ في أبي عيسى الخراساني:
" مقبول " تقصير غير مقبول ؛ فالرجل ثقة - كما قال ابن حبان والذهبي -،
وروى عنه جمع من الثقات - كما بينت في " تيسير انتفاع الخلان بثقات ابن
حبان " -.

ثم قال المنذري عقب قوله المتقدم:
" ورواه ابن أبي الدنيا والبغوي وغيرهما موقوفاً على عبد الله وهو الصحيح، !

(14/577)


@@@ 578
ولفظ الموقوف في أحد طرقه:
قال عبد الله: الربا اثنان وسبعون حُوباً، أصغرها حُوباً كمن أتى أمه في
الإسلام، ودرهم من الربا أشد من بضع وثلاثين زنية ".

قال:
" ويأذن الله بالقيام للبر والفاجر يوم القيامة إلا آكل الربا ؛ فإنه { لا يقوم إلا
كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } ".

ولي على هذا التخريج والتصحيح ملاحظات:
الأولى: أن إطلاقه العزو للبغوي يوهم أنه رواه بإسناده، وليس كذلك ؛ فإنه
إنما ذكره في " شرح السنة " معلقاً ؛ فقال (8/ 54):
" وقال عبد الله بن سلام... " إلخ.

ولم يسنده في" تفسيره " للآية من آخر سورة البقرة، واكتفى المعلق على
" الشرح " في تخريجه على نقل كلام المنذري - على ما فيه مما أنا في صدد بيانه -.
الثانية: لم يتيسر لي الوقوف على رواية ابن أبي الدنيا في شيء من رسائله
وكتبه التي عندي من مخطوط، أو مطبوع لننظر في سنده، وقد صححه المؤلف،
وهو ما أستبعده ؛ لأنني قد رأيته. في " مصنف عبد الرزاق " (10/ 461/
19706)، ومن طريقه البيهقي في " شعب الإيمان " (4/ 392/ 4 551) عن
معمر عن عطاء الخراساني أن عبد الله بن سلام قال:... فذكره.

فرجع الإسناد إلى عطاء الخراساني، وقد عرفت حاله، مع الانقطاع الذي
صرح به المنذري، فكيف يكون صحيحاً ؟! وما إخالُ رواية ابن أبي الدنيا إلا من

(14/578)


@@@ 579
هذا الوجه.
نعم ؛ قد وصله البيهقي (5515) من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار
عن عبد الله بن سلام أنه قال:
" الربا اثنان وسبعون حوباً، وأدناها فجرة مثل أن يقع الرجل على أمه، أو مثل
أن يضطجع الرجل مع أمه، وأكثر من ذلك - أظن - استطالة المرء في عرض أخيه
المسلم بغير حق ".

وإسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات، ووقع في الأصل بعض الأخطاء المطبعية،
فصححتها من " الدر المنثور " (1/ 364).
فهذا مما يؤكد ضعف قوله: " ويأذن الله بالقيام... " إلخ.

نعم ؛ قد جاء مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أكل الربا ؛ بعث يوم القيامة مجنوناً
يتخبط، ثم قرأ: { الذين يأكلون الربا... } الآية. وهو مخرج في " الصحيحة "
(3313).

وكذلك ثبت حديث الترجمة دون قوله: " في الإسلام " عق حنظلة بن
راهب عن كعب... فذكره موقوفاً عليه.

أخرجه أحمد في " المسند " (5/ 225) تحت مسند (عبد الله بن حنظلة
ابن الراهب - غسيل الملائكة) ولذلك لم يعزه إليه المعلقون الثلاثة ؛ فقالوا (2/
618):

" رواه أحمد في لا الزهد " ".
وهذا تخرص منهم مقيت، صاروا إليه ؛ لما رأوا المنذري عزاه لأحمد وتبعه على

(14/579)


@@@ 580
ذلك الهيثمي (4/ 117)، وقد وصف هذا كعباً بقوله:
" وعن كعب الأحبار "!

ولما لم يجدوا لكعب هذا ذكراً في " فهرس المسند " ؛ ادعوا هذه الدعوى
الكاذبة، تصحيحاً لعزوهما إلى (أحمد)!!! والعزو صحيح ؛ ولكنهم قوم لا
يفقهون هذا العلم ولا يهتدون ؛ ولذلك ضعفوه!

ووصف (كعب) بالأحبار لا أصل له عند أحمد، ولا عند غيره، وذلك من
أوهام الهيثمي التي سبقت إلى ذهنه ؛ فقال عقب متنه:

" رواه أحمد عن حنظلة الراهب عن كعب الأحبار، وذكر الحسيني: أن
(حنظلة) هذا غسيل الملائكة، فإن كان كذلك ؛ فقد قتل بأحد، فكيف يروي
عن كعب ؟! وإن كان غيره ؛ فلم أعرفه، والظاهر أنه ابنه (عبد الله بن حنظلة)،
وسقط من الأصل (عبد الله)، والله أعلم، ورجاله رجال الصحيح إلى حنظلة ".

قلت: وما استظهره أخيراً هو الصواب الذي لا شك فيه لأسباب أهمها ؛ أن
الدارقطني في " سننه " (3/ 6 1/ 49)، والبيهقي في" الشعب " (4/ 393/
5516) روياه على الصواب من طريقين عن سفيان - وهو: الثوري - وهي التي
في " المسند " عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الراهب
قال: قال كعب:... فذكره. فأثبت فيه (عبد الله) الساقط من" المسند " ؛ غير
أنه نسبه لجده، وبذلك يظهر أن الإسناد صحيح، وقد قال المنذري في " الترغيب "
(13/50/3):
"وروى أحمد بإسناد جيد عن كعب الأحبار... " فذكره.

(14/580)


@@@ 581
وأما المعلقون الثلإثة فجزموا بجهلهم البالغ، وارتجالهم المعهود بأنه ضعيف ؛
دون أن يذكروا السبب - كما هي عادتهم -. هداهم الله، وعرفهم بأنفسهم!

وإن مما يؤكد للقراء جهلهم وغرورهم، وأنهم يخبطون خبط عشواء في الليلة
الظلماء ؛ أنهم في الوقت الذي ضعفوا هذا الموقوف حسنوا الحديث الآتي مرفوعاً
عن عبد الله بن حنظلة، والأول أصح ؛ كما يأتي عن الدارقطني ؛ فقد أخرجه برقم
(48)، وأحمد أيضاً من طريق جرير بن حازم عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن
عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" درهم رباً يأكله الرجل - وهو يعلم - ؛ أشد من ست وثلاثين زنية ".
وقال المنذري:
" رواه أحمد والطبراني في " الكبير "، ورجال أحمد رجال الصحيح ".

وكذا قال الهيثمي ؛ إلا أنه زاد في التخريج: " والأوسط ".
قلت: وإسناده عندي صحيح ؛ وان أعله الدارقطني بالموقوف المتقدم، فقال:
" هذا أصح من المرفوع ".

إلا أن هذا لا ينفي الصحة عن المرفوع ؛ وإن كان دون الموقوف، وأظن أن ملحظ
الدارقطني فيما قال، ما في (جرير بن حازم) من المقال، ولكنه قد جاوز القنطرة
برواية الشيخين عنه، ولا سيما وقد توبع من ليث بن أبي سليم عن ابن أبي
مليكة به.
أخرجه الطبراني في " الأوسط" (3/ 0 33/ 3 0 27)، والدارقطني (0 5)
عن عبيد الله بن عمرو عنه. وقال الطبراني:

(14/581)


@@@ 582
" لم يروه عن ليث إلا عبيد الله ".

قلت: وهو ثقة، وكذلك سائر الرجال ؛ غير ليث فإنه ضعيف لاختلاطه،
ولكن ذلك لا يمنع من الاستشهاد به.

ومع صحة هذا الإسناد، فقد اقتصر المعلقون الثلاثة على تحسينه - كما
تقدمت الإشارة إليه -، مع أنهم نقلوا قول الهيثمي الموافق لقول المنذري أن
رجاله رجال " الصحيح ". فإنهم يفسرون هذا حسب أهوائهم دون علم، والأمثلة
على ذلك كثيرة، فتارة يحسنون - كما هنا - وتارة يصححون، وتارة يضعفون! دون
التزام لقاعدة علمية صحيحة، بل ولو كانت في نفسها غير صحيحة، فهم
مضطربون في ذلك أشد الاضطراب، والأمثلة في هذا كثيرة وكثيرة جداً، وقد
ذكرت بعضها في مقدمة المجلد الخامس (ع 8 - 9)، وقد صدر حديثاً (1417 هـ)
والحمد لله.

6759 - (سيظهرز شرار أمتي على خيارهم ؛ حتى يستخفي فيهم
المؤمن ؛ كما يستخفي فينا المنافق).

ضعيف.
أخرجه أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (2/ 798/
401) من طريق أشعث بن شعبة عن إبراهيم بن محمد عن الأوزاعي عن حسان
ابن عطية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف لإرساله ؛ فإن (حساناً) هذا تابعي ثقة من رجال
الشيخين، وكذلك من دونه ؛ غير أشعث بن شعبة، وقد وثقه أبو داود وابن حبان
(8/ 129)، وقال أبو زرعة:

(14/582)


@@@ 583
"ليّن ".
قلت: فهو وسط حسن الحديث إن [ شاء ] الله تعالى، وقد روى عنه جمع
من الثقات.
وقد توبع ؛ فرواه عتاب بن بشر عن الأوزاعي مثله.
أخرجه ابن أبي الدنيا في " العقوبات " (64/ ب) ؛ كما ذكر الأخ الفاضل
الدكتور رضاء المباركفوري في تعليقه على الحديث.

" وقد روي هذا المعنى من حديث جابر بلفظ: يأتي على الناس زمان يستخفي
المؤمن فيهم ؛ كما يستخفي المنافق فيكم اليوم.
أخرجه ابن السني في" عمل اليوم والليلة ". ذكره علي الهندي في " كنز
العمال " (11/ 176)، ولم أهتد إلى موضعه منه ".

قلت: لابن السني كتب أخرى غير " عمل اليوم والليلة "، وليس الحديث
فيه، ولا عزاه " الكنز " إليه، وإنما قال: " ابن السني " أطلق، ولم يقيد، لكن لما
كان الكتاب المذكور، هو المشهور من كتبه تبادر إلى ذهن الأخ أنه هو المقصود ؛
فجرى به قلمه، وعزاه إلى " كنز الهندي " ؛ دون أن ينتبه أنه لم يعزه إليه، فاضطر
أن يبحث عنه في " العمل "، ولكن دون جدوى.
و " الكنز " في إطلاق العزو لابن السني تابع في ذلك لأصله - أعني: كتاب
السيوطي " جمع الجوامع " المعروف بـ " الجامع الكبير " -، وغالب ظني أن السيوطي
اعتمد في عزوه إلى (ابن السني) على " مسند الفردوس " لابن الديلمي ؛ فقد
قال فيه: " قال ابن السني:. حدثنا... " إلخ. كما في " زهر الفردوس " (3/

(14/583)


@@@ 584
315) لابن حجر، وإنما ظننت هذا ؛ لأنه لو كان نقله من كتاب ابن السني
مباشرة ؛ لسماه، دفعاً للوهم الذي وقع فيه الأخ الفاضل. والله أعلم.

هذا ؛ وقد رواه ابن السني، وكذا ابن عدي في " الكامل " (7/ 189) من
طريق يحيى بن أبي أنيسة: سمعت أبا الزبير المكي يقول: يسمعت جابراً
يقول:... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، يحيى بن أبي أنيسة - وهو: الجزري -: قال
الذهبي في " المغني ":
" مشهور، قال أحمد وغيره: متروك ".

6760 - (منْ ظَلَمَ شِبْرًا فَمَا فَوْقَهُ، كُلِّفَ أَنْ يَحْمِلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى
يَبْلُغَ الْمَاءَ، ثُمَّ يَحْمِلُهُ إِلَى الْمَحْشَرِ).

منكر جداً بذكر: (جملة الماء).
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "
(22/ 271/ 695) من طريق أحمد بن أيوب السكري عن أبي حمزة عن جابر
عن موسى التغلبي عن يعلى بن مرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، موسى التغلبي: لم أعرفه، ولعله من رجال
الشيعة ؛ فإن (جابراً) الراوي عنه من كبارهم - وهو: ابن يزيد الجعفي -، وقد
اختلف [ فيه ] المتقدمون من أئمة الجرح، لكن أكثرهم على تضعيفه ؛ بل كذبه
غير واحد منهم، وكان يؤمن برجعة علي إلى الدنيا! وقد استقر رأي الحفاظ
المتأخرين على عدم الاحتجاج بحديثه، وأطال الذهبي في ترجمته في " الميزان "،
ولخص ذلك في كتابه " الكاشف " فقال:

(14/584)


@@@ 585
" من أكبر علماء الشيعة، وثقه شعبة فشذ، وتركه الحفاظ، قال أبو داود:
ليس في كتابي له شيء، سوى حديث السهو، مات سنة (128)".

وقال الحافظ في" التقريب ":
" ضعيف رافضي ". وبه أعله الهيثمي، فقال في" المجمع " (4/ 175):
" وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، وقد وثق ".

قلت: وهذا الحديث مما يدل على ضعفه - إن سلم من شيخه موسى
التغلبي - ؛ لأن أصل الحديث صحيح ؛ دون تلك الجملة المنكرة. فقد رواه ابن
حبان في" صحيحه "، وأحمد، والطبراني أيضاً (690 - 693) من طرق عن
أيمن بن ثابت عن يعلى بن مرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره نحوه
دونها، وهو مخرج في المجلد الأول من " الصحيحة " (240 و 242).

وهو في" الصحيحين " وغيرهما عن غير ما واحد من الصحابة - مختصراً -
دونها. وهو مخرج في " الروض النضير " (338).

ثم إن الراوي عن جابر الجعفي (أبو حمزة) - اسمه: (محمد بن ميمون
السكري) وهو -: ثقة من رجال الشيخين.
والراوي عنه (أحمد بن أيوب السكري) هو - فيما يغلب على ظني - (أحمد
ابن أيوب الضبي)، وقوله: (السكري) خطأ من الناسخ أو الطابع ؛ فإنها نسبة
شيخه - كما عرفت -، نقلت إليه خطأ، فقد ذكروا أحمد الضبي هذا في الرواة عن
(محمد بن ميمون السكري). والله أعلم.

(14/585)


@@@ 586
6761 - (من أخذ شيئاً من الأرضِ بغيرحِلة ؛ طوقة من سبع
أرضين، لا يقبل منه صرف ولا عدل).
منكر بزيادة: (جملة الصرف).
أخرجه أبو يعلى في " مسنده" (2/ 89/
4 74)، والبزار أيضاً (2/ 135/ 1374)، والطبراني في " الأ وسط " (6/ 69 -
70/ 5145) من طريق حاتم بن إسماعيل: ثنا حمزة بن أبي محمد عن بجاد
ابن موسى عن عامر بن سعد عن أبيه مرفوعاً. وقال البزار - واللفظ له - والطبراني:
" لا نعلمه عن سعد بهذا التمام واللفظ إلا بهذا الإسناد".

قلت: آفته (حمزة) هذا، وهو ضعيف الحديث، منكر الحديث لم يرو عنه
غير حاتم ؛ كما قال ابن أبي حاتم عن أبيه. ثم قال:
" سئل أبو زرعة عنه ؛ فقال: مديني لين ".

وشيخه (بجاد بن موسى): مجهول. لم يذكرله ابن أبي حاتم راوياً غير
حمزة هذا! لكن ذكره البخاري في " التاريخ "، وابن حبان في " الثقات " (6/
118) برواية حماد بن سلمة عنه ؛ فهو مجهول الحال، ولعله لذلك تجاوزه
الهيثمي، وأعله بالراوي عنه فقال (4/ 175):
"رواه أبو يعلى، والبزار، والطبراني في " الأ وسط "، وفيه حمزة بن أبي
محمد، ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة عنه، وحسن الترمذي حديثه".

قلت: الحديث الذي حسنه الترمذي لفظه:
" إن الله تعالى قال: لقد خلقت خلقاً ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمرّ
من الصبر، فبي حلفت لأُتيحنهم فتنة تدع الحليم منهم حيراناَ، فبي يغترون ؟

(14/586)


@@@ 587
وعلي يجترئون ؟! ".
وهو عنده (2407) من رواية حاتم عن حمزة عن عبد الله بن دينار عن ابن
عمر مرفوعاً. فليس فيه إلا حمزة هذا، وسائر رجاله ثقات، بخلاف حديث
الترجمة ففيه (بجاد) أيضاً، فأحدهما هو الآفة، فقد تفرد بذكر جملة الصرف
فيه دون كل من روى هذا الحديث من الصحابة، مثل عائشة وغيرها ؛ كما سبق
الإشارة إلى ذلك في الحديث الذي قبله.

وقد جاءت الجملة المشار إليها في حق ناس آخرين من العصاة مثل قوله صلى الله عليه وسلم:
" المدينة حرام، ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً، أو أوى فيها
محدثاً ، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم
القيامة صرفاً، ولا عدلاً،... ". الحديث متفق عليه، وهو مخرج في" الإرواء "
(1058)، فكأن راوي حديث الترجمة، دخل عليه حديث في حديث. والله
أعلم.

(تنبيه): عزاه المنذري (3/ 54/ 4) لأحمد أيضاً، وليس فيه ، فلعله
مقحم من بعض النساخ.

ثم إن المعلقين الثلاثة قالوا في الحديث (2/ 627):
" حسن بشواهده "!

وهذا من بالغ جهلهم بهذا العلم الشريف ؛ لأن جملة الصرف ليس لها شاهد
في هذا الحديث، فهي منكرة فيه. هداهم الله.

(14/587)


@@@ 588
6762 - (ذِرَاعٌ مِنْ الْأَرْضِ يَنْتَقِصُهَا الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ،
فَلَيْسَ حَصَاةٌ مِنْ الْأَرْضِ يَأْخُذُهَا أَحَدٌ، إِلَّا طُوِّقَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى قَعْرِ
الْأَرْضِ، وَلَا يَعْلَمُ قَعْرَهَا إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي خَلَقَهَا).

ضعيف.
أخرجه أحمد (1/ 396، 397)، والطبراني في " المعجم الكبير"
(10/ 266/ 10516) من طريق عبد الله بن لهيعة: ثنا عبيد الله بن أبي جعفر
عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
قلت: يا رسول الله! أي الظلم أظلم ؟ قال:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ لضعف ابن لهيعة المعروف، إلا ما كان من رواية
العبادلة ونحوهم عنه، وليس هذا منها.

ثم إن الظاهر أنه منقطع بين أبي عبد الرحمن الحبلي الذي مات سنة (100)،
وابن مسعود وقد مات سنة (32)، فبينوفاتيهما دهر طويل ؛ كما قال الشيخ
أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على " المسند " (5/ 289) ؛ ولهذا صدر
تعليقه بقوله:
"إسناده صحيح، ولكني أخشى أن يكون منقطعاً ".

وأعاده بنحوه في مكان آخر منه (ص 291).
ومن عادته - غفر الله لنا وله - أنه يتسامح في حديث ابن لهيعة ؛ فيصححه لا
يفرق بين العبادلة وغيرهم إذا كانوا من الثقات ؛ ولكني أقول:
كفى بالمرء نبلاً أن تعد معائبه

(14/588)


@@@ 589
ونحوه قول المنذري (3/ 54/ 5)، وتبعه الهيثمي (4/ 174 - 175)،
وقلدهما المعلقون الثلاثة (2/ 628):
" رواه أحمد، والطبراني في " الكبير "، وإسناد أحمد حسن"ً!

ثم إنه وقع في " الترغيب ": " وعن أبي مسعود..،، وهو خطأ من بعض
النساخ.

6763 - (قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، [ ومن كنت
خصمه، خصمته ]: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ
ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ ( وفي رواية: ولم
يُوفه) أَجْرَهُ).

ضعيف.
أخرجه البخاري (2227، 2270)، ومن طريقه البغوي في " شرح
السنة " (8/ 265/ 2186)، وابن ماجه (2442)، وابن حبان (7295)،
وابن الجارود (579)، والطحاوي في " مشكل الآثار " (4/ 42 1)، والبيهقي
في " السنن " (6/ 14، 121)، وأحمد (2/ 358)، وأبو يعلى (11/ 444/
6571)، والطبراني في " المعجم الصغير " (184 - هند) من طرق عن يحيى بن
سليم عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد [ عن أبيه ] عن أبي هريرة
مرفوعاً. وقال الطبرا ني:
" لم يروه عن المقبري إلا إسماعيل ين أمية، تفرد به يحيى بن سليم ".

قلت: وهو مختلف فيه، وقد كنت ذكرت شيئاً من أقوالهم فيه تحت هذا
الحديث حين كنت خرجته قديماً في " إرواء الغليل " (5/ 308 - 311)، ومِلت

(14/589)


@@@ 590
هناك إلى تضعيفه، وذكرت خلاصة منه فيما علقته على كتابي " مختصر صحيح
البخاري " (2/ 73/ 1050)، وإن مما حملني على ذلك ؛ أني رأيتهم قد نقلوا
عن البخاري نفسه أنه قال في يحيى بن سليم - وهو: الطائفي -:

" ما حدث الحميدي عن يحيى بن سليم فهوصحيح ".

وليس هذا من رواية الحميدي عنه، لا عند البخاري، ولا في شيء من
المصادر المتقدمة.
ثم إنني ازددت ثقة بضعفه حين انتبهت لاضطراب يحيى في روايته إسناداً
ومتناً:

أ - أما الإسناد ؛ فرواه الجماعة - كما تقدم -... عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري عن أبي هريرة.

وقال أبو جعفر النفيلي:... عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة.
أخرجه ابن الجارود، والبيهقي في رواية. ونقل عنه الحافظ في " الفتح " (4
/ 418) أنه قال:
" والمحفوظ قول الجماعة ".

قلت: لم أطمئن لهذا الحكم لضعف الطائفي، وثقة النفيلي - وهو: (عبد الله
ابن محمد) -، بل هو فوق الثقة، فقد بالغوا في الثناء عليه وعلى حفظه، فقال
الذهبي في " الكاشف ":
" قال أبو داود: ما رأيت أحفظ منه، وكان أحمد يعظمه. وقال ابن وارة: هو
من أركان الدين ". وقال الحافظ في " التقريب ":

(14/590)


@@@ 591
" ثقة حافظ ".
فأقول: فمن الواضح جداً أنه إذا دار الأمر بين توهيم الثقة المختلف فيه، وتوهيم
الثقة الحافظ المتفق على توثيقه ؛ فإن مما لا مرية فيه أن توهيم الأول منهما هو
الصواب، ولا سيما إذا كان الراجح أنه ضعيف من قبل حفظه ؛ ولذلك قال الحافظ
في " تقريبه ":

" صدوق سيئ الحفظ ". فكيف يصح توهيم جبل الحفظ، وشيخه سيئ
الحفظ ؟! هذا لا يستقيم أبداً. بل الصواب أن يقال: إن الشيخ كان تارة يذكر في
الإسناد: " عن أبيه " فحفظه عنه أبو جعفر النفيلى، وتارة لا يذكره فحفظه
الجماعة، وكل حدث بما سمع.

ويؤيد هذا ما يأتي:
ب - أما المتن، فقد اضطرب في حرفين منه:
الأول: فقال مرة: " لم يعطه "، وهو رواية البخاري فى الموضعين عن شيخين
له عنه. وقال الآخرون: " ولم يوفه ".

فهل يقال: هذا هو المحفوظ ؛ لأنه رواية الجماعة، ويوهم شيخا البخاري، أم
يقال: كل حفظ ما سمع من الطائفي، وإنما هذا هو الذي كان يضطرب في لفطه،
فيقول هذا مرة، وهذا مرة. نعم.

فهذا هوالحق ما به خفاء ... فدعني عن بنيات الطريق.
ويؤيده الأمر الآتي، وهو:
الآخر: لم يذكر البخاري وأحمد زيادة: " ومن كنت خصمه ؛ خصمته "،

(14/591)


@@@ 592
وهي في رواية ابن حبان، وابن الجارود، وابن ماجه، والبيهقي، وأبي يعلى،
والطبراني، والبغوي في رواية له. وهي عند ابن خزيمة أيضاً، كما ذكر الحافظ في
" الفتح "، أخرجوها من طرق عن الطائفي.

ثم استدركت فقلت: هناك اضطراب في جملة أخرى، وهي أن الحديث عند
الجماعة حديث قدسي: " قال الله ". لكن هذا القول لم يثبت عند ابن حبان،
وا ن ماجه، وأبي يعلى، والطبرا ني، فقالوا:

" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت... "
الحديث. فجعلوه حديثاً نبوياً، وهذا أقرب عندي من حيث التعبير، وأسلوب
الكلام. واللة أعلم.

وثمة تنبيهات:
أولاً: عزا المنذري الحديث في " الترغيب " (3/ 57/ 1 و 63/ 2)
للبخاري وابن ماجه بالزيادة ؛ فأوهم أنها عند البخاري أيضاً، فتعقبه الحافظ إبراهيم
الناجي في " عجالة الإملاء " بقوله (168/ 1):
" ولا ريب أن هذه الزيادة ليست عند البخاري، إنما هي عند ابن ماجه وابن
خزيمة وابن حبان والإسماعيلي، وعزاها النووي في " شرح المهذب " إلى أبي يعلى
الموصلي فقط، وذكر أنها عنده بإسناد ضعيف ".

قلت: وكذلك وقع في هذا العزو المتكر المعلق على " مسند أبي يعلى " (11/
445) ؛ فإنه لما خرج الحديث للبخاري وابن ماجه وغيرهما ؛ "لم يبين الفرق بين
روايتيهما، ومثله مما يقع فيه كثيراً هو وغيره من الناشئين في هذا العلم.

(14/592)


@@@ 593
ثانياً: لقد فرق النووي في " شرح المهذب " (9/ 242) بين أصل الحديث
بدون الزيادة ؛ فعزاه للبخاري، وبين الزيادة المتقدمة ؛ فعزاها لأبي يعلى وحده بإسناد
ضعيف. ولم يبين سبب ضعفه لا هو ولا الناجي، لانما هو توهمه أنه تفرد به
(سويد بن سعيد) شيخ أبي يعلى! ففاته أنه عند ابن ماجه عن سويد أيضاً،
وأنه عند ابن حبان وابن الجارود وغيرهما ممن قرن معهما قبيل الاستدراك، فعلتها
علة المزيد عليه وهو (يحيى بن سليم الطائفي).

ثالثاً: تقدم تصريح الطبراني بتفرد (يحيى) هذا بالحديث، ففيه رد لقول
الحافظ في " مقدمة الفتح ": إن له أصلاً عند البخاري من غير هذا الوجه! وقد
رددت عليه هذا ووهماً آخر له في " الإرواء " فلا داعي للإعادة، فمن شاء ؛ رجع اليه.
رابعاً: أورد المنذري الحديث في مكان ثالث من " الترغيب " (4/ 44/ 16)
برواية البخاري ولفظه ؛ إلا أنه قال:
" فاستوفى منه العمل، ولم يوفه أجره ".

فتعقبه الناجي (ق 202/ 1) بأن لفظ: " العمل " ليس عند البخاري.
قلت: ولا عند أحد ممن ذكرنا من المخرجين، وإنما هو مقحم من بعض النساخ، وربما
كان على حاشية النسخة كتبت لبيان المراد، فتوهمها بعض النساخ من المتن،
فضمها اليه!

وفي النص المذكور خطأ آخر، وهو قوله: " يوفه "، فهذا لفظ ابن ماجه وغيره،
ولفظ البخاري: " يعطه " - كما تقدم -. والله سبحانه وتعالى أعلم.

خامساً: من جهل المعلقين الثلاثة على " الترغيب " بالفقه أنهم جعلوا
حديث الترجمة شاهداً لحديث: " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه "! ولا

(14/593)


@@@ 594
يخفى الفرق بينهما، فالأول: فيه الأمر بدلالة المفهوم على إعطاء الأجيرأجره
كاملاً وافياً غير منقوص، والآخر: فيه الأمر الصريح بالتعجيل بدفع الأجر ؛ كما
هو ظاهرلكل بصير.

6764 - ( لا ينفع حذر من قدر، والدعاء ينفع مالم ينزل القضاء،
وإن البلاء والدعاء ليلتقيان بين السماء والأرض، فيعتلجان إلى يوم
القيامة).

ضعيف جداً (*).
أخرجه البزار في " مسنده " (2/ 29/ 2164) من طريق
إبراهيم بن خُثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن جده عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال:

" لا نعلمه عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ".
قلت: وهو ضعيف جداً ؛ إبراهيم بن خثيم: قال النسائي:
" متروك ". وقال أن زرعة.
" منكر الحديث".

وبه أعله الهيثمي، فقال (7/ 209 و 0 1/ 46 1):
"رواه البزار، وفيه إبراهيم بن خثيم، وهو متروك ".

ثم رواه البزار (2165)، والحاكم (1/ 492)، والطبراني في " الأوسط " (3/
242/ 2519)، و " الدعاء " (2/ 2/ 0 80/ 33)، والخطيب (8/ 453)
__________
(*) هذا ما حكم به الشيخ رحمه الله أخيراً على هذا الحديث، وكان قد حسنه - قديماً - ؛ انظر
"صحيح الجامع " برقم (7739). (الناشر).

(14/594)


@@@ 595
من طريق زكريا بن منظور: حدثني عطاف عن هشام عن أبيه عن عائشة مرفوعاً بلفظ:
"لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وان البلاء ينزل
فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة ".
وقال البزار:
" لا نعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد ".

كذا قال! وكأنه نسي، فقد علمه بالإسناد المتقدم عنه له ؛ وان كان واهياً،
وأظن أن هذا مثله في الوهن، وعلته (زكريا بن منظور)، وان قال الحاكم عقبه:
"صحيح الإسناد " ؛ فقد رده الذهبي بقوله في " التلخيص ":
" قلت: زكريا مجمع على ضعفه".

كذا قال! وهو مردود بقول الهيثمي:
" وثقه أحمد بن صالح المصري، وضعفه الجمهور ".
قلت: ووثقه ابن معين في رواية ؛ كما في " التهذيب ". وقال الذهبي في "المغني ":
"ضعفه جماعة، وقال ابن معين: ليس بثقة ". وأما في " الكاشف "
فاكتفى بقوله:
" لينه أحمد ". ونحوه قول الحافظ في، " التقريب ":
" ضعيف ".
وأما في " التلخيص الحبير " ؛ فقال عقب الحديث - وقد عزاه للبزار والحاكم -:

(14/595)


@@@ 596
" وفي إسناده زكريا بن منظور، وهو متروك ".

وذكر له ابن عدي في " الكامل " أحاديث هذا أحدها، ثم قال (3/ 213):
" ليس له أحاديث أنكر مما ذكرت، وله غيرها غرائب، وهو ضعيف - كما
ذكروا -، إلا أنه يكتب حديثه ".

وقال ابن الجوزي في " العلل " (2/ 360):
" حديث لا يصح، قال يحيى: زكريا ليس بثقة. وقال الدارقطني: متروك ".
(تنبيه): قوله: " لا يغني حذر من قدر " قد صح موقوفاً على ابن عباس،
وهو مخرج في " الضعيفة " تحت الحديث (5448).

وقوله صلى الله عليه وسلم: " الدعاء يرد القضاء "، قد ثبت مرفوعاً عن ثوبان، وهو مخرج في
الصحيحة " (154).

6765 - (إن نساء بني إسرائيل كن يجعلن هذا في رؤوسهن فلُعِنّ،
وحُرَّمَ عليهن المساجد. يعني: قُصَّة).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (10/ 360/ 10718)،
و "الأوسط " (1/ 232/ 256) من طريق سعيد بن عفير قال: حدثنا ابن
لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن أبن عباس:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بقُصة فقال:... فذكره، وقال:
" لم يروه عن عروة عن ابن عباس، إلا أبو الأسود، تفرد به ابن لهيعة " -

(14/596)


@@@ 597
قلت: وهو ضعيف ؛ لما عرض له من سوء الحفظ - كما هو معروف -، وسائر
رواته ثقات. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5/ 169):
" رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه ابن لهيعة، وحديثه
حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات ".

(تنبيه): زعم الدكتور المعلق على" الأوسط " فقال:
"والحديث قد أخرجه البخاري ومسلم بمعناه من حديث معاوية بن أبي سفيان ".
قلت: لفظ حديث معاوية:
" إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم ".

وهو مخرج في " غاية المرام " (79 - 80/ 100) برواية الشيخين وغيرهما،
وليس فيه - كما ترى - جملة المساجد، لا لفظاً ولا معنى، فقول الدكتور:" بمعناه "
خطأ ظاهر. والله المستعان.

6766 - (إن ملائكة الله يعرفون بني آدم - أحسبُه قال: ويعرفون
أعمالهم - فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله ؛ ذكروه بينهم وسمّوه،
وقالوا: أفلح الليلة فلان، نجا الليلة فلان، وإذا نظروا إلى عبد يعمل
بمعصية الله ؛ ذكروه بينهم وسمّوه، وقالوا: هلك فلان الليلة).

ضعيف جداً.
أخرجه البزار في " مسنده " (4/ 67/ 4 1 32 - كشف الأستار)
قال: حدثنا إسحاق بن سليمان البغدادي الفلوسي قال: ثنا بيان بن حمران:
ثنا سلام عن منصور بن زاذان عن محمد عن أبي هريرة مرفوعاً، وقال:

(14/597)


@@@ 598
" وسلام هذا، أحسبه (سلاّم المدائني)، وهو لين الحديث"ً.
وأقول: أما أنه (سلام المدائني) فنعم - وهو: الخراساني الطويل -، وأما أنه
" لين الحديث "، ففيه تسامح كبير ؛ وإن أقره ابن كثير في " البداية " (1/ 51)،
فقد تعقبه الحافظ ابن حجر في " مختصر زوائد مسند البزار " فقال (2/ 451):
" قلت: بل متروك ". وكذا قال الذهبي في " المغني "، واتهمه ابن حبان (1/
339) بالوضع.

والظاهر أن الهيثمي لم يعرفه ؛ فقال في " المجمع " (10/ 227):
" رواه البزار، وفيه من لم أعرفهم "!

أقول هذا ؛ لأنه لو عرفه ؛ لأعله به، ولأغناه ذلك عن إعلاله بجهالة من لم
يعرفهم، وليس فيه من يليق أن يقال ما قال سوى (بيان بن حمران)، والراوي
عنه (الفلوسي) ؛ فإني لم أجد لهما ترجمة، ومع أن (الفلوسي) هذا من شرط
الخطيب في " تاريخ بغداد " فلم أره فيه، ولا أورد نسبته هذه السمعاني في
" الأنساب "، ولا ابن الأثير في " اللباب "، ولا الفيروز أبادي في " قاموسه "،
ولا شارحه في " تاجه ". والله أعلم.

6767 - (أكمل المؤمنين إيماناً، أحاسنُهم أخلاقاً.
وإن المرء ليكون. مؤمناً، وإن في خُلُقه شيئاً، فينقص ذلك من إيمانه).

منكر بزيادة الشطر الثاني.
أخرجه ابن نصر في " تعظيم قدر الصلاة " (1/
442/ 454) من طريق ابن لهيعة: حدثني عيسى بن سِيلان عن أبي هريرة
مرفوعاً.

(14/598)


@@@ 599
قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ عيسى بن سيلان: أورده البخاري في " التاريخ "،
وابن أبي حاتم في " كتابه "، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وذكر الحافظ في
" التهذيب " (2/ 40):
" وقال الدارقطني في (ابن سيلان): قيل: اسمه (عيسى)، وقيل:
(عبد ربه)، حديثه يعتبر به. وقال ابن يونس:
عيسى بن سيلان، مكي سكن مصر، روى عن أبي هريرة، روى عنه زيد بن
أسلم، وحيوة بن شريح، والليث، وابن لهيعة ".

وفاته أنه ذكره ابن حبان في " الثقات " (7/ 231) من رواية عبد الله بن
الوليد عنه.

قلت: فإن كان حفظه ؛ فهو من تخاليط ابن لهيعة ؛ لسوء حفظه الذي كان طرأ
عليه، فقد جاء الحديث من طرق ثلاث عن أبي هريرة مرفوعاً دون هذه الزيادة
المنكرة، وروي كذلك عن عائشة رضي الله عنها، وهي مخرجة في " الصحيحة "
(284).

ولقد كان من تلك الطرق الثلاث، طريق محمد بن عمرو: حدثنا أبو سلمة
عن أبي هريرة مرفوعاً بالشطر الأول منه وزيادة:
" وخياركم خياركم لنسائهم ".

وبينت هناك أن إسناده حسن للضعف اليسير الذي في محمد بن عمرو.

ثم وقفت على متابع قوي له، فأحببت أن أقيده هنا ؛ ليزداد الحديث الصحيح
به قوة على قوة، ويزداد بذلك نكارة حديث الترجمة على نكارة، ألا وهو حصين

(14/599)


@@@ 600
- وهو: ابن عبد الرحمن السلمي - عن أبي سلمة به.

أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (5/ 212/ 4417): حدثنا
عبد الله بن العباس الطيالسي قال: حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن زيد
السكري (1)، قال: حدثنا عباد بن العوام عن حصين به.

قلت: وهذا إسناد صحيح، أكثر رجاله من رجال الشيخين ؛ عباد فمن فوقه،
وقد قال الطبراني عقبه:
" لم يروه عن حصين إلا عباد، تفرد به عبد الرحيم بن محمد السكري ".
قلت: وهو ثقة - كما رواه الخطيب في " التاريخ " (11/ 86) عن الدارقطني -.
وعبد الله بن العباس الطيالسي: ترجمه الخطيب (10/ 36 - 37) برواية
جماعة من الحفاظ عنه، وقال:
" وكان ثقة ".

ثم روى عن الدارقطني أنه قال:
" لا بأس به ". مات سنة (308) .

6768 - ( لا تقولوا: (رمضان) ؛ فإن (رمضان) اسم من أسماء الله
تعالى، ولكن قولوا: شهر رمضان).

باطل.
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (7/ 53)، والبيهقي في " السنن
__________
(1) الأصل (زياد السكونى) وهو خطأ من الناسخ، والتصحيح من " تاريخ بغداد ".

(14/600)


@@@ 601
الكبرى " (4/ 201)، والديلمي في " مسند الفردوس " (3/ 159) من طريق
أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال البيهقي:

" وأبو معشر هو نجيح السندي، ضعفه يحيى بن معين، وكان يحيى القطان لا
يحدث عنه، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه، والله أعلم، وقد قيل: عن
أبي معشرعن محمد بن كعب من قوله، وهو أشبه ".

ثم ساق إسناده إلى أبي معشر به، وقال:
" وروي ذاك عن مجاهد والحسن البصري، والطريق إليهما ضعيف ".

وأقول: كل ذلك منكر جداً ؛ لأن أسماء الله توقيفية، وهؤلاء الأئمة أجل من
أن يقولوا ذلك ؛ ولهذا فإني أشك في ثبوت مثله عن أحد من السلف، فقول ابن
أبي حاتم عن أبيه في كتابه " العلل " (1/ 250):
" هذا خطأ، إنما هو قول أبي هريرة"! ففيه شيء لا أدري ما هو؟

ثم رأيت ما كشف لي عن العلة، وهي أن مدار الموقوف على أبي هريرة على
أبي معشر أيضاً، فقال ابن أبي حاتم في " تفسير سورة البقرة " (1/ 118/ 1):
حدثنا أبي: ثنا محمد بن بكار بن الريان: ثنا أبو معشر عن محمد بن كعب
وسعيد عن أبي هريرة: قالا لا تقولوا... الحديث، هكذا ذكره موقوفاً. وكذلك
ذكره ابن كثير في" التفسير " (1/ 216) من رواية ابن أبي حاتم. وهذا مما يؤكد
نكارته وعدم حفظ أبي معشر إياه، فتارة يرويه عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعاً،
وتارة موقوفاً عليه، وأخرى يجعله من قول محمد بن كعب.

والمقصود ؛ أن رواية ابن أبي حاتم هذه قد كشفت لي ما كان خافياً، وهو أن

(14/601)


@@@ 602
قول أبي حاتم المتقدم:
" إنما هو من قول أبي هريرة " تساهل منه غير معروف عنه، ما دام أن راويه هو
أبو معشر نفسه، وهو مما اتفقوا على ضعفه، وقد عقب عليه ابن كثير بقوله:

" هو نجيح بن عبد الرحمن المدني إمام المغازي والسير، ولكن فيه ضعف، وقد
أنكره عليه الحافظ ابن عدي، وهو جدير بالإنكار ؛ فإنه متروك، وقد وهم في رفع
الحديث (!)، وقد انتصر البخاري رحمه الله في كتابه لهذا، فقال: " باب يقال:
رمضان " وساق أحاديث في ذلك منها: من صام رمضان إيماناً واحتساباً ؛ غفر له ما
تقدم من ذنبه. ونحو ذلك ".

قلت: وقد أنكره أيضاً الذهبي، فذكره في جملة ما أنكر على أبي معشر،
وصرح الحافظ في " الفتح " (4/ 113) بأنه:
" حديث ضعيف ". والصواب قول ابن الجوزي في " الموضوعات " (2/
187):
" هذا حديث موضوع لا أصل له، وأبو معشر: كان يحيى بن سعيد يضعفه
ولا يحدث عنه، ويضحك، إذا ذكره، وقال يحيى بن معين:" إسناده ليس بشيء".
قلت: ولم يذكرأحد في أسماء الله (رمضان)، ولا يجوز أن يسمى به إجماعاً،
وفي" الصحيحين " من حديث أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إذا دخل
رمضان ؛ فتحت أبواب الجنة ".

وقد روى ناشب بن عمرو بإسناد له عن ابن عمر مرفوعاً نحوه.
أخرجه تمام في " الفوائد " (2/ 162/ 551 - الروض البسام) بإسناده عنه.

(14/602)


@@@ 603
وهو منكر الحديث - كما قال البخاري -.

6769 - (يقول الله عز وجل: أنا خلقت العباد بعلمي ، فمن أردت
به خيرا منحته خلقا حسنا ، ومن أردت به شرا، منحته خلقا سيئا).

منكر.
أخرجه الطبراني في " مكارم الأخلاق " (37/ 7) قال: ثنا محمد
ابن عبد الله الحضرمي: ثنا محمد بن يوسف الأنباري: ثنا أبي عن يحيى بن
أبي أنس المكي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عمرمرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف:
1 - يحيى بن أبي أنس المكي: لم أجد له ذكراً في كتب الرجال التي عندى،
ولا في الرواة عن ابن جريج، وذلك يدل على أنه مجهول، لاسيما وقد تفرد
برواية هذا الحديث الغريب من بين الأحاديث القدسية، وقد روي نحوه من
قوله صلى الله عليه وسلم بإسناد ضعيف جداً، وقد مضى برقم (3244).

2 - محمد بن يوسف الأنبار: مثله في الجهالة ؛ إلا أن البخاري قد أورده في
" التاريخ " مختصراً جداً، فقال (3/ 393):
" محمد بن يوسف الأنباري ؛ حدث عن أبي النضر هاشم بن القاسم، روى
عنه محمد بن عبد الله مُطَيّن الكوفي".

وأما أبوه يوسف، فالظاهر أنه المترجم في " التاريخ " أيضاً (14/ 298)،
و " التهذيب ":
" يوسف بن بهلول التميمي، أبو يعقوب الأنباري، نزيل الكوفة... ".

(14/603)


@@@ 604
روى عنه جمع منهم البخاري في " الصحيح "، ولم يذكروا فيهم ابنه (محمد)
هذا، مما يدل على جهالته أيضاً. والله أعلم.

6770 - ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيانِ ؛ فيعرضُ
هذا، ويعرضُ هذا، والذي يبدأ بالسلام يسبق إلى الجنة).

منكر بزيادة: (السبق).
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (8/ 425/
7870) قال: حدثنا محمود قال: حدثنا وهب قال: حدثنا خالد عن عبد الله بن
عمر عن الزهري عن أنس بن مالك مرفوعاً.

قلت: وهذ! إسناد ضعيف ؛ رجاله كلهم ثقات، رجال مسلم ؛ غير محمود
- وهو: ابن محمد الواسطي -، وهو محدث كبير، كما قال الذهبي في " التاريخ "،
وقد ترجمه الشيخ الأنصاري في كتابه (ص 325)، إلا أن (عبد الله بن عمر)
وهو العمري المكبر، لم يخرج له مسلم إلا متابعة ؛ وذلك ؛ لأن في حفظه ضعفاً،
وروايته لهذا الحديث بالزيادة المشار إليها آنفآ تؤكد ضعفه ؛ فقد رواه مالك، وعنه
الشيخان وغيرهما عن الزهري به دونها. ورواه وغيره من طرق أخرى عن الزهري به
كذلك.

بل قد جاء الحديث عن جمع من الصحابة دونها، بلغ عددهم في تخريجي له
في " الإرواء " (7/ 92 - 96) ثمانية، - دون حديث أنس، وقد أشار إلى نكارته
الحافظ الطبراني بقوله عقب الحديث:
" لم يقل أحد روى هذا الحديث عن الزهري: " والذي يبدأ بالسلام يسبق إلى
الجنة " ؛ إلا عبد الله بن عمر ".

(14/604)


@@@ 605
والمحفوظ في حديث أبي أيوب الأنصاري عند الشيخين وغيرهما:
" وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ".

فالظاهر أن (العمري) أراد هذا فغلبه سوء حفظه، فجاء بتلك الزيادة التي لا
أصل لها، فالعجب من ثلاثة من الحفاظ:
أولهم: الحافظ المنذري، فإنه أورده في " الترغيب " (3/ 280/ 1) برواية
الشيخين، ثم قال:
" ورواه الطبراني، وزاد فيه... " فذكرها، وسكت عنها!

ثانيهم: الحافظ الهيثمي ؛ فإنه أورده في " المجمع " (8/ 67) وقال:
" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه من لم أعرفهم "!

وليس فيه من لا يعرف ؛ كما عرفت.
ثالثهم: الحافظ العسقلاني ؛ فإنه قال في " الفتح " (10/ 495):
" زاد الطبري من طريق أخرى عن الزهري: يسبق إلى الجنة ".

قلت: فسكت أيضاً عنه، وما أظنه إلا من طريق العمري، وقول الطبراني
صريح في ذلك. والله أعلم.

ومثل هذه الزيادة في النكارة عندي ما رواه عبد الله بن عبد العزيز الليثي في
حديث أبي أيوب المشار إليه، فإنه قال: عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي
عنه مرفوعاً نحوه إلا أنه قال مكان جملة: " وخيرهما... ":

(14/605)


@@@ 606
" فإن تكلما، وإلا ؛ أعرض الله عز وجل عنهما حتى يتكلما".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (4/ 73 1/ 3957 و 3974).
وعبد الله بن عبد العزيز الليثي: قال الحافظ في " التقريب ":
" ضعيف، واختلط بأخرة ".

قلت: وهذا - دون شك أو ريب - من تخاليطه ؛ فقد خالف جماعة الثقات
الذين رووه عن ابن شهاب باللفظ المتقدم، وقد ساقه الطبراني من طرق عنه
(3949 - 3956).

(تنبيه): من جهل المعلقين الثلاثة على " الترغيب " أنهم حسنوا حديث
الطبراني هذا عن أبي أيوب ؛ فقالوا (3/ 449/ 4070):
" حسن بشواهده "! وهو مخالف لما أشاروا إليه من الشواهد بزيادته المنكرة،
وكذلك صححوا حديث الترجمة (3/ 447/ 4070).

6771 - (من حمى عِرض أخيه في الدنيا، بعث الله إليه ملكاً يوم
القيامة يحميه من النار).
ضعيف جداً.
أخرجه ابن أبي الدنيا في " الصمت " (135/ 240)،
و" الغيبة والنميمة " (99/ 105): حدثنا أبو بلال الأشعري: حدثنا أبو المنقذ
القرشي عن شيخ من أهل البصرة عن أنس بن مالك مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد مظلم مسلسل بالعلل، والشيخ البصري متهم، فقد جاء
مسمى، فقال الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (2/ 1 84/ 931): حدثنا أبو

(14/606)


@@@ 607
جعفرأحمد بن يحيى بن مالك السوسي: نا أبو بلال الأشعري: نا أبو منقذ
الأشعري، عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، مسلسل بالعلل:
ا - أبو بلال الأشعري - اسمه: (مرداس بن محمد...) -: ضعفه
الدارقطني والحاكم، وأما ابن حبان فقال في " الثقات " (9/ 199):
"غرب ويتفرد".

2 - أبو المنقذ الأشعري: لم أعرفه، ولم يورده الذهبي في كتابه " المقتنى في
سرد الكنى " الأمر الذي تشعر بأنه مجهول غير معروف. ثم رأيته في " كنى
الدولابي " (2/ 130) وسماه (عبد الرحمن بن ثوب)، عنه صفوان بن عمرو،
وكذا في " التاريخ "، و " الجرح "، و " الثقات " (7/ 71).

3 - أبان بن أبي عياش: متفق على تركه، وروى ابن حبان في " الضعفاء "
(1/ 92) عن شعبة أنه قال:
" لا يحل الكف عنه ؛ فإنه يكذب على رسول الله ".

ولكن الظاهر من عموم ترجمته أنه لم يكن يتعمد الكذب، وإنما يقع ذلك
منه ؛ لأنه كان من العباد، فأصابته غفلة الصالحين.

وقال المنذري في " الترغيب " (3/ 303):
" رواه ابن أبي الدنيا عن شيخ من أهل البصرة لم يسمه، وأظنه (أبان بن
[ أبي ] عياش)، وهو متروك، كذا جاء مسمى في رواية غيره ".

(14/607)


@@@ 608
قلت: كأنه يشير إلى رواية الخرائطي.
وذكره قبيل هذا من حديث سهل بن معاذ مرفوعاً أتم منه، برواية أبي داود
وابن أبي الدنيا، ولم يبين علته، وفيه إسماعيل بن يحيى المعافري - وهو -:
مجهول، وكذا قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2/ 206) بعدما عزاه
لأبي داود:
"بسند ضعيف ".

وقد رواه جمع آخر، وهو مخرج في " المشكاة " (4986/ التحقيق الثاني).
وإن من جهل المعلقين الثلاثة على " الترغيب " (3/ 133) أنهم أعلوه بقولهم :

" وفيه سهل بن معاذ الجهني ؛ ضعيف "! وهو كما قال الحافظ:
" لا بأس به إلا في روايات زبان عنه ". وهذا ليس من رواية زبان، وإنما من
رواية إسماعيل المذكور عنه، فهي العلة التي نقلوها منه - بجهل - إلى (سهل)!
والله المستعان.

وإن من تخاليطهم أنهم عزوا حديث الترجمة لمن لم يروه ؛ فقالوا تعليقاً عليه
(3/502):
" رواه ابن أبي الدنيا في " الصمت " (رقم 242)، وهو قطعة من حديث،
وابن المبارك في " الزهد " (686) "!

فأقول: رقم أبن المبارك هذا هو لحديث سهل بن معاذ الذي أشرت إليه آنفاً،
وهو الذي يصدق فيه قولهم: " هو قطعة من حديث " دون حديث الترجمة، فهو كامل.

(14/608)


@@@ 609
والرقم الذي نسبوه لـ " الصمت " خطأ أيضاً، وإنما لحديث آخر عنده (136/
242) ولبالغ غفلتهم توهموه حديث الترجمة ؛ لأنه من رواية شيخ من أهل
البصرة - أيضاً - عن أنس مرفوعاً بلفظ: " إذا وُقع في رجل وأنت في ملأ... "
الحديث.

وقد شاركهم - أو سبقهم - أحد المعلقين إلى بعض أوهامهم - أعني: المعلق
على " الغيبة " - ؛ فإنه قال في تعليقه على حديث الترجمة:
"أخرجه أبو داود في " سننه " (4883)، وابن المبارك في " الزهد " 239
و... و... و... و... والتبريزي في " المشكاة " 4986....!.

وهكذا سود عشرة أسطر كل سطر نصف سطر وأقل، كان يمكن طبعها بكل
يسر في أربعة أسطر، والسبب واضح وهو (تكبير الصغير)! على أنه لا فائدة
تذكر منها، مع ما فيها من الخطأ إن لم أقل التشبع ؛ فإن الأرقام المذكورة هي
لحديث سهل، وليس لحديث الترجمة.

6772 - (يدخل عليكم رجل من أهل الجنة، فدخلَ سعد. قال
ذلك في ثلاثة أيام، كل ذلك يدخلُ سعد).

ضعيف.
أخرجه البزار في " مسنده " (2/ 982 1 و 3/ 8 0 2/ 2582 -
كشف الأستار): حدثنا محمد بن المثنى: نا عبد الله بن قيس: ثنا أيوب عن
نافع عن ابن عمرمرفوعاً.

وخولف البزار في لفظه ؛ فقال ابن حبان في " صحيحه " (7/ 66/ 6952):
أخبرنا الحسن بن سفيان: حدثنا محمد بن المثنى: حدثنا عبد الله بن عيسى

(14/609)


@@@ 610
(كذا) الرقاشي: حدثنا أيوب بلفظه ؛ الا أنه قال:
(قال: وليس منا أحد إلا وهو يتمنى أن يكون من أهل بيته، فإذا سعد بن
أبي وقاص قد طلع ".

وهكذا رواه العقيلي في " الضعفاء" قال: حدثنا محمد بن زكريا قال: حدثنا
محمد بن المثنى به.
ذكره في ترجمة (عبد الله بن قيس الرقاشي)، وقال:
" حديثه غير محفوظ، ولا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به ".
ونقله الذهبي ثم العسقلاني عنه في " الميزان " و " اللسان "، إلا أنهما أعلاه
بقولهما:
" لكن فيه الغلابي ". يشيران إلى شيخ العقيلي (محمد بن زكريا)، وخفي
عليهما متابعة البزار والحسن بن سفيان إياه، وقال البزار:
" لا نعلم رواه عن أيوب إلا عبد الله بن قيس، ولم نسمعه إلا من أبي موسى
عنه ".

قلت: أبو موسى - محمد بن المثنى -: ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من
فوقه ؛ إلا (عبد الله بن قيس)، فهو العلة - كما تقدم عن العقيلي والذهبي
والعسقلاني -، وأما ابن حبان فأورده في " الثقات "، وقال (8/ 334).
"عبد الله بن عيسى الرقاشي، من أهل البصرة، يروي عن أيوب السختياني،
روى عنه محمد بن موسى الحرشي، والبصريون، يخطئ ويخالف ".

(14/610)


@@@ 611
هكذا سمى أباه (عيسى)، وكذلك وقع له في إسناد الحديث - كما مر -.
وقوله: "روى عنه محمد بن موسى الحرشي" أخشى أن يكون وهماً صوابه (محمد
ابن المثنى العنزي). والله أعلم.

(تنبيه): حاول بعض المعلقين تقوية الحديث، فقال:
" وله شاهد من حديث أنس مطولاً عند أحمد (3/ 66 1)، والبزار (1981)
من طريقين عن الزهري عن أنس... ".

فأقول: الطريق الأولى رجالها ثقات رجال الشيخين ؛ لكن ليس فيه تسمية
سعد، بخلاف الطريق الأخرى وهي عند البزار فقط (2/ 409 - 410/ كشف
الأستار) ؛ لكن فيها ابن لهيعة وهو سيئ الحفظ، وذكره سعداً فيها من تخاليطه،
ومخالف لرواية غيره من الثقات، فإنه قال: " رجل من الأنصار ". وسعد من
المهاجرين - كما هو معلوم -.

ثم انه معلول بأن بين الزهري وأنس رجلاً لم يسم - كما حققته في" ضعيف
الترغيب " (23 - الأدب/ 21) -، ولو صح ؛ فشهادته قاصرة ؛ على أن سعداً من
أهل الجنة، وهذا صحيح، يشهد له حديث عبد الرحمن بن عوف في العشرة
المبشرين بالجنة، وهو مخرج في " تخريج الطحاوية " (488 - 489).

وأما قوله في الحديث:
"قال ذلك ثلاثة أيام... " أو " وليس منا أحد..." إلخ، فلا شاهد له،
فليعلم.

(14/611)


@@@ 612
6773 - (من رد حديثاً بلغه عني ؛ فأنا مخاصمه يوم القيامة، وإذا
بلغكم عني حديث ولم تعرفوه ؛ فقولوا: الله أعلم).

منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (6/321/6163): حدثنا
بكر بن محمد القزاز البصري: ثنا اسحاق بن إبراهيم بن كالب السلمي:
حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله أبو بكر العبدي عن اسحاق بن
يونس بن سعد عن هلال الوزان عن سعيد بن المسيب عن سلمان رضي الله عنه
مرفوعاً:
" من كذب علي متعمدأ ؛ فليتبوأ بيتاً في النار، ومن رد... " الحديث.

وهذا الطرف الأول فقط، رواه الإسماعيلي في" معجم شيوخه " (ق 73/ 1)
بإسناد المصنف. ورواه هذا به في " طرق حديث من كذب علي متعمداً" (160/
167 - تحقيق الأخ علي الحلبي) مضيفاً إلى هذا الطرف الجملة الثانية بلفظ:
" ومن رد حديثاً بلغه عني، فليتبوأ بيتاً في النار "!

هكذا بتكرار قوله " فليتبوأ... "، وأظنه خطأ من الطابع أو الناسخ ؛ فإنه
مخالف للسياق الذي نقلته من " المعجم الكبير "، ولسياقه في " الجامع الكبير "
للسيوطي معزواً لـ (طب)، وكذا في "مجمع الزوائد" (1/ 147) ؛ إلا أنه ذكر
بين يديه جملة التعمد فقط، وقال:
"رواه الطبراني في " الكبير "، وإسناده من قبل هلال الوزان لم أجد من
ذكرهم، وكذلك الحديث الآتي". ثم ساقه بتمامه، وقال:

" رواه الطبراني في " الكبير " ". وجاء في التعليق عليه ما نصه:

(14/612)


@@@ 613
" وفي إسناده هلال أيضاً. هامش ".
قلت: وفيما ذكر نظر.

أولاً: - لم يرو الطبراني جملة التعمد فقط عن سلمان الفارسي، لا بهذا
الإسناد، ولا بغيره، وهي مع ذلك متواترة عنه صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: وأنا أيضاً لم أعرف أحداً ممن دون (هلال الوزان)، ومن جملتهم شيخ
الطبراني (بكر بن محمد القزاز البصري)، وقد روى له في " المعجم الصغير "
حديثاً آخر، وكناه بـ (أبو عمر المعدل)، (792 - الروض النضير).

ثالثاً: قول المعلق:، وفي إسناده (هلال) أيضاً " لم أدر بقلم من هو ؟ وغالب
الهوامش التي على " المجمع " هي بقلم الحافظ ابن حجر - تلميذ الهيثمي -،
وأستبعد أن يكون هذا منه ؛ لأن (هلالاً الوزان) ثقة من رجال الشيخين، ومثله لا
يخفى حاله على الحافظ، والمهمش يشير إلى أنه لا يعرف كالذين دونه. والله
أعلم.

والحديث ذكره السيوطي في " مفتاح الجنة " (ص 38 - منيرية) من رواية
الطبراني فقط، وسكت عنه على غالب عادته، ووقع فيه (سلمى) مكان (سلمان)،
وهوخطأ مطبعي.

6774 - (من كذب عليّ متعمداً، أو رد شيئاً أمرت به ؛ فليتبوأ بيتاً
في جهنم).
منكر جداً بذكر: (الرد).
أخرجه أبو يعلى في " المسند " (1/ 74 - 75/
73)، و " معجم شيوخه " (ق 31/ 1): حدثنا عمرو بن مالك: حدثنا جارية

(14/613)


@@@ 614
ابن هرم الفقيمي قال: حدثني عبد الله بن دارم: حدثنا عبد الله بن بُسر
الحبراني، قال: سمعت أبا كبشة الأنماري - وكان له صحبة - يحدث عن أبي بكر
الصديق مرفوعاً.

وأخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (3/ 0 40/ 2859)، وابن عدي
في " الكامل " (2/ 175) من طرق عن عمرو بن مالك الراسبي به. وقال
الطبراني:
" لا يروى إلا بهذا الإسناد، تفرد به عمرو بن مالك".

قلت: وهو كذاب، كما قال البخاري، وأشار ابن عدي إلى أنه كان يسرق
الحديث، فقال عقب الحديث في ترجمة (جارية بن هرم):
" يقال: إنه حديث يحيى بن بسطام، وان الباقين الذين رووه عن جارية
سرقوه منه". وجارية هذا: قال الذهبي في " المغني ":
" متروك واه، قال الدارقطني: ضعيف ".

وصدر ابن عدي ترجمته بما رواه عن علي بن المديني قال:
" كان رأساً في القدر، وكان ضعيفاً في الحديث، كتبنا عنه ؛ ثم تركناه".
وختمها بقوله:
" أحاديثه كلها مما لا يتابعه الثقات عليها ". ولذلك قال الذهبي في حديثه
هذا، وتبعه العسقلاني:
" هذا حديث منكر ". وقال الهيثمي في " المجمع " (1/ 142):

(14/614)


@@@ 615
" رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط "، وفيه جارية بن الهرم الفقيمي، وهو
متروك الحديث ".

قلت: وشيخه (عبد الله بن دارم): لم أعرفه.
وعبد الله بن بسر الحبراني: قال الذهبي:
"ضعفوه ".
فهو إسناد مسلسل بالعلل.

(تنبيه): من الحداثة في هذا العلم وقلة التحقيق فيه، قول المعلق على " مسند
أبي يعلى " ؛ بعد أن صدر تخريجه للحديث بقوله: " إسناده تالف "، وتكلم على
رواته، وختمه بقول الهيثمي المذكور، استدرك قائلاً:
"ولكن معناه صحيح، فقد عده الإدريسي في " نظم المتناثر في الحديث
المتواتر " ص 20 من الأحاديث المتواترة، وقد خرجناه في " سير أعلام النبلاء "
(1/ 43 - 44) عن عدة من الصحابة"،!

فأقول: كل من يقف على هذا الاستدراك من عامة القراء لا يفهم منه إلا أن
الحديث بتمامه هو المتواتر، وهذا ليس بصحيح بداهة ؛ لذلك كان عليه أن يبين أن
المتواتر إنما هو:
" من كذب علي متعمداً ؛ فليتبوأ مقعده من النار ".

كما تقدم مني في الحديث الذي قبله، وفي غيره، مثل " صحيح الجامع
الصغير "، وما خرجت الحديث هنا إلا لبيان الفرق بينه وبين ما تواتر منه، خشية
الاغترار بتخريج السيوطي إياه في " مفتاح الجنة " (ص 38) وسكوته عليه،

(14/615)


@@@ 616
وتعليق المشار إليه آنفاً، و" الدين النصيحة " ؛ كما قال صلى الله عليه واله وسلم.
ومثل هذا الحديث في النكارة، وأنه لا يجوز أن يعلق عليه بما تقدم من المشار
إليه:
" من كذب علي متعمداً ليضل به الناس ؛ فليتبوأ مقعده من النار".

ولذلك كنت خرجته - فيما تقدم (1011) - وخرجته من عدة [ طرق ]
وكشفت عن عللها، وأودعت فيه بعض الفوائد، منها أنني تتبعت أسماء الصحابة
الذين رووا الحديث المتواتر، فبلغ عددهم في كتاب الطبراني فقط أربعة وخمسين
صحابياً، مشيراً بجانب كل واحد منهم إلى عدد طرقه فيه. فليرجع إليه من كان
طالباً للمزيد من الفائدة.

6775 - (أتدرون ما يقول الله تعالى في الشام؟ يقول: يا شام!
[يدي عليكِ، يا شامُ] ، أنتي صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي
من عبادي، إن الله تعالى قد تكفل لي بالشام وأهله).

منكر بهذا السياق.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ومن طريقه ابن
عساكر في " تاريخ دمشق " (1/ 69، 119 - 120)، وأبو الحسن الربعي في
" فضائل الشام " (12/ 21) - والزيادة له، ورواية لابن عساكر - من طريق عبد الله
ابن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدثني صالح بن رستم مولى بني هاشم عن
عبد الله بن حوالة الأزدي أنه قال:
يا رسول الله! خِر لي بلداً أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى ؛ ما اخترت على
قربك شيئاً. قال:

(14/616)


@@@ 617
" عليك بالشام لما. فلما رأى كراهتي للشام ؛ قال:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات ؛ غير (صالح بن رستم مولى بني
هاشم)، وكنيته (أبو عبد السلام)، وثقه ابن حبان (6/ 457) ؛ لكن قال ابن
أبي حاتم عن أبيه:
" مجهول ". وتبعه العسقلاني في " التقريب "، وأشار الذهبي في " المغني "
إلى أنه مجهول الحال، فقال:

" شامي مجهول. قلت: روى عنه ثقتان ".

قلت: أحدهما ابن جابر هذا، والآخر (سعيد بن أبي أيوب).
وأشار أيضاً إلى تليين توثيق ابن حبان بقوله في " الكاشف ":
"وُثق".

وعلى مثل هذا التوثيق اللين يعتمد الهيثمي كثيراً. ومن ذلك قوله هنا (10/
58 -59):

" رواه الطبراني من طريقين، ورجال أحدهما رجال " الصحيح " ؛ غير صالح
ابن رستم، وهو ثقة "! ونحوه قول المنذري في " الترغيب " (4/ 61/ 3):
" رواه الطبراني من طريقين ؛ إحداهما جيدة "!

واغتر بقولهما المعلقون الثلاثة على " الترغيب "، فقالوا (3/ 641):
" حسن ؛ قال الهيثمي... "!

(14/617)


@@@ 618
ولا غرابة في ذلك ؛ فإنهم ممن تواترت الأدلة على أنهم جهلة لا علم عندهم
إلا التقليد، وحتى هذا لا يحسنونه!
وإن مما يؤكد نكارة هذا الحديث أنه قد جاء عن عبد الله بن حوالة من نحو
تسعة طرق ليس فيها غير " عليك بالشام "، وإلا الجملة الأخيرة منه:
" إن الله قد تكفل لي بالشام وأهله ".

فهي صحيحة ؛ لثبوتها في بعضها، وقد أخرج خمسة منها الطبراني في
" مسند الشاميين "، وهذه أرقامها:
(292، 337، 0 57، 4 5 0 1، 72 1 1، 975 1، 0 4 25، 5 1 35). وسائرها
عند ابن عساكر (1/ 68 - 81).

وكذلك روي الحديث عن جمع آخر من الصحابة، ليس في أحاديثهم تلك
النكارة، فانظرها إن شئت في" التاريخ " (1/ 66 - 68)، (81 - 99).
(تنبيه): عزا السيوطي حديث الترجمة في " الدرر المنثور" (3/ 112)
لأحمد وابن عساكر، وذكر أحمد فيه خطأ ؛ فليس هو عنده لا متناً ولا سنداً، وقد
أخرجه في " مسنده " من ثلاثة طرق ( 4/ 0 1 1 و 5/ 33، 288) إسناد الأول
منها صحيح، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:
" عليك بالشام ؛ فإنه خيرة الله من أرضه، يجتبي إليه خيرته من عباده، فإن
أبيتم ؛ فعليكم بيمنكم، واسقوا من غُدُرِكم كم، فإن الله قد توكل لي بالشام وأهله".
وهكذا رواه أبو داود، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2244)،
و " تخريج فضائل الشام " (الحديث الثاني).

(14/618)


@@@ 619
ثم إن المنذري (4/ 62/ 9)، والهيثمي (0 1/58 ) ذكر الحديث بلفظ:
" رأيت ليلة أسري [ بي ] عموداً أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة، قلت: ما
تحملون ؟ قالوا: عمود الكتاب أمرنا أن نضعه بالشام، وبينا أنا نائم رأيت عمود
الكتاب اختلس من تحت وسادتي، فظننت أن الله عز وجل تخلى من أهل
الأرض، فأتبعته بصري، فإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام... ".
وقال المنذري:
" رواه الطبراني، ورواته ثقات "!

وقال الهيثمي - كما قال في حديث الترجمة -:
"رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ؛ غير صالح بن رستم، وهو ثقة"!

قلت: وقلدهما أيضاً الثلاثة المعلقون، وقد عرفت جهالة ابن رستم هذا، وفي
حديثه هذا نكارة أيضاً ؛ إذا ما قوبل بالأحاديث الصحيحة، كحديث عبد الله بن
عمرو بن العاص، وأبيه، وأبي الدرداء ؛ فإنهم رووا قصة العمود باختصار عن هذا،
وهي في " الترغيب " قبيل هذا، وهي مخرجة في " الفضائل " فانظر الأحاديث
(3، 10) وكلها ليس فيها " ليلة الإسراء "، ولا جملة الظن.

6776 - (إذا وقعت الفتنة ؛ فالأمن بالشام).
منكر بلفظ:" الأمن ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (3/ 333/
2710 )، ومن طريقه ابن عساكر في " التاريخ " (1/ 110) عن مؤمل بن
إسماعيل قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن
عبد الله بن عمرو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(14/619)


@@@ 620
" رأيت في المنام: أنهم أخذوا عمود الكتاب، فعمدوا به إلى الشام، فإذا
وقعت..." الحديث. وقال الطبرا ني:
"تفرد به مؤمل ".

قلت: وهو ضعيف ؛ لسوء حفظه، قال الذهبي في " المغني ":
" صدوق مشهور وثق، وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو زرعة: في
حديثه خطأ كثير ".

قلت: ومن أخطائه قوله في هذا الحديث " فالأمن "، والصحيح المحفوظ فيه
عن ابن عمرو وغيره " فالإيمان "، وقد استوعب طرقه وألفاظه الحافظ ابن عساكر
(1/ 101 - 111)، وخرجت بعضها في " فضائل الشام "، فانظر الحديث
الثالث والعاشر.

(تنبيه): أورد المنذري (3/ 62)، وتبعه الهيثمي (10/ 58) الحديث ب
اللفظين ؛ دون بيان نكارة المنكر منهما، وقلدهما في ذلك المعلقون على " الترغيب "
(3/ 643)، بل زادوا في الطين بلة ؛ فقالوا:
" حسن، قال الهيثمي... "! فوضعوا من قيمة الصحيح منهما، ورفعوا من
شأن المنكر منهما! والله المستعان.

ثم إنه وقع في الكتابين " الفتن "، وما أثبته هو الوارد في " المعجم "،
و " التاريخ ". والله أعلم.

(14/620)


@@@ 621
6777 - (طوبى للشام... إن الرحمن لباسطٌ رحمته عليه).
باطل بهذا اللفظ.
رواه أحمد بن رشدين المصري: نا حرملة بن يحيى: نا
ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شماسة أنه
سمع زيد بن ثابت يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده:
"طوبى للشام ".
فقلنا: ما باله يا رسول الله ؟ قال:
" إن الرحمن... ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ رجاله كلهم ثقات غير أحمد بن رشدين هذا، فهو
ضعيف متهم، وقد كنت بينت هذا وحكمت على هذا اللفظ بالبطلان تحت
الحديث (503/ الصحيحة) لمخالفته لما رواه غير ما واحد عن يزيد بن أبي حبيب
بلفظ:
"... إن ملاثكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه ".

ثم تنبهت لشيء آخر يؤكد الحكم السابق، وهو مخالفة (ابن رشدين) لمن
رواه عن (حرملة) من الثقات، فأحببت تقييده هنا، فأقول:

قال ابن حبان في" صحيحه " (2311 - الموارد): أخبرنا عبد الله بن محمد
ابن سلمة: حدثنا حرملة بن يحيى... فذكره باللفظ المحفوظ الصحيح.

وقال يعقوب بن سفيان في " المعرفة " (2/ 301): حدثني أبو الطاهر أحمد
ابن عمرو، ومحمد بن أبي زكير عن ابن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن
الحارث به.

(14/621)


@@@ 622
6778 - ( إن جبريل عليه السلام وعدني أن يأتيني، ولم يأتني منذ
ثلاث. قال: فإذا كلبٌ، قال أسامة: فوضعتُ يدي على رأسي فصحتُ!
فقال:
ما لك يا أسامة ؟!
فقلتُ: كلبٌ!
فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقتل، ثم أتاة جبريل فقال:
ما لك لم تأتني، وكنت إذا وعدتني ؛ لم تخلفني ؟!
فقال: إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا تصاوير).

ضعيف جداً بهذ ا السياق، دون قول جبريل.
أخرجه الطبراني في " المعجم
الكبير " (1/ 125/ 387) من طريق خالد بن يزيد العمري: ثنا ابن أبي ذئب
عن الحارث بن عبد الرحمن عن كريب عن أسامة قال:
دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه الكآبة، فقلت: ما لك يا رسول الله! فقال:...
فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ آفته (خالد بن يزيد العمري) - وهو:
العدوي المكي -: قال الذهبي في " الميزان ":
" كذبه أبو حاتم ويحيى، قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات ".

قلت: وقد تابعه جماعة على أصل الحديث عند الطحاوي في " مشكل الآثار "
(1/ 377) وأحمد (5/203)، وليس عندهم جملة صياح أسامة: ولا

(14/622)


@@@ 623
مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل بقوله:
" ما لك لم تأتني... ".

وكذلك قد جاءت القصة عن جمع آخر من الصحابة، سقتها في " آداب
الزفاف " (ص 190 - 197 - المكتبة الإسلامية)، وليس فيها الزيادتان
المذكورتان، وفيها الأمر بإخراج الجرو - الكلب - دون قتله، وليس فيها أيضاً ذكر
(الثلاث)، نعم ؛ في حديث ميمونة:
"فلما أمسى ؛ لقيه جبريل، فقال له: قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة،
فقال: أجل، ولكنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم
يومئذ ؛ فأمر بقتل الكلاب، حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير، ويترك كلب
الحائط الكبير ".

6779 - ( الْتَقَى مُؤْمِنَانِ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ : مُؤْمِنٌ غَنِيٌّ وَمُؤْمِنٌ فَقِيرٌ،
كَانَا فِي الدُّنْيَا فَأُدْخِلَ الْفَقِيرُ الْجَنَّةَ، وَحُبِسَ الْغَنِيُّ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُحْبَسَ،
ثُمَّ أُدْخِلَ الْجَنَّة،َ فَلَقِيَهُ الْفَقِيرُ فََقُالُ: أَيْ أَخِي مَاذَا حَبَسَكَ ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ
حُْبِسْتَ حَتَّى خِفْتُ عَلَيْكَ! فَيَقُولُ: أَيْ أَخِي! إِنِّي حُبِسْتُ بَعْدَكَ
مَحْبِسًا فَظِيعًا كَرِيهًا، وَمَا وَصَلْتُ إِلَيْكَ حَتَّى سَالَ مِنِّي الْعَرَقُ مَا لَوْ
وَرَدَهُ أَلْفُ بَعِيرٍ، كُلُّهَا آكِلَةُ حَمْضٍ، لَصَدَرَتْ عَنْهُ رِوَاءً).

منكر.
أخرجه أحمد (1/ 304): ثنا حسن: ثنا دويد عن سلم بن بشير
عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات ؛ غير (دويد) هذا، لم أر من

(14/623)


@@@ 624
ترجمه، غير أن ابن ماكولا ذكره في " الإكمال " (3/ 386) برواية حسين
(كذا) بن محمد المروزي عنه، وسمى أباه (سليمان)، وقال:
" حدث عن سلم بن بشيربن جحل وعثمان بن عطاء".

ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ؛ فهو مجهول، وقال الهيثمي في " مجمع
الزوائد " (10/ 263):
" رواه أحمد، وفيه (دويد) غير منسوب، فإن كان هو الذي روى عنه
سفيان ؛ فقد ذكره العجلي في " كتاب الثقات "، وإن كان غيره ؛ فلم أعرفه، وبقية
رجاله رجال " الصحيح " ؛ غير سلم بن بشير، وهو ثقة ".

قلت: ليس هو الذي روى عنه سفيان - وهو: الثوري - ؛ فإنه أدنى طبقة منه،
هو من طبقة سفيان بن عيينة، وقد ترجم ابن أبي حاتم لثلاثة من طبقة واحدة،
أحدهم: هذا الذي روى عنه الثوري، وقال فيه:
"شيخ ليّن ".

والثاني: (دويد الفلسطيني) عنه سعيد بن أبي أيوب، وسكت عنه، وذكره
ابن حبان في " الثقات " ( 8/ 237) وذكر أنه روى عنه الثوري، فكأنه يرى أنه
هو والذي قبله واحد، وليس ببعيد.

والثالث: دويد بن نافع مولى بني أمية، روى عنه الليث بن سعد وآخرون،
وقال أبو حاتم:
"هو شيخ ". وقال ابن حبان (6/ 292):
" مستقيم الحديث ".

(14/624)


@@@ 625
ووثقه آخرون، وهو مترجم في " التهذيب " لابن حجر، وقال:
" ورأيت له رواية عن ابن عمر، فقيل: مرسلة"،.

فهو متقدم جداً على (دويد) الراوي لهذا الحديث.

ومن الغرائب أن الحافظ لم يترجم له في " تعجيل المنفعة " ؛ مع أنه على
شرطه! فإنه أورد فيه (ص 144/ 351):
"أ - سالم بن بشير، عن عكرمة، وعنه دويد الخراساني، مجهول. قلت
(الحافظ): هذا غلط نشأ من تحريف، وإنما هو (سلْم) بسكون اللام بعدها ميم،
وسأذكره على الصواب - إن شاء الله تعالى - ".

قلت: وهناك لم يصنع شيئاً سوى أنه ذكره على الصواب فقال (158/ 392):
" سلم بن بشير. تقدم في (سالم) "!

والظاهر أنه لم تتيسر له ترجمته ؛ فأحال على ما تقدم، وقد ترجمه ابن أبي
حاتم (2/ 1/ 266) وروى عن ابن معين أنه -قال:
" ليس به بأس ".
وذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " (4/ 334)، وفي " أتباعهم " (6/
420)، ومع هذا كله قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على هذا
الحديث (4/ 273):
" ولم أجد لـ (سلم) هذا ترجمة أصلاً ".
والمقصود: أن الحافظ رحمه الله لم يترجم لـ (دويد) هذا، مع أنه تنبه من

(14/625)


@@@ 626
ترجمة الحسيني لـ ( سالم بن بشير)، أنه من رجال " المسند "، وبخاصة أنه
وصفه بـ (الخراساني)، فهذا مما يذكره بإبرازه بالترجمة، ولكن صدق الله: { ولا
يحيطون بشيء من علمه إلابما شاء }.

ومما تقدم يتبين خطأ تقوية الحديث بقوله في " الترغيب " (4/ 88/ 8 1):
" رواه أحمد بإسناد جيد قوي "!

والظاهر أنه توهم أنه (دويد الفلسطيني) أو (الأ موي) اللذين وثقهما ابن
حبان، وقد عرفت أنهما أعلى طبقة منه، وأنه لا دليل على أنه أحدهما ؛ ولذلك
جزم الأمير ابن ماكولا أنه غيرهم. والله أعلم.

ثم وقفت على ما يؤيد جهالته وهو قول الحافظ العراقي في " المغني " (4/
226): "... وفيه (دويد) غير منسوب يحتاج إلى معرفته قال أحمد: حديثه
مثله".

وإن من جهل المعلقين الثلاتة على " الترغيب "، وقَفوِهم ما لا علم لهم به:
أنهم صدروا تخريجهم لهذا الحديث بقولهم في التعليق عليه (4/ 40) بقولهم:
" حسن،... ".

ثم أتبعوه بكلام الهيثمي المتقدم، وهو لا يدل على تحسينهم بوجه من الوجوه ؛
لأنه تردد بين أن يكون الذي وثقه العجلي أو غيره ممن لا يعرفه. فلا يجوز أن يؤخذ
من كلامه، ويترك منه. ثم إنه لو فرض أنه جزم هو أو غيره بأنه الموثق ؛ فهو مما لا
ينبغي الجزم بأنه ثقة، لما هو معروف من تساهل العجلي في التوثيق كنحو ابن
حبان، وبخاصة أنه قد عارضه هنا تضعيف ابن أبي حاتم إياه - كما تقدم -. فيا لله!

(14/626)


@@@ 627
ما أجهلهم، وما أجرأهم على التكلم بغير علم! والله المستعان.

6780 - (احتجموا باسم الله على الريق ؛ فإنه يزيد الحافظ حفظاً،
ولا تحتجموا يوم السبت ؛ فإنه يوم يدخل الداء ويخرج الشفاء،
واحتجموا يوم الأحد، فإنه يخرج الداء ويدخل الشفاء، ولا تحتجموا
يوم الاثنين ؛ فإنه يوم فجعتم فيه بنبيكم صلى الله عليه وسلم، واحتجموا يوم الثلاثاء ؛
فإنه يوم دم، وفيه قتل ابن آدم أخاه، ولا تحتجموا يوم الأربعاء ؛ فإنه يوم
نحس، وفيه سال عيون الصبر (!)، وفيه أنزلت سورة الحديد،
واحتجموا يوم الخميس ؛ فإنه يوم أنيس، وفيه رفع إدريس ؛ وفيه لعن
إبليس، وفيه رد الله على يعقوب بصره، ورد عليه يوسف، ولا تحتجموا
يوم الجمعة ؛ فإن فيها ساعة لو وافت أمة محمد ؛ لماتوا جميعاً).

باطل.
أخرجه أبو نعيم في " الطب النبوي " (ق 52/ 1 - 2) من طريق
أبي يحيى الوقار: ثنا محمد بن إسماعيل المرادي عن أبيه عن نافع مولى ابن
عمر: أن عبد الله بن عمر أرسل رسولاً فقال:
ادع لي حجاماً، ولا تدعه شيخاً، ولا صبياً، وقال:... فذكره.

ورواه ابن أبي حاتم في " العلل " فقال (2/ 277/ 2330): سمعت أبي
وحدثنا زكريا بن يحيى الوقار (1) عن محمد بن إسماعيل المرادي به الا أنه لم يسقه
بتمامه، ثم قال:
__________
(1) الأصل هنا (الوقات)، وفي الموضع الآخر الآتي (الوقاد)! وهو من تحريفات الناسخ أو
الطابع، والتصحيح من كتب الرجال: ومنها كتاب ابن أبي حاتم في " الجرح " (1/ 2/ 601).

(14/627)


@@@ 628
"فقال أبي: هذا حديث باطل، ومحمد هذا مجهول، وأبوه مجهول ".

وكذا قال في ترجمة (محمد بن إسماعيل المرادي) من " الجرح والتعديل "
(3/ 2/ 89 1/ 74 0 1)، وأقره الذهبي في " الميزان "، والحافظ في " اللسان ".

وكذلك قال في موضع آخر من " العلل " (2/ 282/ 2346) وزاد:
" قال أبي: وروى هذا الحديث كاتب الليث عن عطاف عن نافع عن ابن
عمر. وهو مما أدخل على أبي صالح. ورواه عبد الله بن هشام الدستوائي عن أبيه
عن أيوب عن نافع عن ابن عمر. وعبد الله متروك الحديث ".

وأقره الحافظ في " اللسان ".
ولي على ما تقدم ملاحظات، لابد من بيانها، فأقول:
الأولى: إن إعلال الحديث والحكم عليه بالبطلان بـ (زكريا بن يحيى الوقار)
أولى من إعلاله بشيخه وأبيه المجهولين ؛ وذلك ؛ لأن زكريا هذا كذاب، ففي " الميزان ":
" قال ابن عدي: يضع الحديث، قال صالح جزرة: حدثنا زكريا الوقار وكان
من الكذابين الكبار".

لكن الظاهرأن أبا حاتم لم يعرفه، فقد ذكر ابنه عنه أنه سمع منه بمصر في
الرحلة الثانية، وروى عنه، فلو كان تبين له كذبه ؛ ما روى عنه - إن شاء الله -،
ولأعله به.

الثانية: حديث الترجمة موقوف، وحديث كاتب الليث عن عطاف مرفوع،
وقد أخرجه عنه كذلك جمع منهم الحاكم ؛ كما تراه مخرجاً في " الصحيحة "
تحت حديث ابن عمرهذا مختصراً برقم (766).

(14/628)


@@@ 629
الثالثة: قوله: " وروى هذا الحديث كاتب الليث ..." إلخ ؛ يوهم أنه رواه
بتمامه، وليس كذلك، فإن الشطر الثاني منه، ابتداة من قوله: " فإنه يوم
نحس... " إلخ، لا أصل له في حديثه. وكذلك يقال في حديث (عبد الله
الدستوائي)، بل هذا مختصر جداً، ليس فيه إلا الأمر بالحجامة في ثلاثة أيام،
والنهي عن الحجامة يوم الأربعاء! وفيه نكارة بينتها هناك في " الصحيحة ".
الرابعة: اقتصاره على ذكر متابعين للمرادي عن نافع، يوهم أنه لا يوجد
غيرهما. والواقع خلافه أيضاً ؛ فقد تابعهم سعيد بن ميمون عند ابن ماجه،
ومحمد بن جحادة من ثلاث طرق عنه، عند ابن ماجه وغيره، وهي مخرجة هناك
في " الصحيحة "، فاقتضى التنبيه. والله تعالى ولي التوفيق.

6781 - (من غسل ميتاً فكتم عليه ؛ غفرالله له أربعين كبيرة...).
شاذ بلفظ: " كبيرة".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (1/ 293 -
294/ 929): حدثنا هارون بن ملول البصري: ثنا عبد الله بن يزيد المقرىء: ثنا
سعيد بن أبي أيوب عن شرحبيل بن شريك عن علي بن رباح قال: سمعت أبا
رافع يقول:... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ظاهره الصحة، وعليه جرى بعض الحفاظ، فقال المنذري
في " الترغيب " (4/ 170/ 1)، وتبعه الهيثمي في " المجمع " (3/ 21):
" رواه الطبراني في " الكبير "، ورواته محتج بهم في (الصحيح) ".

فأقول: هو كما قالا باستثثناء شيخ الطبراني، وهذه غالب عادتهم أنهم يغضون
النظر عن شيوخ الطبراني إلا ما ندر ؛ حتى ولو كان ممن تكلم فيه أو جُهل، أو غير
ذلك ؛ كالشذوذ أو المخالفة، وهذا هو العلة هنا، فقد رواه جماعة من الثقات بلفظ

(14/629)


@@@ 630
" مرة" مكان "كبيرة ". فمنهم: عبد الصمد بن الفضل، وعبد الله بن أحمد بن
أبي ميسرة، عند الحاكم (1/ 4 35، 362)، ومن طريقه البيهقي في" الشعب "
(7/ 9/ 9265)، وعباس بن عبد الله الترقفي عنده في " السنن) " (3/ 395)،
والمقدمي وأبو صالح سعيد بن عبد الله سيامرد - ولم أعرفه - كلهم قالوا: " مرة "
مخالفين (هارون بن ملول) في قوله: " كبيرة "! وهذا من أوضح الأمثلة للحديث
الشاذ وأقواها - كما لا يخفى على العارفين بهذا الفن الشريف -.

على أن (هارون) هذا لم أجد من وثقه من المتقدمين، مثل الدارقطني وأمثاله
من أئمة الجرح والتعديل، وإنما وثقه ابن الجوزي فقال:
" كان من عقلاء الناس، ثقة في الحديث ".

كما نقله الشيخ الأنصاري في كتابه القيم " بلغة القاصي والداني " (ص
336)، فإذا ثبتت ثقته ؛ فيكون حديثه شاذاً، وإلا ؛ كان منكراً. والله سبحانه
وتعالى أعلم.

(تنبيه): لقد اختلط على بعض الحفاظ المتأخرين وغيرهم ؛ هذا اللفظ الشاذ
باللفظ المحفوظ في تخريج الحديث، فعزوا الأول إلى من روى الآخر، وهاك البيان:
أ - الحافظ الزيلعي، فإنه ساق الحديث في " نصب الراية " (2/ 256) من
رواية البيهقي في " المعرفة " عن شيخه الحاكم، بإسناده عن عبد الصمد بن
الفضل عن عبد الله ين يزيد بإسناده المتقدم عن أبي رافع مرفوعاً بلفظ:
" كبيرة ". وقال:
"ورواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا هارون بن ملول المصري: ثنا عبد الله بن
يزيد المقري به سنداً ومتناً. ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال: على شرط مسلم ".

(14/630)


@@@ 631
فأنت ترى أنه جعل لفظ الحاكم والبيهقي لفظاً واحداً هو: " كبيرة "! وهذا
خلاف ما تقدم: أن روايتهما من طريق عبد الصمد بن الفضل هي بلفظ الجماعة
المحفوظ:
"مرة".

وهكذا عزاه الإمام النووي في " الجموع " (5/ 186) للحاكم في " المستدرك "،
وأقره على التصحيح.

وما عزاه الزيلعي لـ " معرفة البيهقي "، فهو وهم آخر، لا أدري هو منه أو من
كاتب نسخته من " المعرفة "، فقد تقدمت روايته في " الشعب " من طريق شيخه
عن عبد الصمد بن الفضل بلفظ: " مرة ". وكذلك وجدته فى نسخة مخطوطة
عندي من " المعرفة " (2/ 139/ 2)، مما يؤكد الوهم المذكور.

2 - الحافظ العسقلاني ؛ فإنه ذكر في " الدراية في تخريج أحاديث الهداية "
الطرف الأول من الحديث باللفظ الشاذ، وقال:
"إسناده قوي، أخرجه الحا كم والطبراني والبيهقي".

ومن الواضح أنه تلخيص لتخريج الزيلعي، لم يرجع إلى الأصول الثلاثة التي
ذكرها. ليتبين له الفرق بين اللفظين!
3 - المعلق أو المعلقون على" نصب الراية " ؛ فإنهم شايعوا الأصل، بل ودعموه
بنقل تقوية الحافظ لإسناده، دون أن ينتبهوا للفرق والشذوذ.

4 - الحافظ السيوطي، وابن عرّاق الكناني - كما يأتي قريباً - والمعلقان عليه.

(14/631)


@@@ 632
5 - وأخيراً، المعلقون الثلاثة على " الترغيب " (4/ 232) ؛ فإنهم قالوا في
تخريجهم
" حسن، قال الهيثمي... " فذكروا قوله: " رجاله رجال الصحيح، - كما
تقدم -، وتصحيح الحاكم والذهبي، دون أن يفرقوا أيضاً!! وأنى لهم العلم الذي
يمكنهم من ذلك ؟!

هذا، وفي مقابل هؤلاء أبو الفرج ابن الجوزي، فقد ساق في " موضوعاته "
(2/ 85) حديثاً لأبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
" من غسل ميتاً فستر عليه، وأدى الأمانة ؛ غفر له أربعين مرة... " الحديث.
وأعله بيوسف بن عطية، وقول ابن حبان:
" يقلب الأخبار، ويلزق المتون الموضوعة بالأسانيد الصحيحة".

فكان عليه أن يشير إلى حديث أبي رافع هذا المحفوظ ؛ حتى لا يتوهم القارئ
أنه لا يوجد في الباب ما يغني عن حديت أبي هريرة هذا الواهي. ولذلك فقد
أحسن السيوطي في " اللآلي " (2/ 8 - 9) في تعقبه إياه بحديث أبي رافع
هذا، وتبعه ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (2/ 69 - 70) برواية البيهقي
المتقدمة من طريق الترقفي، ولكنهما لم يحسنا بسكوتهما عن بيان صحة إسناده،
وأساءا بذكرمتنه بلفظ: " كبيرة. "! مع لفظه في حديث أبي هريرة المشهود له
بلفظ: " مرة " - كما نقلته آنفاً -، ولكنه تحرف عندهما إلى " كبيرة " ا!

وأقر ذلك كله المعلقان الأزهريان (عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الله محمد
الصديق الغماري) الذي وصف نفسه تحت اسمه: " من علماء الأزهر والقرويين،
ومتخصص في علم الحديث والإسناد " ا!

(14/632)


@@@ 633
6782 - (لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لَأَفْسَدَتْ
عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ؟!).

ضعيف (*) .
أخرجه الترمذي (2588)، والنسائي في (الكبرى، (6/
313/ 070 1 1)، وابن ماجه (4325)، وابن حبان (1 261 - الموارد)، والحاكم
(2/ 294 و 451)، والطيالسي في " مسنده " (344/ 2643)، وعنه
البيهقي في " البعث والنشور " (289 - 0 29)، وأحمد (1/ 1 0 3 و 338)،
والطبراني في معاجمه الثلاثة: " الكبير " (11/ 68/ 11068)، و "الأوسط
(8/ 259/ 7551) و " الصغير " (ص 118 - هند) من طرق عن شعبة عن
الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: { اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم
مسلمون }، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره. والسياق للترمذي، وقال:
" حديث حسن صحيح "! وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! وقال الطبراني:
" لم يروه عن الأعمش إلا شعبة"
.
قلت: بلى، قد رواه عنه اثنان أخران ؛ وخالفاه سنداً ومتناً، وكشفا عن علته
التي فاتت الذين صححوه.

أحدهما: فضيل بن عياض، فقال: عن سليمان - يعني: الأعمش - عن أبي
__________
(*) هذا ما حكم به الشيخ رحمه الله أخيراً على هذا الحديث، وكان قد صححه - قديماً - في
بعض كتبه كـ " المشكاة " (5683) و " صحيح الجامع " (5250)، وانظر " هداية الرواة "
(5611). (الناشر).

(14/633)


@@@ 634
يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال:
" لو أن قطرة من الزقوم... " فذكره.

رواه أحمد (1/ 388): ثنا القواريري: ثنا فضيل بن عياض...
قلت: وهذا إسناد صحيح إلى الأعمش، فضيل بن عياض: أشهر من أن
يُعرف، والقواريري - هو: عبيد الله بن عمر بن ميسرة، وهو - ثقة ثبت.

والآخر: يحيى بن عيسى الرملي، فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (13/
161/ 15991): حدثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش عن أبي يحيى به.
وأخرجه البيهقي في " البعث " (290/ 597) من طريق أخرى عن يحيى
ابن عيسى الرملي.

قلت: والرملي هذا: صدوق يخطئ من رجال مسلم، ومتابعة فضيل إياه دليل
قوي على أنه قد حفظ، وذلك مما يدل على أن عنعنة الأعمش في رواية شعبة عنه
غير مغتفرة، وأن بينه وبين مجاهد (أبا يحيى)، واسمه: (عبد الرحمن بن
دينار القتات)، وقيل غير ذلك، والأول أشبه كما في " الضعفاء " لابن حبان، وقال
(2/53):
" فحش خطؤه، وكثر وهمه حتى سلك غير مسلك العدول في الروايات،
وجانب قصد السبيل في أشياء ".

ونقله السمعاني في مادة (القتات) من " الأنساب "، دون أن يعزوه إلى ابن
حبان، - وكثيراً ما يفعل مثله - ومنه صححت اللفظة الأخيرة، وكانت في الأصل
(أسبابها)، وقد عزاه الحافظ في " التهذيب " إلى قوله: " الروايات " دون ما

(14/634)


@@@ 635
بعدها، وفات ذلك على أصله " تهذيب الكمال " للحافظ المزي، ولم يستدركه
المعلقون عليه!

وقد ضعفه آخرون منهم أحمد، فقال:
"روى عنه إسرائيل أحاديث مناكير جداً ". ولذلك قال الحافظ في " التقريب ":
" ليّن الحديث ".

قلت: فهو علة الحديث، ببيان الثقتين المذكورين عن الأعمش عنه. واذا كان
من القواعد العلمية المسلم بها ؛ أن عبادة الثقة مقبولة، لا سيما ؛ ومن زاد ؛ أكثر،
وبخاصة أن المزيد عليه - وهو (الأعمش) - معروف بالتدليس ؛ إذا عرف ذلك،
فمن الواضح جداً خطأ تصحيح الحديث، ولا سيما من بعض المتأخرين الذين
وقفوا على هذه الزيادة: كالشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على " المسند "
(4/ 259 و 5/ 53)، وكالمعلق على " الإحسان " (16/ 511 - 512)،
والمعلق على " موارد الظمآن " (8/ 322 - 323 - طبعة دمشق)، فإنهم تجاهلوا
جميعاً القاعدة المذكورة، فلم يتعرضوا لذكرها، بل مروا على رواية الثقتين في
تخريجهم للحديث، دون أن يقفوا عندها، وأن ينظروا إلى أثرها في الكشف عن
علة الحديث وهي التدليس والوقف، والله ولي التوفيق.

6783 - (صرس الكافر - أو ناب الكافر - مثل أُحُد، وغلظُ جلده
مسيرة ثلاث).

شاذ بلفظ: " ثلاث ".
أخرجه مسلم (8/ 153 - 154)، وابن حبان (7444)
والطبراني في " المعجم الأوسط " (9/ 33/ 69 0 8)، وابن عدي في " الكامل "

(14/635)


@@@ 636
(7/ 27 1)، والبيهقي في" البعث " (1 0 3/ 0 62)، والمزي في " التهذيب "
(30/ 88) كلهم من طريق هارون بن سعد عن أبي حازم عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد جيد، على خلاف في (هارون) هذا - وهو: العجلي -:
قال ابن معين:
" ليس به بأس". وقال أحمد:
" صالح ".

وضعفه آخرون، وتناقض فيه ابن حبان ؛ فذكره في " الثقات " (7/ 579)،
وفي " الضعفاء " (3/ 94) أيضاً، ولم يذكر فيه جرحاً إلا قوله:
" كان غالياً في الرفض، داعية إلى مذهبه ".

وهذا ليس جرحاً له في الرواية في الراجح من علم الأصول ؛ ولذلك قال
الذهبي في " الميزان ".
"صدوق في نفسه، لكنه رافضي بغيض ". ونحوه في " التقريب " للحافظ
ابن حجر.
لكني أقول: يمكن الغمز من حفظه بروايته في هذا الحديث عن أبي حازم
" وغلظ جلده مسيرة ثلاث ".
وهذا خطأ عندي يقيناً لأسباب:

(14/636)


@@@ 637
أولا: مخالفته لمن هو أوثق منه في لفظ الحديث، وهو فضيل بن غزوان عن
أبي حازم بلفظ:
" ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع ".

أخرجه البخاري (6551)، ومسلم (8/ 154)، والبيهقي في " البعث "
(300/619) من طريقين عنه.

وروى الترمذي (2582) من طريق مصعب بن المقدام عن فضيل بن
غزوان... عن أبي هريرة رفعه:
" ضرس الكافر مثل أحد". وقال:
" حديث حسن".

قلت: فمسيرة الثلاث، هي لما بين منكبي الكافر، وليس لغلظ جلده.
ثانياً: قد صح عن أبي هريرة من طرق أن غلظ جلد الكافرأقل من ذلك
بكثير، أصحها: ما رواه أبو صالح عنه مرفوعاً بلفظ:
" إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً، وان ضرسه مثل أحد، وان مجلسه
من جهنم كما بين مكة والمدينة".

أخرجة الترمذي (2580)، وابن حبان (2615)، والحاكم (4/ 545).
وقال الترمذي:
" حسن صحيح ". وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين لما ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.

(14/637)


@@@ 638
ثالثاً: يحتمل احتمالاً قوياً أن هارون بن سعد وهم فقط في قوله: "جلده "
والصواب: " جسده"، وحينئذ يتفق مع الطرق الأخرى عن أبي هريرة ولا
يتعارض، ففي رواية محمد بن عمار وصالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعاً
بلفظ:
" ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد، وفخذه مثل البيضاء، ومقعده من النار
مسيرة ثلاث مثل الربذة " يعني: من المدينة.

أخرجه الترمذي (2581)، وابن عدي في " الكامل " (6/ 0 23)، وقال
الترمذي:
" حسن غريب"، وهو كما قال.

ورواه سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه، وقال:
" ومقعده من النار ما بيني وبين الزبذة " (1).

رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وهو مخرج في " الصحيحة "
(5 110).
ونحوه: ما تقدم في طريق أبي صالح بلفظ:
"... كما بين مكة والمدينة ".

وإنما قلت: " نحوه " ؛ لأن المسافة بينهما أضعاف ما بين المدينة والربذة،
بينهما نحو عشر مراحل، كما في " المعجم "، وفي الباب روايات أخرى في تقدير
__________
(1) هي من قرى المدينة على ثلاثة أيام ؛ كما في " معجم البلدان ".

(14/638)


@@@ 639
المسافة، قال الحافظ في " الفتح " (11/ 423):
" وكأن اختلاف هذه المقادير محمول على اختلاف تعذيب الكفار في النار ".

فأقول: هذا الجمع لا بد من المصير إليه بعد التبين من ثبوت كل رواية ؛ على
طريقة أهل الحديث ؛ وإلا ؛ فقد ذكر الحافظ في جملة ما ساق من الروايات رواية
مسلم هذه الشاذة ساكتاً عنها!

والمقصود: أن الطريق الأولى والثانية عن أبي هريرة، تؤكدان خطأ ما نسبه إليه
(هارون بن سعد)، وأن الغلظ الذي ذكره لجلد الكافر إنما هو لجسده، ومقعده في
جهنم.

رابعاً وأخيراً: إن النظر السليم يؤكد خطأ (هارون) في جمعه في حديثه بين
وصفين متناقضين ؛ ذلك ؛ لأن الضرس أغلظ عادة من الجلد، فإذا صح أن الضرس
مثل جبل أحد، فكيف يكون الجلد أغلظ منه بنسب لا تحصى ؟! إني أكاد أن
أجزم أنه أراد: (الجسد) فقال: "الجلد" والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومثل هذا الخطأ وأشد منه: ما رواه البيهقي (618) من طريق الفضل بن
موسى عن الفضيل بن غزوان عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
" ما بين منكبي الكافر مسيرة خمس مئة عام للراكب المسرع".

فقوله: " خمس مئة " منكر جداً، مع مخالفته للطريقين المشار إليهما عند
الشيخين والبيهقي فيما تقدم بلفظ:
"... ثلاثة أيام".

والله ولي التوفيق، والهادي إلى أقوم طريق.

(14/639)


@@@ 640
6784 - (إنك لتنظر إلى الطير في الجنة ؛ فتشتهيه، فيخر بين يديك
مشوياً).
ضعيف جداً.
أخرجه الحسن بن عرفة في " جزئه " (52/ 22)، وعنه
البزار في " البحر الزخار " (5/ 401/ 2032)، وابن أبي الدنيا في " صفة الجنة "
(46/ 03 1)، وأبو يعلى في " المسند الكبير " (2/ 464/ 1949 " المقصد
العلي ")، والعقيلي في " الضعفاء " (1/ 268)، والشاشي في " مسنده " (2/
282/ 858)، والحسين المروزي ويحيى بن صاعد في " زوائد زهد ابن المبارك "
(0 1 5/ 2 45 1)، وابن عدي في " الكامل " (2/ 273)، والبيهقي في " البعث "
(188 -189/ 353) كلهم من طريق خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن
عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعودمرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وله ثلاث علل:
الأولى: حميد الأعرج، وبه أعله الحفاظ ؛ فقال البزار عقبه:
" لا نعلمه يروى إلا من هذا الطريق عن ابن مسعود، وحميد الأعرج كوفي،
ليس بحميد المكي الذي روى عن مجاهد، وهو حميد بن عطاء ".

وفي ترجمته أورده العقيلي، وروى عن البخاري أنه قال فيه:
" منكر الحديث ". وكذا نقل عنه تلميذه الترمذي في حديث أخر، تقدم
برقم (4082)، واستغربه.

وفيها ساقه ابن عدي مع أحاديث أخرى، وختمها بقوله:
" وهذه الأحاديث ليست مستقيمة، ولا يتابع عليها". وتبعه الحافظ الذهبي

(14/640)


@@@ 641
فساقه في جملة مناكيره، وقال فيه:
" متروك ". وكذا قال في "المغني ".

وذلك ما يشير إليه قول البخاري، ومثله قول أبي حاتم:
" ضعيف الحديث، منكر الحديث، قد لزم عبد الله بن الحارث عن ابن
مسعود، ولا نعلم لعبد الله بن الحارث عن ابن مسعود شيئاً".

ومثله قول ابن حبان في" الضعفاء" (1/ 262):
" منكر الحديث جداً، يروي عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود بنسخة
كأنها موضوعة ".
ومن ذلك يتبين أن الحافظ تساهل في قوله فيه في" التقريب ":
" ضعيف ".
وكأنه تبع فيه شيخه الهيثمي ؛ فإنه قال في " المجمع " (10/ 414):
" رواه البزار، وفيه حميد بن عطاء الأعرج، وهو ضعيف ".

وهذا بدوره تبع شيخه العراقي فيما نقله عنه غير واحد منهم العلامة الزبيدي
في " شرح الإحياء " (10/ 541):
" رواه البزار بسند فيه ضعف ". ووقع في " تخريج الإحياء " (4/ 540 -
طبعة دار المعرفة بيروت):
" أخرجه البزار بإسناد صحيح "!

(14/641)


@@@ 642
فالظاهر أنه خطأ مطبعي، وأشار المنذري إلى تضعيفه في " الترغيب ".

الثانية: عرفت أن مدار الحديث على (خلف بن خليفة)، وهو مع صدقه فقد
كان اختلط، حتى ادعى ما كذبه بعضهم من أجله، قال الحانظ في " التقريب ":
" صدوق، اختلط في الآخر، وادعى أنه رأى عمرو بن حريث الصحابي،
فأنكر عليه ذلك ابن عيينة وأحمد ".

الثالثة: الانقطاع بين عبد الله بن الحارث - وهو: الزبيدي النجراني - كما أشار
إلى ذلك أبو حاتم فيما تقدم. وأكده في " المراسيل " لابنه، فقال (72):
" سمعت أبي يقول: عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود: مرسل ".

وروى عن علي بن المديني أنه قال:
"لم يسمع من ابن مسعود ".

هذا، ويلاحظ القارئ أن الحافظ العراقي ثم الهيثمي لم يعزوا الحديث لأبي
يعلى، وذلك ؛ لأنه لم يخرجه إلا في " المسند الكبير ". ولذلك أورده الهيثمي
في" المقصد العلي " - كما تقدم -، لكن سقط منه الإشارة بين يده الإسناد إلى
أنه في " الكبير " بحرف (ك) - كما هي عادته -، ولم يتنبه لما ذكرت المعلق
عليه، فقال:
" لم أوفق في العثورعليه في مسند أبي يعلى "!

قلت: وعقب المنذري على هذا الحديث بقوله:
" وعن أبي أمامة رضي الله عنه: إن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الطير من

(14/642)


@@@ 643
-طيور الجنة، فيقع في يده متفلقاً (!) نضجاً. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً ".

يعني - والله أعلم - كتابه المتقدم: " صفة الجنة "، وإليه عزاه السيوطي في
" الدر المنثور " (6/ 156)، وقد فتشت عنه فيه من الطبعة المصرية ؛ فلم أجده،
وأما الزبيدي [ فعزاه ] في " شرح الإحياء " في الموضع المشار إليه أنفاً، لابن
جرير، وقد فتشت أيضاًعنه في مظانه من " تفسيره " ؛ فلم أعثر عليه.

وذكر المنذري قبل ذلك (4/ 258/ 2) حديثاً آخر عن أبي أمامة أيضاً.
يشبه هذا ؛ ولكنه في الشراب، وقال:
" رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً بإسناد جيد".

وهذا في " صفة الجنة " (53/ 132) بإسناد جيد - كما قال -. فلا أدري ما
حال اسناد الذي قبله ؟ ولذلك ترددت في أي الكتابين أذكره، أفي " صحيح
الترغيب " أم " ضعيف الترغيب " ؟ ثم استقر رأيي على ايراده في " الصحيح " ما
دام أنه لم يضعفه، بل صدره بصيغة: (عن) المشعرة بقوته، والعهدة عليه، مع
احتمال أن يكون اسناده هو نفس إسناد هذا الذي جؤده. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(تنبيه): وأما المعلقون الثلاثة في طبعتهم الأنيقة التي ظاهرها الرحمة! من
" الترغيب والترهيب "، فقالوا (4/ 432):
" حسن موقوف، عزاه صاحب " الاتحاف " لابن جرير".

قلت: صاحب " الإتحاف " هو العلامة الزبيدي كما تقدم:، ولم يحسنه،
فمن أين جاؤوا بالتحسين ؟! وذلك من شطحاتهم، وقفوهم ما لا علم لهم به!
هداهم الله.

(14/643)


@@@ 644
6785 - (أبعده الله ؛ إته كان يبغض قريشاً).
ضعيف.
رري من حديث سعد بن أبي وقاص، والمغيرة بن شعبه، وجابر بن
عبدالله.

1 - أما حديث سعد ؛ فله عنه طريقان:
إحداهما: عن عبد الرحمن بن عياض قال: حدثني عمي عتيبة عن
عبد الملك بن يحيى عن محمد بن سعد عن أبيه قال:
قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلاناً الثقفي قتل، - وكان قد أسلم - فقال:... فذكره.

أخرجه البزار في " مسنده " " البحر الزخار " (4/ 22 - 23/1183)
وقال:
" لا نعلمه روي إلا من هذا الوجه ".

كذا قال! ويرده ما يأتي، وهو إسناد ضعيف مظلم، من دون محمد بن سعد
ليس لهم ذكر في كتب الرجال. ولهذا قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10/
27):
" رواه البزار، وفيه من لم أعرفه ".

والطريق الأخرى: عن جبير بن أبي صالح عن الزهري عن سعد بن أبي
وقاص قال:
إن رجلاً قتل، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:... فذكره.

(14/644)


@@@ 645
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (12/ 173/ 12449)، وعنه ابن
أبي عاصم في " السنة " (2/ 638/ 225 1).

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:
الأولى: جهالة جبير بن أبي صالح، لا يعرف إلا برواية ابن أبي ذئب عنه ؛
ولذا قال الذهبي:
" لا يدرى من هو ".

وأما ابن حبان ؛ فذكره في " الثقات " (6/ 149)! وقد خولف.
والأخرى: الانقطاع بين الزهري وسعد.

وقد خالفه (*) معمر، فقال: عن الزهري أن رجلاً من ثقيف قتل يوم أحد،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :... فذكره مرسلاً.
أخرجه عبد الرزاق (11/ 58/ 19904).

2 - وأما حديث المغيرة بن شعبة ؛ فأخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (20/
382/ 365): حدثنا أبو غسان أحمد بن سهل بن الوليد (!) الأهوازي: ثنا
الجراح بن مخلد: ثنا يعقوب بن محمد الزهري: ثنا نوفل بن عمارة: حدثني
عبد الله بن الأسود بن أبي عاصم الثقفي عن أبيه عن المغيرة بن شعبة قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وقف على رجل من ثقيف مقتول، فقال:...
فذكره.
__________
(*) يعني: " جبيراً ". (الناشر).

(14/645)


@@@ 646
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم، أعله الهيثمي بأحد رواته، فقال:
"رواه الطبراني، وفيه يعقوب بن محمد الزهري، وهو ضعيف، وقد وثق ".

وهذا فيه تقصيرظاهر يتبين لك مما يأتي:

أولاً: يعقوب هذا: قال الحافظ في " التقريب ":
"صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء ".

ثانياً: من فوقه إلى المغيرة ؛ ثلاثتهم مجهولون ليس لهم ذكر في كتب الرجال
- فيما علمت -.

ثالثاً: شيخ الطبراني (أبو غسان أحمد بن سهل بن الوليد)، كذا وقع فيه
والصواب (أيوب)، كما في " المعجم الأوسط " و " الصغير " و " الدعاء "
و " لسان الميزان "، وهو من شيوخه الذين ليس لهم عنده من الحديث إلا القليل،
فروى له في " الأوسط " (3/ 28 - 29/ 45 0 2 - 47 02) ثلاثة أحاديث أخرى،
أحدها أخرجه أيضاً في " الصغير " (583 - الروض)، وفي " الدعاء " (3/ 1737/
2094)، وله فيه حديث آخر (3/ 1812 -1813/ 2247).

وساق له الحافظ في " اللسان " حديثاً خامساً من رواية ابن قاع يشبه هذا من
جهة أنه من رواية خالد بن معدان عن أبيه عن جده رفعه:
" مثل الإيمان مثل القميص... ".
فأبو خالد وجده لا يعرفان ؛ ولذلك قال الحافظ:
" وهذا حديث منكر، وإسناد مركب، ولا يعرف لخالد رواية عن أبيه، ولا

(14/646)


@@@ 647
لأبيه عن جده. وهو من شيوخ الطبراني، وقد أورد له في " معجمه الصغير "
حديثاً واحداً غريبأ جداً، وله في " غرائب مالك " عن عبد العزيز بن يحبى عن
مالك حديث غريب جداً ".

قلت: فالظاهر أنه مولع بتركيب الأسانيد التي لا تعرف، أو على من هو متهم
كعبد العزيز هذا - وهو: المدني -.

وبالجملة ؛ فهذا الشيخ ضعيف لا يوثق به ؛ والله أعلم.

3 - وأما حديث جابر ؛ فيرويه القاسم بن محمد بن عباد المهلبي قال: حدثني
أبي عن جدي قال: حدثني هلال بن عبد الرحمن قال: كنت مع أيوب
السختياني بـ (مِنى)، فأخذ بيدي فأدخلني على محمد بن المنكدر فحدثنا عن
جابر بن عبد الله:
أن رجلاً قتل بالمدينة، لا يدرى من قتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره.

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (4/ 350/ 1956) في ترجمة (هلال بن
عبد الرحمن الحنفي) مع حديثين آخرين بإسنادين آخرين له، ثم قال:
" كل هذا مناكير ؛ لا أصول لها، ولا يتابع عليها ".

قلت: وسائر رجاله ثقات (1)، فمن أوهام ابن الجوزي الفاحشة، قوله في
" الموضوعات " (2/ 42) - وقد روى الحديث من طريق العقيلي -:
" قال العقيلي: لا أصل لهذا الحديث، قال ابن حبان: وعباد يأتي بالمناكير
فاستحق الترك "!
__________
(1) على كلام فيه تراه في " اللسان "، وقد وثقه ابن حبان (9/ 104).

(14/647)


@@@ 648
قلت: لا أدري - والله - ما الذي صرفه عن إعلاله بـ (هلال بن عبد الرحمن)،
مع تصريح العقيلي بأنه العلة، ونقله عنه قوله: " لا أصل له " دون تمام كلامه
الصريح في إعلاله به - إلى إعلاله بعباد هذا! ولو أنه كان متروكاً - كما زعم - لم
يكن لانصرافه المذكور وجه، لأنه يوهم أن ما أعله به العقيلي ليس بعلة، فكيف
والأمر على العكس تمامأ ؟! لأن (عباداً) الذي نقل عن ابن حبان أنه تركه، هو
(عباد بن عباد أبو عتبة الخواص)، فقد قال فيه ابن حبان في " الضعفاء " (2/
170):
" كان ممن غلب عليه التقشف والعبادة ؛ حتى غفل عن الحفظ والإتقان، فكان
يأتي بالشيء على حسب التوهم، حتى كثرت المناكير في روايته - على قلتها -
فاستحق الترك ".

ومن الغراثب حقاً أن ينسحب وهمه هذا إلى حديث أخر تقدم تخريجه برقم
(5984)!
وإن مما يزيد في الأمر غرابة، أن (عباداً) المذكور في الحديثين وقع منسوباً
بنسبة (المهلبي) كما ترى في هذا الحديث، فكيف غفل هذا فيهما معاً ؟ !!

من أجل ذلك تعقبه السيوطي في " اللالي المصنوعة " (1/ 443) بقوله:
" إنما أورده العقيلي في ترجمة (هلال) على أنه من مناكيره، وكذا في
" الميزان " و" اللسان ". وأما عباد المهلبي فروى له الأئمة الستة، وقال في " الميزان ":
صدوق من مشاهير علماء البصرة، وكان شريفاً نبيلاً، عاقلاً، كبير القدر، وثقه
غير واحد، وقال ابن سعد: ثقة ربما غلط. انتهى. والله أعلم ".

(14/648)


@@@ 649
قلت: ومن أولئك الموثقين ابن حبان نفسه، فقد أورده في (طبقة أتباع
التابعين) من كتابه " الثقات " (7/ 161).

وجملة القول ؛ أن الحديث ضعيف من جميع طرقه، وليس فيها ما يصلح
لتقويته ؛ لأن مدارها على مجاهيل، يمكن أن يكون بعضهم سرقه من بعض،
وخيرها رواة طريق معمر عن الزهري معضلاً، وهو بالتالي يعود إلى مجهول أو أكثر.
وإن مما يؤكد ضعفه الاضطراب الظاهر في متونها على الوجوه التالية:
1 - في حديث سعد أنه كان مسلماً ؛ دون الروايات الأخرى.
2 - في حديث المغيرة أن قتله كان يوم حنين.
3 - في حديث الزهري أن ذلك كان يوم أحد.
4 - في حديث جابر أنه كان بالمدينة.

6786 - (إنه لابد مما لا بد منه).
ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8/ 271 - 273) من
طريق أبي عبد الملك عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" تجهزوا إلى هذه القرية الظالم أهلها - يعني: خيبر - ؛ فإن الله فاتحها عليكم
إن شاء الله، ولا يخرجن معي ضعيف، ولا مضعف".

فانطلق أبو هريرة إلى أمه فقال: جهزيني ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالجهاز
للغزو، فقالت: تنطلق وتتركني، وقد علمت أني ما أدخل المرفق إلا وأنت معي ؟
فقال: ما كنت لأتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجت ثديها فناشدته بما رضع من

(14/649)


@@@ 650
لبنها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم سراً فأخبرته، فقال:
" انطلقي فقد كُفيتِ".

فأتاه أبو هريرة فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! قد أرى
إعراضك عني ؛ لا أرى ذلك إلا لشيء بلغك ؟ قال:
" أنت الذي تناشدك أمك، وأخرجت ثديها تناشدك بما رضعت من لبنها،
فلم تفعل، أيحسب أحدكم إذا كان عند أبويه أو أحدهما أن ليس في سبيل الله ؟
بلى هو في سبيل الله إذا برهما وأدى حقهما".

قال أبو هريرة: لقد مكثت بعد ذلك سنتين ما أغزو، حتى ماتت.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ليلاًَ فساروا ؛ معه فتى من بني عامر على بكر
له صعب، فجلس يسير فجفل من ناحية الطريق والناس فوقع بعيره في حفرة
فصاح: يا لعامر! فارتكس هو وبعيره، فجاء قومه فاحتملوه.

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى خيبر، فنزل عليها فدعا الطفيل بن عامر بن
الحارث الخزاعي فقال:
" انطلق إلى قومك فاستمدهم على أهل هذه القرية الظالم أهلها، فإن الله
سيفتحها عليكم إن شاء الله ".

قال الطفيل: يا رسول الله! تبعدني منك والله لأن أموت وأنا منك ق
ريب أحب إليّ من الحياة وأنا منك بعيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... (فذكر
الحديث).

(14/650)


@@@ 651
فانطلق فقال: يا رسول الله! لعلي لا ألقاك فزودني شيئاً أعيش به، قال:
" أتملك لسانك ؟ ".
قال: فماذا أملك إذا لم أملك لساني ؟ قال:
" أتملك يدك ؟ ".
قال: فماذا أملك إذا لم أملك يدي ؟ قال:
" فلا تقل بلسانك إلا معروفاً، ولا تبسط يدك إلا إلى خير".

قال ابن أبي كريمة: وجدت في كتاب أبي عبد الرحيم بخطه في هذا
الحديث: وقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم:
" أفش السلام، وابذل الطعام،، واستح الله بما تستحي رجلاً من أهلك ذي
هيئة، ولتحسن خلقك، وإذا أسأت فأحسن ؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو عبد الملك - هو: علي بن يزيد الألهاني -، قال
الذهبي في " المغني ":
" ضعفوه، وتركه الدارقطني ". وقال الحافظ في " التقريب ":
" ضعيف ".

لكن ما ذكره ابن أبي كريمة في وجادته ثابت في أحاديث متفرقة، فانظرها
- إن شئت - في " صحيح الترغيب " (23 - الأدب/ 2، 3، 4)، وراجع
لجملة (الاستحياء) " الصحيحة " (741).

(14/651)


@@@ 652
6787 - (إنه لا قليل من أذى الجار).
ضعيف.
أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (1/ 430/ 430)،
وفي " مساوي الأخلاق " (79 1/ 384): حدثنا أبو سهل بنان بن سليمان
الدقاق: نا عبيد الله بن موسى عن الأوزاعي عن ابن أبي لبابة عن أم سلمة
قالت:
بينما أنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ دخلت شاة لجارٍ لنا، فأخذت قرصاً لنا، فقمت إليها
فأخذته من بين لحييها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب ". غير (بنان بن
سليمان الدقاق)، وهو بغدادي ترجمه الخطيب في " تاريخه " (7/ 98 - 99)
برواية غير الخرائطي من الحفاظ، وقال:
" وكان ثقة ".
لكنه منقطع بين (ابن أبي لبابة) وأم سلمة ؛ قال ابن أبي حاتم في " المراسيل "
(ص 88):
"قال أبي: (عبدة بن أبي لبابة) عن أم سلمة في (الشاة)، لم يسمع عبدة
من أم سلمة، بينهما رجل ".

قلت: ولم تتنبه الدكتورة المعلقة على " المكارم " فقالت:
" إسناده حسن "!
ولولا الانقطاع ؛ لكان الصواب أن يقال. إسناده صحيح ؛ لما علمت من أن
رجاله كلهم ثقات.

(14/652)


@@@ 653
وقد جاء عن ابن أبي. لبابة معضلاً ؛ فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (8/
359/ 5475): وكيع قال: حدثنا الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا قليل... " الحديث ؛ كذا دون القصة.

وكذا روي بإسناد آخر ؛ فقال الطبراني في " المعجم الكيير " (23/ 258/
535): حدثنا أحمد بن رشدين: ثنا أحمد بن أبي الحواري: ثنا الوليد: ثنا
شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أم سلمة به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات ؛ غير أحمد بن رشدين، وهو
ضعيف، وقال ابن عدي:
"كذبوه ".
والوليد - هو: ابن مسلم الدمشقي -، وكان يدلس تدليس التسوية. ومنه تعلم
تساهل الهيثمي في قوله (8/ 170):
" رواه الطبراني، ورجاله ثقات ". فإنه لم يوثقه أحد سوى بن القاسم
الأندلسي، قال الذهبي في " المغني ":
" ضعيف، وقيل: كان مشبهاً". وقال في " السير " (16/110):
"ولم يكن بثقة".
ونفى التشبيه عنه الحافظ في " اللسان "، فراجعه.

(14/653)


@@@ 654
6788 - ( اللهم! فقّه قريشاً في الدين، وأذقهم من يومي هذا إلى
آخر الدهر نوالاً، فقد أذقتهم نكالاً).

ضعيف جداً.
أخرجه البزار في " مسنده " (4/ 121/ 1291 - البحر
الزخار): حدثنا عبد الله بن شبيب قال: ثنا إسحاق بن محمد قال: ثنا
عبد الملك بن عبد العزيزقال: ثنا عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن
عكرمة عن ابن عباس قال: قال العباس: فلت:
يا رسول الله! ما رأيت بعد أبي بكر أوفى [ من ] قريش الذين أسلموا بمكة يوم
الفتح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره. وقال:
" لا نعلمه عن العباس مرفوعاً الا بهذا الإسناد، وقد رواه ابن عباس عن
النبي مع من غير هذا الوجه " (1).

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ آفته عبد الله بن شبيب، قال الذهبي في
"المغني ":
" واه، قال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث ". وقال الهيثمي في " المجمع "
(10/ 26).

" رواه البزار والطبراني، وفيه عبد الله بن شبيب، وهو ضعيفاً.
وتعقبه تلميذه الحافظ ابن حجر في " مختصر الزوائد " - زوائد البزار - بقوله
(2/ 369):
" قلت: وشيخ شيخه لا أدري من هو ؟ ".
__________
(1) كذا الأصل. وفي " كشف الأستار " (3/ 297): " من غير وجه " ولعل الأول أرجح.

(14/654)


@@@ 655
يعني: (إسحاق بن محمد) ؛ لكن الظاهر أنه ابن أبي فروة الفروي، فقد ذكر
الحافظ المزي في ترجمته من " التهذيب " أنه روى عنه عبد الله بن شبيب. فإذا
كان هو ؛ ففيه كلام كثير مع أنه من شيوخ البخاري في " صحيحه "، وقد انتقده
بعضهم، وقال الحافظ في " التقريب ":
"صدوق، كُفّ فساء حفظه ".

والحديث رواه بعض المتروكين بإسناد آخبر عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ:
" اللهم! اهد قريشاً... " والباقي نحوه. وهو مخرج في المجلد الأول برقم
(399).

ولسائره إسناد ثالث عن ابن عباس بلفظ:
" اللهم! إنك أذقت أول قريش نكالاً، فأذق آخرهم نوالاً".

أخرجه الترمذي وابن أبي عاصم في " السنة " (2/ 1 4 6/1538، 1539)
وغيرهم، وهو مخرج أيضاً هناك تحت الحديث (398).
والجملة الأولى منه ؛ إنما صحت في عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن
النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فقال:
" اللهم! فقهه في الدين ".

أخرجه مسلم وغيره. وعزاه بعضهم للبخاري، وهو وهم - كما نبهت عليه في
تخريج " المشكاة " (6139) -.

(14/655)


@@@ 656
6789 - (يَا قَتَادَةُ لَا تَسُبَّنَّ قُرَيْشًا فَلَعَلَّكَ أَنْ تَرَى مِنْهُمْ رِجَالًا
تَزْدَرِي عَمَلَكَ مَعَ أَعْمَالِهِمْ وَفِعْلَكَ مَعَ أَفْعَالِهِمْ وَتَغْبِطُهُمْ إِذَا رَأَيْتَهُمْ).

ضعيف.
أخرجه أحمد (6/ 384): ثنا يونس قال: ثنا ليث عن يزيد
- يعني: ابن الهاد - عن محمد بن إبراهيم:
أن قتادة بن النعمان الظفري وقع بقريش، فكأنه نال منهم، فقال رسول
ا لله صلى الله عليه وسلم:... ذفذ كره، وتمامه:
" لولا أن تطغى قريش ؛ لأخبرتهم بالذي لهم عند الله عزوجل ".

قال يزيد: سمعني جعفر بن عبد الله بن أسلم، وأنا أحدث بهذا الحديث،
فقال: هكذا حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن جده.
وهكذا أخرجه البزار في " مسنده " (3/ 297/ 2787) من طريق أخر عن
يونس بن محمد به.
وأخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (19/ 6 -7/ 10) من طريق عبد الله
ابن صالح: حدثني الليث به ؛ المسند فقط.

قلت: وهو من الطريق الأولى مرسل صحيح الإسناد ؛ لأن محمد بن إبراهيم
- وهو: التيمي - تابعي لم يدرك القصة، وهو من رجال الشيخين كمن دونه.

وهو من الطريق الأخرى مسند من حديث قتادة الأنصاري، لكنه صعيف،
لأن عمر بن قتادة مجهول لايعرف إلا برواية ابنه عنه، ومع ذلك وثقه ابن حبان
(5/ 146). وسائر رجاله ثقات.
وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10/ 23) :

(14/656)


@@@ 657
" رواه أحمد مرسلاً ومسنداً، وأحال لفظ المسند على المرسل، والبزار كذلك،
والطبراني مسنداً، ورجال البزار في المسند رجال " الصحيح "، ورجال أحمد في
المرسل والمسند رجال " الصحيح " ؛ غير جعفر بن عبد الله بن أسلم في " مسند
أحمد "، وهو ثقة، وفي بعض رجال الطبراني خلاف".

قلت: وفي هذا الكلام خلط عجيب لا أدري كيف وقع له ؟! وهو ظاهر من
التخريج السابق، ولا بأس من بيان ذلك باختصار:

أولاً: قوله: " أحال... " ؛ ليس صحيحاً ؛ لأن الاحالة في اصطلاح العلماء
أن يسوق المصنف إسناده بحديث، ثم يتبعه بإسناد آخر فيحيل في متنه على الذي
قبله بمثل قوله: " مثله " أو " نحوه "، ولا شيء من هذا هنا.

ثانياً: قوله في رجال مسند البزار: " رجال الصحيح " خطأ واضح ؛ لأن فيه
عنده وكذا أحمد والطبراني: ".. ابن أسلم " و " عمر بن قتادة " مع جهالة هذا.
ثالثاً: زعمه أن في مرسل أحمد (ابن أسلم) المذكور، وهو وهم محض، بل
رجاله ثقات رجال الصحيح. والمعصوم من عصمه الله.

(تنبيه): قال البزار عقب الحديث:
" لا نعلمه رواه مرفوعاً إلا قتادة بن النعمان، وقد روي بعضه عن غيره ".

قلت: أظن أنه يثير إلى تمام الحديث: " لولا أن... " فقد رواه هو وغيره عن
ابن عباس، وصح عن غيره - كما تقدم ذكره في الحديث الذي قبله -، ولصحته لم
أذكره في حديث الترجمة.

وجملة السب وحدها ؛ قد رويت عن ابن مسعود، وقد تقدم تخريجه برقم (399).

(14/657)


@@@ 658
6790 -( لا يزال الدين واصباً ما بقي من قريش عشرون رجلاً).
ضعيف جداً.
أخرجه البزار في " مسنده " (3/ 299/ 2791)، وابن أبي
عاصم في " السنة " (2/ 638/ 524 1)، وابن عدي في " الكامل " (1/
238) من طريق نعيم بن حماد: ثنا إبراهيم بن أبي حية عن ابن جريج عن
عطاء عن ابن عباس مرفوعاً. وقال البزار وابن عدي:
" لا نعلمه يروي بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه".

قلت: [ فيه إبراهيم بن أبي حية ]، وهو ضعيف جداً. قال البخاري وغيره:
" منكر الحديث ". وقال ابن عدد:
" وضعفه بيّن على أحاديثه ورواياته ".

ولذا قال الهيثمي في " المجمع " (10/ 28):
" رواه البزار، وفيه إبراهيم بن أبي حية، وهو متروك".

وذكره الذهبي فيما أنكر عليه من الأحاديث.
ونعيم بن حماد: ضعيف.

6791 - (إن أحدكم سيوشك أن يحدث أن ينظر إليّ نظرة بما له من
أهل ومال).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (7/ 323/ 97 70) من طريق سليمان بن
موسى: ثنا جعفربن سعد: حدثني خُبيب بن سليمان بن

(14/658)


@@@ 659
سمرة عن أبيه عن سمرة بن جندب مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ مسلسل بالعلل:
1 - سليمان بن سمرة: مجهول الحال - كما قال ابن القطان -، وإنظر " تيسير
ا لا نتفاع " و "المغني " للذهبي.
2 - خبيب بن سليمان: مجهول لا يعرف إلا برواية جعفر هذا - وإن وثقه ابن
حبان -.
3 - جعفر بن سعد، وهو: ضعيف.
4 - سليمان بن موسى - وهو: الزهري -: فيه لين ؛ لكنه قد توبع ممن لا يفرح
بمتابعته، فقال البزار (3/ 1 29/ 0 277): حدثنا خالد بن يوسف: حدثني أبي
يوسف بن خالد: ثنا جعفربن سعد به.

ويوسف بن خالد - وهو: السمتي -: متروك، وكذبه ابن معين.
وابنه خالد: قال الذهبي في " المغني ".
" فيه تضعيف، وأبوه يوسف ساقط ".

وإذا عرفت ما تقدم ، فمن تساهل الهيثمي قوله (9/ 39):
" رواه الطبراني، ورجاله ثقات "!

وقوله (10/ 18) - وقد صدره بقوله: "وعن سمرة بسند ضعيف... " -:
"رواه البزار"!

(14/659)


@@@ 660
ولم يتنبه أخونا الشيخ حمدي السلفي للتصدير المشار إليه ؛ فقال في تعليقه
على " المعجم ":
"قال في" المجمع " (10/ 18): رواه البزار، ولم يتكلم عليه "!

6792 - ( لا تقوم الساعة حتى يُلتمس رجل من أصحابي، كما
تُلتمس - أو: تُبتغى - الضالة ؛ فلا يوجد).

ضعيف جداً.
أخرجه أحمد (1/ 89 و 93)، والبزار (3/ 292/ 2772)،
وابن عدي في " الكامل " (1/ 425)، وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2/
205) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي مرفوعاً.

قلت: أورده ابن عدي في ترجمة (إسرائيل) فقال:
" وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي كثير الحديث، مستقيم
الحديث في حديث أبي إسحاق وغيره، وقد حدث عنه الأئمة، ولم يتخلف أحد
في الرواية عنه، وهذه الأحاديث التي ذكرتها من أنكر أحاديثه ".

قلت: هذا مما يتعجب منه كيف يصح تعصيب نكارة هذا الحديث بإسرائيل،
وهو ثقة حجة مستقيم الحديث - كما شهد ابن عدي نفسه -، وفوقه الحارث -
وهو: الأعور - والجمهور قد ضعفه ؛ بل إن بعضهم قد كذبه، وقد قال ابن عدي في
آخر ترجمته (2/ 186):
" أكثر رواياته عن علي، وروى عن ابن مسعود القليل، وعامة ما يرويه عنهما
غير محفوظ ".

قلت: فهو العلة إذاً، وبه أعله الهيثمي ؛ فقال في " مجمعه " (10/ 18):

(14/660)


@@@ 661
" رواه أحمد والبزار، وفيه الحارث الأعور، وهو ضعيف، وقد وثق على ضعفه".

6793 - (أوصيكم بالسابقين الأولين [ من المهاجرين ]، وبأبنائهم من
بعدهم، وبأبنائهم من بعدهم، وبأبنائهم من بعدهم (1). إلا تفعلوا ؛ لا
يقبل منكم صرف ولا عدل).

ضعيف.
أخرجه البزار في مسنده " البحر الزخار " (3/ 233/1022):
حدثنا بشر بن خالد العسكري قال: نا جعفر بن عون عن حميد بن القاسم بن
حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده عن عبد الرحمن بن عوف
قال :
لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة ؛ قالوا: يا رسول الله! أوصنا. قال:... فذكره. وقال:
" لم يروه إلا عبد الرحمن بن عوف، ولا له إلا هذا الإسناد ولم نسمعه إلا
من بشر".
قلت: ومن طريقه أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (9/ 151/
8325) - والزيادة له -، وقال:
" لم يروه عن حميد إلا جعفر ".

قلت: لقد نسي رحمه الله ما رواه في المجلد الأول (482/ 878): أخبرنا
أحمد قال: حدثتا عتيق بن يعقوب قال: حدثني حميد بن القاسم بن حميد...
إلخ، وفيه الزيادة.
__________
(1) كذا الأصل، وكذا في " الكشف " (3/ 292)، و " المختصر " ( 2/ 364) بتكرار
الجملة ثلاث مرات، وفي " المجمع " مرتين.

(14/661)


@@@ 662
وعتيق هذا: ثقة، وكذا الراوي عنه أحمد - وهو: ابن يحيى الحلواني -، فكان
الصواب أن يقال: " لم يروه عن القاسم إلا حميد ".

قلت: وهما لا يعرفان إلا في هذه الرواية، وفي ترجمتيهما ساقها ابن حبان في
" الثقات " (7/ 331 و 8/ 96 1)، وقال المعلق عليه في كل من الترجمتين:
" لم نظفربه ".

وقد فات ابن حبان رواية جعفر بن عون المتابع لعتيق بن يعقوب. فحميد بن
القاسم: مجهول الحال، وأبوه القاسم: مجهول العين. والله أعلم.

ومما تقدم تعلم تساهل الهيثمي في " المجمع " (10/ 17) [ بقوله ] - بعدما
عزاه للطبراني والبزار -:
" ورجاله ثقات "!

6794 - (يا أبا الدرداء! إذا فاخرت ؛ ففاخر بقريش، وإذا كاثرت ؛
فكاثر بتميم، وإذا حاربت، فحارب بقيس، ألا إن وجوهها كنانة،
ولسانها أسد، وفرسانها قيس.
يا أبا الدرداء! إن لله فرساناً في سمائه يحارب بهم أعداءه، إن آخر
من يقاتل عن الإسلام - حين لا يبقى إلا ذكره، ومن القرآن الأ رسمه -
لرجل من قيس. قال: قلت: يا رسول الله! أي قيسٍ؟ قال: من سليم).

منكر.
أخرجه البزار في " مسنده " (3/ 9 0 3 - 301/9 281)، وتمام في
" فوائده " (4/ 368 - 369 - الروض البسام)، وعنه ابن عساكر في " تاريخ

(14/662)


@@@ 663
دمشق " (26/ 272/ 5568) من طريق بكر بن عبد العزيز ابن أخي إسماعيل
ابن عبيد الله بن المهاجر عن سليمان بن أبي كريمة عن حيان مولى أبي الدرداء
قال: سمعت أبا الدرداء أو حدثتني أم الدرداء عن أبي الدرداء قال:
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدت جماعة من العرب يتفاخوون فيما بينهم، فدخلت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما هذا يا أبا الدرداء الذي أسمع ؟! ".

فقلت: يا رسول الله! هذه العرب تفاخر فيما بينها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:...
فذكره. وقال ابن عساكر:
" غريب جداً".
وبين وجهه البزار فقال:
" لا نعلمه يروى مرفوعاً بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، والعباس ليس به
بأس، وبكر ليس بالمعروف بالنقل، وإن كان معروفاً بالنسب، وكذلك سليمان بن
أبي كريمة، ولم نحفظه إلا من هذا الوجه ؛ فأخرجناه، وبينا علته ".

وأما الهيثمي فقال (10/ 43):
" رواه البزار، وفيه سليمان بن أبي كريمة، وهو ضعيف ".

ولا أدري لِم لَم يعله أيضاً بـ (بكر بن عبد العزيز) - كما فعل البزار -،
وبخاصة أنه لا يعرف إلا بهذا الحديث، وبصورة أخص أن شيخه الحافظ العراقي
قد أورده في كتابه " ذيل الميزان " (159/ 231)، ونقل كلام البزار المتقدم دون
أي استدراك عليه، وكذلك فعل الحافظ العسقلاني في " لسان الميزان "، مشيراً
إلى أنه نقله عن " الذيل ".

(14/663)


@@@ 664
وفيه علة ثالثة، وهي: جهالة (حيان)، قال الذهبي وتبعه العسقلاني:
" لا يدرى من هو ؟ ".

وابن حبان - مع تساهله المعروف في توثيق المجهولين - لم يورده في كتابه
" الثقات " ؛ لا هذا، ولا بكراً المذكور قبله.

6795 - (أنا حجيج من ظلم عبد القيس).
منكر.
أخرجه البزار في " مسنده " (3/ 1 31/ 2822)، والطبراني في
" المعجم الكبير " (2 1/ 231/ 2971 1) من طريق محمد بن بشر: ثنا ابراهيم
ابن النضر عن حجاج العائشي عن أبي جمرة عن ابن عباس مرفوعاً. وقال البزار:
" لا نعلم أحداً رواه إلا محمد بن بشر، وأما إبراهيم العجلي، والحجاج
العائشي فلا نعلمهما ذكرا إلا في هذا الحديث، وذكرناه على ما فيه من علة ؛ لأنا
ما حفظناه إلا من هذا الوجه،.

ونقله الحافظ في " اللسان " وأقره (1/ 117). ثم أشار إليه في ترجمة
(الحجاج العائشي). وإليهما أشار الهيثمي بقوله (10/ 49):
" رواه البزار والطبراني، وفيه من لم أعرفهم ".

ثم روى الطبراني (12972) بهذا السند عن ابن عباس مرفوعاً:
" اللهم! اغفر لعبد القيس - ثلاثاً - ".

ولم أره في " المجمع " إلا في حديث وفد عبد القيس (5/ 60) بزيادة:

(14/664)


@@@ 665
" إذ أسلموا طائعين، غير كارهين، غير خزايا ولا مبتورين ". وليس فيه ( ثلاثاً).
رواه أحمد (4/ 256) وإسناده صحيح.

6796 - (يأبى الله لبني تميم الأ خيراً، ثبت الأقدام، عظام الهام،
رجح الأحلام، هضبة حمراء ، لايضرها من ناوأها، أشد الناس على
الدجال في آخر الزمان).

ضعيف جداً.
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (ق 124/ 1 -
بغية الباحث)، وعنه أبو نعيم في "الحلية " (3/ 60) من طريق أبي النضر
هاشم بن القاسم.

والبزار في " مسنده " (3/ 1 1 3/ 2823)، والطبراني في " المعجم الأوسط "
(9/ 95 - 96/ 2 0 82)، والرامهرمزي في " الأ مثال " (235 - 236/ 154)
والخطيب في "التاريخ " (9/ 195) - واللفظ له - من طريق أبي معاوية ؛ كلاهما:
حدثنا سلام بن صبيح - وقال الحارث: ابن سلم عن زيد العمى - عن منصور بن
زاذان عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال:
ذكرت القبائل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله! ما تقول في (هوازن) ؟
فقال:
"زهرة تينع". قالوا: فما تقول في بني عامر ؟ قال:
" جمل أزهر، يأكل من أطراف الشجر ". قالوا: ما تقول في بني تميم ؟ قال: فقال:...
فذكره. قال أبو الأحوص محمد بن حيان:

(14/665)


@@@ 666
قلت لأبي معاوية: من سلام ؟ قال: كان يسكن المدائن.

قلت: وفي ترجمة (سلام بن صبيح) هذاساقه الخطيب، ولم يزد ؛ مما يشعر
أنه غير معروف عنده ؛ لكنه قد أتبعه بترجمة سلام بن سلم المعروف بـ: (الطويل)
سكن المدائن، وحدث عن زيد العمي... روى عنه أبو النضر هاشم بن القاسم...
إلخ، وأفاض في نقل أقوال الأئمة فيه وهي مجمعة على تركه، وبعضهم كذبه ؛
فهو آفة هذا الحديث، وأبو النضر ثقة ثبت - كما في " التقريب " -، فروايته مقدمة
على رواية أبي معاوية - وهو: محمد بن خازم الضرير - ؛ لأنه - وإن كان ثقة ؛ فقد
- كان يهم في غير حديث الأعمش - كما قال الحافظ - ؛ ولذلك فقد أصاب البزار
في تعقيبه على الحديث بقوله:
" سلام هذا أحسبه سلام المدائني، وهو ليّن الحديث".

وأقره الهيثمي في موضع من" المجمع " (10/ 47)، وقال في موضع أخر
منه (10/ 43):
" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه (سلام بن صبيح)، وثقه ابن حبان،
وبقية رجاله رجال الصحيح "!

وهذا من تساهله، واكتفائه على مجرد النقل دون أي تحقيق ؛ فابن حبان
مشهور بتساهله في التوثيق، وهو إنما أورد (سلاماً) هذا في " الثقات " (8/ 295
- 296) لرواية أبي معاوية عنه هذا الحديث وذكر طرفه الأول، ولم يزد! ولم يذكر
راوياً آخر عنه ؛ فهو مجهول - على ما تقتضيه القواعد العلمية - ؛ بل هو عدم... لا
وجود له، وإنما هو: (سلام المدائني الطويل).. ابن سلم - كما حفظه لنا الثقة
الثبت أبو النضر -، وَهِم أبو معاوية في اسم أبيه، كما وهم في إسقاط شيخه (زيد

(14/666)


@@@ 667
العمي) من إسناده!! ولقد قارب الصواب الحافظ الذهبي في قوله في ترجمته
- بعدما ساق حديثه من رواية الخطيب -:
" وأنا أحسبه سلاماً الطويل المدائني " (1). وأقره الحافظ في " اللسان "، وزاد
عليه قوله:
" وقد ذكره ابن حبان في " الثقات"، وساق له هذا الحديث مختصراً".

قلت: وأنا أعتقد أنهما لو وقفا أو على الأقل استحضرا رواية أبي النضر هذا ؛
لجزما بما حسباه وظناه. وقد فاتت الحافظ الطبراني ؛ فقد قال عقب الحديث:
" لم يروه عن محمد بن سيرين إلا منصور، ولا عن منصور إلا سلام بن
صبيح، تفرد به أبو معاوية "!

وزيد العمي - شيخ سلام، هو: ابن الحواري، وهو -: ضعيف - كما في
" التقريب " -:
لكن الجملة الأخيرة من الحديث لها شاهد قوي بإسناد آخر عن أبي هريرة
قال:
لا أزال أحب بني تميم من ثلاث سمعتهن من رسول الله، سمعت رسول
الله ويقول:
" هم أشد أمتي على الدجال ".
أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "الصحيحة " تحت الحديث (3114).
__________
(1) الأصل (الواثقي).

(14/667)


@@@ 668
وروي نحوه بزيادة في أوله، وهو الآتي بعد حديث.

6797 - (أحبوا بني تميم (وفي رواية: سدوس) أبا القاسم، فوالله!
[ إن ] منحتم بمثله).

ضعيف جداً.
أخرجه البخاري في " التاريخ " (1/ 2/ 126)، والبزار في
" مسنده " (3/ 2 31/ 2824) من طريق حرمي بن حفص: ثنا عبيدة بن
عبد الرحمن السدوسي عن بحربن سعيد عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة
قال:
ربما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم على كتفي وقال:... فذكره. واللفظ للبزار.

وكان في الأصل بعض ألأخطاء فصححتها من " التاريخ "، والرواية الأخرى
والزيادة منه، وقال:
"فيه نظر".
ذكره في ترجمة (بحر) هذا، وقد روى عنه أيضاً عمران بن حدير ؛ كما في
" الجرح والتعديل " (1/ 1/ 419)، وسكت عنه، وأما ابن حبان فذكره في
" الثقات" (6/ 112) من وواية (عبيدة) هذا، وهو من غرائبه! فإنه قال - فيما
كنت نقلته عنه فيما تقدم من المجلد الثاني (ص 3) -:
" والشيخ إذا لم يرو عنه ثقة ؛ فهو مجهول لا يجوز الاحتجاج به ". وقال في
مكان آخر (2/ 162):
" وأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلها ".

(14/668)


@@@ 669
وقد خالف قوله هذا وذاك في كثير من رجال " ثقاته "، وقد أنبه على ذلك
في كثير من الأحيان، و (عبيدة) هذا ليس مجهولاً فقط عند ابن حبان ؛ بل هو
متهم، فقد أورده في " الضعفاء " (2/ 199) من رواية حرمي بن حفص أيضاً
عنه، وقال:
" يروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل الاحتجاج به بحال". ثم ساق له
حديثاً آخر بلفظ:
" لا يصيبك السوء أبا أيوب ".

وقد سبق ذكره تحت الحديث (96)، ونقل كلامه هذا والحديث الذهبي في
" الميزان "، والحا فظ في " اللسان " وأقراه.

(تنبيه): وقع الحديث في " الكشف " هكذا:
"أحبوا بني تميم أنا القاسم، فوالله! منحتم بمثله ".

وأكثره غير مفهوم، وكذا هو في " مختصر الزوائد " (2/ 382)، ويبدو أنه
خطأ قديم، فإن الهيثمي في " المجمع " (10/ 47) لم يذكر منه إلا أوله:
" أحبوا بني تميم "! وقال:
" رواه البزار، وقال: لا يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من هذا الوجه. وفيه عبيدة
بن عبد الرحمن، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يجرحه أحد، وبقية رجاله ثقات،.
وفيه ما لا يخفى على القارئ.
ولفظ البخاري:

(14/669)


@@@ 670
" أحبوا بني سدوس أبا القاسم، فو الله! إن نتجتم من مثله ".

6798 - ( لا تقل لبني تميم إلا خيراً ؛ فإمهم أطول الناس رماحاً على
ا لدجال).

ضعيف.
أخرجه أحمد (4/ 168) عن عمربن حمزة: ثنا عكرمة بن
خالد:
أن رجلاً نال من بني تميم عنده، فأخذ كفاً من حصى ؛ ليحصبه، ثم قال
عكرمة: حدثني فلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن تميماً ذكروا عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: أبطأ هذا الحي من تميم عن هذا الأمر! فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى مزينة فقال:
" ما أبطأ قوم هؤلاء منهم ".

وقال رجل يوماً: أبطأ هؤلاء القوم من تميم بصدقاتهم! قال: فأقبلت نعم حمر
وسود لبني تميم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" هذه نعم قومي ".

ونال رجل من بني تميم يوماً، فقال:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال الشيخين ؛ غير عمر بن حمزة
- وهو: العمري المدني -، فمن رجال مسلم، لكن الجمهور ضعفوه، وقال الذهبي
في " الكاشف":
" ضعفه ابن معين والنسائي، وقال أحمد: أحاديثه مناكير ". ولذلك قال

(14/670)


@@@ 671
الحافظ في " التقريب ":
"ضعيف ".

وتعامى عن هذه النصوص بعض ذوي الأهواء، فرددت عليه في مقدمة الطبعة
الجديدة لكتابي " آداب الزفاف في السنة المطهرة " ؛ فراجعها إن شئت
التفصيل.

ومن هنا يظهرتساهل الهيثمي في قوله (10/ 48):
"رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح "!
نعم ؛ قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في بني تميم:
" هم أشد أمتي على الدجال ".

كما تقدم قبل حديث، فهويغني عن هذا.

6799 - (عنزة حي من ههنا ؛ مبغي عليهم منصورون).
ضعيف.
أخرجه البزار في مسنده " البحر الزخار " (1/ 0 47 - 471/ 337)،
وأبو يعلى في " مسنده الكبير " (2/ 255/ 1480 المقصد العلي)، والدولابي
في " الكنى " (2/ 59)، والطبراني في " المعجم الأ وسط " (3/ 276 - 277/
2603) - واللفظ لهما - من طريق أبي غاضرة محمد بن أبي بكر العنزي قال:
حدثني عمي غضبان بن حنظلة عن أبيه حنظلة بن نعيم قال:
كنت فيمن وفد على عمر، فجعل يسأل رجلاً رجلاً: ممن أنت ؟ ومن أنت ؟
حتى انتهى إليّ فقال: ممن أنت ؟ ومن أنت ؟ فقلت: أنا حنظلة، من عنزة. فأومأ

(14/671)


@@@ 672
نحو المشرق، وفرج أصابعه، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ فيه جهالة، وثلاثتهم وثقهم ابن حبان!

1 - حنظلة بن نعيم: أورده في "الثقات " (4/ 167) برواية ابنه غضبان
ولم يزد. وكذلك فعل البخاري في " التاريخ "، وابن أبي حاتم في " الجرح "،
وتبعهم الحافظ في " التعجيل " (ص 108)، فهو في عداد المجهولين.

2 - غضبان بن حنظلة بن نعيم العنزي: أورده في " الثقات " (9/ 4) من
رواية أبي عاصم النبيل عنه. ذكره في الطبقة الرابعة ؛ أي: تبع أتباع التابعين، وهو
من أوهامه ؛ فإنه من أتباعهم - كما هو ظاهر -. وقد روى عنه أخران ؛ أحدهما: أبو
غاضرة محمد بن أبي بكر العنزي - كما في هذا الإسناد -. والآخر: المثنى بن
عوف - كما يأتي -، ومن روايتهما عنه ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ومع ذلك قال
الحسيني - كما في " تعجيل المنفعة " (ص 331) -:
" مجهول وليس بالمشهور ".

3 - أبو غاضرة محمد بن أبي بكر العنزي: أورده في الطبقة الرابعة من
" الثقات " (9/ 53) من رواية موسى. بن إسماعيل عنه. وبها ذكره البخاري
وابن أبي حاتم في كتابيهما. وهي رواية أبي يعلى لهذا الحديث عنه، فاعلمه.

وأما رواية الآخرين - أعني: البزار والدولابي والطبراني - فرووه عن محمد بن
الحسن أبي عبد الله العنزي عنه. لكن بينهما محمد بن إبراهيم في " البحر الزخار "
وكذا في " كشف الأستار " (3/ 313/ 229)، وما ا أظنها إلا مقحمة من بعض
الرواة، فإنه رواه عن شيخه محمد بن المثنى: ثنا محمد بن الحسن العنزي: ثنا
محمد بن إبراهيم: ثنا [ أبو ] غاضرة العنزي...

(14/672)


@@@ 673
أو أنه من وهم البزار ؛ فقد تابعه عن ابن المثنى أبو يعلى (1481)،
والدولابي وقرن معه يزيد بن سنان، قالا: حدثنا محمد بن الحسن أبو عبد الله
العنزي: ثنا أبو غاضرة محمد بن أبي بكر العنزي... هكذا على الصواب ؛ دون
ذكر محمد بن إبراهيم، على أن هذا لم أعرفه، ومثله محمد بن الحسن العنزي.
ثم ان الطبراني قال عقب الحديث:
" لم يرو عن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو غاضرة "!

كذا قال! وفاتته رواية أحمد في " المسند " (1/ 22): حدثنا أبو سعيد
مولى بني هاشم: حدثنا المثنى بن عوف العنزي - بصري - قال: أنبأنا الغضبان بن
حنظلة: أن أباه حنظلة بن نعيم وفد إلى عمر... الحديث نحوه.

قلت: وهذا أصح ؛ لأن المثنى هذا وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم وأبو زرعة:
" ليس به بأس ". كما رواه ابن أبي حاتم (4/ 1/ 325).

بخلاف أبي غاضرة ؛ فلم يوثقه غير ابن حبان - كما تقدم -. وإذا عرفت هذا ؛
ففي الحديث علة أخرى، وهي الانقطاع أو الإرسال ؛ فإن الغضبان لم يدرك عمر
رضي الله عنه.

وقد تنبه لهذا الشيخ أحمد شاكررحمه الله في تعليقه على " المسند " (1/
217) ؛ لكنه اعتمد على رواية أبي غاضرة الموصولة، مع تصحيف وقع له في
كنيته - تبعاً للحافظ - فوجب بيانه، قال:
"وأشار الحافظ في " الإصابة " (2: 66) إلى أن هذا الحديث رواه أيضاً
الدولابي في " الكنى " من طريق أبي عاصم: حدثنا عمي غضبان بن حنظلة بن

(14/673)


@@@ 674
نعيم عن أبيه قال: كنت فيمن وفد إلى عمر... إلخ. فهذا وصل للإسناد، لولاه
لكان ظاهر الإسناد الذي هنا [ في " المسند " ] منقطعاً. وأبو عاصم - هو: الغنوي -،
يروي عن أبي الطفيل، ويروي عنه حماد بن سلمة ومحمد بن الحسن العنبري.
قال ابن معين: ثقة. وله ترجمة في " التهذيب " و " الميزان " وانظر " مجمع الزوائد 10:51 "

قلت: في هذا الكلام تخليط عجيب، وقلة تحقيق، لا نعرف مثله عن الشيخ
أحمد شاكر رحمه الله ؛ فالظاهر أنه كان متعباً جداً، أو مشغول البال لسبب آخر،
وإلا ؛ فمثل هذا الخلط لا يصدر من طالب علم صغير، فضلاً عن شيخ عالم فاضل
كبير مثله، عفا الله عنا وعنه.

أولاً: قوله: " أبو عاصم".. تحريف (أبو غاضرة)! كذلك وقع في ترجمة
(حنظلة بن نعيم العنزي) من " الإصابة/ القسم الثالث "، (1/ 382 - إحياء
التراث).

ثانياً: كان يكون لانطلاء هذا التحريف على الشيخ وجه ؛ لو أنه لم يقف على
رواية أبي غاضرة عن غضبان ؛ لكن الواقع خلافه.. فقد أحال في ترجمة هذا على
" ثقات " ابن حبان والبخاري في " التاريخ "، وفي هذا أنه روى عنه أبو غاضرة،
وفي ذاك أنه روى عنه (أبو عاصم النبيل)، فكيف يصح تفسيره لـ (أبي عاصم)
بأنه : (الغنوي) ؟!

ثالثاً: إذا كان هو الغنوي عنده ؛ فكيف يقرن مع حماد (محمد بن الحسن
العنبري) ؟! وهذا ما لم يذكره " التهذيب " وغيره مما أحال عليه، ولا له ذكر في
شيء من كتب الرجال - في علمي - إلا في هذا الإسناد، على أن الصواب فيه:

(14/674)


@@@ 675
العنزي) - كما تقدم -... وليس: (العنبري) - كما وقع له - ! هذا مع قول أبي
حاتم فيه - كما رواه ابنه (4/ 2/ 14 4) -:
" لا أعلم أحداً روى عنه غير حماد بن سلمة، ولا أعرفه، ولا أعرف اسمه".
وأقره المصدران اللذان ذكرهما: " التهذيب " و " الميزان "!

رابعاً: توثيق ابن معين إياه لم يقبلوه ؛ لجهالته التي أشار إليها أبو حاتم ؛ ولهذا
تال الحافظ فيه:
"مقبول ". وأشار الذهبي في " الكاشف " إلى تليين توثيقه بقوله:
"وثق"!

خامساً وأخيراً: فعلى التسليم بأنه ثقة ؛ فإن مما لا شك فيه أن ثقته ليست
كثقة مخالفه (المثنى).. الذي وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة - كما تقدم -،
فترجيح روايته الموصولة على رواية (المثنى) المنقطعة خلات الأصول وقواعد
الحديث - كما لا يخفى على العارفين بهذا الفن الشريف -.

وهذا الأخير يقال أيضاً في (أبي غاضرة) ؛ لأنه في الجهالة مثل (أبي عاصم)،
ولم يوثقه غير ابن حبان المعروف بتساهله في التوثيق، وهو عمدة الهيثمي - الذي
أحال عليه أيضاً الشيخ أحمد - في قوله (10/ 51):
" رواه أبو يعلى في " الكبير "، والبزار بنحوه باختصار عنه، والطبراني في
" الأوسط "، وأحمد ؛ إلا أنه قال: عن الغضبان بن حنظلة، أن أباه وفد على
عمر. ولم يذكر حنظلة، وأحد إسنادي أبي يعلى رجاله ثقات كلهم ".

يعني: إسناده ا!لأول.. الذي ليس فيه (محمد بن الحسن أبو عبد الله العنزي) ؛

(14/675)


@@@ 676
ففيه إشارة إلى أنه غير موثق عنده أيضاً.
وقوله: " لم يذكر حنظلة " الظاهر أنه يعني أنه لم يسنده عنه، وإلا ؛ فقد قال
فيه: " أن أبا حنظلة بن نعيم وفد... " - كما تقدم ذكره -. والله سبحانه وتعالى
أعلم.

وقد روي الحديث بإسناد آخر مظلم بزيادة في متنه عند الطبراني وغيره،
وسبق تخريجه برقم (6229).

6800 - (ليدركن الدجال من أدركني، أو ليكونن قريباً من موتي).
منكر جداً.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (7/ 255/ 6490):
حدثنا محمد بن عيسى بن شيبة قال: حدثنا علي بن شعيب السمسار قال:
حدثنا معن بن عيسى القزاز قال: حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الوازع عن
عبد الله بن بسرمرفوعاً. وقال:
" لم يروه عن معاوية بن صالح إلا معن".

قلت: كلاهما ثقة، وكذا السمسار، وأما من دونه وأبو الوازع فوقهم: فلا
يعرفان ؛ لكن الأول روى عنه جمع، وقال الهيثمي في " المجمع " (7/ 350):
" رواه الطبراني في " الأوسط " عن شيخه محمد بن عيسى بن شعيب (كذا)،
ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".

كذا قال، و (أبو الوازع) هذا لم يوثقه أحد، حتى ولا ابن حبان، وقد أورده
البخاري في " الكنى " (78/ 745) بهذه الرواية، وكذلك فعل ابن أبي حاتم
(4/ 2/ 451) ؛ فهو في عداد المجهولين.

(14/676)


@@@ 677
وأنا أظن أنه اشتبه على الهيثمي بـ (أبي الوارع) المدعوب: (زهير بن مالك) ؛
فهو الذي وثقه ابن حبان (5/ 584)، وليلى به، وقد فرق بينهما البخاري وابن
أبي حاتم والذهبي في " المقتنى ".

وأما شيخ الطبراني (محمد بن عيسى بن شيبة) فهو من رجال " التهذيب "،
فلا أدري هل غاب ذلك عن الهيثمي، أم أن نسخته من " الأوسط " تحرف اسم
جده إلى " شعيب " فلم يعرفه ؛ وعلى كل حال ؛ فلم يذكر الحافظ عن أحد
توثيقه، ولذلك قال في" التقريب ":
"مقبول ".

وقد روي الحديث بإسناد أخر من طريق مجهول أيضاً عن أبي عبيدة بن الجراح
في حديث له في الدجال بلفظ:
" لعله سيدركه بعض من رآني، أو سمع كلامي ".

وقد خرجته وتكلمت على إسناده في التعليق على " المشكاة " (5486/
التحقيق الثاني)، رواه الترمذي وابن حبان وغيرهما.

وهناك أحاديث كثيرة في صفة الدجال منكرة لا تصح، منها مثلاً ما تقدم
برقم (6089) ؛ فراجعه إن شئت.

قلت: وحديث الترجمة مما أورده مؤلف كتاب " جامع الأخبار والأقوال في
المسيح الدجال " (ص 89)، ونقل في الحاشية كلام الهيثمي المتقدم، وأقره! وهو
من الأدلة الكثيرة على أنه كتاب جامع فعلاً.. لكنه جمع ما هب ودب، وأن قوله
في " المقدمة " (ص 9):

(14/677)


@@@ 678
إنه جمعه " من المراجع التي تتضمن هذا الموضوع بأسانيد صحيحة وحسنة"!!

إن هو إلا مجرد دعوى لترويج الكتاب ؛ فالرجل لا يعرف الصحيح والحسن،
ولا الضعيف، فما هو إلا (حَوّاش قفاش) ؛ وإن أطراه بعض الدكاترة وغيره وقرظه!
ومثله الشيخ البرزنجي في كتابه " الإشاعة لأشراط الساعة " ؛ فقد حشاه
بالأحاديث المنكرة والواهية، وبأقوال الصوفية، والكشوفات الخيالية، ومن
ذلك قوله في حديث ابن حبان المتقدم: " ولعله يدركه بعض من رأني...":
" وهذا البعض هو الخضر ؛ لأمور: أحدها: أن من عدا الخضر وعيسى عليهما
السلام لم يبق أحد ممن رآه صلى الله عليه وسلم بالإجماع... " إلى آخر هراثه، ومن ذلك أنه
صرح بأن الحديث صحيح! وما ذلك إلا تقليداً منه لابن حبان. والله المستعان.
وبقاء الخضر عليه السلام إلى زمن الدجال خرافة لا أدري كيف انطلى أمرها
على بعض العلماء - فضلاً عن جماهير الصوفية - ؟! ولكن الله تبارك وتعالى قد
وفق كثيراً من أهل العلم فبينوا بطلان إدراك الخضر للنبي صلى الله عليه وسلم - فضلاً عن استمراره
حياً - ؛ كالإمام البخاري وابن تيمية والعسقلاني وغيرهم.

6801 - (إن الله قد برأ هذه الجزيرة من الشرك ، ولكن أخاف أن
تضلهم النجوم . قالوا : يا رسول الله! كيف تضلهم النجوم ؟ قال : ينزل
الغيث فيقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ).

منكر.
أخرجه أبو يعلى (2 1/ 69 - 70/ 9 670) - والسياق له -، والبزار
(4/ 131/ 1303 و 1304 - البحر الزخار) من طريق قيس عن يونس بن عبيد
عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب قال:

(14/678)


@@@ 679
خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، فالتفت إليها فقال:... فذكره.
وليس عند البزار " قالوا:... " إلخ، وقال:
" لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن العباس، ولا نعلم له إسناداً إلا هذا".

قلت: قد رواه عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن العباس به ؛ دون
الزيادة.
أخرجه أبو يعلى أيضاً (6714).
قلت: وهذا إسناد ضعيف منقطع ؛ عمر بن إبراهيم - هو: العبدي -: قال
الحافظ في " التقريب ":
" صدوق، في حديثه عن قتادة ضعف ".

قلت: وهذا عنه، وقد أسقط (الأحنف بن قيس) بين الحسن والعباس ؛
فأرسله.
وفي الطريق الأولى (قيس) - وهو: ابن الربيع -، وهو ضعيف، والحسن - هو:
البصري، وهو -: مدلس وقد عنعنه.

والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (8/ 114) وقال:
" رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط " باختصار، وإسناد أبي يعلى
حسن"!
ثم أورده مختصراً بلفظ البزار، وقال (10/ 54):

(14/679)


@@@ 680
" رواه البزار، وأبو يعلى بنحوه، والطبراني في " الأوسط " (1) ورجال أبي يعلى
ثقات ".
قلت: هذا غير مسلّم، فإنه إن كان يعني طريقه الأولى ؛ ففيها ضعف قيس
وعنعنة الحسن. وإن كان يعني الأخرى ؛ ففيها ضعف عمر بن إبراهيم عن قتادة،
والانقطاع بين الحسن والعباس.

ومنه تعلم تفاهة تحقيق الشيخ الأعظمي في قوله تعليقاً على " المطالب العالية "
(1/ 184):
" أخرجهما أبو يعلى بإسنادين يشد كل منهما الأخر "!

ونحوه قول المعلق على " مسند أبي يعلى " (12/ 70) - بعد أن ضعف
إسناده بضعف قيس، وعنعنة الحسن، كما ضعفه من الطريق الآخر - دون أن
يتكلم عليه بشيء -:
" نقول: يشهد له حديث زيد بن خالد الجهني عند مالك... ".

ثم عزاه للشيخين وغيرهما بالأبواب والأرقام! دون أن يسوق لفظه أو على الأقل
موضع الشاهد منه ؛ ليكون القراء على بينة من قوله، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في أخر الحديث:
" وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا ؛ فذلك كافر بي، مؤمن بالكواكب " (2).
قلت: فأنت ترى أنه ليس فيه ما يشهد للشطر الأول من الحديث ؛ فهو شاهد
قاصر غير كامل، وهذا مما يقع فيه كثيراً المومى إليه، وقد نبهت في تعليقاتي على
__________
(1) "والطبراني في " الأوسط ".. غير موجود في الأصل ؛ بل في نسخة: غيره" كذا في
هامش " المجمع ".
(2) وهو مخرج في " إرواء الغليل " (3/ 44 1/ 681).

(14/680)


@@@ 681
الشيء الكثير منه، فيتنبه لهذا الأمر ؛ فالقليل جداً من يفرق بين الشاهد القاصر
والكامل ، ومن عواقب ذلك أن القراء - وأكثرهم علمهم محدود - حينما يقرأون أن
الحديث يشهد له حديث الشيخين، لا يسعهم إلا أن يقولوا بصحة الحديث.. ظناً
منه أن القائل هو من العلماء والفقهاء، فيقع بسببه في الكذب على رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم.

هذا لو خلا الطرف الأول من مخالفته لبعض الأحاديث الصحيحة التي منها
قوله صلى الله عليه وسلم:
" لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة "، وكانت
صنماً تعبدها دوس في الجاهلية بـ (تبالة).

أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " ظلال الجنة " (1/ 37/ 77
و78).
ولهذا صدرت الحديث بقولي: " منكر ".

6802 - (صلّى الله على [ أهل ] تلك المقبرة ؛ [ هي ] أهل مقبرة
بعسقلان).

باطل.
أخرجه أبو يعلى (2/ 216 - 217/ 913) من طريق عطاف بن
خالد: حدثني أخي (المسور بن خالد) عن علي بن عبد الله بن مالك بن
بُحينة عن أبيه عبد الله قال:
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني أصحابه إذ قال:

(14/681)


@@@ 682
" صلى الله على [ أهل ] تلك المقبرة (ثلاث مرات)".

قال: فلم ندر أي مقبرة، ولم يسم لهم شيئاً.
قال: فدخل بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - قال
عطاف: فحدثت أنها عائشة - فقال لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أهل مقبرة، فصلى
عليهم، ولم يخبرنا أي مقبرة هي، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، فسألته عنها ؟
فقال لها:
" أهل مقبرة بعسقلان ".

وأخرجه يعقوب الفسوي في " التاريخ " (2/ 300) من هذا الوجه،
والزيادتان له، لكن وقع فيه: (مكي بن عبد الله. بن مالك بن بُحينة).

وأخرجه البزار (3/ 324/ 2853) مختصراً من طريق محمد بن زريق: ثنا
عطاف بن خالد: ثنا مالك (!) بن عبد الله بن [ مالك ] بن بحينة عن أبيه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر وصلى على أهل مقبرة بـ (عسقلان). وقال البزار:
" عطاف: ضعيف، ومحمد بن زريق: لا يعرف بحديث كثير".
قلت: عطاف: مختلف فيه، وقال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق يهم ".

ومحمد بن زريق: كذا وقع فيه، وفي " مختصر الزوائد " (2/ 386):
(رزيق) بتقديم الراء على الزاي، وكل ذلك تصحيف، والصواب: (روين)، كما
في ترجمة (عطاف) من " التهذيب "، وفي ترجمته هو من " الجرح والتعديل "

(14/682)


@@@ 683
لابن أبي حاتم، وقال (3/ 2/ 4 25/ 395 1):
" سمع منه أبي أيام الأنصاري، وروى عنه، وسألته عنه ؟ فقال: هو
صدوق ".

قلت: فالآفة من أخيه (المسور بن خالد) ؛ فإنه في عداد المجهولين، أورده
البخاري في " التاريخ " وابن أبي حاتم برواية عطاف هذا فقط، ولم يذكرا فيه
جرحاً ولا تعديلاً. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (7/ 498) على قاعدته
المعروفة! وفي ترجمته أورد الذهبي هذا الحديث وقال:
" وهذا ليس بصحيح ".

وأقره الحافظ في" اللسان " (6/ 36/ 46 1) ؛ بل قال في " مختصر الزوائد "
(2/ 387) - عقب إعلال البزار المتقدم للحديث -:
" قلت: بل هو باطل ".

وأما شيخه الهيثمي فقال في" المجمع " (10/ 61 - 62):
" رواه أبو يعلى، والبزار ولفظه... وفي إسناد أبي يعلى: (علي بن عبد الله
ابن مالك بن بحينة)، وفي إسناد البزار: (مالك بن عبد الله بن بحينة)..
وكلاهما لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ".

قلت: هما واحد، والاختلاف من الرواة، ومنه رواية الفسوي: (مكي)
- كما تقدم - ؛ فهل هو ثالث ؟! بل هو مما يدل على أنه غير معروف ؛ فيحتمل أن
يكون هو الآفة. والله أعلم.

(14/683)


@@@ 684
6803 - (من تعلم باباً من العلم، عمل به أولم يعمل به ؛ كان
أفضل من صلاة ألف ركعة. فإن هو عمل به، أو علّمه ؛ كان له ثوابه
وثواب من يعمل به إلى يوم القيامة).

موضوع.
أخرجه الخطيب في " التاريخ " (6/ 50) من طريق ابراهيم بن
جعفر البصري الفقيه: حدثنا محمد بن مهدي بن هلال: حدثني أبي عن
محمد بن زياد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس مرفوعاً.

أورده في ترجمة (إبراهيم) هذا برواية اثنين عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا
تعديلاً ؛ فهو مجهول الحال.
وشيخه محمد بن مهدي بن هلال: لم أجد له ترجمة.
والآفة من أبيه (مهدي بن هلال) - وهو: أبو عبد الله البصري - ؛ كذبه يحيى
ابن سعيد وغيره، وقال ابن معين:
" صاحب بدعة، يضع الحديث ".

ونحوه في الوضع حديث ابن مسعود نحوه مختصراً بلفظ:
"من تعلم باباً من العلم ليعلم الناس ؛ أعطي ثواب سبعين صدّيقاً ".
قال المنذري في " الترغيب " (1/ 56/ 14):
" رواه أبو منصور الديلمي في " مسند الفردوس ". وفيه نكارة ".
وقال الحافظ العراقي في" تخريج الاحياء " (1/ 9):
" سنده ضعيف ".

(14/684)


@@@ 685
قلت: هو أسوأ من ذلك ؛ فقد وقفت على إسناده في " ذيل الأحاديث
الموضوعة " للسيوطي (ص 37) ؛ ساقه من طريق الحاكم - وعنه الديلمي ؛ كما
نقله الزبيدي في " شرح الإحياء " (1/ 106) عن العراقي، والظاهر أنه " تخريج
الإحياء الكبير " - من طريق جعفر بن سهل المذكر والجارود بن يزيد: ثنا محمد
ابن علاثة القاضي: حدثنا عبدة بن أبي لبابة عن الأسود بن يزيد عن ابن مسعود
رفعه بلفظ:
" نبياً "! وقال العراقي:
" كذا قال: " نبياً "! وهو منكر، وجعفر بن سهل، والجارود بن يزيد: كذابان
ومحمد بن عبد الله بن غلاثة القاضي: مختلف في الاحتجاج به ". وقال
السيوطي:
"الجارود بن يزيد: قال أبو أسامة وأبو حاتم: كذاب. وقال أبو داود: غير ثقة.
وقال يحيى: ليس بشيء. وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث ".

وأقره ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (2/ 275).
قلت: (وجعفر بن سهل المذكر) الذي كذبه العراقي، لم أجده في كتب
الرجال التي عندي. نعم في " الميزان " و " اللسان ":
" جعفر بن سهل النيسابوري، عن إسحاق بن راهويه، قال الحاكم: حدث
بمناكير".

فهل هو هذا، ووهم العراقي في تكذيبه، أم هو غيره ؟ الظاهر لي الأول.

(14/685)


@@@ 686
6804 - (ما من رجل تعلّم كلمتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً، أو خمساً مما
فرض الله عزوجل، فيتعلّمهن، ويعلمهن ؛ إلا دخل الجنة).

ضعيف.
أخرجه أبو نعيم في "الحلية " (2/ 159) من طريق مسلم بن
إبراهيم قال: ثنا يونس بن سهل السراج قال: سمعت الحسن يحدث عن أبي
هريرة مرفوعاً. قال أبوهريرة:
فما نسيت حديثاً بعد إذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو نعيم:
" رواه عدة عن الحسن ؛ فمن التابعين: يونس بن سهل السراج - بصري -،
عزيز الحديث، يجمع حديثه".

قلت: هذه ترجمة عزيزة ومتابعات غريبة لم أقف على شيء من ذلك فيما
عندي من المصادر والمراجع ؛ فإن صح ذلك عن الحسن ؛ فالعلة عنعنته، فإنه كان
مدلساً، على الخلاف المعروف في سماعه من أبي هريرة رضي الله عنه ؛ ولذلك
قال المنذري (1/ 56/ 15): "... وإسناده حسن لو صح سماع الحسن من أبي
هريرة".

والمعروف بالرواية عن الحسن إنما هو يونس بن عبيد - وهو: أبو عبد الله العبدي
البصري -، ولم أر من سمى أباه أو جده (سهل السراج).

ثم إن الحديث محفوظ عن يونس بن عبيد هذا عن الحسن عن أبي هريرة، وعن غير الحسن عن
أبي هريرة بنحوه، لكن دون قوله:
"إلا دخل الجنة".
فقال الإمام أحمد (2/ 427): ثنا إسماعيل عن يونس عن الحسن عن

(14/686)


@@@ 687
أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
" ما من رجل يأخذ مما قضى الله ورسوله كلمة، أو ثنتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً،
أو خمساً، فيجعلهن في طرف ردائه، فيعمل بهن، و يعلمهن ؟ ".

قلت: أنا. وبسطت ثوبي، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث حتى انقضى
حديثه، فضممت ثوبي إلى صدري ؛ فأنا أرجو أن أكون لم أنسَ حديثاً سمعته منه.

وإسماعيل - شيخ أحمد ؛ هو: ابن علية، وهو - مذكور في الرواة عن (يونس
ابن عبيد العبدي) ؛ فهو صاحب هذا الحديث.

وقد تابعه المبارك عن الحسن به نحوه ؛ وقال في آخره:
فإني لأرجو أن لا أكون نسيت حديثاً سمعته منه بعد.
لكن المبارك مدلس أيضاً - وهو ابن فضالة -، إلا أن هذا هو المحفوظ في هذا
الحديث ؛ لمتابعة جماعة، أو لرواية جماعة من التابعين نحوه عن أبي هريرة ؛ منهم
عبد الرحمن الأعرج قال: سمعت أبا هريرة يقول:
إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموعد،
كنت رجلاً مسكيناً أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون
تشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من يبسط ثوبه ؛ فلن ينسى شيئاً سمعه مني ".

(14/687)


@@@ 688
فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه، ثم ضممته إليّ ؛ فما نسيت شيئاً سمعته
أخرجه البخاري (8 1 1، 47 0 2، 0 235، 4 735)، ومسلم (7/ 166)،
وأحمد (2/ 0 24، 274).
وفي رواية المقبري عن أبي هريرة قال:
قلت: يا رسول الله! إني سمعت منك حديثاً كثيراً فأنساه ؟ قال:
" ابسط رداءك ". فبسطته، فغرف بيديه فيه، ثم قال:
" ضمّه ". فضممته ؛ فما نسيت حديثاً بعد.

رواه البخاري (9 1 1 و 3648)، ومسلم (7/ 67 1)، والترمذي (3833)،
وابن سعد في " الطبقات " (4/ 329)، وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".

(تنبيه): لقد عزا الحديث الحافظ ابن حجر في " الفتح " (1/ 215)
لـ " جامع الترمذي " و" الحلية "، وما أظن عزوه للترمذي إلا وهماً، ويقابله الحافظ
السيوطي ؛ فإنه عزاه في " الجامع الكبير " (2/ 117) لابن النجار فقط!

فهذا قصر، وذاك وهم، وليس هذا فقط ؛ بل إنه سكت عنه، وهذا تساهل
منه ؛ لأنه يعني أنه حسن على الأقل عنده ؛ فخفيت عليه علته. فالحمد لله الذي
بنعمته تتم الصالحات.

(14/688)


@@@ 689
6805 - (يبعث العالم والعابد، فيقال للعابد : ادخل الجنة. ويقال
للعالم: اثبت (1) حتى تشفع للناس بما أحسنت إليهم).

موضوع.
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (6/ 438)، والبيهقي في
" شعب الإيمان " (2/ 268/ 7 71 1) من طريقه عن بقية عن مقاتل بن
سليمان: حدثني أبو الزبير وشرحبيل بن سعد عن جابر بن عبد الله قال: قال
النبي صلى الله عليه وسلم:... فذكره.

قلت: وهذا موضوع ؛ آفته: (مقاتل بن سليمان) - وهو: البلخي المفسر - ؛
أطال ابن عدي في ترجمته، ورواية أقوال الأئمة في الطعن فيه، ثم ختمها بقوله:
"وهو مع ضعفه يكتب حديثه ".

قلت: وهو أسوأ حالاً مما ذكر - كما يتبين من ترجمته في الكتب الأخرى -،
وقد لخص ذلك الذهبي في " المغني " فقال:
"هالك، كذبه وكيع والنسائي ". وقال الحافظ في " التقريب ":
" كذبوه، وهجروه، ورمي بالتجسيم ".

وللحديث طريق أخرى عن جابر هي مثل هذه أو شر منها ؛ يرويه حبيب بن
أبي حبيب قال: ثنا شبل بن عباد عن محمد بن المنكدر عن جابر به.
__________
(1) في " الكامل " (ويقال: اتليت حتى)، والتصحيح من " الشعب ". وهذا الخطأ الفاحش
وقع في " الكامل " في الطبعة التي زينها الناشر بقوله: " تحقيق وضبط ومراجعة لجنة من المختصين
بإشراف الناشر " !!وحذفها من الطبعة الثالثة وطبع مكانها محقق أخر، ومدقق أخر !! والخطأ لا يزال
كما هو!!!

(14/689)


@@@ 690
أخرجه ابن عدي أيضاً (2/ 412، 413)، وابن السني في " رياضة
المتعلمين " - كما في " إتحاف السادة " (1/ 107) -، ومن طريقه الديلمي في
" مسند الفردوس " (3/ 347 - الغرائب الملتقطة)، وابن عبد البر في " جامع
بيان العلم " (1/ 108 - 109/ 97)، وقال ابن عدي وقد ذكره في ترجمة
(حبيب بن أبي حبيب) مع أحاديث أخرى له:
" وهذه الأحاديث كلها موضوعة على (شبل)، و (شبل) عزيز المسند ".

وقال الزبيدي في " الإتحاف ":
" وحبيب بن أبي حبيب، وهو كاتب مالك، كذبه ابن معين وغيره ".
وروي مختصراً من حديث أبي أمامة مرفوعاً بلفظ:
" يجاء بالعالم والعابد..." الحديث مثله، دون قوله: " بما أحسنت إليهم ".
أخرجه الأصبهاني (2/ 1 87/ 0 3 1 2 - ترغيبه) من طريق خازم بن خزيمة
عن عثمان بن عمر القرشي عن مكحول عن أبي أمامة. وقال الزبيدي:
"خازم بن خزيمة - هو: أبو خزيمة البخازي -: قال السليماني: فيه نظر ".

قلت: وسكت عن شيخه (عثمان بن عمر القرشي)، فلم يتكلم عليه
بشيء ؛ فكأنه لم يعرفه، وحق له ذلك ؛ فإني لم أجد له ذكراً في شيء من كتب
الرجال هكذا. وأظن ظناً راجحاً أن (خازم بن خزيمة) أخطأ.. فنسبه إلى (عمر)،
أو أنه تعمد ذلك تدليساً وتعمية لحاله، فإنه (عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن
سعد بن أبي وقاص القرشي) ؛ فقد نسبه إلى جده ؛ لما ذكرت.

(14/690)


@@@ 691
وإذا كان الأمر كذلك ؛ فهو آفة هذه الطريق ؛ لأن عثمان هذا المعروف بـ
(الوقاصي): قال الإمام البخاري:
" تركوه ". وقال الحافظ في " التقريب ":
"متروك، وكذبه ابن معين ".

6806 - (ان من بعدكم زماناً سفلتهم مؤذنوهم).
شاذ.
أخرجه البزار في " مسنده " (1/ 181/ 357 - كشف الأستار)، وأبو
الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (3 - 4/ 49/ 279)، والدارقطني في
" العلل " (10/ 195) معلقاً، والبيهقي في " السنن " (1/ 430)، وابن
عساكر في " تاريخ دمشق " (4 1/ 736 - المصورة) من طرق عن أبي حمزة
السكري قال: سمعت الأعمش يحدث عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم! أرشد الأ ئمة، واغفر للمؤذنين".

قال: فقال رجل: يا رسول الله! لقد تركتنا ونحن نتنافس في الأذان بعدك ؟
قال:... فذكره. وقال البيهقي:
" لم يسمعه الأعمش باليقين من أبي صالح، وإنما سمعه من رجل عن أبي
صالح".

قلت: التحقيق: أن الأعمش سمعه من الرجل عن أبي صالح، وعليه أكثر
الروايات، ثم سمعه من أبي صالح مباشرة، والتفصيل في " الإرواء " (1/ 232 -
233) وغيره ؛ إذ ليس المقصود هنا إلا بيان حال حديث الترجمة، وهو زيادة تفرد

(14/691)


@@@ 692
بها أبو حمزة السكري - واسمه: محمد بن ميمون -، وهو ثقة من رجال الشيخين ؛
ولذلك كنت قد صححتها في " الإرواء " ؛ لأنه لم يتسير لي - يومئذ - الاطلاع
على العدد الغفير من الرواة الذين لم يذكروها في الحديث عن الأعمش على
اختلافهم عليه في إسناده، وقد سماهم الدارقطني فبلغ عددهم نحو خمسة
وثلاثين راوياً، أكثرهم من الثقات، وقد تولى تخريج أحاديثهم الدكتور محفوظ
السلفي - بارك الله فيه - في تعليقه على " علل الدارقطني " ؛ فلا داعي لإطالة
الكلام بتخريجها ؛ ولذلك قال الدارقطني - عقب سرد الأسماء المشار إليها وذكره
لزيادة أبي حمزة هذه -:
" ليست محفوظة ". وقد أشار إلى هذا البزار بقوله عقب الحديث:
" وتفرد بآخره أبو حمزة، ولم يتابع عليه ".

وعلى ذلك جرى غيره من الحفاظ، كمثل الخليلي في " الإرشاد " (3/ 885)
وقال:
" ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم)).

ولعل الخطيب البغدادي منهم ؛ فإنه أخرج الحديث في " تاريخه " (4/ 387
- 388) من بعض الطرق المشار إليها آنفاً عن أبي حمزة دون الزيادة!

ولا يعكر على تفرد أبي حمزة المذكور ما أخرجه ابن عدي في " الكامل " (5/
258) من طريق عيسى بن عبد الله بن سليمان القرشي قال: ثنا يحيى بن
عيسى قال: ثنا الأعمش به ؛ وفيه الزيادة.
قلت: لا يعكر على ذلك ؛ لأن ابن عدي قال عقبه:

(14/692)


@@@ 693
" وهذه الزيادة لا تعرف إلا لأبي حمزة السكري عن الأعمش، وقد جاء بها
عيسى بن سليمان هذا عن يحيى بن سليمان عن الأعمش، وعيسى ضعيف
يسرق الحديث ".

ولا بأس بعد ذلك من الإشارة إلى بعض المصادر التي جاء فيها الحديث من
الطرق الكثيرة عن الأعمش بدون الزيادة، مع الإشارة أيضاً إلى أرقامها وأجزائها:
1 - سنن أبي داود (1/ 356/ 517).
2 - سنن الترمذي (1/ 269/ 207).
3 - صحيح ابن خزيمة (3/ 15/ 1528).
4 - مشكل الآثار للطحاوي (3/ 52 - 53).
5 - مسند الإمام أحمد (2/ 284، 382، 424، 461، 472).
6 - مسند الحميدي (438 - 439/ 999).
7 - معجم الطبراني الأوسط (1/ 85/ 74 و 5/ 185/4360 و 6/ 129/
5266 و 9/ 249/ 8544، 266/ 8582).
8 - معجم الطبراني الصغير (ص 59، 123، 155، 164 - هندية) و " الروض
النضير" (1065 -1069).
9 - أخبار أصبهان لأبي نعيم (2/ 232).
0 1 - تاريخ بغداد (3/ 242 و 6/ 167 و 9/ 413 و 1 1/ 306).

(14/693)


@@@ 694
يضم إلى ذلك بعض المتابعات للأعمش تؤكد صحة حديثه عن أبي صالح
عن أبي هريرة دون الزيادة ؛ عند ابن حبان في " صحيحه " (3/ 91/ 1670 -
الإحسان)، والطبراني في " الأ وسط " (4/ 63/ 3078 و 0 1/ 9 1 2/ 9482)
وأبي نعيم (1/128 -129).

ويؤكد ذلك كله حديث أبي أمامة مرفوعاً به ؛ دون الزيادة.
أخرجه أحمد (5/ 260)، والطبراني في " الكبير " (8/ 343) بسند
حسن.

6807 - (إن الله يحب إغاثة اللهفان).
ضعيف.
أخرجه ابن حبان في " الضعفاء" (2/ 313)، وابن عساكر في
" تاريخ دمشق " (15/ 142 - المصورة) من طريق أبي العباس محمد بن يونس
السامي: حدثنا أزهر بن سعد: حدثنا ابن عون عن محمد بن سيرين عن أبي
هريرة مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد موضوع، رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين ؛ غير
(محمد بن يونس) هذا، وهو المعروف ب: (الكديمي)، وهو كذاب وضاع، فهو
[ آفة ] الحديث وضعه عليهم، وقد أشار إلى ذلك ابن حبان ؛ فإنه قال فيه:
"كان يضع الحديث وضعاً، ولعله قد وضع أكثر من ألف حديث".

ثم ساق له أحاديث هذا أحدها. وقال الذهبي في" المغني ":
"حافظ هالك. قال ابن حبان وغيره: كان يضع الحديث على الثقات ".

(14/694)


@@@ 695
وقد روي الحديث من طرق أخرى في حديث " الدال على الخير كفاعله ، والله
يحب إغاثة اللهفان "، وكنت خرجتها في " الصحيحة " تحت رقم (1660) من
أجل الشطر الأول منه ؛ مبيناً صحته دون الشطر الآخر - حديث الترجمة -، ثم
تنبهت لأمر اقتضى إجراء تحقيق جديد لأحدها تأكيداً لضعفها، وتنبيهاً على وهم
وقع فيه للحافظ المنذري توبع عليه من جمع من بعده ممن خرج الحديث أو علق
عليه، مع أوهام أخرى وجب التنبيه عليها ؛ فأقول:
ذاك الطريق ؛ هو ما أخرجه البزار في " مسنده " (2/ 399/ 951 1 - كشف
الأستار)، وأبو يعلى (7/ 275/ 4296)، وابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج "
(ص 78/ 27 - مجموعة الرسائل) من طريق السكن بن إسماعيل الأصم:
حدثنا زياد عن أنه به. وزاد البزار في السند فقال:
" زياد النميري ".

قلت: فهذه الزيادة (النميري) جعلت المنذري يقول في " الترغيب " (1/
72/ 3):
" رواه البزار من رواية (زياد بن عبد الله النميري)، وقد وثق، وله شواهد ".

وتبعه الهيثمي في " المجمع " فقال (3/ 137):
" رواه البزار، وفيه زياد النميري، وثقه ابن حبان وقال: يخطئ ؛ وابن عدي.
وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات. ورواه أبو يعلى كذلك"!

وقلده المعلق على " مسند أبي يعلى " ؛ فضعفه بـ (زياد بن عبد الله النميري)،
والمعلق على" المقصد العلي " (3/ 35/ 1041) ؛ لكنه قال:

(14/695)


@@@ 696
" وذكره ابن حجر في " المطالب العالية " برقم (902) وقال: فيه متروك.
وعزاه لأبي يعلى ".

قلت: فقد أشار الحافظ ابن حجر بقوله هذا إلى أن (زياداً) هذا ليس هو
النميري الموثق ؛ ولكن المعلق المشار إليه لم يتنبه ؛ لأنه ليس من أهل هذا الفن.
ويأتي بيان من هو، وهو بيت القصيد من هذا التخريج.

وقد يشير إلى ما أشار إليه الحافظ شيخه الهيثمي إذ تنبه له! فإنه قال في
" الكشف " عقب الحديث:
" قلت: قد قال البزار قبل هذا: إن زياداً لم يرو عن أنس إلا الحديث الذي
قبل هذا. فقد روى عنه هذا أيضاً ".

قلت: يشير الهيثمي إلى حديث البزار (1950) بسنده عن زياد بن أبي
حسان عن أنس بن مالك مرفوعاً بلفظ:
(من أغاث ملهوفاً... " الحديث، ومضى تخريجه برقم (621) برواية
ثمانية من الحفاظ غير البزار ؛ كلهم عن (زياد بن أبي حسان) - فليراجعه من
شاء.

فإذا تنبهت لكلام الهيثمي هذا ؛ عرفت أن الحديثين عند البزار هما من رواية
(زياد بن أبي حسان)، وليس من رواية (زياد النميري).
بان مما يؤيد هذا أمور:
الأول: أن الحافظ ابن عبد البر أخرجه في " جامع بيان العلم " (1/ 76/
60 - ابن الجوزي) من طريق أخرى عن زياد بن ميمون الثقفي عن أنس به ؛ لكنه

(14/696)


@@@ 697
لم يسق الشطر الآخر منه.
الثاني: أنهم لم يذكروا في شيوخ (السكن بن إسماعيل) هذا إلا (زياد بن
ميمون الثقفي) هذا. انظر " تهذيب الكمال " للمزي (11/ 207 - 208).
الثالث: أن الحافظ الذهبي والعسقلاني قد ذكرا (زياداً الثقفي) هذا في
" الميزان " و " اللسان "، وقالا:
" ويقال له: (زياد أبو عمار البصري) و (زياد بن أبي عمار) و (زياد بن أبي
حسان) ؛ يدلسونه لئلا يعرف في الحال "!

قلت: ولهذه الأسباب فإني أقطع بأن زيادة (النميري) في سند البزار وهم ؛
إما من البزار - ؛ فإن له أوهاماً في بعض ما يرويه كما ذكروا، وقد تبينت ذلك في
تحقيقي لـ " كشف الأستار "، وتقسيمه إلى " صحيح " و" ضعيف " -، وإما من
الهيثمي - الناقل له من أصله " مسند البزار " المسمى بـ " البحر الزخار " -، والجزم
بأحد الاحتمالين يتطلب مراجعة مسند أنس من " البحر "، وهذا مما لم يطبع بعد،
أو طبع ولم أطلع عليه.

إذا عرفت ما تقدم من هذا التحقيق ؛ يظهر لك جلياً وهم المنذري ومن قلده في
جزمهم بأن زياداً في الحديث هو: (ابن عبد الله النميري).. وأن الصواب أنه:
(زياد بن ميمون الثقفي)، وأنه هو الذي أشار إليه بقوله المتقدم:
" فيه متروك ".

وهذا ما كنت قلته فيه في الموضع الذي سبقت الإشارة إليه من " الصحيحة "،
وزدت فقلت:

(14/697)


@@@ 697
"وكذبه يزيد بن هارون". ولذلك قال الذهبي في " المغني ":
" اعترف بالكذب وتاب... ثم نكث وكذب ".

هذا ؛ وقد كنت ذكرت لحديث الترجمة طريقين آخرين ؛ أحدهما: عن ابن
عباس.. وفيه متروك. والآخر: عن ابن عمر.. وفيه ضعيف كان يتلقن، وآخر
ضعيف ؛ فراجع، إن شئت هناك.

ثم وجدت لحديث ابن عمر طريقاً أخرى ؛ فوجب النظر فيها ؛ ولكن قبل ذلك
هنا ملاحظات على بعض ما مر بي أثناء هذا التحقيق، يحسن بيانها، ثم تتبع
ذلك بتخريج الطريق الأخرى ؛ فأقول:
أولاً: قول المنذري المتقدم في حديث أنس:
"وله شواهد"!

وعلى ذلك صدره بما يشعر ثبوته عنده ؛ وهو قوله: " وعن أنس ..."!
ومن هذا التحقيق والتخريج يظهرأنه ليس فيما ذكرنا من الطرق ما ينهضم
للشهادة ؛ لوهائها وشدة ضعفها. فتنبه!

ثانياً: تقلد قول المنذري هذا المعلقون الثلاثة عليه ؛ فقالوا:
"حسن بشواهده "!
ومن غرائبهم وتناقضهم قولهم عقبه:
" رواه البزار في " كشف الأستار " (1951)، وفيه زياد بن أبي حسان، وهو:
متروك "!

(14/698)


@@@ 699
فقد عرفت أن الذي في " الكشف " إنما هو (زياد النميري) الموثق ؛ فالظاهر
أنهم [ رأوا ] في بعض التحقيقات أن في سند الحديث (زياد بن أبي حسان) هذا
المتروك ؛ فتقلدوه أيضاً، ولعيهم وجهلهم بهذا العلم لم يستطيعوا التوفيق بين هذا
التحقيق وبين ما في " الكشف "!!

ثالثاً: قالوا في تمام كلامهم:
" ويشهد له ما رواه الترمذي بغير هذا الإسناد (2672) " !

فإذا رجع القارئ إلى الرقم المذكور من الترمذي ؛ لم يجد إلا الجملة الأولى:
"الدال على الخير كفاعله"! وهذا صحيح حقاً بشواهده ؛ كما تقدم ذكره في أول
هذا البحث، وإسناده حسن - وإن استغربه المنذري -، وفي الباب عن أبي مسعود
البدري، وهو أصح منه ؛ كما هو مبين في " الصحيحة "، وانظر " صحيح الجامع
الصغير " (رقم 3393 - الطبعة الشرعية).

رابعاً: قول المعلق على " مسند أبي يعلى " (7/ 276):
"والجزء الثاني من الحديث له شواهد كثيرة (!) ؛ منها: حديث أبي موسى
الأشعري... "، ثم سود سطرين في تخريجه، ولم يسق لفظه لينظر القارئ هل هو
شاهد حقاً أم مجرد دعوى - كما سترى - ؟! ثم ختم كلامه بقوله:
" وانظر الحديث المتقدم برقم (4266)".

فنظرنا، فلم نجد في كل من الحديثين - فلم نجد فيهما - إلا لفظة: (الملهوف) ؛
أما الحديث الأول ففيه: " فيعين ذا الحاجة الملهوف " - وهو مخرج في
" الصحيحة " (573) -.

(14/699)


@@@ 700
وأما الحديث الآخر - الذي رفم له - فهو المتقدم من رواية زياد بن أبي حسان
المكذب بلفظ:
" من أغاث ملهوفاً... "!

فليتأمل القراء الفرق بين الشاهد والمشهود ؛ يتبين له أنه ليس كل من مارس
علم التخريج - بل والتصحيح والتضعيف، ولا سيما إذا كان - حديث عهد به -
يكون فقيهاً ؛ فهما شاهدان قاصران، والثاني منهما واه جداً لا يجوز الاستشهاد
بمثله ألبتة عند أهل العلم، وبخاصة أن الراوي له هو عين الراوي للمشهود له ؛ فهل
من معتبر ؟ وقد أشار إلى هذا الشيخ الأعظمي - كما يأتي -.

خامساً: سبق في الصفحة (696) تعقب الهيثمي على البزار قوله عقب
حديث " من أغاث ملهوفاً... ": أن زياد بن أبي حسان لم يرو عن أنس غيره.
فتعقبه بأنه روى عنه حديث: " الدال على الخير... " أيضاً. فتعقبه الشيخ
الأعظمي في تعليقه على " الكشف " بقوله:
" هذا الحديث عين سابقه ؛ إلا أن في هذا زيادة: " الدال على الخير كفاعله " ؛
فصح أن زياداً لم يرو عن أنس إلا حديثاً واحداً "!

كذا قال! وما دام أن في حديثه الثاني الزيادة المذكورة، فما صح قول الشيخ
الأعظمي، وكأن هذا قال ما ذكر دون أن يرجع إلى ترجمة (زياد) في " الميزان "
على الأقل، ليرى هل روى غير الحديثين أم لا ؛ فقد ذكر له ثلاثة أحاديث أخرى،
أحدها:
"إن الله ليس بتارك أحداً يوم الجمعة من المسلمين إلا غفرله ".

(14/700)


@@@ 701
وقد تقدم تخريجه في المجلد الأول برقم (297). وهو مما خفي أمره على
المنذري أيضاً ؛ فحسن إسناده في " الترغيب " (1/ 250/ 18)، وقلده المعلقون
الثلاثة (1/ 550)، كما خفي على الهيثمي أيضاً ؛ فقال (2/ 164):
"رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح، خلا شيخ الطبراني "!

وهذا من أسوأ ما وقع منهما ؛ فإن الطبراني رواه (5/ 2 1 4/ 4 481) من
طريق أبي عمار عن أنس، وعقب عليه بقوله:
" وأبو عمار: زياد النميري "!

ومع أن قوله هذا خطأ - ؛ لأن (النميري) هذا لا يكنى بـ (أبي عمار)، فهو
ضعيف ؛ كما تقدم، وجاء مسمى في إسناد ابن الأعرابي بـ (زياد بن ميمون)
الكذاب ؛ كما تراه في المجلد المشار إليه -، فأنى لإسناده الحسن ؟! ولرجاله أن
يكونوا من رجال الصحيح ؟! وفيهم الكذاب، أو الضعيف على قول الطبراني إنه
(النميري) ؛ فالظاهر أنهما لم يتنبها له!! وأنهما وجدا في هذه الطبقة ممن يكنى
بأبي عمار راويين ؛ أحدهما: (شداد بن عبد الله). والآخر: (غريب بن حميد)
فتوهماه أحدهما. والمعصوم من عصمه الله.

6808 - (مَن أراد أن تستجاب دعوته، وأن تكشف كربته ؛ فليُفرج
عن معسر).

ضعيف.
أخرجه أحمد (2/ 23)، وعبد بن حميد في " المنتخب " (2/
43/ 824)، وأبو يعلى (0 1/ 78/ 3 571) عن زيد العمي عن ابن عمر
مرفوعاً.

(14/701)


@@@ 702
قلت: وهذا إسناد ضعيف ومنقطع ؛ زيد العمي - وهو: ابن الحواري - ؛
ضعيف. ثم هو منقطع ؛ لأنهم لم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة إلا أنساً.
ومع ذلك قال أبو حاتم:
" روايته عن أنس مرسلة".

فمن أوهام الهيثمي قوله (4/ 133):
" رواه أحمد، وأبو يعلى...، ورجال أحمد ثقات "!

قلت: كلهم قد رووه عن زيد العمي! وهذا الحافظ الذهبي يقول في" الكاشف ":
" فيه ضعف. قال ابن عدي: لعل شعبة لم يرو عن أضعف منه ". والحافظ
يقول في " التقريب ":
"ضعيف".

ولذلك أشار المنذري في " الترغيب " (2/ 37/ 12) إلى تضعيف
الحديث، ولم يعزه إلا إلى ابن أبي الدنيا في " كتاب اصطناع المعروف ".

وقد روي مرسلاً من طريق عباد بن أبي علي قال: قالى رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم:..، فذكره بزيادة.

" أو ليدع له ؛ فإن الله يحب إغاثة اللهفان ".
أخرجه ابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " (78/ 28 مجموعة الرسائل)
عن هشام عنه.
ورجاله ثقات معروفون ؛ غير عباد هذا.. ترجمه البخاري وابن أبي حاتم ولم

(14/702)


@@@ 703
يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، ولم يرو عنه غير هشام هذا - وهو: الدستوائي - وآخر
ثقة أيضاً، وذكره ابن حبان في " الثقات " (5/ 143)، وقال الحافظ في
" التقريب ":
"مقبول ".
وروي من حديث أبي بكر الصديق مرفوعاً به نحوه ؛ دون جملة الإغاثة،
وزاد:
" ومن سره أن يقيه الله من فورجهنم يوم القيامة ويجعله في ظله ؛ فلا يكن
غليظاً على المؤمنين، وليكن بهم رحيماً".

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5/ 130)، والبيهقي في " شعب الايمان "
(7/ 538/11260) من طريق مهاجر بن غانم المذحجي قال: ثنا أبو عبد الله
الصنابحي قال: سمعت أبا بكر الصديق يقول على المنبر: فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، ومتن منكر ؛ مهاجر بن غانم هذا: قال أبو حاتم
والعقيلي:
" مجهول ". وقال الأزدي:
"منكر الحديث، زائغ، غير معروف ". انظر " اللسان " (6/ 104 - 105).

6809 - ( لاتوسع المجالس إلا لثلاثة: لذي علم يعلمه، ولذي سن
يسنه، ولذي سئلطان لسلطانه).

شاذ.
أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (2/ 704/ 754)، وأبو

(14/703)


@@@ 704
نعيم في " أخبار أصبهان " (1/ 310)، والبيهقي في " الشعب " (7/ 460 -
461/ 0990 1)، والديلمي في " مسند الفردوس " (3/ 1 21 - الغرائب الملتقطة)
من طرق عن ابن أبي فديك عن الضحاك عمن حدثه [ عن سعيد المقبري ] عن
أبي هريرة مرفوعاً. والسياق للخرائطي، والزيادة للاخرين. ووقع في " الأخبار ":
"... حدثني الضحاك بن عثمان: أخبره عن سعيد المقبري " ؛ فالظاهر أن
الأصل: (عمن أخبره).. سقط منه: (عمن) ؛ فيكون سياقه كسياق الخراثطي،
وعند البيهقي: " عمن أخبره ".

وهذا إسناد ضعيف - رجاله ثقات رجال مسلم ؛ على ضعف في الضحاك بن
عثمان - ؛ لجهالة مخبره الذي لم يسم، وبه ظهرت علة الحديث، وكنت من قبل
عصبتها بالضحاك هذا، للضعف الذي فيه - كما قلت آنفاً - ؛ فقد أورده الذهبي في
" المغني " وقال:
" قال يعقوب بن سفيان: صدوق في حديثه ضعف. لينه القطان ". ولذا قال
الحافظ في " التقريب ":
" صدوق يهم ".

وأنا - بفضل الله - أعلم أن مثله لا يضعف حديثه ؛ وإنما يحسن، إلا أن يتبين
خطؤه. والخطأ في حديثه هذا واضح جداً ؛ وهو مخالفته لخاطبة الله تعالى لعموم
المؤمنين بقوله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس
فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا } [ الجادلة:11 ]. ثم جاءت
الأحاديث أيضاً على صيغة العموم ؛ فانظر " الصحيحة " (228).

فلما انكشفت العلة بسبب تتبع مصادر الحديث ودراسة أسانيدها، برئت ذمة

(14/704)


@@@ 705
الضحاك منه، وتعصبت بشيخه المجهول. والله ولي التوفيق.

6810 - (من توضأ فأحسن الوضوء ورفع بصره إلى السماء ، فقال :
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله ، فتحت له ثمانية أبواب من أبواب الجنة يدخل من أيها
شاء).

منكر بزيادة: (الرفع).
أخرجه أبو يعلى في " مسنده" (1/ 162/ 180)،
وغيره من طريق أبي عقيل عن ابن عم له عن عقبة بن عامر: أنه كان عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تأتي:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ظاهر الضعف ؛ لجهالة ابن عم أبي عقيل، وقد كنت
خرجته من رواية جمع غيرأبي يعلى من هذا الوجه في " إرواء الغليل "، وإنما
أعدت إخراجه هنا لهذا المصدر الجديد الذي لم يكن مطبوعاً يوم قمت بتأليف
" الإرواء "، وللتنبيه على خطأ وقع فيه المعلق على " المسند " ؛ فإنه قال - بعد أن
ضعف إسناده - (1/ 163):
" ومتن الحديث صحيح ؛ فقد أخرجه أحمد... ومسلم...".

قلت: ليس عند مسلم وغيره ممن ذكر جملة الرفع، وهذا من حداثته وقلة
علمه وفقهه ؛ فإن من عادته أنه لا ينتبه للفرق بين الشاهد والمشهود! لقد بلوت
هذا منه كثيراً، ونبهت على ما تيسر لي، فانظر مثلاً الحديث (6801).

وحديث مسلم المشار إليه مخرج في " الإرواء " (1/ 134 - 135)، و " صحيح
أبي داود " (162)، وحديث الترجمة مخرج في " ضعيف أبي داود " أيضاً (رقم
24).

(14/705)


@@@ 706
6811 - (من توضأ ثم لم يتكلم حتى يقول: لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله ؛ غفرله ما بين الوضوءين).

موضوع بجملة: (التكلم).
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " من طريق
محمد بن الحارث: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه قال:
رأيت عثمان بـ (المقاعد) يتوضأ، فمر به رجل ؛ فسلم عليه، فلم يرد عليه
حتى فرغ من وضوئه، ثم دخل المسجد، فوقف على الرجل، فقال: لم يمنعني أن
أرد عليك إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول:... فذكره.
قلت: وهذا إسناد واه بمرة ؛ آفته: (محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني) ؛

فإنه متهم بالوضع، وقد حكم ابن الجوزي على بغض أحاديثه بالوضع، وتقدم
أحدها برقم (54). وقد قال ابن حبان في " الضعفاء " (2/ 264):
" كان ممن أخرجت له الأرض أفلاذ كبدها! حدث عن أبيه بنسخة شبيهة
بمئتي حديث، كلها موضوعة".

ثم ساق له أحاديث منها المشار إليه آنفاً.
وقريب منه (محمد بن الحارث) الراوي عنه ؛ فقد ضعفوه، وتركه أبو زرعة
وغيره. وقال غيره:
" ليس بثقة ".

وفي ترجمته ساق الحديت ابن عدي في " كامله " (6/ 178) مختصراً
بلفظ: أنه شهد عثمان يتوضأ، فسلم عليه، فلم يرد، ثم قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فسلم عليه، فلم يرد عليه. قال ابن عدي:

(14/706)


@@@ 707
" رواه عن (محمد بن الحارث) جماعة معروفون، وعامة ما يروبه غير
محفوظ ".

قلت: والحديث بترجمة (محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني) أولى - كما
لا يخفى -، وقد كنت قلت مثل هذا في الحديث الذي أشرت إليه أنفاً، وهو هنا
به أولى وأولى، لأن ابن الحارث قد توبع - كما يأتي -.

(تنبيه): استفدت إسناد الحديث من " المقصد العلي " (1/ 86/ 139)،
و " المطالب العالية المسندة " (1/ 4/ 2) - والسياق له -، وكذا في " المطالب
العالية " المجردة منه المطبوعة (1/ 28/ 89)، وهو في " المقصد " و" المجمع "
أيضاً (1/ 239)، وكذا في " الجامع الكبير " للسيوطي (1/ 766) بزيادة
لفظها:
" من توضأ فغسل يديه، ثم مضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه
ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، ثم غسل رجليه، ثم لم يتكلم... "
الحديث.

ثم رأيت لمحمد بن الحارث متابعاً هو: صالح بن عبد الجبار: ثنا ابن البيلماني
عن أبيه عن عثمان بتمامه.
أخرجه الدارقطني في " سننه " (1/ 92/ 5).
وصالح هذا: شبه مجهول، روى حديثين منكرين، تقدم أحدهما برقم
(3659)، وترجمته في " الميزان " و" اللسان ".
ثم رواه الدارقطني (رقم 7) من طريقه - أعني: صالحاً هذا - مقروناً بـ (عبد الحميد

(14/707)


@@@ 708
ابن صبيح) قالا: نا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره بلفظ " الجمع ".

وعبد الحميد هذا: لم أجده. وعلى كل حال فمداره على (محمد بن عبد الرحمن)
المتهم، ويمكن أن يكون هذا الاختلاف في الإسناد منه، أو ممن دونه. والله أعلم.
وإذا عرفت حال هذا الحديث وراويه، فمن التساهل اكتفاء المنذري في
" الترغيب " (1/ 105/ 3) بالإشارة إلى تضعيفه، وقول السيوطي في " الجامع "
في كل من الحديثين عن عثمان وابن عمر: " وضعف"!

(تنبيه آخر): قلت آنفاً: إنني استفدت إسناده من " المقصد العلي "، ولم
يرمز له فيه بـ (ك).. إشارة إلى أنه في " مسنده الكبير "، وكذلك لم يشر إلى
ذلك الهيثمي في " المجمع " أيضاً، وليس هو في " مسنده " المطبوع ؛ لأنه ليس
فيه (مسند عثمان) أصلاً.

6812 - (ثلاثة لا يهولهم الفزع ، ولا ينالهم الحساب ، على كثيب من
مسك حتى يفرغ الله من حساب العباد :
رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله ، فأم به قوما وهم راضون عنه.
وداعية يدعو إلى الصلوات الخمس ابتغاء وجه الله.
وعبد أحسن ما بينه وبين ربه ، وفيما بينه وبين مواليه).

ضعيف.
أخرجه البخاري في " التاريخ " (3/ 2/ 105/ 1850)،
والطبراني في " المعجم الأوسط " (0 1/ 29 1/ 9276) و " الصغير " (ص

(14/708)


@@@ 709
230 - هندية)، وعنه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2/ 335) من طريق
عبد الصمد بن عبد العزيزقال: حدثنا عمرو بن أبي قيس عن بشير بن عاصم
عن أبي اليقظان عن زاذان عن عبد الله مرفوعاً. وقال الطبراني:
" لم يروه عن بشير بن عاصم الا عمرو بن أبي قيس ". وزاد في " الأوسط ":
" ورواه الثوري عن أبي اليقظان عن زاذان عن ابن عمر ". وقال البخاري عقبه:
" لا يصح. أبو اليقظان !"

يشير رحمه الله إلى أن (أبا اليقظان) هذا هو العلة، وقد قال في ترجمته (3/
2/ 245 -246):
" عثمان بن قيس أبو اليقظان، ويقال: إبن عمير البجلي... وكان يحيى
وعبد الرحمن لا يحدثان عنه...". وقال في مكان أخر (1/ 2/ 161/ 2055):
" وتكلم شعبة في أبي اليقظان ".

قلت: وضعفه الجمهور من الحفاظ، وأشار إلى ذلك الذهبي بقوله في " الكاشف ":
" ضعفوه ". وقال الحافظ في " التقريب " - مشيراً إلى مجمل ما قيل فيه -:
" ضعيف، واختلط، وكان يدلس، ويغلو في التشيع ".

والراوي عنه (بشير بن عاصم): مجهول، لم يذكروا عنه راوياً غير (عمرو
ابن أبي قيس) - وهو: الرازي - المذكور في هذا السند، وهو صدوق له أوهام - كما
في " التقريب " -.
قلت: فهو مجهول - اتباعاً للقاعدة المقررة في علم المصطلح - وان كان ذكره ابن

(14/709)


@@@ 710
حبان في " الثقات " (8/ 150).
ونحوه: (عبد الصمد بن عبد العزيز) - وهو: المقرئ الرازي -: ذكره ابن حبان
أيضاً في " الثقات " (8/ 415) من رواية (محمد بن مسلم بن وارة) عنه.
لكن قد روى عنه أيضاً (محمد بن عمار) - الراوي هذا الحديث عنه، وهو ثقة -
كما قال ابن أبي حاتم في كتابه (4/ 1/ 43) -.
لكن الآفة من (أبي اليقظان) ؛ فقد أشار إلى ذلك الطبراني بقوله المتقدم:
" ورواه الثوري عن أبي اليقظان... ".

وقد وصله الترمذي (987 1)، وأحمد (2/ 26) من طريق وكيع عن
سفيان به مختصراً، وقال الترمذي:
" حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث وكيع عن سفيان".

قلت: أما الحسن فهو أبعد ما يكون عن راويه (أبي اليقظان)، وعن تضعيف
شيخه البخاري إياه، وقوله في حديثه هذا: " لا يصح " - كما تقدم -. ولذلك
تعقبه المنذري في " الترغيب " - بعد أن عزاه له ولأحمد - بقوله (1/ 110/ 15):
"... وأبو اليقظان واه ". ثم ذهل فقال:
" ورواه الطبراني في " الأوسط" و" الصغير " بإسناد لا بأس به، ولفظه... ".

ثم ساق حديث الترجمة! ومداره على (أبي اليقظان) الذي وهاه المنذري!
وأما أنه لا يعرفه إلا من حديث وكيع فذلك ما أحاط به علمه، وإلا ؛ فقد
روى البيهقي في" الشعب " (3/ 120/ 3061) من طريق ابن راهويه قال:

(14/710)


@@@ 711
قلت لأبي قرة: حدثكم سفيان به مختصراً. ثم قال المنذري:
" ورواه الطبراني في " الكبير "، ولفظه: عن ابن عمر قال: لو لم أسمعه من
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة، ومرة، ومرة - حتى عد سبع مرات - ؛ لما حدثت به،
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:...".

قلت: فذكره بتمامه نحوه، وقال في الثالث:
"ومملوك لم يمنعه رق الدنيا من طاعة ربه ".

وسكت عنه! وما كان ينبغي له ؛ فإن في إسناده ضعيفين، أحدهما أشد
ضعفاً من أبي اليقظان الذي وهاه المنذري ؛ فكان عليه أن يبينه، فقد رواه الحارث
ابن مسلم المقرئ: ثنا بحر السقا عن الحجاج بن فرافصة عن الأعمش عن عطاء
عن ابن عمر به.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (2 1/ 433/ 13584)، وأبو نعيم
في " ا لحلية " (3/ 318)، وقال:
" غريب من حديث الأعمش عن عطاء، تفرد به الحارث بن مسلم الرازي ".
قلت: هو ثقة - كما في " الجرح " -، والآفة من شيخه (بحر السقا) ؛ ضعفه
الجمهور، وقال الذهبي في " المغني ":
" تركوه". وبيّن ابن حبان السبب ؛ فقال في " الضعفاء " (1/ 192):
" كان ممن فحش خطؤه، وكثر وهمه ؛ حتى استحق الترك ".

وشيخه (الحجاج بن فرافصة): قال في " المغني " و" الكاشف ":

(14/711)


@@@ 712
" قال أبو زرعة: ليس بالقوي".

وبالأول أعله الهيثمي، ولكنه ألان القول فيه ؛ فقال (1/ 227):
" رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه بحر بن كثير السقا، وهو ضعيف ". وقال
في الذي قبله:
" رواه الطبراني في " الأوسط " و" الصغير "، وفيه عبد الصمد بن عبد العزيز
المقرئ، وذكره ابن حبان في "الثقات "!

وهذه غفلة عجيبة ؛ فإن فوقه (أبو اليقظان)، وهو ضعيف - كما تقدم -،
فإعلاله به هو الواجب - كما هو ظاهر -.

وأشد منه غفلة قول شيخه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1/ 146):
" أخرجه الترمذي وحسنه من حديث ابن عمرمختصراً، وهو في " الصغير "
للطبراني بنحو مما ذكره المؤلف ".

قلت: فأقر الترمذي على تحسينه، وسكت عن إسناد " الصغير" وفيه عندهما
(أبو اليقظان) - كما تقدم -.
ثم إن لفظ الغزالي الذي عزاه العراقي لـ " الصغير ":
" ورجل ابتلي بالرق (الأصل: الرزق) في الدنيا فلم يشغله ذلك عن عمل الآخرة".

فهذا ليس في " الصغير "، وإنما في " الكبير " بنحوه - كما تقدم -. فتنبه!

(14/712)


@@@ 713
ونحوه ما رواه الفضل بن ميمون السلمي: ثنا منصور بن زاذان عن أبي عمر
الكندي: أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد الخدري يقولان: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول:

"ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك أسود، لا يهولهم فزع... "
الحديث، وفيه:
" ورجل مملوك ابتلي بالرق في الدنيا، فلم يشغله ذلك عن طلب الآخرة ".
وهذا هو لفظ الغزالي.

أخرجه البيهقي (3/ 119 - 120/ 3060)، والخطيب في "التاريخ " (3/
355)، والأصبهاني في " الترغيب " (1/ 138 - 139/ 258).

والفضل بن ميمون السلمي: متفق على ضعفه، بل قال أبو حاتم:
"منكر الحديث ".
هذا ؛ وقد كنت خرجت الحديث قديماً في التعليق على "المشكاة " (1/
210)، وبينت اختلاف نسخ "سنن الترمذي" في تحسين الحديث، وتقليد
بعض العلماء لتحسينه. فراجعه ؛ فإنه على اختصاره لا يخلو من فائدة.

6813 - (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ؛ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا
شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَبَلِّغْهُ دَرَجَةَ
الْوَسِيلَةِ عِنْدَكَ ، وَاجْعَلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَجَبَتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ).

ضعيف جداً.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (12/ 85/ 12554)

(14/713)


@@@ 714
من طريق إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، إسحاق هذا: قال البخاري، وأبو أحمد
الحاكم:
" منكر الحديث " - كما في" اللسان " -.

وقال ابن حبان في ترجمة أبيه (عبد الله بن كيسان) (7/ 33):
" يتقى حديثه من رواية ابنه عنه ".

وأما قول المنذري في " الترغيب " (1/ 114/ 11):
" رواه في " الكبير "، وفيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان، وهو ليِّن الحديث ".
فهو من تساهله المعروف، ونحوه قول الهيثمي (1/ 333):
" رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان، ليَّنه
الحاكم، وضعفه ابن حبان، وبقية رجاله ثقات !.

قلت: وعليه مؤاخذات:
الأولى: تساهله - كالمنذري -.
الثانية: قوله: "ليَّنه الحاكم ": هذا الإطلاق يوهم أنه (الحاكم) أبو عبد الله
صاحب "المستدرك ".. وليس به، وإنما هو: (أبو أحمد الحاكم) - كما تقدم -.
الثالثة: قوله: :وبقية رجاله ثقات ": فهو من تمام تساهله ؛ فإن: (عبد الله

(14/714)


@@@ 715
ابن كيسان) - أبو مجاهد المروزي - لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك فإنه أشار
إلى ضعف فيه بقوله (7/ 52):

" يخطئ". وقد ضعفه الجمهور، منهم أبو حاتم، فقال:
"ضعيف الحديث ".

واعتمده الذهبي في " الكاشف "، و "المغني "، وقال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق، يخطئ كثيراً ".

وأما ما جاء في التعليق على، الكاشف " على قوله :" وضعفه أبو حاتم ":
" ووثقه أبو داود والحاكم أبو أحمد وابن حبان"!

فهو وهم فاحش! ؛ سببه انتقال بصر المعلقين من ترجمة (عبد الله بن كيسان
أبو عمر) - التي قبل ترجمة (أبي مجاهد) - إلى هذا، وكنت أود أن أعصب
الوهم بالطابع ؛ بأنه طبع رقم التعليق على هذه، أعني ترجمة (أبي عمر)، لكن
حال بيني وبين ذلك أنه جاء في ترجمته:
" قال أبو داود: ثبت ".

فليس من المعقول أن يكون الأصل - أعني: خط المعلقين - معلقاً على هذه ؛
لأنه يكون ممجوجاً تكرر ذكر أبي داود في المعلق والمعلق عليه. أي هكذا: (قال أبو
داود: ثبت. ووثقه أبو داود...) ! فتأمل.

ثم إن مما يؤكد التساهل الذي نسبته للمنذري والهيثمي أن الحافظ في " اللسان "
أشار إلى حديث آخر لإسحاق هذا، ذكره الضياء في :المختارة"، وقال الحافظ:

(14/715)


@@ 716
" فتعقبه الصدر الياسوفي - فيما رأيت بخطه - فقال: هو من رواية إسحاق عن
أبيه، وفيهما الضعف الشديد ".
وقد وصف الحافظ الحديث المشار إليه بأنه موضوع ؛ فوجب تخريجه تحذيراً منه.

6814 - (يا عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ! يَا فَاطِمَةُ! { جَاءَ (1) نَصْرُ اللَّهِ
وَالْفَتْحُ، "وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دَيْنِ اللَّهِ أَفْوَاجًا , فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
وَاسْتَغْفِرْهُ , إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا }، عَلَى أَنَّهُ يَكُونَ بَعْدِي فِي الْمُؤْمِنِينَ الْجِهَادُ.
قَالَ علي: عَلامَ نُجَاهِدُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ آمَنَّا؟ قَالَ:
عَلَى الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ إِذَا مَا عَمِلُوا بِالرَّأْيِ وَلا رَأْيَ فِي الدِّينِ،
إِنَّمَا الدِّينُ مِنَ الرَّبِّ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ عَرَضَ لَنَا أَمْرٌ لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ
وَلَمْ يمضِ (2) فِيهِ سُنَّةٌ مِنْكَ؟ قَالَ:
تَجْعَلُونَهُ شُورَى بَيْنَ الْعَابِدِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلا تَقْضُونَهُ بِرَأْيِ خَاصَّةٍ،
فَلَوْ كُنْتُ مُسْتَخْلِفًا أَحَدًا لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ لقِدَمِكَ فِي الإِسْلامِ،
وقَرابَتِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصِهْرِكَ وَعِنْدَكَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ،
وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ بَلاءِ أَبِي طَالِبٍ، إِيَّايَ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ وَأَنَا حَرِيصٌ
عَلَى أَنْ أَرْعَى لَهُ فِي وَلَدِهِ).

موضوع.
آثار الوضع عليه لائحة. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "
__________
(1) كذا الأصل بإسقاط (إذا)، وكذا في " المختارة " و " المجمع ".
(2) الأصل: (يخصص)، والتصحيح من المصلرين المذكورين.

(14/716)


@@@ 717
(1 1/ 371 - 372/ 2 4 0 2 1)، ومن طريقه الضياء المقدسي في " الأحاديث
المختارة " (65/ 61/ 1 - 2) عن إسحاق بن عبد الله بن كيسان: حدثني أبي
عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة خيبر،، نزل عليه: { إذا جاء نصر الله والفتح }
إلى آخر القصة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ آفته (إسحاق بن عبد الله بن كيسان)،
وسبق الكلام عليه وعلى أبيه تحت الحديث الذي قبله. وذكر ثمة تعقب الصدر
الياسوفي الضياء المقدسي لإخراجه إياه في " المختارة " بقوله:
" هو من رواية إسحاق عن أبيه، وفيهما الضعف الشديد".

وأن الحافظ ابن حجر حكم عليه بالوضع، وذلك في أخر ترجمة أبيه (عبد الله
ابن كيسان)، فقال:
" وقد ذكرت في ترجمة ابنه (يعني: في " اللسان ") حديثاً موضوعاً رواه
عن أبيه عن عكرمة عنه". وقال الهيثمي في " المجمع " (1/ 180):
" رواه الطبراني في " الكبير " وفيه عبد الله بن كيسان: قال البخاري: منكر
الحديث ".

كذا وقع فيه (عبد الله...).. فيحتمل أن يكون سقط من قلمه، أو قلم
ناسخه (إسحاق) ؛ لأن هذا هو المعروف أن البخاري قال فيه: " منكر الحديت "،
ويحتمل أنه لم يسقط، وإنما عنى أباه (عبد الله بن كيسان)، اعتماداً منه على
" الميزان "، وهذا على " كامل ابن عدي " (4/ 233) ؛ فقد رواه عن البخاري

(14/717)


@@@ 718
في ترجمة (عبد الله) هذا. ولكني أخشى أن يكون وهماً ؛ فإن الحافظ المزي ومن
تبعه - فيما علمت - لم يذكروه إلا في ترجمة ابنه (إسحاق).

وعلى كل حال، فإعلاله بالابن أولى لاتفاق الحفاظ على تضعيفه، بخلاف
أبيه ؛ فقد وثقه بعضهم ؛ وإن كان الراجح أنه ضعيف - كما تقدم -. والله سبحانه
وتعالى أعلم.

هذا ؛ وجملة (الشورى)، قد رواها إبراهيم بن أبي الفياض البرقي: حدثنا
سليمان بن بزيع الإسكندراني: ثنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد الأنصاري
عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب قال:
قلت: يا رسول الله! الأمرينزل بنا لم ينزل فيه قرآن، ولم تمض فيه منك سنة ؟
قال:
" اجمعوا له العالمين - أو قال: العابدين - من المؤمنين ؛ فاجعلوه شورى بينكم،
ولا تقضوا فيه برأي واحد ".

أخرجه ابن عبد البر في " جامع العلم " (2/ 852 -853/ 1611، 1612)
وقال:
" لا يعرف من حديث مالك إلا بهذا الإسناد، ولا أصل له في حديث مالك
ولا في في حديث غيره، وإبراهيم البرقي، وسليمان بن بزيع: ليسا بالقويين، ولا
ممن يحتج بهما، ولا يعول عليهما ".

قلت: ونقله الحافظ في " اللسان " في ترجمة (سليمان بن بزيع)، وقال:
" قال أبو سعيد بن يونس: منكر الحديث "

(14/718)


@@@ 719
ثم نقل عن الدارقطني أنه قال في حديثه هذا:
" لا يصح ؛ تفود به إبراهيم بن أبي الفياض عن سليمان، ومن دون مالك
ضعيف. وساقه الخطيب في " كتاب الرواة عن مالك " من طريق إبراهيم عن
سليمان، وقال: لا يثبت عن مالك ".

والمحفوظ في هذا الباب ما جاء في كتاب عمر رضي الله عنه إلى شريح
القاضي:
"... فإن لم يكن في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فاقض بما
قضى به الصالحون... ".

أخرجه النسائي (2/ 306)، والدارمي (1/ 60) وغيرهما بسند صحيح.

6815 - (إذا كان أحدكم في المسجد ؛ فلا يشبكن، فإن التشبيك
من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة، ما دام في المسجد حتى
يخرج منه).

ضعيف.
أخرجه أحمد (3/ 42 - 43): ثنا محمد بن عبد الله بن الزبير
قال: ثنا عبيد الله بن عبد الله (1) بن موهب قال: حدثني عمي - يعني:
عبيد الله بن عبد الرحمن (1) بن موهب - عن مولى لأبي سعيد الخدري قال:
بينما أنا مع أبي سعيد الخدري مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل المسجد، فإذا رجل
__________
(1) كذا الأصل، وكذا في " جامع المسانيد " (33/ 584/ 272 1)، ويبدو لي أنه انقلب
على بعض الرواة - ولعله أبو بكر القطيعي، والصواب على القلب: " عبيد الله بن عبد الرحمن بن
موهب: حدثني عمي عبيد الله بن عبد الله بن موهب " ؛ كما في رواية وكيع الآتية، وتراجم الرجال.

(14/719)


@@@ 720
جالس في وسط المسجد محتبياً، مشبكاً أصابعه بعضها في بعض، فأشار إليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يفطن الرجل لإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سعيد فقال:... فذكره.

ثم قال أحمد (3/ 54) - ووافقه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1/ 75) -
قالا: ثنا وكيع: ثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب عن عمه به ؛ إلا أنهما
قالا:
" إذا صلى أحدكم، فلا يشبكن.. " الحديث.

قلت: وهذا إسناد مظلم ؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: مولى أبي سعيد الخدري ؛ فإنه لم يسم.

والثانية: عبيد الله بن عبد الله بن موهب: لا يعرف - كما قال أحمد
والشافعي -. وأما ابن حبان فذكره في "الثقات " (5/ 72)، وقال ابن حجر:
" مقبول ". وأما قول الذهبي في " الكاشف " و" الميزان ":
" قال أحمد: أحاديثه مناكير ".

فهو وهم ؛ فإنما قال هذا أحمد في يحيى بن عبيد الله هذا - كما رواه ابن أبي
حاتم (4/ 2/ 168) -.
والثالثة: عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب: مختلف فيه، وقد روى عنه
جماعة، وتال الحافظ:
" ليس بالقوي".

(14/720)


@@@ 721
والذي ظهر لي من مجموع كلامهم أنه حسن الحديث إلا أن يخالف، وفي
هذه الحالة ينظر في حديثه. والله أعلم.

وعليه ؛ فالعلة فيمن قبله. ولعل الحافظ أشار إلى هذا بقوله في " الفتح " (1/
566) - بعد أن عزاه لابن أبي شيبة وبلفظه -:
" وفي إسناده ضعيف، ومجهول ".

وأظن أنه يعني بالمجهول: المولى. وبالضعيف: الراوي عنه (عبيد الله بن عبد الله
ابن موهب). وحينئذ ففي قوله: " ضعيف " تسامح.. مخالف لما عليه العمل ؛
فإن هذا يقال فيمن هو ضعيف فعلاً، ليس في المجهول أو بالأحرى ممن قال هو فيه:
"مقبول ". فتأمل.

وإذا عرفت ضعف الحديث وعلتيه ؛ فمن الأوهام قول المنذري (1/ 123/
15):
" رواه أحمد بإسناد حسن "!

وتبعه الهيثمي (2/ 28)، وقلدهما الثلاثة المعلقون على " الترغيب " (1/
277)!
(فائدة فقهية): اختلف العلماء في تشبيك الأصابع في المسجد، والذي
يقتضيه الجمع بين الأحاديث الصحيحة جوازه إلا في حالة انتظاره للصلاة ؛
لقوله صلى الله عليه وسلم:
" إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم أتى المسجد ؛ كان في صلاة حتى يرجع، فلا
يفعل هكذا، وشبك بين أصابعه ".

(14/721)


@@@ 722
وهو صحيح الإسناد مخرج في " الإرواء " (2/ 101).

6816 - (إنما فعلت هذا [يعني: المقاربة بين الخُطا ] ؛ ليكثر عدد
خُطاي في طلب الصلاة).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5/ 26 1/ 4798) من
طريق الضحاك بن نبراس عن ثابت عن أنس عن زيد بن ثابت قال:
أقيمت الصلاة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، فقارب بين الخطا، وقال:...
فذكره.

ثم ساقه من طريق آخر عن الضحاك بلفظ:
كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نريد الصلاة، فكان يقارب الخطا،
فقال:
" أتدري لم أقارب الخطا ؟ ". فقلت: الله ورسوله أعلم. فقال:
" لا يزال العبد في صلاة ما دام في طلب الصلاة".

ثم رواه من طريق محمد بن ثابت البناني عن أبيه عن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال: كنت أمشي... الحديث نحوه ؛ دون قوله: " لا يزال العبد... "
وقال: " لتكثر خطانا في المشي إلى الصلاة ".
قلت: ومحمد بن ثابت البناني: قال الذهبي في " المغني ":
" قال البخاري: فيه نظر. وقال النسائي: ضعيف ".

(14/722)


@@@ 723
وفي الطريق الأولى : (الضحاك بن نبراس) : قال في "الميزان" :
"قال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك. وقال النسائي غيره:
ضعيف".

ثم ساق له فيما أنكر عليه من الحديث هذا. وقد أخرجه عنه العقيلي في
" الضعفاء " (2/9 1 2)، وابن عدي في " الكامل " (4/ 97).

وإن مما يؤكد ضعفه، أن العقيلي أخرجه عقبه من طريق حماد بن سلمة عن
ثابت، قال:
مشيت مع أنى بن مالك إلى الصلاة - وقد أقيمت الصلاة -، وكان يقارب
بين الخطا، فقال لي: أتدري لتم أفعل هذا ؟ فقلت: لم تفعله ؟ قال: كذا فعل بي
زيد بن ثابت ؛ ليكون أكثر لخطونا. وقال العقيلي:
" حديث حماد أولى ".

قلت: وهو موقوف، وإسناده صحيح.
وتابع حماداً السري بن يحيى عن ثابت به.
أخرجه الطبراني (4796): حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي مريم: ثنا
محمد بن يوسف الفريابي: ثنا السري بن يحيى...
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات ؛ غير عبد الله بن سعيد بن أبي مريم، فهو واهٍ،
قال ابن عدي (4/ 255):
" مصري يحدث عن الفريابي وغيره بالبواطيل ".

(14/723)


@@@ 724
وقد أغمض عينه عنه الهيثمي ؛ فقال في " المجمع " (2/ 32) بعدما ساقه
مرفوعاً:
" رواه الطبراني في " الكبير "... وفيه الضحاك بن نبراس، وهو ضعيف.
ورواه موقوفاً على زيد بن ثابت، ورجاله رجال الصحيح "!

وقلده المعلقون الثلاثة على " الترغيب " (1/ 286)!
ومثل هذا الإغماض كثيراً ما يفعله الهيثمي، وأحياناً ينبه عليه، ولكنه
يتساهل في جرحه فيقول فيه: " ضعيف " - كما كنت نقلته عنه في المجلد
الخامس، تحت الحديث (2016) -.

وقد سبقه إلى الإغماض المذكور الحافظ المنذري في " الترغيب " (1/ 127/
12). بل لعله هو مقلده، فقد قال في تخريج الحديث:
" رواه الطبراني في " الكبير " مرفوعاً، وموقوفاً على زيد، وهو الصحيح"!

نعم ؛ هذا الموقوف صحيح برواية حماد بن سلمة المتقدمة ؛ فبه صَحّ، ولبيان
هذه الحقيقة كان هذا التخريج. والله ولي التوفيق.

6817 - (ما من حال يكون عليها العبد أحب إلى الله من أن يراه
ساجداً معفراً وجهه في التراب).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (7/ 43 - 44/ 6072)
قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي سويد الذارع قال: حدثنا عثمان بن الهيثم
ابن جهم [ قال: ثنا أبي الهيثم بن جهم ] عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن

(14/724)


@@@ 725
حذيفة مرفوعاً.
ثم ساق له حديثاً آخر، وعقب عليهما بقوله:
" لم يرو هذين الحديثين عن عاصم إلا الهيثم بن جهم، تفرد بهما عثمان بن
الهيثم ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ عثمان بن الهيثم بن جهم من شيوخ البخاري
المتكلم فيهم، قال الذهبي في " الميزان ":
" قال أبو حاتم: صدوق ؛ غير أنه كان بآخره يلقن، وقال الدارقطني: صدوق
كثير الخطأ ". ولخصه الحافظ فقال في " التقريب ":
" ثقة، تغير فصار يتلقن".

قلت: لكن الراوي عنه شيخ الطبراني (محمد بن عثمان بن أبي سويد الذارع)
أسوأ حالاً منه، وهو من شيوخ ابن عدي أيضاً، وقد ضعفه ؛ فهو أعرف الناس به،
قال في " الكامل " (6/ 304):
" حدث عن الثقات ما لم يتابع عليه، وكان يقرأ عليه من نسخة له ما ليس
من حديثه عن قوم رآهم أو لم يرهم، ويقلب الأسانيد عليه فيقر به... فكان يشبَّه
عليه، وأرجو أنه لا يتعمد الكذب، وأثنى عليه أبو خليفة ؛ لأنه عرفه في أيامه،
فسمع منه ".

وأورده الذهبي في " المغني " لقول ابن عدي المذكور في صدر ما نقلته عنه،
ولم يزد.
(تنبيه): لم يهتد الحافظ المنذري، ولا الهيثمي لعلة الحديث ؛ بل وتحرف

(14/725)


@@@ 726
عليهما اسم (الهيثم) إلى: (القاسم)، فقال المنذري (1/ 145/ 8):
" رواه الطبراني في " الأ وسط "، وقال: " تفرد به عثمان !" قال الحافظ:
عثمان هذا هو ابن القاسم، ذكره ابن حبان في (الثقات) ".

وكذا قال الهيثمي (1/ 301) وزاد عليه فقال:
"ولم يرفع في نسبه، وأبوه ؛ فلم أعرفه ".

قلت: وهذا وهم منه آخر ؛ فقد رفع نسبه إلى جده، فقال - كما سبق -:
"عثمان بن الهيثم بن جهم ". وأكد ذلك الطبراني حين قال عقب الحديث: "...
إلا الهيثم بن جهم "!

فليس لعثمان بن القاسم ولا لأبيه علاقة بهذا الحديث.
وأما الحديث الآخر الذي أشرت إليه فهو صحيح لغيره، وقد خرجته في
"الصحيحة " برقم (3441).
ثم إن الزيادة التي بين المعكوفتين سقطت من مطبوعة " المعجم الأوسط "
واستدركتها من مصورتها (2/ 74/ 1)!

6818 - (من لم ير غدوه ورواحه إلى المساجد من سبيل الله - أو:
في سبيل الله - ؛ فقد قصر عمله).

موضوع.
أخرجه الخطيب في " موضح أوهام الجمع والتفريق " (1/ 355 -
359) من طريق محمد بن إسحاق العكاشي عن إبراهيم بن أبي عبلة سمع

(14/726)


@@@ 727
أم الدرداء الأنصارية - وكانت لها صحبة -: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:...
فذكره.

قلت: وهذا موضوع ؛ آفته (العكاشي) هذا: قال الخطيب - بعد ثلاث
صفحات - (362):
" محمد بن إسحاق العكاشي: كان معروفاً بالكذب ووضع الحديث...،
وإبراهيم بن أبي عبلة (ت 152) يستحيل إدراك أم الدرداء".

والحديث أورده الحافظ ابن حجر في " تسديد القوس في ترتيب مسند
الفردوس " ساكتاً عنه - كما هي عادته فيه -، والسيوطي في "الجامع الكبير "
أيضاً عزاه للديلمي - يعني: في " مسند الفردوس " -، وسكت عنه أيضاً كغالب
عادته فما أحسن ؛ لأنه يوهم أنه ضعيف فقط، بناء على اصطلاحه الذي نص
عليه في مقدمة " الجامع ": أن ما عزاه لابن عدي، والخطيب وابن عساكر
والديلمي في " مسنده " - وغيرهم ممن ذكر - فهو ضعيف.

6819 - ( إِنَّهَا سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ، وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ
لَهَا: الْحَمَّامَاتُ، فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إِلَّا بِالْأُزُرِ، وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ، إِلَّا
مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ).

ضعيف.
أخرجه أبو داود (1 1 0 4)، وابن ماجه (3748)، والبيهقي في
" السنن " (7/ 8 0 3 -9 0 3)، وفي " الشعب " (6/ 59 1/ 7775)،
والطبراني في " المعجم الكبير " (13/ 29/ 59 و 52/ 128)، وكذا عبد الرزاق
في " المصنف " (1/ 290 - 291/ 19 1 1)، وعبد بن حميد في " المنتخب من
المسند " (0 1/ 09 3/ 0 35)، والخطيب في " الموضح " (1/ 363) كلهم من

(14/727)


@@@ 728
طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن
عمرو مرفوعاً. وقال البيهقي في" الشعب ":
" تفرد به عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، وأكثر أهل العلم لا يحتج بحديثه،
وليس بأضعف من أحاديث النهي على الإطلاق "!

كذا قال، وفي النهي عن دخول النساء الحمام على الإطلاق أحاديث
صحيحة، قد كنت خرجت بعضها في " آداب الزفاف " (ص 140 ، 141)،
و " غاية المرام " (ص 136)، ثم أعدت تخريجها في " الصحيحة " بتوسع
(3442).

ثم إن شيخ الإفريقي ضعيف أيضاً ؛ قال الذهبي في " الميزان ":
" حديثه منكر، وكان على قضاء إفريقية، ولكن لعل تلك النكارة جاءت من
قبل صاحبه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ".
وقد روي الحديث عن عمر بن الخطاب مرفوعاً به.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (3/ 405)، ومن طريقه ابن الجوزي في
" العلل المتناهية " (1/ 343/ 563) بسنده عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي:
حدثني أيوب بن سعيد السكوني: حدثني عمرو بن قيس السكوني يقول:
سمعت المشمعل بن عبد الله السكوني يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول:
... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم ؛ لم أعرف أحداً منهم بالثقة ؛ إلا عمرو بن
قيس السكوني، وهو من رجال " التهذيب "، وأورده ابن عدي في ترجمة سعيد

(14/728)


@@@ 729
ابن أبي سعيد الزبيدي، وقال:
" شيخ مجهول، حديثه غير محفوظ ".

قلت: هو: سعيد بن عبد الجبار الزبيدي، وقد عرفه بعضهم بالضعف
الشديد، فقال قتيبة:
" كان جرير يكذبه ". وقال مسلم:
" متروك الحديث ".

وأيوب بن سعيد السكوني: أورده البخاري في " التاريخ "، وابن أبي حاتم في
"الجرح " برواية معلى بن منصور فقط عنه، ساكتين عليه ؛ فهو مجهول.
والمشمعل بن عبد الله السكوني: لم أجد أحداً ذكره إلا الحافظ المزي في
شيوخ (عمرو بن قيس السكوني). والله أعلم.

وقال ابن الجوزي عقب الحديث:
" لا يصح. قال ابن عدي: وسعيد بن أبي سعيد مجهول. وقال يحيى: عمرو
ابن قيس لا شيء. وقال الدارقطني: إسماعيل ضعيف".

قلت: فيه خلط عجيب ؛ وذلك من وجهين:
أحدهما: تحرف عليه (المشمعل بن عبد الله) إلى إسماعيل بن عبد الله
فنقل عن الدارقطني تضعيفه! فتعقبه محققه الفاضل بقوله:
"قلت: إسماعيل بن عبد الله هذا من طبقة التابعين، وأما من ضعفه الدارقطني
فهو إسماعيل بن عبد الله أبو شيخ ؛ كما ذكره المؤلف في " الضعفاء "....".

(14/729)


@@@ 730
وأقول: لقد وهم ابن الجوزي والمعلق عليه ؛ فليس الحديث من رواية أحد من
الإسماعيليين، وانما هو المشمعل بن عبد الله - كما تقدم -.

والآخر: ما نقله عن يحيى - وهو: ابن معين - ليس هو في (عمرو بن قيس
السكوني).. فهذا ثقة بلا خلاف، وانما هو في (عمرو بن قيس بن يسير بن
عمرو) - كما في " كامل " ابن عدي وغيره -.

وبالجملة، فهذا الإسناد ضعيف جداً، ولقد عجبت من ابن الجوزي كيف
اقتصر عليه، ولم يروه غير ابن عدي، وفاته حديث ابن عمرو، وقد رواه ذلك
الجمع الغفير من الحفاظ ؟!

وأعجب منه احتجاج الخطيب وغيره بهذا الحديث الضعيف على أن الحمام لم
يكن بالمدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ مخالفين في ذلك حديث أم الدرداء الكبرى
الصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لقيها وقد جاءت من الحمام، فقال لها صلى الله عليه وآله
وسلم:
"ما من امرأة تنرع ثيابها في غير بيتها ؛ إلا هتكت ما بينها وبين الله من ستر ".

وهو حديث صحيح جاء عنها من ثلاثة طرق ؛ أحدها حسن على الأقل - كما
تراه محققاً مبسطاً في " الصحيحة " (3442) -.

والحديث يرويه أيضاً مسلمة بن علي: ثنا الزبيدي عن راشد بن سعد عن
المقدام بن معدي كرب مرفوعاً.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (0 2/ 284/ 671).
وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ آفته مسلمة بن علي - وهو: الخشني -، وهو

(14/730)


@@@ 731
متروك - كما قال الذهبي والعسقلاني -. وقال الهيثمي (1/ 278):
"... وقد أجمعوا على تركه ".

6820 - (من قال إذا أوى إلى فراشه :
الحمد لله الذي علا فقهر ، وبطن فخبر ، وملك فقدر.
الحمد لله الذي يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ، خرج من
ذنوبه كيوم ولدته أمه).

منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (8/ 433/ 7887) من
طريق إسحاق بن الوزير السعدي الكوفي، والبيهقي في " الشعب " (4/ 175 -
176/4714) عن شيخه الحاكم في " التاريخ " بسنده عن النضر بن زرارة ؛
كلاهما عن أبي جناب الكلبي عن كنانة العدوي عن أبي الدرداء مرفوعاً.
والسياق للطبراني، وقال:
" لم يروه عن أبي جناب إلا إسحاق بن الوزير، تفرد به سهل بن العباس ".

قلت: رواية البيهقي تدفع التفرد المزعوم، و (سهل): تركه الدارقطني - كما
في " مغني " الذهبي -.
(وإسحاق بن الوزير): مجهول - كما قال أبو حاتم -.
ومثله متابعه (النضر بن زرارة): مجهول أيضاً - كما قال الذهبي -.
وشيخهما (أبو جناب الكلبي) - واسمه: (يحيى بن أبي حية) -: قال
الحافظ في " التقريب "

(14/731)


@@@ 732
"ضعفوه لكثرة تدليسه ".

ولذلك أشار المنذري في " الترغيب " (1/ 211/ 14) إلى تضعيف
الحديث، وبيّن الهيثمي السبب فقال (10/ 124):
" رواه الطبراني في " الأ وسط "، وفيه أبو جناب الكلبي، وهو ضعيف".

(تنبيه): قال المنذري:
" رواه الطبراني في " الأوسط "، والحاكم، ومن طريقه البيهقي...".

فأطلق العزو للحاكم ؛ فأوهم أنه في " المستدرك " - كما هو المراد من الإطلاق -،
فأتعبني كثيراً في التفتيش فيه، ولكن دون جدوى، حتى رأيت البيهقي قد عزاه
إليه مقيداً بـ " التاريخ " - كما تقدم - ؛ فاقتضى التنبيه!

6821 - (من صلى منكم من الليل، فليجهر بقراءته، فان الملائكة
تصلى وتسمع لقراءته، وان مسلمى الجن الذين يكونون في الهواء،
وجيرانه الذين يكونون في مسكنه، يصلون بصلاته ويستمعون لقراءته،
فإنه يطرد بجهره قراءته عن داره ومن نزلها من فساق الشياطين ومردة
الجن.
وما من رجل يعلم كتاب الله عن ظهر قلبه، يريد به وجه الله، ثم
صلى به من الليل ساعة معلومة، إلا أمرت به الليلة الماضية الليلة المستقبلة
أن تكون عليه خفيفة، وأن ينبه في ساعته ... ) الحديث بطوله في
نحو صفحتين.

(14/732)


@@@ 733
موضوع. أخرجه ابن أبي الدنيا في " التهجد " (1/ 5)، و العقيلي في
" الضعفاء " (2/ 39 - 0 4)، وابن الجوزي في " الموضوعات " (1/ 251 -
252) من طريقين عن داود بن بحر الطفاوي عن مسلم بن أبي مسلم عن مورق
العجلي عن عبيد بن عمير الليثي: أنه سمع عبادة بن الصامت يقول:... فذكره
بطوله. وقال العقيلي - والسياق له -:
"حديث باطل لا أصل له ".

ذكره في ترجمة داود الطفاوي هذا، وروى عن ابن معين أنه قال:
" داود الطفاوي - الذي روى عنه المقرئ حديث القرآن -: ليس بشيء ".
وطريق ابن الجوزي يختلف في بعض رواته عن طريق العقيلي، ومتنه أخصر،
وقد عزاه إلى العقيلي، وقال:
" لا يصح، والمتهم به داود ".

ثم روى قول ابن معين وقول العقيلي المذكورين، وقال:
" ثم فيه الكديمي، وكان وضاعاً للحديث ".

قلت: طريق العقيلي سالمة منه. وكذلك رواه ابن الضريس في " فضائل
القرآن " (65 - 67/ 115).
وذكر له السيوطي في " اللآلي " (1/ 241) شاهداً من حديث معاذ بن
جبل رضي الله عنه، ولكنه مما [ لا ] ينهض للشهادة في نقدي ؛ لانقطاع وجهالة
في إسناده، ولأنه كالمشهود له من حيث بطلان متنه:

(14/733)


@@@ 734
وهو ما أخرجه. البزار في " مسنده " (7/ 97 - 99/ 2655 - البحر الزخار)
من طريق بسطام بن خالد الحراني قال: أخبرنا نصر بن عبد الله أبو الفتح عن
ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عنه مرفوعاً. وقال:
" لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه، ولم يسمع خالد بن معدان من معاذا.
قلت: وأقره المنذري (1/ 219)، والهيثمي (2/ 254)، وقال المنذري:
" في إسناده من لا يعرف حاله، وفي متنه غرابة كثيرة ؛ بل نكارة ظاهرة، وقد
تكلم فيه العقيلي وغيره، ورواه ابن أبي الدنيا وغيره عن عبادة بن الصامت موقوفاً
عليه، ولعله أشبه ".
ويشير بأول كلامه إلى (بسطام الحراني) وشيخه (نصر) ؛ فإني لم أجد لهما
ترجمة، وقد أشار إلى هذا الهيثمي أيضاً.
وأما قوله في الموقوف: ا لعله أشبه " مما لا وجه له ؛ لأنه من اختصار بعض
الرواة، وكذلك هو عند العقيلي، ولأنه من الأمور الغيبية التي لا تقال بالرأي ؛ بل
هو موضوع ظاهر الوضع، باطل المتن - كما تقدم -، وأوله مخالف لقوله تعالى:
ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك لممبيلأ،، ولقوله سر لعمر
حينما مر به وهو يقرأ في الليل جهرأ، ولما ساممه، قال: يا رسول الله! أوقظ
الوسنان، وأطرد الشيطان! فقال له له:
" فاخفض من صوتك قليلاً ".
في قصة معروفة في " السنن " وغيرها، وصححها ابن خزيمة (1161)، وهي
في لا المشكاة " (1254).

(14/734)


@@@ 735
6822 - (كل بني آدم حسود، وبعض الناس أفضل في الحسد من
بعض، ولا يضر حاسداً حسده ما لم يتكلم بلسانه، أو يعمل باليد) (*).

ضعيف جداً.
أخرجه الذهبي في ترجمة الحاكم من " تذكرة الحفاظ " (3/
1042) من طريق خلف بن محمد بن إسماعيل: نا خلف بن سليمان: نا خلف
ابن محمد - كردوس -: نا خلف بن موسى العمي: نا أبي عن قتادة عن أنس
مرفوعاً. وقال الذهبي:
" هذا حديث غريب منكر ".

قلت: وإسناده ضعيف جداً، آفته: (خلف بن محمد بن إسماعيل) - وهو:
الخيام البخاري أبو صالح -: قال أبو يعلى الخليلي في " الإرشاد " (3/ 972 - 973):
" كان له حفظ ومعرفة، وهو ضعيف جداً، روى في الأبواب تراجم لا يتابع
عليها، وكذلك متوناً لا تعرف، سمعت ابن أبي زرعة والحاكم أبا عبد الله
الحافظين يقولان: كتبنا عنه الكثير، وتبرأنا من عهدته، وإنما كتبنا عنه للاعتبار".

ثم روى عن الحاكم عنه بسنده عن جابر حديث النهي عن المواقعة قبل
ا لملاعبة، وقال:
" سمعت الحاكم يعقب هذا الحديث ؛ يقول: خذل خلف بهذا وبغيره ".
وسبق حديث المواقعة برقم (432).
وا لحديث
__________
(*) كتب الشيخ رحمه الله تعالى فوق هذا المتن: "مضى برقم (3091) ".

(14/735)


@@@ 736
6823 - (ما يخرج رجل شيئاً من الصدقة ؛ حتى يفك عنها لحيي
سبعين شيطاناً).

ضعيف.
أخرجه أحمد في " المسند " (5/ 350): ئنا أبو معاوية: ثنا
الأعمش عن ابن بريدة عن أبيه - قال أبو معاوية: ولا أراه سمعه منه - قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره.

ومن هذا الوجه أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (4/ 105/ 2457)،
والحاكم (1/ 417)، والبزار في " مسنده" (1/ 447/ 943 - كشف الأستار)،
والطبراني في " المعجم الأوسط " (2/ 24/ 038 1)، والبيهقي في " الشعب "
(3/ 257/ 3474)، والأصبهاني في " الترغيب " (2/ 676/ 1624) ؛
كلهم عن أبي معاوية به ؛ دون قوله: " ولا أراه سمعه منه ".

قلت: وهذه فائدة عزيزة، حفظها لنا إمام السنة في " مسنده " جزاه الله خيراً ؛
كشفت لنا عن علة الحديث التي غفلنا عنها برهة من الدهر، تبعاً لغيرنا ؛ نقد قال
الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! وأقررتهما في " الصحيحة "
(رقم 1268)، وكانت غفلة أسأل الله أن يغفرها لي، مع أنني كنت تنبهت لها ؛
فذكرته في " ضعيف الترغيب " رقم (543).
وقوله: "... الشيخين " فيه إشعار بأن: (ابن بريدة).. هو: (عبد الله).
وهذا خلاف قول البزار عقبه:
"تفرد بهذا الإسناد أبو معاوية، و (ابن بريدة) هو: (سليمان) ".

(14/736)


@@@ 737
قلت: وقد أعل الحديث ابن خزيمة ؛ فقال في الباب الذي ترجم له:
" إن صح الخبر ؛ فإني لا أقف هل سمع الأعمش من ابن بريدة أم لا ؟ ".

قلت: ولذلك لم يذكروه في الرواة عن (ابن بريدة).. لا في: (سليمان)،
ولا في: (عبد الله)، على أن الأعمش معروف بالتدليس، فلو فرض ثبوت
سماعه من أحدهما ؛ فذلك لا يعني ثبوته عن كليهما معاً، ولو ثبت ؛ فذلك لا
يعني ثبوت الاتصال إلا إذا صرح بالسماع في هذا الحديث بخصوصه - كما لا
يخفى على العلماء -.

وقد روي الحديث عن أبي ذر موقوفاً قال:
ما خرجت صدقة حتى يفك عنها لحيي سبعين شيطاناً ؛ كلهم ينهى عنها.
أخرجه البيهقي (3475) من طريق عمار الدهني عن راشد بن الحارث
عنه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ راشد بن الحارث: لا يعرف إلا بهذه الرواية، ومع
ذلك أورده ابن حبان في " الثقات " (4/ 234). وحسنه الجهلة!
والحديث قال الهيثمي (3/ 109):
" رواه أحمد والبزار والطبراني في "الأوسط " ورجاله ثقات ".
ونقله الشيخ الأعظمي في تعليقه على " كشف الأستار "! ولم يتعقبه بشيء!
وكذلك فعل المعلقون الثلاثة على " الترغيب " (1/ 669) ؛ بل زادوا - ضغثاً
على إبالة - فقالوا:

(14/737)


@@@ 738
"حسن"!!
فلم يلتفتوا إلى إعلال ابن خزيمة [ له ] بالانقطاع، ولبالغ جهلهم وغفلتهم لم
ينتبهوا للسقط الذي وقع في طبعتهم لـ " الترغيب "، وهو [ في ] قوله: "وتردد
في سماع الأعمش من بريدة "! والصواب: " [ ابن ] بريدة". فكيف يلتقي
التحسين مع هذا السقط ؟! لو كانوا يعلمون!

6824 - (من وسع على عياله يوم عاشوراء ؛ وسع الله عليه سائر
سنته).

ضعيف.
أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري،
وعبد الله بن مسعود، وجابر، وعقب عليها بقوله:
" هذه الأسانيد - وإن كانت ضعيفة ؛ فهي - إذا ضم بعضها إلى بعض ؛
أخذت قوة. والله أعلم ".

قلت: شرط التقوية غير متوفر فيها - وهو: سلامتها من الضعف الشديد -.
وهاك البيان:
1 - حديث أبي هريرة: يرويه حجاج بن نصير: نا محمد بن ذكوان عن
يعلى بن حكيم عن سليمان بن أبي عبد الله عنه.

أخرجه البيهقي في " الشعب " (3/ 366/ 3795) من طريق ابن عدي (1)،
وهذا في " الكامل " (6/ 200)، والعقيلي في " الضعفاء " (4/ 65)، ومن
__________
(1) وقع في الأصل: " ابن علي"! وعلق عليه محققه فقال: " في (ب): ابن عدي، وهو
خطأ "! وما خطأه هو الصواب بلا ريب!

(14/738)


@@@ 739
طريقه ابن الجوزي في " العلل " (2/ 62/ 910)، والشجري في " الأمالي "
(2/ 86).
قلت: وهذا إسناد واه ؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: حجاج بن نصير: قال الذهبي في "المغني ":
" ضعيف، وبعضهم تركه".

الثانية: محمد بن ذكوان - وهو: الجهضمي البصري -: قال البخاري:
"منكر الحديث".
وفي ترجمته أورده العقيلي، وكذا ابن عدي وقال:
"وعامة ما يرويه أفرادات وغرائب، ومع ضعفه يكتب حديثه ".وقال ابن
حبان في " الضعفاء" (2/ 262):
" يروي عن الثقات المناكير، والمعضلات عن المشاهير ؛ على قلة روايته، حتى
سقط الاحتجاج به ".

الثالثة: سليمان بن أبي عبد الله: قال العقيلي عقب الحديث:
"مجهول بالنقل، والحديثُ غير محفوظ ".
قلت: وهذه فائدة من العقيلي لم تذكر في ترجمة (سليمان) هذا من
" التهذيب لما وفروعه ؛ فلتستدرك. وهي كقول أبي حاتم فيه:
" ليس بالمشهور، فيعتبر بحديثه ".

(14/739)


@@@ 740
وأما ابن حبان فذكره في " الثقات "! وأشار الذهبي إلى تليين توثيقه بقوله في
" الكاشف ":
" وُثق ". والحافظ بقوله في " التقريب ":
" مقبول ".
2 - وأما حديث أبي سعيد: فيرويه عبد الله بن نافع الصاثغ المدني عن أيوب
ابن سليمان بن ميناء عن رجل عنه.

أخرجه البيهقي (3793، 4 379).

قلت: وهذا إسناد مظلم، الرجل لم يسم ؛ فهو مجهول.

وأيوب بن سليمان بن ميناء: لا يعرف إلا بهذه الرواية - كما يؤخذ من " الجرح "
(1/ 1/ 248) -. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (6/ 61)!

وعبد الله بن نافع الصائغ المدني: فيه لين - كما في " التقريب " -.
وروي بإسناد آخر أسوأ منه: يرويه محمد بن إسماعيل الجعفري قال: حدثنا
عبد الله بن سلمة الربعي عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي
صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري به.

أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (9/ 0 4 1 - 1 4 1/ 9298)،
والشجري أيضاً في " الأمالي " (2/ 81)، وقال الطبراني:
" تفرد به [ محمد بن ] إسماعيل الجعفري".
قلت: وهو متروك - كما قال أبو نعيم - وقال أبو حاتم:

(14/740)


@@@ 741
"منكر الحديث، يتكلمون فيه ".
وبه أعله الهيثمي (3/ 189) بعدما عزاه لـ " الأوسط ". وفاته أن شيخه
(عبد الله بن سلمة الربعي) مثله في الضعف، فقال فيه أبو زرعة:
" منكر الحديث".

3 - وأما حديث عبد الله بن مسعود: فيرويه هَيصم بن الشدّاخ عن الأعمش
عن إبراهيم عن علقمة عنه.
أخرجه البيهقي (3792)، والطبراني في " المعجم الكبير " (0 1/ 94/
10007)، وعنه الشجري (1/ 176)، وابن عدي (5/ 211)، وابن حبان
(3/ 97)، وابن الجوزي في " الموضوعات " (2/ 3 0 2)، وقال البيهقي:
"تفرد به هيصم ".
قلت: قال ابن حبان:
" هو شيخ يروي عن الأعمش الطامات في الروايات ".

وكذا قال ابن طاهر في " تذكرة الموضوعات " (ص 97)، وابن الجوزي،
واتهمه أبو زرعة - كما في "اللسان " -.
ونقل ابن الجوزي عن العقيلي أنه قال:
" الهيصم مجهول، والحديث غير محفوظ ".

ونقله الحافظ أيضاً عنه في " اللسان "، وما أظنه إلا وهماً عليه، وإنما قال هذا
العقيلي في حديث (سليمان بن أبي عبد الله) المتقدم. وليس لـ (الهيصم)

(14/741)


@@@ 742
ترجمة في "ضعفاء " العقيلي. والله أعلم. وقال الهيثمي:
" رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه الهيصم بن الشداخ، وهو ضعيف جداً".

4 - وأما حديث جابر: فيرويه محمد بن يونس: ثنا عبد الله بن ابراهيم
الغفاري: نا عبد الله بن أبي بكر ابن أخي محمد بن المنكدر [ عن محمد بن
المنكدر ] (1) عنه.
أخرجه البيهقي (3791) وقال:
" هذا إسناد ضعيف "!

قلت: لقد تسامح - عفا الله عنا وعنه - في هذه الأحاديث كثيراً، وتساهل
بالسكوت عنها - مع شدة ضعفها، وبخاصة هذا. وتبعه عليه السيوطي في
" اللآلي المصنوعة " (2/ 112) - فإن محمد بن يونس هذا - هو: الكديمي -:
متهم بالوضع مع حفظه، قال الذهبي في " المغني ":
" هالك، قال ابن حبان وغيره: كان يضع الحديث على الثقات".

ونحوه شيخه (عبد الله بن إبراهيم الغفاري) : قال الحافظ في " التقريب ":
" متروك، ونسبه ابن حبان إلى الوضع ".

وعبد الله بن أبي بكر ابن أخي محمد بن المنكدر: لم أعرفه، ووقع في شيوخ
عبد الله الغفاري من " تهذيب الكمال " (عبد الله بن أبي بكر بن المنكدر). والله
أعلم (*).
__________
(1) سقطت من الأصل، واستدركتها من " اللآلي " (2/ 112)، و " العجالة ".
(*) قال الشيخ رحمه الله عنه في " تمام المنة " (ص 411): "ضعيف ؛ كما في " الميزان "". (الناشر).

(14/742)


@@@ 743
وله طريق أخرى عن جابر ؛ هي أصح الطرق عند السيوطي، ومع ذلك قال
الحافظ في متنه:
" منكر جداً ".

وقد كنت تكلمت عليه في " تمام المنة " (ص 410 - 411) ؛ فلا داعي
لإعادته هنا. فمن شاء ؛ رجع إليه.

وذكره ابن الجوزي في " العلل " (2/ 62/ 09 9) من رواية الدارقطني من
حديث ابن عمر، بإسناد فيه (يعقوب بن خُرّة)، وقال الدارقطني:
" حديث منكر، ويعقوب بن خرة ضعيف". وفي ترجمته قال الذهبي من
" ا لميزان ":
" قلت: له خبر باطل، لعله وهم ".
يشير إلى هذا ؛ فقد ساقه الحافظ عقبه في " اللسان ".

هذا ؛ وإن مما يؤكد قول الذهبي هذا وغيره ممن قال بنكارته ووضعه أنه - مع
شدة ضعف أسانيده - لم يكن العمل به معروفاً عند السلف، ولا تعرض لذكره
أحد من الأئمة المجتهدين، أو قال باستحباب التوسعة المذكورة فيه ، بل قد جزم
بوضعه شيخ الإسلام ابن تيمية في " فتاويه "، وهو من هو في المعرفة بأقوالهم
ومذاهبهم، وأن العمل به بدعة - كاتخاذه يوم حزن عند الرافضة - ؛ بل إنه نقل عن
الإمام أحمد أنه سئل عن هذا الحديث ؟ فلم يره شيئاً. فمن شاء الوقوف على
كلام الشيخ ؛ فليرجع إلى " مجموعة الفتاوى " (25/ 300 - 314)، فإنه يجد
ما يشرح الصدر.

(14/743)


@@@ 744
6825 - (تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس ، فمن مستغفر يغفر
له ، ومن تائب يتاب عليه ، ويرد أهل الضغائن [ بضغائنهم ] حتى
يتوبوا ).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (8/ 203/ 5 741) من
طريق روح بن حاتم أبي غسان قال: حدثنا المنهال بن بحر قال: حدثنا عبد العزيز
ابن الربيع قال: حدثنا أبو الزبير عن جابر مرفوعاً. وقال:
" لم يروه عن عبد العزيز بن الربيع إلا المنهال بن بحر".

قلت: وهو مختلف فيه، فوثقه أبو حاتم وابن حبان، وضعفه العقيلي وابن
عدي - كما تقدم تحت [648] -، والظاهر أن في حفظه ضعفاً ؛ فقد أعل العقيلي
الحديث المتقدم بالمخالفة، وهذا اختلف عليه في متنه، وفي رفعه ؛ فرواه هلال بن
العلاء الرقي: ثنا المنهال بن بحر به مرفوعاً بلفظ:
"... فيغفر الله للمستغفرين، ويتاب على التائبين، ويدع أهل الأضغان
بأضغا نهم".

أخرجه الخطيب البغدادي في " تلخيص المتشابه " (1/ 47) وقال:
" هكذا رواه هلال عن المنهال بن بحر. مرفوعاً، ووقفه غيره ".

ثم ساقه من طريقين عنه موقوفاً. وفاتته طريق روح بن حاتم هذه المرفوعة عند
الطبراني، وقال المنذري (2/ 85 و 3/ 282) وتبعه الهيثمي (8/ 66):
" ورواته ثقات " .

(14/744)


@@@ 745
كذا قالا، وقد عرفت الخلاف في المنهال بن بحر، وغفلا أو تغافلا عن عنعنة
أبي الزبير ؛ فإنه كان مدلساً، ومن هنا تعلم جهل المعلقين الثلاثة على " الترغيب "
بقولهم (2/ 62/ 1540):
" صحيح، قال الهيثمي... رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات".
والمبتدئون في هذا العلم لا يشكون بأنه لا تلازم بين هذا القول والصحة - كما
نبهت على ذلك مراراً -.

والشطر الأول من الحديث قد صح عن أبي هريرة بتتمة أخرى، وهو مخرج في
كتاب الصيام من " الإرواء " (4/ 102 - 105).

6826 - (إن يوم الجمعة يوم عيد [وذكر ] ،فلا تجعلوا يوم عيدكم
يوم صيامكم ، إلا أن تصوموا قبله أو بعده . وفي رواية: ولكن اجعلوه
يوم ذكر، إلا أن تخلطوه بأيام).

ضعيف.
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (3/ 315 - 316/ 2162)،
والحاكم (1/ 437)، والطحاوي في " شرح المعاني " (1/ 339 - هندية)،
وأحمد (2/ 3 5 3، 532)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (3/ 994/ 3867)،
والطبراني في " مسند الشامين " (3/ 164/ 1999) - والزيادة والرواية الأخرى
لهما -، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (26/ 89 - 0 9) من أربعة طرق - ؛
منها: عبد الرحمن بن مهدي وابن وهب - عن معاوية بن صالح عن أبي بشر عن
عامر بن لُدين الأشعري أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول:... فذكره. والسياق للحاكم، وقال:

(14/745)


@@@ 746
" صحيح الإسناد، وأبو بشر هذا: لم أقف على اسمه، وليس بـ (بيان بن
بشر)، ولابـ (جعفر بن أبي وحشية) ". وتعقبه الذهبي بقوله:
" قلت: هو مجهول ".

قلت: وهذه فائدة تقتنص ؛ فإن أبا بشر هذا لم يورده في " الميزان "، ولا
استدركه الحافظ في " اللسان "، ولا ذكره في " التعجيل "، وهو على شرطهم.
وكذلك هو على شرط ابن حبان ولم يترجم له، وانما ذكره في ترجمة شيخه
(عامر بن لدين) - كما يأتي -، وكذلك ابن عساكر ونسبه (القنسريني).

وأما (عامر بن لُدين الأشعري) فأورده البخاري وابن أبي حاتم في " كتابيهما "
من رواية أبي بشر عنه، وبيضا له. وذكره ابن حبان في " الثقات " (5/ 192)
وقال:
" عداده في أهل الشام، روى عنه أهلها وأبو بشر".
قلت: لقد توسع ابن عساكر في ترجمته وأفاد، فقال:
" روى عنه سليمان بن حبيب الحاربي، وأبو بشر القنسريني - مؤذن مسجد
دمشق -، وعروة بن رويم اللخمي، والحارث بن معاوية".

ثم روى في آخر ترجمته عن الحافظ أحمد العجلي أنه قال:
"عامر بن لُدين الأشعري: شامي تابعي ثقة".

وذكر خلاصة منه الذهبي في " تاريخ الإسلام " (6/ 396)، والحافظ في
" تعجيل المنفعة " دون أن يعزواه لابن عساكر.

(14/746)


@@@ 747
ثم روى عن أبي نعيم الحافظ، وهذا في " معرفة الصحابة " (2/ 100/ 2)
أنه قال فيه:
" مختلف في صحبته، وهو معدود في تابعي أهل الشام ".

قلت: وهذا الاختلاف مما لا يعتد به ؛ لأنه بناء على رواية أسد بن موسى:
ثنا معاوية بن صالح: حدثني أبو بشر - مؤذن دمشق - عن عامر بن لدين الأشعري
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره.

أخرجه البزار (1/ 499/ 069 1) وقال:
" لا نعلم أسند عامر بن لدين إلا هذا ".

قلت: ولذلك أورده ابن شاهين في " الصحابة "، وأخرجه بإسناده عن أسد
ابن موسى - كما في " أسد الغابة " (3/ 34) -، وهي رواية شاذة، بل منكرة ؛
لمخالفة (أسد بن موسى) لرواية الجماعة الذين وصلوه بذكر أبي هريرة في إسناده،
ولذلك جزم الحافظ بخطئها - كما تقدم تحريره برقم (5344) -، ثم قدر إعادة
تخريجه هنا، ولا يخلو من فائدة زائدة إن شاء الله تعالى.

6827 - ( لا يزال صيام العبد معلقاً بين السماء والأرضى حتى تؤدّى
زكاة الفطر).

منكر.
أخرجه النعالي في " حديثه " (ق 133/ 1)، وعنه الخطيب في
" التاريخ " (9/ 121)، ومن طريقه ابن الجوزي في " العلل " (2/ 7 - 8/
823)، ونصر المقدسي في " جزء من الأمالي " (ق 79 1/ 2)، والضياء
المقدسي في " مجموع له " (ق 58/ 1 - مجموع 15)، وابن عساكر في "تاريخ

(14/747)


@@@ 748
دمشق " (12 / 477 - المصورة) من طريق محمد بن أبي السري العسقلاني:
حدثنا بقية: حدثني عبد الرحمن بن عثمان [ بن عمر ] عن أنس بن مالك
مرفوعاً. وقال ابن الجوزي:
" لا يصح، عبد الرحمن بن عثمان: قال أحمد بن حنبل: طرح الناس
حديثه. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ".

كذا قال! وأنا أستبعد جداً أن يكون عبد الرحمن هذا هو صاحب هذا الحديث
- وهو: أبو بحر البكراوي - ؛ لأنه توفي سنة (195) - كما كنت ذكرت تحت
الحديث (43) - ؛ بل هو من شيوخ (بقية) المجهولين الذين ليس لهم ذكر في
شيء من كتب الرجال. ويؤيده زيادة [ ابن عمر ]، وهي لنصر المقدسي وابن
عساكر ؛ فإن جد البكراوي (عثمان).

ومحمد بن أبي السري - هو: محمد بن المتوكل بن أبي السري العسقلاني -:
قال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق عارف، له أوهام كثيرة".

6828 - ( يا فاطمة! قومي إلى أضحيتك فاشهديها ، فإن لك بكل
قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما سلف لك من ذنوبك. قالت : يا رسول الله!
ألنا خاصة أهل البيت، أو لنا وللمسلمين [ عامة ] ؟ قال : بل لنا
وللمسلمين [ عامة ] ).

ضعيف.
أخرجه الحاكم (4/ 222)، والعقيلي في " الضعفاء" (37/2)
- والزيادتان لهما -، والبزار في " مسنده " (2/ 59/ 1202 - كشف الأستار)،

(14/748)


@@@ 749
والقاضي أبو يعلى في الخامس من " الأمالي " (ق 30/ 1) من طريق داود بن
عبد الحميد: ثنا عمرو بن قيس الملائي عن عطية عن أبي يسعيد الخدري رضي
الله عنه مرفوعاً. وقال البزار:
" لا نعلم له طريقاً عن أبي سعيد أحسن من هذا، وعمرو بن قيس كان من
عباد أهل الكوفة وأفاضلهم، ممن يجمع حديثه وكلامه ".

قلت: لكن الشأن فيمن دونه، ومن فوقه ؛ فقد أورده العقيلي في ترجمة داود
ابن عبد الحميد، وقال:
"عن عمرو بن قيس الملائي بأحاديث لا يتابع عليها". وقال ابن أبي حاتم:
" سكت أبي عنه، وعرضت عليه حديثه ؟ قال: لا أعرفه، وهو ضعيف
الحديث، يدل حديثه على ضعفه ". وقال الأزدي:
" منكر الحديث".

وعطية - هو: ابن سعد العوفي، وهو -: ضعيف مدلس، ذكره الحاكم شاهداً
لحديث عمران بن حصين نحوه وسكت عنه، وتعقبه الذهبي بقوله:
" قلت: عطية واه ".

وقد التبس على المنذري براو آخر ؛ فقال في " الترغيب " (2/ 102/ 3):
"رواه البزار، وأبو الشيخ بن حيان في " كتاب الضحايا " وغيره، وفي إسناده
عطية بن قيس: وثق، وفيه كلام ".
وهذا وهم عجيب ؛ فليس لـ (عطية بن قيس) ذكر في هذا الإسناد - كما

(14/749)


@@@ 750
ترى -، وأعجب منه أن يقلده الهيثمي فيقول (4/ 17):
9" رواه البزار، وفيه (عطية بن قيس)، وفيه كلام كثير، وقد وثق ".

وعطية بن قيس - وهو: الكلابي الحمصي، وهو -: ثقة لا كلام فيه ؛ فهما
يعنيان به عطية بن سعد العوفي ولكنهما وُهِما في اسم أبيه. والمعصوم من عصمه
الله تبارك وتعالى.

وأما حديث عمران فقد أشار إليه العقيلي بقوله عقب حديث الترجمة:
" وله رواية أخرى من غير هذا الوجه، لينة أيضاً".

وقد كنت خرجته قديماً في المجلد الثاني برقم (528) من رواية الحاكم بإسناد
ضعيف جداً. والآن وقد توفرت عندي مصادر أخرى ؛ فقد رأيت أن أذكرها ؛ لكي
لا يغتر أحد بها أو ببعضها، ويتوهم أنها من طريق أخرى والأمر على خلافه:

فأخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8 1/ 289/ 00 6) وفي " الأوسط "
(3/ 247/ 2530)، والروياني في " مسنده " (1/ 134/ 138)، والخطيب
في " الموضح " (2/ 13) وفي " الأمالي في مسجد دمشق " (ق 4/ 2/ 2)،
والبيهقي في " السنن " (9/ 283)، وفي " شعب الإيمان " (5/ 483/ 7338) ؛
كلهم من طريق النضر بن إسماعيل البجلي عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن
جبير عنه. وقال الطبراني:
" تفرد به أبو حمزة الثمالي ".
قلت: وهو ضعيف جداً - كما تقدم هناك -.

(14/750)


@@@ 751
وقد روي الحديث بنحوه من طريق أهل البيت رضي الله عنهم بإسناد أوهى
منه، وقد حسنه بعضهم ؛ فوجب بيانه، وهو التالي:

6829 - (يا فاطمة! قومي فاشهدي أضحيتك، اما إن لك باول
قطرة تقطر من دمها مغفرة لكل ذنب، اما إنه يجاء بها يوم القيامة
بلحومها ودمائها سبعين ضعفا حتى توضع في ميزانك.
فقال أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه: يارسول الله! أهذه لآل
محمد خاصة - ـ فهم أهل لما خصوا به من خير - أو لآل محمد والناس
عامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هي لآل محمد والناس
عامة).

موضوع.
أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (1/ 128/ 78)،
والبيهقي في " السنن " (9/ 283)، والأ صبهاني في " الترغيب " (1/ 175/
348) من طريق سعيد بن زيد: ثنا عمرو بن خالد عن محمد بن علي عن أبائه
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعاً. وقال البيهقي:
" عمرو بن خالد ضعيف).

كذا قال، فتساهل معه ؛ فإنه مجمع على تركه، فقد كذبه جماعة منهم ابن
معين، وقال إسحاق بن راهويه وأبو زرعة:
" كان يضع الحديث". وقال أحمد:
" كذاب، يروي عن زيد بن علي عن آبائه أحاديث موضوعة، يكذب ". وقال
ابن عدي:

(14/751)


@@@ 752
" عامة ما يرويه موضوعات".
إذا عرفت أقوال هؤلاء الأئمة الحفاظ ؛ فاعجب من ذاك التساهل قول المنذري
عقب الحديث (2/ 102/ 3):
" وقد حسّن بعض مشايخنا حديث علي هذا. والله أعلم "!

فأقره ولم يرده! بل وأشار إلى تقويته بتصديره إياه تحت حديث أبي سعيد
الذي قبله بقوله: " وعن... "!!

6830 - (من مات في أحد الحرمين ؛ استوجبت شفاعتي، وجاء يوم
القيامة من الآمنين).

موضوع.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (6/ 294/ 4 0 61)،
والبيهقي في " الشعب " (3/ 496/ 4180)، وابن الجوزي في " الموضوعات "
(2/ 218) - من طريق ابن شاهين -، من طريق الحسن بن علي الفسوي: ثنا خ
لف بن عبد الحميد السرخسي: ثنا أبو الصباح عبد الغفور بن سعيد
الأنصاري عن أبي هاشم الرماني عن زاذان عن سلمان مرفوعاً. وقال ابن الجوزي:
" لا يصح ؛ فيه ضعفاء، والمتهم به عبد الغفور، قال يحيى بن معين: ليس
بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث، تركوه. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث
على الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب ". وأما البيهقي فقال عقبه:
" عبد الغفور هذا ضعيف، وروي بإسناد آخر أحسن من هذا ".
ثم ساقه من طريق عبد الله بن المؤمل المخزومي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً

(14/752)


@@@ 753
مختصراً نحوه ؛ دون جملة الشفاعة، وقد مضى تخريجه وبيان ضعفه والرد على
من حسنه تحت الحديث (2804).

فاقتصار البيهقي على تضعيف عبد الغفور هذا - بعد تضعيف الإمام البخاري
إياه تضعيفاً شديداً - مما لا يخفى ما فيه من التساهل! ولهذا خالفه الهيثمي - مع
تساهله المعروف - ؛ فقال (2/ 319):
" رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه عبد الغفور بن سعيد، وهو متروك ".

قلت: ومن دونه مجهولان ؛ خلف بن عبد الحميد السرخسي: قال أحمد:
" لا أعرفه " - كما في " الميزان " -.

والحسن بن علي الفسوي: من شيوخ الطبراني المستورين غير المشهورين. روى
له حديثاً ثانياً في " المعجم الأوسط " (4/ 255/ 3449)، ونسبه (الفسوي)
أيضاً، وثالثاً في " المعجم الصغير " (709 - الروض)، ونسبه (السرخسي).
وهكذا أورده الخطيب في " التاريخ " (7/ 375 - 376)، وساق له حديث
الطبراني هذا الثالث، ولم يذكر فيه شيئاً آخر!

وهنا فائدة وتنبيه لا بد من ذكرهما: لقد كرر ابن حبان الطعن في عبد الغفور
هذا في ترجمة (عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة) من " الثقات "، فقال
(5/125):
" روى عنه أبو الصباح، واسمه: عبد الغفور بن عبد العزيز الواسطي، عندنا
عنه نسخة بهذا الإسناد، وفيها ما لا يصح، البلية فيها من أبي الصباح ؛ لأنه كان
يخطئ ويتهم ".

(14/753)


@@@ 754
وموضع التنبيه هو: أن إيراده لهذه الترجمة في " ثقاته " ينافي قوله - في غير
ما موضع منه -: "أن الشيخ إذا لم يرو عنه ثقة ؛ فهو مجهول لا يجوز الاحتجاج به".
انظر " الضعيفة " (2/ 3)، وترجمة (عائذ الله الجاشعي) من " الثقات "
(2/ 92 1 - 93 1)، وقد أخل بقوله هذا - وعليه العلماء - في مئات التراجم،
الأمر الذي جعل الحفاظ النقاد لا يعتمدون كثيراً على توثيقاته، وإن اغتر بها
كثيرون، وبخاصة بعض الناشثين في هذا العصر، وترتب بسببه تصحيح
الأحاديث الضعيفة. والله المستعان.

وقد تقدمت بعض الأحاديث من رواية عبد الغفور هذا عن عبد العزيز بن
سعيد. فانظر (63 60، 6064).

وروي الحديث بألفاظ أخرى لا يصح: شيء منها، وقد مضى تخريج شيء منها
برقم (87 1 2، 4 0 28)، ومع ذلك قال السيوطي في " اللآلي " (2/ 29 1):
" والذي أستخير الله فيه الحكم لمتن الحديث بالحسن ؛ لكثرة شواهده ...".

وهذا من عجائبه وغرائبه ؛ فإن الشواهد التي أشار إليها كلها معلولة، وبعضها
أشد ضعفاً من بعض، وأحدها ماثل بين عينيك.

ثم أي متن يعني - مع الاختلاف المشار إليه - ؛ فإن منها هذا، ونحوه، ومنها:
" من مات في طريق مكة ؛ لم يعرض ولم يحاسب "، المتقدم (2804)، وما في
معناه ؟!
ثم هو بالإضافة إلى ذلك يُكَثّرُ الطرق.. وهي واحدة! غاية ما في الأمر أن
الرواة اضطربوا في إسناده ؛ بهما فعل في حديث عمر عند الطيالسي (12/ 65)

(14/754)


@@@ 755
وغيره، مقلداً في ذلك القاضي السبكي، وقد كشف ذلك في رده عليه العلامة
المحقق ابن عبد الهادي في كتابه القيم " الصارم المنكي في الرد على السبكي "،
وهو الحديث السادس منه (ص 86 - 91). فليراجع من شاء التحقيق.

6831 - (إن الله يمسخ خلقاً كثيراً في البر والبحر، وإن الرجل ليخلو
بشيء من محارم الله فراراً من الناس، وهو بعين الله، فيقول الله:
استهانة بي، وفراراً من الناس؟ فيمسخه ثم يعيده يوم القيامة في
صورة إنسان، يقول: كما بدأكم تعودون، ثم يدخله النار ).

موضوع.
أخرجه البخاري في " الضعفاء " من طريق عثمان بن مطر عن
عبد الغفور عن عبد العزيز بن سعيد عن أبيه [ عن جده ] مرفوعاً.
نقلته من " الميزان " و" اللسان " و " الدر المنثور " (3/ 77 - 78)، والزيادة
منه، والسياق من " اللسان ".

6832 - (من أضحى يوماً محرماً ملبياً حتى غربت الشمس ؛ غربت
بذنوبه كما ولدته أمه).

منكر.
أخرجه أحمد (3/ 373)، ومن طريقه أبو نعيم في " الحلية " (9/
229)، وابن ماجه (2925)، والعقيلي في " الضعفاء " (3/ 335)، وابن
عدي في " الكامل " (5/ 231)، والبيهقي في " السنن " (5/ 43)،
والخطيب في " الموضح " (1/ 160) من طرق عن عاصم بن عمر عن عاصم بن
عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن جابر بن عبد الله مرفوعاً.

(14/755)


@@@ 756
أورده العقيلي وابن عدي في ترجمة (عاصم بن عمر)، ورويا عن ابن معين
أنه قال:
" صاحب حديث: " من أضحى... "، ضعيف ليس بشيء".

وعلى تضعيفه العلماء ؛ ولذا قال الذهبي في " المغني ":
"ضعفوه ".

وقد خالفه في إسناده سفيان الثوري، فقال: عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله
ابن عامر بن ربيعة عن أبيه مرفوعاً. فجعله من مسند (عامر بن ربيعة).

أخرجه البيهقي أيضاً، وأخرجه في " الشعب " (3/ 448/ 428) من
طريق الطبراني عن سفيان وعبد الله بن عمر ؛ كلاهما عن عاصم بن عبيد الله به.
وأخرجه في " السنن " (5/ 70) من طريق آخر عن عبد الله بن عمر عن عاصم
ابن عمرعن عاصم بن عبيد الله به. وقال:
" إسناد ضعيف ".

وهو رواية للخطيب (1/ 161) عن عاصم بن عمر، وقال الطبراني:
" يعني: المحرم ينكشف للشمس ولا يستظل ".

قلت: فيترجح مما تقدم أن الحديث حديث عامر بن ربيعة ؛ لرواية سفيان
الثوري، لكن شيخه (عاصم بن عبيد الله) ضعيف. وقال الذهبي في " الكاشف ":
" ضعفه ابن معين. وقال (خ) وغيره: منكر الحديث".
وقد روي عنه بلفظ:

(14/756)


@@@ 757
" ما من رجل يضع ثوبه وهو محرم فتصيبه الشمس حتى تغرب ؛ إلا غربت
بخطاياه ".

وهذا مما يؤكد ضعفه ونكارته - كما هو ظاهر -، وقد سبق تخريجه برقم (5018)،
ونقلت هناك قول الهيثمي:
" رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف ".

وقد أشار البيهقي في " السنن " إلى نكارة الحديث ؛ لمخالفته للحديث الصحيح
عن أم الحصين قالت:
حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً رضي الله عنهما
وأحدهما آخذ بخطام ناقته، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة
العقبة.
رواه مسلم والبيهقي.

6833 - (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ لا
يُرِيدُ غَيْرَهُ، وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الْغُدُوِّ إِلا الصَّلاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، فَصَلَّى
فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْمُعْتَمِرِ
إِلَى بَيْتِ اللَّهِ).

منكر بهذا التمام.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (19/ 146/
319) من طريق يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي عن أبيه عن سعد بن
إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده مرفوعاً.

(14/757)


@@@ 758
قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ فيه علل ثلاث:
الأولى: إسحاق بن كعب هذا: مجهول، لا يعرف إلا برواية ابنه سعد - كما
في " تاريخ البخاري " و " الجرح " -، ومع ذلك ذكره أبن حبان في " الثقات " (4/
22) من رواية سعد!

الثانية: يزيد بن عبد الملك النوفلي، وهو: مجمع على ضعفه كما قال الذهبي
في "المغني ".. تبعاً لابن عبد البر، وقد نوقش، ولكنه ضعيف بلا ريب ؛ بل قال
البخاري:
" أحاديثه شبه لا شيء "، وضعفه جداً. وقال أبو حاتم:
" ضعيف الحديث منكر الحديث جداً ". وقال النسائي:
"متروك الحديث ".

وجزم الحافظ في " التقريب " بأنه ضعيف. وبه أعله الهيثمي (4/ 11)،
وخفيت عليه العلة الأولى والآتية.

الثالثة: يحيى بن يزيد النوفلي هذا: قال ابن أبي حاتم (4/ 2/ 198/
727):
" سألت أبي عنه ؛ فقال: منكر الحديث، لا أدري منه أو من أبيه، لا نرى
في حديثه حديثاً مستقيماً ".

والحديث قد صح مختصراً، وبدون ذكر الأربع ركعات، رواه جمع من حديث
سهل بن حنيف، وهو مخرج في " الصحيحة " برقم (3446)، وتحته رواية عنه
بلفظ الأربع ؛ ولكنها منكرة واهية.

(14/758)


@@@ 759
وقال المنذري في " الترغيب " (2/ 139/ 19) تحت حديث الترجمة:
" رواه الطبراني في " الكبير "، وهذه الزيادة في الحديث منكرة ".

6834 -( من أرسل بنفقته في سبيل الله، وأقام في بيته ؛ فله بكل
درهم سبع مئة درهم.
ومن غزا بنفسه في سبيل الله، وأنفق في وجه الله، فله بكل درهم
سبع مئة ألف درهم ، ثم تلا هذه الأية: { والله يضاعف لمن يشاء }).

منكر.
أخرجه ابن ماجه (2/ 922/ 2761)، وابن أبي حاتم في " التفسير "
(1/ 202/ 2 -203/ 1) بسند واحد عن ابن أبي فديك عن الخليل بن
عبد الله عن الحسن عن علي بن أبي طالب وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامة
الباهلي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله وعمران بن
الحصين ؛ كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:... فذكره. ولم يذكو ابن أبي
حاتم من هؤلاء الصحابة غير عمران بن الحصين.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ الحسن - هو: البصري، وهو -: مدلس، وقد
عتعنه. لكن الآفة من الخليل بن عبد الله، فإنه مجهول لا يعرف، وقد أشار إلى
هذا المنذري في " الترغيب " (2/ 157/ 3) بقوله فيه:
"لا يحضرني فيه جرح ولا عدالة ".

وصرح بذلك الحافظ الذهبي بقوله في " الميزان ":
" لا يعرف، ما روى عنه سوى ابن أبي فديك،. ونقل الحافظ في " التهذيب "

(14/759)


@@@ 760
عن الدارقطني أنه قال:
" مجهول ". وتبناه في " التقريب ".

وكذلك قال البيهقي في حديث آخر يأتي بعده. ثم قال الحافظ:
" قرأت بخط ابن عبد الهادي أنه قال: هذا حديث منكر. والخليل بن
عبد الله ؛ لا يعرف ". ثم قال المنذري:
" رواه ابن أبي حاتم عن الحسن عن عمران فقط، والحسن لم يسمع من
عمران، ولا من ابن عمرو. وقال الحاكم: أكثر مشايخنا على أن الحسن سمع من
عمران. انتهى. والجمهور على أنه لم يسمع من أبي هريرة أيضاً، وقد سمع من غيرهم. والله أعلم ".

وأقول: ليس الآن مجال تحقيق القول فيمن سمع الحسن من الصحابة ؛ فهذا
مجاله كتب التراجم. لكن الذي ينبغي أن يكون في البال: أن الحسن البصري
- مع جلالة قدره - معروف بالتدليس ؛ فلا بد له من التصريح بالتحديث عمن
سمع منهم حتى يكون متصلاً، والواقع هنا خلافه - كما رأيت -.

على أن الراوي عنه (الخليل بن عبد الله) هو الآفة الذي جمع هذا الحشد من
الصحابة، وزعم أن الحسن رواه عنهم! فهو منكر متناً وسنداً، وإلى الأول أشار
الحافظ ابن كثير في " تفسيره "، فقال (1/ 317) - وقد عزاه لابن أبي حاتم
فقط -:
" وهذا حديث غريب ".
وقد وهم في إسناد هذا الحديت حافظ متقدم، وجهلة متأخرون.

(14/760)


@@@ 761
أما الأول: فقد جاء في حاشية " تهذيب الكمال " للحافظ المزي أنه تعقب
صا حب " الكمال " بقوله:
" كان في الأصل: الخليل بن عبد الله، روى عن [ علي، و ] (1) أبي الدرداء،
وأبي هريرة، و... و... وعمران بن حصين، روى عنه ابن أبي فديك. وهذا
تخليط فاحش ؛ لم يدرك ابن أبي فديك أحداً من أصحاب هؤلاء ".

قلت: لقد تحامل المزي رحمه الله على صاحب " الكمال " ؛ فإن مثل هذا
الخطأ لا يكاد ينجو منه أحد، ومن الظاهرأنه سقط من قلمه عند جمعه لمادة
ترجمة (الخليل) ذكر الحسن البصري بينه وبين أولئك الصحابة ؛ ولذلك تلطف
الحافظ العسقلاني في توهيمه ؛ فلم يزد على قوله: " وهذا خطأ ".

وأما الجهلة المتأخرون: فهم الذين يستحقون أن يوصف عملهم بأنه:( تخليط
فاحش) ؛ فقد أفسدوا بجهلهم البالغ إسناد حديث ابن ماجه المذكور في " الترغيب "
على الصواب هكذا:
" وعن الحسن، عن علي بن أبي طالب وأبي الدرداء... " إلخ ؛ فجعلوه هم
هكذا:
" وعن الحسن بن علي بن أبي طالب، وأبي الدرداء..." إلخ ؛ فحرفوا (عن
علي) إلى: (ابن علي)!! فأسقطوا راوياً، وأدخلوا آخر لا أصل له فيه إا

وان من بالغ جهلهم وتظاهرهم بالتحقيق أنهم علقوا على الهامش فقالوا:
"في ( أ): عن ".
__________
( 1) سقط من الحاشية، واستدركته من " تهذيب التهذيب ".

(14/761)


@@@ 762
فهمشوا هذا الصواب، وأصّلوا الخطأ!!

ومن تعالمهم وتظاهرهم بالعلم أنهم عزوا الحديث إلى ابن ماجه برقمه المتقدم
مني ؛ دون أن يرجعوا إلى ابن ماجه ليصححوا ما قد يكون من خطأ في " الترغيب "
تأليفيّ أو طبعيّ، وهذه عادتهم الغالبة! لا يرجعون إلى الأصول، إلا لأخذ الأرقام
وتزيين تعليقاتهم بها، شنشنة تعرفها من أخزم. فلو أنهم فعلوا، ورجعوا إلى ابن
ماجه ؛ لما أفسدوا الرواية، ولستروا جهلهم بالرجال وتراجمهم، ولاستدركوا اسم
(عبد الله بن عمر) الذي سقط من مطبوعتهم!

ولكن إذا كانوا لم يرجعوا إلى الأصل ؛ فكان يكفيهم ردعاً لهم عن الإفساد
المذكور قول المنذري عقب الحديث:
" ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن عن عمران... " إلى آخر كلامه الذي حكى
فيه اختلاف العلماء في سماع الحسن من بعض الصحابة.

نعم ؛ لقد كان كافياً لردعهم عنه لو كانوا يقرؤون ولهم قلوب [ بها ] يفقهون ؛
{ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }.

6835 - (من بلغ الغازي إلى أهله ، أو كتاب أهله إليه ، كان له بكل
حرف فيه عتق رقبة ، وأعطاه الله كتابه بيمينه ، وكتب له براءة من النار ).

منكر جداً.
أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (4/ 35 - 36/ 4279)
من طريق الحاكم في "التاريخ " بإسناده عن إسماعيل بن أبي فديك عن الخليل
ابن عبد الله عن مكحول عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل مرفوعاً.
وقال البيهقي:

(14/762)


@@@ 763
" والخليل بن عبد الله مجهول، ومل الحديث منكر. والله أعلم ".
قلت: واستدركه السيوطي على " موضوعات " ابن الجوزي ؛ فأورده في " ذيل
الأحاديث الموضوعة" (ص 125) من طريق "تاريخ الحاكم"، ونقل كلام
البيهقي المذكور، وأقره.
وتعقبه ابن عراق في " تنزيه الشريعة " بقوله (2/ 184):
"قلت: لا يلزم من كون الحديث منكراً أن يكون موضوعاً، والشيخ جلال
الدين نفسه (يعني: السيوطي) قد اعترض على ابن الجوزي مراراً بأن الحديث
عند البيهقي، وأن البيهقي لم يخرج في كتبه حديثاً يعلمه موضوعاً، فكيف
يدخل هذا الحديث في " الموضوعات " ؟! والله أعلم ".

قلت: في هذا التعقب نظر من وجوه:

أولاً: ما ذكره من عدم اللزوم صحيح ؛ إذا وقف الناقد في نقده عند ضعف
السند أو الراوي فيه، وليس هذا من شأن العلماء والحفاظ والأئمة النقاد ؛ كالإمام
البخاري وأبي حاتم وابن حبان، والذهبي وابن عبد الهادي وابن القيم وشيخهما
ابن تيمية والعسقلاني وغيرهم، فإنهم ينظرون إلى المتن أيضاً، ويحكمون عليه
بالوضع، ولو لم يكن فيه كذاب أو وضاع ؛ لمخالفته للشرع أو العقل، أو
للواقع، أو لسماجة لفظية فيه، أو مبالغة ظاهرة، ونحو ذلك مما يلحظه أمثال الأئمة
المذكورين، وحديثنا اليوم من هذا القبيل ؛ فإن قوله فيه:
"... فإن له بكل حرف فيه عتق رقبة ".
فيه مبالغة ممجوجة باطلة ظاهرة ؛ فإن القرآن كلام الله إذا قرأه المسلم - وليس

(14/763)


@@@ 764
كتبه - ؛ له بكل حرف [ عشر ] حسنات، فكيف يكون لمن بلغ كتاب الغازي إلى
أهله له بكل حرف فيه عتق رقبة ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم!

ثانياً: قوله: " والشيخ (السيوطي) قد اعترض على ابن الجوزي... " إلخ.
فأقول: هذا صحيح ؛ ولكن لا حجة فيه ؛ لأن السيوطي رحمه الله متساهل
في نقد الأحاديت، وكتابه " الجامع الصغير " الذي زعم في مقدمته أنه صانه مما
تفرد به كذاب أو وضاع! قد اغتص بالأحاديث الموضوعة - كما تراه جلياً في
كتابي " ضعيف الجامع الصغير " -، ومن أسباب ذلك وقوفه في النقد عند السند
فقط - كما سبق -، وهو الذي يسميه اليوم بعضهم بالنقد الخارجي ؛ وان كان أحياناً
تتفتح قريحته ؛ فيسلك سبيل الأئمة قينتقد المتن أيضاً، وهو النقد الداخلي عند ذاك
البعض - كما تراه فعل في حديثنا هذا ؛ فأصاب -.

ثالثاً: قوله: "... وأن البيهقي لم يخرج في كتبه حديثاً يعلمه موضوعاً... ".
قلت: نعم ؛ هذا واجب كل عالم، ولكن الاجتهاد قد يختلف ؛ فكما أنهم
يختلفون أحياناً في التصحيح والتضعيف، فكذلك قد يختلفون في الحديث هل هو
موضوع أو ضعيف ؟ والله عز وجل يقول: { ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا
الخيرات }.

من أجل ذلك يجب على أهل العلم أن لا يقلد بعضهم بعضاً، وأن يتسابقوا
إلى معرفة الخير والعمل به، وقد تبين لي بتتبعي لنقد البيهقي للأحاديث
وأسانيدها ورجالها أنه متساهل، وضنين جداً بإعطائها حقها من النقد، فما أتذكر
أنه قال في حديث ما: (إنه موضوع)، أو في راويه: (إنه كذاب أو وضاع)، وقد
راجعت من أجل ألتثبت من هذا الذي ذكرت المجلد الأول من كتابي " سلسلة

(14/764)


@@@ 765
الأحاديث الضعيفة "، وتتبعت فيه كل الأحاديث التي كان البيهقي من رواتها،
وحكم عليها الأئمة الحفاظ بالوضع والبطل ؛ فلم أجد فيها ولا حديثاً واحداً
شاركهم في حكمهم المشار إليه، أو في اتهام رواتها بالوضع! أو أن يقول في
أحدهم: (كذاب)، ولو أطلقه مثل البخاري عليه.

وإاليك الآن الإشارة إلى تلك الأحاديث الموضوعة التي خالف البيهقي الأئمة
فيها مكتفياً بذكر أرقامها حتى لا يطول البحث، فمن شاء التثبت ؛ راجعها في
المجلد المذكور أنفاً:
(25، 47، 70، 89، 95، 6 0 1، 8 0 1، 5 1 1، 45 1، 48 1، 0 5 1، 0 6 1،
64 1، 0 7 1، 78 1، 2 0 2، 3 0 2، 226، 231 (وهذا مما أقر السيوطي ابن الجوزي
على وضعه، مع أنه ليس فيه متهم!)، 240، 258،257،241، 323،321،
341، 370، 375، 380، 381، 388، 439، 476، 489).
وبعضه هذه الأحاديث مما سكت عنها البيهقي، ولم يشرالى ضعفها مطلقاً!
كالحديث (90) وغيره.

وبعضها قد تكلم عليها أو على رواتها، بتضعيف ليّن تارة، وبتضعيف شديد
تارة، وكل ذلك مما ينافي البيان والتصريح بالحكم على الحديث بالوضع.

مثال الأول: الحديث (25)، وهو في توسل أدم بالنبي صلى الله عليهما
وسلم، فقال في أحد رواته:
"ضعيف ".
مع أن شيخه الحاكم - وهو أشهر منه في المتساهل - قال فيه:

(14/765)


@@@ 766
" روى أحاديث موضوعة، والحمل فيها عليه "! ولذلك قال الذهبي في
الحديث:
" باطل موضوع " - كما تراه مبسوطاً هناك -.
وأكثر الأحاديث المشار إليها من هذا القبيل.
ومثال تضعيفه الشديد - دون الحكم على الحديث بالوضع - الحديث (381):
" ليس من أخلاق المؤمن الملق ؛ إلا في طلب العلم". فقال في راوييه:
" الحسن بن دينار ضعيف بمرة، وكذلك خصيب بن جحدر ".
مع أن البخاري قال في (الخصيب) هذا:
" كذاب ".
و (الحسن بن دينار): كذبه أحمد ويحيى وأبو حاتم وغيرهم - كما تراه أيضاً
مبيناً هناك -.
ومما تقدم يتبين للناظر البصير سقوط تعقب ابن عراق للسيوطي في حكمه
على الحديث بالوضع، لأنه تعقب قاثم على تقليد السيوطي للبيهقي في أحكامه
الخالفة لأحكام ابن الجوزي، والتقليد ليس علماً، ولا سيما وقد أثبث بالأمثلة
المتقدمة تساهل البيهقي، فلا يجوز الاعتماد عليه في الرد على من استقل في
النظر، وسلك سبيل ابن الجوزي وغيره في نقد المتن أيضاً فأصاب، لأنها سبيل
الحفاظ النقاد - كما تقدم -.
وما لنا نذهب بعيداً ، فهذا مثال جديد لنقد أحد الحفاظ متن هذا الحديث،
وبإسناد آخر رجاله كلهم ثقات لا مغمز فيهم، ألا وهو: أبو حاتم الرازي، فقد قال

(14/766)


@@@ 767
ابنه في " العلل " (1/ 327/ 975):
" سألت أبي عن حديث رواه موسى بن أيوب عن الجراح بن مليح عن أرطاة
ابن المنذر عن عبادة بن نسيّ عن ابن غنم عن معاذ بن جبل مرفوعاً ؟

قال أبي: هذا يشبه الموضوع، يشبه حديث محمد بن سعيد الأردني أخذه
عنه، يشبه أنه وقع إليه، وأرطاة لم يسمع من عبادة بن نسيّ شيئاً ".

قلت: والشاهد من هذا واضح إن شاء الله تعالى ؛ فإنه رغم أن الاسناد المذكور
رجاله ثقات - كما ذكرت آنفاً - وكلهم شاميون ؛ فإن أبا حاتم نظر في متنه وقال:
"يشبه الموضوع ". ثم إنه لما لم يجد في رجاله قدحاً، قال:
" يشبه حديث محمد بن سعيد الأردنيّ ".

وهو الشامي الوضاع المصلوب في الزندقة - كما هو معروف في كتب الرجال - ؛
وإنما اتهمه به ؛ لأن مثل هذا المتن لا يرويه إلا أمثاله من الوضاعين، وساعده على
ذلك أنه يعلم [ أنه ] روى عن عبادة بن نسي. وانضم إلى ذلك الانقطاع - الذي
أشار إليه - بين أرطاة وعبادة (1)، فناسب أن يقول:
(إن أرطاة أخذه منه). ولكنه لم يجزم بذلك فقال:
" يشبه أنه وقع إليه ".
هذا ما فهمته من كلامه، وهو من دقائق نقده الذي لا يستطيع أن ينهض به
إلا من كان مثله من كبار الحفاظ النقاد.
__________
(1) ونقله الحافظ ابن حجر في " التهذيب " عنه وأقره. وهو من الفوائد التي فاتت على
المعلقين على " تهذيب الكمال " للمزي فلم يستدركوها.

(14/767)


@@@ 768
ذلك ؛ وقد كنت نبهت منذ القديم على خطأ القول أن البيهقي لا يورد في
كتابه " الشعب " ما كان موضوعاً، في غير ما موضع ؛ كالجلد الأول من هذه
" السلسلة "، (ص 560 - الطبعة الجديدة) وفي غيره كثير، وبينت فيها أن
البيهقي من المتساهلين، وكلما ازددت علماً واطلاعاً على كلامه على الأحاديث ؛
ازددت يقيناً بذلك، مع الاعتراف بسعة حفظه وعلمه، وأنه خير من شيخه الحاكم
في مجال النقد بكثير.

لان من الآثار السيئة للتساهل المذكور، وعدم إعطاء الحديث أو راويه حقه من
النقد الصحيح ؛ أنه قد لا يتيسر لبعض الباحثين الوقوف على إسناد الحديث الذي
تساهل بعض المتقدمين في نقده فضعفه، وهو شديد الضعف أو موضوع، فيعتمد
الباحث على تضعيفه، ويستشهد به لحديث آخر ضعيف ويقويه! وهذا ما وقع
للشيخ المباركفوري رحمه الله ؛ فقوى حديث أبي رافع في الأذان في أذن المولود
بحديث أم الصبيان، وهو موضوع مخرج برقم (321)، وعذره أنه اعتمد في أنه
ضعيف على حكم البيهقي، ولم يتيسر له الوقوف على إسناده، وهذا مما لا ينجو
منه أحد من كبار الحفاظ فضلاً عن أمثالنا من المتأخرين، فوقع في الخطأ الشنيع،
وهوتقوية الضعيف بالموضوع الذي لا يجوز باتفاق العلماء!

وقد وقع لي مثله ؛ فقد كنت قويت أيضاً في " الإرواء " (4/ 400 - 401)
حديث أبي رافع بحديث آخر اغتراراً أو ثقة بتضعيف البيهقي اياه، لأني لم أكن
يومئذ قد اطلعت على إسناده، فلما وقفت عليه ؛ وجدت فيه (محمد بن يونس
الكديمي) الكذاب! وغيره! فتراجعت عن التقوية، وبادرت إلى بيان هذه الحقيقة
بتخريج الحديث، والكشف عن تساهل البيهقي فيما سبق من هذه " السلسلة "
برقم (6121). والله المستعان.

(14/768)


@@@ 769
ويبدو أن المعلق على " مسند أبي يعلى " قد وقع في مثل ما كنت وقعت فيه،
فقوّى الحديث بالحديت الآخر المشار إليه، ولا أستبعد أن يكون تلقى ذلك من
" الإرواء " أو " الضعيفة " (321) ؛ فإنه كثير الاستفادة من كتبي مثل كثير من
المؤلفين أو الكاتبين في العصر الحاضر، ولكن دون حمد أو شكر!

6836 - ( الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ مَعْقُودٌ أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ
رَبَطَهَا عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا احْتِسَابًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ
شِبَعَهَا وَجُوعَهَا وَرِيَّهَا وَظَمَأَهَا وَأَرْوَاثَهَا وَأَبْوَالَهَا فَلَاحٌ فِي مَوَازِينِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَمَنْ رَبَطَهَا رِيَاءً وَسُمْعَةً وَفَرَحًا وَمَرَحًا فَإِنَّ شِبَعَهَا وَجُوعَهَا وَرِيَّهَا
وَظَمَأَهَا وَأَرْوَاثَهَا وَأَبْوَالَهَا خُسْرَانٌ فِي مَوَازِينِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

ضعيف بهذا التمام.
أخرجه أحمد (6/ 455): ثنا أبو النضر: ثنا
عبد الحميد: حدثني شهر بن حوشب قال: حدثتني أسماء بنت يزيد: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال:... فذ كره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ للكلام المعروف في (شهر بن حوشب)، وهو ممن
اختلفت فيه أقوال الحفاظ المتقدمين منهم والمتأخرين، وغاية ما قيل في حديثه أنه
حسن ؛ وذلك يعني: أن في حفظه ضعفاً، وذلك مما صرح به مَن جرحه - كأبي
حاتم وابن عدي وغيرهما -، وهو الراجح الذي دل عليه تتبع أحاديثه ؛ فإنه في كثير
منها يظهر ضعف حفظه ومخالفته لأحاديث الثقات مثل هذا الحديث - كما
سأبينه إن شاء الله تعالى -، وهو الذي انتهى إليه الحافظ فقال في " التقريب ":
" صدوق، كثير الإرسال والأوهام ".

(14/769)


@@@ 770
و (أبو النضر) شيخ أحمد - هو: هاشم بن القاسم بن مسلم البغدادي، وهو -:
ثقة ثبت من رجال الشيخين - كما قال الحافظ -.
ولأحمد فيه شيخ آخر، فقال ((6/ 458): ثنا وكيع: ثنا عبد الحميد...
فذكره بإسناده مختصراً بلفظ:
" من ارتبط فرساً في سبيل الله، وأنفق عليه احتساباً ؛ كان شبعه وجوعه وريه
وظمأه وبوله وروثه في ميزانه يوم القيامة. ومن ارتبط فرساً رياءً وسمعة ؛ كان ذلك
خسراناً في ميزانه يوم القيامة ".
وعن هذا الشيخ أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً في " المصنف " (12/ 482/
15339).
قلت: ووكيع - هو : ابن الجراح الرؤاسي، وهو -: ثقة حافظ من رجال الستة ؛
فالاختلاف الظاهر في نص الحديث، ليس منه وأبي النضر، ولامن شيخهما
(عبد الحميد بن بهرام)، وإنما هو من (شهر) نفسه ؛ فقد أثنى أحمد على حفظ
(عبد الحميد) لأحاديث (شهر)، فقد روى ابن عدي في " الكامل " (4/ 38)
عن أحمد أنه قال:
" عبد الحميد بن بهرام: أحاديثه متقاربة هي حديث شهر، وكان يحفظها
كأنه يقرأ سورة من القرآن، وإنما هي سبعون حديثاً، وهي طوال، وفيها حروف
ينبغي أن تضبط، لكن يقطعونها ".

لكن ابن عدي ختم ترجمة (شهر) - بعد أن ساق له أحاديث - بقوله:
"وله أحاديث غير ما ذكرت، وبروي عنه عبد الحميد بن بهرام أحاديث

(14/770)


@@@ 771
غيرها، وعامة ما يرويه هو وغيره من الحديث فيه من الإنكار ما فيه، و (شهر)
ليس بالقوي في الحديث، وهو ممن لا يحتج بحديثه ولا يتدين به".

قلت: وحديثه هذا يصلح شاهداً قوياً لما ذكره ابن عدي من الإنكار ؛ فإن
الحديث قد جاء من حديث أبي هريرة في " الصحيحين " وغيرهما بأتم من هذا،
وليس فيه كثير من الألفاظ التي في حديث (شهر)، وأنكرها عندي (الجوع)
و (الظمأ)، ولذلك اعتبرت قول المنذري عقب الحديث في " الترغيب " (2/
160/3):
"رواه أحمد بإسناد حسن ".

غير حسن! ولذا لم يوافقه الهيثمي، مع أنه في الغالب لا يخرج عن قوله
- كما تبين لي بالتتبع -، وتقدمت نماذج كثيرة على ذلك ؛ بل إنه قد خالفه
صراحة، فقال عقب الحديث (5/ 261):
"رواه أحمد، وفيه شهر، وهو ضعيف ".

هذا مع أنه في كثيرمن الأحيان يحسن حديثه ؛ كما لا يخفى على من يتتبع
كلامه على أحاديث، في هذه " السلسلة " وغيرها.

ولذلك فلم يحسن المعلقون الثلاثة في تقليدهم المنذري في التحسين، وزادوا
على ذلك أنه وقع في تخريجهم بتر وتخليط، يليق بما يدعونه من التحقيق، فقالوا
(2/219):
" حسن، رواه أحمد (6/ 455)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/
261): رواه أحمد وفيه شهر. قال أحمد: روى عن أسماء بنت يزيد أحاديث

(14/771)


@@@ 772
حساناً. ميزان الاعتدال (2/ 283) ".

قلت: فبتروا من كلام الهيثمي قوله: " وهو ضعيف "! وأحلوا محله - وخلطوا
بكلامه - ما نقلوه عن " الميزان "! ونتج من ذلك أنهم نسبوا إلى الهيثمي التحسين!
وهذا كذب ظاهر ؛ فإن كان هذا منهم عن عمد وقصد ؛ فهي خيانة علمية جلية ؛
وإن كان بدون قصد ؛ فهو دليل على أن دعواهم أنهم من أهل التحقيق ليس
بصحيح. والله المستعان.

6837 - (نعمَ لهو المؤمن الرمي، ومن تعلم الرمي ثم تركه ؛ فقد
عصاني).

منكر.
أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2/ 121) من طريق ابراهيم
ابن سلام: ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن
ابن عمر مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ رجاله ثقات رجال الشيخين ؛ غير ابراهيم بن
سلام، والظاهر أنه الراوي عن عبد المجيد بن عبد العزيز الدراوردي وابن عيينة
المترجم في " اللسان " ؛ فإنهما من طبقة شيخه هنا (ابن وهب)، وقد قال فيه أبو
أحمد الحاكم:
" ربما روى ما لا أصل له ". وقال الدارقطني:
"ضعيف ".
قلت: فهو الذي ركب هذا الإسناد الصحيح، على هذا الحديث المنكر. والله
سبحانه وتعالى أعلم.

(14/772)


@@@ 773
والشطر الثاني من الحديث قد رواه غيره بإسناد آخر لابن وهب ؛ فقال ابن
ماجه (2814): حدثنا حرملة بن يحيى المصري: أنبأ عبد الله بن وهب:
أخبرني ابن لهيعة عن عثمان بن نعيم الرعيني عن المغيرة بن نهيك: أنه سمع
عقبة بن عامرمرفوعاً بلفظ:
" من تعلم الرمي ثم تركه ؛ فقد عصاني ".

وحرملة بن يحيى: ثقة من رجال مسلم.
وقد توبع ؛ فقال الروياني في " مسنده " (1/ 96 1/ 262): نا أحمد: نا
عمي: حدثني ابن لهيعة به.
وأحمد هذا - هو: ابن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم المصري، وهو -: ثقة
من شيوخ مسلم.
وعمه هو: (عبد الله بن وهب).

قلت: فهذا هو المحفوظ عن ابن وهب ؛ ليس فيه الشطر الأول، وهو مما يوهن
رواية (إبراهيم بن سلام) إياه عنه، ويؤكد نكارته، وهذا لا يعني أن إسناد هذا
الحفوظ صحيح. كلا ؛ فإن المغيرة بن نهيك والراوي عنه مجهولان.

لكن الشطر الثاني قد صح من طريق آخر عن عقبة بلفظ:
"... فليس منا، أو قد عصى".

رواه مسلم وغيره هكذا على الشك، ولم يذكر بعضهم: " أو عصى". ولعله
أرجح، وقد خرجته في " الصحيحة " (3448).

(14/773)


@@@ 774
ثم ان حديث الترجمة قد أورده السيوطي في " الجامع الكبير " (2/ 855)
من رواية أبي نعيم عن ابن عمرو. هكذا وقع فيه (عمرو)، وهو خطأ من الناسخ،
وما قبله خطأ من المؤلف ؛ لأنه أطلق العزو ولم يقيده بـ " أخبار أصبهان "!

وعزاه في " الدر المنثور " (3/ 193) للقراب عن ابن عمر رضي الله عنهما
به ؛ إلا أنه قال:
" ومن ترك الرمي بعدما علمه ؛ فهو نعمة تركها ".

وهو بهذا اللفظ روي عن عقبة من طريق آخر.. فيه اضطراب وجهالة، وقد
بينت ذلك في " ضعيف أبي داود " (432).

(فائدة): القراب هذا هو: أبو يعقوب إسحاق بن اسحاق بن ابراهيم
السرخسي ثم الهروي الحافظ، ترجمه الحافظ الذهبي في " السير " (17/ 570 -
572)، ونعته بـ:
"الشيخ الإمام الحافظ الكبير المصنف... "، ثم قال:
"وكان ممن يرجع إليه في العلل، والجرح والتعديل، مات سنة (429) وقع
لنا كتاب " الرمي " له".

قلت: وقد عزا السيوطي إليه أحاديث أخرى في فضل الرمي، وسكت عنها
كغالب عادته ؛ فلا أدري أهو في ذلك تابع لمؤلفه، أم هو حذف كلامه عليها ؟ وهذا
مما أستبعده. والله أعلم.
وبهذه المناسبة أقول:
لقد وقفت على حديث غريب منكر في فضل الرمي، سكت عنه البيهقي،

(14/774)


@@@ 775
فرأيت تخريجه وبيان علله ؛ وهو التالي:

6838 - (وجبت محبتى على من سعى بين الغرضين بقوسي لا بقوس كسرى).

منكر.
أخرجه البيهقي في " السنن " (10/ 15) من طريق محمد بن محمد بن
سليمان الباغندي: ثنا عبد الله بن معبد الحراني: ثنا ابن لهيعة عن
أبي الزبير عن جابر مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم ؛ مسلسل بالعلل:
أولاً: عنعنة أبي الزبير ؛ فإنه مدلس.
ثانياً: ابن لهيعة: ضعيف سيئ الحفظ.
ثالثاً: عبد الله بن معبد الحراني: لم أجد له ترجمة.
رابعاً: الباغندي: حافظ مشهور ؛ ولكنهم طعنوا فيه، فقال الذهبي في " الميزان ":
" كان مدلساً، وفيه شيء. قال ابن عدي: أرجو أنه كان لا يتعمد الكذب ".

قلت: ونص كلام ابن عدي في " الكامل " (6/ 300):
" وللباغندي أشياء أنكرت عليه من الأحاديث، وكان مدلساً ؛ يدلس على
ألوان، وأرجو أنه لا يتعمد الكذب ".

قلت: ومن تلك الألوان ما بينه الدارقطني بقوله:
" مخلط، مدلس ؛ يكتب عن بعض أصحابه، ثم يسقط بينه وبين شيخه

(14/775)


@@@ 776
ثلاثة، وهو كثير الخطأ. رحمه الله ".

6839 - (سيكون في آخر الزمان أمراة جورة، فمن خاف سيوفهم،
وسهمهم، وسوطهم ؛ فلا يأمر بالمعروف، ولا ينه عن المنكر).

باطل موضوع.
أخرجه الخطيب في " تلخيص المتشابه " (1/ 533) من
طريق إسماعيل بن يحيى عن سعيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن سعيد بن
المسيب قال: حدثني زيد بن ثابت مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع ؛ من أباطيل (إسماعيل بن يحيى) - وهو: التيمي -،
كذاب وضاع، وقد مضى له من موضوعاته الشيء الكثير، وقد قال ابن عدي في
آخر ترجمته (1/ 308):
" وله أحاديث غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه من الحديث بواطيل ؛ عن
الثقات وعن الضعفاء ".

6840 - ( لا تضربوا إماءكم على كسر إنائكم ؛ فإن لها آجالاً كآجال
التاس).

منكر.
ذكره ابن حبان في " الضعفاء " (1/ 327) معلقاً، ومن طريقه ابن
الجوزي في " العلل " (2/ 265/ 256 1) وقال: روى سعيد بن هبيرة العامري
عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعاً. وقال ابن الجوزي:
"حديث لا يصح. قال ابن حبان: سعيد بن هبيرة يحدث بالموضوعات عن
الثقات، لا يحل الاحتجاج به بحال ".

(14/776)


@@@ 777
قلت: وأورده ابن طاهر المقدسي في " تذكرة الموضوعات " (ص 106) وقال:
" فيه سعيد المروزي، كان يتهم بالوضع ".

ولما نقل الذهبي في " الميزان " كلام ابن حبان مع الحديث ؛ أقره.
وتبعه الحافظ في " اللسان "، وذكر أن أبا حاتم قال:
" ليس بالقوي، روى أحاديث أنكرها أهل العلم". وفي " المغني " للذهبي:
"اتهمه ابن حبان وابن عدي ".
ولم أر له ترجمة في " كامل " ابن عدي ؛ فلينظر.

هذا ؛ وقد كنت خرجت الحديث قديماً في المجلد الثاني من هذه " السلسلة "
برقم (938) من رواية أبي نعيم بإسناد آخر عن كعب بن عجرة، ضعفته بعلل
أربع ذكرتها. تبين لي الآن - بعد أن وقفت على مصدر جديد للحديث - أن العلة
القادحة هي من راو آخر...، وأنني كنت وهمت - بسبب فقدان المصدر المشار إليه -
في تحديد هوية أحد رواته، أما وقد تجلى لي الآن أنه العلة، فكان لا بد من
الكشف عنها، وكنت أود أن يكون هذا التحقيق الجديد هناك عندما يعاد طبع المجلد
الثاني ؛ لو كان هناك ما ينبئ بتيسر ذلك من قريب، وهذا ما أجهله ؛ ولذلك رأيت
أن أبادر إلى كتابته هنا مع الإشارة إليه هناك، والله تعالى من وراء القصد، فأقول:
أخرج أبو نعيم في " الحلية " (10/ 26) من طريق يعقوب بن عبد الرحمن
الدّعاء: [ ثنا ] جعفر بن عاصم، والخطيب في " تلخيص المتشابه " (1/ 532 -
533 ط) من طريق ابن عدي الحافظ: نا جعفر بن أحمد بن عاصم - بدمشق -،
والديلمي في " مسند الفردوس " (4/ 156 - الغرائب الملتقطة) من طريق محمد

(14/777)


@@@ 778
ابن العباس المري قالا: ثنا أحمد بن أبي الحواري: ثنا عباس بن الوليد - زاد
الخطيب: المشرقي (1) -: قال: حدثني علي بن المديني عن حماد بن زيد عن مالك
ابن دينار عن الحسن عن كعب بن عجرة مرفوعاً.

أورده الخطيب تحت ترجمة (عباس بن الوليد المشرقي)، وقال:
" حدث عن علي بن المديني حديثاً منكراً، رواه أحمد بن أبي الحواري ".
وهذه فائدة عزيزة لم ترد في " الميزان " ولا في" اللسان "، بهذه النسبة التي
تميزه عن غيره ممن يشاركونه في اسمه واسم أبيه ؛ فكان ذلك هو السبب الذي
دعاني هناك أن أحاول الكشف عن هويته ؛ حيث إنه لم يقع منسوباً في رواية أبي
نعيم - كما رأيت - ؛ فكان أنني ظننته غيره - كما تراه هناك -، مع أنني نقلت ثمة
عن المناوي أنه قال في " الفيض ":
" أورده في " الميزان " في ترجمة العباس بن الوليد الشرقي (2) وقال: ذكره
الخطيب في " الملخص "، فقال: روى عن ابن المديني حديثاً منكراً... " إلى آخر
كلامه المتقدم.
فتشككت في هذا ؛ لأنه عزاه لـ " الميزان " ولا وجود لهذه الترجمة فيه.
وعلقت على " الملخص " بقولي:
" كذا، ولعل الأصل: (التلخيص) ".
__________
(1) بفتح الميم وسكون المعجمة وكسر الراء، وفي آخرها القاف، كما في " الأنساب ".
(2) كذا وقع في " الفيض " بل هو فيه (الشرفي) بالفاء! ودون الميم ا ومن الغريب أنه وقع في
نقل المعلق على " العلل " (النرسي)، فلعله سبق ذهن أو قلم من المعلق الفاضل.

(14/778)


@@@ 779
والآن، فقد انكشف الغطاء، وتبينت الحقيقة، وأن ما عزاه للخطيب صحيح،
وفي " التلخيص "، ولكن عزوه ذلك لـ " الميزان " ليس بصحيح، الا أن يكون
ذلك في بعض النسخ منه، وهذا ما أستبعده ؛ لأن ترجمة " المشرقي " هذا لم ترد
في كتابه الآخر " المغني "، وهو في الغالب [ تبع ] لـ " الميزان ". والله أعلم.

ثم تكشفت لي حقيقة وهي أن (العباس بن الوليد المشرقي) هذا قد ترجمه
الحافظ في " اللسان "، ولكن بغير هذه النسبة ؛ فقال (3/ 245 - 246):
" ز - العباس بن الوليد: نزيل إفريقية، يعرف بـ (ابن الفارسي)، سمع حماد
ابن زيد، وأبا الأحوص، وابن عيينة، قال أبو العرب الصقلي: كان حافظاً،
وأحسبه لقي مالكاً. قلت: إلا أنه أتى عن ابن عيينة بخبر باطل بالإسناد
الصحيح، فما أدري الآفة منه، أو ممن بعده. أورده صاحب " تاريخ القيروان " عنه
عن ابن عيينة عن ابن أبي مليكة عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما
رفعه: أوقدوا مصابيح منازلكم عند الغروب ؛ تستغفر لكم الملائكة وأركان البيت،
ومن ترك ذلك استبقاء الزيت ؛ نقص من زيته كل يوم سبعون نقطة من حيث لا
يعلم... " الحديث ".

قلت: فأنا أظن أنه هذا المشرقي. والله أعلم.
ثم رأيت السيوطي قد أورد حديث معاذ هذا في " الدرر المنتثرة " (205/
444) بإسناد أبي نعيم ساكتاً عليه! وهو في ذلك تابع للحافظ السخاوي في
" المقاصد " (463/ 295 1)، وقد ذكره بلفظ:
" لا تغضبوا، ولا تسخطوا في كسر الآنية... " والباقي مثله، وقال:

(14/779)


@@@ 780
رواه سعيد بن يعقوب في " الصحابة " بسند ضعيف من طريق عبد الله بن
الصعق عن أبيه مرفوعاً. وكذا أورده أبو موسى المديني في " الذيل " من جهة
سعيد. وسنده ضعيف، لا سيما وقد قال وسعيد: لا أدري للصعق صحبة أم لا ؟"

وأقول: لم يذكروا ما يدل على صحبته إلا هذا الحديث، وهو - كما ترى - لم
يصرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان ؛ فلا تثبت ؛ لأن ابنه عبد الله نكرة لا
يعرف إلا في هذا الحديث، وليس له يذكر في كتب الجرح والتعديل - فيما اطلعت - ؛
ولذلك قال الحافظ الذهيي في " تجريد أسماء الصحابه ":
" حديث منكر". ومع ذلمك قال عقب ما نقلته عته:

" قلت: للحديث،شواهد منها عن كعب بن عجرة ...والديلمي عن أبي
قتادة وآخرين "!

واختصر كلامه الشوكاني اختصاراً شديداً، فأورد الحديث في " الفوائد
المجموعة " (252/ 747) بلفظ (الصعق) وقال:
" إسناده ضعيف، وله شواهد ".
ولم أدر من هم الذين وأشار إليهم السخاوي بقوله: " وآخرين "!

وأما حديث أبي قتادة فهو في " الفردوس " للديلمي (5/ 53/ 7438) مثل
حديث الترجمة، لكني لم أقف على إسناده، ولم أجده في " الغرائب الملتقطة ". والله أعلم.

(14/780)


@@@ 781
8641 - (رأيت جعفراً يطير في الجنة ، تدمى قادمتاه، ورأيت زيداً
دون ذلك، فقلت: ما كنت أظن أن زيداً دون جعفر. فأتاه جبريل فقال:
إن زيداً ليس بدون جعفر، ولكنا فضلنا جعفراً لقرابته منك).

موضوع بهذا التمام.
قال ابن سعد في "الطبقات" (4/ 38): أخبرنا
محمد بن عمرقال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه
قال:... فذكره مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع ؛ آفته (محمد بن عمر) - وهو: الواقدي -: متهم بالوضع.
وشيخه (عبد الله بن محمد بن عمر بن علي) - هو: العلوي -. قد روى عنه
جماعة من الثقات ؛ كابن المبارك وغيره، وذكره ابن حبان في " الثقات "
(7/ 1 - 2) وقال:
" يخطئ ويخالف ". وقال الذهبي في " المغني ":
" قال ابن المديني: وسط - وقال غيره: صالح الحديث ". وقال في "الكاشف ":
" ثقة".
قلت: وفيه مبالغة ظاهرة، والأقرب أنه وسط، ونحوه قول الحافظ في " التقريب ":
" مقبول ". والله أعلم.

وأبوه محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: قال الذهبي في " الكاشف ":
" ثقة ". والحافظ في " التقريب ":
" صدوق من السادسة ".

(14/781)


@@@ 782
قلت: فالحديث معضل ؛ فهي علة أخرى. لكن قد روي مسنداً من طريق
إسحاق بن ابراهيم بن سُنين: ثنا المنذر بن عمار بن حبيب بن حسان: ثنا معن
ابن زائدة الأسدي الكوفي - قاثد الأعمش - عن الأعمش عن أبي صالح عن
ابن عباس مرفوعاً بلفظ:
" رأيت كأني دخلت الجنة، فرأيت لجعفر درجة فوق درجة زيد، فقلت: ما
كنت أظن أن زيداً يدون أحداً (كذا)، فقيل لي: يا محمد! تدري بما رفعت درجة
جعفر ؟ قال: قلت: لا. قيل: لقرابة ما بينك وبينه ".

أخرجه الحاكم (3/ 210) وقال:
"صحيح الإسناد"! ورده الذهبي بقوله:
" قلت: منكر، وإسناده مظلم ".

قلت: كأنه يشير إلى جهالة المنذر بن عمار، وكذا شيخه (معن بن زائدة
الأسدي الكوفي قائد الأعمش)، والمذكور في الرواة عن الأعمش: (أبو مسلم
الكوفي قائد الأعمش) -، واسمه: (عبيد الله بن سعيد) -: قال البخاري:
"فيه نظر".

فلعله هو صاحب هذا الحديث ؛ غيّر اسمه الراوي عنه عمداً أو خطأ، أو (ابن
سُنين) هذا، وهو الخُتلي مؤلف كتاب " الديباج " ؛ فإن فيه ضعفاً. قال الذهبي
في " الميزان ":
" قال الدارقطني: ليس بالقوي. وكذا قال الحاكم. وقال مرة: ضعيف ".
وقد جاء ذكر زيد في رواية أخرى بلفظ أخر ؛ يرويه سالم بن أبي الجعد قال:

(14/782)


@@@ 783
" أريهم النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، رأى جعفرا ملكا ذا جناحين مضرجا بالدماء ،
وزيدا مقابله على السرير ، وابن رواحة جالساً معهم كأنهم معرضون عنه ".

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 1/ 4 0 1/ 2248 1): حدثنا
يحيى بن آدم قال: ثنا قطبة بن عبد العزيزعن الأعمش عن عدي بن ثابت عنه.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم ؛ لكنه مرسل، قال الحافظ
في " التقريب ":
"سالم بن أبي الجعد... ثقة، وكان يرسل كثيراً، من الثالثة).

ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (2/ 106 -
107) دون: " وا بن رواحة... ".

ثم رواه (108/ 1473) من طريق أبي كريب: ثنا يحيى بن آدم به مختصراً
بلفظ:
" أري رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم أصحاب مؤتة فرأى جعفراً ..." الحديث ؛ دون
قوله: " وزيداً... " إلخ.

ورواه أبو أسامة قال: قال سالم بن أبي الجعد قال: حدثنا أبو القاسم
الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" دخلت الجنة، فرأيت جعفراً ذا الجناحين مضرجاً بالدماء ".

أخرجه الدولابي في " الكنى والأسماء " (1/ 158).
ورجاله ثقات ؛ غير أبي القاسم الأنصاري فلم أعرفه.

(14/783)


@@@ 784
ورواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سالم بن أبي الجعد عن أبي
اليسر عن أبي عامر قال:
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام [ فلما رجعت ] ؛ مررت على أصحابي، وهم
يقاتلون المشركين بـ (مؤتة)... فذكر قصة استشهاد جعفر وزيد وإبن رواحة،
وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كان الذي رأيتم مني أنه أحزنني قتل أصحابي، حتى رأيتهم في الجنة
إخواناً على سرر متقابلين، ورأيت في بعضهم إعراضاً كأنه كره السيف، ورأيت
جعفراً ..." الحديث ؛ دون قصة زيد وابن رواحة.

أخرجه ابن سعد (2/ 129 - 130).
وهذا مسند - كما هو ظاهر - ؛ لكن (أبو اليسر) هذا لم أعرفه، وكذلك أبو
عامر، لكن أورده الحافظ في " الإصابة " من رواية ابن منده من طريق عيسى بن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن سالم..." فذكرطرفه الأول، وقال:
" كذا فيه، ولعله والد عامر ".

وفاته عزوه لابن سعد -، ثم لا أدري هل ما وقع في روايته أنه: (محمد بن
عبد الرحمن بن أبي ليلى)، أم ما في " الإصابة ": (عيسى بن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى)، وهما أخوان، والأول: ضعيف، والآخر: ثقة، ولم يذكر أحد
منهما في الرواة عن (سالم بت أبي الجعد)، ولا أبوهما (عبد الرحمن بن
أبي ليلى) ؛ فلا أدري أيضاً إذا كان قوله في " الإصابة": " عن أبيه، محفوظاً أم لا ؟

(14/784)


@@@ 785
وبالجملة ؛ فلا يصح شيء من هذه الروايات والألفاظ إلا قوله صلى الله عليه وسلم:
" رأيت جعفر بن أبي طالب ملكاً يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين ".
وما في معناه ؛ لمجيئه من طرق بعضها صحيح - كما تقدم بيانه في " الصحيحة "
(1226) -.

6842 - (إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم ،
إن هذا القرآن هو حبل الله وهو النور المبين والشفاء النافع ، عصمة لمن
تمسك به ونجاء لمن تبعه لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا
تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد.
فاتلوه ؛ فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما
إني لا أقول لكم: {الم } حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف،
وميم حرف؛ ثلاثون حسنة).

ضعيف.
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (0 1/ 482 -483/
10057)، وابن حبان في " الضعفاء " (1/ 100)، ومن طريقه ابن الجوزي في
" العلل المتناهية " (1/ 101 - 102/ 145)، والحاكم (1/ 555)، والبيهقي
في " الشعب " (2/ 4 32 - 325/ 933 1) - والسياق له -، وأبو نعيم في " أخبار
أصبهان " (2/ 278) - الطرف الأول منه -، وكذا الشجري في " الأمالي " (1/
84) ؛ أخرجوه من طرق عن أبي إسحاق - إبراهيم الهجري - عن أبي الأحوص
عن عبد الله مرفوعاً. وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بصالح بن عمر ".

(14/785)


@@@ 786
كذا وقع في " المستدرك " المطبوع، وفي نقل المنذري عنه في " الترغيب "
(2/ 210/25):
" تفرد به صالح بن عمر عنه، وهو صحيح ".

وكان يمكن القول أنه رواية بالمعنى ؛ ولكني وجدت ابن الملقن قد نقله كذلك
في كتابه " مختصر استدراك الحافظ الذهبي على المستدرك " (1/ 470) ؛ فغلب
على الظن أنه الصواب، وأن ما في (المطبوعة) من تحريف النساخ. والله أعلم.

ثم إن هذا التفرد المُدّعى هو بالنسبة لما وقع للحاكم، والا ؛ فقد تابعه غير ما
واحد - كما أشرت إلى ذلك بقولي: " من طرق " -، وقد تعقبه الذهبي في
" تلخيصه "بقوله:
" قلت: صالح ثقة، خرج له (م )، لكن إبراهيم بن مسلم ضعيف ".

قلت: وبه أعله جمع ؛ ففي ترجمته أورده ابن حبان، وروى عن ابن معين أنه
سئل عن حديثه ؛ فقال:
"ليس بشيء".
وبه أعله ابن طاهر المقدسي في " تذكرة الموضوعات " (ص 32).
وتبعهم ابن الجوزي فقال:
" حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشبه أن يكون من كلام ابن مسعود".
ثم ذكرقول ابن معين.
وقد أعله البيهقي بعلة أخرى ؛ وهي: الوقف، فقال عقبه:

(14/786)


@@@ 787
"ورواه جعفر بن عون، وإبراهيم بن طهمان موقوفاً على عبد الله بن مسعود".

وقد وصله الدارمي في " سننه " (2/ 431) عن جعفربن عون، وتابعه
ابن عيينة عند عبد الرزاق في " المصنف " (3/ 375/ 7 1 0 6)، ومن طريقه
الطبراني في " المعجم الكبير " (9/ 39 1/ 8646) عن ابراهيم الهجري به
موقوفاً. فهو الصواب.

فالعجب من المنذري كيف حكى تصحيح الحاكم للحديث وأقره، وصدره
بقوله: " وعن ".. المشعر بقوته عنده! ومع أن الهيثمي يماشيه في غالب
تخريجاته. فقد خالفه هنا مخالفة شديدة، فإنه ذكره (5/ 164) موقوفاً على ابن
مسعود، ثم قال:
"رواه الطبراني، وفيه مسلم بن إبراهيم الهجري ، وهو متروك ".

لكن الشطر الأخير من الحديث قد توبع الهجري في رفعه، كما توبع عليه أبو
الأحوص أيضاً ؛ كما هو مبين في " الصحيحة " (3327).

6843 - ( {الْبَقَرَةُ } سَنَامُ الْقُرْآنِ وَذُرْوَتُهُ، ونَزَلَ مَعَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا
ثَمَانُونَ مَلَكًا وَاسْتُخْرِجَتْ { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } مِنْ تَحْتِ
الْعَرْشِ فَوُصِلَتْ بِهَا - أَو-ْ فَوُصِلَتْ بِسُورَةِ { الْبَقَرَةِ }، وَ {يس} قَلْبُ
الْقُرْآنِ، لَا يَقْرَؤُهَا رَجُلٌ يُرِيدُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، إِلَّا غُفِرَ
لَهُ وَاقْرَءُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ).

منكر.
أخرجه أحمد (5/ 26): ثنا عارم: ثنا معتمر عن أبيه عن رجل عن
أبيه عن معقل بن يسار مرفوعاً.

(14/787)


@@@ 788
ورواه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (581/ 1075) من طريق أخر عن
معتمر به ؛ مقتصراً على قوله: و { يس }..." إلخ.

وأخرج أبو داود وجماعة الجملة الأخيرة منه. وهو رواية لأحمد (5/ 27)،
والنسائي (1074)، من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان - وليس بالنهدي -
عن أبيه عن معقل بن يسار.
قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ لجهالة الرجل وأبيه، وقول الهيثمي في " المجمع "
(6/311):
" رواه أحمد، وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح ".
قلت: ففيه غفلة... والصواب أن يقال: (راويان لم يسميا).

وفيه علة أخرى ؛ وهي: الاضطراب في إسناده ؛ فراجعه في " الإرواء " (3/
150 - 151) إن شئت، وفيه: أن الدارقطني قال:
" هذا حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب
حديث ".
ولهذا ؛ فلم يحسن المنذري بسكوته عنه في " الترغيب " (2/ 222/ 1)
وتصديره إياه بقوله: " عن "! وكذلك الشيخ الناجي في " عجالته " (ق 146/ 1)،
حيث انشغل بالرد عليه ؛ لأنه أطلق العزو للنسائي، وكان ينبغي له تقييده بـ " عمل
اليوم والليلة ".

(14/788)


@@@ 789
6844 - (إني فرضت على أمتي قراءة { يس } كل ليلة، فمن داوم
على قراءتها كل ليلة ثم مات ؛ مات شهيداً).

موضوع.
رواه أبو الشيخ في " الثواب "، ومن طريقه الشيخ الشجري في
" الأمالي " (1/ 118) قال: حدثنا ابن أبي عاصم: حدثنا عمر بن حفص
الوصابي: حدثنا سعيد بن موسى: حدثنا رباح بن زيد عن معمر عن الزهري عن
أنس مرفوعاً.

أورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 24 ) من رواية أبي
الشيخ، ثم قال:
" سعيد متهم" . وأقره ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (1/ 267).
ومن طريق الوصابي أخرج الشطر الثاني منه -: " من داوم..." - الطبراني
في " المعجم الصغير " (ص 210 - هندية)، ومن طريقه الخطيب في " التاريخ "
(3/ 245)، وقال الطبراني:
" تفرد به سعيد". وقال الهيثمي في " المجمع " (7/ 97):
" رواه الطبراني في " الصغير "، وفيه سعيد بن موسى الأزدي، وهو
كذاب ".

وله أحاديث أخرى موضوعة ظاهرة الوضع، أحدها في " السنة " لابن أبي
عاصم (1/ 5 30 - 306/ 696).
وتقدم له حديث ثالث برقم (594).

(14/789)


@@@ 790
6845 - ( مررت ليلة أسري بي برجل مغيب في نور العرش ، فقلت :
من هذا ؟ ملك ؟ قيل : لا. قلت : نبي ؟ قيل : لا. قلت : من هو ؟ قال :
هذا رجل كان في الدنيا لسانه رطبا من ذكر الله ، وقلبه معلقا بالمساجد ،
ولم يستسب لوالديه قط).

منكر.
أخرجه ابن أبي الدنيا في " كتاب الأولياء " (125/ 95) قال: ذكر
عون بن ابراهيم الشامي: ذكر أحمد بن أبي الحواري: نا أبو المخارق قال: [ قال ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد معضل مظلم ؛ لا نعرف منه إلا أحمد بن أبي الحواري، وهو
ثقة زاهد توفي سنة (246)، وعليه يكون (أبو المخارق) من أتباع التابعين،
أو دونهم ؛ فلا يكون حديثه إلا معضلاً، خلافاً لقول المنذري في " الترغيب " (2/
228/ 7) - وقد ذكره عن أبي الخارق -:
" رواه ابن أبي الدنيا هكذا مرسلاً"!

لأن (المرسل) في اصطلاح العلماء: هو قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وان كان يطلق أحياناً على ما هو أعم من ذلك.

ثم إن (أبا المخارق) هذا نكرة لا يعرف، ولم يترجمه أحد، ولا ذكروه في
شيوخ ابن أبي الحواري.

وعون بن إبراهيم الشامي: لا يعرف أيضاً ؛ ولكن قد أورده ابن عساكر في
" تاريخ دمشق " (13/ 712)، وذكرأنه روى عن جمع، وعنه ابن أبي الدنيا،
لا غير. ثم ساق له حديثاً آخر منكراً أيضاً ؛ لكن الآفة فيه بن فوقه - كما يأتي في
الحديث الذي بعده -.

(14/790)


@@@ 791
والحديث ذكره السيوطي في " الدر المنثور " (1/149 ) من رواية ابن أبي
الدنيا عن أبي المخارق ساكتاً عليه!

6846 - (إنَّمَا مَثَلُ أَحَدِكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَعَمَلِهِ كَرَجُلٍ لَهُ ثَلاثَةُ
إِخْوَةٌ ، فَقَالَ لأَخِيهِ الَّذِي هُوَ (مَالُهُ) حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ : مَاذَا عِنْدَكَ فِي
نَفْعِي وَالدَّفْعِ عَنِّي فَقَدْ نَزَلَ بِي مَا تَرَى؟ فَقَالَ : عِنْدِي أَنْ أُطِيعَكَ مَا
دُمْتَ حَيًّا ، وَأَنْصَرِفُ حَيْثُ صَرَفْتَنِي ، وَمَا لَكَ عِنْدِي نَفْعٌ إِلا مَا دُمْتَ حَيًّا ،
فَإِذَا مِتُّ ذُهِبَ بِي إِلَى مَذْهَبٍ غَيْرِ مَذْهَبِكَ وَأَخَذَنِي غَيْرُكَ.
فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ :
هَذَا أَخُوهُ الَّذِي هُوَ (مَالُهُ)، فَأَيُّ أَخٍ تَرَوْنَهُ؟ قَالُوا : لا نَسْمَعُ
طَائِلا.
ثُمَّ قَالَ لأَخِيهِ الَّذِي هُوَ (أَهْلُهُ): قَدْ نَزَلَ بِي مِنَ الْمَوْتِ مَا تَرَى ؟
قَالَ : أُمَرِّضُكَ وَأَقُومُ عَلَيْكَ فَإِذَا مِتَّ غَسَّلْتُكَ ، ثُمَّ كَفَّنْتُكَ وَحَنَّطْتُكَ
وَأَبْكِيكَ وَأَتْبَعُكَ مُشَيِّعًا إِلَى حُفْرَتِكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
فَأَيُّ أَخٍ هَذَا؟ قَالُوا : أَخٌ غَيْرُ طَائِلٍ.
ثُمَّ قَالَ لأَخِيهِ الَّذِي هُوَ (عَمَلُهُ): مَاذَا عِنْدَكَ؟ قَالَ : أُونِسُ وَحْشَتَكَ ،
وَأُذْهِبُ هَمَّكَ ، وَأُجَادِلُ عَنْكَ فِي الْقَبْرِ ، وَأُوَسِّعُ عَلَيْكَ جَهْدِي ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :

(14/791)


@@@ 792
فَأَيُّ أَخٍ تَرَوْنَ هَذَا؟
قَالُوا : خَيْرُ أَخٍ. قَالَ : فَالأَمْرُ هَكَذَا.
فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ كَرَزٍ اللَّيْثِيُّ فَقَالَ : ائْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ فِي هَذَا شِعْرًا.
َقَالَ :
هَاتِ ، فَأَنْشَدَ عِشْرِينَ بَيْتًا مِنَ الشِّعْرِ).
منكر.
أخرجه ابن أبي حاتم في " العلل " (2/ 18 1/ 1848) - والسياق
له -، وأبو الشيخ الأصبهاني في " الأمثال " (205/ 307)، ومن طريقه
الشجري في " الأمالي " (2/ 296)، والرامهرمزي في " الأ مثال " (172
- 73 1/ 76)، والعقيلي في " الضعفاء " (2/ 277)، وعنه ابن الجوزي في
" العلل " (2/ 06 4/ 484 1)، وابن عساكر في " التاريخ " (13/ 712 - 713)
من طريقين عن عبد الله بن عبد العزيزعن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة
ابن الزبير عن عائشة مرفوعاً. وقال ابن أبي حاتم:

" فسمعت أبي يقول: هذا حديث منكر من حديث الزهري ؛ لا يشبه أن
يكون حقاً، وعبد الله بن عبد العزيز: ضعيف الحديث، عامة حديثه خطأ، لا
أعلم له حديثاً مستقيماً". وقال العقيلي:

" ليس له أصل من حديث الزهري ". وفي ترجمته ساقه الذهبي وقال:
"وهذا ليس يصح ". وفي آخرها قال ابن عدي (4/ 157):
" وله من الحديث غير ما ذكرت، وحديثه خاصة عن الزهري مناكير". وقال
ابن الجوزي عقب الحديث:

(14/792)


@@@ 793
"وذكر قصيدة طويلة كثيرة الغلط واللحن، وفيه:
فقالت عائشة: فما بقي عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذو عين تطرف إلا دمعت. قالت: ثم
كان ابن كُرز يمر على مجالس أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيستنشدونه، فينشدهم ؛
فلا يبقى من المهاجرين والأنصار إلا بكى. [ قال:].

وهذا الحديث لا يصح، والحمل فيه على (عبد الله بن عبد العزيز) ؛ قال
يحيى: ليس بشيء. وقال ابن حبان: اختلط بأخرة ؛ فكان يقلب الأسانيد ولا
يعلم، ويرفع المراسيل ؛ فاستحق الترك ".

ولخص كلام ابن حبان الحافظ ؛ فقال في " التقريب ":
"ضعيف، واختلط بأخرة".

قلت: فالعجب منه كيف أورد الحديث في ترجمة (عبد الله بن كرز الليثي)
من " الإصابة " ساكتاً عنه، من رواية جعفر الفريابي في "كتاب الكنى " له،
وابن أبي عاصم في " الوحدان "، وابن شاهين وابن منده في " الصحابة "، وابن
أبي الدنيا في " الكفالة "، والرامهرمزي في " الأمثال " ؛ كلهم من طريق محمد
ابن عبد العزيز الزهري عن ابن شهاب...

كذا وقع فيه "محمد بن عبد العزيز الزهري ". فلا أدري أهكذا وقعت له، أم
تحرف اسم (عبد الله) إلى: (محمد) على بعض نساخ " الإصابة " ؟ وهذا هو
الأقرب عندي ؛ للمصادر المتقدمة، وبخاصة " الأ مثال " ؛ فكلهم قالوا: "عبد الله ".
وعلى كل حال ؛ فهو أخو ( محمد)، وحاله كحاله في الضعف - كما في " اللسان " -.
قلت: ويغني عن هذا الحديث قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(14/793)


@@@ 794
" يتبع الميت إلى قبره ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان، ويبقى واحد ؛
يرجع أهله وماله، ويبقى عمله ".
رواه الشيخان وغيرهما، وهو في " الصحيحة " برقم (3299).

وحديث الترجمة كأنه بيان وتبسيط له من بعضهم ؛ توهمه ذاك الختلط حديثاً
نبوياً فرفعه. والله أعلم.

6847 - (عند الصباح يحمد القوم السُرى).
منكر.
هو مثل معروف، ولكني وجدته في حديث ؛ فرأيت تخريجه، لعزته
وبياناً لوهنه، فأقول:
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (6/ 375 - 376) من طريق أحمد
ابن القاسم النخعي قال: حدثنا سُليم مولى الشعبي عن الشعبي عن أبي بكر
بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة قال:
كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعداً بعد المغرب ومعه أصحابه، إذ مرت به رفقة يسيرون،
سائقهم يقرأ، وقائدهم يحدو، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قام يهرول بغير رداء،
فقالوا: يا رسول الله نكفيك! فقال:
" دعوني أبلغهم ما أوحي إلي في أمرهم ". فلحقهم، فقال:
"أين تريدون في هذه الساعة ؟ فإن لله في السماء سلطاناً عظيماً يوجهه إلى
الأرض، فلا تسيروا ولا خطوة، إلا ما يجد الرجل في بطنه ومثانته من البول الذي
لا يجد منه بداً، ثم ولا خطوة، وأما أنت يا سائق القوم! فعليك ببعض كلام
العرب من رجزها، وإذا كنت راكباً ؛ فاقرأ، وعليكم بالدُلجة ؛ فإن لله عز وجل

(14/794)


@@@ 795
ملائكة موكلين يطوون الأرض للمسافر ؛ كما تطوى القراطيس، وبعد الصبح يحمد
القوم السرى، ولا يصحبنكم شاعر ولا كاهن، ولا يصحبنكم ضالة، ولا تردوا
سائلاً إن أردتم الربح والسلامة وحسن الصحابة، فعجب لي كيف أنام حين تنام
العيون كلها ؛ فإن الله ورسوله ينهاكم عن المسير في هذه الساعة ".

منكر. قال الطبراني:
" لم يروه عن (سليم مولى الشعبي) إلا أحمد بن الهيثم (!) النخعي".
قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ (سليم) هذا! قال الذهبي في " المغني ":
"قال النسائي: ليس بثقة ".

وأحمد بن القاسم - وفي التعقيب: الهيثم - النخعي: لم أعرفه. ويحتمل أنه
الذي في " اللسان ":
" ز - أحمد بن الهيثم بن محمد القاضي، في (نمير بن الوليد)".

وهناك (6/ 171) ترجم لنمير هذا، وساق له حديثين من رواية علي بن
عبيد الله بن طول الحراني عن أحمد هذا عن نمير بسنده عن أبي موسى مرفوعاً.
وقال:
" وهما موضوعان، ونمير ما عرفته، ولا من دونه ".
ولم يتعرض له الهيثمي بذكر، وقنع بإعلاله بـ (سليم) ؛ فقال في " المجمع "
(3/212-213):
".. وفيه سليم أبو سلمة صاحب الشعبي ومولاه، وهو ضعيف، وقال ابن

(14/795)


@@@ 796
عدي: لم أر له حديثاً منكراً، وإنما عِيبَ عليه الأسانيد لا يتقنها ".
قلت: وأخرج له (3/ 316) أحاديث هذا منها، رواه من طريق محمد بن
الهيثم - وهو: ابن خيار - النخعي، عن سليم مولى الشعبي...

كذا فيه: (محمد بن الهيثم بن خيار النخعي)، ولم أعرفه أيضاً.
ولسليم هذا حديث آخر عن الشعبي مرسلاً، وهو الآتي بعده.

ولجملة الشاعر إلى: " حسن الصحبة " طريق آخر ؛ يرويه علي بن أبي علي
اللهبي عن الشعبي عن أبي ريطة بن كرامة المذحجي مرفوعاً.

واللهبي: متروك، وقد تقدم حديثه برقم (6157) من رواية الطبراني وغيره.
وأخرجه المستغفري من طريق عمر بن صبح عن أبي حريز - قاضي سجستان -
عن الشعبي عن أبي ريطة المذحجي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
أنه بينما هو جالس ذات ليلة بين المغرب والعشاء، إذ مرت به رفقة، تسير
سيراً حثيثاً... فذكر الحديث.

كذا في " الإصابة " ؛ فكأنه مثل حديث الترجمة. ولكنه لم يسق لفظه، كما
أنه سكت عته وكأنه لوضوح علته ؛ فإن عمر بن صبح: هالك اعترف بوضع
الحديث.
وأبو حريز: فيه ضعف.
لكن جملة: " عليكم بالدلجة " قد جاءت من طرق دون ذكر الملائكة
والقراطيس ؛ ولذلك خرجت طرقها في " الصحيحة " (681)، وهي فيما يبدو

(14/796)


@@@ 797
لي تخالف أول الحديث وآخره الناهي عن السير بعد المغرب ؛ فإن (الدلجة) هو:
سير الليل ؛ كما في " النهاية " لابن الأثير، وقال:
" يقال: (أدلج) بالتخفيف ؛ إذا سار من أول الليل، و (أدّلج) - بالتشديد -:
إذا سار من آخره، والاسم منهما: (الدُّلجة) و: (الدَّلجة) - بالضم والفتح -،
ومنهم من يجعل (الإدلاج) لليل كله، وكأنه المراد في هذا الحديث ؛ لأنه عقبه
بقوله: " فإن الأرض تطوى بالليل ". ولم يفرق بين أوله وآخره ".

قلت: ويؤيد ذلك الأحاديث الكثيرة، والآثار المتتابعة في الجمع بين المغرب
والعشاء جمع تقديم أو تأخير ؛ كما في حديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا
جد به السيرجمع بين المغرب والعشاء. متفق عليه.
وروى البيهقي في " سننه " (2/ 160) عن جمع من التابعين قالوا:
غابت الشمس ونحن مع عبد الله بن عمر، فسرنا، فلما رأيناه قد أمسى ؛ قلنا
له: الصلاة. فسكت، فسار حتى غاب الشفق، فنزل فصلى الصلاتين جميعاً، ثم
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير ؛ صلى صلاتي هذه. يقول: جمع
بينهما بعد ليل.
ورواه عبد الرزاق في " المصنف " (2/ 547)، وعنه أحمد (2/ 150) عن
نافع عنه. وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

ونحوه أحاديث الإفاضة من عرفات بعد غروب الشمس.. أشهر من أن تذكر.
فالعجب بعد هذا من البيهقي الذي عقد في آخر " الحج " من " سننه " (5/
256) - مخالفاً لما ذكرنا من السنة الصحيحة ؛ فقال -:

(14/797)


@@@ 798
" باب كراهية السفر في أول الليل"!
وترجم له بحديث أبي الزبير عن جابر مرفوعاً بلفظ:
"لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة
العشاء ؛ فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء".
رواه مسلم وغيره.

ووجه العجب: أن قوله: " لا ترسلوا ..." لا يعني - كما هو ظاهر -: لا
تركبوها.. وإنما آووها في حظائرها ولا تدعوها تنتشر. قال ابن الأثير:
"(الفواشي): جمع فاشية ؛ وهي الماشية التي تنتشر من المال، كالإبل والبقر
والغنم السائمة ؛ لأنها تفشوا ؛ أي: تنتشر في الأرض، وقد أفشى الرجل ؛ إذا
كثرت مواشيه ".

فالحديث متعلق ببعض أحكام المقيمين لا المسافرين، ويؤيده أن أوله في رواية
لأحمد (3/ 362 و 395):
" أغلقوا الأ بواب... وأطفئوا السرج ؛ فإن الشيطان لا يفتح غلقاً... وإن
الفويسقة تضرم على أهل البيت، ولا ترسلوا فواشيكم ..." الحديث (1).

على أنني في شك من ثبوت (فواشيكم) في الحديث، وذلك ؛ لأمرين:
أحد هما: عنعنة أبي الزبير - كما رأيت -، وهو مدلس.
__________
(1) ورواه الطبراني في " الأوسط " (2/ 5 0 2/ 367 1) بلفظ: " ضموا اليكم فواشيكم
وأنفسكم "، وفيه - مع العنعنة - ضعف في رواية (محمد بن عيسى بن سميع).

(14/798)


@@@ 799
والآخر: أنه رواه عطاء بن يسار عن جابر به ؛ دونها.
أخرجه الشيخان وغيرهما. وهو مخرج في " الإرواء " (1/ 80/ 39)،
و " صحيح أبي داود " (2343).

6848 - (سبحان الله، مقلب القلوب. قاله حينما رآى زينب بنت
جحش زوجة زيد بن حارثة!).

منكر جداً.
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (3/ 316) من طريق علي
ابن نوح: ثنا محمد بن كثير: ثنا سليم مولى الشعبي عن الشعبي:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى زينب بنت جحش، فقال:... فذكره. فقال زيد بن
حارثة: ألا أطلقها يا رسول الله ؟! فقال:
" { أمسك عليك زوجك }؛ فأنزل الله عز وجل: { واذ تقول للذي أنعم
الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك } الآية.
قلت: وهذا - مع إرساله - ضعيف ؛ لضعف (سليم) - كما تقدم بيانه في
الذي قبله -.
وعلي بن نوح: لم أجد له ترجمة.
وقد رواه ابن سعد (8/ 1 0 1 - 2 0 1)، ومن طريقه الحاكم (4/ 23) من
طريق محمد بن عمرقال: حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي عن محمد بن
يحيى بن حبان قال:... فذكره أتم منه، وفيه:
" فجاء زيد فقال:... بأبي أنت وأمي يا رسول الله! لعل زينب أعجبتك

(14/799)


@@@ 800
فأفارقها ؟.... وفيه: فما استطاع إليها سبيلاً بعد ذلك اليوم.
قلت: وهذا مع إرساله أيضاً موضوع ؛ آفته (محمد بن عمر) - وهو: الواقدي -:
متروك متهم بالوضع.

وعبد الله بن عامر الأسلمي: ضعيف.
ومن الغريب أن الحافظ لم يقف عليه ؛ فقال في " تخريج الكشاف " (4/
134/ 224):
" ذكره الثعلبي بغيرسند ".
وسكت عنه. وكذلك ذكره البغوي في تفسيره " معالم التنزيل " (6/ 354 -
355) معلقاً بغير إسناد.

لكن الحافظ أشار إلى استنكار ذلك بقوله في " الفتح " (8/ 524):
" ووردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري، ونقلها كثير من المفسرين
لا ينبغي التشاغل بها، والذي أوردته منها هو المعتمد ".

قلت: ومنها ما عزاه لـ (عبد الرزاق) عن ماس عن قتادة قال:
جاء زيد بن حارثة، فقال: يا رسول الله! إن زينب اشتد علي لسانها، وأنا
أريد أن أطلقها. فقال له: " اتق الله! وأمسك عليك زوجك ". قال:
والنبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يطلقها، ويخشى قالة الناس!
وقال المحقق الآلوسي في " روح المعاني " (22/ 24):
" وللقصّاص في هذه القصة كلام لا ينبغي أن يجعل في حيز القبول ".

(14/800)


@@@ 801
ثم ساق رواية ابن سعد والحاكم المتقدمة.

6849 - (من قال سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله
أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ضم الملك عليه جناحه ، لا ينتهي حتى
يأتي العرش ، ولا يمر بشيء إلا صلى عليهن وعلى قائلهن ، وقال :
سبحان الله ، تنزيه الله من كل سوء ).
ضعيف جداً.
أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1/ 150) من طريق
ابن شرحبيل - يعني: سليمان بن عبد الرحمن -: ثنا الوليد: ثنا أبو شيبة عن
عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة مرفوعاً به. وفي مكان النقط
يخلادة بلفظ:
" ومن قال: ( لا حول ولا قوة إلا بالله) ؛ قال الله: أسلم عبدي واستسلم ".

وقال أبو نعيم:، حدثنا بهذا الحديث أبو إسحاق بن حمزة في " معجمه "
وقال: لا أعلم حدث به عن موسى غير عثمان، تفرد به أبو شيبة ".

قلت: هو ضعيف جداً، واسمه: (إبراهيم بن عثمان العبسي)، قال الحافظ
في " التقريب ":
"مشهور بكنيته، متروك الحديث ". وقال الذهبي في" الكاشف ":
"ترك حديثه، وقال (خ): سكتوا عنه ".
وشيخه (عثمان بن موهب): ثقة من رجال الشيخين، وقد نسب لجده،

(14/801)


@@@ 802
واسم أبيه: (عبد الله). وقد جاء منسوباً إليه في " مستدرك " الحاكم ؛ لكن وقع
فيه خلط، فقد أخرجه (1/ 502) من طريق هشام بن عمار: ثنا الوليد بن
مسلم: ثنا إبراهيم بن (كذا) عثمان بن عبد الله بن موهب عن موسى بن
طلحة به.
كذا فيه (إبراهيم بن). وكذلك وقع في " تلخيص المستدرك "، ومن الواضح
أن: (بن).. تحريف: (عن) - كما للت رواية أبي نعيم -، وأيضاً فإن الوليد بن
مسلم من الرواة عن (إبراهيم) هذا، وهو: (ابن عثمان العبسي) - كما تقدم -،
فالظاهر أن الأصل كان: (ثنا إبراهيم بن عثمان عن عثمان بن عبد الله بن
موهب).. فتحرف على الناسخ. والله أعلم.

ثم إن لفظه عند الحاكم مختصر هكذا:
" من قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا
قوة إلا بالله ؛ قال الله: أسلم عبدي واستسلم ". وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! وأقره المنذري في " الترغيب " (2/
251/ 43)! فلعله خفي عليهم حال إبراهيم هذا، وأنه متروك.

لكن الزيادة قد صحت من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعاً. وقد خرجتها
في " الصحيحة " (1528).
ثم رأيت الحديث بدون الزيادة، قد رواه حجاج عن عثمان بن عبد الله بن
موهب عن موسى بن طلحة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره دونها.
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (0 1/ 348/ 9627).

(14/802)


@@@ 803
وحجاج هذا - هو: ابن أرطاة، وهو -: مدلس، ولا أستبعد أن يكون تلقاه عن
أبي شيبة المتروك ؛ ثم دلسه.

6850 - (ذاك ملك أتاك يعلمك تحميد ربك. قاله لحذيفة بن
اليمان).

ضعيف.
أخرجه أحمد (5/ 395 - 396)، وابن أبي الدنيا في " الهواتف "
(51/ 60) من طريق الحجاج بن فرافصة: حدثني رجل عن حذيفة بن
اليمان. أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
بينما أنا أصلي إذ سمعت متكلماً. يقول: اللهم! لك الحمد كله، بيدك الخير
كله، إليك يرجع الأمر كله ؛ علانيته وسره، فأهل أن تحمد، انك على كل شيء
قدير. اللهم! اغفر لي جميع ما مضى من ذنبي، واعصمني فيما بقي من عمري،
وارزقني عملاً زاكياً ترضى به عني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ لجهالة الرجل الذي لم يسم. وبه أعله الهيثمي
فقال (10/ 96):
" رواه أحمد، وفيه رجل لم يسم، وبقية رجاله ثقات ".
قلت: الحجاج بن فرافصة: مختلف فيه، وثقه ابن حبان وابن شاهين، وقال
أبو زرعة:
" ليس بالقوي ".
وهذا ما اعتمده الذهبي في " الكاشف " و"المغني ". وقال الحافظ في

(14/803)


@@@ 804
" التقريب ":
"صدوق، عابد، يهم ".

ولقد أبعد المنذري النجعة ؛ فذكره في " الترغيب " (2/ 253/ 1) من
حديث أنس قال: قال أبي بن كعب:
لأدخلن المسجد فلأصلين، ولأحمدن الله بمحامد لم يحمده بها أحد، فلما
صلى وجلس ؛ ليحمد الله ويثني عليه ؛ فإذا هو بصوت عالي من خلفه يقول: اللهم!
لك الحمد كله... الحديث، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقص عليه، فقال:
" ذاك جبريل عليه السلام ". وقال المنذري:
" رواه ابن أبي الدنيا في " كتاب الذكر "، ولم يسم تابعيه".

قلت: ولا أدري إذا كان الراوي عنه هو: (ابن فرافصة) هذا أو غيره ؛ فإن
" كتاب الذكر " لمّا نخظ به بعد.. لا مخطوطاً ولا مطبوعاً.

ومن جهل المعلقين الثلاثة على " الترغيب " قولهم (2/ 428) في تعليقهم
عليه - محرفين لكلام المنذري عن معناه الصحيح -:
" رواه ابن أبي الدنيا، وفي إسناده انقطاع "!
قلت: فمن المعلوم في علم المصطلح أن المنقطع ما سقط منه راو، وهذا متصل ؛
إلا أن راويه التابعي لم يسم - كما هو في حديث حذيفة -.

(14/804)


@@@ 805
6851 - (كَلِمَاتٌ مَنْ ذَكَرَهُنَّ مِائَةَ مَرَّةٍ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ:
اللَّهُ أَكْبَرُ، سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ لَوْ كَانَتْ خَطَايَاهُ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ،
لَمَحَتْهُنَّ. لَمْ يَرْفَعْهُ).

منكر موقوف.
أخرجه أحمد (5/ 173) من طريق ابن لهيعة: ثنا يحيى
(كذا) بن عبد الله: أن أبا كثير مولى بني هاشم حدثه: أنه سمع أبا ذر الغفاري
- صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول:... فذكره. وفي آخره:
" قال أبي: لم يرفعه ".

قلت: وهو مع وقفه ضعيف الإسناد، منكر المتن ؛ فإن (أبا كثير) هذا:
مجهول لا يعرف، ولم يوثقه أحد، وقد أورده البخاري في " الكنى " (64/ 582)
مشيراً إلى هذا الحديث، وسكت عنه. وكذلك فعل ابن أبي حاتم فقال (4/ 2/
429:
"سمع أبا ذر الغفاري: أن التسبيح في دبر الصلاة يمحو الخطايا. روى عنه
حيي بن عبد الله ".

و (حُيّي) هذا - هو: المعافري المصري -: صدوق يهم، وقع في " المسند ":
(يحيى) - كما رأيت -. ويظهر أنه خطأ قديم ؛ فإنه وقع كذلك في " جامع المسانيد "
لابن كثير (13/ 815/ 11513)، ولم يتنبه له محققه الدكتور القلعجي،
ولايسعه إلا ذلك ؛ فإنه حوّاش قمّاش! وعلى الصواب وقع في " أطراف المسند "
لابن حجر (6/ 205)، ونبه محققه الدكتور زهير بن ناصر الناصر على خطأ
المطبوع، وجزم بأنه تحريف، وأحال إلى عدة مصادر من كتب الرجال، وفاته " الجرح

(14/805)


@@@ 806
والتعديل "، كما فاته " التعجيل " ؛ فإنه موافق لـ "أطرافه "، وقال:
"لايعرف".

وابن لهيعة: ضعيف لسوء حفظه، إلا فيما رواه العبادلة ونحوهم، وليس هذا منه.
وأما أنه منكر المتن ؛ فلأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الواردة في الباب، ولا
سيما وبعضها عن أبي ذر نفسه مرفوعاً بلفظ:
"... تسبح خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وتكبر أربعاً
وثلاثين ".
أخرجه أحمد (5/ 158) وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في " الصحيحة "
(1125).

ولقد كان من البواعث على تحقيق القول في حديث الترجمة أن الحافظ
المنذري سكت عن إسناده في " الترغيب " (2/ 261/ 7) ؛ بل وصدره بصيغة
(عن) المشعر بقوته في اصطلاحه! وقول الهيثمي في " المجمع " (10/ 101):
" رواه أحمد موقوفاً، وأبو كثير: لم أعرفه، وبقية رجاله حديثهم حسن "!

وتقلده الثلاثة المعلقون على " الترغيب " (2/ 449)!
وأهم من ذلك كله أن السيوطي أورده في " الجامع الصغير "، و " الكبير "
أيضاً! وهو خاص بالأحاديث المرفوعة - كما هو معلوم - ؛ فكأنه لم ينتبه لقول
أحمد عقب الحديث:
"لم يرفعه ".

(14/806)


@@@ 807
6852 - (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا ، ومن
صلى علي عشرا صلى الله عليه مئة.
ومن صلى علي مئة كتب الله بين عينيه : براءة من النفاق ، وبراءة
من النار ، وأسكنه الله يوم القيامة مع الشهداء).
منكر دون الجملة الأولى.
أخرجه الطبراني في" المعجم الأوسط " (8/
5 1 1/ 7231) و " المعجم الصغير " (186 - هند) من طريق ابراهيم بن سلم بن
رشيد الهجيمي البصري: ثناعبد العزيز بن قيس بن عبد الرحمن عن حميد
الطويل عن أنس بن مالك مرفوعاً. وقال:

" لم يروه عن حميد إلا عبد العزيز بن قيس، تفرد به إبراهيم بن سلم ".

قلت: وهو غير معروف، وبه أعله المنذري ؛ فقال في " الترغيب " (2/ 278)
بعدما عزاه لـ " المعجمين ":
"وفي اسناده إبراهيم بن سالم (!) بن شبل (!) الهجيمي، لا أعرفه بجرح
ولا عدالة ".

وكذا قال الهيثمي (10/ 163) ؛ الا أنه لم يقل: (بجرح ولا عدالة).

وأقرهما السخاوي في " القول البديع " (ص 77 - 78). ثم قال الهيثمي:
"وبقية رجاله ثقات "!
كذا قال! و (عبد العزيز بن قيس بن عبد الرحمن): لم يوثقه أحد،
وأظن أنه التبس عليه بـ (عبد العزيز بن قيس العبدي) ؛ فإنه وثقه ابن حبان

(14/807)


@@@ 808
(5/ 124)، وقال أبو حاتم فيه:
"مجهول"، أو أنه ظنهما واحداً ؛ فإن كلاً منهما بصري، فقد سبق إلى هذا،
فقد ساقه المزي عقب هذا الأول، وقال:
"ذكرته تمييزاً بينهما، وقد خلط بعضهم إحدى هاتين الترجمتين بالأخرى،
والصواب التفريق بينهما - كما ذكرنا - ". وتبعه الحافظ العسقلاني في " تهذيبه "
وقال:
" وهو متأخر الطبقة عن الذي قبله جداً ". ولذلك قال في الأول من
" التقريب ":
" مقبول، من الرابعة ". وفي الآخر:
" مقبول، من الثامنة ".

إذا عرفت هذا ؛ فاعلم أنني حكمت على الحديث بالنكارة ؛ لتفرد هذا الإسناد
المجهول بهذا السياق من جهة، ولمخالفته لكل الأحاديث الأخرى في فضل الصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم، ما صح إسناده منها وما لم يصح من جهة أخرى، وقد استقصاها
الحافظ السخاوي في " القول البدبع "، إلا أنه ساق (ص 81 - 82) عن ابن
عباس رضي الله عنهما عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - الأكابر - قالوا: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:

" من صلى عليّ صلاة واحدة ؛ صلى الله عليه عشراً، ومن صلى عليّ عشراً ؛
صلى الله عليه مئة، ومن صلى علي مئة ؛ صلى الله عليه ألفاً ومن صلى علي
ألفاً ؛ زاحمت كتفه كتفي على باب الجنة ". وقال السخاوي عقبه:

(14/808)


@@@ 809
"ذكره صاحب " الدر المنظم " ؛ لكني لم أقف على أصله إلى الآن، وأحسبه
موضوعاً".

قلت: وهو ظاهر الوضع والبطلان.
واستثنيت الجملة الأولى ؛ لثبوتها من طريق أخرى عن أنس رضي الله عنه
عند ابن حبان والحاكم وغيرها بسند صحيح. وهو في " صحيح مسلم " وغيره من
حديث أبي هريرة - وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1369) -، ومن حديث
ابن عمرو أيضاً - وهو مخرج في " الإرواء " في الحديث (242) -.

(تنبيه): وقع (سلم).. هكذا في " الأوسط "، وكذا في " تهذيب " المزي
والعسقلاني. ووقع في " الصغير ": (سالم)، وكذا عند المنذري، والهيثمي،
والسخاوي.

ووقع عند هؤلاء الثلاثة مكان (رشيد): (شبل) - كما تقدم -، وهو
خطأ مخالف لـ " المعجمين " و" التهذيبين ". ويبدو أنه من المنذري قلده
الآخران!
ووقع في " المجمع ": " سالم بن سلم (2) " ت وعلى الهامش: " (2) في
نسخة: شبل "!

ومر المعلقون الثلاثة على النص الأول، فنقلوه في التعليق على " الترغيب "
(2/ 491) كما وجدوه! ولم يعرجوا على ما في الهامش للتحقيق الذي يزعمونه.

(14/809)


@@@ 810
6853 - (وَمَا لِي لا تَطَيبُ نَفْسِي، وَلا يَظْهَرُ بِشْرِي ، وَإِنَّمَا فَارَقَنِي
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ السَّاعَةَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ! مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ
صَلاةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ وَرَفَعَهُ بِهَا
عَشْرَ دَرَجَاتٍ ، وَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ مِثْلَ مَا قَالَ لَكَ.
قُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ! وَمَا ذَاكَ الْمَلَكُ ؟ ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِكَ
مَلَكًا مِنْ لَدُنْ خَلْقِكَ إِلَى أَنْ يَبْعَثَكَ لا يُصَلِّي عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ ، إِلا
قَالَ : وَأَنْتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ ).

موضوع بالشطر الثاني.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (5/ 104/
4720) من طريق ابراهيم بن الوليد الطبراني: حدثني أبي: حدثني عبد العزيز
ابن أبي سلمة الماجشون عن الزهري عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال:
دخلت على رسول صلى الله عليه وسلم، وأسارير وجهه تبرق، فقلت: يا رسول الله! ما
رأيتك أطيب نفساً، ولا أظهر يشراً منك في يومك هذا ؟ فقال:... فذكره.

قلت: وهذا موضوع ؛ آفته (الوليد) هذا - وهو: ابن سلمة الطبراني الأردني،
قال دحيم ومسهر:
"كذاب ". وقال أبو زرعة:
" كان ابنه يحدث بأحاديث مستقيمة، وكان صدوقاً، فلما أخذ في أحاديث
أبيه ؛ جاء بالأوابد ".
قلت: يشير إلى أن ابنه هو آفتها. وقال ابن حبان في " الضعفاء " (3/ 80):

(14/810)


@@@ 811
" كان ممن يضع الحديث على الثقات، لا يجوز الاحتجاج به بحال، وابنه ثقة".
وقال في ترجمة ابنه من "الثقات " (8/ 84):
" يعتبر حديثه من غيرروايته عن أبيه ؛ لأن أباه ليس بشيء في الحديث ".

ثم أخرجه الطبراني (4721) من طريق حماد بن عمرو النصيبي: ثنا زيد
ابن رفيع عن الزهري به ؛ دون الشطر الثاني، وزاد:
" وعُرضت عليه يوم القيامة ".

وكذا رواه ابن أبي عاصم في " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " (38/ 44)، وأبو
يعلى في " مسنده " (3/ 15 - 16).

واعلم أنه قد خفي حال هذا الحديث وعلته على المنذري والهيثمي.
أما المنذري: فقد ساقه في " الترغيب " (2/ 279/ 8) عقب رواية أخرى
لأحمد والنسائي ثابتة، وسكت عنه، وما ينبغي ؛ لأنه يغرر بمن لا علم له، فيظن
ثبوته، وهذا ما وقع للجهلة الثلاثة ؛ فإنهم حسنوا الحديث، دون أن يفرقوا بين هذه
والتي قبلها مما أشرت إليه!

وأما الهيثمي: فقال (10/ 161):
" رواه الطبراني، وفي الرواية الأولى - يعني: حديث الترجمة - محمد بن
(براهيم بن الوليد الطبراني، وفي الثانية أحمد بن عمرو النصيبي، ولم أعرفهما،
وبقية رجالهما ثقات ".
فتعقبه الحافظ ابن حجر في حاشية " المجمع " فقال:

(14/811)


@@@ 812
" قلت: أحمد بن عمرو النصيبي.. تحريف ؛ وإنما هو: (حماد بن عمرو)،
وكذلك روينا في " كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لابن أبي عاصم ...".
قلت: ولم يتعقبه في قوله: " محمد بن إبراهيم... " ؛ فإنه لا ذكر لاسم
(محمد) في إسناد الحديث، فتردد النظر بين أن يكون الحافظ ذهل عنه، وبين أن
يكون الاسم مقحماً فيما بعد من بعض النساخ، أو من الطابع.. وهذا أقرب. والله
أعلم.

وحماد بن، عمرو هذا: حاله قريب من حال (الوليد بن سلمة) ؛ فقد قال ابن معين:

" هو من المعروفين بالكذب ووضع الحديث ". وقال البخاري:
" منكر الحديث " وقال الحاكم وأ!بو سعيد النقاش:
" يروي الموضوعات عن الثقات ".

وأما الشطر الأول من الحديث فهو الذي رواه أحمد والنسائي، وهو في " الصحيح "
بمرتبة (حسن صحيح).

6854 - (من انقطع إلى الله ،كفاه الله كل مؤنة ، ورزقه من حيث لا
يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ).

ضعيف.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (4/ 5 1 2 - 6 1 2/ 3383)
و" العجم الصغير " (ص 64 - هند)، ومن طريقه الخطيب في " التاريخ " (7/
196)، وكذا أبو الشيخ ابن حيان ؛ ومن طريقه الشجري في " الأمالي " (2/ 160)،
وابن أيي الدنيا في " الفرج " (ص 7 - 8)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (2/

(14/812)


@@@ 813
28/ 76 0 1 و 0 2 1/1351 و 1352)، والأصبهاني في كتابه " الترغيب "
(1/ 284/ 634) ؛ كلهم من طريق إبراهيم بن الأشعث - صاحب الفضبل بن
عياض - عن الفضيل بن عياض عن هشام بن حسان عن الحسن عن عمران بن
الحصين مرفوعاً. وقال الطبراني:
" تفرد به إبراهيم بن الأشعث الخراساني".

قلت: وهو مختلف فيه - كما بينت في " الروض النضير " (746) - لكن
الحسن البصري مدلس، وغفل ابن الجوزي عن هذه ا العلة ؛ فأعله بالأول ؛، فقال في
" العلل " (2/ 6 31/ 338 1) - وقد رواه من طريق الخطيب -:
" قال الطبراني: تفرد به إبراهيم. وقد قدح فيه أبو حاتم الرازي ".

وأعله الحافظ العراقي بهما، فقال في " تخريج الإحياء " (4/ 244):
" أخرجه الطبراني في " الصغير "، وابن أبي الدنيا، ومن طريقه البيهقي في
" الشعب " من رواية الحسن عن عمران بن حصين، ولم يسدغ منه، وفيه إبراهيم
ابن الأشعث: تكلم فيه أبو حاتم ".

وقال تلميذه الهيثمي في " المجمع " (10/ 303 - 304):
" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه إبراهيم بن الأشعث صاحب الفضيل،
وهو ضعيف، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: يغرب ويخطئ ويخالف.
وبقية رجاله ثقات ".
وأما المنذري فكأنه مال إلى تقويته ؛ لأنه صدره في " الترغيب " (3/ 9/
18) بقوله: ==

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفيزياء الثالث الثانوي3ث. رائع

الفيزياء الثالث الثانوي3ث. =============== . ...