روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

ب ميك

المدون

 

السبت، 4 يونيو 2022

مقدمة ابن الصلاح/ من 35. الي 40..اي من النوع الخامس والثلاثون: معرفة المصحَّف من أسانيد الأحاديث ومتونها الي النوع الموفي أربعين: معرفة التابعين

من النوع الخامس والثلاثون35.: 

معرفة المصحَّف من أسانيد الأحاديث ومتونها 

هذا فن جليل، إنما ينهض بأعبائه الحذاق من الحفاظ، والدارقطني منهم، وله فيه تصنيف مفيد.

 

وروينا عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال: ومن يعرى من الخطأ والتصحيف ؟

 

فمثال التصحيف في الإسناد حديث شعبة، عن العوام بن مراجم، عن أبي عثمان النهدي، عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله ﷺ «لتؤدُن الحقوق إلى أهلها» الحديث. صحف فيه يحيى بن معين فقال: ابن مزاحم بالزاي والحاء، فرد عليه، وإنما هو ابن مراجم بالراء المهملة والجيم.

 

ومنه: ما رويناه عن أحمد بن حنبل قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن مالك بن عرفطة، عن عبد خير، عن عائشة: رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ نهى عن الدباء والمزفت. قال أحمد: صحف شعبة فيه، فإنما هو خالد بن علقمة، وقد رواه زائدة بن قدامة وغيره على ما قاله أحمد.

 

وبلغنا عنالدارقطني: أن ابن جرير الطبري قال: فيمن روى عن النبي ﷺ من بني سُليم: ومنهم عتبة بن البذر، قاله بالباء والذال المعجمة، وروى له حديثا وإنما هو ابن الندر بالنون والدال غير المعجمة.

 

ومثال التصحيف في المتن: ما رواه ابن لهيعة، عن كتاب موسى بن عقبة إليه، بإسناده عن زيد بن ثابت: أن رسول الله ﷺ احتجم في المسجد، وإنما هو بالراء احتجر في المسجد بخص أو حصير، حجرة يصلي فيها. فصحفه ابن لهيعة، لكونه أخذه من كتاب بغير سماع. ذكر ذلك مسلم في كتاب التمييز له.

 

وبلغنا عن الدارقطني في حديث أبي سفيان عن جابر قال: رُمي أبي يوم الأحزاب على أكحله، فكواه رسول الله ﷺ: أن غندرا قال فيه أبي وإنما هو أُبي وهو أبي بن كعب.

 

وفي حديث أنس: ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة. قال فيه شعبة ذُرة بالضم والتخفيف، ونسب فيه إلى التصحيف.

 

وفي حديث أبي ذر: تعين الصانع. قال فيه هشام بن عروة: بالضاد المعجمة، وهو تصحيف، والصواب ما رواه الزهري الصانع بالصاد المهملة، ضد الأخرق.

 

وبلغنا عن أبي زرعة الرازي: أن يحيى بن سلام - هو المفسر - حدث عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله تعالى: «سأريكم دار الفاسقين» قال مصر. واستعظم أبو زرعة هذا واستقبحه، وذكر أنه في تفسير سعيد عن قتادة مصيرهم

 

وبلغنا عن الدارقطني: أن محمد بن المثنى أبا موسى العنزي حدث بحديث النبي ﷺ: «لا يأتي أحدكم يوم القيامة ببقرة لها خوار» فقال فيه: أو «شاة تنعر» بالنون، وإنما هو: تَيْعَر بالياء المثناة من تحت. وأنه قال لهم يوما: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة، قد صلى النبي ﷺ إلينا. يريد ما روي: أن النبي ﷺ صلى إلى عنزة، توهّم أنه صلى إلى قبيلتهم، وإنما العنزة ههنا حربة، نصبت بين يديه فصلى إليها.

 

وأظرف من هذا ما رويناه عن الحاكم أبي عبد الله، عن أعرابي زعم: أنهﷺ كان إذا صلى نصبت بين يديه شاة، أي صحفها عنْزة بإسكان النون.

 

وعن الدارقطني أيضا: أن أبا بكر الصولي أملى في الجامع حديث أبي أيوب:من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال. فقال فيه شيئا بالشين والياء.

 

وأن أبا بكر الإسماعيلي الإمام كان - فيما بلغهم عنه -يقول في حديث عائشة، عن النبي ﷺ في الكهان قر الزجاجة بالزاي، وإنما هو: قر الدجاجة بالدال.

 

وفي حديث يروى عن معاوية بن أبي سفيان قال: لعن رسول الله ﷺ الذين يشققون الخطب تشقيق الشعر. ذكر الدارقطني عن وكيع أنه قاله مرة بالحاء المهملة وأبو نعيم شاهد، فرده عليه بالخاء المعجمة المضمومة.

 

وقرأت بخط مصنف: أن ابن شاهين قال في جامع المنصور في الحديث: أن النبي ﷺ نهى عن تشقيق الحطب. فقال بعض الملاحين: يا قوم ! فكيف نعمل والحاجة ماسة.

 

قلت: فقد انقسم التصحيف إلى قسمين: أحدهما في المتن، والثاني في الإسناد.

 

وينقسم قسمة أخرى إلى قسمين:

 

أحدهما: تصحيف البصر، كما سبق عن ابن لهيعة وذلك هو الأكثر.

 

والثاني: تصحيف السمع، نحو حديث لعاصم الأحول رواه بعضهم فقال عن واصل الأحدب فذكر الدارقطني: أنه من تصحيف السمع، لا من تصحيف البصر، كأنه ذهب - والله أعلم - إلى أن ذلك مما لا يشتبه من حيث الكتابة، وإنما أخطأ فيه سمع من رواه.

 

وينقسم قسمة ثالثة: إلى تصحيف اللفظ، وهو الأكثر. وإلى تصحيف يتعلق بالمعنى دون اللفظ، كمثل ما سبق عن محمد بن المثنى في الصلاة إلى عنزة.

 

وتسمية بعض ما ذكرناه تصحيفا مجاز، و الله أعلم.

 

وكثير من التصحيف المنقول عن الأكابر الجلة لهم فيه أعذار لم ينقلها ناقلوه، ونسأل الله التوفيق والعصمة، والله أعلم.

 

36. ============

النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث

 

وإنما يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه، الغواصون على المعاني الدقيقة.

 

اعلم: أن ما يذكر في هذا الباب ينقسم إلى قسمين:

 

أحدهما: أن يمكن الجمع بين الحديثين، ولا يتعذر إبداء وجه ينفي تنافيهما، فيتعين حينئذ المصير إلى ذلك والقول بهما معا.

 

ومثاله: حديث: «لا عدوى ولا طيرة». مع حديث: «لا يورد ممرض على مصح». وحديث: «فر من المجذوم فرارك من الأسد». وجه الجمع بينهما: أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها، ولكن الله تبارك وتعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإعدائه مرضه.

 

ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب: ففي الحديث الأول: نفى ﷺ ما كان يعتقده الجاهلي من أن ذلك يعدي بطبعه، ولهذا قال: فمن أعدى الأول ؟. وفي الثاني: اعلم بأن الله سبحانه جعل ذلك سببا لذلك، وحذَّر من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجوده، بفعل الله سبحانه وتعالى. ولهذا في الحديث أمثال كثيرة. وكتاب مختلف الحديث لابن قتيبة في هذا المعنى: إن يكن قد أحسن فيه من وجه فقد أساء في أشياء منه، قصر باعه فيها، وأتى بما غيره أولى وأقوى.

 

وقد روينا عن محمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام أنه قال: لا أعرف أنه روي عن النبي ﷺ حديثان بإسنادين صحيحين متضادين، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما.

 

القسم الثاني: أن يتضادا بحيث لا يمكن الجمع بينهما، وذلك على ضربين:

 

أحدهما: أن يظهر كون أحدهما ناسخا والآخر منسوخا، فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ.

 

والثاني: أن لا تقوم دلالة على أن الناسخ أيهما والمنسوخ أيهما: فيفزع حينئذ إلى الترجيح، ويعمل بالأرجح منهما والأثبت، كالترجيح بكثرة الرواة، أوبصفاتهم في خمسين وجها من وجوه الترجيحات وأكثر، ولتفصيلها موضع غير ذا، والله سبحانه أعلم.=

 

===========

النوع السابع والثلاثون: معرفة المزيد في متصل الأسانيد

 

مثاله: ما روي عن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني بسر بن عبيد الله قال: سمعت أبا إدريس يقول: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت أبا مرثد الغنوي يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها».

 

فذكر سفيان في هذا الإسناد زيادة ووهم، وهكذا ذكر أبي إدريس.

 

أما الوهم في ذكر سفيان: فممن دون ابن المبارك لأن جماعة ثقات رووه عن ابن المبارك عن ابن جابر نفسه، ومنهم من صرَّح فيه بلفظ الإخبار بينهما.

 

وأما ذكر أبي إدريس فيه: فابن المبارك منسوب فيه إلى الوهم، وذلك لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن جابر، فلم يذكروا أبا إدريس بين بسر وواثلة. وفيهم من صرح فيه بسماع بسر من واثلة.

 

قال أبو حاتم الرازي: يرون أن ابن المبارك وهم في هذا. قال: وكثيرا ما يحدث بسر من أبي إدريس، فغلط ابن المبارك، وظن أن هذا مما روى عن أبي إدريس عن واثلة، وقد سمع هذا بسر من واثلة نفسه.

 

قلت: قد ألف الخطيب الحافظ في هذا النوع كتابا سماه كتاب تمييز المزيد في متصل الأسانيد وفي كثير مما ذكره نظر، لأن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد:

 

إن كان بلفظهعن في ذلك فينبغي أن يحكم بإرساله، ويجعل معللا بالإسناد الذي ذكر فيه الزائد، لما عرف في نوع المعلل، وكما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في النوع الذي يليه.

 

وإن كان فيه تصريح بالسماع أو بالإخبار، كما في المثال الذي أوردناه، فجائز أن يكون قد سمع ذلك من رجل عنه، ثم سمعه منه نفسه، فيكون بسر في هذا الحديث قد سمعه من أبي إدريس عن واثلة، ثم لقي واثلة فسمعه منه، كما جاء مثله مصرحا به في غير هذا.

 

اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه وهما، كنحو ما ذكره أبو حاتم في المثال المذكور.

 

وأيضا فالظاهر ممن وقع له مثل ذلك أن يذكر السماعين، فإذا لم يجيء عنه ذكر ذلك حملناه على الزيادة المذكورة، والله أعلم.

 

******38*****

النوع الثامن والثلاثون: معرفة المراسيل الخفي إرسالها

 

هذا نوع مهم عظيم الفائدة، يدرك بالاتساع في الرواية والجمع لطرق الأحاديث مع المعرفة التامة، وللخطيب الحافظ فيه كتاب التفصيل لمبهم المراسيل.

 

والمذكور في هذا الباب منه ما عرف فيه الإرسال بمعرفة عدم السماع من الراوي فيه أو عدم اللقاء كما في الحديث المروي عن العوام بن حوشب، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي ﷺ إذا قال بلال: قد قامت الصلاة، نهض وكَّبر. روي فيه عن أحمد بن حنبل أنه قال: العوام لم يلقَ ابن أبي أوفى.

 

ومنه ما كان الحكم بإرساله محالا على مجيئه من وجه آخر، بزيادة شخص واحد أو أكثر في الموضع المدعى فيه الإرسال، كالحديث الذي سبق ذكره في النوع العاشر: عن عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق، فإنه حكم فيه بالانقطاع والإرسال بين عبد الرزاق والثوري، لأنه روي عن عبد الرزاق قال: حدثني النعمان بن أبي شيبة الجندي، عن الثوري، عن أبي إسحاق، وحكم أيضا فيه بالإرسال بين الثوري وأبي إسحاق، لأنه روي عن الثوري عن شريك عن أبي إسحاق.

 

وهذا وما سبق في النوع الذي قبله يتعرضان: لأن يعترض بكل واحد منهما على الآخر، على ما تقدمت الإشارة إليه، والله أعلم.==

 

39   39  39

النوع التاسع والثلاثون: معرفة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

 

هذا علم كبير قد ألف الناس فيه كتبا كثيرة، ومن أجلِّها وأكثرها فوائد كتاب الاستيعاب لابن عبد البر، لولا ما شانه به من إيراده كثيرا مما شجر بين الصحابة، وحكاياته عن الإخباريين لا المحدثين. وغالب على الإخباريين الإكثار والتخليط فيما يروونه.

 

وأنا أورد نكتا نافعة - إن شاء الله تعالى - قد كان ينبغي لمصنفي كتب الصحابة أن يتوجوها بها، مقدمين لها في فواتحها:

 

إحداها: اختلف أهل العلم في أن الصحابي من ؟

 

فالمعروف من طريقة أهل الحديث: أن كل مسلم رأى رسول الله ﷺ فهو من الصحابة.

 

قال البخاري في صحيحه: من صحب النبي ﷺ أو رآه من المسلمين، فهو من أصحابه.

 

وبلغنا عن أبي المظفر السمعاني المروزي أنه قال: أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابة على كل من روى عنه حديثا أو كلمة، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة، وهذا لشرف منزلة النبي ﷺ، أعطوا كل من رآه حكم الصحبة.

 

وذكر: أن اسم الصحابي - من حيث اللغة والظاهر - يقع على من طالت صحبته للنبي ﷺوكثرت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه. قال: وهذا طريق الأصوليين.

 

قلت: وقد روينا عن سعيد بن المسيب: أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله ﷺ سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين. وكأن المراد بهذا - إن صح عنه - راجع إلى المحكي عن الأصوليين. ولكن في عبارته ضيق، يوجب ألا يعد من الصحابة جرير بن عبد الله البجلي ومن شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم، ممن لا نعرف خلافا في عدِّه من الصحابة.

 

وروينا عن شعبة عن موسى السبلاني - وأثنى عليه خيرا - قال: أتيت أنس بن مالك فقلت: هل بقي من أصحاب رسول الله ﷺ أحد غيرك ؟ قال: بقي ناس من الأعراب قد رأوه فأما من صحبه فلا. إسناده جيد، حدَّث به مسلم بحضرة أبي زرعة.

 

ثم إن كون الواحد منهم صحابيا: تارة يعرف بالتواتر، وتارة بالاستفاضة القاصرة عن التواتر، وتارة بأن يروى عن آحاد الصحابة أنه صحابي، وتارة بقوله وإخباره عن نفسه - بعد ثبوت عدالته - بأنه صحابي، والله أعلم.

 

الثانية: للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي: أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة.

 

قال الله تبارك وتعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس» الآية. قيل: اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب رسول الله ﷺ

 

وقال تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس». وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ.

 

وقال سبحانه وتعالى: «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار» الآية.

 

وفي نصوص السنة الشاهدة بذلك كثرة، منها: حديث أبي سعيد المتفق على صحته: أن رسول الله ﷺ قال: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه».

 

ثم إن الأمة مجمعة علي تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم: فكذلك بإجماع العلماء الذين يُعتد بهم في الإجماع، إحسانا للظن بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكان الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة، والله أعلم.

 

الثالثة: أكثر الصحابة حديثا عن رسول الله ﷺ أبو هريرة روي ذلك عن سعيد بن أبي الحسن و أحمد بن حنبل، وذلك من الظاهر الذي لا يخفي على حديثي، وهو أول صاحب حديث بلغنا عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني قال: رأيت أبا هريرة في النوم، وأنا بسجستان أصنف حديث أبي هريرة فقلت: إني لأحبك، فقال: أنا أول صاحب حديث كان في الدنيا. وعن أحمد بن حنبل أيضا رضي الله عنه قال: ستة من أصحاب النبي ﷺ أكثروا الرواية عنه وعمَّروا أبو هريرة وابن عمر وعائشة وجابر بن عبد الله وابن عباس وأنس وأبو هريرة أكثرهم حديثا، وحمل عنه الثقات.

 

ثم إن أكثر الصحابة فُتْيا تروى ابن عباس. بلغنا عن أحمد بن حنبل قال: ليس أحد من أصحاب النبي ﷺ يروى عنه في الفتوى أكثر من ابن عباس. وروينا عن أحمد بن حنبل أيضا أنه قيل له: من العبادلة ؟ فقال: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو. قيل له: فابن مسعود ؟ قال: لا، ليس عبد الله بن مسعود من العبادلة.

 

قال الحافظ أحمد البيهقي فيما رويناه عنه وقرأته بخطه: وهذا لأن ابن مسعود تقدم موته، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم. فإذا اجتمعوا على شيء قيل هذا قول العبادلة أو هذا فعلهم.

 

قلت: ويلتحق بابن مسعود في ذلك سائر العبادلة المسمين بعبد الله من الصحابة، وهم نحو مائتين وعشرين نفسا، والله أعلم.

 

وروينا عن علي بن عند الله المديني قال: لم يكن من أصحاب النبي ﷺ له أصحاب يقومون بقوله في الفقه إلا ثلاثة: عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم. كان لكل رجل منهم أصحاب يقومون بقوله ويفتون الناس.

 

وروينا عن مسروق قال: وجدت علم أصحاب النبي ﷺ انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وأُبيّ، وزيد، وأبي الدرداء، وعبد الله بن مسعود، ثم انتهى علم هؤلاء الستة إلى اثنين: علي، وعبد الله.

 

وروينا نحوه عن مطرِّف، عن الشعبي، عن مسروق لكن ذكر أبا موسى بدل أبي الدرداء.

 

وروينا عن الشعبي قال: كان العلم يؤخذ عن ستة من أصحاب رسول الله ﷺ وكان عمر، وعبد الله، وزيد، يشبه علم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض، وكان علي، والأشعري، وأبي، يشبه علم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض.

 

وروينا عن الحافظ أحمد البيهقي: أن الشافعي ذكر الصحابة في رسالته القديمة، وأثنى عليهم بما هم أهله، ثم قال: وهم فوقنا في كل علم، واجتهاد، وورع، وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأُولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا والله أعلم.

 

الرابعة: روينا عن أبي زرعة الرازي: أنه سئل عن عدة من روى عن النبي ﷺ فقال: ومن يضبط هذا ؟ شهد مع النبي ﷺ حجة الوداع أربعون ألفا، وشهد معه تبوك سبعون ألفا.

 

وروينا عن أبي زرعة - أيضا - أنه قيل له: أليس يقال: حديث النبي ﷺ أربعة آلاف حديث ؟ قال: ومن قال ذا قلقل الله أنيابه ؟ هذا قول الزنادقة، ومن يحصي حديث رسول الله ﷺ قبض رسول الله ﷺ عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة، ممن روي عنه وسمع منه. وفي رواية: ممن رآه وسمع منه. فقيل له: يا أبا زرعة، هؤلاء أبن كانوا و أين سمعوا منه ؟ قال: أهل المدينة، وأهل مكة، ومن بينهما، والأعراب، ومن شهد معه حجة الوداع كل رآه وسمع منه بعرفة.

 

قال المؤلف: ثم إنه اختلف في عدد طبقاتهم وأصنافهم، والنظر في ذلك إلى السبق بالإسلام، والهجرة، وشهود المشاهد الفاضلة مع رسول الله ﷺ بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا هو ﷺ.

 

وجعلهم الحاكم أبو عبد الله: اثنتي عشرة طبقة، ومنهم من زاد على ذلك ولسنا نطول بتفصيل ذلك، والله أعلم.

 

الخامسة: أفضلهم على الإطلاق أبو بكر، ثم عمر. ثم إن جمهور السلف على تقديم عثمان على علي، وقدم أهل الكوفة من أهل السنة عليا على عثمان، وبه قال بعض السلف، منهم سفيان الثوري أولا، ثم رجع إلى تقديم عثمان، روي ذلك عنه وعنهم الخطابي. وممن نقل عنه من أهل الحديث تقديم علي على عثمان محمد بن إسحاق بن خزيمة. وتقديم عثمان هو الذي استقرت عليه مذاهب أصحاب الحديث وأهل السنة.

 

وأما أفضل أصنافهم صنفا: فقد قال أبو منصور البغدادي التميمي: أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة ثم البدريون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية.

 

قلت: وفي نص القرآن تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وهم الذين صلوا إلى القبلتين في قول سعيد بن المسيب وطائفة. وفي قول الشعبي: هم الذين شهدوا بيعة الرضوان. وعن محمد بن كعب القرظي وعطاء بن يسار أنهما قالا: هم أهل بدر، روى ذلك عنهما ابن عبد البر فيما وجدناه عنه، والله أعلم.

 

السادسة: اختلف السلف في أولهم إسلاما:

 

فقيل: أبو بكر الصديق، روي ذلك عن ابن عباس، وحسان بن ثابت، وإبراهيم النخعي، وغيرهم.

 

وقيل: علي أول من أسلم، روي ذلك عن زيد بن أرقم، وأبي ذر، والمقداد، وغيرهم.

 

وقال الحاكم أبو عبد الله: لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب أولهم إسلاما، واستنكر هذا من الحاكم.

 

وقيل: أول من أسلم زيد بن حارثة. وذكر معمر نحو ذلك عن الزهري.

 

وقيل: أول من أسلم خديجة أم المؤمنين، روي ذلك من وجوه عن الزهري. وهو قول قتادة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وجماعة. وروي أيضا عن ابن عباس. وادعى الثعلبي المفسر فيما رويناه أو بلغنا عنه: اتفاق العلماء على أن أول من أسلم خديجة، وأن اختلافهم إنما هو في أول من أسلم بعدها.

 

والأورع أن يقال: أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان أو الأحداث علي، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال، والله أعلم.

 

السابعة: أخرهم على الإطلاق موتا أبو الطفيل عامر بن واثلة مات سنة مائة من الهجرة.

 

وأما بالإضافة إلى النواحي:

 

فآخر من مات منهم بالمدينة: جابر بن عبد الله، رواه أحمد بن حنبل عن قتادة. وقيل: سهل بن سعد، وقيل: السائب بن يزيد.

 

وآخر من مات منهم بمكة عبد الله بن عمر، وقيل: جابر بن عبد الله. وذكر علي بن المديني أن أبا الطفيل مات بمكة، فهو إذا الآخر بها.

 

وآخر من مات منهم بالبصرة: أنس بن مالك. قال أبو عمر بن عبد البر: ما أعلم أحدا مات بعده ممن رأى رسول الله ﷺ إلا أبا الطفيل.

 

وآخر من مات منهم بالكوفة: عبد الله بن أبي أوفى.

 

وبالشام: عبد الله بن بسر، وقيل: بل أبو أمامة.

 

وتبسط بعضهم فقال: آخر من مات من أصحاب رسول الله ﷺ بمصر: عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي. وبفلسطين: أبو أبيّ بن أم حرام. وبدمشق: واثلة بن الأسقع. وبحمص: عبد الله بن بسر. وباليمامة: الهرماس بن زياد. وبالجزيرة: العرس بن عَميرة. وبأفريقية: رويفع بن ثابت. وبالبادية في الأعراب: سلمة بن الأكوع، رضي الله عنهم أجمعين.

 

وفي بعض ما ذكرناه خلاف لم نذكره، وقوله في رويفع بأفريقية لا يصح، إنما مات في حاضرة برقة وقبره بها. ونزل سلمة إلى المدينة قبل موته بليال فمات بها، والله أعلم.

 

40   40      40

النوع الموفي أربعين: معرفة التابعين

 

هذا ومعرفة الصحابة أصل أصيل يرجع إليه في معرفة المرسل والمسند.

 

قال الخطيب الحافظ: التابعي من صحب الصحابي.

 

قلت: ومطلقة مخصوص بالتابع بإحسان. ويقال للواحد منهم تابع وتابعي.

 

وكلام الحاكم أبي عبد الله وغيره مشعر بأنه يكفي فيه أن يسمع من الصحابي أو يلقاه، وإن لم توجد الصحبة العرفية. والاكتفاء في هذا بمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه في الصحابي، نظرا إلى مقتض اللفظين فيهما.

 

وهذه مهمات في هذا النوع:

 

إحداها: ذكر الحافظ أبو عبد الله: أن التابعين على خمس عشرة طبقة:

 

الأولى: الذين لحقوا العشرة سعيد بن المسيب، وقيس بن أبي حازم، وأبو عثمان النهدي، وقيس بن عباد، وأبو ساسان حضين بن المنذر، وأبو وائل، وأبو رجاء العطاردي وغيرهم. وعليه في بعض هؤلاء إنكار، فإن سعيد بن المسيب ليس بهذه المثابة، لأنه ولد في خلافة عمر، ولم يسمع من أكثر العشرة. وقد قال بعضهم: لا تصح له رواية عن أحد من العشرة إلا سعد بن أبي وقاص.

 

قلت: وكان سعد آخرهم موتا.

 

وذكر الحاكم قبل كلامه المذكور: أن سعيدا أدرك عمر فمن بعده إلى آخر العشرة.

 

وقال: ليس في جماعة التابعين من أدركهم وسمع منهم غير سعيد وقيس بن أبي حازم. وليس ذلك على ما قال كما ذكرناه. نعم، قيس بن أبي حازم سمع العشرة وروى عنهم، وليس في التابعين أحد روى عن العشرة سواه، ذكر ذلك عبد الرحمن بن يوسف بن خراش الحافظ، فيما روينا أو بلغنا عنه. وعن أبي داود السجستاني أنه قال: روى عن التسعة: ولم يروِ عن عبد الرحمن بن عوف.

 

ويلي هؤلاء: التابعون الذين ولدوا في حياة رسول الله ﷺ من أبناء الصحابة كعبد الله بن أبي طلحة، وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، وأبي إدريس الخولاني، وغيرهم.

 

الثانية: المخضرمون من التابعين: هم الذين أدركوا الجاهلية، وحياة رسول الله ﷺوأسلموا، ولا صحبة لهم. وحدهم مخضرم - بفتح الراء - كأنه خضرم أي قطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحبة وغيرها.

 

وذكرهم مسلم فبلغ بهم عشرين نفسا، منهم: أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة الكندي، وعمرو بن ميمون الأودي، وعبد خير بن يزيد الخيواني، وأبو عثمان النهدي، وعبد الرحمن بن ملٍّ، وأبو الحلال العتكي ربيعة بن زرارة.

 

وممن لم يذكره مسلم: منهم أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب، والأحنف بن قيس، والله أعلم.

 

الثالثة: من أكابر التابعين الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وهم سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار.

 

روينا عن الحافظ أبي عبد الله أنه قال: هؤلاء الفقهاء السبعة عند الأكثر من علماء الحجاز.

 

وروينا عن ابن المبارك قال: كان فقهاء أهل المدينة الذين يصدرون عن رأيهم سبعة فذكر هؤلاء إلا أنه لم يذكر أبا سلمة بن عبد الرحمن، وذكر بدله سالم بن عبد الله بن عمر.

 

وروينا عن أبي الزناد تسميتهم في كتابه عنهم، فذكر هؤلاء، إلا أنه ذكر أبا بكر بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة وسالم.

 

الرابعة: ورد عن أحمد بن حنبل أنه قال: أفضل التابعين سعيد بن المسيب. فقيل له: فعلقمة والأسود ؟ فقال: سعيد بن المسيب، وعلقمة، والأسود.

 

وعنه أنه قال: لا أعلم في التابعين مثل أبي عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم.

 

وعنه أيضا أنه قال: أفضل التابعين قيس، وأبو عثمان وعلقمة، ومسروق، هؤلاء كانوا فاضلين، ومن علية التابعين.

 

وأعجبني ما وجدته عن الشيخ أبي عبد الله بن خفيف الزاهد الشيرازي في كتاب له، قال: اختلف الناس في أفضل التابعين: فأهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيب. وأهل الكوفة يقولون: أويس القرني. وأهل البصرة يقولون: الحسن البصري.

 

وبلغنا عن أحمد بن حنبل قال: ليس أحد أكثر فتوى من الحسن، وعطاء، يعني من التابعين.

 

وقال أيضا: كان عطاء مفتي مكة والحسن مفتي البصرة، فهذان أكثر الناس عنهم رأيهم.

 

وبلغنا عن أبي بكر بن أبي داود قال: سيدتا التابعين من النساء حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن. وثالثهما - وليست كهما - أم الدرداء، والله أعلم.

 

الخامسة: روينا عن الحاكم أبي عبد الله قال: طبقة تعد في التابعين، ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة، منهم: إبراهيم بن سويد النخعي الفقيه، وليس بإبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه، وبكير بن أبي السميط، وبكير بن عبد الله بن الأشج، وذكر غيرهم.

 

قال: وطبقة عدادهم عند الناس في أتباع التابعين وقد لقوا الصحابة، منهم: أبو الزناد عبد الله بن ذكوان لقي عبد لله بن عمر وأنسا، وهشام بن عروة، وقد أدخل على عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله. وموسى بن عقبة، وقد أدرك أنس بن مالك وأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص. وفي بعض ما قاله مقال.

 

قلت: وقوم عُدوا من التابعين وهم من الصحابة، ومن أعجب ذلك عَدُّ الحاكم أبي عبد الله: النعمان وسويدا ابني مقرن المزني في التابعين، عندما ذكر الأخوة من التابعين، وهما صحابيان معروفان مذكوران في الصحابة، والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفيزياء الثالث الثانوي3ث. رائع

الفيزياء الثالث الثانوي3ث. =============== . ...