روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

ب ميك

المدون

 

الأحد، 5 يونيو 2022

السلسة الضعيفة مجلد 13 كامل مجلد 2. ,3.

  

الكتاب : السلسة الضعيفة مجلد 13 كامل مجلد 2.

وحسل (كذا ، ولعله : حلس) ، ثم قالت : سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : ...
فذ كره . وقال :
"لا يروى إلا بهذا الإسناد ، تفرد به مؤمل بن عبدالرحمن ".
قلت : وهو ضعيف ؛ قال ابن أبي حماتم (4/1/375) عن أبيه :
"ليِّن الحديث ، ضعيف الحديث " . وقال ابن عدي (6/ 441) :
"عامة حديثه غير محفوظ " .
وساق له أحاديث واهية - كما قال الحافظ في "التهذيب " - ، ومنها :
"أمين خاتم رب العالمين ... " ، وقد مضى تخريجه برقم (1487) .
وأبو أمية بن يعلى : ضعيف - كما قال ابن عدي عقب الحديث المشار إليه
آنفاً - . وفي "الميزان" و "اللسان " :
"ضعفه الدارقطني ، وقال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه إلا للخواص " .
إذا عرفت ما تقدم من العلتين ؛ فالعجب من الهيثمي كيف لم ينبه عليهما ،
واقتصر على إعلاله بمن فوقهما ؟! فقال في "المجمع " (7/325) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " ، وفيه جماعة لم أعرفهم "!!
على أن قوله : "جماعة ... " ليس دقيقاً ؛ لأن من غير المتبادر منه أنه يعني به أم
الضراب وأم عيسى فقط ، وحينئذٍ فليس فيه من لا يعرف - كما يتبين لك مما سبق - ،
إلا إن كان يعني شيخ الطبراني محمد بن عبدالغني ؛ فإنه لا يعرف ، لكن ليس من
عادته إعلال الأحاديث بشيوخ الطبراني المستورين ، وأستبعد أن يعني أباه عبدالغني
- وهو : ابن عبدالعزيز العسال - ؛ فإنه مترجم في "التهذيب " ، وقال فيه النسائي :

(13/364)


"لا بأس به " . وقال الحافظ :
" صدوق " .
والحديث - قال العراقي في "تخريج الإحياء" (2/196) - :
"رواه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" من حديث عائشة ، والطبراني من
حديث ابن مسعود . وإسنادهما ضعيف " .
وأقره الزبيدي في "شرح الإحياء" (6/ 260) ، وما أظن أن عزوه للطبراني من
حديث ابن مسعود إلا وهماً ؛ فإني لم أره في "معجمه الكبير" - ؛ لأنه المراد عند
الإطلاق - ، ولا ذكره الهيثمي حيث ذكر حديث عائشة . والله سبحانه وتعالى
أعلم .

6161 - (إنَّ اللهَ أنزلَ بركاتٍ ثلاثاً : الشاةَ ، والنخلةَ ، والنارَ ) .
ضعيف جداً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/435/1065) :
حدثنا الحسين بن إسحاق التستري : ثنا محمد بن حميد الرازي : ثنا إبراهيم بن
المختار عن النضر بن حميد عن أبي إسحاق الهمداني عن الأصبغ بن نباتة عن
أم هاني قالت : دخل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال :
"ما لي لا أرى عندك من البركات شيئاً ؟ " . فقلت : وأي بركات تريد ؟ فقال : ...
فذكره .
قلت . وهذا إسناد واهٍ جداً ؛ مسلسل بالعلل :
الأولى : الأصبغ بن نُباتة : قال الذهبي في "الكاشف " :
"تركوه " . وقال الحافظ في "التقريب " :

(13/365)


" متروك ، رمي بالرفض " .
الثانية : أبو إسحاق الهمداني - هو : عمرو بن عبدالله السبيعي - : كان اختلط .
الثالثة : النضر بن حميد : قال الذهبي في "المغني " :
"قال أبو حاتم : متروك الحديث ، قلت : له عن ثابت عن أنس حديث كذب ،
أورده العقيلي " .
قلت : ويأتي - إن شاء الله - قريباً برقم (6164) .
الرابعة : إبراهيم بن المختار - وهو : الرازي - ، قال الذهبي في "الكاشف " :
"ضغف" . وقال الحافظ :
"صدوق ضعيف الحفظ " .
قلت : وقد وثقه ابن شاهين وابن حبان ، وقال أبو حاتم :
"صالح الحديث" .
كما كنت نقلته في "الصحيحة" تحت الحديث (1449) ؛ فهو وسط إن شاء
الله تعالى ، فالعلة ممن فوقه ، أو من دونه .
الخامسة : محمد بن حميد الرازي : قال في "الكاشف " :
"وثقه جماعة ، والأولى تركه " . وقال الحافظ :
"حافظ ضعيف ، وكان ابن معين حسن الرأي فيه " .
وأما الراوي عنه - الحسين بن إسحاق التستري - ؛ فهو حافظ رحّال ، له ترجمة
في "سير أعلام النبلاء" للذهبي (14/57) .

(13/366)


قلت : ومع هذه العلل الخمس فإن الهيثمي رحمه الله لم يعله إلا بالثالثة
منها ؛ فقال :
"رواه الطبراني في "الكبير" ، وفي "الأوسط " طرف منه ، وفيه النضر بن
حميد ، وهو متروك "!
على أن قوله هذا قد يوهم أنَّ النضر المذكور هو في إسناد "الأوسط " أيضاً ،
وليس كذلك ، فقد قال فيه (1/151/2844) : حدثنا إبراهيم قال : نا أبي قال : نا
أبو معاوية : نا يوسف بن صهيب عن صالح بن أبي عمرة عن أم هاني بنت أبي
طالب : دخل علي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال :
"ما لي لا أرى في بيتك بركة ؟ " .
قلت : وما البركة التي أنكرت من بيتي ؟ قال :
"لا أرى فيه شاة" . وقال :
"لم يروه عن يوسف إلا أبو معاوية ، تفرد به أحمد بن عمر" .
قلت : هو : الوكيعي ؛ وهو ثقة من شيوخ مسلم ، وسائر الرواة ثقات ؛ غير صالح
ابن أبي عمرة ، فلم أعرفه ، ويحتمل أنه الذي في "التعجيل " مرموزأ لكونه من
رجال أحمد :
" صالح مولى وجزة ، عن أم هاني . وعنه مسلم بن أبي مريم ، لا يعرف . قلت :
وقع في "المسند" من طريق أبي معشر نجيح المدني عن مسلم بن أبي مريم . وذكر
عبدالله بن أحمد بعده من طريق موسى بن خلف عن عاصم بن بهدلة عن أبي
صالح عن أم هاني نحوه " .

(13/367)


قلت : يشير الحافظ إلى خطأ أبي معشر ؛ لضعف حفظه في قوله : "صالح
مولى وجزة" وهي في "المسند" (6/425) ، ولكن ذلك لا يستلزم خطأ من قال في
حديث الترجمة :
"صالح بن أبي عمرة" ؛ لصحة السند إليه ، فهو على كل حال لا يعرف . والله
أعلم .
إلا أن هذه الرواية - على ما فيها من الجهالة - هي أقرب إلى الصحة من حديث
الترجمة الواهي ؛ ذلك لأن لأبي معاوية إسناداً آخر عن أم هانئ يشهد لصحتها ،
فقد قال الإمام أحمد (6/424) : ثنا أبو معاوية قال : ثنا هشام بن عروة عن أبيه
عنها قالت : قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"اتخذوا الغنم ؛ فإن فيها بركة" .
وإسناده صحيح على شرط الشيخين ، وأخرجه ابن ماجه بلفظ :
"اتخذي غنماً ... " والباقي مثله . وهو مخرج في "الصحيحة " (773) .

6162 - ( ما تَلِفَ مالٌ في بَرٍّ ولا بَحْرٍ إلا بمنع الزكاة ؛ فَحَرِّزوا
أموالكم بالزكاة ، وداووا مَرْضَاكم بالصدقة ، وادفعوا عنكم طَوَارِقَ
البلاء بالدعاء ، فإن الدعاء ينفع مما نزل ، ومما لم ينزل ... ما نزل يكشفه ،
وما لم ينزلْ يَحْبِسُه ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/801/34) ، ومن طريقه ابن عساكر
في "التاريخ " (11/522) من طريق هشام بن عمار : ثنا عراك بن خالد بن يزيد :
حدثني أبي قال : سمعت إبراهيم بن أبي عبلة عن عبادة بن الصامت رضي الله
عنه قال :

(13/368)


اتي رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قاعد في ظل الحطيم بمكة ، فقيل : يا رسول الله! أُتي
على مال أبي فلان بسيف البحر فذهب ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ وفيه علتان :
الأولى : الانقطاع بين إبراهيم بن أبي عبلة وعبادة بن الصامت ؛ فإن بين
وفاتيهما أكثر من مائة سنة .
والأخرى : ضعف عراك بن خالد بن يزيد - وهو : الْمُري الدمشقي - ، وهو لين
- كما في "التقريب" - .
وقد أعله أبو حاتم بالعلتين كلتيهما ، وقال :
"حديث منكر" ؛ كما كنت ذكرته تحت الحديث (575) من رواية عمر مرفوعاً
بالشطر الأول من حديث الترجمة ، وهذا القدر أخرج الأصبهاني منه في "الترغيب "
(2/ 606/ 1451) وزاد :
"فأحرزوا أموالكم بالزكاة " .
قلت : وزاد ابن عساكر فِي حَدِيثِ الترجمة ؛ فقال في آخره :
وعن عبادة بن الصامت : أن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول :

6163 - ( إن الله عَزَّ وَجَلَّ إذا أراد بقوم بقاءً أو نَمَاءً ؛ رزقهم السَّماحة
والعَفَاف ، وإذا أراد بقوم اقْتِطاعاً ؛ فتح عليهم باب خِيانةٍ ، ثم نَزَعَ :
{حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } ) .
منكر .
فيه علتان - كما تقدم بيانه في الذي قبله - . وقد أخرجه ابن أبي حاتم
في "تفسيره/ الأنعام " (ق 69/ 1) : حدثنا أبي : ثنا هشام بن عمار ... به . وعزاه

(13/369)


لسيوطي في "الدر" (12/3) لأبي الشبخ أيضاً وابن مردويه . ولما ساقه ابن ابن كثير
في "تفسيره " (2/133) بإسناد ابن أبي حاتم المذكور قال :
"ورواه أحمد وغيره " .
وما أظن إلا أنه وهم في عزوه لأحمد ، وغفل عن ذلك مختصره الشيخ
الصابوني ، وسرق تخريجه من أصله "تفسير ابن كثير" ، وأوهم القراء أنه منه! فقال
(579/1) :
"رواه ابن أبي حاتم وأحمد في (مسنده)" !!
كذا قال فض فوه ، فقد جمع في هذه الجملة القصيرة عديداً من الجهالات :
1 - نسب التخريج لنفسه ، فتشبع بما لم يعط فهو "كلابس ثوبي زور" ؛ كما
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمثاله .
2 - نقل خطأ عزوه لأحمد دون أن يشعر به ، شأن المقلد المحتطب الذي يحمل
الحطب على ظهره وفيها الأفعى وهو لا يشعر - كما روي عن الإمام الشافعي رحمه
الله - ، وكان يمكنه أن يستر على نفسه ؛ بأن يدع التخريج في "تفسير ابن كثير"
دون أن يقتطعه منه . وينقله إلى تعليقه! ولكنه العجب والغرور ، وصدق رسول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يقول :
"ثلاث مهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، واعجاب كل ذي رأي برأيه " .
3 - سكت عن إسناده ، وقد ساقه الحافظ تبرئة لذمته ، وليتعرف منه العالم
على حاله صحة أو ضعفاً ، ولكن أنى لهذا الجاهل أن يعرفه ؟ فكان عليه إذ جهل
حاله ولم يبينه ، أن يسوق إسناده تبرئة لذمته أيضاً .

(13/370)


4 - ومن تمام جهله وغروره وتشبعه بما لم يعط : أنه زاد في التخريج الذي سرقه
قوله : "في مسنده " ؛ لظنه أن عزوه لأحمد صحيح! وأنه يعني "مسنده " ، ظلمات
بعضها فوق بعض . هداه الله .

6163/ م - ( أُنْزِلَ القرآنُ على أربعةِ أحرفٍ: حلالٍ ، وحرامٍ ، لاَ
يُعذَر أحدٌ بالجهالة به ، وتفسيرٍ تُفسِّرُه العرب ، وتفسيرٍ تفسِّره العلماء ،
ومتشابهٍ لاَ يَعلَمُه إلا اللهُ ، ومَنِ ادَّعى علمه سوى اللهِ ؛ فهو كاذبٌ ) .
ضعيف جداً .
أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره " (1/36) من طريق
الكلبي عن أبي صالح مولى أم هانئ عن عبدالله بن عباس : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال : ... فذ كره ، وقال :
"في إسناده نظر" .
قلت : وآفته (الكلبي) - وهو : محمد بن السائب ، النسابة المفسر المشهور - :
قال الذهبي في "المغني " :
"تركوه ، كذبه سليمان التيمي وزائدة وابن معين ، وتركه القطان وعبدالرحمن " .
وقال الحافظ :
"متهم بالكذب ، ورمي بالرفض" .
وأبو صالح مولى أم هانئ ، اسمه : (باذام) ، وهو ضعيف .
والحديث رواه ابن جرير من طريق أبي الزناد قال : قال ابن عباس : ... فذكره
موقوفاً نحوه . وإسناده ضعيف .

تعليق المستخدم :قال الناشر في مقدمة هذا المجلد :
" وجدنا .. بعض الأحاديث أخذت الرقم المكرر قبلها ، ففصلنا اللاحق عن
السابق بوضع [ / م ] بعد الرقم المكرر ، ولم نعدِّل الأرقام ، لأن الشيخ - رحمه الله - كان
يُحيل عليها في كتبه الأخرى ، فتيسيراً على الباحث تركناها كما هي ، وهذه الأحاديث
هي : (6163 ، 6302 ، 6304 ) " .

حرره : عبد الرحمن الشامي

(13/371)


6164 - ( ما من شئ أطيب من ريح المؤمن ، إن ريحه ليوجد
بالآفاق ؛ وريحه عمله ، وحسن الثناء عليه ، وما من شئ أنتن من
ريح الكافر ، وإن ريحه ليوجد بالآفاق ؛ وريحه عمله ، وسوء الثناء
عليه ) .
كذب .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/289) من طريق النضر بن حميد
عن ثابت البناني عن أنس بن مالك ... مرفوعاً .
أورده في ترجمة النضر هذا ، وروى عن البخاري أنه قال :
"منكر الحديث" . وتقدم قول أبي حاتم فيه :
"متروك الحديث" . وقول الذهبي في هذا الحديث :
"كذب " . فانظر الحديث المتقدم قريباً برقم (6161) .

6165 - ( من لم يَغْزُ معي فليغزُ في البحر ، فإن قتال يوم في البحر
خير من قتال يومين في البر، فإن أجر الشهيد في البحر كأجر
شهيدين في البر ، وإن خيار الشهداء أصحاب الأكف . قيل:
ومن أصحاب الأكف ؟ قال: قوم تكفأ عليهم مراكبهم في البحر ) .
ضعيف .
أخرجة ابن أبي شيبة في "المصنف " (5/314) : حدثنا وكيع عن
سعيد بن عبدالعزيز عن علقمة بن شهاب ، قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ...
فذكره .
وتابعه ابن المبارك عن سعيد بن عبدالعزيز ... به .

(13/372)


أخرجه ابن عساكر في "التاريخ ثأ (798/11) من طريق سعيد بن رحمة بن
نعيم قال : سمعت ابن المبارك عن سعيد بن عبدالعزيز .
وأخرجه عبدالرزاق في "المصنف " (5/286/9631) عن عبد القدوس قال :
حدثنا علقمة بن شهاب القرشي ... به .
قلت :
وهذه أسانيد ضعيفة إلى علقمة بن شهاب ، وبعضها أشد ضعفاً من بعض ،
وأولها أحسنها حالاً ؛ فإن وكيعاً أشهر من أن يذكر .
وسعيلاً . بن عبد العزيز - وهو : التنوخي الدمشقي - : قال في "التقريب" :
"ثقة إمام ، سوَّاه أحمد بالأوزاعي ، وقدمه أبو مسهر ، لكنه اختلط في آخر
أ مره " .
وفي الطريق الثاني سعيد بن رحمة : قال ابن حبان في "الضعفاء" (1/328) :
"لا يجوز الاحتجاج به ؛ لمخالفته الأثبات في الروايات " . وأقره الحافظ في
" اللسان " - تبعاً للذهبي في " الميزان " - ، وقال :
"وهو راوي كتاب الجهاد عن ابن المبارك " .
والظاهر أن هذا الحديث فيه .
وأما الطريق الثالث : فهي أوهاها ؛ فإن عبدالقدوس هذا - الظاهر أنه عبدالقدوس
ابن شهاب الكلاعي الدمشقي - له ترجمة سيّئة في "الميزان " و"اللسان " .
مطلعها :

(13/373)


"قال عبدالرزاق : ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله : (كذاب) إلا لعبد القدوس " .
وقد رأيت أن مدار هذه الطرق على علقمة بن شهاب ، وَهُوَ مَجْهُولٌ الحال ،
ذكره ابن أبي حاتم (3/1/406) برواية سعيد هذا ومحفوظ بن علقمة ، ولم يذكر
فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وكذا صنع البخاري (4/1/43) ، وأما ابن حبان فذكره في
"الثقات " (5/212) على قاعدته برواية الاثنين المذكورين ، وأما البخاري فذكر :
(عفير) ... مكان : (محفوظ) .
وبالجملة فالحديث ضعيف ؛ لجهالة علقمة وإرساله ، وقد أعله ابن عبدالبر في
"التمهيد" (1/238) بأنه منقطع الإسناد . يعني الإرسال . وقد أسنده مختصراً
عمرو بن الحصين : نا محمد بن عبدالله بن علاثة عن سعيد بن عبدالعزيز عن
علقمة بن شهاب عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"من لم يدرك الغزو معي ؛ فليغز في البحر" .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/227/2/8517 - بترقيمي) ، ومن
طريقه ابن عساكر وقال :
"لم يذكره في (مسند الشاميين) " . وقال الطبراني :
"لم يروه عن سعيد بن عبدالعزيز إلا ابن علاثة ، تفرد به عمرو بن الحصين " .
قلت : وهو متروك متهم ، وقد تقدمت له أحاديث ؛ فراجع فهارس أسماء الرواة
المترجم لهم من هذه "السلسلة" .
(تنبيه) : لم يرد لهذا الحديث ذكر في "مجمع الزوائد" ، ولا في "الجامع
الكبير" ، ولا في "موسوعة أطراف الحديث" من رواية الطبراني هذه!

(13/374)


6166 - ( من طلب باباً من العلم ليُصلح به نفسه ، أو لمن بعده ؛
كتب الله له من الأجر مثل رمل عالِجٍ ) .
موضوع .
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (12/494) من طريق مسلمة بن
علي عن مروان عن أبان عن أنس بن مالك ... مرفوعاً .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته إما : أبان - وهو : ابن أبي عياش - أو : مسلمة بن
علي ؛ فإنهما متروكان - كما قال الحافظ في "التقريب " - .
ومروان - هو : ابن معاوية الفزاري ، وهو - ثقة مدلس .

6167 - (نهى أن يَحْلِقَ الرجلُ رأسَه وهو جُنُبٌ ، أو يَقْلِمَ ظُفْراً ، أو
يَنْتِفَ حاجباً وهو جنبٌ ) .
موضوع .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (12/532 - 533) من طريق
أبي الحسن علي بن محمد بن بلاغ - إمام الجامع بدمشق - : نا أبو بكر محمد
ابن علي المراغي : نا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي : نا
عبدالأعلى بن حماد النرسي : نا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك
قال :
دخل عليَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم الجمعة ، وأنا أفيض عليَّ شيئاً من الماء ، فقال لي :
"يا أنس! غسلك : للجمعة أم للجنابة ؟ " .
فقلت : يا رسول الله! بل للجنابة ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"يا أنس! عليك بالحنيك ، والفنيك ، والضاغطين ، والمسين ، والمنسبين ،
وأصول البراجم ، وأصول الشعر ، واثني عشر نقباً ، منها سبعة في وجهك ورأسك ،

(13/375)


واثنان في سفلتك ، وثلاث في صدرك وسرتك ، فوالذي بعثني بالحق نبياً ! لو
اغتسلت بأربعة أنهار الدنيا : سيحان وجيحان ، والنيل والفرات ، ثم لم تنقهم ؛
للقيت الله يوم القيامة وأنت جنب " .
قال أنس : فقلت : يا رسول الله! وما الحنيك ، وما الفنيك وما الضاغطين
والمسين وما المنسبين ؟ وما أصول البراجم ؟ فأومى إليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده : أن
الحقني ، فلحقته ، وأخذ بيدي ، وأجلسني بين يديه ، وقال لي :
"يا أنس! أما : (الحنيك) ... فلحيك الفوقاني ، وأما : (الفنيك) ... ففكك
السفلاني ، وأما : (الضاغطين) وهما : (المسين) ... فهما أصول أفخاذك ، وأما :
(المنسبين) ... فتفريش آذانك ، وأما : (أصول البراجم) ... فأصول أظافيرك ،
فوالذي بعثني بالحق نبياً! لتأتي الشعرة كالبعير المربوق حتى تقف بين يدي الله
فتقول : إلهي وسيدي! خذ لي بحقي من هذا" فعندها نهى رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...
الحديث .
ساقه ابن عساكر في ترجمة علي بن محمد بن القاسم بن بلاغ أبي الحسن
إمام جامع دمشق ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وقال عقبه :
"هذا الحديث منكر بمرة ، لم أكتبه بوجه من الوجوه ، وقد سمعت "مسند أبي
يعلى" من طريق ابن حمدان ، وطريق ابن المقرئ ، ولم أجد هذا الحديث فيه ،
ورجاله من أبي يعلى إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معروفون ثقات ، ولا أدري على من الحمل فيه
أعلى المراغي أم على ابن بلاغ ؟ وغالب الظن أن الآفة من المراغي " .
قلت : ولقد أحسن السيوطي في إيراد هذا الحديث في "ذيل الأحاديت
الموضوعة" (ص 100) ، وتبعه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/74 - 75) ، ونقلا

(13/376)


كلام ابن عساكر المذكور واعتمداه ؛ فإن لواثح الصنع والوضع عليه ظاهرة ، وفيه
ألفاظ غريبة وركيكة . والله أعلم .
ومن الغريب حقاً أن لا يتعرض الذهبي ولا العسقلاني لذكر المراغي وحديثه
هذا ، فضلاً عن ابن بلاغ في "الميزان" و"اللسان " !
(فائدة فقهية) :
ليس في الشرع ما يدل على كراهة حلق الشعر وقلم الظفر للجنب ، ومن
أبواب الإمام البخاري في "صحيحه" : (باب الجنب يخرج ويمثي في السوق
وغيره ، وقال عطاء : يحتجم الجنب ، ويقلم أظفاره ، ويحلق رأسه وإن لم يتوضأ) .
وأثر عطاء هذا وصله عبدالرزاق في !المصنف " (1/282/1091) بسند صحيح عنه .
ومن أحاديث البخاري : ما رواه عن أبي هريرة : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقيه في بعض
طريق المدينة وهو جنب ، [فأخذ بيدي ، فمشيت معه حتى قعد 1/75]، فانخنست
منه (وفي رواية : فانسللت) ، فذهب فاغتسل ، ثم جاء (وفي رواية : ثم جئتُ وهو
قاعد) ، فقال :
"أين كنت يا أبا هريرة!؟ " . قال : كنت جنباً ؛ فكرهت أن أجالسك وأنا على
غير طهارة ! فقال :
"سبحان الله [يا أبا هريرة!] ، إن المؤمن لا ينجس " .
"مختصر البخاري ، (1/79/162) (*) ، ورواه مسلم وغيره ، وهو مخرج في
"الإرواء" (1/193/174) .
__________
(*) وهو في طبعة مكتبة المعارف في (1/107/158) . وقوله : (وفي رواية فانسللت)
استدراك منها . (الناشر) .

(13/377)


6168 - ( إذا أراد الله بعبدٍ خيراً ؛ علّمه هؤلاء الكلمات ، ثم لم
يَنْسَهُنَّ : اللهم ! إني ضعيف فقوّ في رضاك ضعفي ، وذليل فأعزّني ،
وفقير فاغنني وارزُقْني ) .
موضوع .
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (12/595) من طريق عبد الصمد
ابن النعمان : حدثني ياسين بن معاذ الزيات عن العلاء بن المسيب عن أبي داود
عن البراء بن عازب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
قلت : وهذا موضوع " آفته أبو داود - وهو : نفيع بن الحارث الأعمى ، وهو بكنيته
أشهر - ، قال الحافظ :
"متروك ، وقد كذبه ابن معين" .
وقريب منه ياسين بن معاذ الزيات : قال البخاري :
"منكر الحديث" . وذكره ابن حبان في "الضعفاء" وقال (3/142) :
"يروي الموضوعات عن الثقات ، وكل ما وقع في نسخة ابن جريج عن أبي
الزبير من المناكير كان ذلك مما سمعه ابن جريج عن ياسين الزيات عن أبي الزبير ؛
فدلس عنه " .
وعبدالصمد بن النعمان : مختلف فيه ؛ فراجع إن شئت "الميزان " و "اللسان " .

6169 - ( يوشك أن يخرج ابن حمل الضأن " (ثلاث مرات) قلت :
وما حمل الضأن ؟ قال : رجل أحد أبويه شيطان يملك الروم ، يجيء
في ألف ألف من الناس ؛ خمسمائة ألف في البر ، وخمسمائة ألف في
البحر ، ينزلون أرضاً يقال لها : (العميق) ، فيقول لأصحابه : إن لي في

(13/378)


سفينتكم بقيّة ، فيحرقها بالنار ، ثم يقول لهم: لا رومية لكم ولا
قسطنطينية لكم ، من شاء أن يفرَّ . ويستمد المسلمون بعضهم بعضاً ،
حتى يمدهم أهل (عَدَنَ أَبْيَنَ) فيقول لهم المسلمون : الحقوا بهم
فكونوا سلاحاً واحداً ، فيقتتلون شهراً واحداً ، حتى يخوض في
سنابكها الدماء ، وللمؤمن يومئذ كفلان من الأجر على من كان قبله ،
إلا ما كان من أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإذا كان آخر يوم من الشهر ؛ قال
الله تعالى : اليوم أسل سيفي وأنصر ديني ، وأنتقم من عدوي ؛ فيجعل
الله لهم الدائرة عليهم ، فيهزمهم الله ، حتى تُستفتح القسطنطينية ،
فيقول أميرهم : لا غلول اليوم ، فبينا هم كذلك يقسمون بتر سهم
الذهب والفضة ؛ إذ نودي فيهم : ألا إن الدجال قد خلفكم في
دياركم ، فيدعون ما بأيديهم ، ويقتلون الدجالَ ) .
موقوف ضعيف .
أخرجه البزار في "مسنده " (4/34/3378) : حدثنا طالوت
ابن عباد : ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبدالرحمن بن أبي بكرة قال :
أتيتا عبدالله بن عمرو في بيته ، وحوله سماطان من الناس ، وليس على
فراشه [أحد] ، فجلست على فراشه مما يلي رجليه ، فجاء رجل أحمر عظيم البطن
فجلس ، فقال : من الرجل ؟ قلت : عبدالرحمن بن أبي بكرة قال : ومن أبو بكرة ؟
قال : وما تذكر الرجل الذي وثب إلى رسور اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سور الطائف ؟ فقال :
بلى ، فرحب ، ثم أنشأ يحدثنا فقال : يوشك ... الحديث موقوفاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات ؛ غير علي بن زيد - وهو : ابن
جدعان ، - وهو ضعيف - كما تقدم مراراً - . وبقية رجاله ثقات من رجال مسلم ؛

(13/379)


غير طالوت بن عباد - وهو : الجَحْدَري - ذكره ابن حبان في "الثقات " (8/329) ،
وقال أبو حاتم وصالح جزرة :
"صدوق" . وقال الذهبي في " الميزان " :
"شيخ معمر ، ليس به بأس" .
وطعن فيه ابن الجوزي من غير تثبت ؛ فراجع "الميزان "و"اللسان " .
وللحديث طريق أخرى عن ابن جدعان ، يرويه عمر بن زرارة الحَدَثي :
حدثنا عيسى بن يونس : حدثني المبارك بن فضالة : حدثني علي بن زيد بن
جدعان ... به مطولاً جداً ، وفيه بعد قوله : "من عدوي " بلفظ :
"من أعدائي ، وأنصر أوليائي ؛ فيقتتلون مقتلة ما رئي مثلها قط ، حتى ما
تسير الخيل إلا على الخيل ، وما يسير الرجل إلا على الرجل ، وما يجدون خلقاً
يحول بينهم وبين القسطنطينية ، ولا رومية ، فيقول أميرهم يومئذٍ : لا غلول اليوم ،
من أخذ اليوم شيئاً ؛ فهو له . فبينما هم كذلك إذ جاءهم أن الدجال قد خلفكم
في ذراريكم ، فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون .
ويصيب الناس مجاعة شديدة حتى إن الرجل ليحرق وتر قوسه فيأكله ... "
الحديث بطوله ، وفيه نزول عيسى عليه السلام ، ومقاتلته للدجال واليهود ،
وخروج يأجوح ومأجوج ، وموت عيسى ودفنه ، وبعث الريح اليمانية ، ورفع القرآن من
الصدور والبيوت ، وقيام الساعة .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (14/98 - المدينة) .
قلت : وكأنه مركب من عدة أحاديث ، ولعله من أوهام عمر بن زرارة الحدثي ؛

(13/380)


إنهه - وإن وثقه ابن حبان (8/444) وغيره ؛ فقد - كانت فيه غفلة ، ترجمه الخطيب
في "التاريخ " (11/202- 203) ، وروى عن صالح بن محمد الحافظ أنه قال :
"هو شيخ مغفل " ، وذكر قصة . وعن الدارقطني قال فيه :
" ثقة من مدينة في الثغر يقال لها : (الحَدَث) " .
قلت : ووقع في "تاريخ ابن عساكر" و" اللسان " : (الحرثي) ... بالراء ؛ وهو
تصحيف . ووقع في "ذيل الميزان" على الصواب .
والحديث - قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/319) - :
"رواه البزار موقوفاً ، وفيه علي بن زيد ، وهو حسن الحديث ، وبقية رجاله
ثقات "!
(فائدة) : لقد كان من الدواعي لتخريج هذا الحديث والكلام على إسناده
وبيان ضعفه : أن أحد الخطباء ذكر في خطبة الجمعة أول هذا الشهر (رجب سنة
1411) قطعة منه ، وهي التي فيها مقاتلة المسلمين للروم "حتى ما تسير الخيل إلا
على الخيل ، والرجل على الرجل ... " ، وقوله : "قال الله تعالى : أسل سيفي ...
وأنتقم من عدوي ، فيجعل الله لهم الدائرة عليهم ، فيهزمهم الله ... " ، وحمل
الحديث على الحرب الطاحنة التي شنها الأمريكان والبريطان وغيرهم - من دول
الكفر والمتحالفين معهم من الحكومات الإسلامية - على العراق ، وبَشَّرَ المسلمين
بأن النصر لهم على الكفار ، وتَخَرَّصَ ؛ فزعم أن ذلك سيكون في الشهر المذكور
بالذات . وبلغني ذلك عن أحد المتصوفة الذين أضلهم الله على علم ، ولا أدري من
هو السابق إلى هذا التخرص منهما ؟!
وأنا - وإن كنت أتمنى مع كل مسلم عاقل غيور أن يتحقق النصر للمسلمين ،

(13/381)


وأن يرجع الكفار عن ديارهم مقهورين مهزومين بفضل رب العالمين ؛ فإنني - أجد
لزاماً علي أن ألفت نظر إخواني المسلمين أن من الفتن التي أصابت كثيراً من
المسلمين : روايتهم بعض الأحاديث - أكثرها ضعيفة - ، وإشاعتها على الناس في
نشرات خاصة - ، حتى أوصل بعضها مَن لا علم عنده إلى المسلمين في أمريكا
وغيرها من بلاد الكفر ، وسُئلت عن الكثير منها من هناك أو غيرها من مختلف
البلاد - كهذا الحديث ؛ فإنه لا يجوز روايتها ونشرها بين الناس إلا بعد أن يتحققوا
من ثبوتها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإلا ؛ دخلوا في وعيد قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "من كذب علي
متعمداً ؛ فليتبوأ مقعده من النار" .
كهذا الحديث : فإنه لا يصح - وبخاصة رواية ابن عساكر - ، ولو أنه صح ؛ لم
يجز تأويله وحمله على هذه الحرب ؛ لأنه صريح في أنه يتحدث عن قتال سيكون
بين يدي نزول عيسى عليه السلام ، وقتاله للدجال واليهود الذين يخرجون معه من
أصبهان - كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة - ، فإن تأويل هذه الأحاديث
على خلاف دلالتها الظاهرة هو نوع من الكذب على قائلها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما لا يخفى
على أهل العلم - . وبهذه المناسبة أقول :
بلغني عن بعض من تصوف - بعد هدى كان عليه - أنه يصرح أن المهدي
عليه السلام على وشك الخروج في هذه الأيام ، وقد سمى شهر رمضان من هذه
السنة! وهذا من تخرصاته ، أو وساوس شيطانه ؛ فإنه غيب لا يعلمه إلا الله . بل
هو خلاف ما تدل عليه الأحاديث الصحيحة ، وما تقتضيه سنة الله الكونية التي
منها ما أفاده قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ،
وذلك أن من المعلوم أن عيسى عليه السلام ينزل عند المنارة البيضاء شرقي
دمشق ، وأنه يصلي خلف المهدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وهذا يعني أن عيسى عليه

(13/382)


السلام يكون مع المؤمنين في بيت المقدس حين يحاصره الدجال ، ويكون معه
سبعون ألفاً من يهود أصبهان عليهم الطيالسة ، وهذا يعني : أن لا يهود يومئذٍ في
فلسطين ، أو على الأقل في بيت المقدس ، وهذا وذاك يعني : أن دولة اليهود يكون
المسلمون قد قضوا عليها .
وواقع المسلمين اليوم - مع الأسف - لا يوحي بأنهم يستطيعون ذلك ؛ لبعدهم
عن الأخذ بالأسباب التي تؤهلهم لذلك ؛ لأنهم لم ينصروا الله حتى ينصرهم ،
ولذلك فلا بد لهم من الرجوع إلى دينهم ؛ ليرفع الذل عنهم - كما وعدهم بذلك
نبيهم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، حتى إذا خرج المهدي ونزل عيسى ؛ وجد المسلمين مستعدين
لقيادتهم إلى ما فيه مجدهم وعزهم في الدنيا والآخرة ، فعليهم أن يعملوا لذلك
كما أمر الله تعالى :{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ...} الآية .
(تنبيه) : قوله فِي حَدِيثِ الترجمة :
"فيقتتلون شهرأ واحداً حتى يخوض في سنابكها الدماء" ، وفي رواية ابن
عساكر :
"فيقتتلون شهراً ، لا يكل لهم سلاح ، ولا لكم ، ويقذف الصبر عليكم وعليهم " .
كذا في "تاريخ دمشق " : (الصبر) ، ووقع في "كنز العمال " (14/ 580 - صبع
مؤسسة الرسالة) و (7/259 - طبع حيدر آباد) : (الطير)! فتأوله أحد الخطباء
الجهلة بـ : (الطائرة) التي تقذف القنابل! وهو تأويل بارد ، مع ضعف الحديث .
وقد ساق الشيخ التويجري حديث ابن عساكر بطوله في كتابه "إتحاف
الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة" (2/ 241 - 243) ، وسكت
عنه!

(13/383)


6170 - (ما استَوْدَعَ اللهُ عبداً عَقْلاً إلا اسْتَنْقَذَهُ به يوماً ما) .
ضعيف جداً .
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/148) ، وابن شاهين في
"الترغيب" (ق 295/1) ، وابن عدي في "الكامل" (1/176) من حديث أبي
حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي : حدثنا حاتم بن إسماعيل عن سلمة بن
وردان عن أنس ... مرفوعاً . وقال ابن عدي :
"لا أعرف يرويه غير أبي حذيفة هذا ، وحدث عن مالك وغيره بالبواطيل " .
وقال ابن حبان :
"يأتي عن الثقات ما ليس من حديث الأثبات ، حتى شهد مَنْ الحديثُ
صناعتُه أنها معلولة" .
والحديث أورده أبو الفضل ابن طاهر المقدسي في "تذكرة الموضوعات" ، وقال
(ص 74) :
"فيه أبو حذافة أحمد بن إسماعيل ؛ منكر الحديث " .
(تنبيه) : لفظ : (عقلاً) ... هكذا وقع في كل المصادر المذكورة ، إلا في الطبعة
الأولى لـ "الكامل " (1/ 180) والمصورة التي اعتمدوا عليها ؛ فقد وقع فيه بلفظ :
(خلقاً) ، والظاهر أنه خطأ . والله أعلم .

6171 - ( ما يمنعكُنَّ أن تجعلن قِرْطَينِ من فضة ، وتُصَفِّرْنَهُ بعَبيرٍ أو
زَعْفَرانٍ ؛ فيكونَ كأنه ذهبٌ ؟ ) .
ضعيف .
أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده " (4/31/2) قال : أخبرنا
جرير عن مُطَرِّف عن أبي الجهم عن أبي هريرة قال :

(13/384)


كنت عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأتته امرأة فقالت : يا رسول الله! سواران من ذهب ؟
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"سواران من نار" .
قالت : يا رسول الله ! قرطان من ذهب ؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"قرطان من نار" .
قالت : يا رسول الله! إن المرأة إذا لم تزين لزوجها ؛ صَلَفَت عنده ، قال : فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد جيد ، رجاله ثقات رجال الشيخين ؛ غير أبي الجهم - واسمه :
سليمان بن الجهم ، من رجال "التهذيب " - : ذكر في "الجرح ، (2/1/104) أن
مطرفاً هذا - وهو : ابن طريف - أثنى عليه خيراً . وذكره ابن حبان في "الثقات "
(4/310) ، ووثقه العجلي أيضاً وابن عمير .
ثم تكشفت لي أن فيه علة وهي الانقطاع بينه وبين أبي هريرة ؛ فقد أخرجه
النسائي وأحمد من طريق أسباط - وهو : ابن محمد القرشي مولاهم ، وهو ثبت فيما
يرويه عن مطرف - فقال : عن مطرف عن أبي الجهم عن أبي زيد عن أبي هريرة .
وتابعه عند النسائي خالد عن مطرف ... به .
وخالد - هو : ابن عبدالله الواسطي - ثقة ثبت ، وقد زادا في الإسناد أبا زيد ؛
وَهُوَ مَجْهُولٌ ، وزيادتهما مقدمة على رواية جرير - وهو : ابن عبدالحميد - ؛ لثقتهما
أولاً ، ولتفرده بمخالفتهما ثانياً ، ولا سيما وقد قيل : إنه كان في آخر عمره يهم في
حفظه - كما قال الحافظ - ، ويؤيد ذلك أنهم لم يذكروا له رواية عن أبي هريرة ، وإنما
قالوا : روى عن أبي زيد صاحب أبي هريرة .

(13/385)


وقد جاء حديث الترجمة من حديث أسماء بنت يزيد ، وعطاء بن أبي رباح ،
وليس فيهما ذكر القرطين من ذهب ؛ ولذلك قلت في "آداب الزفاف " (ص 237 -
مكتبة المعارف) - عقب حديث أبي زيد هذا - :
"وقد تفرد بذكر القرطين ؛ فهو منكر ، ولو صح ؛ لكان نصاً في تحريم أقراط
الذهب أيضاً" .
والى الآن لم نجد نصاً صحيحاً في تحريم أقراط الذهب على النساء ؛ فيبقى
على الأصل المؤيد بعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ... حل لإناثها" .
أما السواران والطوق من الذهب : فهي محرمة عليهن ، ومستثناة من الحل ؛
كما استثني منه أكلهن وشربهن بآنية الذهب - كما حققته في الكتاب المذكور
وبخاصة في (مقدمته) - ؛ فكن رجلاً يعرف الحق لتعرف الرجال .

6172 - ( ما عَمِلَ عبدٌ ذنباً فَسَاءَهُ إلا غُفِرَ له ، وإن لَمْ يَسْتَغْفِرْ منه ) .
موضوع .
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/189 - 190) ، وابن عدي في
"الكامل " (2/13) عن بشر بن إبراهيم : ثنا الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن
المسيب عن عائشة ... مرفوعاً .
أورده في ترجمة بشر هذا ، وقال ابن حبان :
"يضع الحديث على الثقات ، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح
فيه ، روى عن الأوزاعي هذا وما يشبهه مما ينكره مَن الحديث صناعته " . وقال
العقيلي في"الضعفاء" (1/142) :
"روى عن الأوزاعي أحاديث موضوعة لا يتابع عليها" . ثم ساق له حديثين
آ خرين .

(13/386)


وقال ابن عدي في أول ترجمته :
"منكر الحديث عن الثقات والأئمة" . ثم ساق له ثلاثة أحاديث عن
الأوزاعي هذا أحدها ، وقال عقبها :
"وهذه الأحاديث لا يرويها عنه غيره ، وهي بواطيل " . ثم قال :
"وبشر هذا ؛ لا أدري كيف غفل (الأصل : عقل!) من تكلم في الرجال عنه ؛
فإني لم أجد فيه (الأصل : له!) كلاماً ، وهو بين الضعف جداً ، وهو عندي ممن
يضع الحديث على الثقات " .
قلت : ولهذا ذكر ابن طاهر هذا الحديث في "تذكرة الموضوعات " وقال
(ص 73) :
"فيه بشر بن إبراهيم البصري وهو كذاب " .
وذكره الذهبي في جملة مصائبه عن الأوزاعي .
ونحوه ثلاثة أحاديث موضوعة ، لا أستبعد أن يكون سرقها بعضهم من
بعض ، وقد تقدمت في المجلد الأول برقم (323 - 325) .
(تنبيه) : قوله ؛ (فساءه) هكذا الرواية في كل المصادر المتقدمة إلا "الكامل " ،
ومع أن معناه واضح ؛ فقد وقع فيه هكذا : (فنساه) ، وهذا مما لا معنى له ؛ وهو إن
دل على شيء - كما يقولون اليوم - ؛ فهو يدل على أنهم ينقلون ما لا يعقلون ،
وأنهم لا يحسنون قراءة ما ينقلون ؛ فإن هذه اللفظة وقعت في المصورة هكذا :
(فساه) ... أي بإسقاط الهمزة! فطبعوها في الطبعات الثلاث بذلك اللفظ الذي لا
أصل له .

(13/387)


6173 - ( مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ؛ خرقت سبع
سماوات ، فلم يلتئم خرقها حتى ينظر الله عزوجل الى قائلها فيغفر
له ، ثم يبعث الله عزوجل ملكاً ، فيكتب حسناته ، ويمحي سيئاته إلى
الغد من تلك الساعة ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (1/305) من طريق إسماعيل بن
يحيى بن عبيدالله التيمي : حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر ... مرفوعاً .
وقال :
"حديث باطل ، لا يحدث به عن ابن جريج غير إسماعيل " . ثم ساق له
أحاديث أخرى باطلة ، ثم قال :
"وله غير ما ذكرت ، وعامة ما يرويه بواطيل عن الثقات وعن الضعفاء" .
قلت : وتقدمت له أحاديث تدل على سوء حاله ، وأنه كذاب .
ومن طريق ابن عدي رواه ابن الجوزي في "الموضوعات " (1/243 - 244) ،
ونقل كلام ابن عدي في إبطاله ، وزاد :
"وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات ، وما لا أصل له عن الأثبات .
وقال الدارقطني : كذاب" .

6174 - ( مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ؛ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ
الْجَنَّةِ إِلا الْمَوْتُ ، وَمَنْ قَرَأَهَا حِينَ يأخذ مضجَعَه ، أمَّنَه الله على داره
ودار جاره ، والدويرات حوله ) .
موضوع .
أخرجه البيهقي في (الشعب " (2/485/2395) من طريق محمد

(13/388)


ابن عمرو القرشي عن نهشل بن سعيد الضبي عن أبي إسحاق الهمداني عن
حبة العُرَني قال : سمعت علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ... مرفوعاً . وقال :
"إسناده ضعيف " .
قلت : بل هو موضوع ، آفته نهشل هذا ؛ متهم بالوضع ، ولذلك أورده ابن
الجوزي في "الموضوعات " فأصاب ، وقال بعد أن ساقه من طريق البيهقي :
"لا يصح ، عبدالعزى (!) لا يعرف ، ونهشل قد كذبه أبو داود الطيالسي وابن
راهويه ، وقال الرازي والنسائي : هو متروك ، وقال ابن حبان ؛ لا يحل كتب حديثه
إلا على التعجب " .
وتعقبه السيوطي - كعادته! - بقول البيهقي المذكور" ، ليس بشيء - كما لا
يخفى على أهل المعرفة بهذا العلم - .
وقول ابن الجوزي : (وعبدالعزى) ... تصحيف : (حبة العرني) ، وعلى الصواب
وقع في "اللآلي" (1/ 230) ، ولم يقع عنده ولا عند ابن الجوزي نسبة : (الضبي)
في : (نهشل) ، ولم أر من نسبه هذه النسبة ؛ فلعلها محرفة من البصري ، فإن
أصله منهاكما في "ضعفاء ابن حبان " (3/53) .
وحبة العرني : مختلف فيه ، وفي "التقريب " :
"صدوق له أغلاط ، وكان غالياً في التشيع " .
وأبو إسحاق الهمداني : - هو : عمرو بن عبدالله السَّبيعي ، وكان - اختلط .
ومحمد بن عمرو القرشي : لم أعرفه ، إلا أن يكون الذي في "ثقات ابن حبان "
(9/67) :

(13/389)


"محمد بن عمرو (وفي نسخة : عون) بن إبراهيم القرشي ، من آل جبير بن
مطعم ... روى عنه البخاري محمد بن إسماعيل " .
فهو من هذه الطبقة ، وليس في "التاريخ الكبير" ، ولا في "التهذيب " . والله
سبحانه وتعالى أعلم .
ثم رأيت الحافظ ابن حجر قد أورد الحديث في "تخريج الكشاف " (4/22)
من رواية البيهقي هذه وقال :
"وفي إسناده نهشل بن سعيد وهو متروك ، وكذلك حبة العرني "!
كذا قال! فتأمل كم الفرق بين قوله هذا في حبة ، وبين قوله عنه في بالتقريب " ؟!

6175 - ( مَنْ قَرَأَ في دُبُرِكُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ؛ حُفِظ إلى
الصلاة الأخرى ، ولا يحافظ عليها إلا نبي أو صديق أو شهيد) .
موضوع .
أخرجه البيهقيئ أيضاً (2/458/2396) من طريق عبدالله بن
عبد الرحمن اليمامي عن سالم الخياط عن الحسن والمختار عن أنس ... مرفوعاً .
وقال :
" وهذا أيضاً إسناده ضعيف " .
قلت : بل هو أسوأ من ذلك ؛ فإن سالماً هذا - وهو : ابن عبدالله - وإن كان قد
وثقه بعضهم ؛ فإنه - مع كون توثيقه في نفسه لين كقول بعضهم : "ما أرى به
بأساً" - قد ضعفه الجمهور ، بل قال النسائي :
"ليس بثقة" . وقال ابن معين :
"لا يسوى فلساً " . وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/342) :

(13/390)


"كان ممن يقلب الأخبار ، وينفرد بالمعضلات عن الثقات " .
وعبدالله بن عبدالرحمن اليمامي : لم أعرفه .

6176 - ( لا تقوم الساعة حتى يتمنى أبو الخمسة أنهم أربعة ، وأبو
الأربعة أنهم ثلاثة ، وأبو الثلاثة أنهم اثنان ، وأبو الاثنين أنهما واحد ،
وأبو الواحد أنْ ليس له ولدٌ ) .
منكر .
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (5/187) ، وأبو عمرو الداني في "الفتن "
(ق 11/1 - 2) من طريقين عن ابن لهيعة عن عبيدالله بن أبي جعفرعن مكحول
عن حذيفة : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ فيه علتان :
الأولى : الانقطاع ، وبه أعله أبو نعيم فقال عقبه :
"غريب من حديث مكحول عن حذيفة ، ومكحول لم يلق حذيفة ؛ ففيه
إرسال " .
والأخرى : ضعف ابن لهيعة - وهو : عبدالله - : صدوق فاضل ، ولكنه أصيب
بسوء الحفظ ؛ إلا فيما يرويه عنه أحد العبادلة - كما سبق بيانه في غير موضع - ،
وليس هذا منه .

6177 - ( يُمَيِّزُ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ وَأَصْفِيَاءَهُ ، حَتَّى تَطْهُرَ الْأَرْضُ مِنْ
الْمُنَافِقِينَ ، [والقتالين ، وأبناء القتالين ، والقتالين ، ويتبع الرجل يومئذٍ خمسون
امرأة ، هذه تقول: يا عبد الله ! استرنى ، يا عبد الله ! آوِني ] ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (1/338) من طريق إسحاق بن

(13/391)


أبي يحيى الكعبي عن الثوري عن منصور عن ربعي عن حذيفة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال : ... فذكره ؛ دون الزيادة التي بين المعكوفتين ، وقد أشار إليها بقوله :
"فذكر حديثاً فيه طول" .
قلت : وقد ساقه بطوله أبو عمرو الداني في "الفتن " (ق 187/ 1 - 2) ، ومنه
استدركت الزيادة ، لكني لم أقف فيه على أوله ؛ فإن أوراقه مشوشة الترتيب
وبعضها مفقود . والله أعلم .
وآفته الكعبي هذا : قال الذهبي :
"هالك ، يأتي بالمناكير عن الأثبات " .
ثم ساق له ثلاثة أحاديث هذا أحدها . وتقدم له حديث آخر برقم (5818) .
لكن جملة الخمسين امرأة صحيحة ، جاءت في عدة أحاديث منها :
حديث أنس في (الصحيحين " (كتاب العلم) ، وأحمد (3/98 و120 و176
و202 و213 - 214 و273 و286 و289) ، وكذا الطيالسي (1984) ، والداني (ق 55/
2) ، وصححه الترمذي (2206) ، وليس عندهم : "هذه تقول : ... " .
ورواه الداني - أيضاً - من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ :
"لا تقوم الساعة حتى يتبع الرجال ثلاثون امرأة ، كلهم يقول : انكحني
انكحني" . وإسناده ضعيف .
وفي حديث لأبي موسى الأشعري :
"... ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة ؛ يلُذن به من قلة الرجال ، وكثرة
النساء" .

(13/392)


رواه الشيخان في أخر حديث له ، وهو مخرج في "تخريج أحاديث المشكلة"
رقم (130) .

6178 - ( تكون هدَّةٌ في شهر رمضان ، توقِظُ النائم ، وتُفزع اليقظان ،
ثم تظهر عصابة في شوال ، ثم تكون معمعة في ذي القعدة ، ثم يُسلب
الحاج في ذي الحجة ، ثم تنتهك المحارم في المُحرم ، ثم يكون موت في
صَفَرٍ ، ثم تتنازع القبائل في الربيع ،ثم العجب كل العجب ، بين
جمادى ورجب ، ثم ناقة مُقْتَبَة خير من دَسْكَرةٍ ، تُقِلُّ مائة ألف ) .
موضوع .
أخرجه نعيم بن حماد في "الفتن " (ق 160/1) ، ومن طريقه أبو
عبدالله الحاكم (4/517 - 518) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (2/199) قال :
حدثنا ابن وهب عن مسلمة بن علي عن قتادة عن ابن المسيب عن أبي هريرة ...
مرفوعاً . وقال الحاكم :
"حديث غريب المتن ، ومسلمة ظن لا تقوم به الحجة" . وقال الذهبي :
"قلت : ذا موضوع ، ومسلمة ساقط متروك" . وقال في ترجمة مسلمة من
"الميزان " :
"هذا منكر ، ومسلمة لم يدرك قتادة" .
قلت : وابن حماد نفسه ضعيف ، واتهمه بعضهم ، وقد روي هذا الحديث
بأسانيد أخرى ، لكن النسخة المصورة التي عندي سيئة جداً لا يمكن قراءتها في
النصف الأول منها إلا بصعوبة .
وقد ساقها السيوطي في "اللآلي " (2/387 - 388) ، وكلها معلولة ، بعضها

(13/393)


مطول ، وبعضها مختصر ، وأطولها من حديث ابن مسعود ، وقد سكت عنه - مع
أنه لم يسق سنده لننظر فيه -! وعزاه في "كنز العمال " (14/569/39627) لـ
(نعيم ، ك) ، وعزوه لـ (ك) أظنه وهماً لعله من الناسخ أو الطابع . والله أعلم .
وقد روي من طريقين آخرين عن أبي هريرة :
الأولى : عن علي بن الحسين الموصلي قال : حدثنا عنبسة بن أبي صغيرة
الهمداني عن الأوزاعي قال : حدثني عبد الواحد بن قيس قال : سمعت أبا
هريرة قال : ... فذكره بنحوه ، دون قوله : "ثم يكون موت في صفر" ، وزاد :
"وهو عند انقطاع ملك هؤلاء" . قالوا : يا رسول الله! من هم ؟ قال :
"الذين يكونون في ذلك الزمان " .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/2) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات "
(3/ 190 - 191) ، وقال العقيلي :
"ليس لهذا الحديث أصل من حديث ثقة ، ولا من وجه يثبت " .
قلت : أورده في ترجمة عبدالواحد بن قيس هذا ، وروى عن يحيى بن سعيد
أنه قال فيه :
"كان شبه لا شيء" .
قلت : هو مختلف فيه ؛ فقد وثقه ابن معين وغيره ، وضعفه آخرون ، ولذا قال
الحافظ في "التقريب" :
"صدوق له أوهام ومراسيل " .
وأما الذهبي فقد جزم بضعفه ؛ فإنه أورده في "المغني في الضعفاء" ، واعتمد

(13/394)


فيه على قول يحيى بن سعيد المتقدم ، وقال في "الكاشف " :
"منكر الحديث " .
ومع ذلك كله فقد انتقد في "ميزانه" العقيلي ؛ لأنه ساق في ترجمته هذا
الحديث فقال :
"قلت : هذا كذب على الأوزاعي ، فأساء العقيلي في كونه ساق هذا في ترجمة
عبدالواحد ، وهو بريء منه ، وهو لم يلق أبا هريرة ؛ إنما روايته عنه مرسلة ... " . ثم
حكى الخلاف فيه .
وبه أعل ابن الجوزي الحديث ، فقال :
"هذا ، موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... " .
ثم ذكر قول يحيى في عبدالواحد ، وقول العقيلي في الحديث ، وأنه لا أصل
له ، ولم يُبد له علة أخرى ، وقد عرفت من كلام الذهبي المتقدم أنه منقطع بين
عبدالواحد وأبي هريرة . وهو الذي جزم به غير واحد من المتقدمين ، مع أنه قد
صرح بسماعه منه في هذا الحديث - كما رأيت -! وفي ذلك دليل واضح على
عدم اعتمادهم عليه في ذلك ، وذلك يعود إما إلى عبدالواحد نفسه " لأنه لا يوثق
بحفظه ، وإما إلى وهم أحد رجال إسناده عليه - وهذا محتمل - ، فإن اللذين دون
الأوزاعي لم أجد لهما ترجمة .
والطريق الأخرى : عن نوح بن قيس قال : نا البختري بن عبدالحميد عن
شهر بن حوشب عن أبي هريرة ... مرفوعاً ؛ مختصراً بلفظ :
"في شهر رمضان الصوت ، وفي ذي القعدة تميز القبائل ، وفي ذي الحجة
يسلب الحاج" .

(13/395)


أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/31/508) وقال :
"لم يروه عن شهر إلا البختري ، تفرد به نوح بن قيس " .
قلت : هو ثقة من رجال مسلم ، وإنما العلة ممن فوقه ، فالبختري بن عبدالحميد :
لم أجد له ترجمة ، وقد خولف - كما يأتي - .
وشهر : ضعيف لسوء حفظه .
وبهما أعله الهيثمي ، فقال في "المجمع" (7/ 310) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " ، وفيه شهر بن حوشب ، وفيه ضعف . والبختري
ابن عبدالحميد : لم أعرفه" . وقال ابن الجوزي عقب الطريق الأولى :
"وروى إسماعيل بن عياش عن ليث عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة
موقوفاً ... " فذكره مختصراً نحوه ، وقال :
"وإسماعيل وليث وشهر : فثلاثتهم ضعفاء مجروحون " .
وخالفهم سلمة بن أبي سلمة القرشي عن شهر بن حوشب قال : قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره ؛ نحو رواية البختري ، وزاد :
"وتكون ملحمة بـ (منى) ، يكثر فيها القتل ، وتسيل فيها الدماء ، حتى
تسيل دماؤهم على الجمرة ، حتى يهرب صاحبهم ، فيؤتى بين الركن والمقام
فيبايع وهو كاره ، ويقال له : إن أبيت ؛ ضربنا عنقك . يوضى به ساكن السماء
وساكن الأرض " .
أخرجه أبو عمرو الداني في "الفتن " (ق 84/2) من طريق علي بن معبد :
حدثنا خالد بن سلام عن عنبسة القرشي عن سلمة بن أبي سلمة القرشي .

(13/396)


قلت : وسلمة هذا : لا بأس به - كما قال ابن أبي حاتم (1/2/1/164) عن
أبيه - .
وخالد بن سلام : ذكره ابن أبي حاتم (1/2/336) برواية اثنين آخرين عنه ،
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
وأما عنبسة القرشي : فيغلب على ظني أنه عنبسة بن عبدالرحمن بن سعيد
ابن العاص القرشي الأموي ؛ فإنه من هذه الطبقة ، واللائق به هذا الحديث
المنكر ، وهو متفق على ضعفه ؛ بل قال أبو حاتم :
"متروك الحديث ، كان يضع الحديث " .
ولخالد بن سلام إسناد آخر بزيادة في المتن طويلة منكرة ، لا بد لي من سياقه
والكلام على إسناده في الحديث التالي :

6179 - ( يَكُونُ فِي رَمَضَانَ صَوْتٌ , قَالُوا: فِي أَوَّلِهِ أَو فِي وَسَطِهِ أَو
فِي آخِرِهِ؟ قَالَ:
لا ؛ بَلْ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ ، إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ؛
يَكُونُ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يُصْعَقُ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفاً ، وَيُخْرَسُ سَبْعُونَ أَلْفاً.
وَيُعْمَى سَبْعُونَ أَلْفاً ، وَيُصِمُّ سَبْعُونَ أَلْفاً . قَالُوا: فَمَنِ السَّالِمُ مِنْ أُمَّتِكَ؟
قَالَ: مَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ ، وَتَعَوَّذَ بِالسُّجُودِ ، وَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ لِلَّهِ .
ثُمَّ يَتْبَعُهُ صَوْتٌ آخَرُ . وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ صَوْتُ جِبْرِيلَ ، وَالثَّانِي
صَوْتُ الشَّيْطَانِ .
فَالصَّوْتُ فِي رَمَضَانَ ، وَالمَعْمَعَةُ فِي شَوَّالٍ ، وَتُمَيَّزُ الْقَبَائِلُ فِي ذِي

(13/397)


الْقَعْدَةِ ، وَيُغَارُ عَلَى الْحُجَّاجِ فِي ذِي الْحِجَّةِ ، وَفِي الْمُحْرِمِ ، وَمَا الْمُحْرَّمُ؟
أَوَّلُهُ بَلاءٌ عَلَى أُمَّتِي ، وَآخِرُهُ فَرَحٌ لأُمَّتِي ، الرَّاحِلَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ
بِقَتَبِهَا يَنْجُو عَلَيْهَا الْمُؤْمِنُ لَهُ مِنْ دَسْكَرَةٍ تَغُلُّ مِائَةَ أَلْفٍ ) .
موضوع .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/332/853) ، ومن طريقه
ابن الجوزي في "الموضوعات ، (3/ 191) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك : ثنا
إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن فيروز الديلمي ...
مرفوعاً . وقال ابن الجوزي :
"هذا حديث لا يصح ، قال العقيلي : عبدالوهاب ليس بشيء . وقال ابن حبان :
كان يسرق الحديث ؛ لا يحل الاحتجاج به . وقال الدارقطني : منكر الحديث . وأما
إسماعيل : فضعيف . وعبدة لم ير فيروزاً ، وفيروز لم ير رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وقد روى
هذا الحديث غلام خليل عن محمد بن إبراهيم البياضي عن يحيى بن سعيد
العطار عن أبي المهاجر عن الأوزاعي ، وكلهم ضعاف في الغاية ، وغلام خليل
كان يضع الحديث " .
وأقول : إسماعيل بن عياش بريء الذمة من هذا الحديث ؛ لأنه ثقة في نفسه ،
وصحيح الحديث في روايته عن الشاميين ، وهذه منها ؛ لأن الأوزاعي هو إمام أهل
الشام في زمانه ، وإنما العهدة فيه على ابن الضحاك ؛ فقد كان يضع الحديث - كما
قال أبو داود - ، وقد أشار إلى ما ذكرت الإمام الدارقطني فقال :
"له عن إسماعيل بن عياش وغيره مقلوبات وبواطيل " . وقال الهيثمي في
" المجمع " (7/ 310) :
"رواه الطبراني ، وفيه عبدالوهاب بن الضحاك ، وهو متروك " .

(13/398)


قلت : لكن قد روي من غيرطريقه ؛ فرواء علي بن معبد : حدثنا خالد بن
سلام عن يحيى الدُّهني عن أبي المهاجر عن عبدالرحمن بن عمر عن عبدة بن
أبي لبابة عن ابن الديلمي قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
أخرجه أبو عمرو الداني في "الفتن " (ق 83/2 - 84/ 1) .
قلت : وهذا إسناد لا تقوم به حجة ؛ خالد بن سلام مجهول ، لم يرو عنه غير
اثنين - كما تقدم في الحديث الذي قبله - .
ويحيى الدهني : لم أعرفه بهذه النسبة ، وأخشى أن تكون خطأ من الناسخ ؛
ولا أستبعد أن يكون يحيى هو ابن سعيد العطار المتقدم في كلام ابن الجوزي ؛
لأنه هنا من روايته عن أبي المهاجر كما هناك .
فإن كان كذلك ؛ فالسند ضعيف جداً ، لأن يحيى بن سعيد هذا قد ضعفه
الجمهور ؛ بل قال ابن حبان في "الضعفاء (3/123) :
"كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ، والمعضلات عن الثقات " .
ثم قال علي بن معبد : حدثنا خالد بن سلام عن يحيى الدهني عن حجاج
عن الأحوص عن كثير بن مرة عن كعب قال : تكون في رمضان ... الحديث
نحوه .
أخرجه الداني أيضاً (ق 9/2) .
قلت : إسناد مقطوع موقوف على كعب ، وخالد ويحيى عرفت حالهما ،
وحجاج يحتمل أنه ابن أرطاة ، وهو مدلس ، والأحوص كثير ، ولم يتبين لي
أيهم هو .

(13/399)


6180 - ( يَا أَكْثَمُ ! اغْزُ مَعَ غَيْرِ قَوْمِكَ ؛ يَحْسُنْ خُلُقُكَ ، وَتَكْرُمْ عَلَى
رُفَقَائِكَ .
يَا أَكْثَمُ ! خَيْرُ الرُّفَقَاءِ أَرْبَعَةٌ ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِائَةٍ ، وَخَيْرُ
الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ ، وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً مِنْ قِلَّةٍ ) .
باطل .
أخرجه ابن ماجه (2827) ، وابن أبي حاتم في "العلل " (2/296) ،
وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 90/ 951) ، والقضاعي في "مسند الشهاب "
(4/224/1236 و 1238) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (5/200 - المدينة) من
طريق عبدالملك بن محمد الصنعاني : ثنا أبو سلمة العاملي (زاد القضاعي وابن
الجوزي وابن عساكر في رواية: وأبو بشر) عن الزهري عن أنس: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال : لأكثم بن الجون الخزاعي : ... فذكره ، وقال ابن أبي حاتم :
"قال أبي : أبو سلمة العاملي متروك الحديث ، كان يكذب ، والحديث
باطل" . وأقره الحافظ العسقلاني في "الإصابة " . وقال ابن الجوزي :
"أبو سلمة هو : الحكم بن عبدالله بن خطاف ، وأبو بشر هو : الوليد بن محمد
الموقري ، وكلاهما ليس بشيء ، قال الدارقطني : كان الحكم يضع الحديث ، وقال
يحيى : الموقري كذاب " . وقال ابن عساكر :
"وأبو بشر هذا هو عندي : الوليد بن محمد الموقري البلقاوي ، وخالفه
الخبائري" .
ثم ساق إسناده إلى عبدالله بن عبدالجبار الخبائري : نا الحكم بن عبدالله بن
خطاف : نا الزهري عن سعيد بن المسيب عن عائشة : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :

(13/400)


"يا أكثم! اغز مع قومك ... " الحديث ، وزاد :
أ وخير الطلائع أربعون ... " . وقال ابن عساكر :
"كذا قال : "اغز مع قومك" ... والمحفوظ : "مع غير قومك " - كما تقدم - " .
قلت : وآفة هذا الحكم بن عبدالله بن خطاف - وهو : أبو سلمة - ، وقد عرفت
أنه كان يضع .
وأما الخبائري : فهو صلوق - كما في "التقريب " - .
وروي الحديث عن أكثم نفسه من طريق حُيَي بن مخمر الوصابي قال :
سمعت أبا عبد الله من أهل دمشق عنه مرفوعاً ، وفيه زيادة الطلائع ، وزيادة أخرى
في أخره بلفظ :
"لا ترافق المائتين " .
أخرجه البيهقي (9/157) ، وابن عساكر في "التاريخ " (19/127) في ترجمة
أبي عبدالله هذا ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . ويظهر لي أنه الذي في "الميزان "
و "اللسان " :
"أبو عبدالله الشامي عن تميم الداري ، وعنه ضرار بن عمرو الملطي ؛ لا يعرف " .
قلت : ومثله حيي بن مخمر الوصابي ؛ فإني لم أجد له ترجمة ، إلا قول ابن
ماكولا في "الإكمال " (2/582) :
"شامي روى عن أبي عبدالله الدمشقي عن أكثم بن الجون ، روى حديثه أبو
يعلى الموصلي عن الوليد بن شجاع عن سعيد الزبيدي عنه" .
وضبط : (حُيي) ... بضم الحاء المهملة - ويجوز كسرها - وياءين ، الآخرة منهما مشددة .

(13/401)


ونقله ابن عساكر عنه في آخر ترجمة أبي عبدالله هذا ، وسقط منه قوله :
"عن سعيد الزبيدي عنه " ؛ فلتستدرك من "الإكمال " .
ولم يفرده بترجمة في حرف الحاء ، مع أنه على شرط .
وقوله في أول الحديث : "اغز مع غير قومك " مخالف لحديث :
كان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه .
وهو حسن مخرج في "الصحيحة" (3116) ؛ فهو مما يؤكد بطلان الحديث .

6181 - ( لَتَمْخُرَنَّ الرُّومُ الشَّامَ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا إِلَّا
دِمَشْقَ وَعَمَّانَ ) .
ضعيف مقطوع .
أخرجه أبو داود (5/32/4638) من طريق سعيد بن
عبدالعزيز عن مكحول قال : ... فذكره .
قلت : وهذا مع كونه مقطوعأً موقوفاً على مكحول ، فإنه من رواية سعيد بن
عبدالعزيز ، وهو مع إمامته وفضله وثقته كان قد اختلط قبل موته . وقد خالف
روايته هذه ما أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (1/603) من طريق أبي
الحسن - رجل من أهل الرقة - عن أبي أسماء الرحبي عن أبي هريرة قال :
"يا أهل الشام لتخرجنكم الروم منها كفراً كفراً ، حتى تلحقوا بسنبك من
الأرض ... " إلخ .
ورجاله ثقات ؛ غير أبي الحسن الرقي هذا ، فلم أعرفه . لكن يشهد له ما
أخرجه ابن عساكرأيضاً من طريق حاتم بن حريث يرده إلى عبدالله بن عمرو بن
العاص أنه قال :

(13/402)


"لتخرجنكم الروم من الشام كفراً كفراً ... " .
ورجاله ثقات ؛ غير أحمد بن عبود ، فلم أعرفه . ورواه بإسناده عن شريح بن
عبيد عن أبي الدرداء أنه قال : ... فذكره .
وحديث الترجمة عزاه في "كنز العمال " (14/164/38244) لابن عساكر
فقط! وقد توهم بعضهم أنه حديث مرفوع عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فسأل عن صحته!
وكلام ابن الأثير يوهم ذلك ؛ فإنه قال في مادة (مخر) :
"ومنه الحديث : "لتمخرن الروم الشام أربعين صباحاً" ... أراد : أنها تدخل
الشام وتخوضه ، وتجوس خلاله ، وتتمكن منه ؛ فشبهه بمخر السفينة البحر" .
فتبين من هذا التخريج أنه ليس بحديث ، وأنه أثر ضعيف . والله سبحانه
وتعالى أعلم .

6182 - (مَنْ فَرَّ مِنَ اثْنَيْنِ ؛ فَقَدْ فَرَّ ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ ثَلاثَةٍ ؛ فَلَمْ يَفِرَّ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/93/11151) عن معمر
ابن سهل : ثنا عامر بن مدرك : ثنا الحسن بن صالح عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات كلهم ؛ غير عامر بن مدرك ، لم يوثقه
غير ابن حبان ، وقال (8/ 501) :
"ربما أخطأ" .
قلت : وهذا الحديث مما أخطأ فيه ؛ فرفعه مخالفاً في ذلك الثقات الذين
أوقفوه:

(13/403)


أولاً : قال ابن أبي شيبة (12/537) : حدثنا وكيع قال : ثنا حسن بن صالح
عن ابن أبي ذئب عن عطاء عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال : ... فذكره موقوفاً عليه . وزاد :
"يعني : من الزحف" .
وسنده صحيح على شرط مسلم .
ثانياً : قال سعيد بن منصور في "سننه " (3/2/224/2538) : نا سفيان
وإسماعيل بن إبراهيم عن ابن أبي نجيح عن عطاء ... به .
وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 240) ، والبيهقي في "السنن "
(9/76) من طريقين آخرين عن سفيان بن عيينة وحده .
وإسناده صحيح على شرط الشيخين .
إذا عرفت هذا ، فقول الهيثمي فِي حَدِيثِ الترجمة (5/328) :
(رواه الطبراني ورجاله ثقات "!
فهو مردود من ناحيتين :
الأولى : أن عامر بن مدرك لم يوثقه غير ابن حبان ، ومع ذلك فقد ذكر :
أنه ربما أخطأ .
والأخرى : مخالفته للثقات الذين أوقفوه ، ومخالفته لوكيع بخاصة في إسناده ؛
فإنه جعل : (شيخ الحسن بن صالح) - وهو : ابن حي - : (ابن أبي ذئب عن عطاء) .
وذاك جعله : (ابن أبي نجيح) عن مجاهد!!
وأما معمر بن سهل : فقال ابن حبان (9/196) :
"شيخ متقن يغرب " .

(13/404)


6183 - ( الحَوَامِيمُ سبع ، وأبواب جهنم سبع ، تجيء كل (حم)
منها تقف على باب من هذه الأبواب ، فتقول : اللهم ! لا تدخل من
هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرؤني ) .
ضعيف .
أخرجه البيهقي في "الشعب " (2/485/2479) من طريق معمر
عن الخليل بن مرة :
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا ينام حتى يقرأ : {تبارك} و : {حم السجدة} ،
وقال : ... فذ كره . وقال :
"إسناد منقطع " .
قلت : ويعني : معضل ؛ فإن الخليل هذا تابع تابعي مات سنة (160) ، ومع
ذلك فهو ضعيف - كما في "التقريب " - ؛ بل قال فيه البخاري :
"منكر الحديث " .
وجملة : "كان لا ينام حتى ... " قد صحت من حديث جابر رضي الله عنه
لكن بلفظ :
" (الم) السجدة" .
وهو مخرج في "الصحيحة" (585) وغيره .

6184 - ( خيركم خيركم لنسائه وبناته ) .
موضوع بذكر (البنات) .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (7/266) ، والبيهقي
في "الشعب " (6/415/8720) من طريق عبيدالله بن سعيد بن كثيربن عفير :
حدثني أبي عن الليث بن سعد عن زيد بن أسلم عن يزيد بن عياض بن جعدبة :

(13/405)


أنه سمع ابن السباق يقول : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ...
فذكره . وقال ابن عدي :
"زيد بن أسلم روى عن جماعة من الصحابة ، وقد روى عن يزيد هذا الحديث ،
إن كان محفوظاً ؛ فهو من رواية الكبار عن الصغار ، وليزيد غير ما ذكرت من الحديث ،
وعامة ما يرويه غير محفوظ " .
وروى عن جمع من الأئمة تضعيفه ، وعن البخاري أنه قال :
"منكر الحديث " .
وعن مالك أنه سئل عن ابن سمعان ؟ فقال :
"كذاب " . قيل : فيزيد بن عياض ؟ قال :
" أكذب وأكذب" .
قلت : وعبيدالله بن سعيد بن عفير : قال ابن حبان في "الضعفاء" (2/67) :
"يروي عن أبيه عن الثقات الأشياء المقلوبات ، لا يشبه حديثه حديث الثقات " .
وقد صح الحديث من رواية أبي هريرة وغيره دون قوله : "وبناته" ... فهي زيادة
باطلة ، وهو مخرج في "الصحيحة ، (284 و 285) .

6185 - (الدَّجَّالُ تَلِدُه أمُّه وهي منبوذة في قبرها ، فإذا ولدته
حملتِ النساءُ بالخطَّائين ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/11/5254 - بترقيمي) ،
وابن عدي في "الكامل ، (5/ 161) من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن عبدالله
ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال : ذكر الدجال عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال :

(13/406)


"تلده أمه ... " الحديث ، وقالا - واللفظ للطبراني - :
"لم يروه عن ابن طاوس إلا عثمان بن عبدالرحمن الجمحي " .
قلت : وفي ترجمته ساقه ابن عدي ، وقال :
"منكر الحديث" .
ثم ساق له عدة أحاديث منكرة منها هذا - كما قال الذهبي في "الميزان " - .
وفي " التهذيب " :
"قال البخاري : مجهول . وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ، يكتب حديثه ولا
يحتج به" . وقال الهيثمي في "المجمع " (8/2) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه عثمان بن عبدالرحمن الجمحي ، قال
البخاري : مجهول " .
وأقره الشيخ التويجري في "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط
الساعة" (2/96) ، ولكنه قال - وأفاد جزاه الله خيراً - :
" قلت : وظاهر هذا الحديث أن الدجال لا يولد إلا في آخر الزمان لقوله : "فإذا
ولدته ؛ حملت النساء بالخطائين " ، وهذا مخالف لما تقدم فِي حَدِيثِي عمران فيت
حصين ومعقل بن يسار رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : أن الدجال قد أكل الطعام ومشى في
الأسواق ، ومخالف أيضاً لما تقدم من حديث فاطمة بنت قيس وجابر رضي الله
عنهم في خبر الجساسة والدجال ؛ فإن فيه أن الدجال كان موجوداً في زمن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأنه كان موثقاً بالحديد في بعض جزائر البحر ، والعمدة على ما تقدم لا
على هذا الحديث الضعيف . والله أعلم" .

(13/407)


6186 - ( رحمم الله الْمُتَخَلِّلِين والْمُتَخَلِّلات ) .
منكر .
أخرجه البيهقي في "الشعب " (5/126/6054 و6055) من طريق
قدامة بن محمد : حدثني إسماعيل بن شيبة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن
عباس قال : قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال :
"تفرد به قدامة بن محمد ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن شيبة الطائفي
(الأصل : الطالع!) ، وكلاهما فيه نظر" .
قلت : أما قدامة بن محمد : فمختلف فيه ، وقال الحافظ :
"صدوق يخطئ " .
وأما إسماعيل بن شيبة - ويقال : إسماعيل بن إبراهيم بن شيبة - : فهو علة
الحديث عندي ؛ قال العقيلي (1/83) ، وابن عدي (1/313) :
"أحاديثه مناكير ، ليس منها شيء محفوظ" . وفي "الميزان " :
"قال النسائي : منكر الحديث ، روى عنه قدامة بن محمد . كذا في "الضعفاء"
للنسائي . قلت : يجهل " . وقال في مكان آخر :
"واهٍ " .

6187 - (كان إذا دَخَلَ بَيْتَهُ ؛ يقول : السلام علينا من ربنا ؛ التحيات
الطيبات المباركات لله ، سلامٌ عليكم ) .
موضوع .
أخرجه البيهقي في لاشعب الإيمان " (6/445/8834) من طريق
يزيد بن عياض عن الأعرج عن أبي هريرة : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ... ، وقال :

(13/408)


"لا أعرفه إلا من حديث يزيد بن عياض ، وليس بالقوي "!
كذا قال : وهو أسوأ مما قال بكثير - وإن أقره السيوطي في "الدرأ (5/59) - ؛
فقد كذبه جمع ، وقال الحافظ في "التقريب" :
"كذبه مالك وغيره " .
ثم روى هو (6/446) ، وابن أبي شيبة (8/649) عن مجاهد قال :
إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد ، فقل " بسم الله ، والحمد لله ، السلام علينا من
ربنا ، السلام علينا وعلى عباده الصالحين .
وإسناده إليه صحيح ؛ فهو مقطوع . وفي معناه آثار أخرى عن الحكم وإبراهيم
وعطاء وعكرمة ، وليس فيها : (والحمد لله) .
وروى البخاري في "الأدب المفردة (1055) بسند حسن عَنْ ابْنِ عُمَرَ قال :
إذا دخل البيت غير المسكون ، فليقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
ورواه ابن أبي شيبة أيضاً (8/648/5886) وحسَّن إسناده الحافظ في "الفتح "
(11/20) .
قلت : ففي هذه الآثار مشروعية السلام ممن دخل بيتاً ليس فيه أحد ؛ وهو من
إفشاء السلام المأمور به في بعض الأحاديث الصحيحة ، ولظاهر قوله تعالى : {فَإِذَا
دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ } ، وقد استدل الحافظ بها وبأثر ابن عمر على
ما ذكرت ، فقال عقبهما :
"فيستحب إذا لم يكن أحد في البيت ؛ أن يقول : السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين" .

(13/409)


وأما قول : (بسم الله) - عند دخول البيت - ... فثابت من حديث جابر مرفوعاً
"إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه ؛ قال الشيطان : لا
مبيت لكم ولا عشاء ... " الحديث .
أخرجه مسلم (6/108) ، والبخاري في " الأدب المفرد" (1096) وغيرهما ،
وقد صرح ابن جريج بالتحديث عن أبي الزبير ، وهذا كذلك عن جابر في رواية
لمسلم ، وكذا الأول عند النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (118) .

6188 - ( خيرة الله من الشهور شهر رجب، وهو شهر الله ، مَن عظّم
شهر الله رجب ؛ عظم أمر الله ، ومن عظم أمر الله ؛ أدخله جنات النعيم ،
وأوجب له رضوانه الأكبر .
وشعبان شهري ، فمن عظم شعبان ؛ فقد عظم أمري ، ومن عظم
أمري ؛ كنت له فرطاً وذخراً يوم القيامة .
وشهر رمضان شهر أمتي ، فمن عظم شهر رمضان وعظم حرمته ،
ولم ينتهكه ، وصام نهاره ، وقام ليله ، وحفظ جوارحه ؛ خرج من
رمضان وليس عليه ذنب يطلبه الله به ) .
موضوع .
أخرجه البيهقي (3/374/3813) من طريق نوح بن أبي مريم عن
زيد العمي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره ،
وقال :
"هذا إسناد منكر بمرة ، وقد روي عن أنس غير هذا ، تركته ؛ فقلبي نافر عن

(13/410)


رواية المناكير التي أتوهمها ، لا ؛ بل أعلمها موضوعة " .
وبهذا الإسناد أخرجه البيهقي أيضاً في "فضائل الأوقات " (10/ 94) ، وقال :
"هذا منكر بمرة" .
وتعقبه الحافظ في "تبيين العجب " (ص 37 - طبع المكتبة الحديثية) :
"قلت : بل هو موضوع ظاهر الوضع ؛ بل هو من وضع نوح الجامع " .
قلت : كلام البيهقي في "الشعب " لا ينافي حكم الحافظ بالوضع ؛ بل هو
ظاهر فيه . والله أعلم .
ثم إن في الإسناد ثلاثة ضعفاء : يزيد الرقاشي ، وزيد العمي ، ونوح بن أبي
مريم ، وهذا أشدهم ضعفاً ؛ فإنه كذاب وضاع مشهور بذلك - كما تقدم مراراً - ،
وتقدمت له أحاديث .
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية البيهقي في "الشعب " ،
وقال :
"وقال : إسناده منكر"!
وكان عليه أن يذكر كلامه بتمامه ؛ فإنه أدل على حال إسناده . وعزاه إلى
البيهقي في "الدر" (3/226) ولم يقل في "الشعب " ، وقال :
"وقال : إنه منكر بمرة" .
وهذا أقرب إلى الصواب مما ذكر في "الجامع " . والله أعلم .

6189 - (القرآنُ هو النورُ المبينُ ، والذكرُ الحكيمُ ، والصراطُ المستقيمُ ) .
ضعيف .
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/326/1937) من طريق

(13/411)


إبراهيم بن مرزوق : ثنا وهب بن جرير : ثنا أبي قال : سمعت قيس بن سعد
يحدث عن رجل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ذكره قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ مرسل ، رجاله ثقات ؛ غير إبراهيم بن مرزوق - وهو :
ابن دينار الأموي البصري - : قال الدارقطني "
"ثقة ، إلا أنه كان يخطئ ، فيقال له ؛ فلا يرجع" .
ووثقه آخرون ، واعتمد الحافظ قولَ الدارقطني هذا ؛ فقال في "التقريب " :
" ثقة ، عمي قبل موته ، وكان يخطئ ولا يرجع " .
قلت : ولعل من أخطائه قوله في هذا الإسناد : (عن رجل) ، وقوله : (في
حديث ذكره) ... فإنه يبدو لي أنه يعني بالرجل : الحارث الأعور ؛ فإنه من طبقته ،
ويعني بالحديث : حديث الحارث عن علي مرفوعاً بلفظ :
"إنها ستكون فتنة" . قال : قلت : فما الخرج ؟ قال :
"كتاب الله ، فيه نبأ من قبلكم ... " ، وفيه : "هو حبل الله المتين ، وهو الذكر
الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ... " الحديث بطوله .
أخرجه البيهقي وغيره كالترمذي وضعفه كما تقدم بيانه برقم (1776) .
قلت : فإذا ثبت أن الرجل الذي لم يسم هو الحارث الأعور ؛ فيكون السند
مرسلاً وضعيفاً ؛ لضعف الحارث الأعور ، وهو من طبقة الرجل ، وسيأتي تخريجه
مفصلاً برقم (6393) .

6190 - ( مَن تكلَّم بالفارسيَّةِ ؛ زادت في خُبثه ، ونَقَصَتْ من مُروءته ) .
موضوع .
أخرجه الحاكم (4/88) ، وابن عدي في "الكامل " (4/109) ،

(13/412)


ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/ 71) من طرق عن أبي فروة يزيد بن
محمد بن يزيد بن سنان : حدثنا أبي : حدثنا طلحة بن زيد الرقي عن
الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ...
فذكره . وقال ابن عدي :
"حديث باطل بهذا الإسناد" . ذكره في ترجمة طلحة هذا ، وروى عن
البخاري أنه قال فيه :
"منكر الحديث " . ثم ساق له أحاديث أخرى وأبطلها ، وقال الذهبي في
" الميزان" :
"إنها موضوعة" . وذكر عن ابن المديني أنه قال :
"كان طلحة بن زيد يضع الحديث " .
وأما الحاكم فسكت عنه ؛ فتعقبه الذهبي في "تلخيصه " بقوله :
"قلت : ليس بصحيح ، وإسناده واٍه بمرة" .
وتعقبه العراقي أيضاً فقال في "محجة القرب " (ق 56/2) :
"وقد تساهل الحاكم في إيراده هذا الحديث وما يشبهه في كتاب "المستدرك
على الصحيحين " ؛ فإنه حديث ضعيف جداً ، وقال ابن عدي : حديث باطل ،
وطلحة بن زيد ، قال البخاري : منكر الحديث . وقال النسائي : متروك . وقال ابن
حبان : منكر الحديث جداً ، لا يحل الاحتجاج به " . ولما قال ابن الجوزي في هذا
الحديث :
" موضوع " ؛ تعقبه السيوطي في "اللآلي" (2/ 281) ، وابن عراق في "تنزيه
الشريعة" (2/ 291) بأن له شاهداً من حديث ابن عمر مرفوعاً بلفظ :

(13/413)


"من أحسن منكم أن يتكلم بالعربية ؛ فلا يتكلمن بالفارسية ؛ فإنه يورث
النفاق " .
قلت : وهذا شاهد قاصر - كما ترى - ، يختلف عن حديث الترجمة لفظاً
ومعنى ، هذا لو صح ، فكيف وهو موضوع أيضاً ؟! وقد تقدم تخريجه ، وبيان علته
في المجلد الثاني برقم (523) .
ثم إن في إسناد الحديث عللاً أخرى :
1 - الانقطاع بين يحيى بن أبي كثير وأنس ؛ فإنه لم يسمع منه .
2 - محمد بن يزيد بن سنان : ليس بالقوي - كما في "التقريب " - .
وأما ابنه - أبو فروة يزيد بن محمد - : فأورده ابن أبي حاتم (4/2/288) بروايته
عن جمع ، ثم قال :
"كتب إلى أبي ، وإليّ " . ولم يزد! وذكره ابن حبان في "الثقات " (9/276)
وقال :
"حدثنا عنه أبو عروبة ، مات بـ (الرها) سنة تسع وستين ومائتين " .
قلت : أبو عروبة - اسمه : الحسين بن أبي معشر - وهو أحد الطرق المشار إليها
عنه في هذا الحديث ، فهو صدوق إن شاء الله تعالى .
(تبيه) : قوله : "خبثه " هكذا وقع في "المستدرك " وفي مخطوطة "الكامل"
نسخة الظاهرية (ق 205/ 1) ، ووقع في المطبوعة منه وفي غيره : "خبه" بالخاء
المعجمة والباء الموحدة . ولعل الصواب الأول . والله أعلم .
وأما حديث : "من تكلم بالعربية ؛ فهو عربي " ؛ فضعيف جداً ، وقد مضى
تخريجه برقم (926) .

(13/414)


6191 - ( هؤلاء الخُلَفاءُ مِنْ بعدي . يعني : الخلفاءَ الثلاثةَ ) .
منكر .
روي من حديث أبي بكرة ، وسفينة ، وقطبة بن مالك ، وعائشة ، وأبي هريرة .
1 - أما حديث أبي بكرة : فيرويه علي بن زيد بن جدعان عن عبدالرحمن
ابن أبي بكرة عن أبيه قال :
جاء رجل إلى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له : إلى من أؤدي صدقة مالي ؟ قال : "إليّ " .
قال : فإن لم أجدك ؟ قال : "إلى أبي بكر" . قال فإن لم أجده ؟ قال : "إلى عمر" .
قال : فإن لم أجده ؛ قال : "إلى عثمان " . ثم ولى منصرفاً ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ...
فذكره .
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (2/226 - 227) في ترجمة محمد بن
عبدوس بن مالك الثقفي المتوفى بعد الثلاثمائة ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
وأخرج البزار "كشف " (1569) الحديث عن خراش بن أمية الخزاعي نحوه .
وابن جدعان : ضعيف له مناكير ، وهذا منها ؛ وذلك لسببين :
الأول : أنه صح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستخلف ، أخرجه الشيخان وغيرهما عن
عمر ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2605) .
والآخر : أنه مخالف لحديث أنس بن مالك قال :
بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا : سل لنا رسول الله إلى من
ندفع صدقاتنا بعدك ؟ ... الحديث إلى قوله : "إلى عثمان " . ثم قال :
فأتيتهم فأخبرتهم فقالوا : ارجع إليه فسله : فإن حدث بعثمان حدث ؛ فإلى
من ؟ فأتيته ، فسألته ؟ فقال :

(13/415)


"إن حدث بعثمان حدث ؛ فتباً لكم الدهر تباً" .
أخرجه الحاكم (3/77) من طربق نصر بن منصورالمروزي : ثنا بشر بن
الحارث : ثنا علي بن مسهر : ثنا المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال : ...
فذكره ، وقال :
"صحيح الإسناد" ، ووافقه الذهبي .
قلت : ورجاله ثقات ، غير نصر بن منصور المروزي ، ترجمه الخطيب (13/286
- 287) برواية أربعة من الثقات وغيرهم ، وكناه بأبي الفتح ، ولم يذكر فيه جرحاً
ولا تعديلاً ؛ فهو مقبول الحديث إن شاء الله تعالى ، وبخاصة أنه صحح له الحاكم
والذهبي . فهو شاهد قوي على نكارة حديث الترجمة ، لأن القصة فيهما واحدة ،
ولم يذكر فيه تلك الجملة المنكرة .
ونحوه حديث سهل بن أبي حثمة قال :
بايع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرابياً ، فقال له علي : إن مات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فممن تأخذ
حقك؟ قال: ما أدري ، قال: فارجع فسله ، فرجع فسأله؟ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "من أبي
بكر" ... الحديث ، وفيه أنه سأله : إن مات أبو بكر ؟ فأحاله على عمر ، ثم على
عثمان ، فلما سأله إذا مات عثمان ؟ فقال له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وإذا مات عثمان ؛ فإن استطعت
أن تموت ؛ فمت " .
أخرجه الإسماعيلي في (معجمه " (ق 105/2 - 106/1) ، والعقيلي في
"الضعفاء" (2/165 - 166) ، وعنه ابن عساكر (ص 166 - 167 ترجمة عثمان - ط) ،
وابن عدي في "الكامل" (3/328)، وابن حبان في "المجروحين" (1/345) من
طرق عن سلم بن ميمون الخواص : حدثنا سليمان بن أبي حيان : حدثنا إسماعيل

(13/416)


ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عه . وقال العقيلي :
"سلم بن ميمون حدث بمناكير لا يتابع عليها ، وفي هذا المتن رواية من غير
هذا الوجه بنحو هذا اللفظ ، في بعضها لين ، وبعضها صالح الإسناد" .
قلت : ومن فوق سلم ثقات ، وهو ضعيف من قبل حفظه : قال ابن حبان :
"غلب عليه الصلاح حتى غفل عن حفظ الحديث وإتقانه ؛ فلا يحتج به" .
وله شاهد من حديث أبي هريرة نحوه مختصراً ، يرويه موسى بن عُبيدة عن
محمد بن ثابت عنه .
أخرجه الإسماعيلي أيضاً (ق 45/ 1 - 2) .
وموسى بن عُبيدة - هو : الربذي ، وهو - ضعيف ، ولا أستبعد أن يكون هو
البعض اللَّيِّن الذي أشار إليه العقيلي في قوله السابق . وأما قوله : "وبعضها صالح
الإسناد" فيغلب على ظني أنه يعني حديث أنس المتقدم من رواية الحاكم . والله
سبحانه وتعالى أعلم .
وحديث سهل هذا أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط "(2/33/2/7061)
مختصراً جداً بلفظ :
" إذا أنا مت وأبو بكر وعمر ؛ فإن استطعت أن تموت ؛ فمت " . وقال الطبراني :
"لم يروه عن إسماعيل بن أبي خالد إلا أبو خالد الأحمر ، تفرد به مسلم (!)
الخواص" . قال الهيثمي في "المجمع" (9/54) :
"وهوضعيف لغفلته" .
ولحديث سهل هذا شاهد من حديث عصمة بن مالك الخطمي ، لكن سنده

(13/417)


ضعيف جداً ، وقد سبق تخريجه برقم (3984) .
2 - وأما حديث سفينة : فيرويه حشرج بن نباتة عن سعيد بن جمهان عنه قال :
لما بنى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد ؛ وضع حجراً ، ثم قال :
"ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري ، ثم ليضع عمر حجره إلى جنب
حجر أبي بكر" ، ثم قال : "ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر" ، فقال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكر حديث الترجمة .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (7/256 و 2/440) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "العلل" (1/205/331) ، وابن حبان في "الضعفاء" (1/273) ، والبيهقي في
"الدلائل" (2/523) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/550) .
أورده ابن حبان في ترجمة حشرج ، وقال :
"كان قليل الحديث ، منكر الرواية فيما يرويه ، لا يجوز الاحتجاج بخبره " .
وقال البخاري في "الضعفاء الصغير ، (258/99) :
" حشرج بن نباتة سمع سعيد بن جمهان عن سفينة : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي
بكر وعمر وعثمان : "هؤلاء الخلفاء بعدي " ، وهذا لم يتابع عليه (يعني : فهو منكر) ؛
لأن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب (1) ، قالا : لم يستخلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (1) .
وأقره ابن عدي وكذا الذهبي ، مع أنهما ذكرا الخلاف في حشرج وأن بعضهم
وثقه ؛ ولذا قال الحافظ في "التقريب " :
__________
(1) أثر عمر متفق عليه - كما تقدم - ، وأثر علي جاء من طرق خرجتها في "الظلال"
(2/551) .

(13/418)


"صدوق يهم " . وقال ابن الجوزي :
"هذا حديث لا يصح ... " . ثم ذكر قولَي البخاري وابن حبان المذكورين .
3 - وأما حديث قطبة بن مالك : فيرويه محمد بن الفضل بن عطية عن زياد
ابن علاقة عنه ... مثل حديث سفينة .
أخرجه ابن حبان أيضاً (2/278 - 279) ، وابن عدي والبيهقي وابن الجوزي
من طريق الأول ، وهذا أورده في ترجمة ابن الفضل هذا وقال :
"يروي الموضوعات عن الأثبات ؛ لا يحل كتابة حديثه إلا على سبيل
الاعتبار ، كان ابن أبي شيبة شديد الحمل عليه" . وبه أعله ابن الجوزي أيضاً .
4 - وأما حديث عائشة : فيرويه أحمد بن عبدالرحمن بن وهب : حدثني
عمي : ثنا يحيى بن أيوب : ثنا هشام بن عروة عن أبيه عنها ... مثله .
أخرجه الحاكم (3/96 - 97) وقال :
"صحيح على شرط الشيخين ، وإنما اشتهر بإسناد واهٍ من رواية محمد بن
الفضل بن عطية ؛ فلذلك هجر" . وتعقبه الذهبي بقوله :
"قلت : أحمد منكر الحديث ، وهو ممن نقم على مسلم إخراجه في "الصحيح " ،
ويحيى - وإن كان ثقة ؛ فقد - : ضُعِّف ، ثم لو صح هذا ؛ لكان نصاً في خلافة
الثلاثة ، ولا يصح بوجه ؛ فإن عائشة لم تكن يومئذٍ (يعني : يوم بناء المسجد) وهي
محجوبة صغيرة ؛ فقولها هذا يدل على بطلان الحديث ، وابن عطية متروك " .
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده ، (8/295/4884) من طريق هشيم عن العوام
عمن حدثه عن عائشة ... به .

(13/419)


قلت : وهذا سند ظاهر الضعف ؛ لجهالة شيخ العوام - وهو : ابن حوشب - ،
وهشيم - هو : ابن بشير الواسطي ، وهو - مدلس ، وقد عنعنه .
5 - وأما حديث أبي هريرة : فيرويه بقية عن يحيى بن خالد عن روح بن
القاسم عن ليث عن مجاهد عنه مرفوعاً بلفظ :
لامن دخل علي حجري ؟ ليضع عمر حجراً إلى بخما حجرأبي بكر ... "
الحديث ، وفي آخره جملة الترجمة .
أخرجه ابن عدي (248/7) وقال :
"حديث منكر ، لا أعلم رواه عن يحيى غير بقية ، وهو من مجهولي شيوخ
بقية" .
قلت : كذا وقع فيه "حجري " ، ولعلهأ حجرتي! ، ومع ذلك فإني أظن أن فيه
سقطاً ، يدل عليه الروايات المتقدمة . والله أعلم .
وجملة القول ؛ أن هذه الطرق لحديث الترجمة ضعيفة ، وكان يكون من
الممكن أن يقال : إن بعضها يقوي بعضأ ... لولا أنه مخالف لما صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أنه
لم يستخلف - كما تفدم - .
ويمكن أن يكون للحديث أصل بلفظ آخر ، ثم تصرف فيه الضعفاء سهواً أو
قصداً . فمثلاً قد صح أن امرأة أتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأمرها أن ترجع إليه ، فقالت :
أرأيت إن لم أجدك ؛ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها .
"إن لم تجديني ؛ فأتي أبا بكر" .
رواه الشيخان وغيرهما ، وهو مخرج في "الصحيحة ، (3117) .

(13/420)


6192 - ( لما أهبطَ اللهُ تعالى آدمَ إلى الأرض ؛ كان أوَّلَ ما أكلَ من
ثمارِها النَّبَقُ ) .
منكر .
أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (13/62) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "العلل " (2/166 - 167) عن بكر بن بكار : حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال ابن الجوزي :
"لا يصح ، قال يحيى بن معين : بكر بن بكار ليس بشيء" .
قلت : وقد وثقه بعضهم ، لكن له نسخة فيها مناكير ، قال الحافظ في "اللسان " :
ضُعِّف بسببها ، وقد سمعناها بعلو" .
قلت : ومما يدل على ضعفه أنه قال مرة : عن حماد بن سلمة عن علي بن
زيد عن يوسف بن مهران عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال : ... فذكره موقوفاً عليه ؛ لم يرفعه
إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أخرجه ابن عدي في "الكامل ، (2/32) ، وقال عقبه :
"وهذا الحديث - وإن كان موقوفاً على ابن عباس ؛ فإنه - منكر ، لا أعلم يرويه
عن حماد غير بكر بن بكار ، وله أحاديث حسان غرائب صالحة ، وهو ممن يكتب
حديثه ، وليس حديثه بالمنكر جداً" .

6193 - ( لما أخرج اللهُ آدمَ من الجنة ؛ زوده من ثمار الجنة ، وعلمه
صَنعَْةَ كل شيء ؛ فثماركم هذه من ثمار الجنة ، غير أن هذه تَغَيَّرُ ،
وتلك لا تَغَيَّرُ ) .
ضعيف مرفوعاً ، صحيح موقوفاً .
أخرجه البزار في "مسنده " (3/102/2344) :

(13/421)


حدثنا عقبة بن مكرم العمي : ثنا ربعي ابن علية : ثنا عوف عن قسامة بن زهير
عن أبي موسى رفعه قال : ... فذكره . وقال :
"لا نعلمه رفعه إلا ربعي ، حدثنا محمد بن المثنى : ثنا ابن أبي عدي عن
عوف عن قسامة عن أبي موسى ... بنحوه ؛ ولم يرفعه " .
قلت : وهذا إسناد موقوف صحيح ؛ رجاله ثقات رجال الشيخين ؛ غير قسامة
ابن زهير ، وهو ثقة .
والإسناد الذي قبله صحيح أيضاً ؛ فإن عقبة بن مكرم ثقة من شيوخ مسلم .
وربعي ابن عُلَيَّة ثقة أيضاً ، وهو أخو إسماعيل ابن علية ، وأبوهما إبراهيم ، وعلية
أمهما ، وهو من شيوخ أحمد ، قال في "العلل " (583/292/2 4) :
لأحدثنا ربعي ابن علية - أخو إسماعيل ابن علية بن إبراهيم - ، وكان عابداً" .
وفي "التهذيب " :
"قال عبدالله بن أحمد : عن أبيه ؛ كان يفضل على أخيه . قال يحيى : وهو
ثقة مأمون " .
وإذا كان كذلك ، فرفعه للحديث زيادة يجب قبولها . على أنه قد توبع ؛ فقال
الروياني في "مسنده " (2/3/1) : ثنا العباس بن محمد : نا أبو موسى الهرري : نا
العباس بن الفضل الأنصاري : نا عوف ... به ؛ دون قوله : "وعلمه صنعة كل
شيء" .
لكن العباس بن الفضل هذا - قال في "التقريب " - :
"متروك ، واتهمه أبو زرعة ، وقال ابن حبان ، حديثه عن البصريين أرجى من
حديثه عن الكوفيين" .

(13/422)


قلت : وهذا من حديثه عن البصريين ؛ فإن شيخه عوف - هو : ابن أبي جميلة
البصري - المعروف بـ : (الأعرابي) . والله أعلم .
والحديث قال الهيثمي في "المجمع " (8/197 - 198) :
"رواه البزار والطبراني ، ورجاله ثقات " .
ومن روايتهما أورده السيوطي في "الجامع الكبير" ؛ لكن بلفظ :
لالما أهبط الله ... " ، والباقي مثله ؛ فلعله لفظ الطبراني ، ولم يطبع بعد مسند
أبي موسى منه ، حتى نتحقق . والله أعلم .
ثم ترجح لدي الوقف ؛ فقد رواه كذالك هَوذَة بن خليفة : ثنا عوف ... به
موقوفا" .
أخرجه الحاكم (2/543) وقال :
"صحيح الإسناد" . ووافقه الذهبي .
قلت : وهوذة هذا ، صدوق - كما قال الذهبي في "الكاشف" ، والحافظ في
" التقريب " - . وقد أثنى عليه أحمد فقال :
"ما كان أضبطه عن عوف " .
قلت : ولعل ذلك لأنه كان يحدث من كتابه ؛ فقد قال ابن سعد في
! الطبقات " (7/ 339) :
"ذهبت كتبه ؛ فلم يبق عنده إلا كتاب عوف ، وشيء يسير لابن عون وابن
جريج وأشعث والتيمي " .

(13/423)


ثم تاكدت مما سبق من ترجيح وقفه بمتابعة محمد بن ثور : أخبرني عوف ...
به موقوفاً .
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (2/631) .
ومحمد بن ثور - وهو : الصنعاني - ثقة أيضاً .
ثم رأيت فيه (2/645) رواية هوذة بن خليفة من طريق الحاكم المتقدمة .

6194 - ( أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يجامع أهله في كل جمعة ؛ فإن له
أجرين : أجر غسله ، وأجر غسل امرأته ؟ ) .
منكر .
أخرجه أبو نعيم في "الطب " (ق 79/2) ، والبيهقي في "الشعب "
(3/98/2991) ، والديلمي في "مسند الفردوس " (1/180/1 - الغرائب الملتقطة)
عن بقية بن الوليد عن يزيد بن سنان عن بكير بن فيروز عن أبى هريرة قال : قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ مسلسل بالعلل :
الأولى : بكير بن فيروز - وهو : الرهاوي - : بيَّض له الذهبي في "الكاشف " ،
وقال الحافظ في "التقريب" :
" مقبول" .
قلت : يعني : عند المتابعة ، ولم أجد له متابعاً .
ثم استدركت ؛ فقلت : لا ينبغي أن يعل به الحديث ، فقد روى عنه جمع
من الثقات ، منهم : زيد بن أبي أنيسة ، وأبو عبيدة بن عبدالله بن مسعود - وهو
أكبر منه - ، ونافع مولى ابن عمر - وهو من أقرانه - وغيرهم ، وقد وثقه ابن حبان
(4/76) ؛ فهو صدوق ، وحسّن له الترمذي ، فانظر! الصحيحة" (2335) .

(13/424)


الثانية : يزيد بن سنان - وهو : الجزري ، أبو فروة الرهاوي - : قال النسائي :
"متروك الحديث " . وقال ابن عدي :
"عامة حديثه غير محفوظ" .
وقد تقدمت له أحاديث أحدها موضوع (2/165/740) .
الثالثة : بقية بن الوليد : فإنه مدلس ، وقد عنعنه ، وبه أعله البيهقي فقال :
"في روايات بقية نظر" .
وكان الأولى به أن يعله بشيخه ؛ فإنه أشد ضعفاً منه - كما لا يخفى على
العارفين بهذا العلم - .
والحديث عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (1/274) لابن السني أيضاً في
"الطب " . أما في "الجامع الكبير" فقال :
"رواه البيهقي في " الشعب " وضعفه ، والديلمي " .

6195 - ( لما أهبط الله تعالى آدم إلى الأرض ؛ مَكَثَ فيها ما شاءَ
الله أن يمكث ، ثم قال له بنوه : يا أبانا ! تكَلَّمْ . قال: فقام خطيباً في
أربعين ألفاً من ولده ، وولد ولده ، وولد ولد ولده ، فقال: إن الله أمرني
فقال: يا آدم ! أَقِلَّ كلامك حتى ترجع إلى جواري ) .
ضعيف جدّاً .
أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (7/328) ، وابن عساكر
في "تاريخ دمشق " (2/326/1) من طريق أبي بكر بن المقرئ : حدثنا أبو إسحاق
إبراهيم بن جعفر بن خليد المقرئ : حدثنا الحسن بن شبيب المؤدب : حدثنا
خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن ثابت عن أنس بن مالك قال : قال

(13/425)


رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال ابن المقرئ :
"هكذا حدثنا هذا الشيخ ، ولم أكتبه إلا عنه ، وكتب عنه جماعة أصحابنا ،
وكان يوثق" .
قلت : ولم أجد له ترجمة ، وقد خولف في إسناده : فأخرجه الخطيب وابن
عساكر أيضاً من طريق الحسين بن إسماعيل (المحاملي) : حدثنا الحسن بن شبيب
المعلم : حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال : ... فذكره موقوفاً عليه بنحوه . وقال الخطيب :
"لا أعلم رواه عن خلف بن خليفة إلا الحسن بن شبيب ... قال ابن عدي :
حدث عن الثقات بالبواطيل ، ووصل أحاديث وهي مرسلة . وقال الدارقطني :
أخباري ، يعتبر به وليس بالقوي" . قال الذهبي عقبه في "الميزان " :
"قلت : المتعين ما قال ابن عدي فيه ... " .
ثم ساق إسناده إليه بسنده إلى واثلة بن الأسقع مرفوعاً بلفظ :
" أحضروا موائدكم البقل ؛ فإته مطردة للشيطان مع التسمية " . وقال الذهبي :
"آفته المُكتِب " . يعني : الحسن هذا المؤدب .

6196 - ( من لَقَّم أخاه لُقْمَةَ حَلواءَ ، ولم يكن ذلك مخافةً من
شرِّه ، ولا رجاء لخيره ؛ صرف الله عنه سبعين بلوى في القيامة ) .
موضوع .
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (4/85) : أخبرنا أبو نصر أحمد بن
إبراهيم المقدسي ، : حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر الفقاعي : حدثنا أحمد بن
الحسن بن عبدالجبار الصوفي قال :

(13/426)


قصدت باب أبي الربيع الزهراني واستأذنت ، فخرجت جارية ، فقالت :
الشيخ مشغول . فجلست ساعة ، ثم استأذنت . ، فخرجت وقالت : مشغول .
فقلت : قولي للشيخ ؛ بغدادي ، وصوفي ، وصاحب حديث ، فقال : زبد بنرسيان ،
قولي : ادخل . فدخلت ، وبين يديه جام فالوذج ، فلقمني لقمة ، وقال : حدثني
فليح قال: حدثنا الزهري : حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ...
فذ كره . وقال :
"هذا حديث منكر جداً ، وإسناده صحيح (!) ، وقد كنت أظن الحمل فيه
على الفقاعي ، والفقاعي : مشهور عندهم ، ثقة ، ومات بعد سنة سبعين وثلاثمائة ،
ولم يدرك الصوفي " .
ثم ساق الخطيب إسناده عن أبي القاسم بن السوطي ؛ الحسين بن محمد
ابن إسحاق البزار قال : سمعت أبا الطيب محمد بن الفرخان الدوري يقول :
سمعت أحمد بن عبدالجبار الصوفي يقول : لما مضيت إلى أبي الربيع الزهراني ...
الحديث بتمامه ؛ إلا أنه قال :
"لا يريد بها إلا الله ؛ وقاه الله مرارة الموقف يوم القيامة" . قال الخطيب :
"فبانت علة الحديث الأول : إذ الحمل فيه على ابن الفُرُّخان ، وبرئ ابن الفقاعي
منه ، وسقط اسم محمد بن الفرخان من كتاب شيخنا المقدسي ، والله أعلم . وقد
بينا حال ابن الفرخان فيما تقدم من كتابنا ، وأنه ذاهب الحديث ، ويمكن أن تكون
العلة من جهة ابن السوطي ؛ فإنه أيضاً ظاهر التخليط . والله أعلم " .
والحد!ما أورده ابن الجوزي في "الموضوعات " (3/28 - 29) من طريق الخطيب ،
ونقل كلامه بنحو ما تقدم .

(13/427)


وذكر الخطيب في ترجمة ابن فرخان - التي أشار إليها (3/167) - أنه روى
أحاديث كثيرة منكرة بأسانيد واضحة عن شيوخ ثقات ، وأنه كان غير ثقة . وقال
في ترجمة ابن السوطي (8/102) :
"وكان كثير الوهم ، شنيع الغلط ، رأيت له أوهاماً كثيرة تدل على غفلته " .
قلت : فالعلة لا تتجاوزهما - كما في كلام الخطيب - ؛ لكن قوله في الطريق
الأول :
"وإسناده صحيح " ... ليس كما ينبغي ؛ ما دام أنه أعله بالانقطاع ، فكان الأولى
أن يقول مثلاً :
"ظاهر إسناده الصحة ، رجاله كلهم ثقات ؛ لكنه معلول بالانقطاع ، وقد
كنت ... " .
وللحديث طريق أخرى مختصراً بلفظ :
"من لقم أخاه لقمة حلو ؛ صرف الله عنه مرارة الموقف يوم القيامة" .
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (3/54) من طريق أبي بلال الأشعري
قال : ثنا مجاشع بن عمرو عن خالد العبد عن يزيد الرقاشي عن أنس
مرفوعاً ... به .
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (3/54) ، وقال :
"غريب من حديث يزيد ؛ تفرد به عنه خالد" .
قلت : وبهما أعله ابن الجوزي - بعد أن ساقه من طريق أبي نعيم - ؛ فقال :
"لا يصح ؛ يزيد الرقاشي : متروك ، وخالد العبد " رماه الفلاس بأنه يضع
الحديث ، وقال الد ارقطني : متروك الحديث " .

(13/428)


قلت : وفاته علتان أخريان :
إحد اهما : مجاشع بن عمرو ، وهو : كذاب وضاع ، وقد تقدمت له أحاديث
موضوعة ، فانظر الأرقام (353 و 639 و 1980) .
والأخرى : أبو بلال الأشعري ؛ ضعفه الدارقطني .

6197 - ( قُبُضاتُ التَّمرِ للمساكينِ مُهورُ الحُورِ العِيْنِ ) .
موضوع .
أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات " (3/253) من طريق الدارقطني
بسنده الصحيح عن طلحة بن زيد عن الوضين بن عطاء عن القاسم عن أبي
أمامة ... مرفوعاً . وقال ابن الجوزي :
"تفرد به طلحة عن الوضين . قال السعدي : الوضين واهي الحديث . قال
النسائي : وطلحة متروك . وقال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه" .
قلت : نص عبارة ابن حبان في "الضعفاء" (1/383) :
"منكر الحديث جداً ، يروي عن الثقات المقلوبات ؛ لا يحل الاحتجاج بخبره " .
وقال في مكان آخر (1/286) :
"ليس بثقة" . وقال أحمد وابن المديني :
"كان يضع الحديث" ؛ كما في "تاريخ ابن عساكر" (8/523) وغيره .
وهذا الحديث مما سوَّد به السيوطي "جامعه الصغير" - فضلاً عن "الجامغ
الكبير" ؛ من رواية الدارقطني في "الأفراد" - . مع أنه وافق ابن الجوزي على وضعه
في كتابه "اللآلي المصنوعة" (2/452) ، وإن كان سقط منه إسناده ومتنه ، كما
سقط منه حديث آخر بمعناه عن أبي هريرة ، وبقي إسناده من رواية ابن عدي
(5/25) - وفيه عمر بن صبح ، وهو وضاع - ، وقد أورده ابن عراق في الفصل

(13/429)


الأول من كتابه "تنزيه الشريعة" من حديث أبي أمامة هذا وأبي هريرة وابن عمر ،
مشيراً بذلك إلى إقرار ابن الجوزي على وضعه من الطرق الثلاثة . وحديث ابن
عمر سبق تخريجه برقم (571) .
ومن أحاديث طلحة هذا المتروك الحديث التالي :

6198 - ( إن العبد ليقف بين يدي الله ، فيطوّل وقوفه؛ حتى
يصيبه من ذلك كرب شديد ، فيقول: يا ربّ ! ارحمني اليوم . فيقول :
وهل رحمتّ شيئاً من خلقي من أجلي ؛ فأرحمك ؟ هاتِ ولو عصفوراً ) .
موضوع .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (8/523) من طريق طلحة
ابن زيد عن موسى بن عبيدة عن عبدالله بن دينار عَنْ ابْنِ عُمَرَ ... مرفوعاً . قال :
"فكان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومن مضى من سلف هذه الأمة يتبايعون العصافير ؛
فيعتقونها" .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته طلحة بن زيد هذا ، وقد عرفت حاله في الحديث
الذي قبله ، وأن الإمام أحمد وابن المديني اتهماه بالوضع .
وبهذا ، أعله السيوطي في "الجامع الكبير" (قسم المسانيد 4/496) .

6199 - ( فخرت الجنة على النار فقالت : أنا خير منك . فقالت النار :
بل أنا خير منك . فقالت لها الجنة استفهاماً : ومِمَّ ؟ قالت : لأن في الجبابرة ،
ونمرود ، وفرعون ، فُأسكِتَتْ ، فأوحى الله إليها : لا تخضعين ، لأزينن ركنيك
بالحسنِ والحسينِ ، فماسَتْ كما تَمِيسُ العروسُ في خدرها ) .
موضوع .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/146/2) : حدثنا محمد

(13/430)


ابن نوح بن حرب : ثنا منير بن ميمون البصري : ثنا عباد بن صهيب : نا سليمان
ابن المغيرة عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ...
فذ كره . وقال :
"تفرد به عباد بن صهيب " .
قلت : وهو أحد المتروكين ؛ كما قال والسيوطي في "اللآلي " (1/389) ، ساقه
شاهداً لحديث عقبة المتقدم برقم (5891 - 5892) بنحوه ، وبعباد هذا أعله الهيثمي
أيضاً (9/184) ؛ تبعاً لقول الذهبي في "الميزان " :
"أحد المتروكين . قال ابن المديني : ذهب حديثه . وقال البخاري والنسائي
وغيرهما : متروك . وقال ابن حبان ؛ كان يروي أشياء إذا سمعها المبتدئ في هذه
الصناعة ؛ شهد لها بالوضع " .
قلت : وهذا مما يشهد القلب بوضعه - منه ، أو ممن دونه - ؛ فإني لم أجد لهما
ذكراً في شيء من المصادر التي عندي . والله أعلم .
وقد جاء افتخار الجنة والنار بلفظ آخر يختلف عن هذا تماماً أوله :
"افتخرت الجنة والنار ؛ ففالت النار : يا رب! يدخلني الجبابرة والمتكبرون
والملوك والأشراف . وقالت الجنة : أي رب ! يدخلني الضعفاء والفقراء والمساكين ... "
الحديث .
أخرجه أحمد وغيره ، وفيبما عطاء بن السائب : وكان اختلط ، وحماد بن
سلمة : روى عنه بعد الاختلاط أيضاً - كما حققه الحافظ في كتابه "التهذيب " - ،
فمن صحح حديثه هذا بحجة أنه مروي عنه قبل الاختلاط ؛ فقد وهم .

(13/431)


وقد خرجته في "ظلال الجنة" (1/232/528) ، وهو من روايته عن عبيدالله
ابن عبدالله بن عتبة عن أبي سعيد ... مرفوعاً .
وإن مما يدل على اختلاطه - وأن حماداً رواه عنه في حالة الاختلاط - : أن مسلماً
أخرجه (8/151 - 152) ، وكذا أحمد وابنه عبدالله (3/79) ، وأبو يعلى (2/397/
1172) من طريق جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد بلفظ :
"احتجت الجنة والنار ... " الحديث .
وبهذا اللفظ رواه أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعاً .
أخرجه البخاري في "صحيحه " (4850) ، ومسلم أيضاً ، وكذا البخاري في
"الأدب المفرد" (554 و 589) ، والترمذي (2564) ، وابن حبان (7434) ، والطبري
في "التفسير" (26/106) ، وأحمد (2/276 و 450) ، وأبو يعلى (11/179/6290)
من طرق عنه .
وكذلك رواه أنس أيضاً .
أخرجه ابن جرير الطبري (26/107) ، وسنده صحيح .
قلت : فهذا اللفظ هو المحفوظ عن أنس وغيره ، قلبه ذاك المتهم . والله أعلم .

6200 - ( قالت الجنة : يا ربِّ ! زيَّنتني ؛ فأحسنت أركاني . فأوحى
اللهُ إليها : قد حَشَوْتُ أركانك بالحَسَنِ والحُسَيْنِ والسُّعود من الأنصارِ ،
وعزتي! لا يدخُلًُك مُراءٍ ولا بخيلٌ ) .
باطل .
أخرجه عبدان في "الصحابة" من طريق إسماعيل بن عياش عن
محمد بن عياض عن أبيه عن العباس بن بزيع عن أبيه ... مرفوعاً .

(13/432)


ذكره الحافظ في "الإصابة" في ترجمة بزيع ، وقال :
"وفي إسناده مجاهيل . قال أبو موسى : هذا غريب جداً . وقال عبدان : لم
يذكر بزيع سماعاً ؛ فلا أدري أهو مرسل أم لا ؟ " .
وأورده الذهبي في ترجمة يحيى بن أحمد من "الميزان " وقال :
الا يعرف ، والخبر باطل ، لكن في الإسناد مجاهيل ؛ فقال عبدان في "معرفة
الصحابة " : حدثنا محمد : حدثنا يحيى بن أحمد : ثنا إسماعيل بن عياش ؛ ثنا
هانئ بن المتوكل عن محمد بن عياض الأنصاري ... " إلخ .
قلت : والمجهولون - الذين أشار إليهم الحافظ والذهبي - هم من فوق هانئ بن
المتوكل ، وأما هذا فقال ابن حبان في "الضعفاء" (3/97) :
"كثرت المناكير في روايته ؛ فلا يجوز الاحتجاج به بحال " .
وهو إسكندراني ؛ فرواية إسماعيل بن عياش عنه ضعيفة . وقال الذهبي في
" التجريد" :
"بزيع الأزدي : والد عباس ، استدركه أبو موسى من حديث موضوع مرسل " .
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" (ص 3848/ 16134) وقال :
"رواه أبو موسى المديني عن عباس بن بزيع الأزدي عن أبيه ، وقال : غريب " .
ووقع في "كنز العمال" (11/757/33686) :
" ... عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ؛ بزيغ ... " ... خطأ مطبعي"
وللجملة الأخيرة منه شاهد من حديث أبي بكر الصديق مرفوعاً بلفظ :

(13/433)


"لا يدخل الجنة خب ، ولا منان ، ولا بخيل " .
أخرجه الترمذي (1964) ، وأحمد (1/7) ، وأبو يعلى (1/95/95) ، وأبو نعيم
في "الحلية" (4/164) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (7/431/ 10862) من
طريق صدقة بن موسى عن فرقد السبخي عن مرة الطيب عنه مرفوعاً ... به . وقال
الترمذي :
"حديث حسن غريب " .
قلت : ولم يرد في بعض النسخ قوله : "حسن" ، وكذلك ورد في "الترغيب "
(3/247) ، وأشار إلى ضعفه ... وهو اللائق بحال إسناده ؛ فإن فرقد السبخي ليِّن
الحديث كثير الخطأ - كما قال الحافظ في "التقريب " - . وزاد أبو يعلى وغيره :
" ... ولا سيئ الملكة ، وإن أول من يدخل الجنة المملوك ؛ إذا أطاع الله وأطاع
سيده " . وهو رواية لأحمد (1/4) نحوه .
وفي الباب بلفظ : "الشحيح لا يدخل الجنة" . وقد مضى برقم (4452) .

6201 - ( لَمَّا افْتَتَحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ ؛ جُعِلَتْ لَهُ مَأْدُبَةٌ ، فَأَكَلَ مُتَّكِئاً ، وأَطْلَى
فَأَصَابَتْهُ الشَّمْسُ ؛ فَلَبِسَ الظّلَّةَ ) .
موضوع .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/62/149) من طريقين
عن بقية بن الوليد عن عمر الدمشقي عن مكحول عن واثلة قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، وفيه علل :
الأولى : عنعنة بقية بن الوليد .
الثانية : عمر الدمشقي ، قال الذهبي في "الميزان " :

(13/434)


"لا يعتمد عليه ، ولا يعرف " . ثم أعاده بعد ترجمتين فقال :
"عمر الدمشقي عن واثلة بن الأسقع ، وعنه ابنه علي ... لا يدرى من هو" .
وأقره الحافظ على هذا . وأما في الموضع الأول فزاد عليه :
"لعله الوجيهي " .
وكذا في طبعة الخانجي ؛ إلا أنه سقط منه قوله : "لعل " ، كما وقع فيه خطأ
مطبعي آخر ، وأنا أرى أنه سقط ذكر مكحول بين : (عمر) ... و: (واثلة) - كما في
حديث الترجمة - ، وأنه هو الوجيهي يقيناً ؛ فقد روى ابن عدي في "الكامل "
(5/10) من طريق عمرو بن عثمان : ثنا بقية عن عمر بن موسى عن مكحول عن
واثلة مرفوعاً بحديث آخر لفظه :
"لا يتزوج المملوك فوق اثنتين " . وقال ابن عدي - وقد ذكر لعمر الوجيهي
أحاديث أخرى كثيرة - :
"وله غير ما ذكرت من الحديث كثير ، وكل ما أمليت لا يتابعه الثقات عليه ،
وما لم أذكره كذلك ، وهو بيِّن الأمر في الضعفاء ، وهو في عداد من يضع الحديث
متناً وإسناداً " .
قلت : فهو إذن آفة الحديث ، ولم يعرفه الهيثمي ؛ فقال (5/24) :
"رواه الطبراني من رواية بقية عن عمرو الشامي ، وبقية : ثقة ، ولكنه مدلس ،
وعمرو : لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات " .
كذا وقع فيه : (عمرو) ... ولعله هو السبب الذي منعه من أن يعرفه ، وهو في
"الميزان " كما سبق .

(13/435)


ومن نكارة الحديث أنه مخالف لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"إني لا اكل متكئاً " .
رواه البخاري . بل ثبت عنه النهي عن الأكل متكئاً . وهو مخرج في "الصحيحة"
(3122) .
ومكحول - وهو : الشامي الفقيه - : قال العلائي في "جامع التحصيل "
(ص 352) :
"كثير الإرسال جداً ... " .
ثم حكى عن أبي حاتم أنه أنكر سماعه من واثلة . وذكر نحوه عن أبي زرعة .
وقال ابن معين :
"سمع منه " . والله أعلم .

6202 - ( مَلَكا الليلِ غيرُ مَلَكَيِ النهارِ ) .
موضوع .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (3/66 - الغرائب الملتقطة)
من طريق نهشل بن سعيد عن الضحاك عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... رفعه .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته نهشل هذا : فإنه كذاب ، روى عن الضحاك الموضوعات .
وتقدم له حديثان موضوعان (819 و 1686) ، والأول منهما بإسناده هذا ، وبينت
هناك أن الضحاك لم يلق ابن عباس ؛ فهو منقطع على ضعفه الشديد .
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية الحاكم في "تاريخه "
عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ، وسكت عنه - كما هو غالب عادته -! وأنا أظن أن الديلمي رواه
من طريقه ، وإنما لم أجزم به - مع أنني منه نقلت - ؛ لأن النسخة التي عندي منه
لم يظهر إسناده الذي دون نهشل . والله أعلم .

(13/436)


6203 - ( بَيْنََا أَنَا نَائِم عِشَاء فِي الْمَسْجِد الْحَرَام إِذْ أَتَانِي آتٍ ، فَأَيْقَظَنِي ،
فَاسْتَيْقَظْت ، فَلَمْ أَرَ شَيْئاً ، ثم عدت في النوم ، ثم أيقظني... فَإِذَا أَنَا
بِهَيْئَة خَيَال ، فَأَتْبَعْته بَصَرِي حَتَّى خَرَجْت مِنْ الْمَسْجِد ؛ فَإِذَا أَنَا بِدَابَّةٍ
أَدْنَى شَبَهاً بِدَوَابِّكُمْ هَذِهِ ، بِغَالكُمْ هَذِهِ ، غَيْر أَنَّهُ مُضْطَرِب الْأُذُنَيْنِ يُقَال
لَهُ : الْبُرَاق وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاء صلوات الله عليهم تَرْكَبهُ قَبْلِي ...
ثُمَّ أُتِيت بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي كَانَتْ تَعْرُج عَلَيْهِ أَرْوَاح بني آدم ، فَلَمْ يَرَ الْخَلَائِق
أَحْسَن مِنْ الْمِعْرَاج ، أَمَا رَأَيْتم الْمَيِّت حِين يُشَقّ بَصَره طَامِحاً إِلَى
السَّمَاء ؟ فَإِنَّمَا يُشَقّ بَصَره طَامِحاً إِلَى السَّمَاء عَجَبه بِالْمِعْرَاجِ ...
ثُمَّ صَعِدْت إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة ؛ فَإِذَا أَنَا بِهَارُون ، وَنِصْف لِحْيَته
بَيْضَاء وَنِصْفهَا سَوْدَاء ، تَكَاد لِحْيَته تُصِيب سُرَّته مِنْ طُولهَا ...
ثُمَّ صَعِدَتْ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى ، رَجُل آدَم كَثِير
الشَّعْر لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ ؛ لَنَفَذَ شَعْره دُون الْقَمِيص (وفي رواية:
خرج شعره منهما !) وَإِذَا هُوَ يَقُول : يَزْعُم النَّاس أَنِّي أَكْرَم عَلَى اللَّه
منْ هَذَا ؛ بَلْ هَذَا أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنِّي...) الحديث بطوله في ست صفحات
من نحو قياس صفحات هذا الكتاب .
موضوع .
ولوائح الوضع عليه ظاهرة . أخرجه ابن جرير في "تفسيره " (15/
10 - 12) ، والبيهقي في "الدلائل " (2/390 - 396) من طريق أبي هارون العبدي
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره ؛ مصححاً بعض ألفاظه
من "تفسير ابن كثير" ، وعزاه لابن أبي حاتم أيضاً ، وقال :

(13/437)


"فذكره بسياق طويل حسن أنيق ؛ أجود مما ساقه غيره ، على غرابته ، وما فيه
من النكارة ... وأبو هارون العبدي - اسمه : عمارة بن جوين ، وهو - مضعف عند
الأئمة" .
قلت : بل اتهمه بعضهم ، وحديثه هذا ونحوه يدل على موضع لينهم ؛ فقد
أورده ابن حبان في "الضعفاء" (2/177) وقال :
"كان رافضياً ، يروي عن أبي سعيد ما ليس من حديثه ، لا يحل كتابة حديثه
إلا على جهة التعجب " .
وقال الذهبي في "المغني " :
"تابعي ضعيف . قال حماد بن زيد : كذاب " . وقال الحافظ في "التقريب " :
"متروك ، ومنهم من كذبه ، شيعي" .
والحديث عزاه السيوطي في "الدر ، (4/142) لابن المنذر أيضاً ، وابن مردويه ،
وابن عساكر ، وسكت عنه - كما هي غالب عادته - ؛ الأمر الذي يجعل من لا علم
عنده يقدم على ذكره ؛ بل والاحتجاج به ، كما فعل الشيخ التويجري في "الرد
على من أجاز تهذيب اللحية" (ص 7 - 8 و15 و51) ، ولقد أصاب في رده على
ذاك الكاتب الذي زعم : "أن اللحية رمز عربي ، وليس من الإسلام في شيء! " ،
ورسالته تدور حول إبطال هذا الزعم ، ولقد كان موفقاً في ذلك ، بخلاف عنوانه
للرسالة ، فلقد كان مخطئاً فيه من ناحيتين :
الأولى : أنه لا يطابق المعنون عنه ؛ لأن تهذيب اللحية غير حلقها بداهة ،
وهو لم يرد فيها على الذين يذهبون إلى جواز تهذيبها مع قولهم بحرمة حلقها .

(13/438)


والأخرى : أنه - أعني : العنوان - يشمل الحنفية وغيرهم الذين من مذهبهم
جواز أخذ ما زاد على القبضة ؛ بل يشمل ابن عمر وأبا هريرة وغيرهم من السلف
الذين احتج بهم الحنفية ؛ وإن لم يسلم بذلك الفاضل المعلق على رسالة : "وجوب
إعفاء اللحية" للشيخ الكاندهلوي ؛ فإنه قد خالف السلف ، ومنهم إمام السنة
أحمد بن حنبل ؛ فقد روى الخلال في "كتاب الترجل " : قال : أخبرني حوب ،
قال : سئل أحمد عن الأخذ من اللحية ؟ قال :
كان ابن عمر يأخذ منها ما زاد على القبضة . وكأنه ذهب إليه . قلت له : ما
(الإعفاء) ؟ قال : يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قال : كان هذا عنده الإعفاء .
أخبرني محمد بن أبي هارون : أن إسحاق حدثهم قال : سألت أحمد عن
الرجل يأخذ من عارضيه ؟ قال : يأخذ من اللحية ما فضل عن القبضة . قلت :
فحديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى" ؟ قال : يأخذ من طولها ومن تحت حلقه ورأيت
أبا عبدالله يأخذ من طولها ومن تحت حلقه ، وروى ابن هاني مثله في "مسائله "
(2/151/1848) .
قلت : ثم قال الخلال : أخبرني عبيد الله بن حنبل قال : حدثني أبي قال :
قال أبو عبدالله : ويأخذ من عارضيه ، ولا يأخذ من الطول ، وكان ابن عمر يأخذ
من عارضيه إذا حلق رأسه في حج أو عمرة ، لا بأس بذلك .
فأقول : هذا الرواية شاذة ؛ إن لم أقل : منكرة عن الإمام أحمد ، من ناحيتين :
الأولى : في قول أحمد : "ولا يأخذ من الطول " . فإنه مخالف لرواية حرب
لاسحاق المتقدمتين ، ولعل ذلك من عبيدالله بن حنبل ؛ فإنه غير معروف بالرواية ؛

(13/439)


فإن الخطيب لما ذكره في "التاريخ " (10/347) لم يزد على أن ذكر ما في هذا
الإسناد ، فقال :
"حدث عن أبيه ، سوى عنه أبو بكر الخلال " .
فمثله لا يحتج به بما تفرد به ، فكيف إذا خالف ؟!
والأخرى : في قوله في أثر ابن عمر : وكان يأخذ من عارضيه " ؛ فإنه مخالف
لزيادة فِي حَدِيثِ ابن عمر في "الصحيحين " :
"خالفوا المشركين ، ووفروا اللحى ، وأحفوا الشوارب " .
وهو مخرج في "الإرواء" (1/119) ، وزاد البخاري في رواية (5892 - فتح) . :
"وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر ؛ قبض على لحيته ، فما فضل ؛ أخذ" .
فهذا هو الصحيح عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وعن أحمد أيضاً . وله عَنْ ابْنِ عُمَرَ طريق
أخرى ، رواها ابن أبي شيبة (8/563) ، وابن سعد (4/178) . وله عنده طرق أخرى .
ثم روى الخلال ، ومن قبله ابن أبي شيبة عن أبي زرعة بن جرير قال :
"كان أبو هريرة يقبض على لحيته ، ثم يأخذ ما فضل عن القبضة" .
وإسناده صحيح على شرط مسلم .
قلت : والآثار السلفية بهذا الماس كثيرة ؛ حتى قال منصور عن إبراهيم :
" كانوا يأخذون من جوانبها ، وينظفونها . يعني : اللحية " .
أخرجه ابن أبي شيبة (8/564) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (5/220/
6438) بإسناد صحيح عن إبراهيم ، وهو : ابن يزيد النخعي ، وهو تابعي فقيه
جليل ، قال الذهبي في "الكاشف " :

(13/440)


"كان عجباً في الورع والخير ، متوقياً للشهرة ، رأساً في العلم ، مات سنة
(96) كهلاً " .
قلت : فالظاهر أنه يعني من أدركهم من الصحابة وكبار التابعين وأجلائهم ،
كالأسود بن يزيد - وهو خاله - وشريح القاضي ، ومسروق وأبي زرعة - وهو الراوي
لأثر أبي هريرة المذكور آنفاً - وأبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود ، والآثار في الباب
كثيرة ؛ بل إن بعضهم جعل الأخذ من اللحية من تمام تفسير قوله تعالى في
الحُجَّاج : {ثم ليقضوا تفثهم} ، فقال محمد بن كعب القرظي :
"رمي الجمار ، وذبح الذبيحة ، وأخذ من الشاربين واللحية والأظفار" .
أخرجه ابن جرير بسند جيد عنه .
ثم روى عن مجاهد مثله . وسنده صحيح .
ومجاهد ، ومحمد بن كعب من أجلة التابعين المكثرين من الرواية عن ترجمان
القرآن عبدالله بن عباس ، والآخذين العلم عنه والتفسير ، ولعلهما تلقيا منه تفسير
آية الحج هذه ؛ فقد قال عطاء : عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ أنه قال في قوله : {ثم ليقضوا
تفئهم} ، قال :
"التفث : حلق الرأس ، وأخذ من الشاربين ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وقص
الأظفار ، والأخذ من العارضين ، ورمي الجمار ، والموقف بعرفة والمزدلفة " .
أخرجه ابن جرير أيضاً ، وإسناده صحيح .
ورواه ابن أبي شيبة من طريق أخرى عن عطاء بن أبي رباح قال :
"كانوا يحبون أن يعفوا اللحية ؛ إلا في حج أو عمرة . وكان إبراهيم يأخذ من
عارض لحيته " .

(13/441)


وإسناده صحيح أيضاً .
وإذا عرفت ما تقدم من هذه الآثار المخالفة لحديث الترجمة ؛ فالعجب كل
العجب من الشيخ التويجري وأمثاله من المتشددين بغير حق ، كيف يتجرأون على
مخالفة هذه الآثار السلفية ؟! فيذهبون إلى عدم جواز تهذيب اللحية مطلقاً ؛ ولو
عند التحلل من الإحرام ، ولا حجة لهم تذكر سوى الوقوف عند عموم حديث :
" ... وأعفوا اللحى" ، كأنهم عرفوا شيئاً فات أولئك السلف معرفته ، وبخاصة
أن فيهم عبدالله ابن عمر الراوي لهذا الحديث ؛ كما تقدم ، وهم يعلمون أن الراوي
أدرى بمرويه من غيره ، وليس هذا من باب العبرة بروايته لا برأيه ؛ كما توهم البعض ،
فإن هذا فيما إذا كان رأيه مصادماً لروايته ، وليس الأمر كذلك هنا كما لا يخفى على
أهل العلم والنهى ؛ فإن هؤلاء يعلمون أن العمل بالعمومات التي لم يجر العمل بها
على عمومها هو أصل كل بدعة في الدين ، وليس هنا تفصيل القول في ذلك ،
فحسبنا أن نذكر بقول العلماء وفي مثل هذا المجال ؛ "لو كان خيراً ؛ لسبقونا إليه " .
أضف إلى ما تقدم أن من أولئك السلف الأول الذين خالفهم أولئك المتشددون
ابن عباس ترجمان القرآن الذي يحتجون بتفسيره ؛ إذا وافق هواهم ، بل وجعلوه في
حكم المرفوع ؛ ولو لم يصح السند به إليه ، كما فعلوا بما روي عنه في تفسير قوله
تعالى : {يدنين عليهن من جلابيبهن} قال : "يبدين عيناً واحدة" (1)! ثم تراهم
هنا لا يعبأون بتفسيره لآية (التفث) هذه ، مع ثبوته عنه وعن جمع من تلامذته ،
وقول ابن الجوزي في "زاد المسير" (5/426 - 427) : بأنه أصح الأقوال في تفسير
الآية . والله المستعان .
__________
(1) انظر كتابي "حجاب المرأة المسلمة" ومقدمة الطبعة الجديدة ، طبع المكتبة الإسلامية ،
وقد سميته فيها بـ "جلباب المرأة المسلمة" لسبب هام ذكرته هناك .

(13/442)


ثم رأيت في "الموطأ ، (1/353 - 354) : عن مالك : أنه بلغه عن سالم بن
عبدالله ؛ كان إذا أراد أن يحرم ؛ دعا بـ (الجَلْمَيْن) ، فقص شاربه ، وأخذ من لحيته
قبل أن يركب ، وقبل أن يهل محرماً .

6204 - (السماءُ قبلة الدُعاءِ) .
لم أقف له على أصل ؛ إلا ما قاله الحافظ في "نتائج الأفكار" (1/259 -
260) في "آداب الدعاء " :
"قلت : أما الاستقبال ؛ فلم أر فيه شيئاً صريحاً يختص به ، وقد نقل الروياني
أنه يقول رافعاً بصره إلى السماء ، وقد تقدم ذلك فِي حَدِيثِ عمر ، وفي حديث
ثوبان : "السماء قبلة الدعاء" ، فلعل ذلك مراد من أطلق " .
كذا قال! وحديث ثوبان تقدم عنده (1/245) ، وليس فيه ما ذكر ، ولا رأيت
ذلك في كتاب من كتب السنة التي وقفت عليها . بل ظاهر كلام شارح "العقيدة
الطحاوية" : ابن أبي العز (ص 327) وغيره أن هذا الحديث المزعوم هو من قول
بعض المؤولة ، أو المعطلة الذين ينكرون علو الله على خلقه ، واستواءه على عرشه ،
وما فطر عليه الناس من التوجه بقلوبهم في دعائهم جهة العلو ، فقال الشارح :
"إن قولكم : إن السماء قبلة . الدعاء لم يقله أحد من سلف الأمة ، ولا أنزل
الله به من سلطان ... " .

6205 - ( إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَرَايَا مِنَ الْمَلائِكَةِ تَحِلُّ ، وَتَقِفُ عَلَى
مَجَالِسِ الذِّكْرِ فِي الأَرْضِ ، فَارْتَعُوا فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، قَالُوا : وَأَيْنَ
رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : مَجَالِسُ الذِّكْرِ ، فَاغْدُوا وَرُوحُوا فِي ذِكْرِ اللَّهِ عز
وجل ، وَذَكِّرُوهُ بِأَنْفُسِكُمْ .

(13/443)


مَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ ؛ فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنْزِلَةُ اللَّهِ
عِنْدَهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ الْعَبْدَ مِنْهُ حَيْثُ أَنْزَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ ) (*) .
ضعيف .
أخرجه أبو يعلى (3/390/1865 و 4/106/2138) ، ومن طريقه
ابن حبان في (الضعفاء" (2/ 81) ، وكذا البزار (4/5/3064) ، وعبد بن حميد
في "المنتخب من المسند" (54/1105) ، والطبراني في "الأوسط " (1/139/2674) ،
والحاكم (1/494 - 495) ، والبيهقي في "الشعب" (1/397/528) ، وفي " الدعوات "
(7/6) من طريق عمر بن عبدالله مولى غُفرة عن أيوب بن خالد بن صفوان
الأنصاري عن جابر بن عبدالله قال : خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : ... فذكره ،
وزاد بعضهم في أوله : "يا أيها الناس! إن الله ... " . وقال الطبراني :
"لا يروى إلا بهذا الإسناد ، تفرد به عمر" .
قلت : وهو مختلف فيه ، والراجح عند الحفاظ المتأخرين ضعفه ؛ تبعاً لابن
معين والنسائي ، وغيرهما ، ولذلك لما قال الحاكم عقب الحديث :
أ صحيح الإسناد" ، رده الذهبي بقوله :
"قلت : عمر ضعيف " . وكذا قال الحافظ في "التقريب " .
وقال المنذري في "الترغيب" (2/234) متعقباً على الحاكم :
"في أسانيدهم : عمر مولى غفرة ، ويأتي الكلام عليه ، وبقية أسانيدهم ثقات
مشهورون محتج بهم ، والحديث حسن . والله أعلم" .
كذا قال ، وفي آخر الكتاب حكى الأقوال في تضعيفه وتوثيقه ، ولم يذكر
قول ابن حبان فيه :
__________
(*) كتب هنا بهامش الأصل : مضى (5427) . (الناشر) .

(13/444)


"كان ممن يقلب الأخبار ، ويروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات ؛ لا
يجوز الاحتجاج به ، ولا ذكره في الكتب إلا على سبيل الاعتبار" .
ثم إن في قول المنذري في بقية رجال إسنادهم :
"ثقات مشهورون ... " .
ففيه نظر ؛ لأن أيوب بن خالد - وإن كان من رجال مسلم - ؛ ففيه لين ، كما
قال الحافظ في "التقريب " . والله أعلم .
(تنبيه) : قد أورد شارح العقيدة الطحاوية الشطر الثاني من الحديث بلفظ :
"إذا أحب أحدكم أن يعرف كيفية منزلته عند الله ... " الحديث نحوه . فلما
خرجت أحاديث الشرح منذ ثلاثين سنة تخريجاً مختصراً لم أكن قد وقفت على
حديث الترجمة ؛ فقلت في "التخريج " المشار إليه :
"لا أعرفه " .
وهذا كلام سليم جار على منهج علماء الحديث ، وليس كذلك قول ذلك
المتشبع بما لم يعط والذي يستفيد من تخريجاتي وتعليقاتي ، ثم لا حمداً ولا
شكوراً كما يقال في بعض البلاد! ، بل ما شئت من النقد الجائر ، والتتبع للعثرات
التي لا ينجو منها أحد ، فانظر إليه كيف قلدني وهو الذي يدعي البحث والتحقيق
في التخريج ؟! فقد قال في تعليقه على هذا الحديث في طبعة مؤسسة الرسالة
لشرح العقيدة قال (1/389) :
"ليس بحديث " .
فهذا النفي ، لا يصدر إلا من مغرور معجب بعلمه وحفظه للحديث ، وهو - كما

(13/445)


يقال - ؛ ليس في العير ، ولا في النفير ، وفي ظني أنه لا يخفى على مثله أنه لا
يجوز له ، ولا لمن هو أعلم منه وأحفظ أن يطلق هذا النفي ، وإنما أوقعه فيه تظاهره
بخلاف واقعه ، وهو استفادته من كتبي كما يشهد بذلك كل من يعرفه عن
كثب ، فبدل أن يقول كما قلت : "لا أعرفه " أو نحوه مثل : لم أقف عليه ؛ كما
يقول العلماء حقاً ، الذاكرين لقول الله تعالى : {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً}
[قال كما ذكرت : "ليس بحديث "] (*) . والله المستعان .

6206 - ( إني كنتُ حكَكْتُ ذَكَري . يعني : فَتَوَضَّأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!) .
منكر .
أخرجه أبو عثمان البحيري في "الفوائد" (ق 11/ 1) من طريق يحيى
ابن أبي كثير عن المهاجر بن عكرمة عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة :
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعاد الوضوء في مجلس ؛ فسألوه عن ذلك ؛ فقال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات ؛ غير المهاجر هذا ، فإنه لم يوثقه غير
ابن حبان (5/428) ، ولم يرو عنه من الثقات إلا اثنان يحيى هذا : أحدهما ،
والآخر : سويد بن حجير ؛ ولهذا قال الخطابي :
"مهاجر هذا : - عند أحمد وغيره من الأئمة - مجهول" . وقال الحافظ :
"مقبول " .
قلت : وقد روي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث عصمة بن مالك خلافه ؛ إلا أنَّه لا
يصح ، وقد تقدم برقم (3883) ، وانظر "المجمع " (1/244) .
لكن قد ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفتى بأنه لا وضوء عليه ، فيما رواه قيس بن طلق
عن أبيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال :
__________
(*) زيادة يقتضيها السياق ؛ ليست في أصل الشيخ رحمه الله . (الناشر) .

(13/446)


كنا جلوسأ عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فجاء رجل كأنه بدوي ، فقال : يا نبي الله! ما
ترى في مس الرجل ذكره في الصلاة ؟ فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"وهل هو إلا مضغة - أو قال : بَضعة - منك ؟! " .
أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن الجارود (17/ 21) ، وابن حبان ، والدارقطني
(1/ 149/17) ، والبيهقي ، والطيالسي ، وابن أبي شيبة (1/ 165) وأحمد ،
والطبراني في (الكبير" (8/396) من طرق عن قيس بن طلق عن أبيه ... والسياق
لابن الجارود ، وعزاه بعضهم لابن خزيمة ، وفيه تساهل ظاهر ؛ لأنه لم يسق إسناده
ولا لفظه ، وإنما أشار إليه إشارة محتجاً به على أن الأمر بالوضوء فِي حَدِيثِ بسرة :
"إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ ، للاستحباب ، وهو صحيح أيضاً ، مخرج مع
حديث طلق في "صحيح أبي داود" (175 و 176 و 177) .

6207 - ( من أراد ان يَقْوى على الصيام ؛ فليتسحر ، ولْيُقِلَّ ، ويشم
طيباً ولا يُفطر على ماء ) .
منكر .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (6/282) ، والبيهقي في "الشعب "
(3/409/3914) من طريق محمد بن يزيد المستملي : ثنا مبشر بن إسماعيل
عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أنس مرفوعاً .
أورده ابن عدي في ترجمة المستملي هذا ، وقاك فيه :
"يسرق الحديث من الثقات ، ويزيد فيها ويضع" . وقال الخطيب وقد ذكر له
حديثاً في فضل أبي حنيفة رحمه الله :
"هذا خبر باطل ، ومحمد بن يزيد متروك " .

(13/447)


قلت . وشذ ابن حبان فذكره في كالثقات " (9/115) وقال :
"ربما أخطأ" .
لكن له طريقان آخران :
الأول : عن محمد بن عيسى الطباع : نا شعيب بن محمد الحريري : نا
الأوزاعي ... به . وشعيب هذا لم أعرفه .
ثم هو منقطع كالذي قبله ، فإن يحيى بن أبي كثير لم يسمع من أنس بن
مالك ؛ وإن كان رآه كما في "التهذيب " وغيره ، ولكنه قد توبع وهو الطريق التالي :
الثاني : يرويه محمد بن الحجاج بن عيسى - يعني : الوراق النيسابوري - :
نا القعنبي : نا سلمة بن وردان عن أنس :
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً من أصحابه طليحاً ، فقال : "ما لي أراك طليحاً ؟ " ،
قال : إني أمسيت صائماً ، فقال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"من تسحر وأكل قبل أن يشرب ، ومس شيئاً من الطيب ؛ قوي على الصيام " .
أخرجهما البيهقي (3910 و 3911) وقال :
"سلمة بن وردان : غير قوي ، وسائر رواته ثقات" .
كذا قال! ومحمد بن الحجاج هذا لم أجد له ترجمة . والله أعلم .
هذا ، ولعل الصواب في هذا الحديث الوقف ، كما رواه قتادة عن أنس قال :
"ثلاث من أطاقهن أطاق الصيام : من أكل قبل أن يشرب وتسحر ... " .
أخرجه البيهقي (3909) وقال :
"هذا موقوف" .

(13/448)


6208 - ( إن لكم في كل جمعة حجة وعمرة ، فالحجَّةُ : الهجِيرُ
للجُمُعَةِ ، والعُمرة : انتظار العصر بعد الجمعة ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في (الكامل " (6/38) ، ومن طريقه البيهقي
(3/ 241) ، وفي "شعب الإيمان " (3/115/3046) ، وأبو عثمان البحيري في
"الفوائد" (ق 25/2) من طريق القاسم بن عبدالله بن مهدي : ثنا أبو مصعب
الزهري : ثنا عبدالعزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعاً .
أورده ابن عدي في ترجمة ابن مهدي هذا - وهو : الإخميمي - وقال :
"لم أر له حديثاً منكراً . فأذكره ، وهو عندي لا بأس به " .
كذا قال! وتعقبه ألذهبي بهذا الحديث ؛ فقال رداً عليه :
"قلت : قد ذكرت له حديثاً باطلاً ؛ فيكفيه " .
وكان الذهبي ساق حديثه هذا ، وقال عقبه :
"هذا موضوع باطل ، وأبطل منه ما روى عن سخبرة بن عبدالله عن مالك عن
الزهري عن أنس ؛ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا توضأ ؛ نضح عانته . ورواه الدارقطني من
طريقه ، وقال : أمتهم بوضع الحديث " .
وأقره الحافظ في "اللسان " .

6209 - ( لاَ يَقْضِى الْقَاضِى إِلاَّ وَهُوَ شَبْعَانُ رَيَّانُ ) .
موضوع .
أخرجه الدارقطني في (سننه " (4/206/14) ، وابن عدي (6/35) ،
والخطيب في "التاريخ" (6/277) ، والبيهقي (10/106) ، وأبو عثمان البحيري
في "الفوائد ، (ق 29/1) من طريق القاسم بن عبدالله بن عمر عن عبدالله بن

(13/449)


عبدالرحمن بن أبي طوالة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً ... به .
أورده ابن عدي في ترجمة القاسم هذا وهو : العدوي العمري ، وساق له
أحاديث منكرة ، وقال في آخر الترجمة :
"وله غير ما ذكرت ، وعامة رواياته مما لا يتابع عليه " . وقال البيهقي عقبه :
"تفرد به القاسم العمري ، وهو ضعيف " .
كذا قال ، وهو تساهل منه ؛ فإن الرجل متفق على تركه ؛ بل قال الإمام أحمد :
"كذاب ؛ كان يضع الحديث ، ترك الناس حديثه " .
وكذلك تساهل الحافظ حين قال في "الفتح" (13/127) :
" أخرجه البيهقي بسند ضعيف "!
وكيف لا ؟! وهو قال فيه في "التقريب " :
"متروك ، رماه أحمد بالكذب " .
ولذلك قال شيخه الهيثمي في "المجمع " (4/195) :
" رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه القاسم بن عبدالله بن عمر ، وهو متروك
كذاب " .

6210 - (اخْتِنوا أولادكم يومَ السابعَ ؛ فإنه أطهَرُ ، وأسرَعُ نباتاً
للحم ، وأَرْوَحُ للقلبِ ) .
موضوع .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (1/46) من طريق عبد الله
ابن أحمد بن عامر : حدثنا أبي : حدثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه عن أبيه

(13/450)


عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعاً .
قلت : وهذا موضوع ، آفته عبدالله بن أحمد هذا ، قال الذهبي في "الميزان " :
"روى عن آبائه نسخة موضوعة باطلة ، ما تنفك عن وضعه أو وضع أبيه " .
وأقره الحافظ في "اللسان " ، وقال عقب الحديث في "الغرائب الملتقطة " :
"ابن عامر متروك " .
قلت : وقد تابعه داود بن سليمان الجرجاني ؛ سمعت علي بن موسى الرضا ...
به . وزاد الحديث الآتي بعده .
أخرجه أبو عثمان البحيري في "الفوائد" (ق 32/2) .
قلت : وداود هذا حاله كحال ابن عامر هذا أو أسوأ ، قال الذهبي :
"كذبه يحيى بن معين ، ولم يعرفه أبو حاتم ، وبكل حال فهو شيخ كذاب ، له
نسخة موضوعة عن علي بن موسى الرضا" .
ثم ساق له أحاديث لوائح الوضع عليها ظاهرة .
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الكبير ، لأبي حفص عمر بن عبدالله بن
زاذان في "فوائده " والديلمي فقط ، وسكت عنه كغالب عادته!

6211 - ( إنَّ الأرضَ لتَنْجُسُ من بوِل الأَقْلَفِ أربعينَ يوماً ) .
موضوع .
أخرجه الديلمي (1/268) وأبو عثمان البحيري من طريق داود بن
سليمان الغازي بإسناده المتقدم عن أهل البيت .
وعرفت أن داود هذا كذاب ؛ ولذلك أورده السيوطي في "ذيل الأحاديث

(13/451)


الموضوعة " (ص 97 - 98) من رواية الديلمي ، وأعله بقول الذهبي المتقدم :
"له أحاديث موضوعة ... " ولم يعزه إليه .

6212 - ( إِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ اسْتِخَارَتُهُ لِرَبِّهِ ، وَرِضَاهُ بِمَا قَضَى ، وَإِنَّ
من شَقَاوَةِ الْعَبْدِ تَرَكُهُ الاسْتِخَارَةَ ، وَسَخَطُهُ بِمَا قَضَى ) .
ضعيف .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (2/60/701) - والسياق له - ، والبزار
أيضاً (1/359/750) من طريق عمر بن علي بن عطاء بن مقدَّم عن عبدالرحمن
ابن أبي بكر بن عبيدالله عن إسماعيل بن محمد عن أبيه عن جده : أن رسول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات رجال الشيخين ؛ غير عبدالرحمن
ابن أبي بكر ، وهو : المليكي ، وهو ممن اتفقوا على تضعيفه ، بل ضعفه جداً جمع
من الأئمة ، منهم البخاري ، فقال في "التاريخ " (3/1/260) :
"منكر الحديث " . وكذا قال النسائي . وفي رواية عنه :
"ليس بثقة" . وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/52) :
"منكر الحديث جداً ؛ ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات ، فلا
أدري كثرة الوهم في أخباره منه أو من ابنه ؟ على أن أكثر روايته ومدار حديثه يدور
على ابنه ، وابنه فاحش الخطأ ، فمن هنا اشتبه أمره ، ووجب تركه " .
قلت : وثمة علة خفية ، وهي تدليس عمر المقدمي هذا ، فإنه مع ثقته واحتجاج
الشيخين بحديثه ، فمن الصعب جداً الاحتجاج بحديث له خارج "الصحيحين " ،
ولو صرَّح بالتحديث ؛ لأنه كان مدلساً كما نص عليه جمع من الأئمة ، وكان

(13/452)


تدليسه خبيثاً غريباً من نوعه ، سماه بعضهم : تدليس السكوت! وقد بينه ابن
سعد فقال في "الطبقات " (7/291) :
"وكان ثقة ، وكان يدلس تدليساً شديداً : يقول : "سمعت " و"حدثنا" ، ثم
يسكت ، ثم يقول : "هشام بن عروة" ، "الأعمش" ! يوهم أنه سمع منهما ، وليس
كذلك " . انظر "الباعث الحثيث " .
ولذلك قال ابن أبي حاتم (3/1/ 125) عن أبيه :
"محله الصدق ، ولولا تدليسه ؛ لحكمنا له - إذا جاء بزيادة - غير أنا نخاف
بأن يكون أخذه عن غير ثقة" .
قلت : وهذا هو الذي أخشاه : أن يكون تلقاه عن راوٍ ضعيف ثم أسقطه ، فقد
تقدم في جرح ابن حبان لعبدالرحمن بن أبي بكر شيخ عمر بن علي المقدمي
هذا : أن مدار حديثه على ابنه ... .
واسم الابن هذا . محمد بن عبد الرحمن الجدعاني ، وهو متروك كما قال
الحافظ في "التقريب " ، فلربما كان هذا هو الواسطة بين أبيه وبين المقدمي فدلسه .
والله أعلم .
وبالجملة : فهذه علة ثانية لهذا السند خفيت على بعض إخواننا الناشئين في
هذا العلم ، وكان هذا من دواعي تخريج هذا الحديث من هذه الطريق ، فقد كنت
خرجته من طريق أخرى ضعيفة أيضاً فيما سبق (4/377/1906) .
ذلك أنني وقفت على بحث للأخ عدنان عرعور بعنوان "صلاة الاستخارة"
في مجلة "المجاهد" (السنة الثالثة/ العدد 27/ رجب سنة 1411) ، ذهب فيه إلى
تحسين الحديث بمجموع الطريقين ؛ محتجاً بأن عبدالرحمن بن أبي بكر المليكي هو

(13/453)


في جملة من يكتب حديثه - كما قال ابن عدي - قال :
"فمثل هذا يصلح أن يكون متابعاً لمحمد بن أبي حميد ؛ فيكون الحديث
حسناً . والله أعلم " .
قلت : كان يمكن أن يكون الأمر كما قال : لو أن المليكي ليس فيه من الجرح إلا
ما ذكره عن ابن عدي ، أما والأمر ليس كذلك ؛ فالتحسين مردود بتجريح الإمام
البخاري ، ومن ذكرنا معه للمليكي تجريحاً شديداً كما تقدم ، فهل يجوز إهدار أقوالهم
والاعتماد على قول ابن عدي فقط مع كونه متأخراً عنهم علماً وطبقة ، مع استحضار
أن من كان شديد الضعف لا يتقوى به ؟! أم هي الحداثة في هذا العلم الشريف ؟
هذا أولاً .
وثانياً : لو سلمنا أن المليكي هذا يصلح للمتابعة ، فهل غاب عن بال الأخ أن في
الإسناد إليه علة أخرى ، وهي تدليس ابن مقدم الراوي عن المليكي ، وأن تدليسه
كان أخبث تدليس عرف في مجال الحديث كما تقدم . فمن الظاهر أن الأخ لم يتنبه
لهذه العلة ؛ وإلا لكان كتمانه إياها تدليساً حديثاً نكبره أن يقع فيه ، وغالب الظن
أنه غَرَّه في ذلك كونه من رجال "الصحيحين " كما تقدم ، والاحتجاج بمثله ليس مسلماً
على الإطلاق كما هو معلوم من علم المصطلح ، وظني أن هذا ليس مجهولاً عند الأخ
الفاضل ، وإنما هي الغفلة وعدم الاستحضار لأحوال الرجال ودقائق الأحوال .
ثم قال الأم :
"وفات شيخنا الألباني الطريق الآخر فضعَّف الحديث "!
فأقول : جزاك الله خيراً على هذا التنبيه ، ولكن أليس كان من الأولى أن
تلتمس لشيخك - كما تقول - عذراً ، كما يقول الأدب السلفي المأثور : "التمس

(13/454)


لأخيك عذراً " ؛ فإنك تعلم أن المجلد الذي خرجت الحديث فيه من الطريق الأولى
ألفته قبل طبعه وطبع المسندين اللذين فيهما الطريق الأخرى بسنين عديدة ، وأنه
لم يكن من الميسور يومئذٍ الرجوع إليهما دائماً وهما لا يزالان في عالم الخطوطات .
ثم رأيت البزار رواه (751) من طريق آخر عن المليكي فقال : حدثنا محمد
ابن السكن : ثنا عمران بن أبان الواسطي عنه .
وعمران هذا : ضعيف ، ومحمد بن السكن : لم أعرفه ، ويحتمل أن يكون :
"ابن سكين" وهو : أبو جعفر الكوفي المؤذن ، وَهُوَ مَجْهُولٌ كما في "الجرح " وغيره .

6213 - ( أَدْرَكْتُ (الْقَوَاعِدَ) وَهُنَّ يُصَلِّيَنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الفرائضَ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (25/130/315) ، و"الأوسط "
(4/204/2/8143) عن أبي شهاب عن ابن أبي ليلى عن عبدالكريم عن عبدالله
ابن فلان (وفي الأوسط : ابن الطيب) عن أم سلمة (وفي الكبير : أم سليم) بنت
أبي حكيم قالت : ... فذكره . وقال :
"لا يُروى عن أم سلمة بنت [أبي] حكيم إلا بهذا الإسناد" .
قلت : وهو ضعيف ، مسلسل بالعلل :
الأولى : أم سلمة هذه ؛ فإني لم أعرفها إلا في هذا الحديث ؛ والإسناد الواهي
عنها ، وإن مما يدلك على ذلك اضطراب رواته في ضبط كنيتها ، فقيل : أم سلمة ،
وقيل : أم سليم ؛ كما رأيت ، وقيل : أم سليمان ؛ كما يأتي . وذكرها ابن عبدالبر
في "الاستيعاب" بهذه الكنى الثلاث ولم يزد! وكذلك الحافظ في "الإصابة" ؛

(13/455)


ولكنه ساق لها هذا الحديث فقط برواية الطبراني في "الأوسط" وابن منده بالإسناد
الأول ، وقال : "أم سليمان بنت أبي حكيم" . وفي رواية له : وأم سليمان بن أبي
حثمة" من طريق أخرى كما يأتي ، في "الكبير" كما في "المجمع" (2/34) فقال :
"وعن سليمان بن أبي حثمة عن أمه قالت :
رأيت النساء القواعد يصلين مع رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد" .
وقال :
"رواه الطبراني في "الكبير" وفيه عبدالكريم بن أبي الخارق وهو ضعيف " .
قلت : ولم أره في "المعجم الكبير" المطبوع مستعيناً عليه بالفهارس الموضوعة
في آخر كل مجلد من محققه ، ثم في فهارسه التي وضعها أخيراً الأخ عدنان
عرعور - وأهدى إلي نسخة منها جزاه الله خيراً - لا في "فهرس الحديث " ولا في
"فهرس مسانيد الرواة" ، فلعله فيما لم يطبع منه بعد . والله أعلم .
هذا ، وقد تبع ابن عبدالبر ابن الأثير في "أسد الغابة" في إيراد هذه المختلف
في كنيتها بكناها الثلاثة ، وزاد فقال :
"لا يوقف على اسمها" .
فكأنه أشار إلى جهالتها وعدم ثبوت صحبتها . والله أعلم .
هذه هي العلة الأولى .
والثانية : عبدالله ابن فلان أو ابن الطيب ؛ مجهول لا يعرف في شيء من
كتب الرجال التي عندي .
والثالثة والرابعة : ضعف ابن أبي ليلى وعبدالكريم ، وبهما أعله الهيثمي
مفرقاً ، والحافظ ، فقال في "الإصابة " :

(13/456)


"والسند ضعيف من أجل ابن أبي ليلى ؛ وهو : محمد ، وشيخه عبدالكريم ؛
وهو : ابن أبي الخارق" .
قلت : وأبو شهاب (ووقع في "الإصابة" ابن شهاب) . اسمه : عبدربه بن نافع ،
وهو من رجال البخاري ، قال في "التقريب" :
"صدوق يهم " .
لكن تابعه أبو محصن حصين بن نمير عند ابن منده ، وأبي نعيم كما ذكر في
"الإصابة" ، قال الحافظ :
"لا بأس به ؛ روى له البخاري " .
ثم رأيته في "المعجم الكبير" (24/317/799 و800) من طريق قيس بن
الربيع وحصين بن نمير كلاهما عن ابن أبي ليلى بسنده المتقدم عن أم سليمان بن
أبي خثمة قالت :
"رأينا النساء ... " .
وله شاهد واهٍ بمرة ، فقال البزار في "مسنده " (1/222/446) : حدثنا خالد
ابن يوسف : ثنا أبي عن الأعمش عن أنس بن مالك :
أنه سئل عن العجائز : أكن يشهدن مع رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة؟ قال : نعم ؛
والشواب .
ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في "الأوسط " (1/36/2 - مجمع البحرين)
وقال :
"لم يروه عن الأعمش إلا يوسف " .

(13/457)


قلت : وهو : ابن خالد السمتي البصري ، متروك ، قال ابن عدي (7/162) :
"قد أجمع على كذبه أهل بلده " . وقال ابن حبان في "الضعفاء" (3/ 131) :
"كان يضع الحديث على الشيوخ ، ويقرأ عليهم ، ثم يرويها عنهم ، لا تحل
الرواية عنه ، ولا الاحتجاج به بحال . قال ابن معين : كان يكذب " . وكذبه غيره
أيضاً . وقال الحافظ في "التقريب" :
"تركوه ، وكذبه ابن معين ، وكان من فقهاء الحنفية" .
وألان القول فيه الهيثمي ، فقال بعد أن عزاه للبزار والطبراني :
"وفيه يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف "!
وقلَّده الشيخ الأعظمي في تعليقه على "البزار"! كما هي عادته ، ولعل من
العوامل على ذلك العصبية المذهبية ، فإنه حنفي مر!
واعلم أنه كان الباعث على تخريج هذا الحديث أموراً :
الأول : تحقيق القول في مرتبته ، وبيان حال رجال إسناده ، حسبما جرينا في
تخاريجنا كلها في "السلسلتين " . ،
الثاني : بيان حال أم سليم بنت أبي حكيم هذه ، وأنها لا تثبت لها صحبة ،
رغم أنهم ذكروها في الصحابيات!
الثالث : الرد على مؤلفة جاهلة أو كاذبة متعصبة على بنات جنسها ، من نمط
تلك الجامعية المسصاة بـ "رغداء بكور الياقتي " في كتيبها "حجابك أختي المسلمة"
التي ذكرت في مقدمته أن كشف الوجوه من النساء في الشوارع مثل مصافحة
الرجال الأجانب ، والاختلاط مع الغرباء !! ضاربة بذلك كل الأدلة الصحيحة من

(13/458)


الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وأقوال الأئمة المجتهدين المذكورة في
كتابي "حجاب المرأة" عرض الحائط .
أقول : فهذه كتلك المؤلفة التي لم أقف على كتابها ، يجمعهما الجهل
بالشرع ، والتعصب الأعمى ، والهوى الأصم ؛ فقد قالت - والعهدة على من أنقل
عنه (1) - : قال :
"وقالت مؤلفة فاضلة (!) :
أورد الهيثمي في "مجمع الزوائد" عدة أحاديث كلها ضعاف ، ولكن
مجموعها يقويها ، ويجعلها حسنة لغيرها تفيد أن القواعد من النساء فقط كن
يصلين مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون الشابات " .
قلت : وهذا القول من هذه (الفاضلة!) فيه عدة أكاذيب وجهالات :
الأولى : كذبها على الهيثمي ؛ فإنه لم يذكر ما ادعته من الإفادة إلا حديثاً
مرفوعاً واحداً هو حديث الترجمة ، ولكنها لجهلها توهمت أنه ثلاثة أحاديث ؛ لأن
الهيثمي أورده من حديث أم سلمة ، وأم سليمان ، وأم سُليم ، وهي في الحقيقة
حديث واحد اضطرب أحد رواته الضعفاء في إسناده كما تقدم بيانه .
الثانية : قولها : "ولكن مجموعها يقويها ... " يشعر بأنها جاهلة بشرط التقوية ،
وهو أن لا يشتد الضعف في مفرداتها ، فكيف وليس هنا إلا طريق واحدة وسند
واحد ؟!
الثالثة : قولها : "فقط " ؛ فهو كذب محض ، وجهل مطبق بالأحاديث الأخرى
__________
(1) ذكر الشيخ رحمه الله رقماً لحاشية في الأسفل ، ولكنه لم يذكر مصدره . ولعله
يقصد مؤلف كتاب "تحرير المرأة" . (الناشر) .

(13/459)


التي يأتي الإشارة إليها ، أما الكذب ، فيبينه أن الهيثمي أورد أيضاً حديث أنس
المتقدم وفيه "والشواب " ، وإن كنا بينا وهاءه ، ولكن المقصود أن ذلك يبطل قولها :
"فقط " .
ومن الغريب حقاً أن حضرة الناقل لهذه الجهالات عنها وصفها بقوله : "مؤلفة
فاضلة" ! فمن أين جاء الفضل وهي بهذه المثابة من الجرأة اللا أدبية التي لا تليق
بالرجال الأقوياء ، فضلاً عن النساء القوارير ! أقول هذا ، وإن كان الفاضل المشار
إليه قد رد عليها تقويتها للحديث ، ولكن على طريقة الفقهاء المتأخرين فقال :
"الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم تؤكد حضور الشواب للمسجد . ومن
أولئك : أسماء بنت أبي بكر ، وعاتكة بنت زيد (زوج عمر بن الخطاب) وفاطمة بنت
تيس ، وأم الفضل ، وزبنب امرأة مسعود ، والرُّبَيِّع بنت معوِّذ ، وغيرهن كثير" .
قلت : وهذا مسلم لا غبار عليه ، ولكن كان الأولى به أن يبين ضعف
حديثها على طريقة المحدثين أولاً ، على نحو ما فعلنا ، ثم أن يصفها بما فيها من
الجهل الذي ينافي الفضل ؛ لأن ذلك من علم الجرح والتعديل كما هو معروف
عند العلماء ، ولكن يبدو أن الرجل مع فضله وغلبة الصواب على "تحريره " لا
معرفة له بهذا العلم تصحيحاً وتضعيفاً ، وتوثيقاً وتجريحاً ، كما بدا لي ذلك من
عدة مواطن من كتابه ، كما يدل على ذلك الحديث الآتي بعد حديث ، وإن كان
أثنى علي خيراً ، وذكر أنه تتلمذ علي زمناً مباركاً في مقدمة كتابه (ص 28) ،
ولكن سرعان ما تغلب عليه غلوه في "تحرير المرأة" ؛ فانتقدني (ص 35) تلميحاً لا
تصريحاً ؛ لأنني بعد أن أثبت أن وجه المرأة ليس بعورة ، قيدت ذلك بأن لا يكون
عليه من الزينة المعروفة اليوم بـ "الميكياج " من الحمرة والبودرة وغيرها ، ونقل
كلامي مبتوراً ، سامحه الله .

(13/460)


هذا . ثم ألقي في البال - إنصافاً لتلك المؤلفة الفاضلة (!) - أنها لعلها عنت
بقولها المتقدم : "عدة أحاديث " حديثاً لابن مسعود أورده الهيثمي أيضاً ؛ لأن فيه
لفظ "العجاثز" ، فإن كانت عنته ؛ فحينئذٍ يكون قولها المذكور سالماً من النقد على
اعتبار أن أقل الجمع اثنان ، ولكن يرد عليها أمران آخران :
الأول : أنه لا يفيد ما ادعته من إفادة أن القواعد فقط هن اللاتي كن يصلين
معه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وسترى لفظه تحت الحديث التالي ، وهو شاهد ظاهر لما تريد ، ولكن لم
يورده الهيثمي ؛ لأنه لا أصل له في شيء من كتب السنة مرفوعاً .
والآخر : أنه موقوف ليس له علاقة بـ (العجائز) أو (القواعد) في عهد النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإذا كان كذلك ؛ فهل يجوز إيهام القراء أنه حديث مرفوع إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟!
ذلك ما لا أرجو أن يكون مقصوداً من تلك المؤلفة ، وإن كان غير مستبعد عن
علمها بهذا الفن ؛ فقد وقع في مثله الناقد لها في "تحريره " إياها! فانظر الحديث
(62151) .

6214 - ( نهى النساءَ عن الخروح إلى المساجد في جماعة
الرجالِ ؛ إلا عجوزاً في مَنْقَلِها . والمنقل : الخُفُّ ) .
لا أصل له مرفوعاً . أورده الرافعي في "شرح الوجيز" فقال :
"روي أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى ... " إلخ . فقال الحافظ في "التلخيص " (2/27) :
"لا أصل له ، وبيَّض له المنذري والنووي في الكلام على "المهذب " ؛ لكن
أخرج البيهقي بسندٍ فيه المسعودي عن ابن مسعود قال :
"والله الذي لا إله إلا هو ، ما صلت امرأة صلاة خيراً لها من صلاة تصليها في
بيتها إلا المسجدين إلا عجوزاً في منقلها" .

(13/461)


وكذا ذكره أبو عبيد في "غريبه " والجوهري في "الصحاح" عن ابن مسعود .
قلت : قوله : "فيه المسعودي" هذا الإطلاق يوهم خلاف الواقع ، ذلك لأن
البيهقي أخرجه (3/ 131) من طريق أبي المنذر إسماعيل بن عمر المسعودي عن
سلمة بن كهيل عن أبي عمرو الشيباني عن عبدالله بن مسعود قال ...
فإسماعيل بن عمر المسعودي هذا صدوق كما في "التقريب " ؛ فالسند حسن ،
وهو غير (المسعودي) عند الإطلاق لأنه عبدالرحمن بن عبدالله بن عتبة بن
عبدالله بن مسعود ، وهو صدوق أيضاً ؛ ولكنه كان اختلط قبل موته ، قال الحافظ :
"وضابطه : أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط " .
ثم تنبهت - بفضل الله - لأمر هام ، وهو أن في إسناد البيهقي سقطاً بين
إسماعيل بن عمر ، والمسعودي ، والصواب : "عن المسعودي " أو نحوه ، فإن
إسماعيل بن عمر واسطي ليس مسعودياً ، وإنما روى عنه كما في "التهذيب " ،
فصح إعلال الحافظ إياه بالمسعودي ، وذلك لاختلاطه كما تقدم . ومن طريقه
أخرجه الطبراني أيضاً في "المعجم الكبير" (9/339/6471) .
لكن تابعه حماد عن سلمة بن كهيل ... به نحوه ؛ إلا أنه قال : "امرأة" مكان
"عجوز" .
أخرجه الطبراني أيضاً (9472) .
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم ، وحماد هو : ابن سلمة .
وتابعه مسعر عن سلمة بن كهيل ... به باللفظ الأول : "عجوز" . رواه ابن
أبي شيبة في "المصنف " (2/383 - 384) وسنده صحيح على شرط الشيخين .

(13/462)


وقد توبع سلمة بن كهيل : فقال ابن أبي شيبة في "مصنفه " أيضاً (2/384) :
حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن أبي عمرو إلشيباني ... به بلفظ :
"... إلا امرأة قد أَيِسَت من البعولة" .
وسعيد هذا هو : الثوري والد سفيان ، وقد أخرجه عنه عبدالرزاق في "المصنف "
(3/150/5117) ، وعنه الطبراني (9473) ، قال عبدالرزاق : عن الثوري عن
أبيه ... به .
واسناده صحيح أيضاً على شرطهما .
ثم أخرجه الطبراني (9474) من طريق زائدة : ثنا سعيد بن منصور ... به .

6215 - (إنَّ مُحَرِّمَ الحلالِ كمحَلِّلِ الحرام ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/204/2/8128) ، والقضاعي
في "مسند الشهاب " (2/106/981) ، وابن أبي حاتم في "العلل " (2/308/2439)
معلقاً من طريق عاصم بن عبدالعزيز الأشجعي عن الحارث بن عبدالرحمن بن
أبي ذباب عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر عن أبيه : أنه سمع رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول : ... فذكره . وقال ابن أبي حاتم :
"سألت أبي عن هذا الحديث ؛ فقال : حديث منكر" .
قلت : وعلته عاصم هذا ؛ فقد ضعفوه ، ولم يوثقه أحد من أئمة الجرح
والتعديل المعروفين ، وإنما وثقه معن بن عيسى ، وأما البخاري فضعفه جداً بقوله
في " التاريخ " (3/2/ 493) :
"فيه نظر" . وأقره العقيلي في "الضعفاء" (3/338) .

(13/463)


وأما الحافظ ألذهبي فاعتمد في "الكاشف ، قول النسائي :
"ليس بالقوي " . وقال الحافظ في "التقريب " :
"صدوق يهم " .
وأما الهيثمي فقد وهم في قوله في "المجمع " (1/176) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " ، ورجاله رجال (الصحيح) " .
فإن عاصماً هذا - مع ضعفه - لم يذكر أحد من مترجميه أنه من رجال
"الصحيح" .
وقلده في ذلك مؤلف "تحرير المرأة" (1/ 50 و 64) ؛ فأخطأ مرتين :
الأولى : هذا الذي ذكرته من ضعف هذا الراوي ، وأنه ليس من رجال "الصحيح " .
والأخرى : ظنه أن عبارة الهيثمي هذه - ولو تعّرَّت عن الخطأ - تعني : أن الحديث
صحيح ! ولذلك جزم المومى إليه بنسبة الحديث إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله في الموضع الأول ،
وهو ينصح - بحق - الذين يحرمون سفور الوجه ... :
"أدْعوهم إلى تبين أحكام الشرع ، والحذر مما حذر منه الحديث الشريف : "إن
محرم ... " ؛ أي : كلاهما معتدٍ على شرع الله " .
قلت : وهو كما قال - جزاه الله خيراً - ، ولكن هل استجاب هو لدعوته ولم
يقع فيما حذر منه غيره ؟ والجواب ما تقدم أولاً ، ثم في ظنه المذكور ثانياً ؛ فإن ذلك
لا يعني التصحيح - كما نبهت عليه مراراً في بعض كتبي - . ولذلك فإني أنصحه
أن لا يعود إلى ما كان عزم عليه من تحقيق أسانيد السيرة النبوية وتمييز الصحيح
فيها من الضعيف - كما ذكر (1/28) - ؛ فإن لهذا العلم رجالاً صاروا كما قيل :

(13/464)


لقد كانوا إذا عُدُّوا قليلاً *** وقد صاروا أقلَّ من القليلِ
ولذلك فإنك في الوقت الذي تجد في كل علم العشرات بل المئات من
المؤلفين ، لا تجد من المؤلفين في تخريج الأحاديث وتمييز صحيحها من ضعيفها إلا
أقل من القليل ، وأما في السيرة فهو مما لم يطرق بابه أحد فيما علمت . ولقد كان
قدر لي أنني شرعت في هذا المشروع العظيم وأنا بعيد عن بلدي وكتبي ومَراجعي ،
وقطعت فيه شوطأ جيداً ؛ نحو الثلث (*) ، ثم لما تيسر لي العودة إلى بلدي ؛ صرفني
عنه مشاريعي العلمية الأخرى ، ولسان حالي يقول : {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو
خير لكم} .
ثم إن للحديث طريقاً أخرى أوهى من الأولى : يرويه إبراهيم بن إسماعيل
ابن مجمع عن يحيى بن عباد بن جارية الليثي : أن أباه أخبره ، قال : قال لي ابن
عمر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : سمعت رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول :
"محرم الحلال كمستحل الحرام " .
أخرجه البخاري في "التاريخ " (3/2/ 1599) ، وابن حبان في "الضعفاء"
(1/103) ، والقضاعي أيضاً (980) .
قلت : وهذا إسناد مظلم ، أورده البخاري في ترجمة عباد هذا ، ولم يذكر فيه
جرحاً ولا تعديلاً ، وكذلك فعل ابن أبي حاتم ، وكذلك فعلا بابنه يحيى ؛ فهما
في عداد المجهولين ، وإن أورد ابن حبان أباه عباداً في "ثقاته " (5/142) " فذلك
من تساهله المعروف!
وإبراهيم بن إسماعيل بن مُجَمِّع - وهو : الأنصاري - : مُجْمَع على ضعفه ،
__________
(*) وقد يسر الله لنا طبع الجزء الذي أنجزه المؤلف ؛ ولكن بعد وفاته - رحمه الله - . (الناشر) .

(13/465)


بل ضعفه بعضهم جداً ؛ فقال أبو داود :
"ضعيف متروك الحديث ، سمعت يحيى يقوله " . وقال أبو زرعة :
"سمعت أبا نعيم يقول : لا يسوى حديثه فلسين" . وقال ابن حبان عقب
الحديث :
"وهذا من قول ابن عمر محفوظ ، فأما من حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا " .
والحديث أورده ابن طاهر المقدسي في "تذكرة الموضوعات" (ص 77) ، وأعله
بإبراهيم بن إسماعيل ، وقال :
"قال يحيى : ليس بشيء ، وقد صح من قول ابن مسعود" .
قلت : أخرجه عبدالرزاق في "المصنف " (11/292/20573) ، ومن طريقه
الطبراني في "الكبير" (9/191/8852) عن معمر عن أبي إسحاق عن عبدالرحمن
ابن يزيد عن ابن مسعود قال : ... فذكره موقوفاً .
ثم أخرجه الطبراني (8853) من طريق إسرائيل عن (أبي إسحاق) قال :
كنت جالساً عند عبدالرحمن بن عبدالله ، فأتاه رجل يسأله عن ابنه القاسم ؟
فقال : غدا إلى الكناسة يطلب الضباب . فقال : أتأكله ؟! فقال عبدالرحمن : ومن
حرمه ؟! سمعت عبدالله بن مسعود يقول : ... فذكره موقوفاً أيضاً .
قلت : ورجال الإسنادين ثقات ، وعبدالرحمن بن يزيد - في الإسناد الأول -
هو : النخعي الكوفي .
وعبدالرحمن بن عبدالله - فيئ الإسناد الآخر - هو : ابن مسعود ، قال الحافظ :
"وقد سمع من أبيه ؛ لكن شيئاً يسيراً " .

(13/466)


قلت : وأبو إسحاق - هو : عمرو بن عبدالله السبيعي ، وقد - سمع من العبدين
المذكوربن ؛ فلا أدري أهذا من حفظه أم من اختلاطه ؟ فإن كلاً من إسرائيل - وهو :
ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي - ومعمر قد سمعا منه بعد الاختلاط . ثم هو
إلى اختلاطه كان يدلس ، ولم يصرح بالتحديث في أي من الإسنادين ، فالجزم
بصحته عن ابن مسعود - كما تقدم عن ابن طاهر - فيه وقفة عندي .
ومثله جزم ابن حبان بأنه محفوظ من قول ابن عمر - كما سبق - فيه نظر
أيضاً ؛ فإني لم أره عنه إلا مرفوعاً من الطريقين المتقدمين .
وأعجب من ذلك كله جزم ابن عبدالبر في "جامع بيان العلم " (2/66)
بنسبته إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله :
"وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : محرم الحلال كمستحل الحرام " .
فلا أدري إذا كان وهماً منه ، أو أنه وقف على طريق أخرى له صحيحة ...
وهذا ما أستبعده . والله أعلم .
(تنبيه) : لقد أورد الحديث الهيثمي (1/177) من رواية الطبراني عن ابن
مسعود موقوفاً وقال :
"ورجاله رجال الصحيح ، وله طريق يأتي في (كتاب الصيد) " .
وهناك (4/38 - 39) أورده من طريق أبي إسحاق قال : كنت جالساً ... " .
وقال :
"رواه الطبراني في "الكبير" ، ورجاله رجال الصحيح " .
ومن تخريجي المتقدم يتبين لك أن قوله : "وله طريق يأتي ... " ... إنما يعني :

(13/467)


طريقاً أخرى عن أبي إسحاق ، والمتبادر : عن ابن مسعود . وهذا غير مراد ؛ فاقتضى
التنبيه!

6216 - ( مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَنْزِعُ خِمارَها فِي غَيْرِ بَيْتِ زوجِها إِلا كَشفت
السِتْرَ فيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ ربِّها ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/187/3429) : حدثنا
بكر بن سهل قال : نا عبدالله بن يوسف قال : نا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن
عروة عن عائشة :
أنها سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحمام ؛ فقال :
" إنه سيكون بعدي حمَّامات ، ولا خير في الحمامات للنساء" .
فقالت : يا رسول الله! فإنها تدخله بإزار ؟ فقال :
"لا ؛ وإن دخلته بإزار ودرع وخمار ، وما من امرأة ... " الحديث . وقال :
"لم يروه عن عروة إلا أبو الأسود ، تفرد به ابن لهيعة" .
قلت : وهو ضعيف ؛ كما قال الهيثمي (1/278) . وبه أعله المنذري في
"الترغيب" (1/90) .
وبكر بن سهل : ضعفه النسائي .
وقد خولف في إسناده عن ابن لهيعة : فقال ابن وهب : أخبرني ابن لهيعة
عن عبيدالله بن أبي جعفر : أن عمر بن الخطاب قال :
لا يحل للمؤمن أن يدخل الحمام إلا بمنديل ، ولا مؤمنة إلا من سقم ؛ فإني
سمعت عائشة تقول : إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول :

(13/468)


" أيما امرأة وضعت خمارها ... " الحديث نحوه .
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (6/159/7776) ، وقال :
"منقطع " .
قلت : يعني : بين عمر وعبيدالله بن أبي جعفر ؛ فإن هذا ولد بعد وفاة عمر
بسنين - مات عمر سنة (23) ، ومات عبيدالله سنة (132) وقيل بعد ذلك - .
وروي موصولاً من طريق مُطَّرِح بن يزيد عن عبيدالله بن زحر عن علي بن
يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال : قال عمر بن الخطاب رحمه الله :
لا يحل لامرأة أن تدخل الحمام إلا من سقم ؛ فإن عائشة أم المؤمنين حدثتني
قالت : حدثني خليلي عليه السلام على مفرشي هذا قال :
" إذا وضعت المرأة خمارها ... " الحديث .
أخرجه ابن عدي في ترجمة مطرح هذا من "الكامل " (6/449) وقال :
"عامة رواياته عن عبيدالله بن زحر ، والضعف على حديثه بيِّن " . وقال
الذهبي في "الميزان " :
"مجمع على ضعفه " .
واللذان فوقه مشهوران بالضعف .
والحديث علقه ابن الجوزي في "العلل " (1/344/565) على مطرح هذا ،
وقال عقبه :
"لا يصح ، مطرح وعلي والقاسم ليس بشيء" .

(13/469)


كذا قال ، والقاسم - وهو: أبو عبدالرحمن صاحب أبي أمامة ، والمتقرر فيه أنه -
وسط حسن الحديث ، فلو أنه ذكر مكانه عبيدالله بن زحر ؛ لأصاب .
وقد صح الحديث من طريق أبي المليح عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مرفوعاً نحوه
بلفظ :
" ثيابها " ... مكان : " خمارها " .
وله شاهد من حديث أم الدرداء مرفوعاً ... به .
وإسناد كل منهما صحيح ، وهما مخرجان في كتابي "آداب الزفاف "
(ص 140 - 141 - الطبعة الجديدة) .
وروي بإسناد آخر عن أم سلمة ، وهو مخرج في "غاية المرام " (ص 136/195) ،
وبسندٍ حسن عن أم الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ؛ فراجعه هناك إن شئت .
وبالجملة ؛ فالحديث محفوظ بلفظ : "ثيابها" ، منكر بلفظ : "خمارها" .
ولذلك خرجته ؛ فقد بلغني أن بعض المتنطعات من النساء يمتنعن من وضع الخمار
أمام المسلمات في غير بيتها ، فكنت أنكر ذلك ؛ لخالفته رخصه الله لهن في مثل
قوله تعالى : {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ ... } الآية ، إلى أن قال :
{أَوْ نِسَائِهِنَّ} ، فكنت أتساءل عن سبب ذاك التشدد ؟! حتى وجدت هذا الحديث
المنكر ، ورأيته في رسالة "حجابك أختي المسلمة" ... تأليف : (رغداء بكور الياقتي) ،
ويبدو لي من رسالتها أنها متحمسة ومتشددة في موضوع وجه المرأة ، وأنها لا علم
عندها بالسنة وفقهها ، وأنها تركض وراء الشيخ التويجري وغيره من المتشددين
القائلين بتحريم كشف المرأة لوجهها ، ورأيتها قد نقلت (ص 28 - 29) حديث
الترجمة من كتاب "الترغيب" للمنذري ؛ دون أن تذكر إعلاله إياه بابن لهيعة!

(13/470)


فهل هذا الفعل يشهد لقولها في مقدمة كُتَيْبها :
"ولقد عنيت فيه أقصى جهدي لأقدم ما هو الصحيح الثابت ؛ مستدلة على
ذلك بالآيات الكريمة ، والأ حاديث النبوية الصحيحة " ؟!
أم هي كغيرها من المؤلفين والمؤلفات ما تعرف الحديث الصحيح إلا بما وافق
الهوى ؟! والله المستعان .
واعلم أن المقصود من ترهيب المرأة أن تضع ثيابها في غير بيتها إنما هو التعري
من ثيابها كلها أو بعضها ؛ مما لا يجوزلها نزعه أمام النساء المسلمات فضلاً عن
غيرهن ، وهو كناية عن نهيهن من دخول حمامات السوق ؛ كما يدل على ذلك
المناسبة التي ذكرت عائشة فيها الحديث ، فقال أبو المليح :
دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فقالت : ممن أنتن ؟
قلن : من أهل الشام . قالت : لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام ؟ قلن :
نعم . قالت : أما إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول :
"ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها ؛ إلا هتكت [ستر] ما بينها وبين الله تعالى" .
(تنبيه) : أورد الرافعي الحديث في "شرح الوجيز" (كتاب الجزية) بلفظ :
"فهي ملعونة" . فقال الحافظ في تخريجه في "التلخيص " (4/126) :
"الدارمي وأبو داود ... من حديث عائشة " .
وهذا وهم عجيب من الحافظ الكبير ؛ فإن اللفظ المذكور ليس له أصل عند
المذكورين ولا عند غيرهم من المحدثين ... لا من حديث عائشة ، ولا من حديث

(13/471)


غيرها - فيما علمت - . فاقتضى التنبيه!
(تنبيه آخر) : وقع في مخطوطة "الأوسط" مكان : (ربها) ... (زوجها) . وهذا
خطأ فاحش ، غفل عنه الدكتور الطحان في مطبوعة!الأوسط " (4/174/3310)
التي زعم أنه قام على تحقيقها ، وفيها أخطاء كثيرة وكبيرة منها سقوط أحاديث
منها ، بل وصفحات ، وقد نبهت على شيء من ذلك في غيرما موضع . والله
المستعان .

6217 - ( مَنْ نام قبل العِشاءِ ؛ فلا أنامَ اللهُ عينَه) .
ضعيف .
أخرجه البزار (1/192/378 - الكشف) : حدثنا أحمد بن الوليد
البزار : ثنا عبدالعزيز بن عبدالله المدني ؛ ثنا محمد بن عبدالله بن عبيد بن عمير
عن ابن أبي مليكة عن عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره ،
قالت عائشة :
ما رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نام قبلها ، ولا تحدث بعدها . وقال :
"لا نعلم روى ابن أبي مليكة عن عروة عن عائشة إلا هذا" .
قلت : لكن السند إليه لا يصح ؛ محمد بن عبدالله بن عبيد بن عمير : متفق
على تضعيفه ، بل وهاه بعضهم ؛ فقال البخاري :
" منكر الحديث " . وقال النسائي والدارقطني :
" متروك" . وقال النسائي مرة :
"ليس بثقة ، ولا يكتب حديثه " .
والحديث أورده الهيثمي (1/ 314) بلفظ :

(13/472)


" ... فلا نامت عينه" . وقال :
"رواه البزار ، وفيه محمد بن عبدالله بن عبيد بن عمير ، وهو ضعيف"!
وأحمد بن الوليد البزار : لم أعرفه ، وفي "تاريخ بغداد" جَمْع بهذا الاسم
والأب ؛ فراجع .
قلت : ووجدت له طريقاً أخرى يرويه عبيدالله بن موسى قال : حدثنا عمر بن
واصل أبو يزيد عن أبيه عن عائشة مرفوعاً مختصراً بلفظ :
أ من نام قبل العشاء ، فلا نام " .
أخرجه الدولابي في "الكنى" (2/163) .
وعمر بن واصل أبو يزيد - كذا وقع فيه ، وفي "الجرح والتعديل " (3/1/140) :
"عمر بن واصل أبو واصل الجُبلاني : - روى عن أبي صادق ، وروى عن أبيه
عن عائشة . روى عنه مروان الفزاري ووكيع وعبيدالله بن موسى وأبو نعيم . سألت
أبي عنه فقال : هو ضعيف الحديث" .
فالظاهر أنه هذا .
وأبوه واصل : لم أجد له ترجمة .
ثم رأيته في "كامل ابن عدي ، (6/341) من طريق موسى بن عمير عن أبي
الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ :
"لا أنام الله عيناً نامت قبل أن تصلي العشاء الآخرة! .
لكن موسى بن عمير وهو القرشي الأعمى : قال الحافظ في "التقريب" :

(13/473)


"متروك ، وقد كذبه أبو حاتم " .
وأما قول عائشة الموقوف عليها فقد ثبت من طريق أخرى عنها عند ابن ماجه
و غيره .

6218 - ( يا نور السموات والارض ! يا زَيْنَ السموات والارض !
يا جمالَ السموات والارض ! يا عماد السموات والارض ! يا بديع
السموات والارض ! ...) . إلخ الد عاء .
منكر .
أخرجه الدولابي في "الكنى" (2/17) : حدثنا ابن أبي مريم قال :
حدثنا السري بن يحيى قال : حدثني أبو شجاع عن أبي طيبة الجرجاني عن
عبدالله بن عمر :
أن جبرئيل أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلمه هذا الدعاء ... فذكره .
وأخرجه الطبراني في "الدعاء" (3/1480/1459) : حدثنا يحيى بن عثمان
ابن صالح : ثنا سعيد بن أبي مريم ... به مختصراً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات ؛ غير أبي طيبة هذا - واسمه : عبدالله
ابن مسلم المروزي - : قال أبو حاتم :
"يكتب حديثه ، ولا يحتج به " .
ولم يوثقه أحد غير ابن حبان ، ومع ذلك فقد أشار إلى ضعف حفظه بقوله
(7/49) :
"يخطئ ويخالف " .

(13/474)


ثم إنه لم يدرك ابن عمر ؛ بينهما واسطتان أو أكثر ، وقد أشار إلى ذلك الحافظ
بقوله فيه في "التقريب " :
"صدوق يهم ، من الثامنة " .

6219 - (والذي تفسي بيده ؟! لأَنْ يولدَ لي ولدٌ في الإسلام فأحتسبه
أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها ) .
موضوع .
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (19/623) من طريق البغوي :
حدثني محمد بن الهيثم القاضي : نا أبو توبة عن مسلمة بن علي الخشني عن
يزيد بن أبي مريم الأنصاري عن أمه عن يحيى ابن الحنظلية - وكان ممن بايع رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت الشجرة - وكان عقيماً لا يولد له ؛ فقال : ... فذكره ؛ موقوفاً عليه ؛
لم يرفعه .
وهكذا أورده ابن الأثير في "أسد الغابة" في ترجمة يحيى هذا موقوفاً من
طريق يزيد بن أبي مريم ، إلا أنه وقع فيه : (عن أبيه) ... مكان : (عن أمه) . وقال :
"أخرجه ابن منده وأبو نعيم " .
ولذلك أورده الحافظ في "الإصابة " من رواية البغوي في "الصحابة " ، ثم قال
الحافظ :
"وسنده ضعيف "!
كذا قال! وفيه تسامح كبير في التعبير ، فإن الخشني هذا حاله أسوأ مما يشعر
تعبيره هذا ؛ فقد قال الحافظ نفسه في ترجمته من "التقريب " :
"متروك" . ونحوه قول الذهبي في "الكاشف " و"المغني " :

(13/475)


"تركوه " .
قلت : وقد تقدمت له أحاديث كثيرة موضوعة تدل على سوء حاله ؛ فراجع
فهارس المجلدات الأربعة المطبوعة حتى الآن (*) .

6220 - (نهى عن أكلِ أُذُنَيِّ القلْبِ ) .
منكر .
أخرجه أبو داود في "المراسيل " (326/467) - عن مسدد - ، وابن عدي
في "الكامل " (4/215/) - عن إسحاق بن أبي إسرائيل - كلاهما عن عبدالله بن
يحيى بن أبي كثير عن أبيه عن رجل من الأنصار : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى ...
الحديث .
أورده ابن عدي في ترجمة عبدالله هذا مع أحاديث أخرى له ، ثم قال :
"ولا أعرف في هذه الأحاديث ما أنكره إلا هذا ، ولم أجد للمتقدمين فيه
كلاماً ، وقد أثنى عليه إسحاق بن أبي إسرائيل ؛ فقال : كان من خيار الناس وأهل
الورع والدين ، ما رأيت باليمامة خيراً منه . وأرجو أنه لا بأس به" .
قلت : قال ابن أبي حاتم في ترجمته :
"قال أحمد : ثقة لا بأس به . وقال أبي : صدوق" .
وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/334) . وفي "التهذيب" :
"قال البخاري : أثنى عليه مسدد ؛ لقيه باليمامة" .
قلت : فالرجل ثقة ، وحسبه أن الشيخين احتجا به ؛ فالنكارة ليست منه ،
__________
(*) ثم طُبع المجلد الخامس ، وتلته المجلدات (6 - 13) بعد وفاة الشيخ رحمه الله ، ويليها
المجلد الرابع عشر والأخير - وهو تحت الطبع - . يسّر الله إتمامه . (الناشر) .

(13/476)


وإنما من الرجل الأنصاري ؛ فإنه مجهول ، فإنه ليس بصحابي - كما يأتي عن ابن
القطان - ، لكن أسنده بعضهم فقال ابن عدي : ثنا محمد بن أحمد بن بخيت :
ثنا إبراهيم بن جابر : ثنا يحيى بن إسحاق البجلي : ثنا عبدالله بن يحيى بن أبي
كثير عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة ... به .
قلت : فقد خالفهما يحيى بن إسحاق البجلي - وهو : السيلحيني - وهو ثقة من
رجال مسلم ، وكان من الممكن عندي إعلال روايته بالشذوذ ؛ لخالفته لمسدد - وهو :
ابن مسرهد - ، وهو ثقة حافظ من شيوخ البخاري . ولمتابعة إسحاق بن أبي إسرائيل :
إبراهيم بن كامجرا المروزي ، قال ابن القطان في "الوهم والإيهام " (1/22/2) :
"وكان ثقة ؛ وله شأن ، وترك الناس حديثه لرأي وقع له ، فأظهره في القرآن من
الوقف ؛ فترك وحيداً وهجر ، وقد كان الناس إليه عنقاً واحدة ، ولم يكن متهماً " .
قلت : حسبه فيما نحن فيه ثقته - ولا سيما وقد تابعه مسدد - ، وأما تركه
من أجل رأي أخطأ فيه ، أو أجبر عليه ؛ فأراه خلاف علم المصطلح ، وما جرى عليه
العلماء والأئمة في كتب السنة من الاحتجاج بالثقات من الخوارج والمرجئة
والمعتزلة ، ومن أولئك الأئمة الشيخان وغيرهما ، ألا ترى أن علياً بن المديني من
شيوخ البخاري وكان قد استجاب للقول بخلق القرآن خوف القتل ؟ ومع ذلك فهو
لا يزال إماماً في الجرح والتعديل ومعرفة العلل ، متميزاً في "ذلك على غيره - كما
هو معروف عند العلماء - .
ولقد رأيت الحافظ الذهبي رحمه الله قد أنصف إسحاق هذا في ترجمته إياه
في "السير" فقال في آخرها (11 477 - 478) :
"قلت : أداه ورعه وجموده إلى الوقف ، لا أنه كان يتجهم ؛ كلا " . ثم روى
عنه أنه قال :

(13/477)


"لم أقل على الشك ، ولكني سكت ؛ كما سكت القوم قبلي " .
قلت : فهو على هذا سلفي المنهج ؛ فهو مأجور إن شاء الله تعالى ، وغاية ما
يمكن أن يقال في مثله ؛ أنه أخطأ في وقفه وجموده ؛ لعدم انتباهه إلى أن الوقوف
ينفع فيما لو لم يجهر المبتدعة بالقول بخلق القرآن ، ففي هذه الحالة لا بد من إنكار
ذلك ؛ لأنه على الأقل مخالف لما كان عليه السلف . والله أعلم .
ثم قال الحافظ الذهبي :
"الإنصاف فيمن هذا حاله أن يكون باقيأ على عدالته " .
فهذا هو الحق إن شاء الله تعالى .
فأقول : إذا عرفت ما تقدم من اتفاق هذا الثقة مع الثقة الآخر - مسدد بن
مسرهد - على رواية الحديث عن عبدالله بن أبي يحيى عن أبيه عن الأنصاري
مرسلاً أو معضلاً ، ومخالفة يحيى بن إسحاق البجلي إياهما في روايته الحديث
عن عبدالله بن يحيى عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً .
فأقول : كان من الممكن أن أعتبر هذه المخالفة شنذوذاً من البجلي هذا ؛ لكن
يمنعني من ذلك أن دونه اثنين من رجال الإسناد :
الأول : إبراهيم بن جابر : ولم أجد له ترجمة إلا في "الجرح والتعديل " لابن
أبي حاتم ، ولم يذكر فيه توثيقاً ، إلا أنه قال :
"روى عنه أبي وأبو زرعة رحمهم الله " .
والآخر : شيخ ابن عدي محمد بن أحمد بن بخيت : ولم أعرفه . فيمكن أن
يكون المخالف هذا أو الذي قبله . والله أعلم .

(13/478)


فهذا الإعلال أولى عندي من إعلال ابن القطان بإسحاق بن أبي إسرائيل
- كما تقدم - ، وضعف الحديث في المكان المشار إليه آنفاً بسببه ؛ فقال هناك - بعد
تجريحه بإسحاق لوقفه في القرآن - :
"وسأعود إلى ذكر هذا الحديث في باب الأحاديث التي أتبعَها كلاماً يقتضي
صحتها ، وليست بصحيحة إن شاء الله تعالى" .
وفي الباب المشار إليه أفاد أن عبدالحق الإشبيلي ذكر الحديث من رواية ابن
عدي من الطريقين المذكورتين : المرسلة والمسندة ، وذكر كلام ابن عدي وأحمد
وأبي حاتم في توثيق عبدالله بن يحيى ، وقال ابن القطان عقبه (2/65/1 - 2) :
" ويظهر أن الحديث عنده لا عيب فيه ، وذلك أنه اعتمد توثيق عبدالله بن
يحيى ، وأعرض عما سواه " .
ثم أخذ عليه خطأ وقع له في اسم أحد رواته . وبعد هذا بياض في النسخة
المصورة ، ويظهر لي أنه ينتقد فيه سكوت عبدالحق عن الطريق المرسلة عن رجل
من الأنصار ، لا يعرف أنه من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وذلك لا يعرف إلا من قوله - ولم
يقل ذلك - ؛ فقال ما نصه (65/2) :
"فإن هذا الأنصاري لم يقل أنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولا أنه سمع منه ، ولعله
تابعي ، وحاله مجهولة . وهذا هو الذي يغلب على الظن فيه ؛ فإن يحيى بن أبي
كثير لم يرو عن صاحب ، إلا أنه رأى أنس بن مالك ، ولم يسمع منه ، وإنما يرسل
عنه . وأبو داود رحمه الله قد أورد هذا الحديث في "المراسيل" من أجل هذا الذي
قلناه ؛ فإن الإسناد الذي ساقه معضل إلى هذا الرجل (ثم ساق إسناده ، ثم قال :)
وأبو محمد لم يعرض للحديث من هذه الجهة ، وإلى ذلك فإن إسحاق بن أبي

(13/479)


إسرائيل - وإن كان من أهل الصدق ، وممن كان الناس إليه عنقاً واحدة - ... " إلى
آخر كلامه المتقدم . وقد عرفت الجواب عنه .
وخلاصة البحث في هذا الحديث : أن من وصله عن أبي هريرة فقد وهم ،
وأن المحفوظ فيه : عن الرجل الأنصاري ، وَهُوَ مَجْهُولٌ مرسل إن كان تابعياً ، ومنقطع
إن كان صحابياً ؛ لأن يحيى بن أبي كثير لم يسمع من أحد من الصحابة . ثم هو
إلى ذلك قد رمي بالتدليس . والله سبحانه وتعالى أعلم .
وفيما تقدم من كلام ابن القطان على رواية يحيى بن أبي كثير عن الرجل
الأنصاري - أنه لا يلزم أن يكون الأنصاري صحابياً - ما يؤيد ما كنت ذهبتُ إليه من
تضعيف أحاديث ثابت بن الحارث الأنصاري من رواية الحارث بن يزيد الحضرمي ،
وأن الحارث هذا - وإن كان تابعياً - ؛ فلا يلزم أن تكون روايته عنه تستلزم أن يكون
الأنصاري من الصحابة ؛ فانظر الأحاديث المتقدمة (6092 و6116 و6117) .

6221 - ( يقول الله : أنا اللهُ لا إله إلا أنا كَلِمَتي ، من قالها ؛ أدخلتُه
جنتي ، ومن أدخلته جنتي ؛ فقد أمِنَ ، والقرآن كلامي ، ومني خَرَجَ ) .
موضوع .
أخرجه الخطيب في "تاريخ بغدادي (11/225) من طريق أبي حفص
عمر بن محمد بن عيسى السُّذابي : حدثنا الحسن بن عرفة : حدثنا يزيد بن
هارون : حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عن جبريل عن الله تعالى قال : ... فذكره .
أورده في ترجمة السذابي هذا ، وقال :
" وفي بعض حديثه نكرة" .

(13/480)


قلت : ومن فوقه كلهم ثقات ؛ فكأنه لذلك قال الذهبي :
"هذا موضوع " . وأقره الحافظ في "اللسان" .
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية الخطيب ساكتاً عليه
فأساء! لأن الخطيب قد استنكره - كما رأيت - . فهذا من مئات الأدلة التي تدل
الباحث على أن السيوطي في كتابه هذا إنما أراد التقميش ، وليس التحقيق
والتفتيش ، وقلَّده في ذلك الشيخ محمد المدني في كتابه "الإتحافات السنية في
الأحاديث القدسية" ، فقد أورد الحديث فيه (ص 36/231) ساكتاً عليه أيضاً!

6222 - ( إنَّ بمكةَ أربعةَ نَفَرٍ من قريشٍ ، أَرْبَأُ بهم عن الشركِ ، وأرغبُ
لهم في الإسلامِ : عَتَّابُ بنُ أُسَيْدٍ ، وجُبَيْرُ بنُ مُطعِمٍ ، وحكيمُ بنُ
حزامٍ ، وسُهَيْلُ بن عمرٍو )
منكر .
أخرجه الزبير بن بكار في "جمهرة نسب قريش وأخبارها" (362/638) ،
ومن طريقه الحاكم في "المستدرك ، (3/595) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق "
(5/253 -254) عنه قال : حدثني حسين بن سعيد بن هاشم بن سعد من بني
قيس بن ثعلبة قال : حدثني يحيى بن سعيد بن سالم القداح عن أبيه عن ابن
جريج عن عطاء قال : لا أحسبه الا رفعه إلى ابن عباس قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ليلة قربه [من] مكة في غزوة الفتح : ... فذكره .
قلت : وهذا اسناد ضعيف ؛ مسلسل بالعلل :
الأولى : حسين بن سعيد هذا : فإني لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من
الكتب .

(13/481)


الثانية : يحيى بن سعيد بن سالم : أورده العقيلي في الضعفاء" (4/404) وقال :
"في حديثه مناكير" .
وأقره الذهبي في "الميزان" ، وسقط هذا القول من "اللسان " ، وذكر عن
الدارقطني أنه قال :
"ليس بالقوي " .
الثالثة : سعيد بن سالم القداح : مختلف فيه ، وأورده الذهبي في "المغني" ، وقال :
"صدوق ، قال عثمان الدارمي : ليس بذاك " . وقال الحافظ في "التقريب " :
"صدوق يهم " .
الرابعة : عنعنة ابن جريج ؛ فإنه معروف بالتدليس .
الخامسة : شَكُّ عطاء في رفعه .

6223 - ( الحمد لله الذي أطعمني الخمير ،وألبسني الحرير،
وزوجني خديجة ، وكنت لها عاشقاً ) .
موضوع .
أخرجه الحاكم في !المستدرك " (3/182) من طريق محمد بن
الحجاج : ثنا سفيان بن حسين عن الزهري قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : أورده الحاكم في ترجمة خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ساكتاً عليه ، وهو في
التراجم غير ملتزم للصحة - كما يعلم ذلك العارفون بكتابه - ، والذهبي في ذلك
كثيراً ما لا" يذكر الحديث أصلاً في "تلخيصه"؛ لوضوح أمره كهذا الحديث ، فإنه

(13/482)


- مع إرسال الزهري إياه أو إعضاله - فيه محمد بن الحجاج وهو كذاب ، معروف
بالوضع ، وهو الذي وضع حديث الهريسة ، وقد مضى برقم (690) .
وقوله : "الحرير" ... مستنكر جداً ؛ لأ نه مخالف للمعروف من زهده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وتواضعه في لباسه ، وقوله :
"إنما يلبس الحرير من لا خلاق له " . متفق عليه . وهو مخرج في "الإراوء"
(1/309/278) . بل صح أنه كان يمنع أهله الحلية والحرير ويقول : "إن كنتم تحبون
حلية الجنة وحريرها ؛ فلا تلبسوها في الدنيا" . أخرجه ابن حبان والحاكم ، وهو
مخرج في "الصحيحة ، (338) .
وإذا عرفت هذا ؛ فيحتمل أن يكون لفظ : "الحرير" ... محرفاً من : "الحبير" ؛
وهو من البُرُود ما كان مُوَشَّياً مُخَطَّطاً ، أقول هذا من باب التحقيق ؛ فقد وقع هذا
في أثر عن أبي هريرة : أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/338) من طريق أبي يزيد
المدنى قال :
قام أبو هريرة على منبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة دون مقام رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال :
"الحمد دئه الذي هدى أبا هريرة للإسلام ... الحمد لله الذي أطعمني
الخمير ، وألبسني الحرير (كذا) ، الحمد دئه الذي زوجني بنت غزوان بعدما كنت
أجيراً لها ..." .
كذا وقع فيه : "الحرير" ... والصواب : "الحبير" ، كما وقع في "تاريخ دمشق "
لابن عساكر (19/242) . وإسناده صحيح .
وهذا الأثر قد ذكر منه ابن الأثير طرفه الأول في مادة : (حبر) من حديث
أبي ذر إلى : "... وألبسنا الحبير"! فلا أدري أهي رواية وقعت له لم أقف عليها ،
أم هو سهو ؟

(13/483)


6224 - (كَانَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ ؛ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ . قَالَتْ
[عائشةُ] : فَغِرْتُ يَوْماً فَقُلْتُ : مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُ حَمْرَاءَ الشِّدْقِ ، قَدْ
أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْراً مِنْهَا ! قَالَ :
مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ خَيْراً مِنْهَا ؛ قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ ،
وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ ،
وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ ) .
ضعيف بهذ ا التمام .
أخرجه أحمد (6/117 - 118) - والسياق له - ، والطبراني
في "المعجم الكبير" (3/23 22/1) مختصراً من طريق مجالد عن الشعبي عن
مسروق عن عائشة قالت : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات ؛ غير مجالد ، وليس بالقوي - كما
تقدم مراراً - . وقول الهيثمي في "المجمع " (9/224) :
"رواه أحمد وإسناده حسن " .
فهذا من تساهله! ولا سيما والحديث في "الصحيحين" مختصر عن هذا ،
وليس فيه قوله : "ما أبدلني الله خيراً منها" .
وكذلك قول الهيثمي قبله - وقد ذكره بسياقين آخرين - :
"رواه الطبراني ، وأسانيده حسنة"!
فإن في السند الأول عنده (23/10/14) مبارك بن فضالة عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة ... مختصراً ، وفي أخره :
قلت : يا رسول الله ! اعف عني عفا الله عنك ، والله ! لا تسمعني أذكر
خديجة بعد هذا اليوم بشيء تكرهه .

(13/484)


والمبارك بن فضالة : مد لسى وقد عنعنه .
والسند الآخر مداره عنده (23/13/21) على وائل بن داود عن عبدالله - هو :
ابن مسعود - قال : قالت عائشة : ... فذكره نحوه ؛ وفي آخره أنهأ قالت :
" فغدا بها علي وراح شهراً " .
وهو منقطع بين وائل وابن مسعود .
وأنكر ما في الحديث قوله : "ما أبدلني الله خيراً منها" ؛ وذلك لأمرين :
الأول : أنه لم يرد في شيء من الطرق ، وبخاصة طريق عروة عنها ، فقد
أخرجها البخاري (7/34/3831) ، ومسلم (7/134) من طريقين عن علي بن
مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة ... قالت :
"فغرت ، فقلت : ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشِّدقين ،
هلكت في الدهر ، قد أبدلك الله خيراً منها" .
نحوه في "مسند أحمد" (6/150 و 154) من طريق حماد بن سلمة عن
عبدالملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن عائشة ، وفيه بعد قوله : "الدهر" :
قالت : فتمعر وجهه تمعراً ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي ، أو عند المخيلة
حتى ينظر أرحمة أم عذاب ؟ .
قلت : ففي هذين الطريقين الصحيحين إقراره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة على قولها :
"قد أبدلك الله خيراً منها" ، وذلك ، لأنها تعني في السن كما يدل عليه
السياق ، ويؤيده أنها صرحت بذلك في طريقين آخرين عنها عند الطبراني
(23/13/21 و 14/23) ، أحدهما عن ابن مسعود عنها ، وتقدم قريباً .

(13/485)


والطريق الآخر : عن ابن أبي نجيح عنها . وهو مخرج في "الصحيحة" (1/ رقم
216) شاهداً .
والأمر الآخر : إذا تبين أن الخيرية التي أرادتها عائشة رضي الله تعالى عنها
إغ ، هي السِّن ، وليس السلوك ؛ فهي حقيقة واقعة معروفة ، فلا يتصور أن ينكرها
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها . فهذا يؤكد أن هذه الزيادة منكرة ، ولذلك استغلها الرافضي في
الطعن في عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ؛ لأنها صريحة في إنكاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها . وقد رد
عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في فصل خاص عقده لذلك بيَّن
فيه فضل عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بأحاديث ذكرها ، منها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام " . متفق عليه ، وهو
مخرج في "مختصر الشمائل " (148) وغيره ، ثم تأول حديث الترجمة - بعد أن
أشار لضعفه - بتأويل آخر فقال :
"إن صح - معناه : ما أبدلني بخير لي منها ، لأن خديجة نفعته في أول
الإسلام نفعاً لم يقم غيرها فيه مقامها ؛ فكانت خيراً له من هذا الوجه ... " إلخ
كلامه ، فراجعه (4/301 - 308) ، وما ذكرته قبل مما دل عليه السياق وبعض
الروايات أولى على فرض صحة هذه الجملة من الحديث . والله أعلم .
ثم رأيت ابن كثير قال في "البداية" (3/128) عقب الحديث :
"تفرد به أحمد ، وإسناده لا بأس به ، ومجالد روى له مسلم متابعة ، وفيه
كلام مشهور . والله أعلم ، ولعل قوله : "ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء" .
كان قبل أن يولد إبراهيم ابن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مارية ، وقبل مقدمها بالكلية ، وهذا
متعين ؛ فإن جميع أولاد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما تقدم من خديجة إلا إبراهيم فمن مارية
القبطية المصرية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا" .

(13/486)


6225 - ( كان يأكلُ بكفِّهِ كلِّها ) .
منكر .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/ 90) عن ابن أخي ابن شهاب عن
امرأته أم الحجاج بنت محمد بن مسلم قالت :
كان أبي يأكل بكفه ؛ فقلت : لو أكلت بثلاث أصابع ؟ قال : إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان ...
أورده في ترجمة ابن أخي ابن شهاب ، واسمه : محمد بن عبدالله بن مسلم
ابن أخي الزهري في ثلاثة أحاديث له وقال عقبها :
"لم يتابعه عليها أحد" . وذكر عن محمد بن يحيى النيسابوري أنه قال :
"لم نجد لها أصلاً عند أصحاب الزهري " .
قلت : وابن أخي الزهري هذا مختلف فيه ، واحتج به الشيخان ، وذكره
الذهبي في " المغني " وقال :
"وثق " . وقال الحافظ في "التقريب " :
"صدوق له أوهام " .
قلت : فلعل العلة من امرأته أم الحجاج ؛ قإني لم أجد لها ترجمة ، ولا ذكرها
أصحاب "الكنى" ، حتى الذهبي في "المقتنى" ، وقد جهلها ابن الجوزي كما يأتي .
والحديث أورده ابن الجوزي في "الموضوعات " (3/36) من غير طريق العقيلي ،
وقال :
"حديث موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والمرأة مجهولة ، وأبوها لا يعرف ، وفي
"الصحيح " : أن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأكل بثلاث أصابع " .

(13/487)


وتعقبه السيوطي في "اللآلي" (2/254) بقوله :
"قلت : المرأة هي بنت عم محمد بن مسلم الزهري الإمام المشهور ، بين ذلك
البيهقي في "الشعب " . والله أعلم " .
وأقره ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/258) وقال :
" فالحديث مرسل " .
قلت : أو معضل ؛ لأن الزهري تابعي صغير ، أكثر رواياته عن التابعين ،
فالحديث منكر لهذا ولجهالة المرأة ، ولمخالفة متنه للحديث الصحيح ، وهو مخرج في
"الإرواء " (7/ 31/ 1969) .
ثم رأيت الحديث في "مصنف ابن أبي شيبة" (8/299) هكذا : حدثنا معن
ابن عيسى عن محمد بن عبدالله ابن أخي الزهري قال : أخبرتني أختي أنها رأت
الزهري يأكل بخمس ؛ فسألته عن ذلك ؟ فقال : فذكره بلفظ : " ... بالخمس " .

6226 - ( لا تأكل بإصبع ؛ فإنه أكل الملوك ، ولا تأكل بإصبعين ؛
فإنه أكل الشيطان ، وكل بثلاث أصابعَ ؛ فإنه السُّنَّةُ ) .
باطل بهذا التمام .
أخرجه ابن الجوزي في "العلل " (2/163 - 164) من
طريق الدارقطني بسنده عن رشدين قال : حدثني أبو عبدالله المكي عن ابن جريج
عن عطاء عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً . وقال ابن الجوزي :
"تفرد به رشدين بن سعد ؛ قال يحيى : ليس بشيء . وقال أبو حاتم الرازي :
منكر الحديث ، وفيه غفلة ، يحدث بالمناكير عن الثقات " .
قلت : وشيخه أبو عبدالله المكي مجهول كما قال الذهبي في ترجمة رشدين
من "الميزان " وساق له هذا الحديث بلفظ :

(13/488)


"الأكل بإصبع أكل الملوك ... " .
ثم أعاده في ترجمة أبي عبدالله هذا فقال :
"لا يعرف ، له خبر باطل عن ابن جريج عن عطاء ... " فذكره .
وقد روي من طريقين آخرين :
أحدهما : ابن لهيعة عن عطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ
قال :
دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حائطاً لبعض الأنصار ، فجعل يتناول من الرطب فيأكل
وهو يمشي ، وأنا معه ، فالتفت إليَّ فقال :
"يا ابن عباس! لا تأكل بإصبعين ، فإنها أكلة الشيطان ، وكل بثلاثة أصابع " .
أخرجه الطبراني في "الكبير" (11/126/11251) ، وقال الهيثمي (5/25) :
"رواه الطبراني ، وفيه ابن لهيعة ، وحديثه حسن ، وبقية رجاله رجال الصحيح " .
كذا قال ، وشيخ الطبراني فيه يحيى بن عثمان بن صالح ؛ ليس من رجال
"الصحيح " وهو مختلف فيه ، قال الذهبي في "الكاشف " :
"حافظ أخباري ، له ما ينكر" .
وقال الحافظ في "التقريب " :
"صدوق رمي بالتشيع ، وليَّنه بعضهم لكونه حدث من غير أصله " .
وابن لهيعة حسن الحديث في الشواهد ؛ إذا كان حديثه من غير رواية العبادلة
كما هو الواقع هنا ، وقد رماه ابن حبان وغيره بالتدليس ، فيخشى أن يكون لتدليسه

(13/489)


أو سوء حفظه قد سقطت الواسطة بينه وبين عطاء وابن أبي مليكة إن كان [من]
ذكره معه قد حفظه!
والطريق الأخرى : عن هشام بن خالد الأزرق قال : حدثنا بقية بن الوليد
قال : حدثنا (الأصل : حديث) ابن جريج عن عطاء عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً بثلاثة
أحاديث منها هذا بلفظ :
"لا تأكلوا بهاتين : الإبهام والمشيرة ، ولكن كلوا بثلاث ؛ فإنها سنة ، ولا
تأكلوا بخمس ؛ فإنها أكلة الأعراب " .
ذكرها ابن أبي حاتم في "العلل ، (2/295) وقال :
"قال أبي : هذه الأحاديث موضوعة لا أصل لها ، وكان بقية يدلس ؛ فظن
هؤلاء أنه يقول في كل حديث : "حدثنا" ، ولم يتفقدوا الخبر منه " .
قلت : والحديثان الآخران المشار إليهما تقدم أحدهما برقم (195) ، والآخر
برقم (198) .
وقد روي الحديث بلفظ آخو عن أبي هريرة يختلف عن هذا في فقراته الثلاث ،
وقد مضى تخريجه برقم (2360) .
والحديث عزاه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (2/ 370) للدارقطني في
"الأفراد" من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف ... فذكره باللفظ المذكور أعلاه ؛
إلا أنه لم يذكر الفقرة الثالتة ، وإنما أشار إليها بقوله :
"الحديث" ، فتأكدت من هذا أن الزيادة المطبوعة في "علل ابن الجوزي " هكذا :
" ... بإصبع [واحد] ..." ؛ هذه الزيادة لا وجه لها ؛ فإنها لم ترد في عزو

(13/490)


العراقي ولا عند غيره ؛ ولذلك حذفتها .
وذكره الزبيدي في "شرح الإحياء" (7/117) باللفظ المنقول عن "علل ابن
أبي حاتم " وقال :
"رواه الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) "!
وسكت عنه ، فالظاهر أنه من طريق بقية المتقدمة ، وأن الزبيدي لم يقف على
حكم أبي حاتم عليها ، وإلا لم يسكت عنها إن شاء الله تعالى . ثم رأيته فعل ذلك
أيضاً في مكان آخر (5/272) .

6227 - ( لا يُبْرِمَنَّ أحد منكم أمراً من أمر دينٍ أو دنيا حتى يُشاورَ ) .
موضوع .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (2/226) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "العلل " (2/260) ، وابن عدي في "الكامل " (ق205/2 - مصورة الظاهرية ،
4/111 - طبع بيروت) من طريق أحمد بن محمد بن ماهان : أخبرني أبي :
حدثنا طلحة بن زيد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعاً ... به .
وقال ابن الجوزي :
"لا يصح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والمتهم به طلحة بن زيد ، قال البخاري : هو
منكر الحديث . وقال النسائي : متروك الحديث . قال العقيلي : ليس لهذا الحديث
أصل ، لا من حديث الزهري ، ولا من حديث غيره " .
قلت : فهو بكتابه الآخر "الموضوعات " أولى ، ولذلك كان على السيوطي أن
يستدركه عليه فيودعه في "ذيل الموضوعات " ، ولكنه لم يفعل ، بل ولم يذكره في
"الجامع الكبير" الذي فيه ما هب ودب!

(13/491)


وقال ابن عدي ، وتبعه الذهبي :
"هذا باطل عن عقيل " .
ومحمد بن ماهان هو ؛ القصباني أو القَصَبي الواسطي ، ويبدو لي أنه غير أبي
عبدالله السمسار البغدادي المترجم عند الخطيب (3/293) بروايته عن شبابة ؛ فإن
الخطيب روى عن محمد بن مخلد العطار أنه مات سنة (258) . والواسطي هذا
روى عنه أسلم بن سهل الواسطي المعروف بـ (بحشل) في "تاريخ واسط " (ص 157)
قال : أخبرني أحمد بن محمد بن ماهان قال :
"توفي أبي سنة أربع ومائتين" . والذهبي كأنه يعنيه بقوله في "الميزان " :
"محمد بن ماهان القصباني ، كان بعد المائتين ، مجهول " .
وعقب عليه الحافظ في "اللسان " بأن ابن حبان ذكره في "الثقات " (9/150)
وقال :
"بغدادي ، يروي عن أبي نعيم ، كتب عنه أصحابنا" .
قلت : وذكره في مكان آخر (9/135) وقال :
"يروي عن أبي الوليد الطيالسي . حدثنا عنه محمد بن المنذر بن سعيد" .
وأن ابن أبي حاتم ذكره في كتابه (4/1/105) بروايته عن شبابة أيضاً ، وقال :
"لم يقض لنا السماع منه ، سمعت أبي يقول : هو مجهول " .
قلت : وهذا مما يؤكد أن السمسار البغدادي هذا هو غير المترجم الواسطي ؛ لأن
ابن أبي حاتم ولد سنة (240) فكيف يمكنه السماع منه وقد مات قبل ولادته
بست وثلاثين سنة كما عرفت ؟!

(13/492)


وأما ابنه أحمد بن محمد بن ماهان ، فهو من شيوخ بحشل في "التاريخ " كما
مر آنفاً ، وقد روى عنه بعض الأحاديث فيه (ص 118 و157 - 158 و164
و 185) ، وأورده ابن أبي حاتم في "الجرح" (1/1/73) فقال :
" أحمد بن محمد بن ماهان المعروف والده بأبي حنيفة صاحب القصب
الواسطي . روى عن أبيه ، كتب لنا أبو عون بن عمرو بن عون شيئاً من فوائده فلم
يعرف أبي والده . وقال : هو مجهول ، ولم يسمع منه " .
قلت : فقول الذهبي في ترجمته من "الميزان " :
" قال ابن أبي حاتم : مجهول " .
فإنما هو وهم ؛ لأن كلام ابن أبي حاتم المذكور صريح في أن هذه اللفظة
"مجهو " إنما حكاه عن أبيه في أبي حنيفة هذا ، وليس في ابنه أحمد ، كما نبه
على ذلك الحافظ في "اللسان " .
لكن ما دام أن ابن أبي حاتم لم يذكر فيه شيئاً فهو في حكم المجهولين . والله
أعلم .
(تنبيه) : لقد وقع خطأ فاحش في متن هذا الحديث في الطبعات الثلاثة
لـ "كامل ابن عدي" كما نبهت على ذلك في تعليقي على هذا الحديث في فهرسي
لـ "الكامل " الذي أنا في صدد الانتهاء من ترتيبه وتبييضه مع تصحيح المئات إن
لم أقل الألوف من الأخطاء الواقعة في طبعاته ، وفي فهرسه الذي وضعه الناشر
وسموه بـ "معجم الكامل"!

6228 - ( لا يُقادُ البَعيرُ بينً الرَّجُلَيْنِ ) .
منكر .
علقه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/2/421 - 422) ، وابن حبان

(13/493)


في "الضعفاء" (2/252) عن يسار بن محمد عن محمد بن ثابت عن أبيه عن
أنس مرفوعاً .
ووصله ابن عدي في "الكامل " (6/137) من طريق إسحاق بن إبراهيم
الشهيدي عنه ؛ لكن وقع فيه : "محمد بن يسار" على القلب ، والصواب ما في
"التاريخ " ؛ فإنه كذلك في "الجرح والتعديل" ، فقال (4/2/307) :
"يسار بن محمد البناني . روى عن [محمد بن] ثابت عن أبيه عن أنس ... " .
كذا فيه ، وكأنه يشير إلى هذه الرواية ، وسقط منه ما بين المعكوفتين واستدركتها
من "التاريخ" وغيره ، والظاهر أنه سقط قديم ، فإنه في "الميزان" هكذا :
"يسار البناني عن ثابت البناني ، قال يحيى بن معين : لا شيء" .
وهذا تلخيص ما في "الجرح" كما هي عادته ، فقد قال ابن أبي حاتم :
"ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال : يسار بن
محمد البناني الذي روى عن ثابت عن أبيه عن أنس لا شيء" .
وقد عقب الحافظ في "اللسان " على الذهبي بقوله :
"وهذا أظنه يسار بن محمد البصري ، يروي عن محمد بن ثابت البنانى عن
أبيه عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نسخة أوردها البزار ، فيها مناكير" .
قلت : ظنه يتأيد بما سبق ، ولكن ليس هو علة الحديث ؛ فإنه قد توبع ، وإن
كان المتابع له لم أجد له ترجمة ، وهو مظهر بن الهيثم ، أخرجه الرامهرمزي في
"المحدث الفاصل" (ق 24/2 - الظاهرية) (1) من طريق أبي همام الوليد بن شجاع :
ثنا مظهر بن الهيثم : ثنا محمد بن ثابت البناني عن أبيه ... به . قال أبو همام :
__________
(1) وهو في مطبوعة دار الفكر الدمشقية (ص 258/166) .

(13/494)


"سمعت ، أبا عاصم الضحاك بن مخلد يقول : لا يركبانه جميعاً ، بل يمشيان " .
فالعلة إذن محمد بن ثابت البناني ؛ فإنه متفق على ضعفه ، بل قال البخاري :
" فيه نظر" .
وفي ترجمته أورده ابن عدي مع أحاديت أخرى ، ثم قال في آخرها :
"وهذه الأحاديث مع غيرها مما لم أذكر عامتها لا يتابع عليه " .
وبه أعله ابن حبان ، فقال :
"يروي عن أبيه ما ليس من حديثه كأنه ثابت آخر ، لا يجوز الاحتجاج به ،
ولا الرواية عنه على قلته" .
وتبعه على ذلك ابن طاهر المقدسي ، فقال في "تذكرة الموضوعات " (ص 108) :
"فيه محمد بن ثابت البناني ؛ لا يجوز الاحتجاج به ، قال ابن معين : ليس بشيء" .
قلت : ومظهر بن الهيثم أورده ابن أبي حاتم (4/1/396) برواية محمد بن
مرزوق عنه ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، فهو مجهول الحال ؛ لأنه قد روى عنه
الوليد بن شجاع أيضاًكما ترى .
تحريف عجيب :
من عجائب التحريفات التي مرت بي أن لفظة "البعير" في هذا الحديث
تحرفت في "ضعفاء ابن حبان " إلى "العبد"! والظاهر أنه تحريف قديم ؛ فإنه كذلك
وقع في "تذكرة المقدسي" ، فإنه كثير النقل عن "ضعفاء ابن حبان " حديثاً
وتعليلاً ، بل لعل أحاديثه كلها منه ، لكن الأمر يحتاج إلى تتبع .

(13/495)


وأعجب من هذا التحريف ما وقع في "كامل ابن عدي " (طبع دار الفكر
البيروتية) :
"لا يعاد القبر ... " !
كذا وقع في طبعات الدار الثلاثة ، وما أسوأها من دار نشر ، مع ادعاء التحقيق
لما تنشر ، ولا شيء منه يذكر ، وها هو المثال بين يديك! وما أكثر الأمثلة لو تتبعت ؛
لكانت مجلداً ! وكذلك وقع الحديث محرفاً في فهرس "الكامل " الذي نشرته الدار
المذكورة تحت اسم : "معجم الكامل" ! وفيه العجب العجاب من الأخطاء علاوة على
الأخطاء الواردة في الأصل الذي وضع له هذا المعجم : "الكامل " . والله المستعان .
ووقع الحديث في "موسوعة الأطراف " في ثلاثة مواطن أحدها على الصواب
معزواً للتاريخ ، والثاني محرفاً معزواً لابن عدي ، والثالث كذلك معزواً لابن طاهر
المقدسي!!
والحديث مما خلا "الجامع الكبير" منه للسيوطي ، وكذا "الجامع الأزهر" للمناوي ،
و"العلل " لابن الجوزي ، وفهرس "التاريخ الكبير" للأستاذ برق التوحيدي!
ثم وجدت ما يؤكد قدم التحريف . فقد رأيته وقع هو عينه في "كشف
الأستار" (2/205/1529) للهيثمي ، وبوب له به فقال : "باب لا يقاد العبد بين
الرجلين " . وكذلك أورده في "مجمع الزوائد" (6/288) تحت "باب ما جاء في
القود والقصاص ... " ، وقال :
"رواه البزار وفيه محمد بن ثابت البناني ، وهو ضعيف " .
وكذلك أورده الحافظ في "مختصر الزوائد" (2/69/1439) .
وبعد هذا أقول الآن : لعل هذا التناقض بين لفظتي : "البعير" و"العبد" ، إنما

(13/496)


هو من تخاليط الراوي الضعيف - وهو البناني - ؛ فكان تارة يرويه بهذا اللفظ ، وتارة
بهذا ، أو ذلك من الراويين عنه ، وقد عرفت حالهما . والله سبحانه وتعالى أعلم .

6229 - ( نِعْمَ الْحَيُّ عَنَزَةُ ، مَبْغِيٌّ عَلَيْهِمْ مَنْصُورُونَ ، مَرْحَباً بِقَوْمِ
شُعَيْبٍ ؛ وَأَخْتَانِ مُوسَى ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7/63/6364) ، والسياق له
وعنه أبو نعيم في "المعرفة " (1/293/1) ، والبزار (3/313/2828) من طريق
حفص بن سلمة بن حفص بن المسيب بن شيبان بن قيس عن قيس بن سلمة
عن سلمة بن سعد: أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَوَلَدِهِ ،
فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ ، فَدَخَلُوا ، فَقَالَ :
" مَنْ هَؤُلاءِ ؟ " .
قِيلَ لَهُ : هَذَا وَفْدُ عَنَزَةَ ، فَقَالَ :
"بَخٍ بَخٍ بَخٍ ، نعم الحي ... " الحديث ، "سَلْ يَا سَلَمَةُ عَنْ حَاجَتِكَ ".
قَالَ : جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَمَّا افْتَرَضْتَ عَلَيَّ فِي الإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْعَنْزِ . فَأَخْبَرَهُ . ثُمَّ
جَلَسَ عِنْدَهُ قَرِيباً ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ فِي الانْصِرَافِ ، فَقَالَ لَهُ :"انْصَرِفْ" فَمَا غَدَا أَنْ
قَامَ ، فَقَالَ:
"اللَّهُمَّ ارْزُقْ عَنَزَةَ كَفَافاً ، لا قُوتً وَلا إِسْرَافً"
(1) . وقال البزار :
"اللهم ارزق عنزة قوتاً لا سرف فيه " .
__________
(1) لفظه في "المعجم" : "قوت ولا إسراف "! وهو غير مفهوم ، والمثبت من "المجمع "
ولعله الصواب . ونحوه في "معرفة أبي نعيم" إلا أنه قال : "لا قوت ولا إسراف" ، وهذا أقرب ،
يدل على أنه سقط "لا" قبل "قوت" .

(13/497)


قلت : وهذا إسناد مجهول مظلم ؛ لم أعرف من دون سلمة بن سعد ، وقد
اضطربوا في ضبط اسم الراويين اللذين دونه ، فالراوي عنه عند الطبراني سمِّي
- كما ترى - قيس بن سلمة ، وفي "البزار" . شيبان بن قيس ، وفي "الإصابة " :
"سعيد بن سلمة" ، وفي "الاستيعاب" : "سعد بن سلمة" وقال في ترجمة أبيه :
"سلمة بن سعد العنزي" :
"لم يرو عنه غير ابنه سعد بن سلمة" .
قلت : وهذا الاضطراب يؤكد جهالة الراوي . ومنه الراوي عنه ، ولذلك قال
الهيثمي في لمجمع الزوائد" (10/ 51) :
"رواه الطبراني والبزار باختصار عنه ... وفيه من لم أعرفهم " .
وقال الحافظ بعد أن عزاه للطبراني :
"وفي الإسناد من لا يعرف " .
وقد روي الحديث مختصراً في قصة أخرى بإسناد آخر ، وسيأتي تخريجه
بإذن الله تعالى برقم (6799) .

6230 - ( الإيمان يمان ، ورجاء الإيمان في قحطان ، والقسوة
فيما وَلَدَ عدنان ، حمير رأس العرب ونابها ، والأزد كاهلها
وجمجمتها ، ومذحج هامتها وعصمتها ، وهمدان غاربها وذروتها ،
اللهم أعز الأنصار الذين أقام الله بهم الدين ، والأنصار هم الذين
آووني ونصروني ، وآزروني ، وحَمَوني ، وهم أصحابي في الدنيا ، وهم
شيعتي في الآخرة ، وأول من يدخل بُحْبُوحة الجنة من أمتي ) .
منكر .
أخرجه البزار (3/305/2807 ) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (13/291)

(13/498)


ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخه " (17/549 - 550) ، والديلمي في "مسنده "
(1/181/1 - 2) من طريق يزيد بن موهب : حدثنا عيسى بن طارق وذكره عن
عيسى بن يونس عن مجالد عن الشعبي عن خُفاف بن عرابة عن عثمان بن
عفان مرفوعاً . والسياق للخطيب ، وقال البزار :
"لا نعلمه يروى مرفوعاً إلا بهذا الإسناد ، وخفاف لا نعلم أسند إلا هذا" .
قلت : ولم أر له ترجمة فيما لدي من كتب التراجم ؛ فهو مجهول .
ومجالد - وهو : ابن سعيد - ليس بالقوي .
وعيسى بن طارق لم أجد له ترجمة أيضاً ، لكن وقع في إسناد البزار موثقاً
فقال : حدثنا محمد بن عبدالملك الواسطي : ثنا يزيد بن خالد : ثنا عيسى بن
طارق - وكان لا بأس به - عن عيسى بن يونس ... ، ومن دونه ثقتان ، ويزيد بن
خالد هو : ابن موهب ، وهو : الرملي . ولا أدري هذا التوثيق هل هو من أحدهما أو
البزار ؟! فالله أعلم .
وبعد هذا التخريج يتبين للقراء خطأ رجلين :
أحدهما : الهيثمي في قوله (10/41) :
"رواه البزار ، وإسناده حسن"!
والآخر : قول السيوطي في "الجامع الكبير" بعدما عزاه لـ"الرامهرمزي ، خط ،
كر ، الديلمي" .
"ورجاله ثقات "!
ثم رأيت الحديث في "الأمثال " للرامهرمزي (236 - 237/155) من طريق

(13/499)


أبي مسهر عبدالأعلى بن مسهر الغساني ، عن وهب بن تميم ، عن الشعبي ... به ؛
دون قوله : "الذين أقام الله بهم الدين ... " إلخ . وزاد :
"وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار" .
"اللهم! أعز (غسان) ، (غسان) أكرم العرب في الجاهلية ، وأفضل العرب في
الإسلام" .
ووهب بن تميم هذا مجهول ؛ لم أجد له ذكراً في كتب الرجال .

6231 - ( كان يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ سِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً سِوَى الْمَكْتُوبَةِ ) .
منكر .
أخرجه عبدالله بن أحمد في "زياداته على مسند أبيه" قال (1/145 -
146) : ثنا أبو عبدالرحمن بن عمر : ثنا عبدالرحيم - يعني : الرازي - عن العلاء
ابن المسيب عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه
قال : ... فذكره .
حدثنا أبو عبدالرحمن عبدالله بن عمر : أخبرنا عبدالرحيم الرازي عن زكريا
ابن أبي زائدة والعلاء بن المسيب عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال : أَتَيْنَا
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! أَلَا تُحَدِّثُنَا عَنْ صَلَاةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَطَوُّعَهُ ؟ فَقَالَ : فذكره ؛ إلا أنه قال :
"من النهار" .
قلت : وهذا هو الصواب المحفوظ عن أبي إسحاق وهو : عمرو بن عبدالله
السَّبيعي ، كذلك رواه عنه جماعة من الثقات ، منهم سفيان الثوري ، وشعبة ،

(13/500)


وصرح هذا بسماع أبي إسحاق من عاصم بن ضمرة ، وفيه تفصيل الركعات ؛
ولذلك كنت خرجته في "الصحيحة" (237) ، فقوله فِي حَدِيثِ الترجمة "من
الليل" وهم ، تبادر لي أنه من العلاء بن المسيب لتفرده بهذا اللفظ دون قرينه زكريا
ابن أبي زائدة في رواية عبدالله الثانية ؛ فإن العلاء هذا مع كونه ثقة من رجال
الشيخين ، فقد قال الحافظ فيه :
"ثقة ، ربما وهم " .
لكن لما رأيته قد تابعه أبو عوانة ؛ رجعت عما تبادر لي ، فقال عبدالله أيضاً
(1/145) : حدثني العباس بن الوليد : ثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم
ابن ضمرة قال :
سئل علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ؛ قال : ... فذكره .
وهذا إسناد رجاله ثقات أيضاً ، وأبو عوانة اسمه : الوضاح اليشكري ، وهو ثقة
ثبت ، فالخطأ من غير العلاء لهذه المتابعة القوية ، فمن هو ؟
فأقول : الذي يغلب على ظني أنه من تخاليط أبي إسحاق السبيعي ؛ فإنه
كان اختلط ، ومن المعلوم أن رواية سفيان وشعبة عنه قبل الاختلاط ؛ ولذلك
رجحت الرواية الثانية على الأولى من روايتي العلاء لموافقتها لروايتهما كما تقدم .
والله أعلم .
وإن مما يؤكد نكارة حديث الترجمة ، أن أكثر ما صح عنه عز من عدد
ركعاته في صلاة الليل ، إنما هو ثلاث عشرة ركعة ، كما في "الصحيحين " من
حديث عائشة وابن عباس ، وصح عنها نفي الزيادة على إحدى عشرة ركعة ، وقد
جمع العلماء بين الروايتين بوجوه معروفة ، يراجعها من شاء في "الفتح " (2/483

(13/501)


-484 و 3/20 - 21) ، وقد ذكرت شيئاً من ذلك في بعض كتبي مثل "مختصر
الشمائل " (ص 147) .
وإن من جهل الشيخ الصابوني الحلبي أنه عارض بهذا الحديث المنكر الأحاديث
الصحيحة المشار إليها آنفاً! مع سكوته عن بيان حال إسناده وهو اللائق به لجهله ،
ومما يدلك عليه قوله في "هديه" (ص 116/ الطبعة القطرية) قي تخريجه :
"روى أحمد في زياداته على "المسند" عن علي ... "!
وكذا في طبعات أخرى ، فهو لبالغ جهله لا يفرق بين "المسند" الذي لأحمد ،
وبين "الزيادات على المسند" التي هي لعبدالله بن أحمد !!
ورجائي من بعض القراء الكرام أن لا يثقل عليهم وصفي لهذا الرجل بما فيه
من الجهل ، فهو ما يستحقه من الوصف بما هو عليه بينما هو يرمي المتمسكين
بالسنة والأحاديث الصحيحة بكل باقعة ، ويخالف قوله تعالى : {ولا تنابزوا
بالألقاب} ؛ فيصفهم في "هديه ، (ص 35) بإ المتسلفين" تقليداً منه لذاك الدكتور
المعروف بـ "البوطي " هداهم الله إلى اتباع السنة وعلى منهج السلف الصالح .

6232 - (كَانَ يُصَلِّي مِنْ [الليل] التَّطَوُّعِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ ، وَبِالنَّهَارِ
ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ) .
منكر .
أخرجه عبدالله بن أحمد (1/147) قال : حدثني عثمان بن أبي
شيبة : ثنا سعيد بن خثيم أبو معمر الهلالي : ثنا فضيل بن مرزوق عن أبي
إسحاق عن عالم بن ضمرة عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : ... فذكره .
وبهذا الإسناد أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (1/383/495) لكن بالزيادة

(13/502)


التي بين المعكوفتين . وقال المعلق عليه :
"إسناده صحيح"!
ولعله اغتر بقول الهيثمي في "المجمع" (2/231) :
"رواه أبو يعلى ، ورجاله رجال (الصحيح) خلا عاصم بن ضمرة وهو ثقة ثبت " .
كذا قال ، وأقره المصحح المشار إليه ، وفيه ما يأتي :
أولاً ؛ قوله : "ثبت " لعله سبق قلم أو اشتبه عليه بغيره مثل عاصم بن
سليمان الأحول ؛ فإنه حري به ، وأما ابن ضمرة فهو دون ذلك يقيناً ، وقد أشار إلى
ذلك الذهبي بقوله في "الكاشف " :
"وثقه ابن المديني ، وقال (س) : ليس به بأس . وقال ابن عدي بتليينه ، وهو
وسط " .
ثانياً : لم يعزه لعبدالله بن أحمد ، وهو من شرطه ، وقد رواه من طريقه ومن
طريق أبي يعلى أيضاً الضياء المقدسي في "المختارة" (رقم 493 و494 - بتحقيقي) ،
وضعفته هناك لما يأتي .
ثالثا : سعيد بن خثيم ليس من رجال "الصحيح" ، وإن كان صدوقاً ، وقال
الحافظ في "التقريب" :
"له أغاليط " .
رابعاً : فضيل بن مرزوق - وإن كان صدوقاً ومن رجال مسلم - ففيه كلام كثير
حتى قال الحاكم :

(13/503)


"ليس هو من شرط الصحيح ، وقد عيب على مسلم إخراجه لحديثه " .
ولهذا قال الحافظ :
"صدوق يهم " .
خامساً : أبو إسحاق - وهو السبيعي - كان اختلط كما تقدم في الذي قبله ،
ولا يدرى هل سمع فضيل بن مرزوق منه قبل الاختلاط أم بعده ؟ فإن سلم ممن
دونه ؛ فهو من تخاليطه ؛ لأن سفيان وشعبة روياه عنه عن عاصم بن ضمرة عن
علي بلفظ :
"كان يصلي من النهار ست عشرة ركعة" ودون الشطر الأول منه ، كما تقدم
هناك ولذلك فالحديث منكر . فتأمل الفرق بين التحقيق ، وبين ارتجال الحكم على
إسناده بالصحة!

6233 - (كان إذا فَرِحَ ؛ غَضَّ طَرْفَه) .
غريب .
ولم أقف على إستاده حتى الآن ، وإنما أورده ابن الأثير في مادة
(غضض) وقال في تفسيره :
"أي : كسر ، وأطرق ، ولم يفتح عينه ، وإنما كان يفعل ذلك ليكون أبعد من
الأشر والمرح " .
وأورده الحافظ ابن القطان في أول كتابه "النظر في أحكام النظر" (ق 2/2)
وأشار إلى ضعفه بقوله :
" لو صح " .

(13/504)


6234 - ( يَأْتِيكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مُؤْمِناً مُهَاجِراً ، فَلَا تَسُبّوا
أَبَاهُ فَإِنّ سَبّ الْمَيّتِ يُؤْذِي الْحَيّ ، وَلَا يَبْلُغُ الْمَيّت ) .
موضوع .
أخرجه الواقدي في "المغازي " (2/ 850 - 853) ، ومن طريقه الحاكم
في "المستدرك " (3/241) ، وعن هذا البيهقي في "المدخل " (710/398) ، وابن
عساكر في "تاريخ دمشق " (11/755 - 756) عن الواقدي أيضاً قال : حدثني
ابن أبي سبرة عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى الزبير عن عبدالله بن
الزبير قال :
"لما كان يوم فتح مكة ؛ هرب عكرمة بن أبي جهل ، وكانت امرأته أم حكيم
بنت الحارث بن هشام امرأة عاقلة ، أسلمت ثم سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمان
لزوجها ، فأمرها برده ، فخرجت في طلبه ، وقالت له : جئتك من عند أوصل
الناس ، وأبر الناس ، وخير الناس ، وقد استأمنت لك فأمنك ، فرجع معها ، فلما
دنا من مكة ، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه : (فذكر الحديث) ، فلما بلغ باب
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ استبشر ، ووثب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً على رجليه فرحاً
بقدومه " . والسياق للحاكم ، وهو مختصر رواية "المغازي " ، وسكت عنه الحاكم
والذهبي ، وكذلك البيهقي ، وذلك - في ظني - لظهور ضعفه بل وضعه ؛ لأن
الواقدي نفسه متروك ، وشيخه ابن أبي سبرة وهو : أبو بكر بن عبدالله بن أبي
سبرة رموه بالوضع كما في "التقريب " .
لكن أخرج ابن عساكر (11/758) من طريق محمد بن يحيى بن عمر بن
علي : نا علي بن حرب : نا سفيان عن عمرو قال :
لما قدم عكرمة بن أبي جهل المدينة ؛ اجتمع الناس ، فجعلوا يقولون : هذا ابن
أبي جهل ، هذا ابن أبي جهل! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(13/505)


"لا تؤذوا الأحياء بسبِّ الأموات " .
قلت : وعمرو هو : ابن دينار ؛ فهو مرسل ، وإسناده جيد ، ومحمد بن يحيى
ابن عمر بن علي هو : أبو جعفر الطائي الموصلي ، ترجمه الخطيب في "التاريخ "
(3/ 432 - 433) وقال :
"سمعت أبا حازم العبدري الحافظ ذكره ، فقال : لا أعلمه إلا ثقة ، ولا أعرف
أحداً تكلم فيه . وسألت البرقاني عنه ؟ فحسَّن أمره . حدثت عن أبي الحسن بن
الفرات أنه قال : لم يكن بالمحمود الأمر في الرواية ثم .
وكذا في "اللسان " ولم يزد إلا أنه قال :
"ومضى له ذكر في ترجمة محمد بن خلف بن جعفر" .
وهناك ذكر لابن خلف هذا حديثاً منكراً من روايته عن أبي جعفر الطائي ،
فقال :
"وأبو جعفر ثقة" .
قلت : وهذا المرسل من الحديث صحيح ؛ لأن له شاهداً من حديث المغيرة بن
شعبة ، كنت خرجته في "الصحيحة" (2397) وغيره . وله شاهد آخر عن سعيد
ابن زيد مخرج في "التعليق الرغيب " (4/175) .
ولقد كان الباعث على تخريج هذا الحديث أن كثيراً من المطخرين يلهجون
بذكره كتابة وخطابة ؛ بمناسبة خوضهم حول القيام للداخل تكريماً له ، دون أن
يبينوا آفته! ثم رأيت ما هو أبشع من ذلك ، وهو ذكر الحافظ ابن عبدالبر للحديث
في "الاستيعاب " بصيغة الجزم ، فقال :

(13/506)


" وقال صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لأصحابه : إن عكرمة يأتيكم ... " الحديث!
ولقد أحسن الحافظ بعدم ذكره إياه في "الإصابة" ، ولو أنه أورده مبيناً وضعه
أو وهاءه ؛ لكان أحسن!
(تنبيه) : لقد عزا السيوطي الحديث في "الجامع الكبير" لابن سعد مع الواقدي
وابن عساكر ، ولم أره في "طبقات ابن سعد" ، فالظاهر أنه في القسم الذي لم ي
طبع منه . والله أعلم .

6235 - ( كان يبدأُ إذا دخل بالسواك ، وإذا خرج ؛ صلى ركعتين ) .
منكر .
أخرجه ابن حبان (4/96/2505) : أخبرنا محمد بن الحسن بن مكرم
- بالبصرة - : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا شريك عن المقدام بن شريح
عن أبيه عن عائشة قال : قلت لها : بأي شيء كان يبدأ رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل
عليك ، وإذا خرج من عندك ؟ قالت : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، ومتن منكر ، وذلك من وجوه :
أولاً : محمد بن الحسن بن مكرم هذا لم أجد له ترجمة . وقد خالفه ابن
ماجه في متنه فقال في "سننه " (1/106/290) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ...
به دون جملة الصلاة . وهو المحفوظ كما يأتي ، وكذلك هو في "مصنف ابن أبي
شيبة" (1/168) ، وهو من رواية الحافظ بقي بن مخلد .
ثانيا : شريك - وهو : ابن عبدالله القاضي - وهو ضعيف لسوء حفظه ، وقد
تقدمت له أحاديث كثيرة ، فراجع فهارس الرواة في المجلدات المطبوعة ترجمة
شريك ، ولذلك لم يخرج له مسلم إلا متابعة ؛ كما قال الذهبي في "الكاشف "
تبعاً للمنذري ، خلافاً لمن وهم ، فراجع بيان ذلك تحت الحديث المتقدم (929) .

(13/507)


ثالثاً : المخالفة في المتن ، فقال أحمد (6/182 و237) : ثنا يزيد : أنا شريك ...
به ، إلا أنه قال :
" ... وبأي شيء كان يختم ؟ قالت : كان يبدأ بالسواك ، ويختم بركعتي
الفجر" .
ويزيد هو : ابن هارون ، ثقة حافظ احتج به الشيخان .
وتابعه أسود بن عامر قال : ثنا شريك ... به مختصراً دون السؤال ، ولفظه :
"كان أول ما يبدأ به إذا دخل بيته السواك ، وآخره إذا خرج من بيته الركعتين
قبل الفجر" .
أخرجه أحمد أيضاً (6/ 110) .
وأسود بن عامر ثقة أيضاً من رجال الشيخين .
قلت : فرواية هذين الثقتين تبينان أن الركعتين المذكورتين فِي حَدِيثِ الترجمة
هما ركعتا سنة الفجر ، ففي رواية ابن حبان اختصار حمله على أن ترجم له بقوله :
"ذكر ما يستحب للمرء إذا أراد الخروج من بيته أن يودعه بركعتين "!
وهذا خطأ نشأ من وهم لعله من شيخ ابن حبان الذي لم أعرفه ، أخطأ فيه
على ابن أبي شيبة كما تقدم تحقيقه ، ومن أبواب "مصنفه " قوله (2/81) :
"الرجل يريد السفر ، قن كان يَسْتَحِبُّ له أن يصلي قبل خروجه " . ثم ذكر تحته
بعض الآثار وحديث المطعم بن المقدام مرسلاً بلفظ :
"ما خلف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد
سفراً" . وقد تقدم الكلام عليه برقم (372) . فلو كان حديث الترجمة عند ابن
أبي شيبة لأورده في الباب المذكور .

(13/508)


وإن من أوهام الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله في "تنبيه القارئ " جزمه
بحسن هذا الحديث المرسل! لحديث ابن مسعود الآتي بعد هذا مع بيان ضعفه
وأنه شاهد قاصر ، ومثله في القصور قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"إذا خرجت من منزلك فصَلِّ ركعتين تمنعانك من مخرجِ السوء ، وإذا دخلت
إلى منزلك فصل ركعتين تمنعانك من مدخل السوء" .
وإسناده جيد كما كنت حققته في "الصحيحة" (1323) من حديث أبي
هريرة . وهذا وإن كان يشترك مع الحديث المرسل في الدلالة على شرعية الصلاة
عند الخروج للسفر ؛ فهو لا يشهد للحديث المرسل إلا فيما اشتركا فيه كما هو ظاهر
لا يحتاج إلى بيان .
ومثله حديث الترجمة ؛ لو كان محفوظاً ، فقد ساقه الدويش عقب الذي
قبله ، فخفي عليه أنه منكر غير معروف ، ووهم في قوله :
"وإسناده على شرط مسلم "!
كذا قال! وهو خطأ أيضاً لما سبق بيانه أن شريكاً لم يحتج به مسلم ، وقد
أخرجه مسلم وابن حبان أيضاً (1071) ، وكذا ابن خزيمة (1/70) وغيرهم من طرق
عن المقدام بن شريح بالشطر الأول فقط ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (41) .
ثم وجدت لشريك متابعاً يؤكد خطأ رواية ابن حبان ، ذلك هو إسرائيل عن ا
لمقدام بن شريح ... به بلفظ :
"كان يصلي ركعتين قبل الفجر ، ثم يخرج فيصلي ، فإذا دخل ؛ تسوك " .
أخرجه أبو بكر الشافعي في "الفوائد" (ق 113/1) ، ومن طريقه ابن عساكر

(13/509)


في "التاريخ ، (8/64) قال : حدثنا محمد بن غالب : حدثني عبدالصمد : ثنا
إسرا ئيل ... به .
قلت : وهذا إسناد جيد ، محمد بن غالب هو : تمتام ، وهو حافظ متقن ، فيه
كلام يسير ، مترجم في "الميزان " و" اللسان " و "السير" (13/390 - 392) ، ولم
يورده الذهبي في "الضعفاء" :
وشيخه عبدالصمد هو ؛ ابن النعمان ، مختلف فيه ، ترجمته في "الميزان "
و"اللسان " ، وقال الذهبي في "الضعفاء" :
"صدوق مشهور" .
ومن فوقه ثقات من رجال مسلم .
وجملة القول : أن حديث الترجمة وقع لابن حبان مختصراً ؛ فأوهم معنى
آخر ، فالصواب أن المراد بدلالة ما تقدم :
"وإذا أراد أن يخرج ؛ صلى ركعتين سنة انفجر ، ثم خرج إلى المسجد" ، وليس
مسافراً .

6236 - ( صلِّ ركعتين . قاله لرجل يُريدُ أن يَخْرُجَ للتجارة ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/251/10469) من طريق
عبد الله بن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن عبدالله قال :
جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : يا رسول الله! إني أريد أن أخرج إلى
البحرين في تجارة ؛ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات ؛ غير عبدالله بن سفيان وهو :
الواسطي ، ذكره العقيلي في " الضعفاء" وقال (2/262) :

(13/510)


"لا يتابع على حديثه " .
وكذا في "الميزان " و "اللسان " .
وأما قول الهيثمي في "المجمع " (2/283) :
"رواه الطبراني في "الكبير" ، ورجاله موثقون " .
كذا قال وأقره الشيخ الدويش (ص 85/94)! وجعله شاهداً للحديث المرسل
الذي أوردته تحت الحديث السابق : "ما خلف عبد على أهله أفضل من ركعتين ... "
الحديث ، ففاته الحقائق التالية :
الأولى : أنه شاهد قاصر ؛ لأنه لا يشهد للأفضلية المذكورة فيه ، ولو أنه عكس ؛
لأصاب ، أي أن يقول إن المرسل يشهد لهذا ، كما يشهد له حديث أبي هريرة
المذكور هناك ، أي : لصلاة الركعتين عند السفر .
الثانية : أن قوله : "موثَّقون" ليس في قوة ما لو قال : "ثقات" ، بل قد عرفنا
من استقرائنا لقوله هذا : "موثَّقون" أنه يشير إلى توهين التوثيق من جهة ، وإلى أنه
من توثيق ابن حبان المعروف بتساهله في التوثيق من جهةٍ أخرى ، وهو في ذلك
تابع للذهبي في "الكاشف" ، فإن من عادته إذا قال في المترجم فيه : "وثّق" ؛ فإنه
يعني تفرد بتوثيقه ابن حبان!
الثالثة : أن عبدالله بن سفيان هذا لم يوثقه أحد حتى ولا ابن حبان مع
تضعيف العقيلي إياه كما تقدم ، فقول الهيثمي على إطلاقه وهم ظاهر ما كان
ينبغي للدويش أن يقلده! ولكنه التحويش ، والإعراض عن التحقيق والتفتيش .
(فائدة) : تبين من تخريج هذا الحديث والذي قبله ، أنه قد توفر ثلاثة أحاديث
في الصلاة عند السفر ، فهل يمكن الاستدلال بذلك على مشروعية هذه الصلاة ؟

(13/511)


فالجواب : نعم ، فإن حديث أبي هريرة منها وحده ينهض لإثبات الشرعية ، فكيف
إذا انضم إليه الحديث المرسل المذكور معه ، ولكن لا يلزم من ذلك صحة المرسل ،
ولا هذا الحديث الآمر بهذه الصلاة ، فأرجو الانتباه للفروق الموجودة بين الأحاديث
إذا كانت ضعيفة ، ثم الاحتجاج أو الاستشهاد بها اجتمعت عليه ، وهذا من فقه
الحديث الذي قلما ينتبه له ، كالشيخ الدويش رحمه الله تعالى .

6237 - ( الاعتكافُ في كلِّ مسجٍد تُقامُ فيه الصلاةُ ) .
ضعيف جداً .
أخرجه أبو بكر الشافعي في "الفوائد" (ق 96/2) : حدثنا
محمد بن علي : ثنا قطن ؛ ثنا حفصة قال : حدثني إبراهيم عن نصر عن جويبر
عن الضحاك عن النزال بن سبرة أنه قال :
أتى حذيفة بن اليمان على فتية في المسجد ، فقال : ما هؤلاء ؟ فقيل : قوم
عكوف ، فقال : ما كنت أحسب أن يكون اعتكاف إلا في مسجدٍ نفرٍ (كذا) ، وقال
عبدالله : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ، ورجاله مترجمون في "التهذيب" ؛ غير محمد
ابن علي وهو : السكري المروزي ، أورده الخطيب في "تاريخ بغداد" (3/ 70) برواية
الشافعي هذا وعلي بن عمر السكري ، وساق له حديثاً واحداً غير هذا ، ولم يذكر
فيه جرحاً ولا تعديلاً .
وشيخه قطن هو : ابن إبراهيم النيسابوري ، وهو صدوق يخطئ كما في
"التقريب " .
وحفص هو : ابن عبدالله السلمي ثقة من رجال البخاري .
وابراهيم هو : ابن طهمان ، ثقة أيضاً من رجال البخاري .

(13/512)


ونصر هو : ابن عمران الضبي ثقة من رجال الشيخين .
ومن فوقه ثقات ؛ غير جويبر وهو : ابن سعيد البلخي ، قال الحافظ :
"ضعيف جداً" . وقال الذهبي في "الكاشف " :
" تركوه " .
قلت : فهو آفة هذا الحديث .
وله علة أخرى ، وهي النكارة والمخالفة ؛ فقد جاء الحديث من طريق أخرى
صحيحة عن حذيفة في إنكاره الاعتكاف على الفتية ، وفيه أن عبدالله - وهو : ابن
مسعود - قال لحذيفة :
"فلعلهم أصابوا وأخطأت " ، ليس فيه حديث الترجمة ، بل فيه أن حذيفة
احتج بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة" .
أخرجه عبدالرزاق وغيره ، وهو مخرج في "الصحيحة" (2786) . وا نظر "قيام
رمضان " (ص 36) .

6238 - (سَيَخْرُجُ مِنْ (الْكَاهِنَيْنِ) رَجُلٌ يَدْرُسُ الْقُرْآنَ دِرَاسَةً لَا
يَدْرُسُهَا أَحَدٌ يَكُونُ بَعْدَهُ ) .
منكر .
أخرجه أحمد (6/11) ، والبزار (3/95/2328) ، وابن سعد (7/500 -
501و 134 - 135/ القسم المتمم) ، والفسوي في "المعرفة" (1/563) ، والطبراني في
"المعجم الكبير" (22/197/518 و 314/794) ، وابن عساكر في "التاريخ " (15/
885) من طريق أبي صخر عن عبدالله بن معتب - أو مغيث - ابن أبي بردة عن
أبيه عن جده قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ... فذكره . زاد ابن سعد وغيره :

(13/513)


قال نافع : قال ربيعة : فكنا نقول : هو محمد بن كعب القرظي و (الكاهنان) :
قريظة والنضير .
وقال البزار :
"لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد" .
قلت : وهو ضعيف مظلم ، وله علتان :
الأولى : عبدالله بن معتب أو مغيث على الشك ، وَهُوَ مَجْهُولٌ الحال ، ذكره
في "الجرح" برواية أبي صخر هذا فقط . وذكره البخاري في "التاريخ " برواية ابن
إسحاق وسماعه منه . وتبعه ابن حبان في "الثقات " (7/43) .
والأخرى : أبوه معتب أو مغيث مجهول العين لا يعرف إلا بهذه الرواية ، أشار
إلى ذلك الحافظ في "التعجيل" .
فمن الأوهام الظاهرة توثيق الهيثمي إياه بقوله (7/167) :
"رواه أحمد والبزار والطبراني من طريق عبدالله بن مغيمث عن أبيه عن جده ،
وعبدالله ذكره ابن أبي حاتم ، وبقية رجاله ثقات"!

6239 - ( من قرأ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ ...} إلى
قوله : {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} فقال وأنا أشهد بما شهد الله به ،
استودع الله هذه الشهادة ، وهي لي عند الله عهدٌ -؛ يؤتى بصاحبها
يوم القيامة ، فيقول الله تعالى : عبدٌ عهد إليَّ ، وأنا أحق من وَفَى
بالعهد ، أدخلوا عبدي الجنة ) .
) .
منكر .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/325) : حدثنا محمد بن زكريا

(13/514)


الغلابي قال : حدثنا عمار بن عمر بن المختار : حدثني أبي قال : حدثني غالب
القطان عن الأعمش عن أبي وائل عن عبدالله بن مسعود قال : قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... : فذكره .
أورده في ترجمة عمار بن عمر بن المختار وقال :
"لا يتابع على حديثه ، ولا يعرف إلا به " . وقال الذهبي فيه مشيراً إلى هذا
القول :
"فيه كلام ، لكن الراوي عنه محمد بن زكريا الغلابي كذاب " .
قلت : وهو كما قال ، لكن الغلابي توبع ، فأخرجه ابن عدي في "الكامل "
(5/35 و 6/7) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (10/245) ، وابن عبدالبر في
"الجامع " (1/99) ، والبغوي في "تفسيره " (1/286) من طرق عن عمار بن عمر
ابن المختار ... به . وفيه قصة لغالب القطان مع الأعمش مستنكرة عندي . أورده
ابن عدي في الموضع الأول في ترجمة عمر هذا ، وقال :
"يحدث بالبواطيل عن يونس بن عبيد وغيره ، ومقدار ما يرويه فيه نظر" .
قلت : وبه أعله العراقي ، فقال في "تخريج الإحياء" (1/335) :
"أخرجه أبو الشيخ ابن حيان في "كتاب الثواب " من حديث ابن مسعود ...
وفيه عمر بن المختار ، روى الأباطيل ، قاله ابن عدي " .
وتابعه على ذلك تلميذه الهيثمي ؛ إلا أنه هوَّن القول في عمر هذا فقال في
"المجمع " (6/326) :
"رواه الطبراني ، وفيه عمر بن المختار ، وهو ضعيف" .

(13/515)


وكذلك فعل الشيخ زكريا الأنصاري (ت 925) فقال في "تعليقه على
البيضاوي " (ق 83/ 2) :
"رواه الطبراني والبيهقي بسند ضعيف " .
وأورده ابن عدي في الموضع الآخر في ترجمة غالب القطان ، وقال فيه :
"الضعف على حديثه بيِّن "!
كذا قال! وقد ردوه عليه ؛ لأن الرجل لم يضعفه غيره ، بل وثقوه ، بل قال
أحمد :
"ثقة ثقة" ، وأخرج له الشيخان وغيرهما حديث أنس في السجود على
الثوب ، وهو مخرج في "الإرواء" (2/16/311) ، وهو مما ساقه ابن عدي في
ترجمة غالب! فتعقبه الذهبي في ترجمته من "الميزان " بقوله :
"رواه غير واحد عن غالب " ، وهذا لا طائل تحته ، فكان ينبغي تعقبه
بتصحيح الشيخين إياه ، والعجيب أنه لما ذكر حديث الترجمة من طريق ابن عدي
تعقبه بقوله :
"قلت : الآفة من عمر ؛ فإنه متهم بالوضع فما أنصف ابن عدي في إحضاره
هذا الحديث في ترجمة غالب ، وغالب من رجال (الصحيحين) "!
قلت : فكان تعقبه لابن عدي فِي حَدِيثِ أنس أولى ، لأنه لا آفة له مع كونه
في "الصحيحين " ، وأغرب من هذا أن الحافظ لما أورد غالباً هذا في "مقدمة الفتح "
(ص 434) وذكر توثيق أحمد المذكور آنفاً وغيره ؛ قال :
"وأما ابن عدي فذكره في "الضعفاء" ، وأورد أحاديث الحمل فيها على الراوي
عنه عمر بن مختار البصري ، وهو من عجيب ما وقع لابن عدي ، والكمال لله ... " .

(13/516)


ثم أشار إلى حديث أنس ، وأفاد أنه ليس لغالب في "الصحيحين " سواه .
ووجه الغرابة عدم تعقبه أيضاً لابن عدي في تضعيفه لحديث أنس هذا مع
أنه تعقبه في الأحاديث الأخرى . لكن قوله فيها : إن الحمل فيها على الراوي عنه
عمر ... خطأ فاحش ، لأنها كلها - وهي سبعة أحاديث - ليس فيها عمر هذا إلا
السابع منها وهو هذا .
أما الحديث الأول فهو حديث أنس الصحيح .
وأما الثاني : فإسناده إلى غالب القطان ضعيف . لكن له طرق أخرى يتقوى
بها ، خرجت بعضها في "ظلال الجنة" (2/398) .
وأما الثالث : فإسناده إليه ضعيف ، ولذلك خرجته فيما تقدم من هذه "السلسلة"
(4381) .
وأما الرابع : ففي السند إليه مختلف فيه ، لكن فوقه أعرابي عن أبيه لم
يسميا ، فهما العلة ، ولذلك خرجته فيما تقدم أيضاً (4606) .
وأما الحديث الخامس : فأعجب من العجب أن يورده في ترجمة غالب وراويه
عنه ميسرة بن عبد ربه متهم بالوضع ، وقد تقدمت لة أحاديث منها في الأبدال
برقم (1474) وراجع الفهرس المتعلق بالرواة .
وأما الحديث السادس ؛ فالسند إليه صحيح ، ولكن شيخه : رجل عن أبيه ،
ولم يسميا فهما مجهولان ، فهما علة الحديث ، ولذلك كنت أوردته في "ضعيف
أبي داود" (510) ، وهو فيه مطول ، وقد رددت هناك إيراد ابن عدي لهذه
الأحاديث في ترجمة غالب هذا .

(13/517)


وأما السابع : فهو حديث الترجمة كما تقدم .
وبالجملة : فإعلال الحديث بغالب لا وجه له البتة لثقته ، ولا بالغلابي
لمتابعته ، وإنما هي عمار بن عمر بن المختار وأبيه ، وقد ختم الحافظ ترجمة عمار في
" اللسان " بقوله :
"وأورده البيهقي في "الشعب " من طريق عمار بن عمر بن المختار عن أبيه ،
وقال : عمار وعمر ضعيفان ، ولم يأت به غيرهما . فبرئ الغلابي من عهدته " .
وذكر في آخر ترجمة غالب من "التهذيب " متعقباً على ابن عدي إيراده في
هذه الترجمة ، ثم ذكر أن الحديث منكر ، وأن الحمل فيه على الراوي عنه عمر بن
المختار .
ثم إن الحديث قد روي من طريق أخرى مختصراً جداً ، وهو الآتي بعده .
(تنبيهات) :
أولاً : لم يتيسر لي الوقوف على الحديث في "شعب الإيمان " للبيهقي ، وقد
عزاه إليه الحافظ - كما رأيت آنفاً - وتبعه على ذلك السيوطي في "الدر المنثور"
(2/12) ، ولم يساعدني على العثور عليه الفهارس الموضوعة لـ "الشعب " ؛ فإنه لم
يذكرفيه بهذا اللفظ : "من قرأ : {شهد الله ... } ولا بلفظ : "يجاء بصاحبها ... "
كما هو في رواية الآخرين عن عمار بن عمر بن المختار ، فيمكن أن يكون أوردوه في
حرف آخر لا ينصرف ذهن الباحث إليه .
ثم رأيت الحديث في "الشعب " (2/464/2414) ، وفي "تاريخ بغداد"
(7/193) بلفظ : "يؤتى بصاحبها ... " .

(13/518)


ثانياً : عزاه السيوطي للطبراني في "الأوسط " ، فلا أدري إذا كان هذا صوأباً ؛
فيستدرك على الهيثمي الذي لم يعزه إلا لـ "الطبراني " مطلقاً ، وذلك يعني أنه في
"الكبير" ، وقد سبق مني الدلالة على مكانه منه ، أو أن ذلك العزو كان وهماً ، ولم
أر فائدة كبرى للبحث عنه في "المعجم الأوسط " للتأكد من الراجح من الاحتمالين .
ثالثاً : قد أورد الحديث الشيخان الحلبيان في كتابيهما "مختصر تفسير ابن
كثير" على أنه حديث صحيح ؛ كما نصا على ذلك في المقدمة . وهذا - مع
الأسف - من التشبع بما لم يعطيا ، وبخاصة الشيخ الصابوني منهما ؛ فإنه لا
يكتفي بإيراده مضللاً لقرائه وموهماً لصحته! بل يزيد في التشبّع بنقل تخريج
الحديث الذي ذكره ابن كثير ، إلى التعليق على "مختصره " موهماً أيضاً القراء أن
التخريج هو من بحثه وجهده! هداه الله . ثم رأيته فعل مثله فيما سماه بـ "صفوة
التفاسير"! فقد أورده فيه (1/194) ، وقال في التعليق عليه :
"رواه الطبراني في الكبير" .
فهلاَّ أدَّى الأمانة العلمية ، فذكر هنا على الأقل ما ذكره العلماء في علة هذا
الحديث وضعفه ، ولو بالاقتصار على قول الهيثمي المتقدم! ولا يسعني بهذه
المناسبة إلا أن أذكر أن الشهادة التي قدمها الشيخ محمد الغزالي المصري في تقريظه
لهذا الكتاب موهماً القراء أن الصابوني كان متثبتاً من صحة الأحاديث التي أوردها
في "صفوته " ، فهي شهادة لا تساوي شهادة امرأة يزكيها الشيخ الغزالي بل هي
دونها ؛ لأنها صدرت من غير متخصص في الحديث ، بل هو شديد العداء لأهله ،
فكيف يكون متخصصأفيه ؟!

6240 - ( وأنا أشهدُ أنك لا إلهَ إلا أنتَ العزيزُ الحكيمُ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/85/ 250) ، وابن السني

(13/519)


في "عمل اليوم والليلة" (139/429) من طريق محمد بن أبي السَّري العسقلاني :
ثنا عمر بن حفص بن ثابت بن أسعد بن زرارة الأنصاري : ثنا عبدالملك بن
يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبيرعن أبيه عن جده عن عبدالله بن الزبير عن
الزبير بن العوام قال : سمعت رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول حين تلا هذه الآية: {شَهِدَ اللَّهُ
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} إلى قوله : {العزيز الحكيم} قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف مظلم ؛ فيه علل :
1 - عبدالملك بن يحيى ؛ هذا أورده البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما برواية
الوليد بن مسلم عنه عن عروة بن الزبير ، وساق له البخاري حديثاً آخر ، ولم يذكرا
فيه جرحاً ولا تعديلاً ؛ فهو مجهول . وأما ابن حبان فذكره في "الثقات/ أتباع
التابعين" (7/95) برواية الوليد أيضاً .
2 - عمر بن حفص بن ثابت هذا ، لم أجد له ترجمة فيما تيسر لي من المراجع .
3 - محمد بن أبي السري هو : ابن المتوكل ، قال الحافظ :
"صدوق عارف ، له أوهام كثيرة" .
وللحديث طريق آخر ، فقال أحمد (1/166) : ثنا يزيد : ثنا بقية بن الوليد :
حدثني جبير بن عمرو ، عن أبي سعد الأنصاري عن أبي يحيى مولى آل الزبير
ابن العوام عن الزبير بن العوام رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو
بعرفة - يقرأ هذه الآية ... الحديث نحوه .
قلت : وهذا أيضاً إسناد ضعيف مظلم .
1 - أبو يحيى هذا ، لا يعرف إلا بهذا الإسناد ، ولم يترجمه أحد فيما علمت ،

(13/520)


والحافظ لما أورده في كنى "التعجيل" ؛ لم يزد على أن ساق له هذا الحديث! من
"المسند" .
2 - وجبير بن عمرو - وهو القرشي - يبدو أنه من شيوخ بقية المجهولين ، وقال
الحسيني :
"لا يدرى من هو ؛ وقال في "الاحتفال" : مجهول " .
ذكره الحافظ في "التعجيل" ، وعقب عليه فقال :
"أحسب أن هذا غلط نشأ عن تصحيف في اسمه وتحريف في اسم أبيه ، وإنما
هو حبيب بن عمر الأنصاري الآتي في حرف الحاء المهملة" .
كذا قال ، وذكر هناك أنه روى عنه بقية أيضاً ، فكأنه لهذا ظن أنه هو ، وفيه
بعد ، لأن هذا أنصاري ، وذاك قرشي ، كما وقع فِي حَدِيثِ آخر قبل هذا في
"المسند" ، وعلى افتراض أنه هو ، فهو مجهول أيضاً ، كما قال الدارقطني . وقال
ابن أبي حاتم عن أبيه :
"هو ضعيف الحديث مجهول ، لم يروعنه غير بقية" .
3 - أبو سعد الأنصاري لا يعرف أيضاً إلا في هذا الإسناد ، ولم يذكر الحافظ
فيا التعجيل " إلا هذا .
وأما يزيد ، فهو : ابن عبدربه كما في سند الحديث الذي قبل هذا في "المسند"
وهو ثقة من شيوخ مسلم .
والحديث قال الهيثمي في "المجمع " (6/325) :
"رواه أحمد والطبراني ، وفي إسناديهما مجاهيل " .

(13/521)


ورواه ابن أبي حاتم من الطريق الأولى كما في "تفسير ابن كثير" ، وأورده الشيخ
الرفاعي الحلبي في "مختصره"ساكتاً عليه مشعراً بصحته كما فعل في الحديث
الذي قبله!

6241 - ( الخشوع في القلوب ، وأن تُلين كتفك للمرء المسلم ، وأنْ
لا تلتفت في صلاتك ) .
موقوف ضعيف .
أخرجه ابن ا!لمبارك في "الزهد" (453/1148) قال : أخبرنا
عبد الرحمن المسعودي قال : أنبأني أبو سنان الشيباني عن رجل عن علي أنه سئل
عن قول الله عَزَّ وَجَلَّ : {الذين هم في صلاتهم خاشعون} ؛ قال : ... فذكره .
ومن طريق ابن المبارك أخرجه الحاكم (2/393) ، ومن طريقه البيهقي في
"السنن" (2/279) لكنهما سميا الرجل عبيد الله بن أبي رافع ، وقال الحاكم :
"صحيح الإسناد" . ووافقه الذهبي!
كذا قالا ، وفيه علتان :
الأولى : اختلاط المسعودي ، وهو : عبدالرحمن بن عبدالله بن عتبة بن عبدالله
ابن مسعود الكوفي ، قال الذهبي نفسه في "الميزان " :
"أحد الأئمة الكبار ، سيئ الحفظ ... وقال ابن القطان : اختلط حتى كان لا
يعقل ؛ فضعف حديثه ، وكان لا يتميز في الأغلب ما رواه قبل اختلاطه مما رواه بعد" .
وقال الحافظ :
"صدوق اختلط قبل موته ، وضابطه أن من سمع ببغداد فبعد الاختلاط " .
هذه هي العلة الأولى .

(13/522)


والأخرى : اضطرابه في إسناده ، وهو ظاهر في الرواية الأولى : أنه لم يسم
الرجل ، بخلاف الأخرى ، فيحتمل أن يكون ذلك من شيخ الحاكم فيه الحسن بن
حليم المروزي ، ويحتمل أن يكون من المسعودي ، وكل محتمل .
أما الأول ، فلأن المروزي هذا ، وهو : الحسن بن محمد بن حليم ، هكذا سماه
الذهبي في ترجمته لشيخه أبي المُوجِّه في "سير أعلام النبلاء" (13/347) ، ذكره
في جملة الرواة عنه ، ولم يترجم له فيه ، ولا وجدته عند غيره ، فهو في حكم
المجهولين .
وأما الآخر فلما عرفت من اختلاط المسعودي . لكن يرجح الأول أمران :
الأول : أن ابن المبارك قد توبع على إسناده في "الزهد" من قبل خالد بن
عبدالله عن المسعودي ... به لم يسم الرجل .
أخرجه ابن جرير في "تفسيره " (18/3) بسند صحيح عنه ، أعني خالداً وهو :
الطحان الواسطي ، وهو ثقة من رجال الشيخين .
والآخر : أن المسعودي قد توبع على الوجه الأول ، فقال عبدالرزاق في "المصنف "
(2/255/3263) ؛ عن الثوري عن أبي سنان الشيباني عن رجل [عن علي] ... به .
وأخرجه ابن جرير : حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبدالرزاق ... به . ومنه
استدركت الزيادة .
فيتلخص مما تقدم أن تسمية شيخ أبي سنان الشيباني بـ "عبيدالله بن أبي رافع " ؛
غير محفوظ ، فتكون العلة الأخرى هي جهالة هذا الشيخ . والله أعلم .
ثم إن الشطر الأول من الحديث "الخشوع في القلب " أخرجه ابن جرير
والبيهقي (2/280 - 281) بإسنادين صحيحين عن قتادة قوله .

(13/523)


ولقد كان الباعث على تخريج هذا الحديث مع كونه غير مرفوع أنني رأيت
الحافظ قال في "الفتح ، (2/225) قال وقد ذكر الخلاف في تفسير الخشوع :
" ويدل على أنه من عمل القلب حديث علي : "الخشوع في القلب " أخرجه
الحاكم ، وأما حديث "لو خشع [قلب] هذا ؛ خشعت جوارحه " ففيه إشارة إلى أن
الظاهر عنوان الباطن " .
فظاهر قوله : "حديث علي ... " يشعر أن الحديث مرفوع عند الحاكم ويؤيده
قوله : لاوأما حديث : لو ... " فإن هذا قد روي مرفوعاً ، ولا يصح ، ولذلك كنت
خرجته قديماً في "الضعيفة ، (110) ، فدفعاً لهذا الظاهر ، وبياناً لكونه موقوفاً أولاً ،
وضعيفاً ثانياً ، كتبت هذا التحقيق . والله ولي التوفيق .

6242 - ( انصرفي أيّتها المرأةُ ، وأَعْلِمي مَنْ وراءك من النّساء أنّ
حسن تبعُّل إحداكن لزوجها ، وطلبها مرضاته ، وأتباعها موافقته يعدل
ذلك كلَّه ) .
ضعيف .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (2/609) من طريق العباس
ابن الوليد بن مَزْيَد : أخبرني أبو سعيد الساحلي - واسمه الأخطل بن المؤمل
الجُبَيلي - : نا مسلم بن عبيد عن أسماء بنت يزيد الأنصارية من بني عبدالأشهل :
أنها أتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بين أصحابه ، فقالت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله!
أنا وافدة النساء إليك واعلم - نفسي لك الفداء - أثه ما من امرأة كانت في شرق
ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي : أن الله بعثك
إلى الرجال والنساء كافة ؛ فآمنا بك وبإلهك ، وإنا - معشر النساء - محصورات ،
مقصورات ، قوا عد بيوتكم ، ومقضى شهواتكم ، وحاملات أولادكم ، وأنكم

(13/524)


- معاشر الرجال - فضلتم علينا بالجمع والجماعات ، وعيادة المرضى وشهود الجناثز ،
والحج بعد الحج ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله ، وأن الرجل منكم إذا
خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً ؛ حفظنا لكم أموالكم ، وغزلنا لكم أثوابكم ، وربينا
لكم أولادكم ؛ أفما نشارككم في هذا الخير يا رسول الله ؟ فالتفت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى
أصحابه بوجهه كله ، ثم قال : "سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها عن
أمر دينها من هذه ؟ " قالوا : يا رسول الله! ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا!
فالتفت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها ثم قال : ... (فذكر الحديث) ، قال : فأدبرت المرأة وهي
تهلل وتكبر استبشاراً .
وقال ابن عساكر :
"قال ابن منده : رواه أبو حاتم الرازي عن العباس بن الوليد بن مزيد . وفرّق
ابن منده بين أسماء هذه وبين أسماء بنت يزيد بن السكن ، غريب لم نكتبه إلا
من حديث العباس ، وقد روى حبان بن علي العَنزي عن رشدين بن كريب عن
أبيه عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ شيئاً من هذا" .
ثم ساق ابن عساكر إسناده الآخر من طريق أبي نعيم الحافظ بسنده عن العباس
ابن الوليد ... به .
قلت : والعباس هذا ثقة ، لكن شيخه أبو سعيد الساحلي الجبيلي لم أجد من
وثقه حتى ولا ابن حبان ، وقد أورده ابن ماكولا في "الإكمال " (2/258) والسمعاني
في "الأنساب ، بهذه الكنية - ولم يسمياه - بروايته عن أبي زياد عبدالملك بن
داود ، وعنه عبدالله بن يوسف .
قلت : فيكون مجهول الحال ، ولم يورده أبو أحمد الحاكم في "الكنى" لا

(13/525)


فيمن سمي ، ولا فيمن لم يسم ، وكذلك صنع الذهبي في "المقتنى" ، إلا أنه قال
في الآخر :
" وعدة يجهلون تركهم " فلعله ممن عناهم .
ثم إنني أخشى أن يكون بين مسلم بن عبيد وأسماء بنت يزيد انقطاعٌ ؛ فإني
لم أر من ذكر له رواية عنها ، وإنما روى عن أنه بن مالك ، وأبي عسيب مولى
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وعن جمع من التابعين ، وأنس متأخر الوفاة كما هو معلوم ، وأبو
عسيب كذلك فيما أظن ، ولذلك أورده الحافظ في "التقريب " في الطبقة الخامسة
وهي الطبقة الصغرى من التابعين الذين رأوا الواحد والاثنين - يعنى من الصحابة -
ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة . والله أعلم .
ومسلم بن عبيد هذا كنيته أبو نُصَيرة ، وهو بها أشهر .
والحديث أشار إلى ضعفه ابن عبدالبر بقوله في "الاستيعاب " :
"روي عنها أنها أتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... " فذكره مختصراً .
وأما الحافظ فأعرض عنه بالكلية ؛ فلم يذكره في "الإصابة" .
ثم رأيت رواية أبي حاتم في "تاريخ واسط " لبحشل قال (ص 75) : ثنا أبو
حاتم محمد بن إدريس الرازي قال : ثنا العباس بن الوليد بن مزيد قال : ثنا أبو سعيد
الساحلي (وهو : عبدالله بن سعيد) عن مسلم بن عبيد وهو : أبو نصيرة ... إلخ .
قلت : هكذا وقع فيه : "وهو : عبدالله بن سعيد" ولا أدري ممن هذا التفسير ،
هل هو من بحشل ، أم من أبي حاتم ؟ والظاهر الأول ؛ فإن ابن أبي حاتم لم يورده في
كتابه "الجرح والتعديل " .

(13/526)


ثم تبين لي أنه من العباس بن الوليد نفسه ؛ فقد أخرجه البيهقي في "شعب
الإيمان " (6/420 - 421) ، ومن طريقه ابن عساكر أيضاً (6/363) من طريق الحاكم
وشيخين آخرين له قالوا : أنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال : قرئ على العباس
ابن الوليد - وأنا أسمع - قيل له : حدثكم أبو سعيد الساحلي - وهو : عبدالله بن
سعيد - ...!لخ .
قلت : فقد اختلفوا في اسم أبي سعيد ، فمنهم من قال : "الأخطل بن المؤمل " .
ومنهم من قال : "عبدالله بن سعيد" ، وهو الأكثر ؛ كما ذكر ابن عساكر في ترجمة
عبدالله ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وبهذا الاسم ذكره الذهبي في "المقتنى"
وبيَّض له أيضاً كما هي عادته .
وأما حديث حبان بن علي العنزي عن رشدين ... عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ، الذي
علقه ابن عساكر ؛ فلم أجد من وصله عنه على ضعفه ، وإنما وجدته عن أخيه مندل
- وهو ضعيف أيضاً - يرويه عن رشدين بن كريب عن أبيه عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال :
جاءت امرأة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت : يا رسول الله! أنا وافدة النساء إليك ...
الحديث نحوه مختصراً ، وزاد في آخره :
"وقليل منكن من يفعله" .
أخرجه البزار (2/181/1474) ، وابن الجوزي في "العلل " (2/140) ، وقال :
"لا يصح " .
قلت : ورشدين ضعيف أيضاً ، وبه أعله الهيثمي (4/305) ؛ فقصر ، وأشار
المنذري في "الترغيب " (3/64) إلى ضعف الحديث .
وقد رواه عن رشدين يحيى بن العلاء وهو متهم بالوضع ، ويأتي تخريجه في
الذي بعده .

(13/527)


وقد روي من طريق أخرى مختصراً جداً عن هشام بن يوسف عن القاسم بن
فياض عن خلاد بن عبدالرحمن بن جندة عن سعيد بن المسيب سمع ابن عباس
قال :
قالت امرأة : يا رسول الله ما جزاء غزو المرأة ؟ قال :
"طاعة الزوج واعتراف بحقه" .
وهو ضعيف أيضاً لجهالة القاسم بن فياض أو ضعفه ، وقد رواه من طريقه
البخاري أيضاً في "التاريخ" كما تقدم برقم (5733) .

6243 - ( عِنْدَ أُمِّكَ قِرَّ ؛ فَإِنَّ لَكَ مِنَ الأَجْرِ عِنْدَهَا مِثْلَ مَا لَكَ فِي
الْجِهَادِ ) .
موضوع .
أخرجه عبدالرزاق (8/463) ، وعنه الطبراني (11/410) عن يحيى بن
العلاء عن رشدين بن كريب - مولى ابن عباس - عن أبيه عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال :
جاء رجل وأمه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يريد الجهاد ، وأمه تمنعه ، فقال : ...
فذ كره . قال :
وجاءه رجل آخر ، فقال : إني نذرت أن أنحر نفسي! فشغل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فذهب الرجل ، فوجد يريد أن ينحر نفسه ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"الحمد لله الذي جعل في أمتي من يوفي النذر ، ويخاف {يوماً كان شره
مستطيراً} هل لك من مال ؟ " ، قال : نعم . قال : "اهد مائة ناقة ، واجعلها في
ثلاث سنين ، فإنك لا تجد من يأخذها منك معاً " .
ثم جاءته امرأة فقالت : إني رسولة النساء إليك ... الحديث مثل رواية مندل

(13/528)


ابن علي العنزي المذكورة في الحديث الذي قبله .
قلت : وهذا موضوع ؛ أفته يحيى بن العلاء فإنه كان يضع الحديث ، وقد
تقدمت له أحاديث فراجعه في (فهارس الرواة المترجم لهم) .
وشيخه رشدين ضعيف ، وبه فقط أعله الهيثمي في مواضع من "المجمع"
(4/189 و 306 و5/322) وقال في الموضع الأول :
"وهو ضعيف جداً جداً " !
كذا فيه بتكرار جداً ، فلعله من الناسخ أو الطابع ؛ فإنه غير معهود منه ،
وإعلاله بيحيى بن العلاء أولى كما لا يخفى على العلماء ، فلعله لم يتنبه له .
وأسوأ منه سكوت المعلق الأعظمي على "المصنف" ؛ فلم يعله لا بهذا ولا بذاك ،
وهذا مما لا يجوز له باتفاقهم ؛ لأنه من كتمان العلم ، وهذا إن كان منهم ، وإلا
ففاقد الشيء لايعطيه!!
ويغني عن هذا الحديث الموضوع قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" الزمها ؛ فعقد الجنة عند رجليها" .
وهو مخرج في "المشكاة" (4939) ، و"الإرواء" (1199) .

6244 - ( نِعْمَ المقبرةُ هذه . وزعم ابن جُريج أنها مقبرة مكة ) .
ضعيف .
أخرجه البخاري في " التاريخ " (1/ 284) ، والبزار في "مسنده " (2/49)
من طريق أبي عاصم : حدثنا ابن جريج قال : أخبرني إبراهيم بن أبي خداش
عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
وأخرجه الأزرقي في "أخبار مكة" (2/209) ، وكذا الفاكهي (4/50/2369) ،

(13/529)


ومن طريقه الديلمي في "مسنده ، (3/98) من طريقين آخرين عن ابن جريج ...
به ، ولفظه :
"نعم المقبرة ثنية الشعب . يعني : مقبرة مكة" .
وتابعهم عبدالرزاق فقال في "المصنف " (3/579/6734) ، ومن طريقه أحمد
(1/367) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (11/137/11282) قال : عن ابن جريج
به ... أتم ، ولفظه : أن ابن عباس قال :
لما أشرف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المقبرة ؛ قال وهو على طريقها الأول أشار بيده وراء
الضفيرة فقال :
" نعم المقبرة" .
فقلت للذي أخبرني : خص الشعب ؟ قال : هكذا كنا نسمع أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خص الشعب المقابل بالبيت .
وقال البزار عقب الحديث :
"لا نعلمه بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه ، وابن أبي خداش من أهل مكة ، لا
نعلمه حدث عنه إلا ابن جريج" .
كذا قال! وهذا حسب ما أحاط به علمه ؛ وإلا فقد روى عنه سفيان بن
عيينة أيضاً كما في "التاريخ" و "الجرح والتعديل" ؛ بل قد ساق حديثه في "العلل
(2/ 270) من رواية ابن أبي عمر العدني عن سفيان عن إبراهيم بن أبي خداش
عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المملوكين :
" أطعموهم مما تأكلون ... " الحديث ، وقال :

(13/530)


" قال أبي : إن رفعه ليس له معنى ، والصحيح موقوف " .
ثم ساق له حديث الترجمة ، وسكت عنه . وقال الهيثمي (4/298) بعدما
عزاه لأ حمد والبزار والطبراني :
" وفيه إبراهيم بن أبي خداش ، حدث عنه ابن جريج وابن عيينة كما قال أبو
حاتم ، ولم يضعفه أحد ، وبقية رجاله رجال الصحيح" .
قلت : وكأنه لم يقف على توثيق ابن حبان إياه ؛ وإلا لذكره ، وقد أورده في
"الثقات " (4/10 - 11) من رواية ابن جريج عنه . ولم يقف الحسيني على رواية
ابن جريج عنه ، فقال فيه :
"مجهول" فرده الحافظ في "التعجيل" برواية ابن جريج أيضاً ، وبأن نسبه
مشهور ، وأنه لا سلف له في ذلك .
وأقول : إن أراد بذلك نفي جهالته العينية ؛ فهو مقبول . وإن أراد أنه ثقة ؛
ففيه نظر ؛ لأنه ليس مشهوراً بالضبط والحفظ ، وكونه مشهوراً بالنسب لا ينفع فيما
نحن فيه ؛ كما هو ظاهر ، وتوثيق ابن حبان إياه لا يكفي لتساهله الذي شرحه
الحافظ نفسه في مقدمة "اللسان" ؛ فهو مجهول الحال . ولذلك فإني أرى أن الحديث
يحتمل التحسين .
أما القول بأن إسناده صحيح كما جزم به الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله -
في تعليقه على "المسند" (5/157 -158) فهو مما نخالفه فيه ، ولا سيما وقد أعل
أبو حاتم حديث ابن عيينة بالوقف كما تقدم ، فلم يبق له إلا هذا الحديث ، فمن
أين لنا أن نطمئن لكونه ضبطه ولم يخطئ فيه ؟!

(13/531)


(تنبيه) : وقع في التعليق على "المعجم الكبير" عقب نقله عبارة "المجمع"
المتقدمة قوله :
"ورواه الترمذي (925) وقال : حسن صحيح"!
وهذا خطأ مزدوج ، فإن الحديث ليس عند الترمذي ، ولا عند الهيثمي ، فلعله
سبق قلم أو خطأ مطبعي .

6245 - ( يُنْزِلُ اللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ : سِتُّونَ مِنْهَا
للطَّوَّافينَ، وَأَرْبَعُونَ للعاكفينَ حَوْلَ الْبَيْتِ ، وَعِشْرُونَ مِنْهَا لِلنَّاظِرِينَ إِلَى
الْبَيْتِ ) .
موضوع بهذا اللفظ .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/124/
11248) من طريق خالد بن يزيد العمري : ثنا محمد بن عبدالله بن عبيد
الليثي عن ابن أبي مليكة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته العمري ، وهو كذاب ، وتقدمت له أحاديث
موضوعة تراجع في (فهارس المجلدات المطبوعة) .
ومحمد بن عبدالله بن عبيد الليثي متروك ، وتقدم له بعض الأحاديث ،
فانظر مثلاً الحديث (991) .
والحديث قد روي من طريق خير من هذه وبلفظ آخر بنحوه ، وتقدم برقم
(187) بلفظ . "للمصلين" ... مكان : "للعاكفين " .
(تنبيه) : قال صاحبنا الشيخ حمدي عبدالمجيد في تعليقه على "المعجم " :
"ولم يذكر الهيثمي ، ولا شيخنا هذه الطريق في الضعيفة" .
قلت : أما أنا فقد كنت أشرت إلى هذه الطريق عند تخريج اللفظ المشار إليه بقولي :

(13/532)


"والحديث في "المعجم الكبير" من طريق أخرى ، فيه كذاب آخر بلفظ مغاير
لهذا بعض الشيء ، وسيأتي " .
فها هو قد أتى بإذن الله تبارك وتعالى .
وأما الهيثمي فقد أشار إلى هذه الطريق بقوله (3/292) .
"وفي رواية : "وأربعون للعاكفين " ... بدل : " المصلين" " .
ولكنه لم يتكلم عليها ، ولا ذكر علتها ؛ فأوهم أنها من طريق يوسف بن السفر
الذي في الرواية المتقدمة باللفظ الأول!

6246 - (ما بعث الله نبياً إلا وقد أَمَّه بعضُ أُمَّته ) (*) .
ضعيف .
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان " وعنه الديلمي في "مسنده "
(3/28 - الغرائب) من طريق عبد الرحمن بن أحمد الزهري الأعرج : ثنا إبراهيم
ابن أحمد النابتي : ثنا علي بن الحسن بن شقيق : ثنا أبو حمزة السكري عن
عاصم بن كليب عن عبدالله بن الزبير : ثنا عمر بن الخطاب عن أبي بكر الصديق
رضي الله عنهم قال : سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات من ابن شقيق فمن فوقه ، وأما
إبراهيم بن أحمد النَّابتي ، فلم أجد له ترجمة إلا عند السمعاني في نسبته هذه
(النابتي) ، فقال :
"المشهور بهذا الانتساب أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبدالله بن يعيش
الهمذاني - يعرف بابن (النابتي) من أصل (همذان) ، وكان والده ولي القضاء بها -
__________
(") وقد سبق للمؤلف - رحمه الله - أن خَرّج حديث الترجمة من طريق أخرى (2654
و 3159) . (الناشر) .

(13/533)


عن محمد بن عبدان وحميد بن زنجويه وغيرهما ، روى عنه محمد بن أحمد بن
إبراهيم الأصبهاني ؛ لأنه قدم أصبهان وحدث بها " .
وأما الأعرج هذا الراوي عنه ، فهو من شيوخ أبي الشيخ الأصبهاني وهو
مجهول أيضاً" ، وتقدم له حديثان (203 و5835) .
ولم أجد لهذا الحديث ما يشهد له سوى ما صح أن أبا بكر الصديق رضي الله
عنه أمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرض موته أن يؤم الناس ، وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقتدى بعبدالرحمن
ابن عوف في الركعة الثانية من صلاة الفجر ، وكانوا في سفر في قصة معروفة في
"صحيح مسلم" وغيره . وراجع إن شئت "فتح الباري" (2/167 - 168) .

6247 - ( الزُرقَةُ في البَياضِ يُمْنٌ ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (7/258) من طريق محمد بن
مخلد الرعيني : ثنا يَغْنَم بن سالم عن أنس مرفوعاً .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته يغنم هذا ، وفي ترجمته أورده ابن عدي وقال :
"يروي عن أنس مناكير ، وأحاديثه عامتها غير محفوظة" .
وقال ابن حبان في "الضعفاء" (3/145) :
"شيخ يضع الحديث على أنس بن مالك ، روى عنه بنسخة موضوعة" .
على أن الرعيني هذا هو عند ابن عدي مثل يغنم هذا أو شر منه ، فقد قال
في ترجمته (6/256) :
"يحدث عن مالك وغيره بالبواطيل ، وهو منكر الحديث عن كل من يروي

(13/534)


وقد مضى له من أباطيله بعض الأحاديث فانظر (410 و 1252) .
والحديث قد روي عن أبي هريرة وعائشة والزهري مرسلاً ، وتقدم تخريجه
برقم (217) ، وهو موضوع كما جزم بذلك ابن الجوزي وابن القيم .

6248 - ( لا تُغالوا في أثمانِ السُّيوفِ ؛ فإنها مأمورة ) .
موضوع .
روي من حديث عبدالله بن عباس ، وعبدالله بن بسر .
1 - أما حديث ابن عباس ، فيرويه الكلبي عن أبي صالح عنه قال :
مر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببقيع الغرقد ورجل يسوم سيفاً ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
ومر برجل يسوم شاة ، قال : فقال :
"لا تغالوا في اللبن ؛ فإنه رزق " .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (6/117) .
قلت : أورده في جملة أحاديث ساقها للكلبي وهو : محمد بن السائب وقد
كذبه غير واحد ، وروى ابن عدي عنه أنه قال :
"كل شيء أحدث عن أبي صالح فهو كذب " .
وأبو صالح هذا ليس هو السمان الذي أخرج له الشيخان عن أبي هريرة ؛ بل
هو آخر ضعيف يقال له : باذان كما قال الحافظ ، وانظر ما تقدم في ترجمته
(3/236 و 237 و 4/356) .
2 - وأما حديث عبدالله بن بسر ، فيرويه طلحة بن زيد عن برد بن سنان
عن راشد بن سعد عنه رفعه .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (3/162 - الغرائب) .

(13/535)


فلت : وهذا موضوع ؛ أفته طلحة بن زيد وهو : الرقي ، قال الذهبي في "الكاشف" :
"قال أحمد وعلي : كان يضع الحديث " .
وقد تقدمت له أحاديث .

6249 - ( لا خيلَ ألقى من الدُّهْمِ ، ولا امرأةَ كبِنتِ العمِّ ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في (الكامل " (6/301 - 302) : حدثنا محمد
ابن محمد بن الأشعث : حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن
محمد : حدثني أبي عن أبيه عن جده جعفر عن أبيه عن جده علي بن الحسين
عن أبيه عن علي مرفوعاً .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته ابن الأشعث هذا ، وفي ترجمته ساقه ابن عدي
في خمسة وعشرين حديثاً ساقها له بهذا الإسناد ، وقال :
"كتبت عنه بمصر ، حمله شدة ميله إلى التشيع أن أخرج لنا نسخة قريباً من
ألفا حديث عن موسى بن إسماعيل عن آبائه بخط طري على كاغد جديد ، وهي
قريبة من ألف حديث ، عامتها من المناكير" .
ثم قال :
"فذكرنا هذه الأحاديث لأبي عبدالله الحسين بن علي بن الحسن - وكان
شيخاً من أهل البيت بمصر - فقال : كان موسى هذا جاري بالمدينة أربعين سنة ما
ذكر قط أن عنده شيئاً من الرواية عن أبيه ولا عن غيره " .
وقال الذهبي - بعد أن ذكر بعض الأحاديث المشار إليها منها حديث الترجمة - :
"وساق له ابن عدي جملة موضوعات . قال السهمي : ساكلت الدارقطني
عنه ، فقال : آية من آيات الله ، وضع ذاك الكتاب يعني : العلويات " .

(13/536)


وأقره الحافظ في "اللسان" وقال عقبه :
"وقد وقفت على بعض الكتاب المذكور ، وسماه "السنن" ورتبه على الأبواب ،
وكله بسندٍ واحد" .
وكان الحافظ تبعاً للذهبي قد أورد المترجم منسوباً إلى جده ، وقال :
"من شيوخ ابن عدي ، اتهمه ابن عدي بالكذب" .
ولم يتنبها إلى أنه هذا .
والحديث أورده السيوطي في "ذيل الأحاديث الموضوعة" (ص 113/518) ، وذكر
ملخص قول ابن عدي ، وقول الذهبى وما نقله عن الدارقطني ، وقول الحافظ عقبه .
ولخص ذلك الشيخ القارئ في "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة"
(ص 408) وساق الحديث .
(تنبيه) : لقد اضطربت المصادر المتقدمة في ضبط كلمة (ألقى) ، فوقعت في
طبعات "الكامل" : (أنقى) بالنون ، وهي مهملة في النسخة المصورة . ووقعت في
"الميزان" و "الأسرار" : (أبقى) بالباء الموحدة ، وفي " الذيل" : (ألفى) باللام ثم الفاء ،
ومثله في "اللسان " لكن بالقاف مكان الفاء ، والمعنى واحد ، فغلب على ظني أنه
أقرب ، ولذلك أثبته . والله أعلم .

6250 - ( يجتمع كل يوم عرفة بعرفات: جبريل وميكائيل وإسرافيل
والخضر ، فيقول جبريل: ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، فيرد عليه
ميكائيل: ما شاء الله ، كل نعمة من الله ، فيرد عليه إسرافيل: ما شاء
الله ، الخير كله بيد الله ، فيرد عليه الخضر: ما شاء الله ، لا يصرف
537

(13/537)


السوء إلا الله ، ثم يتفرقون عن هذه الكلمات ، فلا يجتمعون إلى قابل
في ذلك اليوم ، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
فما من أحد يقول هذه الأربع مقالات حين يستيقظ من نومه إلا
وكل الله به أربعة من الملائكة يحفظونه ... ) الحديث بطوله .
موضوع .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (5/647 - 648) ، وابن الجوزي
في "الموضوعات" (1/196 - 198) كلاهما من طريق الخطيب - ولم أره في
"تاريخ بغداد" - عن محمد بن علي بن عطية الحارثي : نا علي بن الحسن
الجهضمي : نا ضمرة بن حبيب المقدسي : نا أبي : نا العلاء بن زياد القشيري
عن عبدالله بن الحسن عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب مرفوعاً . وقال
ابن الجوزي :
"باطل ، فيه عدة مجاهيل " .
قلت : كأنه يشير إلى من دون عبدالله بن الحسن . وذلك معنى قول الذهبي
في ترجمة ضمرة هذا :
"جاء في إسناد مجهول بمتن باطل " .
ثم ساق له هذا الحديث . وذكر نحوه شيخه المزي في "تهذيب الكمال " فقال
(13/316) :
"وهو حديث منكر ، وإسناد مجهول" .
وتبعه الحافظ في "تهذيبه " إلا أنه بيَّن الجهالة فقال :
"رواته مجاهيل " .
538

(13/538)


وذكره ابن كثير في "البداية" (1/333) من رواية ابن عساكر بطرفه الأول
فقط وقال :
"وذكر حديثاً طويلاً موضوعأً تركنا إيراده قصداً ، ولله الحمد" .
ولكنه قال في علي بن الحسن الجهضمي :
"وهو كذاب " .
وهذا مما لم أجد له سلفاً . والله أعلم .
وأما السيوطي فتعقب ابن الجوزي بقوله في "اللآلي" (1/168) :
"قلت : أخرجه ابن الجوزي في "الواهيات " من طريق عبيد بن إسحاق
العطار عن محمد بن ميسرة عن عبدالله بن الحسن ... به . وعبيد : متروك .
والله أعلم " .
وتبعه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/235)! وزاد على السيوطي فقال رداً
على قول ابن الجوزي المتقدم :
"ذلك لا يقتضي الحكم عليه بالوضع"! وتعقبه المعلق عليه بقوله :
"بل يقتضي الوضع مع ضميمة نكارة المعنى ، وإذا كان الحفاظ يحكمون
بوضع الحديث لنكارة معناه مع ثقة رجاله ؛ فكيف لا يحكم بوضعه مع جهالة
رجاله ؟! " .
قلت : وهذا حق ، ولكنهم فاتهم جميعاً علة الحديث الحقيقية ، وهي محمد
ابن علي بن عطية هذا ، فقد رواه الخطيب من طريق شيخه عبدالعزيز بن علي
الأزجي عنه . وقد ترجم له في "التاريخ" (3/89) فقال :

(13/539)


إ محمد بن علي بن عطية أبو طالب المعروف بـ (المكي) ، صنف كتاباً
سماه "قوت القلوب" على لسان الصوفية ، ذكر فيه أشياء منكرة مستشنعة في
الصفات . حدثني عنه محمد بن المظفر الخياط ، وعبدالعزيز بن علي
الأزجي ... وقدم بغداد ، فاجتمع الناس عليه في مجلس الوعظ ، فخلط في
كلامه ، وحُفظ عنه أنه قال : ليس على الخلوقين أضر من الخالق! فبدَّعه
الناس وهجروه" .
وله ترجمة في "الميزان " و" اللسان " و "الشذرات " (3/ 120! وفي " السير"
و"المغني في الضعفاء" للذهبي .
هذه هي علة الحديث ، فمن فوق أبي طالب هذا من المجاهيل ؛ الذين لم
يعرفهم أحد من الحفاظ ، الظاهر أنهم من تخاليطه ، ولعل ذلك من مبالغته في
تجويع نفسه باسم الرياضة والزهد ، حتى قيل : إنه هجر الطعام زماناً ، واقتصر على
أكل الحشائش المباحة ! وخير الهدى هدى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ثم قال ابن الجوزي عقب الحديث :
"وقد أغري خلق كثير من المهووسين بأن الخضر حي إلى اليوم ، ورووا أنه
التقى بعلي بن أبي طالب وبعمر بن عبدالعزيز ، وأن خلقاً كثيراً من الصالحين
رأوه . وصنف بعض من سمع الحديث ولم يعرف علله كتاباً جمع فيه ذلك ، ولم
يسأل عن أسانيد ما نقل ، وانتشر الأمر إلى أن جماعة من المتصنعين بالزهد
يقولون : رأيناه وكلمناه ، فواعجباً ألهم فيه علامة يعرفونه بها ؟! وهل يجوز لعاقل أن
يلقى شخصاً فيقول له الشخص : أنا الخضر ، فيصدقه ؟! " .
وقد جمع الحافظ الأحاديث الواردة في الخضر عليه السلام وحياته ولقائه

(13/540)


للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبيَّن عللها في ترجمة الخضر عليه السلام من كتابه "الإصابة" .
ومن ذلك الحديث الآتي :

6251 - ( يلتقي الخضر وإلياس عليهما السلام في كل عام في
الموسم ، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ، ويفترقان عن هؤلاء
الكلمات :
بسم الله ما شاء الله ، لا يسوق الخير الا الله ، ما شاء الله لا
يصرف السوء الا الله ، ما شاء الله ، ما كان من نعمة فمن الله ؛ ما
شاء الله ، لا حول ولا قوة الا بالله .
من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات أمنه الله من
الغرق والحرق ، والسَّرَقِ . وأحسبه قال : ومن الشيطان والسلطان
والحية والعقرب ) .
موضوع .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء ، (1/224 - 225) ، وابن عدي في
"الكامل " (2/328) ، وابن شاذان في "المشيخة الصغرى" (ق 54/2 رقم 52) ، وابن
عساكر (5/647) ، وابن الجوزي في "الموضوعات ، (1/195 - 196) من طريق
الحسن بن رزين عن ابن جريج عن عطاء عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً وموقوفاً . وقال :
"الحسن بن رزين بصري مجهول ، ولا يتابع عليه مسنداً ولا موقوفاً" . وذكر
ابن عدي نحوه ، وقال :
"والحديث بهذا الإسناد منكر" . وقال ابن الجوزي بعد أن ذكر كلام العقيلي :
"وقال ابن المنادي : هذا حديث واهٍ بالحسن بن رزين ، والخضر وإلياس مضيا

(13/541)


لسبيلهما" . قال الحافظ عقبه :
" وقد جاء من غير طريقه ؛ لكن من وجه واهٍ جداً ، أخرجه ابن الجوزي في
"الواهيات " ، وفيه أحمد بن عمارة متروك عند الدارقطني ، ومهدي بن هلال
مثله ، وقال ابن حبان : مهدي بن هلال يروي الموضوعات " .

6252 - (كان إذا خرج إلى الصلاة ؛ قال :
باسم الله ، آمنت بالله ، توكلت على الله ، لا حولَ ولا قوة إلا بالله .
اللَّهُمَّ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ ، وَبِحَقِّ مَخرجي هَذَا ، فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ
أَشَراً ، وَلاَ بَطَراً ، وَلاَ رِيَاءً ، وَلاَ سُمْعَةً ، خَرَجْتُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ ،
وَاتِّقَاءَ سُخْطِكَ ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنِي مِنَ النَّارِ ، وتُدخِلَني الجنة ) .
ضعيف جداً .
أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (30/82) من
طريق الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن جابر بن عبدالله
عن بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ إن لم يكن موضوعأً ، فقد قال ابن حبان في
الوازع هذ ا (3/ 83) :
"كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات على قلة روايته ، ويشبه أن يكون
المتعمد لذلك ؛ بل وقع ذلك في روايته لكثرة وهمه ؛ فبطل الاحتجاج به لما انفرد
عن الثقات بما ليس من أحاديثهم" .
والحاكم على تساهله المعروف قال فيه :
"روى أحاديث موضوعة " .

(13/542)


وأشار إلى ذلك البخاري بقوله في "التاريخ " (4/2/183) :
"منكر الحديث " . وقال أحمد وابن معين وأبو داود :
"ليس بثقة" . وقال النسائي :
"متروك الحديث " . وقال ابن عدي في "الكامل " (7/98) :
"عامة ما يرويه عن شيوخه غير محفوظة" .
قلت : فقد اتفقت أقوال أئمة هذا الشأن على أن الوازع هذا ضعيف جداً لا
يستشهد به ، وهذا ما صرح به الحافظ ابن حجر في "تخريج الأذكار" ، فقال :
"هذا حديث واهٍ جداً ... " إلى آخر كلامه الذي كنت نقلته عنه في كتابي
"التوسل : أنواعه وأحكامه " (ص 99) .
ومع هذه النقول عن هؤلاء الأئمة الفحول ، نجد أهل البدع والأهواء الذين
يرمون أهل السنة بما ليس فيهم ، يتجاهلون تلك النقول ، ويستشهدون بهذا الحديث
الواهي ؛ ليقووا به آخر مثله ، وهو حديث أبي سعيد الخدري - "لمجرد اشتراكهما في
التوسل المبتدع - :
"اللهم إني أساثك بحق السائلين عليك " كما كعنت بينت ذلك في الكتاب
المومى إليه ، وفي "الضعيفة" أيضاً برقم (24) ، فتجد أولئك المبتدعة يكتمون الحق
وهم يعلمون ، فخذ مثلاً الشيخ عبدالله الغماري المغربي التي تطفح كتبه بالجهل
بهذا العلم الشريف ، مقروناً بالتجاهل في كثير من الأحيان ، فها هو في رسالته
التي أسماها "مصباح الزجاجة" تجاهل العلل التي كنا شرحناها في الكتابين
المذكورين للحديث الآخر المشار إليه - وهو حديث أبي سعيد - فيرد على النووي
تضعيفه إياه ، ويصرح بأنه حسن - دون أن يسوق إسناده ويتكلم عليه كما يقتضيه

(13/543)


هذا العلم الشريف - مع أن فيه ضعفاً في بعض رواته ، وتدليساً خبيثاً واضطراباً
كما هو مبين هناك ، فتجاهل ذلك كله ، وزاد تجاهلاً آخر ؛ فقال (ص 55 - 56) :
"وله شاهد من حديث بلال عند ابن السني "!!
ونحوه ؛ بل وشر منه قول الكوثري في "مقالاته " (ص 294) :
"وأخرج ابن السني في "عمل اليوم والليلة" بسند فيه الوازع عن بلال "!!!
وقد كنت رددت عليه تجاهله لحال الوازع هذا في "الضعيفة" (ص 87 - الطبعة
الجديدة) ؛ وإنما أردت هنا - بعد أن عرضت على أعين القراء إسناد ابن السني -
لأبين لهم كيف يخاتل الكوثري قراءه ، ويدلس عليهم ، ويعمي حال الراوي الذي
هو علة الحديث ، وأنه لا فائدة من ذكره لشدة ضعفه ؟! فإنه عند ابن السني - كما
رأيت - من رواية الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن جابر
ابن عبدالله عن بلال .
فماذا فعل الكوثري - عامله الله بما يستحق - :
أولاً : أسقط الواسطتين بين الوازع وبلال ؛ ليوهم القراء أنه تابعي!
ثانياً : لم ينسب الوازع إلى أبيه (نافع) ولا إلى قبيلته (العقيلي) ، وذلك كله
تعمية لحاله على طلبة العلم من قرائه ؛ لأن أحدهم لو أراد أن يتحقق من هويته ،
ويتعرف على منزلته في الرواية ، وليس الإسناد بين يديه ؛ فسيرى فيمن يسمى
(وازعاً) ثلاثة من الرواة ليس فيهم من روى عن بلال! وهذا هو المقصود من تعميته .
ثالثاً : قد علم الكوثري من إسناد ابن السني أن الوازع هو ابن نافع العقيلي ،
ومما لا شك فيه أنه يعلم أيضاً سوء حاله في الرواية من أقوال الأئمة المتقدمة فيه ،

(13/544)


ومع ذلك تجاهل ذلك كله ، وأوهم القراء أنه ممن يستشهد به . وكم له ولأمثاله من
أهل الأهواء من نحو هذا التدليس والمكر! والله المستعان .
ولا بأس من أن أسوق نوعاً جديداً من التعمية تقصدها الغماري أيضاً في
تخريجه للحديث التالي :

6253 - (كَانَ إِذَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى ؛ دَعَا بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ :
اللَّهُمَّ أَنْتَ أَحَقُّ مَنْ ذُكِرَ ، وَأَحَقُّ مَنْ عُبَدَ ، وَأَنصر مَنْ ابتُغَيَ ،
وأرأف من ملك ، وأجود من سُئل ، وأوسع مَنْ أَعْطَى ، أَنْتَ الْمَلِكُ لا
شَرِيكَ لَكَ ... أَسْأَلُكَ بنورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ
وَالأَرْضُ ، بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَكَ ، وَبِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ أَنْ تَقْبَلَنِي فِي
هَذِهِ الْغَدَاةِ أَوْ فِي هَذِهِ الْعَشِيَّةِ ، وَأَنْ تُجِيرَنِي مِنَ النَّارِ بِقُدْرَتِكَ ) .
ضعيف جداً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (ج 8 رقم 8027) ، وفي
"الدعاء" (2/940 - 941) بإسناد واحد من طريق العباس بن الوليد النرسي : ثنا
هشام بن هشام الكوفي : ثنا فضال بن جبير عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه
قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ آفته فضال بن جبير هذا ، قال ابن حبان في
"ضعفائه "(2/204) :
"كان يزعم أنه سمع أبا أمامة ، روى عنه البصريون ، يروي عن أبي أمامة ما
ليس من حديثه ، لا يحل الاحتجاج به بحال " . وقال ابن عدي (6/21) :
"له عن أبي أمامة قدر عشرة أحاديث كلها غير محفوظة" .

(13/545)


قلت : هي عند الطبراني في "المعجم الكبير" علاوة على حديث الترجمة ،
وقد مضى أحدها برقم (5112) ، ونقلت هناك عن الهيثمي أنه قال فيه :
"ضعيف جداً " .
وله حديث آخر غير التي أشار إليها ابن عدي أنكر من هذا سأذكره بعده إن
شاء الله تعالى .
ويمكن أن يكون آفة هذا الحديث من الراوي عنه هشام بن هشام الكوفي ؛ فإنه
غير معروف عندي ، وإن كان يمكن أن يكون الذي في "ثقات ابن حبان " (9/234) :
"هشام بن علي بن هشام السيرافي أبو علي سكن البصرة ، يروي عن أبي
الوليد الطيالسي ... و ... و ... مستقيم الحديث ، كتب عنه أصحابنا" .
فإن يكن هو ؛ فيكون قد نسب إلى جده ، ولا ينافي ذلك أنه بصري أن المترجم
كوفي ، كما لا منافاة بين هذا وذاك وبين كونه (سيرافياً) نسبة إلى (سيراف) من
بلاد فارس ؛ فإن أصله منها ، ثم انتقل إلى البصرة والكوفة . والله أعلم .
وأما الهيثمي فقد أعله بالأول فقال (10/117) :
"رواه الطبراني ، وفيه فضال بن جبير ، وهو مجمع على ضعفه " .
إذا عرفت شدة ضعف هذا الحديث - كالذي قبله - ؛ يتبين لك مجدداً تجاهل
الشيخ الغماري ، وتدليسه على قرائه باستشهاده به في "مصباحه" المظلم (ص 56)
لتقوية جملة : "اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك" المتقدم في الحديث الذي
قبله! دون أن يسوق إسناده ويتكلم على رجاله ، قانعاً بمجرد الدعوة ، مع علمه أن
ذلك لا يجدي مع خصومه ؛ بل ذلك مما لا يفيد مع المغترين به من مريديه كذاك
السقاف ؛ إذ ا أرادوا العلم والنقاش بدون شقاق ، وما أحسن ما قيل :

(13/546)


والدعاوي ما لم تقيموا عليها *** بينات أبناؤها أدعياء
(تنبيه) : "قَضَال " بتخفيف الضاد المعجمة - كـ "سحاب " - كما في "القاموس
المحيط " . ووقع في بعض المطبوعات بتشديد الضاد" . وهو خطأ .

6254 - ( إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى ، وخلقني وعليّاً من
شجرة واحدة ، فأنا أصلها ، وعلي فرعها ، والحسن والحسين ثمارها ،
وأشياعنا أوراقها ، فمن تعلَّق بغصن من أغصانها ؛ نجا ، ومن زاغَ ؛ هوى ، ولو
أن عبداً عَبَدَ الله عَزَّ وَجَلَّ بين الصفا والمروة ألف عام ، ثم ألف عام ، ثم
ألف عام ولم يدرك (!) محبتنا ؛ إلا أكبّه الله عَزَّ وَجَلَّ على منخريه في
النار " ، ثم تلا: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى} ) .
موضوع .
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (12/143) ، والذهبي في ترجمة
فضال من "الميزان " من رواية الطبراني وغيره من طريق طالوت بن عباد عن فضال
ابن جبير عن أبي أمامة الباهلي مرفوعاً . وقال ابن عساكر :
"هذا حديث منكر ، وقد وقع إلينا "جزء طالوت بن عباد" بعلو ، وليس هذا
الحديث فيه " .
وذكره الذهبي فيما أنكر على فضال ، وأقره الحافظ ، وذكرا فيه قول ابن حبان
وابن عدي المتقدم في الحديث الذي قبله . وأنا أرى أن الحديث بالموضوعات أولى ؛
لأن لوائح الوضع والتشيع عليه لائحة ، فلا أدري لم لم يورده ابن الجوزي في
"موضوعاته " ولم يستدركه السيوطي في "ذيله " عليه ؟! وكذلك لم يذكره ابن
الجوزي في "العلل المتناهية" على الأقل .

(13/547)


6255 - ( نعمَ البيتُ يَدْخُلُهُ المسلمُ ؛ بيتُ الحمَّامِ ، وذاك أنه إذا
دخله - يعني - سألَ اللهَ الجنةَ ، واستعاذ بالله من النار .
وبئسَ البيتُ بيتُ العروسِ وذلك لأنه يُرَغِّبُه في الدنيا وينسيه
الآخرة ) .
موضوع .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (2/745) من طريق محمد
ابن يزيد السلمي : نا إسحاق القرشي : نا الحجاج بن أرطاة عن سهيل عن أبيه
عن أبي هريرة مرفوعاً .
قلت : وهذا موضوع ، آفته إسحاق هذا - وهو : ابن بشر أبو حذيفة الهاشمي
مولاهم البخاري وليس الكاهلي - وهو كذاب ؛ يضع الحديث ، وقد تقدمت له
أحاديث موضوعة ، فراجع فهارس الجلدات الأربعة ، وبخاصة الأول منها : "الرواة
المترجم لهم " .
ومحمد بن يزيد السلمي لم أعرفه ؛ إلا أن يكون المذكور في إسناد حديث أنس
الآتي بعد هذا بحديث برواية الخطيب ، وقوله فيه :
"متروك الحديث " .
وقد روي حديث الترجمة بإسناد آخر ، أخرجه ابن السني في "عمل اليوم
والليلة" (103/310) من طريق إسماعيل بن عياش : حدثني يحيى بن عبيد الله
عن أبيه عن أبي هريرة به مختصراً بلفظ :
لانعم البيت يدخله المسلم : الحمام ، فإذا دخله ؛ سأل الله عَزَّ وَجَلَّ الجنة ،
واستعاذ من النار" .

(13/548)


قلت : وهذا إسناد واهٍ بمرة ، يحيى بن عبيدالله - وهو : ابن عبدالله بن موهب
التيمي المدني - قال الحافظ في "التقريب " :
"متروك ، وأفحش الحاكم ، فرماه بالوضع " .
قلت : هو مسبوق إلى ذلك ، فقد قال فيه ابن حبان في "الضعفاء" (3/121) :
"يروي عن أبيه ما لا أصل له ، وأبوه ثقة"!
كذا قال في أبيه : "ثقة"! وهو من تساهله المعروف ؛ فإنه لا يعرف برواية ثقة
عنه ؛ فقد روى عنه أيضاً آخران أحدهما ليس بالقوي ، والآخر مجهول . (انظر
"التهذيب ") ، ولذلك قال الشافعي وأحمد وغيرهما :
"لا يعوف " .
وإسماعيل بن عياش ضعيف في الحجازيين ، وهذه منها .
ثم وجدت له متابعاً من رواية أحمد بن منيع : حدثنا عمار بن محمد عن
يحيى بن عبيدالله ... به . مثل حديث الترجمة .
ذكره الحافظ في "المطالب المسندة" (ق 6/2) . ورواه البيهقي في "الشعب "
(6/160/7779) من طريق ثالث عن يحيى ... به .
وقد جاء الحديث عن أبي هريرة موقوفاً مختصراً بلفظ :
"نعم البيت الحمام ، يذهب الدرن ، ويذكر بالنار" .
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (1/109) : حدثنا جرير عن عمارة عن
أبي زرعة عن أبي هريرة قال : ... فذكره .

(13/549)


قلت : وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين موقوفاً ، جرير هو : ابن
عبدالحميد الضبي ، وعمارة هو : ابن القعقاع بن شبرمة الضبي ، وأبو زرعة هو : ابن
عمرو بن جرير بن عبدالله البجلي الكوفي ، وكلهم ثقات من رجال "الصحيحين " ،
وقد عزاه الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية " (1/50/184) لمسدد ، وقال :
"صحيح موقوف " .
وكذا قال البيهقي في "الشعب " (6/160/7780) ورواه من طريق آخر عن
عما رة .
(تنبيه) : لقد وقفت على بعض الأوهام حول هذا الحديث لجماعة من أهل
العلم وغيرهم ، من المفيد التنبيه عليها ، فأقول :
الأول : ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لفظ أبي هريرة - هذا المختصر -
في آخر كتابه "الكلم الطيب " بصيغة الجزم :
"عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعاً وموقوفاً" .
قلت : وهذا خطأ ؛ لما فيه من التسوية بين المرفوع والموقوف ؛ فإن صيغة "عن "
من صيغ الجزم ، وذلك يفيد صحة الرواية اصطلاحاً ، فإذا اعتددنا بذلك رفعنا من
شأن المرفوع ؛ وهو ضعيف جداً - كما سبق - إن لم يكن موضوعأً ، وإن لم نعتد
بذلك - كما هو رأي البعض - أضعنا قيمة الموقوف وأنه صحيح!
والآخر : قوله رحمه الله في الموقوف :
"وهو أشبه " .
فإن مثل هذا التعبير ، إنما يقال في المرفوع والموقوف ، ونحوهما كالمرسل
والمتصل ؛ إذا كانا متقاربين في الضعف والصحة ، أو الإرسال والوصل .

(13/550)


وأما مع التفاوت ، والتفاوت البعيد " فلا ينبغي أن يقال ذلك لما فيه من
الإيهام ، وإنما يقال : "والموقوف هو المحفوظ " أو هو "الصحيح " . وفي ظني أن الشيخ
رحمه الله لم يكن مستحضراً لهذا التفاوت بين المرفوع والموقوف في هذا الحديث ؛
ولذلك قال ما قال .
الثاني : عكس ذلك ابن القيم في آخر "الوابل الصيب " ؛ فقال :
"يذكر عن أبي هريرة أنه قال : نعم البيت الحمام " .
قلت : وهذا خطأ أيضاً ؛ لأنه - وإن كان قد حذف من كلام شيخه ابن تيمية
الرفع الموهم للتسوية المذكورة آنفاً - فقد أوهم بقوله : "يذكر" ضعف الموقوف أيضاً ؛
لأن هذه الصيغة المبنية للمجهول موضوعة اصطلاحاً أيضاً للضعيف ، أو هي على
الأقل لا تدل على صحة الموقوف هذا ، وهو صحيح كما عرفت .
ولم يتنبه لهذا الخطأ الشيخ إسماعيل الأنصاري ، أو أنه عرف ، وكتم لغاية
في نفسه ، لا تخفى على الأذكياء الذين يعيش في أرضهم - وتلك شنشنة نعرفها
من أخزم -! فقال في تعليقه على "الوابل " (ص 284) بعد أن ذكر كلام ابن تيمية
المتقدم دون أي تعليق عليه :
"قلت : ولهذا لم يرفعه ابن القيم "!
فأقول : ولماذا أنت حابيت ابن القيم ، فلم تبين للقراء خطأه في تصديره لهذا
الأثر الصحيح بقوله : "يذكر" ؟! وإن جادلت في ذلك وقلت : إن ذلك ليس نصاً في
التضعيف ، فنقول حينئذٍ : لماذا لم تبين لقرائك صحته ؛ إن كنت عالماً بها ؟! وبخاصة
أنك قد تعهدت في مقدمتك للكتاب (ص 8) أن تبين درجة ما لم يبينه ابن القيم ،
فكيف وهو هنا ليس لم يبين فقط ، بل أشار إلى تضعيف الأثر ، وهو صحيح ؟! وكم

(13/551)


له من مثل هذه المحاباة للشيخين الجليلين مسايرة منه للحنابلة الذين يعيش بين
ظهرانيهم كما يفعل بعض المبتدعة الذين هو يعرفهم ، ويندفع معهم لمحاربة من يدعو
إلى الكتاب والسنة لبعض الأخطاء التي لا ينجو منها أحد!! حسداً وبغياً .
الثالث : أورد الحافظ في "المطالب" حديث الترجمة بتمامه معزواً لأحمد بن
منيع (1) وسكت عنه ، وقال البوصيري في "الإتحاف لما في (كتاب الطهارة) قبيل
(باب فضل الوضوء وإسباغه) :
"سنده ضعيف ؛ لضعف يحيى بن عبيدالله" .
وقلَّده الشيخ الأعظمي فيما علقه على "المطالب " ، ولم يدر أن يحيى هذا
متروك متهم ؛ كما تقدم . أو لعله درى وجمد ؛ لأنه لا علم عنده يساعده على تمييز
الخطأ من الصواب ؛ كما يدل على ذلك تعليقاته على الكتاب المذكور ، و "كشف
الأستار" ، ولعله ساعده على ذاك الجمود أنه رأى عالماً فاضلاً وافق البوصيري على
ذلك التضعيف ، ألا وهو الحافظ السخاوي في "المقاصد الحسنة" (449/1255)!
فهو إذن يعرف الحق بالرجال ، وليس يعرف الرجال بالحق ، خلافاً لما عليه أهل العلم
والحق!
الرابع : لفظ ابن منيع في "المقاصد" :
"نعم البيت الحمام ؛ فإنه يذهب بالوسخ ، ويذكر الآخرة" .
فأقول : وهذا خطأ من السخاوي رحمه الله تبعه عليه ابن الديبع في "تمييزه "
(178) ، والزرقاني في "مختصر المقاصد" (197/1149) ، والعجلوني في "كشف
الخفاء"! وهكذا يقلد بعضهم بعضاً ، لا تحقيق ولا تدقيق! ووجه الخطأ من نواحٍ :
__________
(1) قلت : وكذلك رواه البيهقي في "شعب الإيمان " (6/160/7779) .

(13/552)


الأولى : أن لفظ ابن منيع غير هذا وأتم منه كما تقدم .
الثانية : أنه بهذا اللفظ ليس مرفوعاً ؛ وإنما هو موقوف .
الثالثة : أنه ليس في إسناده ذاك الواهي الذي في إسناد ابن منيع .
الرابعة : أنه صحيح ، أخرجه البيهقي في "السنن " (7/309) من حديث
أبي الدرداء أنه كان يدخل الحمام فيقول :
"نعم البيت الحمام ... " إلخ ؛ إلا أنه قال : "ويذكر النار" .
وإسناده صحيح . وتقدم نحوه عن أبي هريرة موقوفاً أيضاً .
ثم قال البيهقي :
وروينا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أنه قال : "نعم البيت ... " . وقد وصله
في "الشعب " (6/ 7781) من طريق عطية الجدلي عنه . وعطية هو : العوفي
ضعيف .
قلت : وصح عنه أنه كان يدخل الحمام ...
أخرجه الطبراني (12/ 266/13068) بسند صحيح .

6256 - ( إِنَّ الْمُسْلِمَةَ إِذَا حَمَلَتْ كَانَ لَهَا أَجْرُ الْقَائِمِ الصَّائِمِ الْمُحْرِمِ
الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، حَتَّى إِذَا وَضَعَتْ ؛ فَإِنَّ لَهَا بِأَوَّلِ رَضْعَةٍ تُرْضِعُهُ
أَجْرَ حَيَاةِ نَسَمَةٍ ) .
منكر جداً .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (4/345/2460) بسند صحيح
عن حسين عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :

(13/553)


"من تسع وتسعين امرأة واحدة في الجنة ، وبقيتهن في النار" . فاشتد ذلك
على من حضر رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المهاجرين ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ آفته الحسين هذا - وهو : ابن قيس الرحبي
الملقب بـ "حنش " - وهو متروك الحديث كما قال أحمد والنسائي وغيرهما . وقال
البخاري :
"أحاديثه منكرة جداً ، ولا يكتب حديثه " .
وكذا قال الجوزجاني كما في "التهذيب " .
والحديث مما فات على الهيثمي ؛ فلم يورده في "مجمع الزوائد" وهو على
شرطه ، كما فات ذلك على السيوطي ؛ فلم يستدركه في "اللآلي" (2/175) على
ابن الجوزي الذي أورد في "الموضوعات " (2/273 - 274) حديثين آخرين ؛ أحدهما
عن أبي هريرة ، والآخر عن أنس ، وحكم بوضعهما ، ووافقه السيوطي ، وكذا ابن
عراق ، ولكنه قال (2/211) :
"وتعقب بأن له طريقاً آخر من حديث عبدالرحمن بن عوف ، أخرجه أبو
الشيخ . قلت : فيه عبدالرحيم ، وأظنه ابن زيد العمي ، وإلا فهو مجهول ، وأنا لا
أشك أنه موضوع . والله أعلم " .

6257 - (سيأتي من بعدي رجل يقال له : النُعْمانُ بن ثابت ، ويُكْنَى
أبا حنيفة ؛ لَيَحْيَيَنَّ دينُ الله وسنتي على يَدَيْه ) .
موضوع .
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (2/288 - 289) من طريق محمد
ابن يزيد بن عبدالله السلمي قال : نبأنا سليمان بن قيس عن أبي المعلى بن
المهاجر عن أبان عن أنس مرفوعاً ، وقال الخطيب :

(13/554)


"لم أكتب هذا الحديث إلا من هذا الوجه ، وهو باطل موضوع ، ومحمد بن
يزيد متروك الحديث ، وسليمان بن قيس وأبو المعلى مجهولان ، وأبان بن أبي
عياش رمي بالكذب " .
قلت : وأقره الحافظ في "اللسان" . وأبان وإن كان متهماً بالكذب ؛ فإني أرى
أن الآفة من أحد هؤلاء المجهولين الجهلة ، ولا أستبعد أن يكون من متعصبة الحنفية
الذين يستحلون الكذب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عصباً لإمامهم رحمه الله .

6258 - ( بكى شعيبٌ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حبِّ الله حتى عَمِيَ ، فردَّ
الله إليه بصره ، وأوحي إليه يا شعيبُ ! ما هذا البكاء؟ أشوقاً إلى
الجنة أم خوفاً من النار؟ قال : إلهي وسيدي أنت تعلم ما أبكي شوقاً
إلى جنتك ، ولا خوفاً من النار ؛ ولكني اعتدت حبك بقلبي فإذا
نظرت إليك ؛ فما أبالي ما الذي يصنع بي . فأوحي الله إليه : يا شعيب !
إن يك ذلك حقاً فهنيئاً لك لقائي ، يا شعيب ! لذلك آخذُ منك
موسى بن عمران كليمي ) .
موضوع .
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (6/315) ، ومن طريقه ابن عساكر
في "تاريخه " (2/863) ، وكذا ابن الجوزي في "العلل " (1/49 - 50) قال : أخبرنا
أبو سعد - من حفظه - : حدثنا أبي بسنده عن إسماعيل بن عياش عن بحير بن
سعد عن خالد بن معدان عن شداد بن أوس مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد موضوع ؛ آفته أبو سعد هذا - واسمه : إسماعيل بن علي بن
الحَسَن تن بن بندار الواعظ الإستراباذي - ؛ بل وأبوه ، وكلاهما كذاب ، وفي ترجمة
الابن أورده الخطيب وقال فيه :

(13/555)


"قدم علينا بغداد حاجاً ، وسمعت منه بها حديثاً واحداً مسنداً منكراً " .
ثم ساق هذا . وتعقبه ابن عساكر ؛ فقال :
"رواه الواحدي عن أبي الفتح محمد بن علي الكوفي عن علي بن الحسن بن
بندار ، كما رواه ابنه إسماعيل عنه ؛ فقد برئ من عهدته" . زاد :
"والتصقت الجناية بأبيه ، وسيأتي ، وإسماعيل مع ذلك متهم" .
وقال الذهبي في "الميزان" :
"هذا حديث باطل لا أصل له" . وأقره الحافظ . ثم نقل عن السمعاني أنه قال :
"كان يقال له : كذاب ابن كذاب ، وكان يقص ويكذب" .
قلت : وخفي هذا كله على ابن الجوزي ، فأعله بإسماعيل بن عياش ، وهو ثقة
في روايته عن الشاميين ، وهذه منها ، مع أنه قال :
"هذا حديث لا أصل له ، قال الخطيب : هو حديث منكر" .
ولو أنه علم ما تقدم من كون الحديث من رواية الكذاب عن الكذاب ؛ لأورده في
"الموضوعات " .

6259 - ( ما من آدمي أحد إلا في رأسه سلسلتان : إحداهما في
السابعة ، والأخرى في الأرض السابعة ، فإذا تواضع ؛ رفعه الله بالسلسلة
التي في السماء ، وإذا أراد أن يرفع نفسه ؛ وضعه الله [بالسلسلة التي
في الأرض] ) .
منكر .
أخرجه البزار (4/223/3581 - كشف الأستار) ، والخرائطي في "مساوئ
الأخلاق " (259/588) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (6/277/8142) ، والديلمي

(13/556)


في "مسنده" (3/24) من طريق ابن لال كلهم عن زمعة بن صالح عن سلمة بن
وهرام عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً . وقال البزار :
"لا ثعلمه يروى عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ "إلا بهذا الإسناد ".
قلت : وهو ضعيف ؛ علته زمعة ، وبه أعله الهيثمي فقال في "المجمع " (8/83) :
"والأكثر على تضعيفه ، وبقية رجاله ثقات " . وقال الحافظ في "التقريب " :
"ضعيف ، وحديثه عند مسلم مقرون " .
قلت : وسلمة بن وهرام مختلف فيه أيضاً ، ولعله خير من زمعة ؛ فقد قال
الحافظ فيه :
"صدوق".
والحديث عزاه السيوطي للخرائطي في "مساوئ الأخلاق ! ، والحسن بن سفيان
وابن لال والديلمي . "الجامع الكبير" .
قلت : وهو عندي منكر بهذا اللفظ ؛ فقد جاء من طريق أخرى عن ابن
عباس وعن غيره دون ذكر السلسلتين ، وهو المعروف ؛ ولذلك خرجته في
"الصحيحة" (538) .

6260 - ( قَالَ جِبْرِيْلُ : يَا مُحَمَّدُ ! إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ
عَشْرَ مَرَّاتٍ ؛ اسْتَوْجَبَ الأَمَانَ مِنْ سَخَطِهِ ) .
منكر .
أخرجه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (13/296) بإسناده عن بَقِيِّ
ابنِ مَخْلَدٍ : حدثنا هانئ بن المتوكل عن معاوية بن صالح عن رجل عن مجاهد
عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : لو أَنِّي أَنْسَى ذِكْرَ اللهِ مَا تَقَرَّبْتُ إِلَى اللهِ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ : ... فذكره .

(13/557)


قلت : وهذا إسناد ضعيف ، سكت عنه الذهبي لظهور ضعفه ، وله علتان :
الأولى : جهالة الرجل الذي لم يسمَّ ، وبه أعله المعلق على "السير" ؛ فقصر .
والأخرى : ضعف هانئ بن المتوكل ، قال الذهبي في "الميزان " :
"عمّر دهراً طويلاً - لعله أزيد من مائة سنة - ومات سنة اثنتين وأربعين
ومائتين ، قال ابن حبان : كان تدخل عليه المناكير ، وكثرت ؛ فلا يجوز الاحتجاج
به بحال . فمن مناكيره ... " .
ثم ساق له ثلاثة مناكير ، تقدم اثنان منها برقم (1077 و 1522) ، والثالث
هو الآتي بعده . وليس شيء منها عند ابن حبان ، خلافاً لما يشعر به كلام الذهبي .
ولعل أصل الحديث ما أخرجه البخاري في "التاريخ " (1/2/ 360) من حديث
أنس : قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"قال جبريل : من صلى عليك ؛ له عشرحسنات " .
وهو - وإن كان إسناده ضعيفاً - ؛ فله شواهد يتقوى بها من حديث عبدالرحمن
ابن عوف ، والبراء بن عازب ، وأبي بردة بن نيار ، وأبي طلحة الأنصاري ، وهي
مخرجة في "الترغيب والترهيب " (2/278 - 279) ، وبعضها في "فضل الصلاة
على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لإسماعيل القاضي (ص 6 - 7) .

6261 - (أوحى اللهُ إلى عيسى عليه السلامُ : أن يا عيسى! انتقل
من مكان إلى مكان ؛ لئلا تُعرف ؛ فئُؤذى ، فوعزتي وجلالي لأزوجنك
ألفَي حوراء ، ولأُوْلِمَنَّ عليك مائة عام ) .
منكر إن لم يكن موضوعاً .
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (3/332) ، ومن
طريقه ابن عساكر في "تاريخه " (16/86 -87) من طريق محمد بن الوليد بن

(13/558)


أبان العقيلي أبي الحسن المصري : حدثنا هانئ بن المتوكل الاسكندراني قال :
قلت لحيوة بن شريح : أراك رجلاً صالحاً ، وأراك مأوى للخير ، وأراك تنتقل من
مكان إلى مكان ؛ ولست أرى أثر غنى بك ؟ فقال حيوة : ولِمَ سألتني عن هذا ؟
فقلت : أردت أن ينفعني الله بك . فقال : حدثني الوليد بن أبي الوليد عن شفي
ابن ماتع الأصبحي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا موضوع عندي ، لوائح الوضع والتصوف عليه بادية ، وقد ذكره
الذهبي في منكرات هانئ بن المتوكل كما سبقت الإشارة إليه من قبل هذا . وأما
الخطيب وابن عساكر فأورداه في ترجمة العقيلي هذا برواية جمع عنه ، مات سنة
(287) ، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وقال ابن عساكر :
"ولم يذكره ابن يونس في (تاريخ المصريين) " .
وأورده ابن حبان في " الثقات " (9/136) وقال :
"يروي عن عبيدالله بن موسى وأهل العراق ، حدثنا عنه القطان وشيوخنا ،
ربما أخطأ وأغرب " .
قلت : وفرَّق الحافظ بين هذا وبين محمد بن أبان القلانسي البغدادي مولى
بني هاشم المتهم بالوضع والكذب ، وسبقه إلى ذلك الذهبي ؛ فقال في آخر ترجمة
القلانسي :
"فأما محمد بن الوليد بن أبان البغدادي المصري ؛ فما علمت به بأساً " .
وأما الخطيب ففرَّق بين هذا المصري ، وبين محمد بن الوليد بن أبان مولى
بني هاشم الراوي عن عبيدالله بن موسى ، وسوَّى بينهما ابن عدي . فالله أعلم ،
فالأمر بحاجة إلى مزيد من التحرير والتحقيق . وانظر "تيسير انتفاع الخلان بثقات
ابن حبان " .

(13/559)


والحديث ؛ ورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية ابن عساكر وحده ،
وقال :
"فيه هانئ بن المتوكل الإسكندراني ؛ قال في "المغني " : مجهول " .

6262 - ( قال لي جبريل: يا محمد ! إن ربك ليخاطبني يوم القيامة
فيقول: يا جبريل ! مالي أرى فلان بن فلان في صفوف النار، فأقول :
يا رب ! إنه لم توجد له حسنة يعود عليه خيرها، فيقول: فإني سمعته
يقول في دار الدنيا : يا حنان يا منان ! فأتِه فاسأله ما أراد بقوله : يا
حنان يا منان ! قال: فآتيه فأسأله فيقول هل من حنان أو منان
غير الله ؟ فآخذ بيده من صفوف أهل النار ، فأدخله في صفوف أهل الجنة ) .
منكر .
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (61/210) من طريق الفضل بن عيسى :
ثنا محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد واهٍ ؛ آفته الفضل بن عيسى - وهو : الرقاشي - ؛ قال ابن
عدي في "الكامل"(6/14) :
"الضعف بيِّن على ما يرويه " . وقال ابن حبان في "الضعفاء" (21/211) :
"يروي المناكير عن المشاهير" .
قلت : وهو مجمع على ضعفه كما في "مغني الذهبي" ، وقال الحافظ :
"منكر الحديث " .
والحديث عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (5/332) و"الجامع الكبير" للحكيم
الترمذي فقط!

(13/560)


6263 - ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي مِنْ الرِّيَاشِ مَا أَتَجَمَّلُ بِهِ فِي
النَّاسِ ، وَأُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي ) .
ضعيف .
أخرجه أحمد في "مسنده " (1/157) ، وكذا ابنه عبدالله في "زوائده "
وأبو يعلى في "مسنده " (1/253 - 254) من طريق مختار بن نافع التمار عن أبي
مطر : أنه رأى علياً أتى غلاماً حدثاً ، فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم ، ولبسه
إلى ما بين الرسغين إلى الكعبين يقول ولبسه : ... فذكره ، فقيل : هذا شيء ترويه
عن نفسك أو عن نبي الله صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قال : هذا شيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله
عند الكسوة : الحمد لله الذي ... إلخ . ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني أيضاً
في "كتاب الدعاء " (2/978/395) .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ علته أبو مطر - وهو : البصري - ، مجهول اتفاقاً .
ومختار بن نافع التمار ضعيف ؛ لكنه قد توبع ، فأخرجه أبو يعلى (1/274 -
275) من طريق أبي المحياة ، والطبراني (رقم 394) عن معمر بن زياد كلاهما عن
أبي مطر ... به .
وأبو المحياة - اسمه : يحيى بن يعلى - وهو ثقة من رجال مسلم .
وأما معمر بن زياد ؛ فلم أعرفه في غير هذه الرواية .
ومن هذا التخريج يتبين لك خطأ قول الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/119) :
"رواه أحمد وأبو يعلى ، وفيه مختار بن نافع ، وهو ضعيف " .
والخطأ من وجهين :
الأول : أنه أعله بالمختار الضعيف ، وهو متابع من أبي المحياة الثقة كما عرفت .
والآخر : أنه لم يعزه لعبدالله بن أحمد وقد أخرجه كما تقدم .

(13/561)


وللحديث شاهد في فضل هذا القول عند لبس الثوب الجديد من حديث أبي
أمامة مرفوعاً ... به .
أخرجه الحاكم وغيره ، وإسناده واهٍ ، وله طريق أخرى عنه رواه الترمذي
واستغربه . وهما مخرجان فيما تقدم برقم (4649) .
وحديث الترجمة أورده الدكتور إسماعيل منصور فيما صماه "تذكير الأصحاب
بتحريم النقاب " (ص 69) من رواية أحمد ساكتاً عنه ؛ مما يدل على أنه كغيره من
المؤلفين المعاصرين جمَّاع حطّاب لا معرفة له بهذا العلم الشريف ، وقد ذكرت له
مثالاً آخر في السلسلة الأخرى تحت الحديث (3124) .

6264 - ( إِنَّ لِلَّهِ جُلَسَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ - وَكِلْتَا يَدَيِ
اللَّهِ يَمِينٌ - عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ ، وُجُوهُهُمْ مِنْ نُورٍ ، لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ ، وَلا
شُهَدَاءَ ، وَلا صِدِّيقِينَ . قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : الْمُتَحَابُّونَ
بِجِلالِ اللَّهِ تَعَالَى ) (*) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/134/12686) من طريق
يعقوب عن عنبسة (كذا) عن حبيب بن أبي ثابت عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ عنبسة هذا لم أعرفه ، وأخشى أن يكون محرفاً
من "عيسى" ، فإن صحَّ ذلك ؛ فهو عيسى بن جارية المدني الأنصاري ، فإنه من
شيوخ يعقوب - وهو : ابن عبدالله بن سعد القمي - وفي هذا ضعف ؛ قال الحافظ :
__________
(*) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن : " يُبدّل ، فقد حسنته لغيره في (الحب في
الله) من "الترغيب"[3022]". ويُنظر رقم (1508) من "صحيح الترغيب" . وقد آثرنا إبقاءه
للفائدة . (الناشر) .

(13/562)


"صدوق يهم " .
وقال في شيخه عيسى :
"فيه لين " .
وحبيب بن أبي ثابت ثقة من رجال الشيخين ؛ لكنه كان كثير التدليس ؛
كما في "التقريب " .
والحديث قال الهيثمي في "المجمع "(10/277) :
"رواه الطبراني ، ورجاله وثِّقوا" . وأما المنذري فقال في "الترغيب" (4/47) :
"رواه أحمد بإسناد لا بأس به " .
قلت : فغزوه لأحمد خطأ ، لعله من النسّاخ ، أو سبق قلم من المؤلف . والله
سبحانه وتعالى أعلم .
ثم وجدت للحديث شاهداً من حديث عمرو بن عبسة ، نحوه وأتم منه ، وقال
فيه المنذري (2/234/10) :
"رواه الطبراني ، وإسناده مقارب لا بأس به " .
ونحوه قول الهيثمي (10/77) :
"... ورجاله موثقون " .
ولم أقف على إسناده لأنظر هل يصلح للشهادة أم لا ؛ فإن أحاديث (عمرو بن
عبسة) من "المعجم الكبير" لم أرها فيه ، فإذا تبين صلاحه للشهادة ؛ نقل إلى
"الصحيحة " ، وما أظنه بصالح ؛ فقد أخرجه الطبراني في "المعاجم الثلاثة" بإسناد
حسن عن عمرو بن عبسة ، وليس فيه جملة اليمين إلا في رواية المنذري عن
الطبراني ، وهو مخرج في " الروض النضير" (753) .

(13/563)


ثم وجدت في شيوخ يعقوب القمي (عنبسة بن سعيد بن الضُّرَيْس الأسدي)
- وهو ثقة - ؛ فاحتمل أنه هو الذي لم ينسب هذا ، لكنهم لم يذكروا في شيوخه
(حبييب بن أبي ثابت) ؛ وإنما (حبيب بن أبي عمرة) ، فهل تحرف (عمرة) في
رواية الطبراني إلى ثابت ، أو العكس؟ هذا ما لم يظهر لي .
ثم رأيت الحديث عزاه ابن كثير في كتابه الكبير "جامع المسانيد" (30/84/
143) للطبراني فقط .

6265 - (إن الولدَ لفتنةٌ ؛ لقد قمتُ إليه وما أعْقِلُ )
منكر .
أخرجه بن أبي شيبة في "المصنف " (12/99) : حدثنا عيسى بن
يونس عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير :
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع بكاء الحسن والحسين ، فقام فزعاً فقال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات ، لكنه معضل ؛ فإن يحيى بن أبي
كثير - مع فضله وثقته - كان كثير التدليس والإرسال ؛ كما قال العلائي في "جامع
التحصيل " (369/880) ، وقال :
"وقال أبو حاتم وأبو زرعة والبخاري وغيرهم : لم يدرك أحداً من الصحابة إلا
أنس بن مالك ؛ فإنه رآه رؤية ، ولم يسمع منه " .
قلت :
ومع هذا الإعضال ، فقوله : "وما أعقل" منكر جداً عندي ، وقد جاءت هذه
القصة مسندة من حديث بريدة بن الحصيب بأتم مما هنا ، وفيه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"رأيت هذين فلم أصبر" .

(13/564)


فهذا هو المحفوظ . وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1016) ، و "المشكاة"
(6159) .
وقد روي الحديث مسنداً من طريق أخرى بنحوه ، وهو الآتي :

6266 - ( قَاتَلَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ ، إِنَّ الْوَلَدَ فِتْنَةٌ ، وَاللَّهِ ! مَا عَلِمْتُ أَنِّي
نَزَلْتُ عَنِ الْمِنْبَرِ حَتَّى أُوتِيتُ بِهِ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/33 - 34) : حدثنا عبد الله
ابن علي الجارودي النيسابوري : ثنا أحمد بن حفص : حدثني أبي : ثنا إبراهيم
ابن طهمان عن عباد بن إسحاق عن زيد بن أبي العتاب عن عبيد بن جريج عن
عبدالله بن عمر قال :
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ ، فَخَرَجَ الْحَسَنُ بن عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ فِي عُنُقِهِ خِرْقَةٌ يَجُرُّهَا ، فَعَثَرَ فِيهَا فَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِنْبَرِ يُرِيدُهُ ، فَلَمَّا أَخَذُوا الصَّبِيَّ ، فَأَتَوْهُ بِهِ ، فَحَمَلَهُ ، فَقَالَ :
... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات من رجال "التهذيب" ؛ غير شيخ
الطبراني عبدالله بن علي الجارودي ؛ فلم أجد له ترجمة . وقال الهيثمي في "مجمع
الزوائد" (8/ 155) :
"رواه الطبراني عن شيخه حسن - ولم ينسبه - عن عبدالله بن علي الجارودي ،
ولم أعرفهما ، وبقية رجاله ثقات " .
كذا وقع فيه ، وتعقبه أخونا حمدي السلفي في التعليق عليه بقوله :

(13/565)


"قلت : ليس في نسختنا "حسن " ، وإنما رواه عن شيخه عبدالله بن علي
الجارودي ؛ كما ترى" .
وأقول : الظاهر أن ذكر "حسن " في إسناد الحديث إنما هو زيادة من بعض
نساخ نسخة الهيثمي التي نقل الحديث منها من "المعجم الكبير" ؛ فإن الطبراني
قد روى في "المعجم الأوسط " (1/73/4641 - 4642) عن شيخه عبدالله بن
علي الجارودي حديثين آخرين عن أحمد بن حفص قال : حدثني أبي قال : ثنا
إبراهيم بن طهمان ... فذكرهما بإسنادين آخرين له ، كلاهما ينتهي إلى كعب
ابن عجرة ، أحدهما بلفظ :
"أعاذك الله من أمراء يكونون بعدي ... " الحديث .
وقد أخرجه الطبراني في "الكبير" أيضاً (19/135/298) ، و" الصغير"
(ص 130 - هندية) ، وهو مخرج في "الروض النضير" (845) .
والآخر في كيفية الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وأخرجه في "الكبير" أيضاً (19/132/292) . وأخرجه فيهما من طرق
أخرى ، وهو مخرج في " الروض" أيضاً (843) وغيره .
وجملة القول : إنه لا أصل لذكر "حسن" في إسناد هذا الحديث ، ولا في غيره
من رواة الطبراني عن عبدالله بن علي الجارودي ، وأن علة الحديث هو الجارودي
هذا ، فإن توبع من ثقة ؛ فالحديث جيد . والله سبحانه وتعالى أعلم .
وقد روي الحديث مختصراً عن زيد بن أرقم قال :
خرج الحسن بن علي وعليه بردة ، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب ، فعثر الحسن ؛
فسقط ، فنزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنبر ، وابتدره الناس فحملوه ، وتلقاه رسول الله

(13/566)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحمله ووضعه في حجره ، وقال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"إن الولد لفتنة ؛ ولقد نزلت إليه وما أدري أين هو ؟ " .
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (4/ 511) من طريق محمد بن سعد : أنا
علي بن محمد عن أبي معشرعن محمد الصيرفي عنه .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ أبو معشر - واسمه " نجيح - ضعيف . وعلي بن
محمد الراوي عنه لم أعرفه . وكذلك شيخه محمد الصيرفي . ومن المحتمل أن
يكون "الصيرفي " محرفاً من "القرظي " ؛ فإن أبا معشر معروف بالرواية عن محمد
ابن كعب القرظي ، وهو تابعي ثقة . والله أعلم .
وجملة القول : إن هذه القصة صحيحة ، ولكن الرواة اختلفوا فيما قاله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حين نزل إلى الحسن ، ففي حديث زيد بن أرقم :
"وما أدري أين هو ؟ " .
وفي حديث الترجمة عَنْ ابْنِ عُمَرَ :
" ما علمت أني نزلت عن المنبر حتى أوتيت به " .
وفي الحديث الذي قبله :
" لقد قمت إليه وما أعقل " .
وكل هذه الألفاظ منكرة . والمحفوظ أن القصة وقعت للحسن والحسين ، وأنه
!ر قال :
"رأيت هذين ؛ فلم أصبر" ؛ كما تقدم ذكره تحت الحديث المشار إليه . والله
أعلم .

(13/567)


6267 - ( يكون في آخر الزمان قوم يُنْبَزُون : الرافضة ؛ يَرْفضون
الإسلام ويَلفِظونه ، فاقتلوهم فإنهم مشركون ) .
ضعيف .
أخرجه عبه بن حميد في "المنتخب من المسند" (1/591/697) ،
وابن أبي عاصم في "السنة" (2/475/981) ، وأبو يعلى (4/459/2586) ، والعقيلي
في "الضعفاء" (1/285) ، وكذا البيهقي في "الدلائل" (6/548) ، وابن عدي في
"الكامل" (5/ 90) ، والطبراني في " المعجم الكبير" (12/242/12997) ، وأبو نعيم
في "الحلية" (4/95) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل" (1/160/256) من
طريق عمران بن زيد التغلبي : حدثني الحجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن
عبدالله بن عباس مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ عمران التغلبي - بالتاء المثناة من فوق والغين
المعجمة ، وقيل : بالثاء المثلثة والعين المهملة ، (انظر التعليق على "الإكمال"
و"الخلاصة ، للخزرجي) - وهو ضعيف .
ومثله الحجاج بن تميم ؛ بل قال فيه الذهبي :
" واهٍ ".
وأما قول الهيثمي في "المجمع ، (9/22) :
"رواه أبو يعلى والبزار والطبراني ، ورجاله وثِّقوا ، وفي بعضهم خلاف " .
فهو من تساهله ؛ لأنه ليس كل خلاف يعتذ به ، ولا سيما إذا لم يكن هناك
إلا مخالف واحد ، وبخاصة إذا كان هذا المخالف هو ابن حبان المعروف عند العلماء
بتساهله في التوثيق! ولهذا قال ابن الجوزي عقب الحديث :
"وهذا لا يصح ، قال العقيلي : حجاج لا يتابع عليه ، وله غير حديث لا يتابع

(13/568)


عليه . وعمران بن زيد ؛ قال يحيى : لا يحتج بحديثه" .
وأقول : هو خير من شيخه الحجاج بن تميم ؛ كما عرفت من قول الذهبي فيه ،
ولا سيما وقد توبع من قبل يوسف بن عدي : ثنا الحجاج بن تميم ؛ بإسناده المتقدم
عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال :
كنت عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وعنده علي ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"يا علي! سيكون في أمتي قوم ينتحلون حبنا أهل البيت ، لهم نبز يسمون
الرافضة ، فاقتلوهم ... " الحديث .
أخرجه الطبراني برقم (12998) ، وعنه أبو نعيم أيضاً ، ومن طريقه ابن الجوزي
برقم (257) وقال :
"وهذا لا يصح ، وقد ذكرنا أن الحجاج لا يتابع على حديثه " .
وأما الهيثمي فقال :
"روإه الطبراني ، وإسناده حسن" !
كذا قال ، وهو من تساهله الذي أشرت إليه آنفاً ، وخلاصته : أنه اعتمد توثيق
ابن حبان للحجاج هذا ، وأعرض عن تجريح من جرحه ، مع أنه لا يخفى عليه
تساهل ابن حبان في التوثيق . ولذلك هو نفسه يشير إلى ذلك أحياناً بقوله فيمن
وثقه ابن حبان :
"وثق" أو : "وثقوا" ؛ كما تقدم نقله عنه آنفاً . وقد عرفت مما سبق قول الذهبي
فيه :
"واهٍ " . وسبقه إلى مثله الإمام النسائي ، فقال فيه :

(13/569)


"ليس بثقة" .
قلت : فالإسناد ضعيف جداً . وأحسن حالأ منه حديث علي رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"سيأتي بعدي قوم لهم نبز يقال لهم : الرافضة ، فإذا لقيتموهم ؛ فاقتلوهم ؛
فإنهم مشركون " .
قلت : يا رسول الله! ما العلامة فيهم ؟ قال :
"يقرظونك بما ليس فيك ، ويطعنون على أصحابي ويشتمونهم " .
أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/474/979) من طريق أبي سعيد
محمد بن أسعد التغلبي : حدثنا عبثر بن القاسم أبو زبيد عن حصين بن
عبدالرحمن عن أبي عبدالرحمن السلمي عن علي ... به .
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير التغلبي هذا ؛ فقال أبو زرعة والعقيلي :
"منكر الحديث " .
وقد روي من طريق أخرى واهية عن علي مختصراً بلفظ :
لايكون قوم نبزهم الرافضة يرفضون الدين " .
أخرجه البخاري في "التاريخ ، (1/1/279 - 280) ، وابن أبي عاصم أيضاً
رقم (978) ، وعبدالله بن أحمد في "زوائد المسند" (1/103) ، ومن طريقه ابن
الجوزي برقم (252) ، والبزار في "مسنده" (2/138/499 - مكتبة العلوم) ، وابن
عدي في "الكامل " (6/66) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/547) كلهم من
طريق أبي عقيل يحيى بن المتوكل عن كثير النوّاء عن إبراهيم بن الحسن بن

(13/570)


الحسن بن علي بن أبي طالب - أخي عبدالله بن الحسن الهاشمي - عن أبيه عن
جده عن علي ... به . وقال ابن الجوزي :
"لا يصح ، يحيى بن المتوكل قال فيه أحمد : - واهي الحديث . وقال ابن
معين : ليس بشيء . وكثير النواء ضعفه النسائي " .
قلت : وفي ترجمته أورده ابن عدي ، وروى عن السعدي أنه قال :
" كثير النواء متروك " . وبه أعله الهيثمي فقال في "المجمع" (10/22) :
"رواه عبدالله ، والبزار ، وفيه كثير بن إسماعيل النواء ؛ وهو ضعيف " .
قلت : وهذا تقصير ؛ لأنه يوهم أنه ليس فيه من هو أولى بالإعلال به منه ،
وليس كذلك ، فإن فيه عندهما أيضاً يحيى بن المتوكل - كما رأيت في التخريج - ،
وهو أشد ضعفاً من كثير ؛ كما يشعر به قول أحمد المذكور ، ومثله قول ابن حبان
في "الضعفاء" (3/116):
"منكر الحديث ؛ ينفرد بأشياء ليس لها أصول ، لا يرتاب الممعن في الصناعة
أنها معمولة " .
قلت : لكنه لم يتفرد به خلافاً لما أشار إليه ابن عدي عوله :
"وهذا يعرف بأبي عقيل" ، فقد تابعه أبو سهل قال : أخبرني كثير النواء ...
به ، ولفظه :
"يخرج قبل قيام الساعة قوم يقال لهم : الرافضة ؛ برءاء من الإسلام " .
أخرجه البيهقي .
وأبو سهل هذا هو : محمد بن عمرو الأنصاري الواقفي ، وهو في الضعف مثل

(13/571)


أبي عقيل ؛ فقد اتفقوا على تضعيفه ، بل كان يحيى بن سعيد يضعفه جداً . ثم
تناقض فيه ابن حبان فذكره في "الثقات" أيضاً (7/439) وقال :
" يخطئ"!
هذا ، وقد جعل المعلق على "مسند أبي يعلى" حديث كثير النواء شاهداً
لحديث الترجمة ، وأرى أنه لا يصلح للشهادة ؛ لأنه مختصر ليس فيه :
"فاقتلوهم فإنهم مشركون " .
وقد رويت هذه الزيادة من أوجه أخر كلها ضعيفة - كما قال البيهقي -
وبعضها أشد ضعفاً من بعض ، وقد كشف ابن الجوزي عن عللها ، ثم الهيثمي .
ولذلك فلم تطمئن النقس لتقوية الحديث بمجموعها ، وقد أشار البيهقي إلى ذلك
بقوله في الباب الذي عقده لها :
" إن صح الحديث" . والله سبحانه وتعالى أعلم .
وقد روي الحديث بإسناد آخر من حديث فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وقع في اسم
أحد رواته تحريف من متهم بالكذب إلى ثقة ؛ فاقتضى إفراده بالتخريج برقم (6541) .

6268 - (إليكَ إليكَ ؛ فإنَّ كل بائلَةٍ تَفِيخُ ) .
ضعيف جداً .
أخرجه ابن عدي في "الكامل ، (4/108) من طريق طلحة
ابن عمرو عن عطاء عن أبي هريرة :
أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبول ، فقال : ... فذكره .
أورده في ترجمة طلحة هذا - وهو : الحضرمي - وروى تضعيفه عن جمع من
الأئمة ، وعن أحمد والنسائي :

(13/572)


"متروك الحديث " .
ثم ساق له أحاديث هذا أحدها ، وقال :
"وهذه الأحاديث عامتها مما فيه نظر" . وقال الحافظ في "التقريب " :
"متروك " .
وقد روي مرسلاً ؛ فقال أبو عبيد في "غريب الحديث " (ق 47/ 1) :
حدثنيه محمد بن ربيعة الرؤاسي عن ابن جريج عن عبدالله بن عبيد بن
عمير رفعه .
وهذا إسناد مرسل رجاله ثقات ؛ لكن ابن جريج مدلس .
ومحمد بن ربيعة الرؤاسي - وهو : الكلابي - وهو ثقة من رجال "التهذيب " .
(فائدة) : قوله : "تفيخ" يعني أن من يبول يخرج منه الريح ، وأنّثَ (البائل)
ذهاباً إلى النفس . كذا في "النهاية" .

6269 - ( كان إذا خرج في غزاة ؛ كان آخر عهده بفاطمة ، وإذا قدم
من غزاة ؛ كان أول عهده بفاطمة رضوان الله عليها ، فإنه خرج لغزو
تبوك ومعه عليّ رضوان الله عليه ، فقامت فاطمة فبسطت في بيتها
بساطاً ، وعلقت على بابها ستراً ، وصبغت مِقْنَعَتَها بزعفران ، فلما قدم
أبوها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ورأى ما أحدثت ؛ رجع فجلس في المسجد ، فأرسلت إلى
بلال فقالت : يا بلال اذهب إلى أبي ، فسَلْه ما يرده عن بابي ، فأتاه ،
فسأله ، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« إني رأيتها أحدثتْ ثَمَّ شيئاً ».

(13/573)


فأخبرها ، فهتكت الستر ، ورفعت البساط ، وألقت ما عليها ،
ولبست أطمارها ، فأتاه بلال فأخبره ، فأتاها فاعتنقها وقال :
« هكذا كوني ، فداك أبي وأمي » ) .
ضعيف .
أخرجه ابن حبان (2/41/ 695- الإحسان) من طريق إبراهيم بن
قُعَيْس عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات ؛ غير إبراهيم هذا ، وهو ضعيفة الحديث ؛ كما
قال ابن أبي حاتم عن أبيه (1/ 1/ 151) ، وأقره ابن الجوزي في كتابه "الضعفاء
والمتروكين " (1/47/103) ، وكذا الذهبي في "ضعفائه" ، و "الميزان" أيضاً . وأما
ابن حبان فذكره في "الثقات" (6/ 21 - 22) وقال :
" يروي عن نافع وأبي وائل . روى عنه العلاء بن المسيب وسليمان التيمي " .
قلت : فهو شبه مجهول مع تضعيف أبي حاتم إياه .
وأضيف إلى ذلك أنه قد خالفه فضيل بن غزوان الثقة المحتج به في
"الصحيحين" وبقية الستة ؛ فقد قال : عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ بهذه القصة باختصار
نحوه ، ولكنه لم يذكر :
1 - الغزوة .
2 - ولا البساط .
3 - وكذا الصبغ .
4 - والمسجد .
5 - وبلالاً ، وذكر مكانه علياً ، وأنه كان الواسطة بينها وبين أبيها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

(13/574)


6 - ولم يذكر اعتناقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها .
7 - ولا الجملتين المرفوعتين : "إني رأيتها أحدثت ... " ، و"هكذا كوني ... " .
8 - وذكر الفضيل مكانهما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "وما أنا والدنيا ، وما أنا والرقم؟ " .
9 - ولم يذكر هتكها للستر ، وما قرن معه .
10 - وزاد في آخره أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرها أن ترسل بالستر إلى أهل بيت بهم حاجة .
قلت : فمخالفة إبراهيم بن قُعيس للفضيل بن غزوان في بعض ما بينته
يكفي للاطمئنان لتضعيف أبي حاتم إياه ، فكيف بها وهي عشرة كاملة ؟! ولعل
ذلك من الأسباب التي كان الإمام أبو حاتم لحظها ؛ فضعفه . والله أعلم .
وقد سقت رواية الفضيل بتمامها ، وخرجتها في "الصحيحة" في المجلد
السابع برقم (3140) برواية أبي داود وغيره مطولاً ، بسند صحيح ، ورواية البخاري
مختصراً . والله ولي التوفيق .

6270 - ( مِنْ كرامتي أنِّي وُلِدتُ مختوناً ، ولم يرَ أحدٌ سَوْأَتي ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص 193 - هند) ، وفي "الأوسط "
(2/80/1/6284) ، والخطيب في "التاريخ " (1/329) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "العلل" (1/165/264) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (1/537 - مصورة
المدينة) من طرق عن سفيان بن محمد المصيصي قال : ثنا هشيم عن يونس بن
عبيد عن الحسن عن أنس مرفوعاً . وقال الطبراني :
"لم يروه عن يونس إلا هشيم ، تفرد به سفيان بن محمد" .
قلت : وهو متروك ، وقال الهيثمي (8/224) :

(13/575)


"متروك" . وقال ابن الجوزي عقب الحديث :
"قال ابن عدي : كان يسرق الأحاديث ، ويسوي الأحاديث ، وفي حديثه
موضوعات . وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به" .
قلت : وقد توبع ؛ فأخرجه أبو نعيم في "الحلية " (3/24) ، وفي "دلائل النبوة"
(ص 110 - بيروت) ، وابن عساكر (ص 538) من طريق نوح بن محمد بن نوح ،
زاد ابن عساكر : وأبي الفضل محمد بن عبدالله المرجاني قالا : أنبأنا الحسن بن
عرفة قال : ثنا هشيم بن بشير ... به . وقال أبو نعيم :
"غريب من حديث يونس عن الحسن ، لم نكتبه إلا من هذا الوجه"! .
وأعلّه ابن عساكر بقوله :
"وهذا إسناد فيه بعض مَن يجهل حاله ، وقد سرقه من ابن الجارود - وهو
كذاب - ؛ فرواه عن الحسن بن عرفة" .
ثم ساقه بإسناده عن أبي بكر محمد بن عبدالرحمن بن الجارود الرقي :
أنبأنا الحسن بن عرفة ... به" .
قلت : وابن الجارود الرقي هذا لم أره فيما عندي من المراجع ، مثل : "الميزان"
و"اللسان " وغيرهما مثل : "الأنساب" للسمعاني ، و"تاريخ الرقة" للقشيري الحراني .
والله أعلم .
ومثله أبو الفضل محمد بن عبدالله المرجاني ، لم أعرفه ، وهذه النسبة :
(المرجاني) لم يوردها السمعاني في "الأنساب" ، ولا ابن الأثير في "اللباب " .
وأما نوح بن محمد بن نوح ، فقد ذكره الذهبي في "الميزان " هكذا :

(13/576)


"نوح بن محمد الأبلي . روى عن الحسن بن عرفة حديثاً شبه موضوع " .
قلت : يعني هذا ، فقد ساقه الحافظ في "اللسان " من رواية أبي نعيم وقال عقبه :
"كلهم ثقات إلا نوحاً فلم أر من وثقه ، وقد روى هذا الحديث الحافظ ضياء
الدين في "المختارة" من هذا الوجه ، ومقتضاه على طريقته أنه حديث حسن " .
قلت : وقد فات الحافظ إشارة ابن عساكر إلى جهالة نوح هذا ، وقرينه محمد
ابن عبدالله المرجاني ؛ فلم يستدركه في "لسانه " على الذهبي ، ومثله ابن الجارود
الرقي الذي اتهمه ابن عساكر بالكذب والسرقة ، لم يستدركه الحافظ أيضاً .
وهذه فوائد في ترجمة هؤلاء الثلاثة ، تفرد بنقلها إلى القراء عن حافظ الشام
ابن عساكر كتابي هذا . فالحمد لته على توفيقه ، وأسأله المزيد من فضله .
(تنبيه) : "الأبلي" هكذا بالموحدة وقع في "الميزان" ، "والمغني" ، وأما "اللسان "
ففيه "الأيلي" بالمثناة ، وكذلك هو في "الحلية" ، ولم ينسب في "ابن عساكر" .
ثم إن الحديث قد روي عن بعض الصحابة من قولهم عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وليس من
قوله هو عن نفسه ، وهم : العباس بن عبدالمطلب ، وابنه عبدالله ، وأبو هريرة ، وعبدالله
ابن عمر .
1 - أما العباس ، فقال ابن سعد في "الطبقات " (1/103) : أخبرنا يونس بن
عطاء المكي : أخبرنا الحكم بن أبان العدني : أخبرنا عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عن
أبيه العباس بن عبدالمطلب قال :
ولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مختوناً مسروراً ، قال: وأعجب ذلك عبدالمطلب وحظي عنده ،
وقال : ليكونن لابني هذا شأن ، فكان له شأن .

(13/577)


ومن طريق ابن سعد أخرجه ابن عساكر (1/537) .
وتابعه سليمان بن سلمة الخبائري : ثنا يونس بن عطاء ... به .
أخرجه أبو نعيم في "الدلائل " (ص 110) ، والبيهقي في "دلائله" (1/114) ،
ومن طريقه ابن عساكر 1/(403) .
قلت : والخبائري هذا متهم ؛ لكن متابعة ابن سعد إياه تدفع التهمة عنه
وتعصبها بشيخهما يونس بن عطاء ؛ فإنه متهم ، قال ابن حبان : (3/141) :
"يروي العجائب ، لا يجوز الاحتجاج به " .
وقال الحاكم وأبو سعيد النقاش وأبو نعيم :
"روى عن حميد الطويل الموضوعات " .
إذا عرفت هذا ؛ فقد تساهل ابن عبدالبر حين قال في مقدمة "الاستيعاب "
عقب الحديث :
"وليس إسناد حديث العباس هذا بالقائم" .
2 - وأما عبد الله بن عباس ، فقال جعفر بن عبد الواحد : قال لنا صفوان بن
هبيرة ومحمد بن بكر البرساني عن ابن جريج عن عطاء عنه قال : ... فذكره مثل
الذي قبله دون قوله : "وأعجب ذلك ... " .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (2/155) وابن ى ساكر أيضاً .
قلت : وجعفر هذا قال الدارقطني :
"يضع الحديث " .

(13/578)


وفي ترجمته ساقه ابن عدي في أحاديث أخرى له ، ثم قال :
"وهذه الأحاديث كلها بواطيل ، وبعضها سرقها من قوم ، وله غيرها من
المناكير ، وكان يتهم بوضع الحديث " .
ونقل هذا عنه الخطيب في "التاريخ " (5/173 - 175) وذكر له بعض
الأحاديث نقل عن أبي زرعة أنه قال ببطلانها . ثم ذكر أنه كان من حفاظ
الحديث ، وكانت له بلاغة ولَسَن .
3 - وأما أبو هريرة ، فقال محمد بن كثير الكوفي : أنبأنا إسماعيل بن مسلم
عن الحسن عن أبي هريرة ... به .
أخرجه ابن عساكر .
وآفة هذا محمد بن كثير الكوفي ، قال الإمام أحمد :
"خرقنا حديثه " . وقال البخاري :
" منكر الحديث " . وقال ابن عدي (6/254) :
"والضعف على حديثه بيِّن " .
وإسماعيل بن مسلم هو . المكي أبو إسحاق البصري ، كما في "تهذيب المزي" ،
وهو مثل محمد بن كثير أو قريب منه ؛ فقد قال فيه الإمام أحمد :
"منكر الحديث" . وقال البخاري في "التاريخ" (1/1/372) :
"تركه يحيى ، وابن مهدي ، وابن المبارك ، وربما روى عنه " .
وقد وثقّ هو وابن كثير الكوفي .

(13/579)


4 - وأما ابن عمر ، فقال محمد بن محمد بن سليمان : أنبأنا عبدالرحمن
ابن أيوب الحمصي : أنبأنا موسى بن أبي موسى المقدسي : حدثني خالد بن
سلمة عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ... به .
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/156) ومن طريقه ابن عساكر قال :
حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن خالد الخطيب المُلْحَمي : ثنا محمد بن
محمد بن سليمان ... به .
أورده أبو نعيم في ترجمة الملحمي هذا ، ووصفه بـ "المعدل المقرئ " ، وقال :
"توفي بعد الستين ، حدث عن العراقيين والأصبهانيين " .
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وأنا أخشى أن يكون هو أحمد بن محمد بن
حرب أبو الحسن الملحمي المترجم في "كامل ابن عدي" (1/200 - 202) ، و"تاريخ
جرجان" (ص 72 - 73) ، و"ضعفاء ابن حبان " (1/154) ، و"أنساب السمعاني " ،
فإنه من هذه الطبقة ، ومن شيوخ ابن عدي ، وقد ساق له عدة أحاديث تدل على
سوء حاله ، وذكر أنه مولى سليمان بن علي الهاشمي ؛ يتعمد الكذب ويلقن
فيتلقن ، وختم ترجمته بقوله :
"هو مشهور بالكذب ، ووضع الحديث " . وقال ابن حبان :
"كذاب يضع الحديث ، كان في أيامنا باقياً " .
وهناك راو آخر يلتقي مع هذين في التكني بـ "أبي الحسن" وبالأول في نسبة
"المقرئ" ، وفي الرواية عن الباغندي ، وعنه أبو نعيم ، وهو أحمد بن محمد بن
الحسن بن يعقوب بن مقسم أبو الحسن المقرئ العطار . هكذا ساقه الخطيب في
"التاريخ " (4/429) ، وذكر أنه روى عن جمع منهم محمد بن محمد بن سليمان
الباغندي ، وقال :

(13/580)


"حدثنا عنه أبو نعيم الحافظ ، و ... و ... و ... وكان يظهر النسك والصلاح ،
ولم يكن في الحديث ثقة ، قال حمزة بن يوسف : حدث عمن لم يره ، ومن مات ق
بل أن يولد" .
قلت : وهذه الصفة مما وصف بها ابنُ عدي ابن حرب الملحمي ؛ فإنه ذكر عنه :
أنه قال : "حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان ، وزعم أنه كتب عنه بجرجان ، وكذب ؛
لأن إبراهيم ما دخل جرجان قط ، ومات قبل أن يولد أحمد بن محمد بن حرب "!
فهذا الاشتراك في هذه الصفة وفيما قبلها مما يلقي في النفس أنهم شخص
واحد ، ولا ينافي ذلك الاختلاف في أسماء الأجداد ؛ لأنه قد ينسب الراوي أحياناً
إلى الجد الأدنى ، وتارة إلى الأعلى ، وبعضهم لا يسوق النسب بتمامه الذي يعرف
به ، وهذا معلوم عند العارفين بالتراجم ؛ كما أنه لا ينافي ذلك أن هذا بغدادي ،
والأولين جرجانيَّان ؛ لأ نه قد يكون جرجانياً ولادة بغدادياً وفاة ، أو العكس . ثم إن
هذا يلتقي أيضاً مع الذي قبله في كونه متهماً ؛ فروى الخطيب عن أبي القاسم
الأزهري أنه قال :
" لم يكن أبو الحسن بن مقسم ثقة . وقال مرة : كان كذاباً " .
وجملة القول ؛ هذا ما انقدح في نفسي ، ولم أجد من تكلم في شيء من
هذا ، فإن أصبت ؛ فمن الله ، وإلا ؛ فمن نفسي ، فمن كان عنده شيء ؛ فليدل به ،
ونحن له من الشاكرين .
وفي الإسناد علل أخرى ، منها أن محمد بن محمد بن سليمان الباغندي مع
كونه من الحفاظ الكبار المشهورين ؛ فقد اتهمه بعضهم بالكذب ، ورد ذلك الذهبي
بقوله في "الميزان " :

(13/581)


"قلت : بل هو صدوق من بحور الحديث ، قيل : إنه أجاب في ثلاثماثة ألف
مسالة فِي حَدِيثِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " . وقال الدارقطني في "الضعفاء" :
"الباغندي مدلس مخلط ، يسمع من بعض رفاقه ، ثم يسقط من بينه وبين
شيخه ، وربما كانوا اثنين وثلاثة ، وهو كثير الخطأ " .
فأقول : لعل اتهام من اتهمه ؛ إنما كان لكثرة خطئه ، ولكن ذلك مغتفر بالنسبة
لكثرة محفوظاته . والله أعلم .
وشيخه عبدالرحمن بن أيوب الحمصي لم أعرفه ، ولم يورده ابن عساكر في
"تاريخ دمشق " .
ومثله موسى بن أبي موسى المقدسي . والله أعلم .
وجملة القول : أن هذه الطرق شديدة الضعف ؛ فلا تصلح للاعتضاد بها ؛
ولذلك رد الذهبي على الحاكم قوله في "المستدرك ، (2/602) :
"وقد تواترت الأخبار أن رسوك الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد مختوناً مسروراً" .
فقال الذهبي في "تلخيصه" :
"ما أعلم صحة ذلك ، فكيف متواتر ؟! " .
وذكر نحوه ابن كثير في تاريخه "البداية" (2/265) .
فالعجب من ابن الجوزي مع إعلاله لحديث الترجمة بما تقدم نقله عنه ، عقب
عليه جازماً بقوله :
"قلت : ولا شك أنه ولد مختوناً ؛ غير أن هذا الحديث لا يصح به "!

(13/582)


ومع هذا كله ، فقد روي ما يخالف هذا الحديث الواهي فِي حَدِيثِين اثنين :
الأول : من طريق يحيى بن أيوب العلاف قال : نا محمد بن أبي السري
العسقلاني : نا الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة عن عطاء الخراساني
عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ :
أن عبدالمطلب خق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم سابعه ، وجعل له مأدبة ، وسماه محمداً .
قال يحيى بن أيوب : ما وجدنا هذا الحديث عند أحد ؛ إلا عند ابن أبي السري .
قلت : قال الحافظ في "التقريب" :
"صدوق عارف ، له أوهام كثيرة" .
وقال في " التهذيب " :
" أورد ابن عدي من مناكيره حديثه عن معتمر عن أبيه عن عطاء عن أبي
هريرة مرفوعاً : من سئل عن علم ... " .
وذكره الذهبي أيضاً في "الميزان" وقال هو والحافظ :
"وقال ابن عدي : كثير الغلط " .
وأقول : لقد سقطت ترجمة محمد بن أبي السري هذا وحديثه في العلم من
النسخة المطبوعة من كتابه "الكامل" ؛ فقد راجعت منه باب من اسمه "محمد" ،
وفهرسه في الأسماء والأحاديث ؛ فلم أجد لذلك كله ذكراً . فلتراجع مخطوطاته .
ثم إن في إسناد الحديث علتين أخريين :
إحداهما : تدليس الوليد بن مسلم ؛ فإنه كان يدلس تدليس التسوية .
والأخرى : عطاء الخراساني - وهو : ابن أبي مسلم - قال الحافظ :

(13/583)


"صدوق يهم كثيراً ، ويرسل ويدلس " .
والحديث الأخر : يرويه محمد بن عبدالله الحضرمي قال : ثنا عبدالرحمن
ابن عيينة البصري قال : ثنا علي بن محمد السلمي المدائني قال : ثنا مسلمة بن
محارب بن سلم بن زياد عن أبيه عن أبي بكرة :
إن جبريل خَتَنَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين طهر قلبه .
قلت : وهذا منكر أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/23/2 - مجمع
البحرين/ الجامعة) (1) ، وأبو نعيم في "الدلائل " (ص 111) ، وابن عساكر أيضاً ،
وقال الطبراني :
"لا يرون إلا بهذا الإسناد ، تفرد به عبدالرحمن " .
قلت : وهذا إسناد مظلم ، ما بين الحافظ الحضرمي ، وأبي بكرة الثقفي جلهم
لا يعرفون ، وبيان ذلك على الوجه التالي :
1 - عبدالرحمن بن عيينة البصري ؛ لم أجد له ترجمة ، ولم يعرفه الهيثمي ؛
كما يأتي .
2 - مسلمة بن محارب الزيادي ، أورده البخاري وابن أبي حاتم ، ولم يذكرا
فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وأما ابن حبان فذكره في "الثقات " (7/ 490) برواية
إسماعيل ابن علية عنه . وأما أبو حاتم ، فقال :
"روى عنه أبو الحسن المدائني " .
قلت : فتساءلت : من أبو الحسن هذا ؟ فقلت : لعله علي بن محمد السلمي
__________
(1) وقد بحثت عنه كثيراً في "المعجم الأوسط " نفسه فلم أجده .

(13/584)


المداثني شيخ الحضرمي في هذا الحديث ، فرجعت إلى "مقتنى الذهبي" فإذا به
يذكر (179/1474) فيمن يكنى بأبي حسن :
"علي بن محمد بن حسن المدائني " فرجعت إلى أصله "كنى أبي أحمد
الحاكم " ، فرأيته ذكر أنه روى عن المفضل بن غسان الغلابي (وهو ثقة مترجم في
"تاريخ بغداد") وأبي جعفر أحمد بن عبيد بن ناجح العسكري . (وهو ليِّن
مترجم في "التهذيب") وهما من طبقة الحضرمي ، فغلب على ظني أنه شيخه في
هذا الحديث ، والله أعلم .
3 - محارب الزيادي ، ذكره البخاري وأبو حاتم وابن حبان (5/452) برواية
ابنه مسلمة فقط عنه ؛ فهو مجهول . وأما الهيثمي فقال (8/224) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه عبدالرحمن بن عيينة وسلمة! بن
محارب ؛ ولم أعرفهما ، وبقية رجاله ثقات "!
وبالجملة : فالإسناد ضعيف لا تقوم به حجة ، والمتن منكر ؛ لأن قصة تطهير
قلبه ! قد صحت من طرق عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولم يذكر في شيء منها ، ختنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وقد كنت خرجت بعضها في "الصحيحة" فراجع إن شئت رقم (373 و1445) ،
ولذلك فإن السيوطي لم يحسن بإيراده إياه في "الخصائص" مع حديث الباب
وغيره مما بينا علته ؛ بل أوهم القراءصحته بقوله (1/132) :
"وصححه الضياء في (المختارة) "!
وفاته إعلال ابن عساكر إياه بالجهالة ، وقول الذهبي :
"إنه حديث شبه موضوع " . ثم رأيته قال في "المغني" (702/6682) :
" أظنه موضوعأً " .

(13/585)


وتغافل الأسيوطي عن قول ابن القيم رحمه الله في أول كتابه القيم "زاد المعاد" :
"حديث لا يصح ، ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في "الموضوعات " ، وليس فيه
حديث ثابت ، وليس هذا من خواصه ؛ فإن كثيراً من الناس يولد مختوناً ... ،
وحدثني صاحبنا أبو عبدالله محمد بن عثمان الخليلي المحدث ببيت المقدس أنه
ولد كذالك ؛ وأن أهله لم يختنوه ، والناس يقولون لمن ولد كذلك : ختنه القمر!
وهذا من خرافاتهم" .
قلت : ومن الغرائب أن ابن صياد - وقد قيل فيه ما هو معروف - ولد كذلك ؛
فقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف " (15/159) بسند صحيح عن أم سلمة
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت :
" ولدته أمه مسروراً مختوناً . يعني : ابن صياد" .
وروى عبدالرزاق في "مصنفه " (11) بسند صحيح عن عروة بن الزبير قال :
"ولد ابن صياد أعور مُختتناً " .
ثم ذكر ابن القيم عقب حديث ابن أبي السري المتقدم فائدة لا بأس من
تقديمها إلى القراء ، قال رحمه الله :
"وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاضِلَيْنِ ، صَنّفَ أَحَدُهُمَا مُصَنّفاً فِي أَنّهُ
وُلِدَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَخْتُوناً ، وَأَجْلَبَ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الّتِي لَا خِطَامَ لَهَا وَلَا زِمَامَ ، وَهُوَ
كَمَالُ الدّينِ بْنُ طَلْحَةَ (1) ، فَنَقَضَهُ عَلَيْهِ كَمَالُ الدّينِ بْنُ الْعَدِيمِ (2) وَبَيّنَ فِيهِ أَنّهُ
__________
(1) هو العلامة أبو سالم محمد بن طلحة القرشي الشافعي ، مات سنة (652) ، له
ترجمة في "سير الذهبي" (23/293- 294) .
(2) هو العلامة أبو القاسم عمر بن أحمد الحلبي مؤلف "تاريخ حلب" في نحو ثلاثين
مجلداً ، توفي سنة (660) .

(13/586)


صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُتِنَ عَلَى عَادَة الْعَرَبُ ، وَكَانَ عُمُوم هَذا السّنّة لِلْعَرَبِ قَاطِبَةً مُغْنِياً عَنْ نَقْلٍ
مُعَيّنٍ فِيهَا . وَاَللّه أَعْلَم " .
قلت : وهذا الذي ذهب إليه الكمال بن العديم رحمه الله ، هو الذي تطمئن
إليه النفس ، وينشرح له الصدر ، وهو الذي يبدو أنه مال إليه ابن عبدالبر ؛ فإنه قال
عقب الحديث المشار إليه :
"وفي حديث اين عباس عن أبي سفيان في قصته مع هرقل - وهو حديث
ثابت من جهة الإسناد - دليل على أن العرب كانت تختتن ، وأظن ذلك من جهة
مجاورتهم في الحجاز اليهود" .
قلت : وحديث أبي سفيان في أول "صحيح البخاري" رقم (7 - قتح) ، وفيه
أن هرقل سأل أبا سفيان عن العرب ؟ فقال :
"هم يختتنون" .

6271 - ( من أصبح مطيعاً [ لله ] في والديه ؛ أصبح له بابان
مفتوحان من الجنة ، وإن كان واحداً ؛ فواحداً ، ومن أمسى عاصياً لله
في والديه ؛ أصبح له بابان مفتوحان من النار ، وإن كان واحداً ؛
فواحدا . قال رجلٌ : وإن ظَلَماه ؟ قال : وإن ظلماه ، وإن ظلماه ، وإن
ظلماه ) .
موضوع .
أخرجه البيهقي في "الشعب " (6/206/7916) من طريق أبي
محمد عبدالله بن يحيى بن موسى السرخسي : نا سعيد بن يعقوب الطالقاني :
نا عبدالله بن "المبارك عن يعقوب بن القعقاع عن عطاء عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً .

(13/587)


قلت : وهذا إسناد واهٍ ، رجاله ثقات ؛ غير السرخسي هذا ، وهو من شيوخ ابن
عدي وقال في ترجمته (4/268) :
"حدث بأحاديث لم يتابعوه عليها ، وكان متهماً في روايته عن قوم لم
يلحقهم مثل علي بن حُجر وغيره" .
قلت : ولعل من أولئك الذين لم يلحقهم الطالقاني هذا ؛ فإنه مات سنة
(244) وهي السنة التي مات فيها علي بن حجر . وقد ساق له الحافظ هذا
الحديث ، وقال عقبه في "اللسان " :
لاقلت : رجاله ثقات أثبات ؛ غير هذا الرجل ؛ فهو آفته . ولي قضاء طبرستان ،
وانصرف عنها في سنة سبع وتسعين وماثتين ، وكان بقي إلى بعد الثلاثمائة" .
قلت : وقد أشار بقوله : "فهو آفته " إلى أنه موضوع ، أو نحوه ، وهو به حري لما
في متنه من المبالغة . ولعله لا ينافي ذلك أنه روي من طريق آخر ؛ فقد قال ابن
أبي حاتم في "العلل " (2/211/2123) :
"سئل أبو زرعة عن حديث رواه أبو خيثمة زهير بن حرب ، قال : حدثنا
شبابة ، قال : حدثنا المغيرة بن مسلم عن عطاء ... به " .
فأقول : هذا ، وإن كان رجاله ثقاتاً ؛ فقد أعلوه بالانقطاع ، فقال ابن أبي حاتم :
" قال أبو زرعة : المغيرة لم يسمع من عطاء شيئاً ، وهو مرسل " .
ونقله العلائي في "جامع التحصيل " (351/792) ، وهي فائدة لم تذكر في
"التهذيب" و غيره " فلتقيد .
والحديث قال العراقي في "تخريج الإحياء" (2/216) ؛
" أخرجه البيهقي في "الشعب " من حديث ابن عباس ولا يصح "!

(13/588)


6272 - ( حسن الخلق زمام من رحمة الله في أنف صاحبه ،
والزمام بيد الملك ، والملك يجره إلى الخير ، والخير يجره إلى الجنة ،
وسوء الخلق زمام من عذاب الله في أنف صاحبه ، والزمام بيد
الشيطان ، والشيطان يجره إلى الشر ، والشر يجره إلى النار ) .
منكر .
أخرجه البيهقي في "الشعب " (6/248/8037) بسندين له : أحدهما
عن ابن أبي ثُميلة ، والآخر عن محمد بن عبدربه قالا : نا الفضل بن موسى
السِّيناني عن سفيان بن سعيد الثوري عن سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى عن
أبيه عن جده أبي موسى الأشعري مرفوعاً . وقال البيهقي :
"وكلا الإسنادين ضعيف " .
قلت : وابن أبي ثميلة لم أجد من ذكره .
وأما محمد بن عبدربه ؛ فأورده الحافظ في "اللسان" ، نقلاً عن ابن حبان في
"الثقات" ؛ لكن تحرف على طابعه كلام ابن حبان ، ونصه في "الثقات" (9/107) :
" أبو تميلة : اسمه محمد بن عبدربه بن سليمان المروزي ، يروي عن الفضيل
ابن عياض . حدثنا عنه محمد بن أحمد بن أبي عون ، يخطئ ويخالف " .
فقوله : "يخطئ ويخالف" تحرف في "اللسان" إلى "يحكي لطائف"! ولم
يذكر فيه كنيته "أبو تميلة" . ثم قال الحافظ :
"وروى له البيهقي حديثاً منكراً من روايته عن الفضل بن موسى السيناني ،
وعنه صالح بن كامل ، وضعفه " .
قلت : وهو هذا .

(13/589)


قلت : وهذه الكنية لم يذكر الذهبي تحتها في "المقتنى" ؛ تبعاً لأصله "الكنى"
لأبي أحمد الحاكم (ق 44/ 1) غير يحيى بن واضح الأنصاري ، فلا أدري إذا كانت
محفوظة أم لا ؟
ثم قال البيهقي عقب تضعيفه السابق :
" ورواه شيخ من أهل نيسابور يقال له : محمد بن حامد بن محمد بن
إبراهيم أبو بكر الحيري عن محمد بن يحيى الذهلي عن أبي نعيم عن سفيان
الثوري بإسناده مثله ، وهو فيما أنبأني أبو عبدالله الحافظ - إجازة - : نا أبو سعيد
بن أبي بكر بن أبي عثمان : نا محمد بن حامد ... به . وهذا وهم من هذا الشيخ ،
وليس له من هذا الوجه أصل " .
وأقره الحافظ في "اللسان" .
وأنا أظن أنه غير محمد بن حامد شيخ الحاكم الآتي في إسناد الحديث
التالي :

6273 - ( ما من ولد بار ينظر نظرة رحمة ؛ إلا كان له
بكل نظرة حجة مبرورة ، قالوا : وإن نظر كل يوم مائة مرة ؟ قال :
نعم ، الله أكبر وأطيب ) .
موضوع .
أخرجه البيهقي في "الشعب " (1/186/7858) : أخبرنا أبو عبدالله
الحافظ في "التاريخ" : أنا محمد بن حامد : ثني مكي بن إبراهيم : نا الحسن بن
هارون : نا منصور بن جعفر : نا نهشل بن سعيد عن الضحاك عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ
مرفوعاً . وقال :

(13/590)


"منصور بن جعفر هو والد الحسين بن منصور السلمي النيسابوري" .
قلت : يبدو أنه لا يعرف ، بخلاف ابنه الحسين ، فإنه ثقة فقيه من شيوخ
البخاري والنسائي ، وقد ذكر له المزي شيوخاً كثيرين ليس منهم أبوه هذا ، ولا
وجدت له ترجمة .
لكن نهشل بن سعيد كذاب معروف ، وقد تقدمت له بعض الأحاديث من
روايته عن الضحاك عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مع بعض ما قيل فيه من الأئمة ، فانظر الحديث
( 819 و 1686) .
أما الحسن بن هارون وعنه مكي بن إبراهيم ، فلم أعرفه . وفي الرواة ثلاثة
بهذا الاسم والأب :
الأول : الحسن بن هارون بن مالك الشيباني . روى عن عبدالسلام بن
حرب ، روى عنه محمد بن إسماعيل الضراري الرازي .
كذا في يا الجرح" (1/2/ 40) وقال :
"سألت أبي عنه ؟ فقال : لا أعرفه" .
ونقله الحافظ في "اللسان" وأقره ، لكن تحرف على الناسخ أو الطابع "الضراري "
إلى "العُتواري" ! وضبطه المعلق بالضم والسكون ، ولم يتنبه للتحريف .
وقد ذكر هذه النسبة السمعاني في "أنسابه" ، وذكر أنه نسبة إلى ضرار ، وهو
اسم رجل ، وله ترجمة في "الجرح" (3/2/ 190) فقال :
"محمد بن إسماعيل بن أبي ضرار أبو صالح الرازي ... " .
والثاني : الحسن بن هارون بن عفان ابن أخي سلمة بن عفان ، حدث عن

(13/591)


جرير بن عبدالحميد وطبقته ، وعنه جمع ذكرهم الخطيب (7/449) ، وآخر ، وهو
محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي ، من شيوخ ابن حبان ذكره في "الثقات "
(8/174) .
والثالث : الحسن بن هارون النيسابوري ، ذكره ابن حبان أيضاً في "الثقات "
(8/178) وقال :
"يروي عن مكي بن إبراهيم ، ثنا عنه أبو حامد الشرقي " .
قلت : فلا أدري إذا كان المترجم واحداً من هؤلاء أو غيره ؟
وأما محمد بن حامد شيخ الحاكم ، فلم أعرفه ، ومن المحتمل أنه محمد بن
حامد أبو رجاء البغدادي ، فإنه توفي سنة (344) ، وتوفي الحاكم سنة (406)
والله أعلم ، وهو متكلمٌ فيه ، له ترجمة في "تاريخ بغداد ، (2/289) ، و"الميزان " .
والحديث أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (3/12 - الغرائب الملتقطة)
من طريق الحاكم معلقاً عليه ، وعزاه السيوطي في "الجامع الكبير" للحاكم في
"تاريخه " وابن النجار .
وقد تقدم من طريق أخرى مقلوب الأول بلفظ :
"إذا نظر الوالد إلى ولده فسره ... " الحديث برقم (2716) (*) .

6274 - ( نومك على السرير براً بوالديك تضحكهما ويضحكانك
أفضل من جهادك بالسيف في سبيل الله عَزَّ وَجَلَّ ) .
منكر .
أخرجه البيهقي في "الشعب " (6/179/7836) من طريق محمد بن
__________
(*) وا نظر (3298) من هذه "السلسلة" . (الناشر) .

(13/592)


صالح الأشج : نا عبد الله بن عبدالعزيز بن أبي رواد : حدثني أبي عن نافع عن
ابن عمر مرفوعاً . وقال :
"عبدالله بن عبدالعزيز هذا غير قوي ، ولمتنه شواهد قد مضت " .
قلت : يشير إلى مثل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"ففيهما فجاهد" متفق عليه .
وهو مخرج في "غاية المرام " (برقم 281) .
وقوله :
"ارجع اليهما فأضحكهما كما أبكيتهما" .
وهو مخرج مع الذي قبله في "صحيح أبي داود" (2281 و 2282) . وليس
يخفى على الفقيه أن شهادة هذه الأحاديث وما فى معناها أن شهادتها قاصرة
لحديث الترجمة ، فيبقى منكراً .
وعبدالله بن عبدالعزيز ؛ قد شهد الأئمة بنكارة أحاديثه ، فقال ابن أبي حاتم
(2/2/104) عن أبيه :
"رأيت أحاديثه أحاديث منكرة ، ولم أكتب عنه ، ولم يكن محله عندي
الصدق . قال ابن الجنيد : لا يسوى فلساً ؛ يحدث بأحاديث كذب" . وقال العقيلي
في "الضعفاء" (2/279) :
" أحاديثه مناكير غير محفوظة ، ليس ممن يقيم الحديث " . وقال ابن عدي في
"الكامل" (4/201) :
"يحدث عن أبيه عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ بأحاديث لا يتابعه أحد عليها" .

(13/593)


والراوي عنه محمد بن صالح الأشج ؛ ذكره ابن حبان في "الثقات " (9/148) ،
وقال :
"حدثنا عنه أحمد بن سعيد - بهمذان - وغيره ، كان يخطئ " .
وأقره الحافظ في "اللسان".

6275 - ( لو أدركت والدي أو أحدهما وأنا في صلاة العشاء ،
- وقد قرأت فيها بفاتحة الكتاب - ينادي : يا محمد ! ؛ لأجبته : لبَّيْك ) .
موضوع .
أخرجه البيهقي في "الشعب " (6/195/7881) ، وابن الجوزي في
"الموضوعات" (3/85) من طريق يحيى بن أبي طالب (جعفر) حدثنا زيد بن
الحباب : عن ياسين بن معاذ : حدثنا عبدالله بن مرثد عن طلق بن علي مرفوعاً .
وقال البيهقي :
"ياسين بن معاذ ضعيف " .
قلت : حاله أسوأ من ذلك ، وينبيك عن ذلك قول الذهبي في "المغني " :
"تركه النساثي وغيره " .
ومن شاء الوقوف على أقوال الأئمة فيه ؛ فليرجع إلى "لسان الميزان" ، فقد
استوعب أكثرها ، على أنني كنت نقلت بعضها تحت الحديث المتقدم (1035)
وقال ابن الجوزي عقب الحديث :
" هذا موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وفيه ياسين ؛ قال يحيى : ليس حديثه
بشيء . وقال النسائي : متروك الحديث . وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن
الثقات ، وينفرد بالمعضلات عن الأثبات " .

(13/594)


وتعقبه السيوطي في "اللآلي" (2/295) بإخراج البيهقي في "الشعب "
إياه! فلم يصنع شيئاً ؛ وإن أقره ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/296/49) ،
وزاد فقال :
"قلت : وكذلك أشار الذهبي في "تلخيص الموضوعات" إلى ضعفه من جهة
(يس) ، ثم استدرك ؛ فقال : ولكن في سنده هناد النسفي . والله أعلم " .
وأقول في الإشارة المذكورة نظر ، فياسين عند الذهبي متروك كما قدمت عنه .
والاستدراك المزبور لا قيمة له ؛ لأنه في إسناد ابن الجوزي دون البيهقي ، وهو من
طبقة البيهقي ومعاصريه ، له ترجمة سيئة في "تاريخ بغداد"(14/97 - 98) ،
و"اللسان" .
(تنبيه) : وقع في "الشعب " و"الموضوعات" [خطاء] في إسناد الحديث ومتثه ،
فصححت ما ترجح عندي صحته ؛ فمثلاً : يحيى بن أبي طالب ، وقع في "الشعب " :
(يحيى بن جعفر) ، فغلب على ظني أن الصواب ما أثبت أعلاه ؛ لأن : (أبا طالب)
اسمه : جعفر ؛ فهو : يحيى بن أبي طالب : (جعفر بن الزبرقان) ، محدث مشهور ،
تكلم فيه بعضهم .

6276 - ( يا أبا هريرة ! إن الله تعالى يحب من خلقه الأصفياء
الأَخْفِياء الأبرياء الشَّعِثَةَ رؤوسهم ، المُغْبَرَّة وجوههم ، الخَمِصَة بطونهم ؛
إلا من كسب الحلال ، الذين إذا استأذنوا على الأمراء ؛ لم يُؤذن لهم ،
وإن خطبوا المتنعِّمات لم يُنكَحوا ، وإن غابوا ؛ لم يُفتقدوا، وإن حَضَروا ؛
لم يُدْعَوا، وإن طلعوا ؛ لم يُفرح بطلعتهم ، وإن مَرِضوا ؛ لم يُعاودوا،
وإن ماتوا ؛ لم يَشْهَدوا .

(13/595)


قالوا: يا رسول الله ! كيف لنا برجل منهم؟ قال: ذاك أويس القرني ،
قالوا: وما أويس القرني؟ قال: " أشهل ذو صهوبة ، بعيد ما بين المنكبين ،
معتدل القامة آدم شديد الأدمة ، ضارب بذقنه إلى صدره ، رام بذقنه
إلى موضع سجوده ، واضع يمينه على شماله ، يتلو القرآن ، يبكي على
نفسه ، ذو طِمْرين لا يُؤْبَه له ، مُتَّزِرٌ بإزارِ صوف ورداء صوف ، مجهول
في أهل الأرض ، معروف في أهل السماء ، لو أقسم على الله ؛ لأبر قسمه ،
ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء ، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة ؛
قيل للعباد ادخلوا الجنة ، ويقال لأويس: قف فاشفع . فيُشَفِّعُه الله عز
وجل في مثل عدد ربيعة ومُضَرَ ، يا عمرُ ويا عليُّ ، إذا أنتما لقيتماه ؛
فاطلبا إليه أن يستغفر لكما يغفر الله تعالى لكما ...) الحديث بطوله .
منكر جداً .
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (2/ 80 - 82) ، ومن طريقه الرافعي
في "تاريخ قزوين " (1/91 - 95) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق ، (3/200 -
202) من طريق سلمة بن شبيب : ثنا الوليد بن إسماعيل الحراني : ثنا محمد
ابن إبراهيم بن عبيد ؛ حدثني مخلد بن يزيد عن نوفل بن عبدالهه عن الضحاك
ابن مزاحم عن أبي هريرة قال :
بينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حلقة من أصحابه إذ قال .
"ليصلين معكم غداً رجل من أهل الجنة" . قال أبو هريرة : فطمعت أن أكون أنا
ذلك الرجل ، فغدوت فصليت خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأقمت في المسجد حتى انصرف
الناس وبقيت أنا وهو ، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل أسود متزر بخرقة ، مرتد
برقعة ، فجاء حتى وضع يده في يد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال : يا نبي الله ادع الله لي ؛

(13/596)


فدعا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بالشهادة وإنا لنجد منه ريح المسك الأذفر ، فقلت: يا رسول الله
أهو هو ؟ قال :
"نعم ! إنه لمملوك لبني فلان" . قلت : أفلا تشتريه فتعتقه يا نبي الله ؟ قال :
"وأنى لي ذلك ، إن كان الله تعالى يريد أن يجعله من ملوك الجنة يا أبا هريرة ،
إن لأهل الجنة ملوكاً وسادة ، وإن هذا الأسود أصبح من ملوك الجنة وسادتهم . يا أبا
هريرة ... " الحديث . وزاد بعده :
قال : فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه ... إلى آخر القصة ، وفيها
طول لا حاجة بنا إلى ذكرها .
قلت : وهذا إسناد ضعيف مظلم منقطع ؛ الضحاك بن مزاحم ، قال الحافظ
العلائي في "مراسيله " (ص 243) وقد ذكر الضحاك هذا :
"وقال أبو حاتم : لم يدرك أبا هريرة ولا أبا سعيد رضي الله عنهم . وقال ابن
حبان : أما رواياته عن أبي هريرة ، وابن عباس وجميع من روى عنه ، ففي ذلك
كله نظر" .
قلت : والسند إليه لا يصح ؛ فيه ثلاثة ليس لهم ذكر في شيء من كتب
التراجم التي عندي ، وهم :
الوليد بن إسماعيل ، ومحمد بن إبراهيم ، ونوفل بن عبدالله ؛ فلم يترجمهم
البخاري ولا ابن أبي حاتم ولا ابن حبان ، ولا الذين جاءوا من بعدهم ، اللهم! إلا
الأول منهم ؛ فقد ذكره المزي في شيوخ سلمة بن شبيب .
أقول : ومع جهالة هؤلاء والانقطاع المشروح آنفاً ، لم يتورع السيوطي أن يقول

(13/597)


في "اللآلي" (1/ 451) :
"وسنده لا بأس به "!
والعجيب حقاً أن ابن عراق في "التنزيه " (2/36) أقره على ذلك ، ولم يتعقبه
بشيء! وليتأمل القارئ اللبيب الفرق بين السيوطي وقوله هذا ، وبين قول الحافظ
الذهبي وقد ساق من هذا الحديث بعضه في كتابه "السير" (4/27 - 28) :
" وهذا سياق منكر ، لعله موضوع " .
وقد أورد ابن الجوزي في وموضوعاته " (2/43 - 44) من رواية ابن حبان ،
وهذا في "الضعفاء" (2/297 -298) من طريق محمد بن أيوب عن مالك عن
نافع عن ابن عمرقال :
بينما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفناء الكعبة إذ نزل عليه جبريل فقال :
"يا محمد! إنه سيخرج من أمتك رجل يشفع ، فيشفعه الله في عدد ربيعة
ومضر ، فإن أدركته ؛ فسله الشفاعة لأمتك ، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يا جبريل! ما اسمه وما
صفته ؛ قال : أما اسمه فأويس ... " .
قال ابن حبان :
"فذكر حديثاً طويلاً في ورقتين ، وهو باطل لا أصل له عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
ولا ابن عمر أسنده ، ولا نافع حدث به ، ولا مالك رواه . ومحمد بن أيوب يضع
الحديث على مالك " . وأقره ابن الجوزي ؛ ولكنه قال فأفاد :
"وقد وضعوا خبراً طويلاً في قصة أويس من غير هذه الطريق ؛ وإنما يصح عن
أويس كلمات يسيرة جرت له مع عمر ، وأخبره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال :

(13/598)


"يأتي عليكم أوبس ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " (1) . فأطال
القصاص وأعرضوا (كذا) فِي حَدِيثِ أويس بما لا فائدة في الإطالة بذكره " .
قلت : وحديث ابن عمر هذا قد ساقه بطوله ابن عساكر (ص 208 - 210)
من طريق محمد بن أيوب نفسه ، وليس فيه حديث الترجمة ، ولا في غيره من
طرقه الكثيرة المختلفة عند ابن عساكر سنداً ومتناً ، طولاً وقصراً ، لكن فيه - مع
الطول البالغ فيه - جملتان استنكرتهما جداً :
الأولى : قول علي لأويس :
"إنا نساثك بحق حرمنا هذا إلا أخبرتنا باسمك" . .
فإنه توسل بمخلوق ، وهو غير مشروع كما هو معلوم .
والأخرى : أنه لما مات أويس وأرادوا تكفينه ؛ فوجئوا بثوبين في مزوده - لم
يكن له بهما عهد - عند رأسه ، على أحدهما مكتوب :
"بسم الله الرحمن الرحيم ، براءة من الله الرحمن الرحيم لأويس القرني من
النار" . وعلى الآخر مكتوب : "هذا كفن لأويس القرني من الجنة" .
__________
(1) قلت : هذا طرف من حديث أخرجه مسلم (7/189) ، وابن سعد (6/163 - 64 1) .
وفي رواية لهما : " إن خير التابعين رجل يقال له : أويس ، وله والدة ، وكان به بياض ، فمروه
فليستغفر لكم " . وأخرجهما ابن عساكر في ترجمة أويس (3/195 - 198) ، وأحمد (1/38
- 39) بالأولى منهما ، ومدارهما على أسير بن جابر ، وقد ركب السيوطي من الروايتين رواية
أخرى ساقها في "الجامع الصغيرة وعزاها لمسلم ، ولا وجود لها عنده بسياقه!
وقد توبع أسير على الرواية الأولى عند أحمد (1/39) .
ولجملة : "خير التابعين" شاهد عند أحمد (3/ 480) بسند حسن في الشواهد ، وجوّده
الهيثمي (10/22) .

(13/599)


ومع هذا كله يقول السيوطي عقب ما ساقه بتمامه برواية ابن عساكر هذه :
"وعندي وقفة في الحكم عليه بالوضع ؛ فورد هكذا مطولاً من حديث أبي
هريرة ، أخرجه الروياني في "مسنده " ، وأبو نعيم في "الحلية" وابن عساكر ، وسنده
لا بأس به !!
كذا قال! وقد عرفت جوابه فيما تقدم ، وأيضاً فإن في كل من حديث أبي
هريرة وابن عمر من الزيادات ما ليس في الآخر ، فلو كان إسناد كل منهما مما
يستشهد به ؛ فإنما ينفع ذلك فيما اتفق متنهما عليه ، ويبقى ما سوى ذلك على
ضعفه ، فكيف وحديث ابن عمر فيه ذاك المتهم بالوضع ؛ محمد بن أيوب ؟! وقال
الذهبي في "الميزان " وساق له هذا الحديث من طريق ابن حبان وقال :
"خبر باطل " . وأقره الحافظ في "اللسان" .
وأما حديث الترجمة ففيه ما قد عرفت من الانقطاع والجهالة ، والنكارة ،
حتى قال الذهبي :
"لعله موضوع " .
وليس ذلك بعيداً . والله سبحانه وتعالى أعلم .
(فائدة) : قوله في الحديث : " ... فيشفعه الله في مثل عدد ربيعة ومضر" ؛
قد صح الحديث عن أبي أمامة وغيره مرفوعاً مطلقاً غير مقيد بأويس القرني رضي
الله عنه ، وهو مخرج في "الصحيحة" (2178) ، وذكر ابن عساكر (3/211 -
212) شواهد أخرى له ، ثم قال عقبها :
"وهذه الأحاديث تقوي ما تقدم من إثبات شفاعة أويس القرني" .

(13/600)


وأقول : ذلك من الممكن بشرط أن لا يشتد ضعف أسانيد الأحاديث المثبتة
لشفاعته رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وذلك مما يحتاج إلى بحث وتحقيق ، وبخاصة أن هناك
أحاديث أخرى في شفاعته ذكرها الذهبي في "سيره" (4/26 و 31 و 33) ، فأرجو
من الله تعالى أن ييسر لي الرجوع إلى مصادرها ودراسة أسانيدها . وعسى أن يكون
ذلك قريباً .

6277 - ( إِنَّ الْحَيَاءَ وَالْعَفَافَ وَالْعِيَّ عن اللِّسَانِ لا عِيَّ الْقَلْبِ ،
وَالْعَمَلَ مِنَ الإِيمَانِ ، وَإِنَّهُنَّ يَزِدْنَ فِي الآخِرَةِ ، [وَيُنْقِصْنَ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا
يَزِدْنَ فِي الآخِرَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يُنْقِصْنَ فِي الدُّنْيَا]؛ وَإِنَّ الشُّحَّ والفُحشَ
وَالْبَذَاءَ مِنَ النِّفَاقِ ، وَإِنَّهُنَّ يَزِدْنَ فِي الدُّنْيَا ، وَيُنْقِصْنَ مِنَ الآخِرَةِ ، وَمَا
يُنْقِصْنَ فِي الآخِرَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَزِدْنَ فِي الدُّنْيَا ) .
منكر .
أخرجه البيهقي في "الشعب " (6/135/7711) ، وابن عساكر (3/222)
من طريق محمد بن المتوكل : نا أبو بشر بكر بن بشر : نا عبدالحميد بن سوار :
حدثني إياس بن معاوية بن قرة ، قال :
كنا عند عمر بن عبدالعزيز ، فذكر عنده الحياء ؛ فقال : الحياء من الإيمان .
فقال عمر : بل هو الدين كله . فقال : إياس : حدثني أبي عن جدي قال :
كُنَّا عِنْدَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذُكِرَ عِنْدَهُ الْحَيَاءُ ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! الْحَيَاءُ مِنَ
الدِّينِ؟ فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ "
ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكر الحديث . قال إياس :

(13/601)


أمرني عمر بن عبدالعزيز ؛ فأمليتها عليه فكتبها بخطه ، ثم صلى بنا الظهر
والعصر وهي في كمه ما يضعها .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، عبدالحميد بن سوار ، ضعفه أبو زرعة ، وقال يحيى :
"ليس بشيء" . كما في "الميزان " . وأما ابن حبان فذكره في "الثقات "
(8/ 399) وقال :
"روى عنه هشيم وبكر بن خنيس" .
كذا وقع فيه : "خنيس" ، والصواب : "بشر" كما في إسناد هذا الحديث ،
وترجمة بكر في "تاريخ البخاري" و"جرح ابن أبي حاتم " . وقال عن أبيه :
"مجهول" .
ثم إن اليخاري وأبا حاتم فرقا يين عبدالحميد بن سوار هذا الذي يروي عنه
اين بشر . وبين عبدالحميد بن سوار الذي روى عنه هشيم ، وسكتا عنه ، ولعل هذا
هو الأرجح . والله أعلم .
ثم إن في الإسناد علتين أخريين :
إحداهما : بكر بن بشر ؛ ذكره البخاري وأبو حاتم برواية محمد بن المتوكل
العسقلاني عنه ، وقال أبو حاتم :
"وَهُوَ مَجْهُولٌ " .
وساق له البخاري هذا الحديث . وبهذه الرواية أورفى ه ابن حبان في "الثقات"
(8/148) ، وذلك من الأمور الكثيرة التي تؤكد للعارف تساهله في التوثيق ، فإنه
مع تفرد محمد بن المتوكل هذا عنه ، فإن في حفظه ضعفاً ، وهي العلة التالية :

(13/602)


والأخرى : محمد بن المتوكل ، - وهو : ابن أبي السري العسقلاني - مختلف
فيه ، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " وقال (9/88) :
"وكان من الحفاظ " .
قلت : ومع ذلك ، ففيه ضعف من قبل حفظه ؛ كما ينبئك قول الحافظ في "التقريب " :
"صدوق عارف ، له أوهام كثيرة" .
(تنبيه) : جاء في "اللسان " عقب ترجمة بكر بن بشر المذكور :
"وكذا سماه البخاري في "التاريخ " ، وقال أبو حاتم : إنه انقلب ؛ فإن الصواب :
بشربن بكر"!
كذا قال! ولا أدري وجه هذا التصويب ، فإنه في "الجرح" كما في "التاريخ " :
بكر بن بشر . وبشر بن بكر راو آخر مترجم في "الجرح " وغيره . والله أعلم .

6278 - ( نهانا عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ ، وَتَفْضِيضِ الأَقْدَاحِ ؛ فَكَلَّمَهُ
النِّسَاءُ فِي لُبْسِ الذَّهَبِ ، فَأَبَى عَلَيْنَا ، وَرَخَّصَ لَنَا فِي تَفْضِيضِ الأَقْدَاحِ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (25/68/67/168) ، وفي "الأوسط "
(1/188/2/3453) قال : حدثنا بابويه بن خالد الأبلي : ثنا عمر بن يحيى
الأبلي : ثنا معاوية بن عبدالكريم الضال : ثنا محمد بن سيرين عن أخته عن أم
عطية قالت : ... فذكره . وقال .
"لم يروه عن معاوية إلا عمر بن يحيى ، ولا سمعناه إلا من هذا الشيخ " .
قلت : وهو : بابويه بن خالد بن بابويه الأبلي ، هكذا ساق نسبه الطبراني في
حديث له ساقه قبل هذا في "الأوسط" ، ولم يسق له فيه غيرهما . والحديث المشار

(13/603)


إليه أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" أيضاً (ص 562) ، لكن وقع فيه (بانوبة)
بنون وباء موحدة بينهما الواو ، وكذلك وقع في طبعة بيروت (1/195/310 -
تحقيق شكور) ، وكذا في مطبوعة "المعجم الكبير" ، ولعل الصواب ما في
"الأوسط" ؛ فإن نسخته المصورة مصححة ومقابلة ، ومطابقة لمصورة "مجمع
البحرين" للهيثمي ، قلت : "لعل" ؛ لأني لم أجد لهذا الشيخ ذكراً في شيء من
كتب الرجال التي عندي ، ويبدو لي أن الرجل مستور غير مشهور ، لندرة حديثه
عند الحافظ الطبراني .
ونسبة (الأبلي) إلى (أُبَلَّةَ) بلدة على شاطئ دجلة (البصرة) أشار الحافظ في
"التبصير" تبعاً إلى أصله أن هذا الشيخ منها . ويؤيده أن شيخه عمر بن يحيى
الأبلي منها ؛ فقد أورده الحافظ عبدالغني الأزدي فيها في أول كتابه "مشتبه
النسبة" ، ولم يتبين ذلك لمحقق "المعجم الصغير" ؛ فجمع بين النسبتين كما ساق
إسناد المؤلف في الحديث المشار إليه هكذا :
حدثنا بانوبة بن خالد بن بانوبة الأيلي [الأبلي] ، حدثنا ...! ومن غرائب
التصحيفات وقلة العناية بالتحقيق أن الحافظ الأزدي رحمه الله مع أنه أورد عمر
هذا في النسبة المذكورة ، فقد تصحفت على الطابع فوقع فيه : "عمر بن يحيى بن
نافع الأيلي "! هكذا (الأيلي)! بالمثناة التحتية مكان الباء الموحدة! وكذلك وقع
في "المعجم الكبير"!
ثم إن عمر هذا أيضا مغمور غير مشهور ، ولذلك قال الهيثمي في "مجمع
الزوائد " (5/ 149) :
"رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط " ، وفيه عمر بن يحيى الأبلي ، ولم
أعرفه "!

(13/604)


وقد أورده الحافظ في "اللسان " ، فقال :
"ذكره ابن عدي في ترجمة جارية بن هرم ... (يعني في سند حديث ساقه) ،
وأشار إلى أن عمر بن يحيى سرقه من يحيى بن بسطام " .
انظر "كامل ابن عدي" (2/175) ، ووقع فيه (الأيلي) بالمثناة وكذلك في
"اللسان"!
(تنبيه) : نقل الشوكاني هذا الحديث عن أوسط الطبراني تحت شرحه لحديث
ابن عمر : "من شرب في إناء ... " وقال (1/ 60) :
"قال (الطبراني) : تفرد به عمر بن يحيى بن (!) معاوية بن عبدالكريم " .
هكذا قال : (ابن معاوية ... " ، فلا أدري أهكذا هو في ف خته من "الأوسط " ،
أو تحرف عليه ؟ وعلى كل حال فهو خطأ .
ثم ما فائدة نقل هذا التفرد دون بيان حال المتفرد به ؟!

6279 - ( لا حاجةَ لي في ابنتِك . قاله لامرأةٍ آثَرَتْةُ بها) .
ضعيف .
أخرجه أحمد (3/155) : ثنا عبدالله بن بكر أبو وهب : ثنا سنان
ابن ربيعة عن الحضرمي عن أنس بن مالك :
أن امرأة أتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت : يا رسول الله! ابنة لي كذا وكذا - ذكرت من
حسنها وجمالها - فآثرتك بها ، فقال : قد قبلتها ، فلم تزل تمدحها حتى ذكرت أنها
لم تصدع ، ولم تشتك شيئاً قط ! قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، وله علتان :
الأولى : الحضرمي هذا ، إن كان ابن عجلان مولى الجارود ؛ فهو مجهول

(13/605)


الحال ، روى عنه ثلاثة ، ولم يوثقه غير ابن حبان (6/249) ، واستغرب له الترمذي
حديثاً في العطاس ، وصححه الحاكم ، وهو مخرج في "الإرواء" (3/245) ، وقال
الذهبي في " الكاشف " :
"صدوق" . وقال الحافظ :
"مقبول " .
وإن كان هو ابن لاحق التميمي اليمامي ؛ فقد روى عنه ثلاثة آخرون غير سنان
ابن ربيعة ، منهم سليمان التيمي ، وفيه قال ابن معين :
"ليس به بأس" . ونحوه قول ابن عدي (2/454) :
"أرجو أنه لا بأس به" .
ومن الغريب - مع هذا كله - قول ابن حبان في "ثقاته " (6/246) :
"لا أدري من هو ؟ ولا ابن من هو ؟" . وتبعه الذهبي في كتابيه "الميزان "
و" المغني " [فقال] :
"لا يعرف" . وأشار في "الكاشف " إلى تضعيف توثيقه بقوله :
"وثق "! وتبنى الحافظ قول ابن معين وابن عدي فقال :
"لا بأس به " .
ولعله الأرجح . والله تعالى أعلم .
وأقول : وسواء كان هذا الحضرمي أو ذاك . وترجح قول من عرفه أو جهله ،
فمن المتفق عليه أنه ليس تابعياً ؛ بل هو من أتباعهم ، وابن حبان نفسه أورده في
طبقة هؤلاء ؛ فيكون الإسناد منقطعاً ، وهذه هي العلة الأولى .

(13/606)


والأخرى : سنان بن ربيعة ؛ فإنه مختلف فيه ، وقال الحافظ مشيراً إلى ذلك :
"صدوق فيه لين " .
ولعل الحافظ من أجل هذا سكت عن الحديث في "الفتح " (8/525) ،
وخفيت عليه العلة الأولى!
ثم بدت لي علة ثالثة ، وهي : المخالفة لرواية ثابت البناني قال :
كنت عند أنس - وعنده ابنة له - قال أنس :
جاءت امرأة إلى رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعرض عليه نفسها ، قالت : يا رسول الله!
ألك بي حاجة ؟
فقالت بنت أنس : ما أقل حياءها ، واسوءتاه! قال : هي خير منك ؛ رغبت
في النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرضت عليه نفسها .
أخرجه البخاري (5120 و6122) ، والنسائي (2/76) ، وابن ماجه (2001) ،
وأحمد (3/268) .
ولم يذكر في هذا الحديث جواب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها بعد العرض ، وقد ثبت
الجواب فِي حَدِيثِ سهل بن سعد الثابت في الكتب الستة وغيرها في هذه القصة ،
وهو مخرج في "الإرواء" (6/345/1925) ، وذلك في رواية للبخاري (9/198/
5141 ) ، وهي رواية الدارمي (2/142) ، والبيهقي (7/57 و 144) ، والطبراني في
"الكبير" (6/225 - 226) بلفظ :
" مالي اليوم في النساء من حاجة" .
وله شاهد ذكره الحافظ في "الفتح" (9/206) من حديث أبي هريرة عند
النسائي :

(13/607)


جاءت امرأة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرضت نفسها عليه ، فقال لها :
"اجلسي" ، فجلست ساعة ثم قامت ، فقال :
"اجلسي بارك الله فيك ؛ أما نحن فلا حاجة لنا فيك " .
سكت الحافظ عنه ، وذلك يعني أنه حسن عنده على الأقل ولم أقف عليه ،
فلعله في "كبرى النسائي " .
قلت : ومن رواية ثابت عن أنس ، وحديث سهل وأبي هريرة يقبين لنا خطأ
حديث الترجمة ؛ ونكارته لخالفته لهذه الروايات الصحيحة من ناحيتين :
الأولى : أن المرأة فيها هي التي عرضت نفسها له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وليس أنها عرضت
ابنتها .
والأخرى : أن قوله لا حاجة لي ... " هو خطاب منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موجه إلى المرأة لا
إلى ابنتها .
ثم إن الحديث أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (7/232/479) فقال : حدثنا
أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبدالله بن بكر عن سنان بن ربيعة الحضرمي ...
كذا دون قوله : "عن الحضرمي" وكذا في مصورة (الآصفية) ؛ فالظاهر أنه سقط
قديم ، لم يتنبه له المعلق على "المسند" ، وإلا كان عليه أن يبين الفرق بين هذا وبين
"مسند أحمد" ؛ كما يقتضيه التحقيق العلمي ، ولا سيما وهو يعلم - فيما أظن - أن
سناناً هذا بصري ، وأن أحداً لم يترجمه بأنه حضرمي! ولا أدري إذا كان هذا الفرق
موجوداً في نسخة "المسندين" للهيثمي ، فقد رأيته يقول في "المجمع " (2/294) :
"رواه أحمد وأبو يعلى ، ورجاله ثقات " .

(13/608)


فلم يتعرض لبيان الفرق بين "المسندين "!
ولعل المعلق المشار إليه استأنس - على الأقل - بتوثيق الهيثمي هذ! فقال :
"إسناده حسن "!
فهذا مردود لما تقدم من التحقيق . والله سبحانه وتعالى أعلم .
وقد يقال : لعل تحسينه قائم على أنه من رواية سنان عن أنس مباشرة .
فأقول : هذا من الممكن قوله ؛ لأنهم قد ذكروا لسنان رواية عن أنس ، ولذلك
جعله الحافظ من الطبقة الرابعة ، بخلاف الحضرمي بن لاحق فجعله من الطبقة
السادسة ، والحضرمي بن عجلان من الطبقة السابعة .
قلت : كان من الممكن أن يقال بالتحسين المذكور ؛ لولا زيادة أحمد : "عن
الحضرمي" أولاً ، والمخالفة لرواية الثقات لمتن الحديث ثانياً . فتأمل .
ثم وجدت ما يؤكد سقوط الحضرمي من إسناد أبي يعلى ، وأن المحفوظ إثباته :
أن البيهقي أخرج الحديث في "الشعب " (7/177/9909) من طريق محمد بن
الفرج الأزرق : نا السهمي : نا سنان عن الحضرمي عن أنس ... به .
وهذه متابعة قوية من الأزرق هذا ، فإنه صدوق ربما وهم ؛ كما في "التقريب" .

6280 - ( مَثَلُ عروة - يعني : ابنَ مسعودٍ - مثلُ صاحبِ (يس) دعا
قومَه إلى الله فقتلوه ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (17/147 - 148) : حدثنا
محمد بن عمرو بن خالد الحراني : ثنا أبي : ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن
عروة قال :

(13/609)


لما أتشأ الناس الحج سنة تسع ؛ قدم عروة بن مسعود على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مسلماً ، فاستأذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرجع إلى قومه ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"إني أخاف أن يقتلوك ".
فقال: لو وجدوني نائماً ، ما أيقظوني! فأذن له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فرجع إلى
قومه مسلماً ، فقدم عشاءً ، فجاءته ثقيف يحيُّونه، فدعاهم إلى الإسلام ، فاتهموه،
وأغضبوه ، وأسمعوه ما لم يكن يحتسب ، ثم رجعوا من عنده ، حتى إذا أسحروا
وطلع الفجر ، قام على غرفة في داره ، فأذن بالصلاة وتشهد ، فرماه رجل من ثقيف
بسهم فقتله ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره.
وأخرجه الحاكم (3/615- 616)، وعنه البيهقي في "الدلائل " (5/299 -
300) من طريق أخرى عن محمد بن عمرو بن خالد... به. ولما ساقه الهيثمي
(9/386) برواية الطبراني ؛ قال:
"وروى عن الزهري نحوه ، وكلاهما مرسل ، وإسنادهما حسن ".
كذا قال ، وفيه نظر من وجوه:
الأول: أن مرسل الزهري ليسى فيه حديث الترجمة.
الثاني: أن شيخ الطبراني فيه (ص 148) الحسن بن هارون بن سليمان
الأصبهاني ، قد ترجمه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/262) برواية جمع عنه
منهم أبو الشيخ ، وساق له أربعة أحاديث أخرى ، وقال:
"توفي سنة اثنتين وتسعين (يعني ومائتين)- وكان قد كف بصره- يكنى أبا
علي" .

(13/610)


ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
ثم رأيت أبا الشيخ قد أورده في "طبقات الأصبهانيين" (306/ 411) وأحسن
الثناء عليه فقال :
"أحد الثقات ، هو وأبوه ... وكان من المتورعين ، حسن الحديث" .
قلت : فإسناده إذن مرسل حسن ؛ كما قال الهيثمي .
الثالث : أن مرسل عروة فيه علتان :
الأولى : ابن لهيعة ؛ فإنه ضعيف إلا في رواية العبادلة عنه ، وهذا ليس منها .
والأخرى : محمد بن عمرو بن خالد الحراني : لم أجد له ترجمة .
وقد روى حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان مثل هذه القصة
مختصراً ، وفيه حديث الترجمة بلفظ :
"الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل صاحب (يس) " .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (3/173 - 174) .
قلت : وهذا - مع إرساله أو إعضاله - ضعيف أيضاً لضعف ابن جدعان ؛ قال
الذهبي في "الكاشف" :
"أحد الحفاظ ، وليس بالثبت ، قال الدارقطني : لا يزال - عندي - فيه لين " .
وقال الحافظ في "التقريب " :
"ضعيف" .
وقد روي مسنداً من حديث ابن عباس مختصراً قال :

(13/611)


بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عروة بن مسعود إلى الطائف ، فرماه رجل بسهم ؛ فقتله ،
فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"ما أشبه هذا بصاحب (يس)! " .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/407- 408) من طريق أبي عبيدة
ابن فضيل بن عياض : ثنا عبدالله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن عثمان الجزري
عن مقسم عنه .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ علته عثمان الجزري - وهو : ابن عمرو بن ساج
القرشي الجزري - : قال ابن أبي حاتم عن أبيه :
"لا يحتج به" . وأما ابن حبان فذكره في "الثقات " (8/449) وقال :
"يروي عنه المعتمر بن سليمان ، ويقول : حدثني عثمان بن ساج المروزي " .
وأشار إلى هذا بقوله في أول ترجمته :
"وقد ينسب إلى جده " . فتعقبه الحافظ بقوله :
"هذا يوهم الجزم بأنه عثمان بن ساج الراوي عن خصيف ومقسم وغيرهما ،
وقد تردد فيه بعد ذلك ، وقد أكثر الفاكهي التخريج في "كتاب مكة" عن عثمان
ابن ساج من غير ذكر عمرو بينهما ، وأما النسائي والعقيلي وغيرهما فما زادوا في
نسب عثمان بن عمرو شيئاً ؛ إلا أنهم قالوا : إنه حراني ، ولا يسمي أحد منهم
جده ، فيدل مجموع ذلك على المغايرة بينهما" .
وعلى المغايرة جرى ابن أبي حاتم ؛ فإنه ترجم لعثمان بن ساج ترجمة منفردة
فقال (3/1/153) :

(13/612)


"روى عن خصيف . روى عنه معتمر بن سليمان ومحمد بن يزيد بن سنان " .
وبرواية معتمر وحده ذكره البخاري في "التاريخ " (3/227) ؛ ولكنه ذكر رواية
أخرى من غير طريق عثمان عن خصيف . وكذلك أورده العقيلي في "الضعفاء"
(3/204) ، وقال في الرواية الأخرى المخالفة لرواية ابن ساج :
"هي أولى" .
ولم يذكر البخاري وكذا ابن أبي حاتم فيه جرحاً ولا تعديلاً ؛ فهو مجهول الحال .
والحديث أعله الهيثمي بغيره فقال (9/386) :
"رواه الطبراني ، وفيه أبو عبيدة بن الفضل (!) ، وهو ضعيف" .
قلت : تبع في هذا التضعيف الذهبي في "الميزان" ، فإنه قال :
"فيه لين ، قال ابن الجوزي : ضعيف " .
لكن رده الحافظ بقوله عقبه :
"وقد وثقه الدارقطني ؛ فلا يلتفت إلى تضعيف ابن الجوزي بلا سبب . وذكره
ابن حبان في "الثقات " ، وأخرج حديثه في "صحيحه " ، وكذلك الحاكم ، ولم
يذكره أحد ممن صنّف في "الضعفاء" . ثم رأيت سلف ابن الجوزي ، فقرأت بخطه
في "كتاب الأباطيل " للجورقاني ... (فذكر حديثاً) ، وقال بعده : "هذا حديث
باطل ، وعبدالرحمن وأبو عبيدة ضعيفان " كذا قال " .
قلت : والحديث هو عن أبي بن كعب قال : علّمت رجلاً سورة من القرآن
فأهدى إلي قوساً ... ، والحمل في هذا الإسناد على عبد الرحمن - وهو ابن سلم -
وحده دون أبي عبيدة هذا ، لأنه قد جاء من غير طريقه كما كنت خرجته في

(13/613)


"الإرواء" (1493) ، وزاده بياناً الشيخ الفاضل عبدالرحمن عبدالجبار في تعليقه
على "الأباطيل "(2/128 - 129) ، ولعله لذلك أشار الحافظ إلى عدم ارتضائه
لتضعيف الجورقاني لأبي عبيدة .
ثم إن حديث أُبَيّ صحيح عندي لما له من الشواهد ، كنت خرجت بعضها
في "الصحيحة" (256) فليراجعها من شاء .
وجملة القول : أن علة حديث ابن عباس هذا المختصر ، إنما هو عثمان الجزري
هذا ، فإن كان ابن عمرو بن ساج ؛ فهو ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب " .
وإن كان ابن ساج كما مال إليه في "التهذيب" وقد سبق كلامه ؛ فهو مجهول .
والله أعلم .

6281 - (يَؤمُّ الناسَ في الطعامِ الإمامُ ، أو ربُّ الطعامِ ، أو خيرُهم ) .
منكر .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (3/601) من طريق أبي زيد
أحمد بن عبد الرحيم الحوطي : حدثنا الأوزاعي ؛ حدثنا ثابت بن ثوبان عن
أبيه :
أن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتي بطعام ، فقال : ... فذكره ، ثم أخذ بيد أبي عبيدة بن
الجراح ، ورأوا (الأصل : وراد) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يومئذٍ صائماً .
قلت : وهذا إسناد مرسل مجهول ضعيف ، أورده ابن عساكر في ترجمة ثوبان
أبي ثابت هذا ، ولم يذكر فيه شيئاً غير هذا الحديث فهو مجهول لا يعرف ، ولم أره
عند غيره ، ولم يورده المزي في شيوخ ابنه ثابت بن ثوبان العنسي .
وأحمد بن عبدالرحيم الحوطي أبو زيد ، أورده العراقي في "ذيل الميزان " ونقله
عنه الحافظ في "اللسان " ، قال :

(13/614)


"روى عن محمد بن مصعب القرقساني ، حديثه في "سنن الدارقطني" ، قال
ابن القطان : لا يعرف حاله " .
قلت : القرقساني هذا معروف بالرواية عن الأوزاعي ، فلا أدري إذا كان قد
سقط من إسناد ابن عساكر أم لا ؟

6282 - ( تعلموا العلم ، ثم تعلموا الحلم ، ثم تعلموا العلم ، ثم
تعلموا العملَ بالعلم ، ثم أَبْشِروا ) .
منكر .
أخرجه ابن عساكر (3/639) من طريق هيثم بن محمد الخشاب :
أنا عبدالعزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبدالله
قال : ... فذكره موقوفاً لم يرفعه .
قلت : والهيثم هذا : لم أعرفه ، ويحتمل أن يكون الهيثم بن محمد الأصبهاني
أو الهيثم بن محمد بن ماهويه ، وهما مترجمان في "طبقات الأصبهانيين"
(264/323 و 282/365) ، و "أخبار أصبهان " (2/337 و 339) ، ولم يذكرا فيهما
جرحاً ولا تعديلاً .

6283 - ( مَنْ أَدْمَنَ الاخْتِلافَ إِلَى الْمَسْجِدِ ؛ أَصَابَ أَخاً مُسْتَفَاداً
فِي اللَّهِ ، وَعِلْماً مُسْتَطْرَفاً ، وَكَلِمَةً تَدَعُوهُ علَى الْهُدَى ، وَأُخرى تَصْرِفُهُ
عَنِ الرَّدَى ، ورَحْمَةً مُنْتَظَرَةً ، وَيَتْرُكُ الذُّنُوبَ حَيَاءً أَوْ خَشْيَةً ) .
موضوع .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 90 - 91) ، وابن عدي
في "الكامل " (3/ 350) ، وابن حبان في "الضعفاء" (1/357) ، وابن عساكر
(5/20) من طريق سعد بن طريف الاسكاف : أخبرني عمير بن مأمون قال :
سمعت الحسن يقول : سمعت رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : ... فذكره .

(13/615)


أورده ابن عدي في ترجمة سعد بن طريف هذا ، وروى عن ابن معين أنه قال :
"ليس بشيء" . وعن النسائي :
"متروك الحديث " .
ثم ساق له أحاديث كثيرة هذا أحدها ، ثم قال :
"وله غيرها ، وكلها لا يرويها غيره ، وهو ضعيف جداً " . وقال ابن حبان :
"كان يضعُ الحديث على الفور" .
ونحوه قال ابن طاهر في "التذكرة" (ص 78) عقب الحديث .
وقال الهيثمي في "المجمع " (2/23) :
"رواه الطبراني في "الكبير" ، وفيه سعد بن طريف الإسكاف ، وقد أجمعوا
على ضعفه " .
قلت : ويد الصنع والوضع والتكلف فيه ظاهرة ، فلا أدري كيف لم يورده ابن
الجوزي في "موضوعاته" ، أو في "علله" على الأقل !!
(تنبيه) : لسعد هذا ترجمة ضافية في "الميزان" ، وساق له أحاديث من
"الكامل " هذا أحدها ، وأما! اللسان " فليس فيه سوى قول النسائي :
"متروك الحديث" !!

6284 - ( إن للمساكين دولة ، قيل: يا رسول الله وما دولتهم ؟! قال: إذا كان يومُ
القيامة ؛ قيل لهم: انظروا ؛ من أطعمكم في الله لقمة ، وكساكم ثوباً ،
أو سقاكم شربة ، فأَدْخِلوه الجنة ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في بالكامل " (6/347) ، ومن طريقه ابن عساكر

(13/616)


في "التاريخ " (ج 5/6) : ثنا الحسين بن عبد الغفار الأزدي - بمصر - : ثنا موسى
ابن محمد الرملي : ثنا أبو المليح الرقي عن ميمون بن مهران عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً .
قلت : أورده ابن عدي في ترجمة الرملي هذا ، وهو : موسى بن محمد بن
عطاء الدمياطي البلقاوي ، وقال :
"وهذا حديث منكر ، وموسى منكر الحديث ، ويسرق الحديث " .
وأقول : كذبه أبو حاتم وأبو زرعة وغيرهما ، وقال ابن حبان :
"يضع الحديث" .
وتقدمت له أحاديث موضوعة ، فراجع "الفهارس " الخاصة بأسماء الرواة .
ولذا قال الذهبي عقب حديثه هذا :
"موضوع" . ووافقه العسقلاني .
ومن غرائب ابن الجوزي أنه بدل أن يورد الحديث في "موضوعاته" أورده في
"علله" (2/25/854) معلَّقاً على موسى هذا لم يسنده إليه ولا خرجه معزواً لأحد
الإئمة ، ولكنه ذكر قول ابن عدي المتقدم فيه ، وتكذيب المذكورين إياه ، وزاد :
"وقال العقيلي : يحدث عن الثقات بالبواطيل والموضوعات"!
وقد وقع في "لسان ابن حجر" ، لا أدري أهو منه أم من النساخ أو الطابع ،
فإنه قال عقب قول العقيلي هذا :
"وقال : منكر الحديث ، وأخرج حديثي ابن عباس ، وقال في كل منهما : منكر" .
ويعني بالحديثين هذا ، وحديث :
"الجنة تحت أقدام الأمهات " المتقدم برقم (593) ، وقد كنت اعتمدت عليه
هناك فعزوته إلى العقيلي ، والآن ، فقد تبين أن هذا العزو خطأ ؛ فإن الحديثين لم

(13/617)


يروهما العقيلي مطلقاً ؛ فلعله سقط من قلم الحافظ أو الناسخ كلمة ابن عدي ؛ فإن
الصواب : "وقال ابن عدي : منكر الحديث ." .! إلخ .
ثم إنه لا ينبغي تعصيب الجناية في هذا الحديث بالبلقاوي هذا ؛ كما فعل
ابن عدي ؛ فإن شيخه الحسين بن عبدالغفار ، قد اتهمه ابن عدي في تحديثه عن
بعض الشيوخ ، فقال في ترجمته (3/367) :
"كتبت عنه في مصر ، ثنا عن سعيد بن عفير ، وعبدالعزيز بن مقلاص
وغيرهما من كبار شيوخ مصر ، ولم يكن سنه يحتمل لقاءهم ، وقد حدّث
بأحاديثما مناكير" .
وروى هذا ابن عساكر عن ابن عدي ، وزاد عنه أنه قال :
"ونا الحسين بن عبدالغفار الأزدي بمصر سنة تسع وتسعين ، وفي سنة خمس
وثلاثمائة ، فذكر عنه حديثاً" .
قلت : وكأن ابن عساكر يعني حديثاً غير حديث الترجمة ، فإن هذا ساقه ابن
عساكر قبيل كلام ابن عدي المذكور ، ثم ختم ابن عساكر ترجمة الحسين هذا بما
رواه بإسناده عن حمزة بن يوسف (وهو : السهمي) قال :
"سألت أبا الحسن الدارقطني عن [الحسين] بن عبدالغفار بن عمرو أبي علي
الأزدي بمصر ؟ فقال : هذا آية ، متروك ، كان بلية " .
وكذا هو في "سؤالات حمزة بن يوسف السهمي للدارقطني وغيره من
المشايخ " (205/ 270 - طبع مكتبة المعارف - الرياض) .
ولذلك فقد أحسن الحافظ حين قال في ترجمة الحسين هذا :
"ومن بلاياه قال : حدثنا موسى بن محمد الرملي ... بحديث سيأتي في
ترجمة موسى بن محمد البلقاوي " .

(13/618)


فأشار بهذا إلى أن التهمة محصورة بين الحسين والبلقاوي .

6285 - ( أَلاَ لاَ يَحِلُّ هَذَا الْمَسْجِدُ لِجُنُبٍ وَلاَ حَائِضٍ ؛ إِلاَّ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِي ،ٍّ وَفَاطِمَةَ ، وَالْحَسَنِ ، وَالْحُسَيْنِ ، أَلاَ قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمُ
الأَسْمَاءَ ؛ أَنْ تَضِلُّوا ) (*) .
موضوع بهذا التمام .
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/ 291) ، ومن
طريقه ابن عساكر (5/42) ، والبيهقي في "السنن" (7/65) من طريق محمد بن
يونس : ثنا عبدالله بن داود : ثنا الفضل بن دكين : ثنا حميد بن أبي غنية عن أبي
الخطاب الهَجَري عن محدوج الذهلي عن جسرة عن أم سلمة قالت :
خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى صرحة هذا المسجد فقال : ... فذكره .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته محمد بن يونس هذا ، - وهو : الكديمي - متهم بالكذب
والوضع . وقد خولف في متنه ، فقال ابن أبي حاتم في "العلل" (1/99/269) :
"سمعت أبا زرعة - وذكر حديثاً حدثنا به - عن أبي نعيم عن ابن أبي غنية ... "
به ؛ فذكر الحديث ؛ لم يذكر الزيادة التي في آخره بلفظ :
"إلا للنبي ، ولأزواجه ، وعلي وفاطمة بنت محمد" .
وقال أبو زرعة :
"يقولون : عن جسرة عن أم سلمة ، والصحيح عن عائشة" .
قلت : وأعله البيهقي بما رواه عن البخاري أنه قال :
"محدوج الذهلي ... فيه نظر" . قال البيهقي :
__________
(*) كتب المؤلف بهامش الأصل : "مضى برقم (4973)" .

(13/619)


"وقد روي هذا من وجه آخر عن جسرة ، وفيه ضعف ".
ثم ساقه من طريق عطاء بن مسلم عن إسماعيل بن أمية عن جسرة عن أم
سلمة ... به مثل حديث الترجمة ؛ دون قوله :
"ألا قد بينت ... ".
قلت : وعطاء بن مسلم الظاهر أنه الخفاف ، قال الحافظ في "التقريب" :
"صدوق ، يخطئ كثيراً ".
وقد أخطأ في إسناده ؛ فإن الصواب : عن جسرة عن عائشة كما تقدم عن
أبي زرعة.
وقي متن الحديث اختلاف آخر ؛ فقد أخرجه ابن ماجه (645) من طريق
أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن يحيى قالا: ثنا أبو نعيم... به ؛ دون قوله:
"إلا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ، إلخ .
وبدون الزيادة هذه جاء حديث عائشة ، ولا يصح أيضاً ؛ لأنه من رواية أفلت
ابن خليفة عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة . قال البخاري :
"جسرة عندها عجائب ".
وقد خرجت الحديث وتكلمت عليه بما فيه كفاية في "ضعيف أبي داود" (32).

6286 - ( أنا شجرة ، وفاطمة أصلها أو فرعها ، وعليٌّ لقاحها،
والحسن والحسين ثمرتها ، وشيعتنا ورقها ، فالشجرة أصلها من جنة
عدن ، الاصل والفرع ، واللقاح والورق والثمر في الجنة ).
موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (2/336- 337 و 6/459) ، ومن

(13/620)


طريقه ابن عساكر في "التاريخ " (5/43) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/5)
من طريق الحسن بن علي الأزدي أبي عبدالغني : ثنا عبدالرزاق عن أبيه عن مينا
ابن أبي مينا - مولى عبد الرحمن بن عوف - عن عبدالرحمن بن عوف : أنه قال :
ألا تسألوني قبل أن تشاب الأحاديث بالأباطيك ؛ قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ...
فذكره . وقال ابن عدي :
"لا يعرف إلا بهذا الإسناد ، ولعل البلاء فيه من مينا ، أو عبدالرزاق ، لا من
أبي عبدالغني " .
كذا قال! وأبو عبدالغني هذا : متهم بوضع حديث آخر ، وهو الآتي بعده ، فليس
من السهل تبرئته منه ، وإن كان الحاكم قد رواه من غير طريقه ؛ فقال (3/ 160) :
حدثنا أبو بكر محمد بن حيويه بن المؤمل الهمداني : ثنا إسحاق بن إبراهيم
ابن عباد : أنا عبدالرزاق بن همام : حدثني أبي : حدثني أبي عن ميناء بن أبي
ميناء ... به . وقال الحاكم :
"هذا متن شاذ - وإن كان كذلك - ؛ فإن إسحاق الدبري صدوق ، وعبدالرزاق وأبوه
وجده ثقات ، وميناء مولى عبدالرحمن بن عوف قد أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمع منه" !
وتعقبه الذهبي بقوله :
"قلت : ما قال هذا بشر سوى الحاكم ، وإنما ذا تابعي ساقط ، وقال أبو حاتم :
كذاب يكذب . وقال ابن معين : ليس بثقة . ولكن أظن أن هذا وضع على الدبري ؛
فإن ابن حيويه متهم بالكذب ، أفما استحييت أيها المؤلف أن تورد هذه الأخلوقات
من أقوال الطرقية فيما يستدرك على الشيخين ؟! " .
وأقره السيوطي في "اللآلي " (1/406) وتبعه ابن عراق في "تنزيه الشريعة"
(1/414) .

(13/621)


وقد تعقب الحاكم أيضاً الحافظ في ترجمة مينا من "الإصابة" ، وناقشه
مناقشات أربعة ، أهمها قوله في الإسناد : "حدثني أبي : حدثنى أبي" فالظاهر :
أن "حدثني أبي" الثانية خطأ ، قال الحافظ :
"جد عبدالرزاق مما يستغرب ؛ فإنه لا ذكر له " .
والخلاصة : فالحديث موضوع بلا شك ، وهو إن سلم من وضع مينا على
عبدالرحمن بن عوف ؛ فلن يسلم من وضع أبي عبدالغني كحديثه الآتي :

6287 - ( إذا كان يوم عرفة ؛ غفر الله للحاج ، فإذا كانت ليلة المزدلفة ؛
غفر الله عَزَّ وَجَلَّ للتجار ، فإذا كان يوم مِنىً غفر الله للجَمَّالين ، فإذا
كان يوم رمي جمرة العقبة ؛ غفر الله عَزَّ وَجَلَّ للسُؤَّال ، فلا يشهد ذلك
الموضع أحد إلا غَفَر له ) .
موضوع .
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 240) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في " الموضوعات " (2/215) ، وابن عبدالبر في "التمهيد" (1/127) ، وابن عساكر
(13/599 - المصورة و 17/268/1/المخطوطة) من طرق عن أبي عبدالغني الحسن
ابن علي : حدثنا عبدالرزاق : أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة مرفوعاً .
أورده ابن حبان في ترجمة أبي عبدالغني وقال :
"يروي عن مالك وغيره من الثقات ويضع عليهم ؛ لا تحل كتابة حديثه ولا
الرواية عنه بحال ، وهذا شيخ لا يكاد يعرفه إلا أصحاب الحديث لخفائه ؛ ولكني
ذكرته ؛ لئلا يغتر بروايته من لم يسبر أخباره " .

(13/622)


قلت : ومن هؤلاء الذين لم يعرفوه ابن عبدالبر ، فقد قال عقبه :
"هذا حديث غريب من حديث مالك ، وليس محفوظاً عنه إلا من هذا الوجه ،
وأبو عبدالغني ؛ لا أعرفه " .
ولم يقع في إسناد ابن حبان ذكر لعبدالرزاق ، ويبدو أنه سقط قديم من بعض
النسخ ، فقد ذكره الذهبي برواية ابن حبان بالسقط ؛ فعقب عليه الحافظ بقوله :
"قد أخرجه الدارقطني في "الغرائب" من طريقه (يعني : أبا العبد) من
وجهين عنه ، لكن زاد بين الحسن ومالك عبدالرزاق وقال : باطل وضعه أبو
عبدالغني على عبدالرزاق " .

6288 - ( كنا نتحدث أن النبيَّ ! عَهِدَ إلى عليٍّ سبعين عهداً
لم يعهدها إلى غيره ) .
باطل .
أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص 199) ، ومن طريقه أبو نعيم
في وأخبار أصبهان " (2/255) : ثنا محمد بن سهل بن الصباح الصفار الأصبهاني :
ثنا أحمد بن الفرات الرازي : ثنا سهل بن عبدربه الرازي [المعروف بـ (السندي بن
عبدويه)] : ثنا عمرو بن أبي قيس عن مطرف بن طريف عن المنهال بن عمرو عن
التميمي عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال : ... فذكره . وقال :
"لم يروه عن مطرف إلا عمرو بن أبي قيس ، ولا عن عمرو إلا سهل . تفرد به
أحمد بن الفرات . واسم التميمي : (أربِدَة)" .
قلت : قال الذهبي عقبه :
"وهو منكر" . ذكره في ترجمة (أربدة) هذا من "الميزان " ، وقال :

(13/623)


"ما روى عنه سوى أبي إسحاق " .
وهو في ذلك تابع لشيخه الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" ، وتبعهم الحافظ
ابن حجر في "تهذيبه " ؛ فقال :
"روى عنه أبو إسحاق السبيعي وحده فيما ذكر غير واحد" .
قال هذا مع أنه ذكر رواية الطبراني هذه ؛ تبعاً للذهبي والمزي - ومنه استفدت
الزيادة بين المعكوفتين - فكأنهم لم يعتدوا بها واعتبروها غير محفوظة ؛ لأن الراوي
فيها عن أربدة التميمي : المنهال بن عمرو ، وفي الطريق إليه من تكلم في حفظه
- وهو : عمرو بن أبي قيس - وهذه ترجمته من "تهذيب الحافظ" :
"قال أبو داود : فِي حَدِيثِه خطأ . وقال في موضع آخر : لا بأس به . وذكره ابن
حبان في "الثقات " . وقال ابن شاهين في "الثقات" : قال عثمان بن أبي شيبة : لا
بأس به ، كان يهم في الحديث قليلاً . وقال أبو بكر البزار في "السنن" : مستقيم
الحديث " .
قلت : فالظاهر أنهم لم يعتدوا بروايته لهذا الضعف في حفظه ؛ ولذلك قال
ابن البرقي في (أربدة) هذا :
"مجهول " . وذكره البرديجي في "أفراد الأسماء" . وأبو العرب الصّقلي حافظ
القيروان في "الضعفاء" ؛ كما في "التهذيب " .
وأما ابن حبان فأورده في "ثقأته " (4/52) برواية أبي إسحاق وحده ، وكذا
أورده العجلي في "ثقاته " أيضاً (59/54) ، ولا غرابة في ذلك ؛ فإنهما متساهلان
في التوثيق ، كما هو معروف ، وإنما الغرابة في قول الحافظ في "التقريب " :
" صدوق "!

(13/624)


لأن تفرد أبي إسحاق بالرواية عنه مما لا يساعد على ذلك .
وأما الذهبي فقال في "الكاشف " :
"وعنه أبو إسحاق والمنهال بن عمرو"!
كذا قال! وبيَّض له كما ترى . والصواب ما تقدم نقله عنه من "الميزان " : أنه
ما روى عنه سوى أبي إسحاق ، وأن حديثه هذا منكر .
ومن دونه كلهم ثقات من رجال "التهذيب " سوى السندي بن عبدويه ، ومحمد
ابن سهل شيخ الطبراني .
1 - أما السندي ، فقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" فقال
(2/1/318) :
"سندي بن عبدويه الرازي ، واسمه سهل بن عبدالرحمن ، ويقال : سهل بن
عبدويه ، وكنيته : أبو الهيثم ..." .
ثم ذكر جماعة من شيوخه روى عنهم منهم عمرو بن أبي قيس ، وقال :
"وكان قاضياً على همذان ، روى عنه أحمد بن الفرات وزافر بن سليمان
وعمرو بن رافع أبو حجر وعبدالله بن سالم البزاز ، وخالا أبي : محمد وإسماعيل
ابنا يزيد وحجاج بن حمزة ، وأبو عبدالله الطهراني ومحمد بن عمار . سمعت أبي
يقول : رأيته مخضوب الرأس واللحية . ولم أكتب عنه ، وسمعت كلامه ، وسمعت
أبا الوليد الطيالسي يقول : لم أر بالري أعلم بالحديث من رجلين ؛ من قاضيكم
يحيى بن الضريس ، ومن السندي بن عبدويه " .
وذكره ابن حبان في (الثقات " (8/ 304) وقال :

(13/625)


"روى عنه محمد بن حماد الطهراني ، يغرب" .
ثم ذكره ابن أبي حاتم في مكان آخر باسمه : (سهل بن عبدالرحمن) المعروف
بـ : (السندي بن عبدويه الرازي) ، وزاد هنا ؛ فقال :
"سئل أبي عنه ؟ فقال : شيخ " .
قلت : وقوله هذا هو عنده قريب من منزلة من قيل فيه : صدوق ، أو محله
الصدق ، أو لا بأس ... ، وقال :
"يكتب حديثه ، وينظر فيه ! - كما في مقدمة الجزء الأول ص (37) - .
ومن المعلوم بداهة أن هذه المنزلة وما قاربها هى منزلة من كان حسن الحديث ؛
لأن المنزلة الأولى عنده - وهي لمن قيل فيه : "ثقة ، أو متقن ثبت" ؛ هي - لمن كان
صحيح الحديث .
ويبدو لي - والله أعلم - أن هذا هو ما يعنيه ابن حبان أيضاً بهذه الكلمة :
"شيخ" ، وقد أحصيت له في حرف الألف فقط أكثر من (75) راوياً أطلقها
عليهم ، ورأيته قال في بعضهم : "مستقيم الحديث" ، وفي أحدهم : "كان شيخاً
صالحاً " ؛ فإن إطلاقه لهذه الكلمة على جمهرة كبيرة من رجال "ثقاته " لا يمكن
أن يحمل إلا على هذا الذي بدا لي ، وليس كما زعم بعض الجهلة من الطلبة
المتعالمين في إطلاقه قوله : "يغرب ، على كثير من رجاله أنه يعني به تضعيفهم
! ومجال الرد عليه في مكان آخر إن شاء الله تعالى . ويؤيد ما ذكرته أمران :
أحدهما : أن ابن حبان أخرج لسهل هذا حديثاً عن أبي هريرة في الكتمان ،
وقال عقبه في "روضة العقلاء" :

(13/626)


"هذا اسناد حسن" .
وهو مخرج في (الصحيحة" (1453) ؛ المجلد الثالث ، وقد زعم بعض المغرورين
من الطلبة المعاصرين أنه حديث موضوع اغتراراً منه بطرقه الأخرى الواهية ،
وإعجاباً برأيه الفج ، وسنبين ذلك إن شاء الله حينما تأتي المناسبة ، ولعل ذلك إذا
تيسر طبع المجلد المذكور طبعة جديدة .
والآخر : أن الحافظ ابن كثير فِي حَدِيثِ أخر لسهل هذا بسنده عن أبي لبابة
ابن عبدالمنذر الأنصاري في الاستسقاء قال في "البداية" (6/92) :
"وهذا إسناد حسن " .
وأما قول ذلك الطالب :
"وهذا من تساهله رحمه الله"!
فهو من جهله وغروره ؛ لأنه يزعم أن سهلاً هذا ضعيف ، وأن قول ابن حبان
فيه ؛ "يغرب " تضعيف منه له! وقد عرفت ضعف ذلك الزعم مما تقدم .
هذا ما يتعلق بالسندي سهل بن عبدالرحمن ، وخلاصة ذلك : أنه ثقة وسط
حسن الحديث .
2 - وأما محمد بن سهل بن الصباح الصفار الأصبهاني ، فقال أبو الشيخ في
"طبقات المحدثين في أصبهان " (375/493) :
"كان معدلاً ، أروى الناس عن أبي مسعود ، توفي سنة (313) " .
ونحوه في "أخبار أنصبهان " لأبي نعيم (2/255) ، وفي ترجمته ساق هذا
الحديث .

(13/627)


قلت: وقد خولف في إسناده ؛ فقال أبو الشيخ في ترجمة أبي مسعود أحمد
ابن الفرات من "الطبقات" (ص 170):
حدثنا أبو العباس الجمال ومحمد بن الحسن قالا: حدثنا أبو مسعود قال:
حدثنا سهل بن عبدربه الرازي- ولقبه السندي- قال: حدثنا عمرو بن أبي قيس
عن ميسرة النّهدي عن المنهال بن عمرو عن التيمي... به.
قلت : فجعل "ميسرة النهدي" مكان "مطرف بن طريف"، ولعل هذا أصح ؛
لاتفاق اثنين عليه: أحدهما أبو العباس الجمال- وهو: أحمد بن محمد بن عبدالله-
قال أبو الشيخ (605/427):
"كان من علماء الناس بالحديث والفقه.. توفي سنة (301) ".
وكذا في "أخبار أصبهان " (1/125).
ومحمد بن الحسن- كذا في المنسوخة- وأنا أظنه أبا صالح محمد بن الحسن
ابن المهلب المديني، توفي سنة (322)، سمع أبا مسعود "المسند" له ومصنفاته ،
كما في "أخبار أصبهان " (2/247) ؛ تبعاً لأبي الشيخ في "طبقاته " (352/481) ؛
لكن وقع فيه: "ابن الحسين" ، ولعل الأول أصح لمطابقته لما في إسناد الحديث في
ترجمة أبي مسعود ، كما تقدم . والله أعلم.
وبهذا التخريج يتبين أن علة الحديث تدور على (أربدة التميمي) ؛ لجهالته- وهو
الذي يدل عليه صنيع الذهبي كما تقدم- أو عمرو بن أبي قيس ؛ لسوء حفظه
الذي شهد به أبو داود وغيره كما سبق . كما تبين أيضاً أنه ليس فيهم من لا
يعرف ، كما توهم الهيثمي ؛ فقد قال في تخريج الحديث (9/113):
"رواه الطبراني في دا الصغير،، وفيه من لم أعرفهم "!

(13/628)


ويغلب على ظني أنه يشير بذلك إلى رجلين من الإسناد :
أحد هما : سهل بن عبدربه ؛ فإن أحداً لم يترجمه بهذه النسبة ، وإنما ترجمه
ابن أبي حاتم وابن حبان باسم : "سندي بن عبدويه " ، وترجمه الأول باسم سهل
ابن عبدالرحمن أيضاً كما تقدم ؛ فخفي عليه .
والأخر : محمد بن سهل بن الصباح شيخ الطبراني ، فلم يعرفه ؛ لأن مصدر
ترجمته عزيز . والله أعلم .
وأما قول مؤلف ما سماه بـ "إقامة البرهان ... " (ص 129) :
" وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/152) : رواه الطبراني ورجاله ثقات "!
فهو من تخاليطه ، وأوهامه الكثيرة ؛ فإن هذا الذي عزاه للهيثمي بالصفحة
والجزء المشار إليهما إنما هو فِي حَدِيثِ آخر موقوف عن سلمان قال :
" أول هذه الأمة وروداً على نبيها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولها إسلاماً علي بن أبي طالب "!
ثم أعل المشار إليه الحديث بالسندي ، متجاهلاً ما فوقه من العلتين اللتين
سبق بيانهما لغاية في نفسه ، لا مجال لبيانها الآن ، وسنقوم بذلك في الوقت
المناسب إن شاء الله تعالى ، ثم زاد على ذلك ، فأوهم القراء أن الذهبي جعل
الحديث من مناكير السندي ، خلافاً للواقع ، فإنه جعله من مناكير التميمي ؛ لأنه
ذكر ذلك في ترجمته ، كما تقدم ذلك عنه .
وأما أن متن الحديث باطل ؛ فلأنه مخالف لما صح عن علي رضي الله عنه
أنه قال :
"والله ما عهد إلي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهداً ؛ إلا شيئاً عهده إلى الناس " .

(13/629)


أخرجه مسلم (8/122 - 123) ، وأحمد (1/142 - 143) واللفظ له رحمه
الله . وله روايات أخرى في "الصحيحين" وغيرهما ذكرت بعضها في "الروض
النضير" تحت حديث الترجمة .
ونحوه في البطلان أو النكارة على الأقل حديث أم سلمة الآتي ، رأيت من
الضروري تخريجه والكشف عن علته ، لأن غير ما واحد من المتقدمين والمتأخرين
خفيت عليهم ، وقد أشار الحافظ إلى نكارته لخالفته للحديث المتفق على صحته عن
عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، ثم حاول التوفيق بينهما ، وهذا فرع التصحيح ، فخشيت أن
يتبادر إلى ذهن أحد قرائه فيفهم منه أنه ثابت وليس كذلك ، وإليك البيان .

6289 - ( وَالَّذِي تَحْلِفُ بِهِ أُمُّ سَلَمَةَ ! إِنْ عليَّاً كَانَ أَقْرَبَ النَّاسِ
عَهْداً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَما كَانَ غَدَاةَ قُبِضَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رسولاً وَأُرَاه
كان بَعَثَهُ فِي حَاجَةٍ له ، قَالَتْ : فَجَعَلَ يَقُولُ غَدَاةً بَعْدَ غَدَاةٍ :
أجَاءَ عَلِيٌّ ؟ أجَاءَ عَلِيٌّ ؟ (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ، فَجَاءَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ،
فَلَمَّا جَاءَ ؛ عَرَفْنَا أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ حَاجَةً ؛ فَخَرَجْنَا مِنَ الْبَيْتِ ، وَكُنَّا عُدْنَا
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ، وَكُنْتُ مِنْ آخِرَ مَنْ خَرَجَ مِنَ
الْبَيْتِ ، ثُمَّ جَلَسْتُ أَدْنَاهُنَّ مِنَ الْبَابِ ، فَأَنْكَبَّ عَلَيْهِ عَلِيٌّ ، فجَعَلَ
يُنَاجِيه وَيُسَارُّهُ ، فَكَانَ اقرب (وفي لفظ : آخِرَ) النَّاسِ بِهِ عَهْداً بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليٌّ ) .
منكر .
أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده " (4/213/2) : أخبرنا جرير
عن المغيرة بن مقسم الضبي عن أم موسى عن أم سلمة أنها قالت : ... فذكره .

(13/630)


وتابعه ابن أبي شيبة في "المصنف" فقال (12/57) : حدثنا جرير بن
عبدالحميد ... به .
ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه أحمد في "المسند" (6/ 300) ، وكذا ابنه
في "زوائده" ، وفي "الفضائل" أيضاً (2/686/1171) ، ومن طريقه أيضاً أبو يعلى
في "مسنده" (12/364/6934) ، وكذا أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/250) ،
والطبراني أيضاً (23/375/887) - واللفظ الآخر له - ، وهذان الأخيران والنسائي
في (خصائص علي رضي الله عنه) (165/155 - تحقيق البلوشي) من طرق أخر
عن جرير ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (12/325 - 326) من طريق أحمد
وأبي يعلى ، والحاكم (3/138 - 139) من طريق أحمد ، وقال :
" صحيح الإسناد " ! ووافقه الذهبي!
قلت : وقلدهما جمع منهم المعلق على "الفضائل " ، والمعلق على "مسند أبي
يعلى" ، ولعل منهم الهيثمي ؛ فإنه قال (9/112) :
"رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني باختصار ، ورجالهم رجال الصحيح ؛ غير أم
موسى ، وهي ثقة"!
وأقول : لم يوثقها غير العجلي فيما ذكر الحافظ في ترجمتها من "التهذيب " ،
وذكر أنه قيل : اسمها : فاختة . وقيل : حبيبة . ولم أر لها ذكراً في "تاريخ ثقات
العجلي " ترتيب الحافظ الهيثمي ، لا في (الكنى) ولا في (الأسماء) منه ؛ لكن
قد أوردها السبكي في كتابه "ترتيب ثقات العجلي " ؛ فقال :
"كوفية تابعية ثقة" . وهي آخر ترجمة فيه .

(13/631)


وإذا تبين هذا ؛ فهو توثيق غير معتبر ؛ لما عرف عن العجلي من التساهل في
التوثيق كابن حبان ، فكيف يكون حال من لم يوثقه ابن حبان نفسه ؟! وقد أشار
إلى ذلك الدارقطني بقوله :
"يخرج حديثها للاعتبار" . ذكره الذهبي في "الميزان " .
بل فيه إشارة إلى أنها ممن يستشهد به ؛ ففي "اختصار علوم الحديث " لابن
كثير (ص 64) مانصه :
"ويغتفر في باب الشواهد والمتابعات من الرواية عن الضعيف القريب الضعف
- ما لا يغتفر في الأصول - كما يقع مثل ذلك - . ولهذا يقول الدارقطني في بعض
الضعفاء : يصلح للاعتبار . أو : لا يصلح أن يعتبر به . والله أعلم " .
ولا ينافي ذلك ما زاده الحافظ في "التهذيب " على الذهبي في نقله عن
الدارقطني :
"حديثها مستقيم ، يخرج ... " إلخ .
لأنه يحتمل أنه يعني حديثاً معيناً ؛ كما يقولون في كثير من الأحيان :
"لا يتابع على حديثه " . ويعنون : حديثاً خاصاً .
ويؤيد ما ذكرت أن الحافظ الناقل لهذه الزيادة لم يوثق أم موسى هذه ، وإنما قال
فيها :
"مقبولة" . فهذا بمعنى قول الدارقطني فيها :
لايخرج حديثها للاعتبار" .
فصح قولي أن الدارقطني أراد بالجملة الزائدة حديثاً معيناً لها . والقواعد

(13/632)


العلمية الحديثية لا تساعد على توثيق مثلها ؛ فقد قال الذهبي قبيل ما نقله عن
الدارقطني :
"تفرد عنها مغيرة بن مقسم " .
ثم رأيت الخزرجي قد اختصر في كتابه "خلاصة تذهيب الكمال " عبارة
الدارقطني ، فقال :
"قال الدارقطني : حديثها مستقيم يعتبر به "!
فجعل الشطر الثاني من كلام الدارقطني تفسيراً للشطر الأول منه ، وذلك يعني
ما كنت انتهيت إليه أنه يستشهد بها ولا يحتج بها . والله سبحانه وتعالى أعلم .
ثم إن فِي حَدِيثِها علة أخرى غير تفرد المغيرة عنها ، وهي : عنعنة المغيرة في
كل المصادر المذكورة آنفاً ، فلا أدري كيف غفل عنها الذهبي وهو نفسه قد أورد
المغيرة هذا في "منظومته" في المدلسين ؟! وهي معروفة مطبوعة عدة طبعات ، وذكره
فيهم غيره من الحفاظ المتقدمين والمتأخرين ، وأورده خاتمتهم العسقلاني في الطبقة
الثالثة منهم الذين أكثروا التدليس ، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا
فيه بالسماع ... " .
وقد عارض هذا الحديث ما صح من طرق عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت :
"مات رسول الله بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي ويومي ، وبين سحري ونحري " .
وفي رواية : "بين حاقنتي وذاقنتي " .
أخرجه الشيخان وغيرهما كأحمد (6/48 و64 و77 و121 و200) . وابن
سعد (2/260 - 261) .
وذكر الحافظ في "الفتح " (8/139) في شرح حديث عائشة هذا جملة من

(13/633)


الأحاديث معارضة له ساقها حديثاً حديثاً من طرق ، وقال :
"وكل طريق منها لا يخلو من شيعي ؛ فلا يلتفت إليها" .
قلت : وهي كلها من رواية ابن سعد عن الواقدي الكذاب بأسانيده وكلها
معلولة ، إلا طريق حبة العرني عن علي قال :
أسندته إلى صدري فسالت نفسه .
فإنها عند الحاكم في "الإكليل" ، قال الحافظ :
"وحبة ضعيف " .
قال الحافظ :
"ومن حديث أم سلمة قالت : علي آخرهم عهداً برسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . والحديث
عن عائشة أثبت من هذا ، ولعلها أرادت : (آخر الرجال به عهداً) " .
قلت : مثل هذا التأويل يمكن أن يصار إليه للجمع بين حديثين من قسم
المقبول - كما قرره الحافظ نفسه في "شرح النخبة" - ، أما التوفيق بين حديث عائشة
الصحيح وحديث أم سلمة المنكر ؛ فهو مرفوض .

6290 - ( يَا مُعَاذُ ! مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئاً عَلَى ظهر الأَرْضِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ
عِتَاقٍ ، وَمَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئاً عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلاَقِ ، فَإِذَا
قَالَ الرَّجُلُ لِعبدهِ : أَنْتَ حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ؛ فَهُوَ حُرٌّ ، وَلاَ اسْتِثْنَاءَ لَهُ . وَإِذَا
قَالَ لاِمْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ؛ فَلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ ، وَلاَ طَلاَقَ عَلَيْهِ ) (*) .
منكر .
أخرجه عبدالرزاق في "المصنف " (6/390/11331) : عن إسماعيل
__________
(*) كتب الشيخ رحمه الله بهامش الأصل : "تقدم برقم (4414) " . (الناشر) .

(13/634)


ابن عياش قال : أخبرني حميد بن مالك : أنه سمع مكحولاً يحدث عن معاذ بن
جبل ... مرفوعاً .
ومن هذا الوجه أخرجه الدارقطني (4/35/94) ، وابن عدي (2/279) ،
ومن طريقه البيهقي (7/ 361) ، وابن الجوزي في "العلل " (2/155/1066) .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ منقطع ، مكحول لم يسمع من معاذ ، مع كونه
مدلساً . وحميد بن مالك ؛ وقد اتفقوا على تضعيفه .
وفي رواية للدارقطني - وعنه البيهقي - عن حميد بن الربيع : نا يزيد بن
هارون : نا إسماعيل بن عياش ... بإسناده نحوه ؛ قال حميد :
" قال لي يزيد بن هارون : وأي حديث لو كان حميد بن مالك اللخمي
معروفاً ؟ قلت : هو جدي . قال يزيد : سررتني سررتني! الآن صار حديثاً " .
قلت : رده البيهقي بقوله :
"ليس فيه كبير سرور ؛ فحميد بن ربيع بن حميد بن مالك الكوفي الخزاز :
ضعيف جداً ، نسبه يحيى بن معين وغيره إلى الكذب ، وحميد بن مالك :
مجهول ، ومكحول عن معاذ : منقطع " .
وأقول : قوله في حميد : "مجهول " ... مردود ، دهان قال ابن معين والنسائي :
" لم يحدث عنه إلا إسماعيل بن عياش " .
فقد روى عنه أيضاً معاوية بن حفص - وهو صدوق ، - هذا الحديث نفسه ،
أخرجه ابن عدي عنه بإسناده المتقدم بلفظ :
سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رجل قال لامرأته : أنت طالق إن شاء الله ؟ قال : "له

(13/635)


استثناؤه " . فقال رجل : يا رسول الله! فإن قال لغلامه : أنت حر إن شاء الله ؟ قال :
" يعتق ؛ لأن الله يشاء العتق ، ولا يشاء الطلاق "!
ثم رواه من طريق المسيب بن شريك : ثنا حميد بن مالك ... به ، وقال :
"لأن الله تبارك وتعالى يحب العتاق ، ويبغض الطلاق " .
قلت : فهؤلاء ثلاثة قد رووا عن حميد ، وقد أشار ابن عدي في آخر ترجمته
إلى رد قول ابن معين والنسائي المذكور آنفاً ، وقال :
"وأحاديثه مقدار ما يرويه منكر" .
وقد روى عنه رابع : فأخرجه الدارقطني (رقم 96) من طريق عمر بن إبراهيم
ابن خالد ؛ نا حميد بن عبدالرحمن بن مالك اللخمي ... بإسناده مختصراً بلفظ :
"ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق ، فمن طلق واستثنى ؛ فله ثنياه " .
لكن عمر هذا : قال الدارقطني :
"كذاب خبيث " . وقال الخطيب في "التاريخ " (11/202) :
"كان غير ثقة ، يروي المناكير عن الأثبات " .
وذكر له الذهبي في "الميزان " حديثين منكرين جداً .
ثم قال البيهقي عقب كلامه السابق :
"وقد روي في مقابلته حديث ضعيف لا يجوز الاحتجاج بمثله " .
ثم ساق بإسناده إلى ابن عدي بسنده إلى ابن عباس مرفوعاً ، وفيه :
"أن من قال لغلامه : أنت حر إن شاء الله ؛ فلا شيء عليه " .

(13/636)


وهو مخرج في "الإرواء" (7/154/2071) . وقال البيهقي عقبه :
"وفي حديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كفاية" .
يشير إلى حديثه الذي ذكره في الباب بلفظين :
أحدهما : "إذا حلف الرجل فقال : إن شاء الله ؛ فقد استثنى" .
والآخر : "من حلف على يمين فقال : إن شاء الله ؛ فهو بالخيار ، إن شاء ؛ فعل ،
وإن شاء ؛ لم يفعل " .
وهو مخرج في "الإرواء" أيضاً (8/198 - 199) .

6291 - (ينبغي للرجل - إذا خرجَ إلى أصحابه - أن يُهَيِّئ من
لحيتِه ورأسِه ؛ فإن اللهَ جميلٌ يحبُ الجمالَ ) .
ضعيف جداً .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (1/348) ، ومن طريقه ابن
الجوزي في "العلل المتناهية " (2/198/) - ، وابن لال ؛ كلاهما عن أيوب بن مدرك
عن مكحول عن عائشة :
خرج رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى صلاة العصر ، فمر بركية فيها ماء ، فاطلع فيها ،
فسوى من لحيته ومن رأسه ، فقالت عائشة : أوأنت تفعل هذا يا رسول الله ؟! ]
فقال : ... فذكره . وقال ابن عدي :
" هذا حديث منكر عن مكحول . قال ابن معين : أيوب بن مدرك كذاب " .
زاد ابن الجوزي :
"وقال أبو حاتم والدارقطني : متروك " . وزاد السيوطي في "ذيل الأحاديث
الموضوعة " (ص 143 - هند) :

(13/637)


"وقال ابن حبان : روى عن مكحول نسخة موضوعة" .
قلت : ومن "الذيل" استفدت الزيادة التي بين المعكوفتين ، وقد عزاه لابن
لال ، ومقتضى إيراده إياه في "الذيل " أنه حديث موضوع ، وما هو عن الصواب
ببعيد ، لكن الجملة الأخيرة منه : "إن الله جميل يحب الجمال" ... قد ثبتت في
جملة من الأحاديث الصحيحة ، وقد خرجت طائفة طيبة منها في "الصحيحة"
(1626) ، فمن شاء ؛ رجع إليها .
هذا ؛ وقد روي النهي عن النظر في الماء المذكور في هذا الحديث ، ولكنه لا
يصح أيضاً ؛ بل هو موضوع ، وهو الآتي بعده :

6292 - ( لا ينظرأحدُكم إلى ظِلِّه في الماءِ ) .
موضوع .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/133/2/7562) قال :
حدثنا محمد بن علي بن حبيب : ثنا محمد بن سلام المنبجي : ثنا أبو نعيم :
ثنا طلحة بن عمرو عن عطاء عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... مرفوعاً . وقال :
"تفرد به محمد بن سلام ، ولا يروى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بهذا الإسناد" .
قلت : وهو ضعيف جداً ، بل هو موضوع ؛ آفته طلحة بن عمرو - وهو :
الحضرمي - ، مجمع على ضعفه ، وقال بعضهم :
" متروك الحديث " . وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/382) :
" كان ممن يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم ، لا يحل كتابة حديثه ولا
الرواية عنه إلا على جهة التعجب" . وقال الهيثمي عقب الحديث (8/112 - 113) :
" ... وفيه طلحة بن عمرو ، وهو ضعيف" !
كذا قال! وفيه تساهل ظاهر ، ومن عادته أن يقول فيه : "متروك " - كما قال

(13/638)


في الحديث المتقدم (1585) - ، وهو الأقرب ، وكذا قال الحافظ - كما تقدم في
الحديث (1804) - .
وأما محمد بن سلام المنبجي - الذي تفرد به ، فقد - : أورده ابن حبان في
" الثقات" (9/ 101) ، وقال :
"ربما أغرب " . ونحوه قول ابن منده :
"له غرائب" ؛ كما في "الميزان" و"اللسان" ، وقد تحرف في الثاني منهما :
(المنبجي) ... إلى : (التيمي) ، ولم يتنبه لذلك المعلق على "الثقات" ؛ فطبع مكان :
(المنبجي) : (التيمي) ، كما نبهت عليه في كتابي "تيسير انتفاع الخلان بثقات
ابن حبان " يسر الله لي إتمامه بمنه وكرمه (*) .
وأما شيخ الطبراني محمد بن علي بن حبيب - وهو : الطرائفي الرقي - فلم أجد
له ترجمة ، وقد ساق له الطبراني في المجلد المذكور من "أوسطه " عشرين حديثاً ،
أحدها في "معجمه الصغير" أيضاً ، وهو في "الروض النضير" برقم (308) .

6293 - ( من قال كل يوم مرة : سبحان القائم الدائم ، سبحان الحي
القيوم ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الله العظيم وبحمده ،
سبوح قدوس ، رب الملائكة والروح ، سبحان ربي العليِّ الأعلى ،
سبحانه وتعالى ، لم يَمُت حتى يَرَى مكانه من الجنة ، أو يُرَى له ) .
موضوع .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (283/4) من طريق إبراهيم
ابن هشام الغساني : نبأنا شهاب بن خراش الحوشبي عن أبان عن أنس ... مرفوعاً .
__________
(*) قد تم الكتاب فيما نعلم - والحمد لله - ولم يطبع بعد . (الناشر) .

(13/639)


قلت : وهذا موضوع ؛ آفته أبان هذا - وهو : ابن أبي عياش - ، وهو متروك اتفاقاً ،
وكذبه بعضهم ، وتقدمت له أحاديث كثيرة .
والغساني أيضاً : متروك ، كذبه أبو حاتم وأبو زرعة ، فإن سلم من أبان ؛ فلن ي
سلم منه .
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية ابن شاهين في
" الترغيب " ، وابن عساكر عن أبان عن أنس .

6294 - ( من تأملَ خَلْقَ امرأةٍ حتى يستبين له حجمُ عظامها من
وراءِ ثيابها وهو صائم فقد أفطر ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (2/343 و 3/76) ، وابن الجوزي
في "الموضوعات " (2/195) من طريق ابن عدي ، وعبدالقادر القرشي في "جزء له
أسانيده ثمانيات " (ق 3/1) من طريق الحسن بن علي : حدثنا خراش بن عبدالله
خادم أنس بن مالك : ثنا مولاي أنس بن مالك قال : ... فذكره مرفوعاً . وقال
ابن عدي في ترجمة الحسن بن علي هذا - وساق له أحاديث أخر - :
"وله أحاديث قد وضعها غير ما ذكرت ، وعامتها - إلا القليل - موضوعات ،
وكنا نتيقن أنه هو الذي وضعها" . وقال الذهبي في ترجمة العدوي :
" هذا شيخ قليل الحياء ، ما يفكر فيما يفتريه " . وأقره الحافظ في "اللسان " .
وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/241) :
"يروي عن شيوخ لم يرهم ، ويضع على من رآهم الحديث ، حدث عن الثقات
بالأشياء الموضوعات ما يزيد على ألف حديث " . ثم ساق له بعضها . وقال ابن الجوزي :

(13/640)


"هذا حديث موضوع ، وفي إسناده كذابان ؛ أحدهما : العدوي ... " ، ثم ذكر
كلام ابن عدي وابن حبان . ثم قال :
"والثاني : خراش ؛ قال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به ، ولا كتب حديثه
إلا على جهة الاعتبار ؛ فإنه قد روى أشياء إذا تأملها مَنْ هذا الشأن صناعته ؛ علم
أنه كان يضع الحديث وضعاً " . وقال الذهبي فيه :
"ساقط عدم ، ما أتى به غير أبي سعيد العدوي الكذاب " . ثم قال ابن الجوزي :
"وهذا إنما يروى من كلام حذيفة ، وفيه ليث ، وهو مجروح أيضاً " .
وأقره السيوطي في "اللآلي" (2/105) ، وابن عراق في "تنزيه الشريعة"
(2/147) .
والحديث أورده عبدالحق الإشبيلي في "الأحكام " (ق 91/1) وقال :
"خراش هذا مجهول ، وله صحيفة ، وهذا الحديث منها ، والذي يرويها عنه
ضعيف" !
كذا قال! وهو تساهل واضح ، والظاهر أنه لم يقف على كلام ابن عدي وابن
حبان فيه . والله أعلم .
وأشد تساهلاً منه ابن حزم الظاهري ؛ فإنه أورد الحديث في "طوق الحمامة"
(ص 124 - طبع التجارية) جازماً بنسبته إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً :
"وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : من تأمل ... " الحديث!
واكتر به مؤلف "تحرير المرأة في عهد الرسالة" (4/77) ؛ فنقله عنه جازماً به
أيضاً!

(13/641)


فما أرى ابن حزم إلا كابن الجوزي ؛ له شخصيتان : فشخصيته في "المحلى"
شخصية عالم ناقد ، لا يروي حديثاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الا بعد أن يتثبت من صحته ،
وشخصية أخرى في كتبه الأخرى كالسيرة وغيره كهذا "الطوق" ؛ فهو يروي فيه ما
هب ودب كهذا وغيره!
ولذلك فقد بدا لي أن أتتبع الأحاديث التي من هذا القبيل والمنكرة ؛ حتى لا
يغتر بها - كما وقع لمؤلف "تحرير المرأة" - . وانظر الحديث التالي والذي بعده .

6295 - ( إياكم وقاتل الثلاثة ، فانه من شرار خلق الله . قيل : ومن
قاتل الثلاثة ؟ قال : رجل سلَّمَ أخاه إلى سلطانه ، فقتل نفسه ، وقتل
أخاه ، وقتل سلطانَه ) .
منكر .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (1/349) من طريق ابن لال :
حدثنا علي بن محمد بن عامر النهاوندي : حدثنا أبو موسى عيسى بن عمران
الوراق - بالرملة - : حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء : حدثنا أبي ؛ حدثنا
عيسى بن مُهران عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد مظلم ؛ ما بين ابن لال وأنس لم أعرفهم ؛ غير هارون بن
زيد بن أبي الزرقاء [وأبيه] ، وهما ثقتان .
وفي الرواة : (عيسى بن مهران الرازي) ، ولكنه متأخر الطبقة ، وهو كذاب .
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية الديلمي هذه ساكتاً عنه ،
مكتفياً بالقاعدة التي ذكرها في مقدمة "الجامع" ؛ أن ما تفرد به الديلمي فهو ضعيف .
وأورده ابن حزم في "طوق الحمامة ، (ص 57) جازماً أيضاً بنسبته للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دون عزو أو تخريج مختصراً فقال :

(13/642)


"ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "وإياكم وقاتل الثلاثة . يعني : المنقِّل ، والمنقول إليه ، والمنقول
عنه "!

6296 - ( باعِدوا بين أنفاس الرجالِ والنساء) .
لا أصل له .
وقد علقه ابن حزم في "طوق الحمامة" (ص 128) جازماً بنسبته
إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! وكذلك فعل جمع من بعده ؛ منهم ابن الحاج في "المدخل "
(1/245) ، وكذلك ذكره ابن جماعة في "منسكه " في طواف النساء من غير
سند ، كما ذكر الشيخ ملا علي القارئ في "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة"
(145/113) ، وقال :
"غير ثابت"! وقلده الشيخ إسماعيل العجلوني في "كشف الخفاء" (1/279) .
وليس بجيد ؛ وذلك لأن هذه الجملة ليست صريحة في التعبير عن واقع هذا
الحديث ، وأنه لا أصل له البتة في شيء من كتب السنة التي تروي الأحاديث
بالأسانيد ، ولو كان بعضها موضوعة ، وإنما يقال ذلك فِي حَدِيثِ له إسناد غير
ثابت . فتنبه!

6297 - ( فُضُوحُ الدنيا أهونُ من فضوحِ الآخرةِ ) .
منكر .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/482 - 483) ، وأبو بكر الشافعي
في "الفوائد" (5/47/1) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/280 - 281)
و"الأوسط " (1/146/2/2791) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (7/179/180) ،
وابن عساكر (14/234 - 235) ، والذهبي في ترجمة القاسم بن يزيد بن عبدالله
ابن قسيط (3/382 - 383) من طريق معن بن عيسى عن الحارث بن عبدالملك

(13/643)


ابن عبدالله بن إياس الليثي عن القاسم بن يزيد بن عبدالله بن قسيط عن أبيه
عن عطاء عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عن أخيه الفضل بن العباس قال :
جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ ، فَوَجَدْتُهُ مَوْعُوكاً قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ ،
فَأخُذَ بِيَدِي ، وَأَخَذْتُ بِيَدِهِ ، فأقبل حتى جَلَسَ على الْمِنْبَرِ ، ثُمَّ قَالَ :
"ناد فِي النَّاسِ" . فَصِحْتُ فِي النَّاسِ ، فَاجْتَمَعوا إِلَيْهِ ، فقَالَ:
" أما بعد : أَيُّهَا النَّاسُ ! فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وإنه دنا
مني خلوف بين أَظْهُرِكُمْ ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرَاً فَهَذَا ظَهْرِي ؛ فَلْيَسْتَقِدَّ
مِنْهُ ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضاً فَهَذَا عِرْضِي ؛ فَلْيَسْتَقِدَّ مِنْهُ ، ومن كنت أخذت
له مالاً ، فهذا مالي ؛ فليأخذ منه ، ولا يقولن رجل : إني أخشى الشحناء من
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ألا وإن الشحناء ليس من طبيعتي ولا شأني ، ألا وإن أحبكم إلي
من أخذ حقاً إن كان له ، أو حللني ؛ فلقيت الله عَزَّ وَجَلَّ وأنا طيب النفس . وإني
أرى أن هذا غير مغن عني حتى أقوم فيكم مراراً ".
ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ رجع فجلس على الْمِنْبَرِ ، فَعَادَ لِمَقَالَتِهِ الأولى فِي
الشَّحْنَاءِ وَغَيْرِهَا .
فقام رجل فقال : يا نبي الله! إن لي عندك ثلاثة دراهم! قال:
"أما إنا لا نكذب قائلاً ولا نستحلفه على يمين ، فيم كان لك عندي؟ ".
قال : تذكر يوم مرَّ بك المسكين ، فأمرتني ، فأعطيته ثلاثة دراهم؟ فقال:
"أعطه يا فضل! ". فأمر به فجلس. ثم قال:
"مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ ؛ فليؤده وَلا يَقُولُ رجل : فُضُوحَ الدُّنْيَا ! ألا وَإِنَّ فُضُوحَ
الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ فُضُوحِ الآخرة".

(13/644)


فقام رجل فقال : عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله ، قال :
"فلم غللتها ؟ " . قال : كنت محتاجاً . قال :
"خذها منه يا فضل ! " . ثم قال :
" من خشي من نفسه شيئاً ، فليقم أدْعُ له " .
فقام رجل فقال : يا نبي الله! إني لكذاب ، وإني لفاحش ، وإني لنؤوم . فقال :
"اللهم ! ارزقه صدقاً ، وأذهب عنه من النوم إذا أراد" .
ثم قام آخو فقال : إني لكذاب ، وإني لمنافق ، وما من شيء إلا قد جئته .
فقام عمر فقال : فضحت نفسك . فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" يا عمر! فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ، اللهم! ارزقه صدقاً ، وإيماناً
تصير أمره إلى خير" .
فقال عمر كلمة ، فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال :
"عمر معي ، وأنا مع عمر ، والحق بعدي مع عمر حيث كان " . وقال الطبراني :
"لا يروى إلا بهذا الإسناد ؛ تفرد به الحارث بن عبدالملك " .
قلت : وهو ممن لا يعرف إلا برواية معن هذا عنه ، ولم يذكره البخاري - في
"التاريخ " - وابن أبي حاتم إلا بهذه الرواية ، وتبعهم ابن حبان ، ولكنه ذكره في
"الثقات " (8/182)! وكذلك فعل في شيخه القاسم بن يزيد بن عبدالله بن
فُسيط ، فأورده فيه (9/15) برواية الحارث هذا فقط!! وهذا أنكى وأمر ، فذاك روى
عنه ثقة ، وهذا روى عنه مجهول! وهكذا أورده البخاري في "التاريخ " (4/1/170)
برواية الحارث فقط عنه ، ولم يذكره ابن أبي حاتم في كتابه مطلقاً . وفي ترجمته

(13/645)


ساق الحديث الذهبي في "الميزان " وقال :
"حديثه منكر" .
وكذلك العقيلي أورده في ترجمته ، ولم يذكر فيها غيره ، وختمها بقوله عن
عطاء :
"هو عندي عطاء بن يسار وليس لهذا الحديث أصل من حديث عطاء بن أبي
رباح ، ولا عطاء بن يسار ، وأخاف أن يكون عطاء الخراساني ؛ لأن عطاء الخراساني
يرسل عن عبدالله بن عباس " . قال الذهبي عقبه :
"قلت : أخاف أن يكون كذباً مختلقاً " .
وأقول ؛ لا مسوغ للتردد في تحديد شخصية عطاء الراوي عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ . ما دام
أن السند دونه لا يصح ، لكن يبدو أن هناك رواية أخرى بإسناد آخر ، ليس فيه
المجهولان ؛ فقد أورد الهيثمي الحديث في "المجمع " (9/25 - 26) بطوله ثم قال :
"رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط " ، وأبو يعلى بنحوه ؛ وقال في آخره :
فقام رجل فقال : يا رسول الله! إني رجل جبان كثير النوم! قال : فدعا له .
قال الفضل : فلقد رأيته أشجعنا ، وأقلنا نوماً .
ثم أتى بيت عائشة فقال للنساء مثل ما قال للرجال ، ثم قال :
"ومن غلب عليه شيء ؛ فليسألنا ندعُ له " .
قال : فأومأت امرأة إلى لسانها ، قال : فدعا لها .
قال : فلربما قالت لي : يا عائشة! أحسني صلاتك!

(13/646)


وفي إسناد أبي يعلى : عطاء بن مسلم : وثقه ابن حبان وغيره ، وضعفه
جماعة ، وبقية رجال أبي يعلى ثقات . وفي إسناد الطبراني من لم أعرفهم " .
وقلده الأعظمي في تعليقه على "المطالب " (4/257) .
كذا قال! وليس في إسناده من يقال فيهم هذا ؛ لأن المجهولَين المشار إليهما
مترجمان في كتب الرجال - كما تقدم - ؛ وإنما يصح مثل قوله هذا فيمن ليس له
ترجمة ، فهل نفهم من قوله هذا أنه لم يعثرعليهما فيها ؟
ثم إن إسناد أبي يعلى هكذا (12/201/6824) : حدثنا عبيد بن جنادة :
حدثنا عطاء بن مسلم عن جعفر بن برقان عن عطاء عن الفضل بن عباس ... به
مختصراً ؛ وليس فيه حديث الترجمة ولا ذكر لعمر .
قلت : وهذا إسناد خير من الذي قبله ، رجاله ثقات - كما قال الهيثمي - ؛ غير
عطاء بن مسلم - وهو : الخفاف - : قال الحافظ :
"صدوق يخطئ كثيراً" .
والفقرة الأخيرة - المتعلقة بالمرأة التي أومأت إلى لسانها من رواية أبي يعلى -
قد ذكر مؤلف "تحرير المرأة في عصر الرسالة" (4/ 111) ، ونقل (ص 135) كلام
الهيثمي المتقدم وكفى! وقال في الموضع الأول :
"ونحسب أن المرأة كانت سافرة الوجه ؛ فإنها أشارت إلى فمها ، والفم جزء
من الوجه" !
قلت : ليس الحديث - لو صح - صريحاً فيما زعم ؛ فإن إيماءها إلى لسانها
يصدق ، ولو كانت منتقبة - كما لا يخفى - .

(13/647)


6298 - ( ليلة عرج بي إلى السماء ؛ رأيت على باب الجنة مكتوباً :
لا إله إلا الله محمد رسول الله ، عليٌّ حِبُّ الله ، والحسن والحسين
صفوة الله ، فاطمة خيرة الله ، على باغضهم لعنةُ الله ) .
موضوع .
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (1/259) ، ومن طريقه ابن عساكر
(5/44) ، و"كذا ابن الجوزي في "العلل " (1/257/416) من طريق محمد بن
إسحاق المقرئ قال : نا علي بن حماد الخشاب قال : نا علي بن المديني قال : نا
وكيع بن الجراح قال : نا سليمان بن مهران قال : نا جابر عن مجاهد عن ابن
عباس ... مرفوعاً .
أورده الخطيب في ترجمة محمد بن إسحاق المقرئ هذا ، ويعرف بـ : (شاموخ) ،
وقال :
"وحديثه كثير المناكير" . ولهذا قال عقب الحديث :
"هذا حديث منكر بهذا الإسناد ، وعلي بن حماد مستقيم الروايات ، لا
يحتمل مثل هذا" .
وكذا قال ابن عساكر وابن الجوزي ، والعجب من هذا كيف لم يورده في
"موضوعاته " ، مع أن لوائح الوضع عليه ظاهرة ؟! ولذلك جزم الذهبي في "الميزان "
بأنه موضوع . وأقره الحافظ في "اللسان " !
ومن فوق (شاموخ) رجال الشيخين ؛ غير جابر - وهو : ابن يزيد - الجعفي ، أو
- ابن يزيد - العجلي ، وكلاهما روى عن مجاهد ، ولم يذكروا في ترجمة أحدهما
أنه روى عنه سليمان بن مهران - وهو : الأعمش - ؛ فلم يتعين أيهما المراد هنا . وإن
كانت النفس تميل إلى أنه الأول ؛ لأنه شيعي جلد يؤمن برجعة علي ، فالحديث

(13/648)


به أَلْصَق. ولعله هو الواضع له ؛ لأنه كان كذاباً - كما قال أحمد وغيره-.

6299 - ( إن أحبَّ الخلائق إلى الله عَزَّ وَجَلَّ شابُ حدثُ السنِ
في صورة حسنة ، جعل شبابه وجماله لله ، وفي طاعة الله ، ذلك الذي
يباهي به الرحمن ملائكته ؛ يقول الله : هذا عبدي حقاً ) .
باطل.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (5/210)، وابن عساكر (5/96 - 97)
من طريق علي بن الحسن السَّامي عن سفيان الثوري عن إبراهيم الهجري عن
أبي الأحوص عن عبدالله بن مسعود... مرفوعاً .
أورده ابن عدي في ترجمة علي بن الحسن السَّامي هذا في جملة أحاديث
أخرى له، وقال:
"وهذه الأحاديث عن الثوري بواطيل كلها ، ليست هي بمحفوظة".
ثم ساق له أحاديث أخرى من روايته عن غير الثوري ، ثم قال:
"كلها بواطيل ليس لها أصل ، وهو ضعيف جداً ". وقال ابن حبان في "الضعفاء"
(2/114):
"يروي عن مالك وسليمان بن بلال ما ليس من أحاديثهم ، لا يحل كتابة
حديثه إلا على جهة التعجب " . وذكر الحافظ في "اللسان " عن الدارقطني أنه قال:
"مصري يكذب ، يروي عن الثقات بواطيل ؛ مالك ، والثوري وابن أبي ذئب
وغيرهم ".
قلت : وغفل السيوطي عن هذا المتهم ؛ فأعل الحديث في "الجامع الكبير"
بغيره فقال - بعد أن عزاه لابن عساكر وحده -:

(13/649)


" وفيه إبراهيم الهجري : ضعيف "!
قلت : وقال فيه الحافظ :
"ليِّن الحديث ، رفع موقوفات " .
فمثله لا يتحمل هذا الحديث الموضوع .
(تنبيه) : (السامي) ... بالسين المهملة ؛ كما في "إكمال ابن ماكولا" . ووقع
في "اللسان " : (الشامي) ... بالشين المعجمة ، وهو خطأ مطبعي ؛ فإن الحافظ أورده
في "تبصير المشتبه " على الصواب .

6300 - ( يَا فُدَيْكُ ! أَقِمِ الصَّلاَةَ ، وَآتِ الزَّكَاةَ ، وَاهْجُرِ السُّوءَ ،
وَاسْكُنْ مِنْ أَرْضِ قَوْمِكَ حَيْثُ شِئْتَ ؛ تَكُنْ مُهَاجِراً ) .
ضعيف .
أخرجه البخاري في "التاريخ " (4/1/135) ، والطحاوي في "مشكل
الآثار" (3/260) ، وابن حبان (380/1578) ، والبيهقي في "السنن " (9/17) ،
والطبراني في "الكبير" (18/336/862) و" الأوسط " (1/127/2/2484) ، وابن
عساكر في "التاريخ " (5/134 و 14/202) من طريق الأوزاعي ومحمد بن الوليد
الزبيدي عن الزهري عن صالح بن بشير بن فديك قال :
خرج فديك إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : إنهم يزعمون أنه من لم يهاجر هلك ؟
فقال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ وله علتان :
الأولى : جهالة صالح بن بشير بن فديك ، فقد قال ابن معين :
"لم يرو عنه إلا الزهري " .

(13/650)


كذا في "الجرح والتعديل" .
والأخرى : الإرسال ؛ فإنه لم يقل : "عن فديك" - كما قال الهيثمي عقب
الحديث في "الموارد" ، وقد وقع عند البغوي من هذه الطريق : عن الزهري عن
صالح بن بشير بن فديك أن أباه قال : قلت : يا رسول الله! ... الحديث - ؛ فصار
الحديث من مسند بشير بن فديك ، وكأنه لذلك أورد بشيراً ابن حبان في
(الصحابة) (3/33) ، وهو وهم ؛ لخالفته لرواية الجماعة المتقدمة - كما أفاده الحافظ
في ترجمة بشير من "الإصابة" - ، وينبغي عندي أن تكون مثلها رواية ابن منده
التي فيها : "عن صالح عن أبيه قال : جاء فديك ... " . قال الحافظ :
"فظهر أن قوله في الرواية الأولى (يعني : عند البغوي) : "أن أباه" ... إنما
يعني : فديكاً ؛ فهو أبوه - على المجاز - لأنه جده ، وكل من ذكره في الصحابة تمسك
بالرواية الأولى ، والزبيدي أثبت في الزهري من غيره ... وهو الصواب " .
قلت : وهو كما قال رحمه الله ؛ لكن قوله في رواية ابن منده : "عن صالح
عن أبيه قال : جاء فديك " ما أظنه محفوظاً أيضاً لنفس المخالفة المشار إليها آنفاً ؛
فليس لأبي صالح بشير ذكر في هذا الحديث ، ولو صح ذلك ؛ صار الحديث متصلاً
من مسند فديك من رواية صالح بن بشير بن فديك عن أبيه بشير عن فديك ،
وهذا مخالف لرواية الجماعة - كما تقدم - ، وعلى التسليم بذلك ؛ فالعلة جهالة
صالح - كما تقدم - ، وكذا جهالة أبيه بشير ؛ فإنه لا يعرف إلا في هذه الرواية
المرجوحة . وا لله أعلم .
والحديث قال الهيثمي في "المجمع " (5/255) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير" باختصار ، ورجاله ثقات ؛ إلا أن صالح

(13/651)


ابن بشير أرسله ، ولم يقل : عن فديك " .
قلت : إعلاله إياه بالإرسال فقط فيه تقصير ؛ لأن صالحاً هذا فيه جهالة - كما
تقدم - ، وإشارته إلى أنه ثقة ؛ إنما هو اعتداد منه بتوثيق ابن حبان إياه (4/374) ،
ولا وجه له عندي ؛ لتساهل ابن حبان في التوثيق - كما نبهنا عليه مراراً وتكراراً - ،
ولأنه تفرد عنه الزهري - كما تقدم عن ابن معين - ، وابن حبان نفسه لم يذكر له
راوياً غيره ، وكذلك البخاري في "التاريخ " .
وقد تجاهل بعض ذوي الأهواء هذه العلة ، وكذا العلة الأخرى ، وهي الإرسال
الذي صرح به الهيثمي ؛ فقال الشيخ الحافظ الإمام (كذا لقب نفسه في رسالته
"حكم الإقامة ببلاد الكفار"!) (ص 17) :
"روى الطبراني بسند حسن عن صالح بن بشير بن فديك قال : خرج
فديك ... "!
فأوهم القراء أن صالحاً هذا صحابي! ينما هو تابعي ، وفي التابعين ذكره ابن
حبان ! وكون السند حسناً إليه أو صحيحاً لا يفيد شيئاً - حتى لو كان ثقة ؛ كما
أوهم الهيثمي - ؛ للجهالة التي فيه - كما تقدم بيانه - . فتنبه!

6301 - ( لا إله إلا الله تمنع العباد من سخط الله ، ما لم يؤثروا
صفقة دنياهم على دينهم ، فإذا آثروا صفقة دنياهم على دينهم ، ثم
قالوا : لا إله إلا الله ، قال الله : كذبتم ) .
ضعيف .
أخرجه البيهقي في "الشعب " (7/337/10497 و 10498) من
طريق الحسين بن علي بن الأسود : ثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة العمري :

(13/652)


حدثني نافع بن مالك أبو سهل عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ...
فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ وفيه علتان :
الأولى : عمر بن حمزة العمري : قال الذهبي في "الكاشف " :
"ضعفه ابن معين والنسائي ، وقال أحمد : أحاديثه مناكير" .
ولذلك أورده الذهبي في "ضعفائه " ، وقال في "ميزانه " :
"له حديث مما استنكر عليه " . وذكر حديثه بسنده عن أبي سعيد مرفوعاً :
"من شرار الناس منزلة يوم القيامة رجل يفضي إلى المرأة ... " الحديث .
وقد قال الحافظ في "تقريبه " :
"ضعيف " .
قالوا هذا فيه مع علمهم بأن مسلماً روى له ، ولكنهم رجحوا قول من ضعفه
من الأئمة المذكورين وغيرهم ، وهو الحق الذي لا ريب فيه ؛ خلافاً لبعض المعاصرين
الجهلة الذي كنت رددت عليه في مقدمة الطبعة الجديدة لكتابي "آداب الزفاف "
(ص 63 - 70) ؛ لأنه رد علي تضعيفي لحديث أبي سعيد الذي استنكره الذهبي
متشبثاً بأن مسلماً أخرجه . فراجع المقدمة المشار إليها فإنها مهمة جداً .
والعلة الأخرى : الحسين بن علي بن الأسود : أورده الذهبي في "الضعفاء" وقال :
"قال ابن عدي : كان يسرق الحديث " .
قلت : وزاد ابن عدي في ترجمته من "الكامل " (2/369) :

(13/653)


"وأحاديته لا يتابع عليها" . وقال الحافظ في "التقريب" مضعفاً :
"صدوق يخطئ كثيراً ، ولم يثبت أن أبا داود روى عنه " .
قلت : وما نفاه ثابت في "سن أبي داود" في "باب في حكم أرض خيبر"
رقم (3006) ؛ فانظره في كتابي "صحيح أبي داود" رقم (2663) ، فقد أخرجته
فيه ؛ لأنه قد توبع عليه .
والحديث أورده الهيثمي في "المجمع " (7/ 276) وقال :
"رواه البزار ، وإسناده حسن " (*)!
كذا قال! وما أظنه أخرجه إلا من الطريق المذكور ، ومن المؤسف أنه لم يورده
في كتابه الآخر : "كشف الأستار عن زوائد البزار" ، أو أنني لم أره فيه بعد مزيد
البحث عنه ، مع أنه قد أورد فيه حديث أبي هريرة الآتي .
هذا ، وقد روي الحديث بنحوه من طرق أخرى واهية : من حديث أبي هريرة ،
وعائشة ، وابن عمر ، وزيد بن أرقم .
1 - حديث أبي هريرة ، يرويه عبدالله بن محمد بن عجلان عن أين عن
جده عنه مرفوعاً .
أخرجه البزار (4/238 - 239) ، والعقيلي في "الضعفاء " (2/297) ، ومن
طريقه ابن الجوزي في "العلل" (1/30/25) ، وقال العقيلي :
" لا أصل له ، لا يتابع عليه عبدالله بن محمد بن عجلان المدنى ، وهو منكر
الحديث " . ولذلك قال الهيثمي :
__________
(*) وجد على هامش أصل الشيخ رحمه الله وبخط غير خطه : " وفاته أن ينسبه إلى
أبي يعلى ، وهو في "المسند" ، (7/4034)! . ولعله أن يكون من إملائه . (الناشر) .

(13/654)


وهو ضعيف جداً" . وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/19) :
"كان يروي عن أبيه ما ليس من حديثه ، روى عن أبيه عن جده عن أبي
هريرة نسخة موضوعة ليس من حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولا من حديث أبي هريرة ،
ولا من حديث جده ، ولا من حديث أبيه ؛ لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة
التعجب " .
وساق له حديثاً آخر - هو عند العقيلي أيضاً - ، لكن الراوى عنه كذاب ، وقد
تقدم برقم (766) .
وقال ابن الجوزي عقب الحديث :
"وإنما يروى نحو هذا عن الحسن أنه قال : ... " فذكره .
قلت : رواه العقيلي من طريق الفريابي قال : حدثنا المغيرة بن خياط عن
الحسن ...
والمغيرة بن خياط : لم أجد له ترجمة .
2 - حديث عائشة : يرويه عمرو بن عبدالغفار عن زكريا بن سياه عن سعيد
ابن جبير عن مسروق عنها ... مرفوعاً ؛ نحوه بلفظ :
"وقيل لهم : لستم بصادقين " .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط ، (2/30/2/5540) وقال :
"لا يروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد ؛ تفرد به عمرو بن عبدالغفار" .
قلت : وهو متروك - كما قال الهيثمي - ؛ بل قال ابن عدي :
" اتهم بالوضع " .

(13/655)


3 - حديث ابن عمر : يرويه سعيد بن سنان : حدثني أبو الزاهرية عن أبي
شجرة عنه مرفوعاً ... نحوه .
أخرجه البيهقي (10499) .
قلت : وسعيد بن سنان - وهو : أبو مهدي الحمصي - : قال الحافظ :
إ متروك ، ورماه الدارقطني وغيره بالوضع " .
4 - حديث زيد بن أرقم : عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" لابن النجار
عنه ، ولم أقف على إسناده ، وما أراه يصح .
ئم وقفت عليه - والحمد لله - ، فإذا هو إسناد هالك ؛ يرويه يحيى بن سلام
الإفريقي قال : حدثنا همام بن يحيى عن أبان بن أبي عياش عن نفيع نجن الحارث
عن زيد بن أرقم .
أخرجه الشجري في "الأمالي" (1/12) .
وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ فيه آفتان : أبان بن أبي عياش ، ونفيع بن الحارث ،
وهما متروكان ، ونفيع - هو : أبو داود الأعمى ، وقد - كذبه ابن معين .

6302 - (من أحدث هجاءً في الإسلام ؛ فاقطعوا لسانه ) .
ضعيف جداً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/264/661) من
طريق عبدالسلام بن حرب عن إسحاق بن عبدالله عن مكحول عن عائذالله أبي
إدريس عن غُضَيف أو أبي غضيف صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... مرفوعاً .
ومن هذا الوجه أخرجه البغوي وابن منده ؛ كما في "الإصابة" في ترجمة
غطيف أو أبو غطيف ، ويقال : بالضاد المعجمة .

(13/656)


وخالفه يحيى بن حمزة وابن شعيب ؛ فقالا : أخبرني إسحاق بن عبدالله بن
أبي فروة عن مكحول : أنه أخبره عن حفص بن سعيد بن جابر عن عائذالله أبي
إدريس عن أبي أمامة الباهلي مرفوعاً ... به .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/109 - 110) ، وابن عساكر في
"تاريخ دمشق" (5/170) في ترجمة حفص هذا ، ولم يذكر فيها إلا حديثه هذا ،
ولا رأيت غيره قد ترجمه ؛ فهو مجهول العين .
لكن في الطريق إليه ابن أبي فروة - كما ترى - ، وهو متروك - كما قال الهيثمي
(8/123) والحافظ - . وقال الذهبي في ترجمة (غطيف) :
"روى عنه أبو إدريس الخولاني ، والحديث منكر" .

6302/ م - ( ليست الشفاعةُ لأهلِ الكبائرِ من أمتي ) .
باطل .
من أحاديث الإباضية الواردة في "الجزء الرابع "من "مسند الربيع بن
حبيب" (ص 279/1004) هكذا :
" جابر بن زيد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... " فذكره ، وزاد :
"يحلف جابر عند ذلك : ما لأهل الكبائر شفاعة ؛ لأن الله قد أوعد أهل
الكبائر النار في كتابه ، وإن جاء الحديث عن أنس بن مالك : " أن الشفاعة لأهل
الكبائر" ، فوالله ! ما عنى القتل ، والزنى ، والسحر ، وما أوعد الله عليه النار" .
قلت : وهذا حديث باطل ، لا أصل له عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ بل ولا نطق به
جابر بن زيد التابعي الجليل ، بل هو من أباطيل الإباضية الذين ليس عندهم من
كتب الحديث - فضلاً عن الآثار - ما عند أهل السنة ؛ التي يهتدي المسلم بها إلى

تعليق المستخدم :قال الناشر في مقدمة هذا المجلد :
"وجدنا .. بعض الأحاديث أخذت الرقم المكرر قبلها ، ففصلنا اللاحق عن
السابق بوضع [ / م ] بعد الرقم المكرر ، ولم نعدِّل الأرقام ، لأن الشيخ - رحمه الله - كان
يُحيل عليها في كتبه الأخرى ، فتيسيراً على الباحث تركناها كما هي ، وهذه الأحاديث
هي : (6163 ، 6302 ، 6304 ) " .

حرره : عبد الرحمن الشامي

(13/657)


معرفة إسلامه على الوجه الصحيح ، وهذا هو المثال بين يديك - أيها القارئ! - ؛
فإنه وحده يكفي كل منصف - ولو كان إباضياً - أن مذهبهم ليس على شيء ؛ لأنه
قائم على الاحتجاج بالأحاديث الباطلة ، ورد الأحاديث الصحيحة ؛ بل وعلى رد دلالات
الآيات القرآنية بتعطيل معانيها الصريحة ؛ بتأويلها وتحوير معانيها إلى ما
يوافق أهواءهم ، والأدلة على ذلك من الكثرة بحيث لا يمكن إحصاؤها .
وحسبنا الآن هذا الحديث الذي نسبوه - دون أي إسناد - إلى ذلك التابعي
الجليل جابر بن زيد! ولذلك قال أئمتنا : (الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد ؛ لقال
من شاء ما شاء) - كما رواه مسلم في مقدمة "صحيحه " (1/12) عن الإمام
عبدالله بن المبارك رحمه الله - .
حتى ولو كان لهذا الحديث إسناد صحيح عندهم - وهو مما لا وجود له عندهم ،
يعرف ذلك من عرف حال مؤلف "مسند الربيع" وحال رجاله ورواته - فنالك لا
يعني صحة حديثهم هذا ... لإرساله وانقطاعه بين جابر وبين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقد
صرح بذلك مرتبإ مسندهم" ؛ فإنه أورده (ص 264) تحت عنوان :
"الأخبار المقاطيع عن جابر بن زيد رحمه الله " .
ثم ساق تحته واحداً وثمانين حديثاً عنه مرسلاً دون إسناد إليه ! جملة كبيرة
منها - إن لم أقل : أكثرها - مناكير وأباطيل ؛ كهذا الحديث ، وكحديث رقم (945) :
"ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافقه! فهو عني ، وما خالفه ؛
فليس عني ،!
وقد صرح بعض أئمتنا بأنه حديث باطل ؛ من وضع الزنادقة - كما ذكرت
ذلك في بعض تخريجاتي وتحقيقاتي - . وكحديث (954) :

(13/658)


"من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ؛ لم يزدد بها من الله إلا بعداً " .
وهو حديث باطل متناً ، ضعيف سنداً ، ولا أصل له عن جابر بن زيد مطلقاً ،
مع أنه قد روي في كتبنا نحن - معاشر أهل السنة والحديث - عن جمع من الصحابة
مرفوعاً ، وموقوفاً - وهو الصواب - ، ولكنه باطل من حيث معناه ؛ لأن من يصلي
خير من الذي لا يصلي ، وأقرب إلى الله منه ؛ ولو كان فاسقاً - كما قال ابن تيمية
رحمه الله - . وقد خرجت طرقه وبينت عللها في أول المجلد الأول من "سلسلة
الأحاديث الضعيفة" ، وبينت بطلان متنه هناك برقم (2) ؛ فليراجع من شاء .
فالظاهر أن من وضعه في "مسند الربيع" سرق متنه من بعض تلك الطرق ، ثم
عزاه لجابر بن زيد ، وهو منه بريء ؛ براءة الذئب من دم ابن يعقوب .
ومن الغريب حقاً أن هذا الجزء الرابع - من "المسند" المذكور الذي فيه هذه
الأحاديث المنكرة ؛ بل الباطلة ، - ليس في الحقيقة من "مسند الربيع " ، وإن كان لو
وجد فيه ؛ لا يصححه! وإنما ضمه إليه من سموه : (يوسف بن إبراهيم بن مياد
الوَرجلاني) كما نبه عليه المسمى عندهم بالإمام (!) عبدالله بن حميد السالمي
في مقدمة "المسند" (ص 4) ؛ فقال عن الورجلاني المذكور :
"قد ضم إلى "المسند" آثاراً احتج بها الربيع على مخالفيه في مسائل الاعتقاد
وغيرها ، وهي أحاديث صحاح يعترف الخصم بصحتها ، وجعلها المرتِّب في الجزء
الثالث من الكتاب ، ثم إنه ضم إلى ذلك روايات محبوب بن الرحيل بن سيف
ابن هبيرة القرشي عن الربيع ، وروايات الإمام أفلح بن عبد الوهاب بن
عبدالرحمن الرستمي عن أبي غانم بشر بن غانم ، ومراسيل جابر بن زيد ، وجعل
الجميع في الجزء الرابع من الكتاب " .

(13/659)


وفي هذا الكلام أمور يجب التنبيه عليها بياناً للحق :
الأول : قوله : "وهي أحاديث صحاح"!
فهذا باطل ظاهر البطلان لكل من كان له عينان ؛ إذ لا يمكن معرفة صحة
أحاديث هذا "المسند" وغيره إلا بعد أن يعرف صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه ،
وهذا مما لا سبيل لهم إليه ؛ لأنهم لا يعرفون راويه عن ربيعهم ! ولذلك لا يتعرضون
لذكره . ولو فرض أنهم عرفوه ؛ فهم لا يعلمون حاله في العدالة والثقة والضبط ،
وذلك من شروط الصحة كما هو مقرر في علم المصطلح ، إن كان عندهم معرفة
بهذا العلم الشريف .
فهذا هو الشيخ الورجلاني المتوفى في آخر القرن السادس سنة (570) هو
الذي ضم الجزء الثالث والرابع إلى "المسند" - وكان من قبل مشوشاً فرتبه هو! - ؛
فما حاله في الرواية ؟ أهو من الحفاظ ؟! ... ذلك ما لم يذكر في ترجمته ، في "أعلام
الزركلي" وهو ينقل عن كتبهم ؛ لأنه لا ذِكْر له في كتبنا في التراجم - وما أكثرها -
بارك الله في مؤلفيها .
وإنك لترى في ما نقلته عن شيخهم السالمي أن في ما ضمه إلى "مسندهم "
روايات محبوب بن الرحيل ... فمن هو ؟! ... مجهول العين ، لا يعرف في كتب
أئمتنا ؛ بل ولا في "أعلام الزركلي" الذي يذكر فيه الأعلام المعروفين ، ولو كانوا
من المسلمين الماجنين ، فضلاً عن الفقهاء من كل المذاهب ، بل ومن الكفار
المستشرقين وغيرهم!
ونحوه أفلح بن عبدالوهاب الرستمي : فإنه لا يعرف حاله في الرواية - وإن
كان من أئمة الإباضيين وفقهائهم في الجزائر ، مات سنة (240) - ؛ بل قد جاء

(13/660)


في الجزء الرابع المشار إليه (ص 259) ما نصه :
"زيادة عن الإمام أفلح بن عبدالوهاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا ، حكاية عن كتاب
أخذه عن أبي غانم الخراساني من تأليف أبي يزيد الخوارزمي في "السير" ... " .
فهذا نصٌّ أن الزيادة لم يروها الإمام أفلح عن أبي غانم مباشرة ؛ وإنما حكاية
عن كتاب ألفه أبو يزيد الخوارزمي إا فمن أبو يزيد هذا ؟! ... ما أظن أحداً من علماء
الإباضيين يعرف عنه شيئاً! أما كتبنا فلا ذكرله فيها مطلقاً! فهو إسناد مجهول - لو
صح إليه - ؛ فكيف وفي الطريق إليه أبو غانم هذا ؟! واسمه يونس بن نافع الخراساني ،
لم يوثقه أحد غير ابن حبان (7/650) ، ومع ذلك فقد قال فيه :
" يخطئ " .
على أنني لم أر لأبي غانم هذا في الزيادة المذكورة سوى أربعة أحاديث - برقم
(902 و910 و912 و913) - ، ويوجد بينه وبين أبي يزيد الخوارزمي - في بعضها -
حاتم بن منصور : وهو ممن لا يعرف عندنا ، ولا أظن إلا أنه كذلك عندهم! لأنهم -
كأكثر الفرق الأخرى - ليس عندهم كتب خاصة بتراجم رواة الحديث - كما عندنا -
حتى نتمكن من الرجوع إليها ، ثم إن أكثر أحاديث هذه الزيادة يذكرها معلقة بدون
إسناد ، ومجموع أحاديث الزيادة لا يتجاوز عددها الواحد وعشرين حديثاً - من رقم
(902 - 923) - ، فما قيمتها من حيث الصحة وهذه حالها ؟!
ثم سرد بعدها أحاديث جابر بن زيد المرسلة - من رقم (924 - 1005) - وبذلك
ينتهي الكتاب! بجزءيه : الثالث والرابع - اللذين ضمهما إليه الورجلاني المتوفى
سنة (570) ؛ كما تقدم - !
أقول : فكيف تكون هذه الأحاديث صحيحة - كما زعم شيخهم السالمي -

(13/661)


وفيها هذه الطامات ؛ من الجهالة ، والضعف ، والانقطاع ، والإرسال ، والنكارة ،
والبطلان - كما فِي حَدِيثِ الترجمة وغيره - ؟!
الثاني : قوله : "يعترف الخصم بصحتها" !
قلت : وهذا باطل أيضاً ؛ لأنه يعني بـ : (الخصم) : أهل السنة! ويكفي القارئ
المنصف دليلاً على البطلان حديث الترجمة ، والحديث الآخر عن جابر بن زيد
المتقدم آنفاً الآمر بعرض أحاديثه ! على كتاب الله! فإنه عند أهل السنة باطل ؛
من وضع الزنادقة - كما تقدم - .
وأما حديث الترجمة : فبطلانه ظاهر من نفس كلام جابر بن زيد الذي نسبوه
إليه ؛ فإنه قال عقب الحديث - كما رأيت - :
"وإن جاء الحديث عن أنس : "إن الشعفاعة لأهل الكبائر" ، فوالله! ما عنى
القتل ... "!لخ .
قلت : فهذا الحلف على هذا النفي "يمكن أن يصدر من مثل هذا التابعي
الجليل جابر بن زيد ؛ الذي وصفه الذهبي في "الكاشف " بقوله :
"الإمام صاحب ابن عباس ؛ الذي قال فيه : لو نزل أهل البصرة (1) عند قول
جابر ؛ لأوسعهم علماً من كتاب الله " .
وذلك لأنه اعترف بورود الحديث عن أنس ، ولم ينكر صحته - وهو صحيح
فعلاً ؛ كما يأتي - ، ولكنه عطل معناه بذاك النفي الذي حلف عليه - فيما نسبوه
إليه - ، حاشاه من ذلك! وحاشاه! إذ إنه من الواضح جداً أن القتل - وما قرن معه -
__________
(1) حرفه الإباضية إلى : "لو سأله المشرق والمغرب لوسعهم علمه"!
انظر "دراسات إسلامية في الأصول الإباضية" (ص 21) ، تأليف : بكير بن سعيد أعوشت .

(13/662)


من الكبائر . فإذا لم تكن من الكبائر ؛ فما هي الكبائر التي ذكرت فِي حَدِيثِ
أنس الذي أقره ؟!
ويظهر لي أن الإباضية المتأخرين قد ظهر لهم تناقض هذا الكلام الذي
نسبوه إلى جابر - مع تسليمهم بصحة الحديث - ؛ ولذلك فقد اتخذوا من
الحديث موقفاً مخالفاً لموقف جابر بن زيد ؛ فقال شيخهم السالمي في كتابه
"مشارق أنوار العقول" - فعارض بحديث الترجمة الباطل حديث أنس الصحيح ؛
كما نقله مؤلف "دراسات إسلامية" (ص 82) ، وأكد هذا في الصفحة التالية
(83) بقوله فِي حَدِيثِ أنس - :
"هناك رواية أخرى تفند هذا الحديث ... " . فذكر حديث الترجمة !!
هكذا يتعصبون لهذا الحديث الباطل الذي لا إسناد لديهم فيه إلى جابر بن
زيد المرسل ، ويعرضون ؛ بل ويكذبون بحديثنا الصحيح :
"شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي "!
وقد جاء عن جمع من الصحابة غيرأنس بن - مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ مثل . جابر
ابن عبدالله الأنصاري ، وعبدالله بن عباس ، وعبدالله بن عمر ، وكعب بن عجرة ،
وهي كلها أو جلها مخرجة في "ظلال الجنة" (830 - 832) ، و "الروض النضير"
(45 و65) ، و"المشكاة" (5598 - 5599) .
وبعد : فإن مجال إبطال قول الشيخ السالمي المتقدم - بأن الأحاديث التي احتج
بها الربيع على خصومه من أهل السنة أحاديث صحاح ؛ يعترف بها الخصم - واسع
جداً ، وحسبنا الآن ما تقدم ، اراجين من الفه أن ييسر لي بيان وضع أحاديث أخرى
من "مسند ربيعهم" الذي سموه بـ : "الجامع الصحيح" بغياً وظلماً وعدواناً !

(13/663)


وقد كنت ذكرت - فيما تقدم - حديثاً آخر منه ، وبينت أيضاً بطلانه ، وأن
"مسندهم" لا قيمة له مطلقاً من الناحية الحديثية العلمية لأسباب كثيرة ،
وبسطت القول في ذلك في (17) صفحة ، بما لا تراه في مكان آخر ؛ فراجع ذلك
تحت الحديث (6044) .

6303 - ( مَنْ كَذَبَ عَلَى نَبِيِّهِ ، أَوْ عَلَى عَيْنَيْهِ ، أَوْ عَلَى وَالِدَيْهِ ، لَمْ
يُرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ) .
منكر بذ كر (الوالدين) .
أخرجه البخاري في "التاريخ " (3/1/314) ،
والخرائطي في "مساوئ الأخلاق " (123/260) ، والطبراني في "المعجم الكبير"
(1/187/591) ، وابن عدي في "الكامل " (1/10) من طريق إسماعيل بن
عياش : حدثني عبدالرحمن بن عبد الله بن محيريز عن أبيه عن أوس بن أوس
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال ابن عدي :
" لا أعلم يرويه غير إسماعيل بن عياش " .
قلت : وهو مختلف فيه ، والذي استقر عليه رأي الحفاظ النقاد : ما رواه ابن
عدي عن أحمد وغيره - ختم به ابن عدي ترجمته قائلاً - :
"وحديثه عن الشاميين إذا روى عنه ثقة ؛ فهو مستقيم ، وفي الجملة : هو ممن
يكتب حديثه ويحتج به فِي حَدِيثِ الشاميين خاصة " .
قلت : وهذا ليس من حديثه عنهم ؛ لأن شيخه عبدالرحمن بن عبدالله بن
محيريز ... مكي . على أن هذا مجهول ؛ لم يرو عنه غير ابن عياش ، ومع ذلك وثقه
ابن حبان (7/78) على قاعدته المعروفة في توثيق المجهولين! ومن هنا يتبين لك
خطأ قول الهيثمي في "المجمع " (1/148) :

(13/664)


"رواه الطبراني في "الكبير" ، وإسناده حسن" .

6304 - لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِى غَسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إِذَا غَسَّلْتُمُوهُ ، إِنَّهُ
مُسْلِمٌ مُؤْمِنٌ طَاهِرٌ ، وَإِنَّ الْمُسْلِمَ (وفي لفظ : مَيِّتَكُمْ) لَيْسَ بِنَجِسٍ ،
فَحَسْبُكُمْ أَنْ تَغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ ) .
ضعيف .
أخرجه الدارقطني في "سننه " (2/76/4) ، والحاكم (1/386) ،
ومن طريقه البيهقي في "السن " (1/306) من وجهين عن أبي شيبة إبراهيم بن
عبدالله : ثنا خالد بن مخلد : ثنا سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو عن
عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال الحاكم :
"صحيح على شرط البخاري " ! ووافقه الذهبي!
وقال البيهقي :
"هذا ضعيف ، والحمل فيه على أبي شيبة كما أظن " .
قلت : وهو الصواب ، كان تعقبه الحافظ بقوله في "التلخيص" (1/138) :
(قلت : أبو شيبة - هو : إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة - احتج به النسائي ،
ووثقه الناس ، ومن فوقه احتج بهم البخاري ؛ فالإسناد حسن " .
وأقول : هذا هو المتبادر من ظاهر الإسناد ؛ ولذا كنت تبعته على تحسينه قديماً
في "أحكام الجنائز" ، وبخاصة أنه قال في "التهذيب " - متعقبأ قول البيهقي المذكور - :
"ووهم في ذلك ، وكأنه ظنه جده إبراهيم بن عثمان ؛ فهو المعروف بأبي
شيبة أكثر مما يعرف بها هذا ، وهو المضعف كما سيأتي " .
قلت : وهذا مما أستبعده جداً عن الحافظ البيهقي ؛ وذلك لأمور :

(13/665)


الأول : أن التوهيم المذكور كان يمكن التسليم به لو أن أبا شيبة لم يسم في
إسناده ، أما وهو قد سمي بـ : (إبراهيم بن عبدالله) - كما رأيت - ؛ فكيف يعقل أن
يختلط على مثل الحافظ البيهقي بجده إبراهيم بن عثمان ؟!
الثاني : أنه يؤكد ما ذكرت اختلاف طبقتهما ، والبعد الشاسع بين وفاتيهما
بنحو مائة سنة! فالجد عند الحافظ من الطبقة السابعة - مات سنة (169) - ؛ أي :
فوق طبقة شيخ شيخه سليمان بن بلال في هذا الحديث ؛ فهو عنده من الطبقة
الثامنة - مات سنة (177) - ، والحفيد عنده من الطبقة الحادية عشرة - مات سنة
(265) -! فهل يمكن أن يخفى هذا التفاوت الشاسع على الحافظ البيهقي ؟!
ويبدو لي - والله أعلم - أن البيهقي لما ضعفط هذا الحديث ؛ قد لاحظ أمرين
اثنين :
أحدهما : أن أبا شيبة هذا - مع كونه ثقة - كان تغير قبل موته في آخر أيامه
- كما قال ابن المنادي - .
والآخر : أن أبا شيبة قد خولف في رفعه ، أو أن المخالف هو شيخه خالد بن
مخلد ؛ فإنه وإن كان من شيوخ البخاري ؛ ففيه كلام كثير ، حتى أورده الذهبي في
" الضعفاء " وقال :
"قال أحمد : له أحاديث مناكير . وقال ابن سعد : منكر الحديث " .
ثم رأيت الذهبي في "الميزان " قد أورد له أحاديث من مناكيره ؛ هذا أحدها ،
وذكرأنه مما تفرد به .
فأقول : فهذا هو الراجح ؛ أن خالداً هذا هو المخالف ؛ فقد أخرجه البيهقي
(6/306) من طريق معلى ومنصور بن سلمة ، و (3/398) من طريق ابن وهب ؛

(13/666)


ثلاثتهم عن سليمان بن بلال ... به موقوفاً على ابن عباس ،
وتابعهم رابع - وكلهم ثقات - ؛ فقال ابن أبي شيبة في "الصنف " (3/267) :
حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عطاء عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ به موقوفاً مختصراً بلفظ :
"لا تنجسوا موتاكم ؛ فإن المؤمن ليس بنجس حياً ولا ميتاً" .
قلت : وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين .
وتابعه ابن جريج عن عطاء ... به نحوه .
أخرجه عبدالرزاق (3/405/6101) .
وتابعه عبدالملك عن عطاء ... به .
أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً .
قلت : فرواية عطاء هذه تؤيد رواية الثقات الثلاثة عن سليمان بن بلال عن
عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ . وتؤكد أن الحديث عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ
موقوف ، وأن رفع خالد بن مخلد إياه عن سليمان بن بلال خطأ بيِّن .
فإن قيل : فقد رواه بعضهم من طريق ابن عيينة بإسناده المتقدم ؛ لكن رفعه .
أخرجه الحاكم (1/385) ، ومن طريقه البيهقي ، فقال الحاكم : أخبرنا إبراهيم
ابن عصمة بن إبراهيم العدل : ثنا أبو مسلم المسيب بن زهير البغدادي : ثنا أبو
بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا : ثنا سفيان ابن عيينة ... به . وقال الحاكم :
"صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي!
قلت : وهذا خطأ فاحش منهما ، وسببه أنهما وقف نظرهما عند ابني أبي
شيبة - فإنهما من شيوخ الشيخين ، وكذلك من فوقهما كما تقدم - ، وكان عليهما

(13/667)


أن ينظرا إلى من دونهما أيضاً ، فإذا كانوا من الثقات ؛ أمكن القول بصحة
الإسناد ، وإلا ؛ فلا - كما هو الشأن هنا - ، فإن شيخ الحاكم إبراهيم بن عصمة وإن
كان صد وقاً في نفسه ، فقد أدخلوا في كتبه أحاديث ، كما جاء في "الميزان "
و"اللسان " .
وشيخه المسيب بن زهير البغدادي ترجمه الخطيب (13/137) ، وذكر أنه
كان على شرطة بغداد في أيام المنصور والمهدي والرشيد ، ولم يذكر له شيوخاً ورواة
إلا حديثاً واحداً رواه عن المهدي بإسناده ، ومع ذلك ففي الطريق إليه من رمي
بالوضع - وقد مضى تخريجه برقم (787) - ؛ فهو إذن مجهول ، وقد مات سنة
(176) - كما ذكر الخطيب - ، ففي هذا الإسناد غرابة ؛ إذ ليس من المعهود أن
يروي المتوفى في هذه السنة عن المتوفى بعده بنحو ستين سنة ، فإن أبا بكر بن أبي
شيبة توفي سنة (235) ، وأخاه عثمان توفي سنة (239) .
نعم ؛ لو أن هذا الراوي كان معروفاً برواية الحديث وتلقيه إياه عن الحفاظ ؛
لقلنا : إنه من باب (رواية الأكابر عن الأصاغر) ، ولكنه غير معروف ؛ فلعله لذلك
قال البيهقي عقب الحديث :
"غريب عن ابن عيينة ، المعروف موقوف " .
وخلاصة القول : أن الصواب في الحديث أنه موقوف على ابن عباس ، من
الطريقين عنه ، وأن تحسينه من الطريق الأولى وهم . والله سبحانه وتعالى أعلم .

6304/ م - ( لا تُطْعِمِي السُّؤَّالَ مَا لا تَأْكُلِيَن منه ) .
ضعيف .
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف " (8/267 -268) ، وعنه
أبو يعلى في "مسنده" (7/438 - 439) ، وابن أبي حاتم في "العلل " (2/10 - 11)

تعليق المستخدم :قال الناشر في مقدمة هذا المجلد :
"وجدنا .. بعض الأحاديث أخذت الرقم المكرر قبلها ، ففصلنا اللاحق عن
السابق بوضع [ / م ] بعد الرقم المكرر ، ولم نعدِّل الأرقام ، لأن الشيخ - رحمه الله - كان
يُحيل عليها في كتبه الأخرى ، فتيسيراً على الباحث تركناها كما هي ، وهذه الأحاديث
هي : (6163 ، 6302 ، 6304 ) " .

حرره : عبد الرحمن الشامي

(13/668)


من طريق عبيد بن سعيد عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن
عائشة قالت :
أهدي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضب ، فلم يأكل منه ، قالت : فقلت : يا رسول الله!
ألا أطعمه السُّؤَّال ؛ قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم ، لكن أعله أبو زرعة - كما في
"علل ابن أبي حاتم " (2/11) - فقال :
"هذا خطأ ؛ أخطأ فيه عبيد ، قال : "عن منصور" ... وإنما هو : "عن حماد" ،
والصحيح ما حدثنا قبيصة عن الثوري عن حماد عن إبراهيم قال : أهدي لعائشة
ضباب" .
وكذلك رواه أبو أحمد الزبيري : ثنا سفيان ... به نحوه .
أخرجه البيهقي (9/325) .
وخالف الثوريَّ حمادُ بن سلمة : فقال : ثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم
عن الأسود عن عائشة .
أخرجه أحمد (6/105 و 144) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (2/316) ،
والطبراني في "المعجم الأوسط " (2/11/5248) ، والبيهقي أيضاً من طرق عن
حماد ... به . وقال الطبراني :
"لم يروه عن حماد بن أبي سليمان إلا حماد بن سلمة وسفيان التوري " .
قلت : قد عرفت مما تقدم أن رواية الثوري عن حماد بن أبي سليمان منقطعة ؛
لم يذكر في إسناده الأسود عن عائشة . كذلك رواه قبيصة وأبو أحمد الزبيري .
ومن ذلك يتبين أن حماد بن سلمة تفرد بروايته عن حماد بن أبي سليمان

(13/669)


موصولاً . وابن سلمة وإن كان ثقة من رجال مسلم ، ففي حفظه شيء في غير
روايته عن ثابت ؛ ولذلك أورده الذهبي في "المغني " وقال :
"إمام ثقة ، له أوهام وغرائب ، وغيره أثبت منه " .
قلت : فمخالفته لسفيان الثوري تجعل النفس لا تطمئن لها ، وتميل إلى
توهيمه في وصله لإسناد هذا الحديث ، وقد أشار إلى ذلك البيهقي بقوله :
"إن ثبت " . ونحوه قول الهيثمي (3/113) :
"رواه الطبراني في " الأوسط " ، ورجاله موثقون " .
وأما الحافظ فذكره في "الفتح " (9/665 و 666) من رواية الطحاوي ، وسكت
عليه ؛ مشيراً إلى تقويته . والله أعلم .

6305 - ( بِحَسْبِ امْرِئٍ أَنْ يَدْعُوَ أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ ! اغْفِرْ لِي ،
وَارْحَمْنِي ، وَأَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7/182/6670) من طريق
ابن لهيعة عن محمد بن عبدالرحمن بن نوفل عن يزيد بن خصيفة عن السائب
ابن يزيد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، ورجاله كلهم ثقات ؛ غير ابن لهيعة ، وهو ضعيف
لسوء حفظه . وقال الهيثمي (10/180) :
"رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح ؛ غير ابن لهيعة ، وهو حسن الحديث"!
كذا قال ! وابن لهيعة ضعيف من قبل حفظه ، والهيثمي قوله فيه مضطرب ؛
فتارة يحسِّن حديثه - كما هنا - وتارة يضعِّفه - وقد تقدمت له أمثلة كثيرة - ، وإنما

(13/670)


يكون حديثه قوياً إذا كان من رواية أحد العبادلة عنه - كما تقدم مراراً - ، وليس
هذا من رواية أحدهم . فتنبه!

6306 - ( بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ ؛ يُدْعَى إِلَيْهِ الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ
الْمَسَاكِينُ ) .
شاذ بهذا اللفظ : "بئس" .
أخرجه مسلم (4/153) من طريق مالك عن
ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة : أنه كان يقول : ... فذكره موقوفاً .
وهو في "الموطأ" (2/77) بهذا الإسناد إلا أنه قال: "شر الطعام ..."، وكذلك رواه البخاري
(5177) عن مالك . قال الحافظ في "الفتح " : (9/245) :
"وهو الأكثر" .
وهو مخرج في " الإرواء " (7/3/1947) .
وقد وجدت له طرقاً باللفظ الأول ؛ فلا بد من الكلام عليها ، لنكون على بينة
منها :
الأولى : عن عبدالملك بن جريج عن الزهري ... به مرفوعاً .
أخرجه ابن عبدالبر في "التمهيد" (10/177) .
وابن جريج مدلس وقد عنعنه .
الثانية : عن محمد بن أبي حفصة البصري عن الزهري ... به .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (6/ 261) في ترجمة البصري هذا . وقال :
"وهو من الضعفاء الذين يكتب حديثهم " .

(13/671)


قلت : وهو من رجال الشيخين ؛ ولكنه ممن اختلف فيه ، ويبدو من مجموع
أقوال الأئمة فيه ما يدل على أنه ثقة في نفسه ، وأن في حفظه ضعفاً ، وقد أشار
إلى هذا الذهبي والعسقلاني ، فقال الأول في "المغني " :
"ثقة مشهور ، فيه شيء" . وقال الآخر في "التقريب " :
"صدوق يخطئ " .
ولعل ابن جريج تلقاه عنه ثم دلسه!
الثالثة : عن مسلم بن أبي مسلم : ثنا مخلد بن الحسين عن هشام بن حسان
عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ... به مرفوعاً .
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (8/267) .
قلت : ومسلم بن أبي مسلم - هو : الجرمي - وثقه الخطيب (13/100) ، وكذا
ابن حبان (9/158) وقال :
"ربما أخطأ" . وقال البيهقي فِي حَدِيثِ آخر له تقدم (2801) :
"غير قوي " .
قلت : ويبدو لي أنه وسط حسن الحديث إذا لم يخالف - كما هو الشأن هنا - ؛
ولذلك جودت إسناد حديثه المتقدم .
وهذه الطريق عن ابن سيرين قد عزاها الحافظ في "الفتح " (9/245) لأبي
الشيخ - هكذا أطلق العزو إليه ولم يقيده - ؛ فلا أدري إذا كانت عنده من طريق
مسلم الجرمي هذا أو غيره .

(13/672)


الرابعة : عن محمد بن مصعب : ثنا الحسن بن دينار عن الحسن عن أبي
هريرة ... مر فوعأً .
أخرجه ابن عدي أيضاً (2/299) .
والحسن بن دينار : متروك ، وكذبه بعضهم ، وترجمته في "اللسان " .
ومحمد بن مصعب - هو : القُرقُساني - : صدوق كثير الخطأ - كما فى
"التقريب" - ؛ فيحتمل أن يكون الخطأ منه إن سلم من الحسن بن دينار .
والحدى يث أورده السيوطي في "الجامع الصغير" من حديث أبي هريرة بلفظ :
"بئس الطعام طعام العرس ؛ يَطْعَمُه الأغنياء ، ويُمْنعه المساكين " . وقال :
"رواه الدارقطني في "زوائد ابن مردك " عن أبي هريرة " .
وبيض له المناوي في "شرحيه" ؛ فلا أدري ما حال إسناده ، وهل هو بإسناد
آخر غير ما تقدم ؟ والله أعلم .
وبالجملة ؛ فالمحفوظ في هذا الحديث إنما هو بلفظ :
"شر الطعام طعام الوليمة" .
وقد صح موقوفاً ومرفوعاً من طرق ، وهو مخرج في "الإرواء" - كما تقدم - ،
وفي "الصحيحة" أيضاً (1085) .

6307 - (من قال في الإسلام شعراً مُقْذِعاً ؛ فلِسانُه هَدَرٌ ) .
ضعيف .
أخرجه البزار في "مسنده" (2/452/2092) : حدثنا عمر بن
موسى السَّامي : ثنا أبو هلال الراسبي محمد بن سليم عن عبدالله بن بريدة عن

(13/673)


أبيه ... مرفوعاً . وقال :
"لا نعلم رواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بريدة" .
قلت : فيما قاله تسامح في التعبير ؛ لأنه يشعر بصحة الإسناد إلى بريدة ،
وليس كذلك ، وإن قال الهيثمي (8/123) :
"رواه البزار ، ورجاله ثقات ، وفي بعضهم خلاف " .
فإن هذا لا يعني أن الحديث ثابت عنده ، وإن أقره الأعظمي في تعليقه على
"زوائد مسند البزار" ، وتبعه المعلق على أحاديث الشعر" (113) ، وكأنه خفي
عليهم حال عمر بن موسى السامي - بالسين المهملة ، فقد وقع في "الزوائد" :
(الشامي) ... بالشين المعجمة ، وكذلك وقع في "كامل ابن عدي" و"لسان ابن
حجر" ، وهو تصحيف من بعض النساخ أو الطابعين . والتصويب من "إكمال ابن
ماكولا" (4/557) وغيره ؛ وهو : عمر بن موسى بن سليمان الحادي البصري ، عم
الكديمي - : قال ابن عدي (5/54) :
"ضعيف ، يسرق الحديث ، ويخالف في الأسانيد" .
ثم ساق له أحاديث بعضها من روايته عن أبي هلال هذا ، ثم قال :
"وله غير ما ذكرت من الأحاديث التي سرقها ، والتي رفعها ، والتي خالف
في أسانيدها ، والضعف بيِّن في رواياته" .
وأما ابن حبان فأورده في "الثقات " (8/445)! ومع أنه قال فيه :
"ربما أخطأ" ؛ فقد نسبه الحافظ في "اللسان " إلى الغفلة ، مشيراً بذلك إلى
ترجيح تضعيف ابن عدي عليه .

(13/674)


6308 - ( إن اللهَ تعالى أوحى إليَّ ، يا أخا المُرسَلِينَ ! ويا أخا المُنذِرِينَ !
أَنْذِرْ قومَك أنْ لا يَدْخُلوا بَيْتاً من بيوتي ولأحَدٍ عندهم مَظْلَمَةٌ ، فإني
أَلْعَنُهُ ما دام قائماً بن يديَّ يُصَلِّي حتى يَرُدَّ تلك الظُلامةَ إلى أهلها ،
فأكونَ سَمْعَه الذي يَسْمَعُ به ، وأكونَ بصرَه الذي يُبْصِرُ به، ويكونَ
من أوليائي وأَصْفِيائي، ويكونَ جاري مع النَّبِيِّيَن والصِّدِّيقيَن والشهداءِ
في الجنةِ ) .
ضعيف .
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (6/116) : حدثنا سليمان بن أحمد :
ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج : ثنا إسحاق بن إبراهيم بن رزيق : ثنا أبو اليمان : ثنا
الأوزاعي : حدثني عبدة : حدثني زر بن حبيش قال: سمعت حذيفة يقول : قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره . وقال :
"غريب من حديث الأوزاعي عن عبدة ، ورواه علي بن معبد عن إسحاق بن
أبي يحيى العكي عن الأوزاعي ... به ".
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله كلهم ثقات مترجمون في "التهذيب" ، إلا
شيخ أبي نعيم سليمان بن أحمد وهو الحافظ الطبراني صاحب "المعاجم الثلاثة" ،
وهو أشهر من أن يذكر ، وإلا إسحاق بن إبراهيم بن زريق . فإني جهدت في أن
أجد له ترجمة فلم أوفق.
ثم بدا لي شيء وهو أن جده :(زريق) ... محرف من (زبريق) ، وأنه إسحاق
بن إبراهيم بن العلاء المصري ، فإنه يعرف بـ :(ابن زبريق) ، وهو من هذه
الطبقة ، وقد مضى له حديث برقم (758) من رواية الطبراني بواسطة آخر له
عنه : ثنا عمرو بن الحارث ... فإذا كان هو هذا ، فهو ضعيف جداً - كما بينت
هناك - ، وقال الحافظ في "التقريب" :

(13/675)


"صدوق يهم كثيراً ، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب" .
ولعله قد خفي حاله على الحافظ ابن رجب الحنبلي ، فقال في "جامع العلوم
والحكم" (ص 261) - بعد أن عزاه للطبراني - :
"وهذا إسناد جيد ، وهو غريب جداً" .
ولم أجد من عزاه للطبراني ، ولا هوفي شيء من "معجمه الثلاثة" ، فلعله
في بعض كتبه الأخرى مثل "مسند الشاميين" فليراجع ، فإن يدي لا تطوله الآن ،
وليس هو في المجلدين المطبوعين بتحقيق أخينا عبدالمجيد السلفي فرج الله عنه كربه .
وأما إسحاق بن أبي يحيى العكي : فلم أعرفه .

6309 - ( [إن] أول شيءٍ خَلَقَ اللهُ القلمُ ، ثم خَلَقَ بعده النُّونَ ،
وهي الدَّواةُ ، ثم قال سبحانه وتعالى : اكْتُب . فقال : وما أكْتُبُ ؟ قال
جل وعلا: اكتب ما يكونُ من عملٍ ، أو أَثَرٍ ، أو رِزْقٍ ، [ أو أجل] . فكتبَ
ما يكونُ ، وما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ ، فذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ : {ن .
والقلم وما يسطرون} ثم خَتَمَ على القَلَم ، فلمْ يَنْطِقْ ، ولا
ينطقُ إلى يومِ القيامةِ ، [ثم خلق العقل فقال: وعزَّتي ! لأُكَمِلَّنَّك فيمن
أَحْبَبْتُ ولأُنْقِصَنَّك فيمن أَبْغَضْتُ ]) (*) .
منكر .
أخرجه الآجري في "الشريعة" (ص 83) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"
(2/83) من طريق أبي مروان هشام بن خالد - يعني: الدمشقي الأزرق - قال :
حدثنا الحسن بن يحيى الخُشَني عن أبي عبد الله مولى بني أمية عن أبي صالح
عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ... مرفوعاً .
__________
(*) كتب على الهامش الأصل : "مضى نحوه (1253)" . (الناشر).

(13/676)


قلت وهذا إسناد ضعيف ، أبو عبدالله هذا : لم أجد له ترجمة .
والحسن بن يحيى الخشني: قال الحافظ :
"صدوق كثير الخطأ" .
وله طريق أخرى عن أبي صالح ، ولكنها واهية : يرويه محمد بن وهب
الدمشقي: ثنا الوليد بن مسلم: نا مالك بن أنس عن سمي عن أبي صالح ... به .
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/269) وقال:
"وهذا باطل بهذا الإسناد".
ذكره في ترجمة محمد بن وهب بن عطية الدمشقي ، وقال:
"وله غير حديث منكر ، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماًً ، وقد رأيتهم تكلموا
فيمن هو خير منه" .
ومن طريق ابن عدي أخرجه ابن عساكر (16/95) ، لكن ذكره في ترجمة
محمد بن وهب بن مسلم أبو عمرو القرشي الدمشقي ، يشير بذلك إلى خطأ ابن
عدي في إيراده في ترجمة محمد بن وهب بن عطية. وصرح بتخطئته الذهبي في
"الميزان" ، وقال عقبه:
"فصدق ابن عدي في أن الحديث باطل" .وذكر نحوه الحافظ في "التهذيب".
واعلم أن الزيادات التي بين المعكوفتين هي لابن عساكر في الموضوع المشار إليه
من "تاريخه" ، وإلا الأخيرة منها ، فقد عزاها إليه الحافظ ابن كثير في تفسيره سورة
{ن} . وساق إسنادها السيوطي في "اللآلي" (1/131) من طريق أبي مروان
المتقدمة.

(13/677)


والحديث جاء من طرق ذكرها ابن عباس موقوفاً عليه بنحوه إلى قوله :{ن.
والقلم وما يسطرون}.
أخرجه الآجري (ص 84) ، والطبري في "التفسير" (29/9 - 10) ، و"التاريخ"
(17 - 18) ، والحاكم (2/498) ، والبيهقي في " السنن" (9/3) من طريق أبي
ظبيان وأبي الضحى مسلم بن صبيح على شرط الشيخين" . ووافقه الذهبي.
وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/433/12227) من طريق مؤمل
ابن إسماعيل: حدثنا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى ... به
مرفوعاً.
قلت وهذا منكر ، قال الطبراني عقبه:
"لم يرفعه عن حماد بن زيد إلا مؤمل بن إسماعيل"
قال الهيثمي (7/128) عقبه :
"قلت : مؤمل ثقة كثير الخطأ ، وقد وثقه ابن معين وغيره ، وضعفه البخاري
وغيره ، وبقية رجاله ثقات" .
وأقول : وإنما يصح مرفوعاً من هذا الحديث عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ وغيره أولُه مختصراً ،
فرواه سعيد بن جبير عنه بلفظ :
"إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم ، وأمره أن يكتب كل شيء يكون".
وهو مخرج في "الصحيحة" (133) ، وله شواهد من حديث عبادة بن الصامت
من طرق عنه ، ومخرج في "المشكاة" (1/34/94) ، وعَنْ ابْنِ عُمَرَ في "الصحيحة"
أيضاً (3136).

(13/678)


(تنبيه) : وأما الرواية التي أخرجها الطبري في "كتابيه" من طريق سفيان عن
أبي هاشم عن مجاهد عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ موقوفاً بلفظ :
"إن الله تعالى ذِكْرُهُ كان على عرشه قبل أن يخلق شيئاً فكان أول ما خلق
الله القلم ، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ... " . الحديث.
فهو منكر جداً عندي لقوله :"قبل أن يخلق شيئاً" ... فإنه يشعر أن العرش
غير مخلوق! وهذا باطل ، وقد رواه شعبة عن أبي هاشم فلم يذكر
فيه هذا الباطل . ولعله من قبل أبي هاشم الرماني ، فإنه وإن كان ثقة بالاتفاق ،
فقد غمزه ابن حبان ، فقال في "ثقاته" (7/596) :
"كان يخطئ ، يجب أن يعتبر حديثه إذا كان من رواية الثقات عنه ، فأما
رواية الضعفاء عنه ... فان الوهن يلزق بهم دونه لانه صدوق لم يكن له سبب
يوهن به غير الخطأ ، والخطأ متى لم يفحش لا يستحق من وجد فيه ذلك الترك".
قلت : وإذا كان لا بد من تعصيب الخطأ في ذلك القول إلى أحد من سلسلة
هذا الإسناد ، فالأولى أن ينسب إلى من دون ابن عباس ، ثم إن أولاهم به هو أبو
هاشم هذا -لما سبق-، وليس الراوي عنه سفيان -وهو: الثوري- ، فإنه :"ثقة حافظ
فقيه عابد إمام حجة" - كما قال الحافظ في "التقريب" - .
وإن مما يبطل ذاك القول ونسبته إلى ابن عباس : أنه نفسه ممن روى عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ما يؤكد بطلانه لما تقدم بلفظ :
"إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم ..." .
ولذلك قال الطبري رحمه الله :
"وقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي رويناه أولى بالصواب ، لأنه كان أعلم قائل بذلك

(13/679)


قولاً بحقيقته وصحته ، ومن غير استثناء منه شيئاً من الأشياء أنه تقدم خلقُ الله إياه
خلقَ القلم ، بل عمَّ بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إن أول شيء خلق الله القلم" كل شيء ، أن القلم
مخلوق قبله من غير استثناء من ذلك عرشاً ولا ماءً ، ولا شيئاً غير ذلك ، فالرواية
التي رويناها عن أبي ظبيان وأبي الضحى عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ أولى بالصحة عن ابن
عباس من خبر مجاهد عنه الذي رواه عنه أبو هاشم ، إذا كان أبو هاشم قد اختلف
في رواية ذلك عنه شعبة وسفيان على ما ذكرت من اختلافها فيها".
وإني لأحمد الله تعالى أن هذا الكلام من هذا الإمام موافق تماماً لما كنت
ذكرته في فوائد حديث ابن عباس هذا في المصدر المذكور آنفاً "الصحيحة" ، أن
فيه رداً على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق ، ولم أكن يومئذ قد وقفت عليه.
فالحمد لله على توفيقه ، وأسأله المزيد من فضله.

6310 - (مَنْ بدأَ أخاه بالسلامِ ، كَتَبَ اللهُ له عَشْرَ حَسَناتٍ ، ومَنْ
دعا له بظَهْرِ الغَيْبِ ،كتب الله له عشر حسنات) .
ضعيف .
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصفهان" (1/129) ، وعنه ابن عساكر
في "تاريخ دمشق" (2/112) ، والشجري في "الأمالي" (1/236) من طريقين عن
سويد بن عبد العزيز : ثنا نوح بن ذكوان عن الحسن عن أنس ... مرفوعاً ، قال
أنس:
إن كانت الشجرة لتفرق بيننا في السفر فنتلاقى بالسلام .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، سويد بن عبدالعزيز ونوح بن ذكوان ضعيفان -
كما في "التقريب" - ، وقال ابن حبان في ابن ذكوان هذا (3/47) :

(13/680)


"منكر الحديث جداً ".
ثم ساق له هذا الحديث بتقديم الشطر الثاني على الأول بلفظ:
"من دعا لأخبه بظهر الغيب ..." الحديث.
وبهذا اللفظ أورده ابن طاهر المقدسي في "تذكرة الموضوعات" (ص 86) ،وقال :
"نوح ابن ذكوان متروك الحديث".
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" لأبي الشيخ فقط عن أنس.

6311 - ( وأَبِيْكَ ! لو سَكَتَّ ، ما زلتُ أُناوَلُ منها ذراعاً ما دعوتُ به) .
منكر .
أخرجه أحمد (2/48) : ثنا إسماعيل : ثنا يحيى بن أبي كثير عن
أبي إسحاق حدثني رجل من بني غفار في مجلس سالم بن عبدالله: حدثني
فلان : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِطَعَامٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ فَقَالَ:
"نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ" . فَنُووِلَ ذِرَاعاً فَأَكَلَهَا - قَالَ يَحْيَى لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا هَكَذَا - ثم قال:
"نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ" . فَنُووِلَ ذِرَاعاً فَأَكَلَهَا ، ثُمَّ قَالَ :
"نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ" . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّمَا هُمَا ذِرَاعَانِ فَقَالَ: ... فذكره .
فَقَالَ سَالِمٌ :
أَمَّا هَذِهِ فَلَا ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف ، لجهالة الغفاري الذي لم يسم.
وأبو إسحاق الراوي عنه لم أعرفه . ويحتمل أن يكون سليمان بن أبي سليمان

(13/681)


الشيباني المخرج له في "الصحيحين" ، وسائر رجاله ثقات من رجالهما.
والحديث قال الهيثمي (8/312):
"رواه أحمد ، وفيه راو لم يسم".
قلت : وفي متن الحديث نكارة ظاهرة ، وهو قوله :"وأبيك" ، فإنه من الحلف
بغير الله المنهي عنه ، ولذلك أنكره سالم بن عبدالله بن عمر ، للحديث الذي رواه
عن أبيه . وهو حديث متفق عليه من حديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وهو مخرّج
في "الإرواء" (8/187/2560) من طريق نافع عنه ، ومن طريق الزهري عن
سالم ... به.
ثم وجدت في كتابي المذكور أن النسائي روى حديث الترجمة مختصراً من
طريق أخرى عن شيخ أحمد : إسماعيل - وهو ابن عليه - قال : ثنا يحيى بن أبي
إسحاق: حدثني رجل من بني غفار ...
فظننت أنه سقط منه (يحيى بن أبي كثير) كما سقط من إسناد أحمد :
(يحيى بن) ... وأن صواب الإسناد :(يحيى بن أبي كثير عن يحيى بن أبي
إسحاق ) ، وذلك لأنه ذكر في "التهذيب" رواية يحيى الأول عن يحيى الآخر .
والآن ترجح عندي أن الصواب رواية النسائي ، دون ذكر يحيى بن أبي كثير ،
وذلك لأمور :
الأول أنهم لم يذكروا لابن علية رواية عن يحيى بن أبي كثير ، وإنما ذكروا
له رواية عن يحيى بن أبي إسحاق - وهو الحضرمي مولاهم - .
الثاني : أن إسناد رواية النسائي ذكره المزي في "التحفة" - كما نقلته آنفاً - ،
فلو كان فيه سقط لنبه عليه المزي إن شاء الله تعالى .

(13/682)


الثالث: ما أفاده الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند"
(7/133) : أن الحافظ ذكر هذا الحديث في "باب المبهمات" من "التعجيل" (550)
هكذا:
"يحيى بن أبي سحاق عن رجل من غفار : حدثني فلان أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتي
بطعام".
قلت : وبمجموع هذه الأمور يترجح أن الصواب رواية النسائي ، ولم يستحضرها
الشيخ رحمه الله ، وذكر أشياء أخرى استروح إليها ، ورجح هذا الذي رجحته
وأثبته في طبعته من "المسند" : (يحيى بن أبي إسحاق).
وعليه فالسند إلى ابن عمر صحيح على شرط الشيخين ، فصح قولنا أن سالم
ابن عمر أنكر قول الرجل الغفاري فِي حَدِيثِه مرفوعاً : "وأبيك" ، وهو حري بذلك،
لما فِي حَدِيثِ سالم عَنْ ابْنِ عُمَرَ من النهي عن الحلف بالآباء.
ومن الغريب حقاً أن الحلف المذكور قد وقع في بعض الروايات لأحاديث
صحيحة ، شذ بعض الثقات في "الصحيحين" - فضلاً عن غيرهما - فذكروه فيها ،
وقد تقدم تخريجها برقم(4992) ، وانظر كتابي "صحيح أبي داود" (415) يسر
الله لي إتمامه (*) .
وإن مما يؤكد نكارة الحلف فِي حَدِيثِ الترجمة : أنه قد روي الحديث
من طرق عن جمع من الصحابة - منهم أبو هريرة ، وإسناده حسن - ، ولم يقع في
شيء منها الحلف المذكور ، فهو منكر جداً ، والأحاديث المشار إليها مخرجة في
__________
(*) تم طبع ما أنجزه الشيخ رحمه الله تعالى بعد وفاته في (11) مجلداً مع "الضعيف"
والفهارس.
.

(13/683)


"مختصر الشمائل" (96 - 97) ، والمشكاة" (1/106 - 107/327 و 328) ، وقد
أشار الحافظ في "الفتح" (4/346) إلى ثبوت القصة - دون الحلف بالأب طبعاً -
بسكوته عليها ، وهي من معجزاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآياته العلمية.

6312 - ( اللَّهُمَّ ! عَلَيْكَ الْوَلِيدَ، أَثِمَ بِي ، مَرَّتَيْنِ [أو ثلاثاً]) .
ضعيف.
أخرجه عبدالله بن أحمد (1/151 - 152 و152) - واللفظ له - ،
والبزار(2/248/1626 و1627) ،وأبو يعلى(1/253/294 و290/351)،والمحاملي
في "الأمالي" (151/119) من طرق عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ [الحنفي]
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ امْرَأَةَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ !
إِنَّ الْوَلِيدَ يَضْرِبُهَا ، قَالَ :
"قُولِي لَهُ : [إنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قَدْ أَجَارَنِي".
قَالَ عَلِيٌّ : فَلَمْ تَلْبَثْ إِلَّا يَسِيراً حَتَّى رَجَعَتْ فَقَالَتْ : مَا زَادَنِي إِلَّا ضَرْباً !
فَأَخَذَ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهِ فَدَفَعَهَا إِلَيْهَا وَقَالَ :
"قُولِي لَهُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَارَنِي " .
فَلَمْ تَلْبَثْ إِلَّا يَسِيراً حَتَّى رَجَعَتْ فَقَالَتْ : مَا زَادَنِي إِلَّا ضَرْباً ! فَرَفَعَ [رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] يَدَيْهِ وَقَالَ : ...فذكره .

والزيادة الأولى والثانية للبزار ، والثالثة لأبي يعلى . وزاد المحاملي في أول
الحديث زيادة غريبة ونصها - بعد قولها :"يضربها" - :
"فقال : اذهبي فاصبري" ، ثم أتته فقالت : إنه يضربني ، فقال لها "اذهبي

(13/684)


فاصبري" ، ثم أتته فقالت : إنه يضربني فأخذ هدبة من ثوبه ثم قال:
"اذهبي بها إليه ، اللهم عليك الوليد" " .
هذا نص الحديث عنده بتمامه ، ومن الظاهر أنه قد زاد تلك الزيادة مقابل
اختصاره ذكر الإجارة ، وتكرار شكواها من ضربه ، إياها ، فلم تطمئن النفس لهذه
الزيادة لمخالفتها لرواية الجماعة ، ولا أدري ممن الوهم ، فإن إسناده هكذا حدثنا زيد
ابن أخزم قال : حدثنا عبدالله بن دواد عن نعيم بن حكيم ... به.
وعبدالله بن داود - وهو الخريبي - : ثقة من رجال البخاري .
وزيد بن أخزم : ثقة حافظ من رجال البخاري أيضاً ، لكن قد تابعه إبراهيم
بن محمد التيمي : ثنا عبدالله بن داود ... به نحوه. ، لكنه لم يذكر الزيادة ،
والتيمي ثقة . والله أعلم .
وخفي هذا الفرق في المتن على الدكتور القيسي المعلق على " الأمالي"
للمحاملي ، فلم ينتبه لزيادته هذه ، فعزا حديثه للحفاظ الثلاثة الأولين ، فأوهم أنه
عندهم كما هو عند المحاملي بزيادة جملة "الصبر" ، وأكد ذلك بقوله:
"وذكر الهيثمي في "المجمع" (4/332) وقال : ورجاله ثقات" !
ثم إن الدكتور ذهب إلى أن أبا مريم الراوي عن علي هو الثقفي المدائني ، وقال :
"وصرح في رواية البزار أنه الحنفي - وهو قيس - :وثقه النسائي والذهبي في
"الكاشف" ، ووهم الحافظ في "التقريب" إذ قال : إنه مجهول" .
وهذا وهم عجيب ! وإنما أتي من العجلة في النقل وقلة التحقيق ، وذلك لأمرين:
الأول أن الحافظ بعد أن حكى الخلاف في اسم أبي مريم الثقفي المدائني قال:
"قلت : الذي يظهر لي أن النسائي وهم في قوله إن أبا مريم الحنفي يسمى

(13/685)


قيساً ... والصواب : أن الذي يسمى قيساً هو أبو مريم الثقفي صاحب الترجمة ،
كما قال أبو حاتم وابن حبان". قال:
"وأما أبو مريم الحنفي - واسمه : إياس ، كما قال ابن المديني وأبو أحمد وابن
ماكولا ، وابن حبان في "الثقات" - فلم يذكره النسائي ، لأنه لم يذكر إلا من عرف
اسمه . وأما أبو مريم الكوفي : فهذا ثالث لا تعلق له بهما ، إلا لكونه يروي عن
علي أيضاً ، وقال الدارقطني : أبو مريم الثقفي عن عمار مجهول".
قلت : فقد فرق الحافظ بين أبي مريم الثقفي ، وأبي مريم الحنفي ، وأفاد أن
الأول هو المسمى (قيساً) ... والآخر يسمى (إياساً) ، وأن النسائي أخطأ في
تسميته قيساً ! فاختلط الأمر على الدكتور القيسي كما اختلط على النسائي ! زد
على ذلك أنه في قوله المتقدم عزا إلى الحافظ أنه جهل أبا مريم الحنفي، وهذا
خلاف الواقع في كتابه "التقريب" ، فقال:
"أبو مريم الثقفي ، اسمه : قيس المدائني ، مجهول من الثانية . ي د س .
أبو مريم الحنفي القاضي ، اسمه : إياس بن صُبيح ، مقبول ، ومن الثانية ،
ووهم من خلطه بالأول" .
فقد وَهِمَ القيسي على الحافظ حين تسب إليه أنه قال في أبي مريم الحنفي :
"مجهول" ... وهو إنما قال فيه: "مقبول" ، والمجهول عنده إنما هو الثقفي !! وأصل
المشكلة عند الدكتور : أنه لم يفرق بين الحنفي والثقفي ، خلافاً للحافظ ، ولذلك
وهم عليه.
وعدم التفريق هو الذي يترشح من قول الذهبي في "الكاشف":
"أبو مريم الثقفي : عن علي وأبي الدرداء ،وعنه عبدالملك ونُعيم (الأصل:
يعلى) ابنا حكيم ، ثقة ، ولي قضاء البصرة".

(13/686)


والذي جعلني أميل إلى ما ذكرت : أن رواية الابنين المذكورين قد ذكرها
البخاري وابن أبي حاتم ، وكذا ابن حبان في "الثقات" (5/314) ، دون قوله:
"ولي قضاء البصرة" . وإنما ذكر هذا ابن حبان في ترجمة إياس بن صبيح أبي
مريم الحنفي المتقدم من كتابه "الثقات" (4/34) ، ومن قبله الدولابي في "الكنى"
(2/110) فروى بسند قوي عن ابن سيرين قال:
"أول من قضى بالبصرة إياس بن صبيح ، وهو أبو مريم الحنفي".
لكن لعل التفريق بين الرجلين هو الأرجح ، لاتفاق إمام المحدثين ومن معه
على ذلك ، وهو الذي رجحه الحافظ ابن حجر - كما تقدم - .لكن اتفاقهم جميعاً
على أن الذي روى عنه نعيم بن حكيم هو : أبو مريم الثقفي ، ذكروا ذلك في ترجمة
الثقفي هذا - كما تقدم عن الذهبي - ، وكذلك ذكروا في ترجمة نعيم هذا ، ومنهم
الذهبي أيضاً ، وقال فيه :
"ثقة" .
فإذا ثبت هذا ، فتكون رواية البزار التي وقع فيها أنه : (الحنفي) ... شاذة ،
لمخالفتها لما تقدم من صنيع الأئمة في ترجمتهم له وللرواي عنه من جهة ، ولعدم
ورودها في رواية الأئمة الآخرين الذين أخرجوا الحديث من جهة أخرى .
هذا ما أدَّاني إليه بحثي وتفكيري ، فإن أصبت ، فمن الله ، وإن أخطأت ،
فمن نفسي ، سائلاً المولى سبحانه أن يغفر لي خطئي وعمدي وكل ذلك عندي .
وإذا كان الامر كذلك ، فما حال الثقفي هذا وقد تقدم قول الدارقطني والعسقلاني فيه:
"مجهول" ؟

(13/687)


فأقول : إذا كان لم يرو عنه غير الأخوين المسمّيين آنفاً ، وكان أحدهما - وهو :
عبدالملك - ليس إلا راوٍ واحد ، فهو مجهول العين - كما ذكرت في "تيسير
الانتفاع" - ، وعليه يترجح عندي أن شيخه هذا - الثقفي - يكون مجهول الحال .
والله أعلم.
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" لابن أبي شيبة ومسدد وأبي
يعلى وعبدالله وابن جرير وصححه .
أقول : لم أره في القسم المطبوع من كتاب ابن جرير "تهذيب الآثار" ، وقد تبين
لي من مطالعتي إياه : أنه متساهل في التصحيح نحو تساهل ابن حبان!

6313 - ( مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاحِداً أَحَداً صَمَداً ، لَمْ يَتَّخِذْ
صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ - عَشْرَ مَرَّاتٍ - كُتِبَتْ لَهُ
أَرْبَعُونَ أَلْفَ حَسَنَةٍ ).
ضعيف جداً .
أخرجه أحمد (4/103) ، وابن السني (133) ، وابن عدي
في "الكامل" (3/58 - 59) من طريق الْخَلِيل بْن مُرَّةَ عَنِ الْأَزْهَرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ عَنْ
تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، الخليل بن مرة مختلف فيه ، والجمهور على
تضعيفه ، قال الذهبي في "الميزان" :
"قال أبو زرعة : شيخ صالح . وقال البخاري : منكر الحديث . وقال أبو حاتم :
ليس بالقوي . وقال ابن عدي : ليس بمتروك".
ثم ساق له أحاديث أنكرت عليه ، قال في أحدها:
"وهو أنكرها" .

(13/688)


وقد روي الحديث بأنكر من هذا اللفظ ، ففيه :
"كتب الله له ألفي ألف حسنة ، ومن زاد زاده الله عَزَّ وَجَلَّ " .
وقد مضى تخريجه برقم (5122) مع تخريج الهيثمي له . وأما حديث الترجمة
فلم يخرجه في بابه ، ولا في غيره فيما علمت . والله أعلم.

6314 - ( كان إذا صلى أَقْبَلَ علينا بوجهِهِ كالقَمرِ فيقولُ : « اللهمَّ !
إني أعوذُ بك من الهَمِّ والحَزَنِ ، والعَجْزِ والكَسَلِ ، والذُّلِّ والصَّغَارِ ،
والفواحشِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ .
فتعلمناه من غير أن يعلمناه من كثرة ما كان يردده ).
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/1096/660) من طريقين عن
أحمد بن يحيى بن سعيد القطان : ثنا يحيى بن عمر الفراء : ثنا أبو الأحوص
عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : ... فذكره.
قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات ، غير يحيى بن عمر الفراء ، فلم أجد له ذكراً
ولم يزد . وكذلك ذكره السمعاني في مادة : (الفراء) من "الأنساب" ، وعمدته في
ذلك ابن حبان ، ولكنه لا يصرح به .ولم يقف عليه الدكتور المعلق على "الدعاء" !
والقطان هذا : قال أبن أبي حاتم (1/74) :
"كتبنا عنه وكان صدوقاً" . ورواه عنه الخطيب في "التاريخ" (5/117) .
وذكره ابن حبان في "الثقات" (8/38/ - 39) وقال :
"وكان متقناً) .

(13/689)


قلت: فعلة الحديث شيخه الفراء ، فإنه شبه مجهول .

وله علة أخرى ، وهي : عنعنة المغيرة - وهو : ابن مقسم -: قال الحافظ في
"التقريب":
"ثقة متقن ، إلا أنه كان يدلس ، ولا سيما عن إبراهيم".
وإبراهيم - هو :ابن زيد النخعي ، وهو -: ثقة فقيه مشهور .

6315 - ( إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فِي النَّهَارِ مِرَاراً ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ ).
موضوع .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/16/2/246 - بترقيمي) ،
وعنه أبو نعيم في "الحلية" (5/13) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن رِشْدِينَ قَالَ : نا أَحْمَدُ بن
عَبْدِالْمُؤْمِنِ الْمِصْرِيُّ قَالَ : نا إِبْرَاهِيمُ بن الْحَجَّاجِ الْمَكِّيُّ قَالَ : نا يَحْيَى بن عُقْبَةَ بن
أَبِي الْعَيْزَارِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بن سُوقَةَ قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ... مرفوعاً .
وقال أبو نعيم - مضعفاً -:
"غريب من حديث محمد ، لم نكتبه إلا من هذا الوجه".
قلت وهو موضوع ، آفته يحيى بن عقبة هذا ، وبه أعله الهيثمي فقال
(8/34):
"وهو كذاب" . وقال الذهبي في "المغني" :
"قال أبو حاتم : يفتعل الحديث" .
قلت ومن دونه ثلاثتهم ضعفاء ، وبعضهم أشد ضعفاً من بعض:
1 - إبراهيم بن الحجاج المكي : يغلب على الظن أنه الذي في "الميزان" :

(13/690)


"إبراهيم بن الحجاج : عن عبد الرزاق ، وعنه محمود بن غيلان ، نكرة لا يعرف ،
والخبر الذي رواه باطل ، وما هو بـ :(الشامي) ، ولا بـ: (النيلي) ، ذانك صدوقان".
ثم ساق الخبر من طريق الحافظ أحمد بن صالح المصري عنه عن عبدالرزاق
بإسناده عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفاطمة:
"أما ترضين أن الله اختار من أهل الأرض رجلين : أباك وزوجك !" . وقال:
"تابعه عبدالسلام بن صالح أحد الهلكى عن عبدالرزاق ".
قلت : وهذا الخبر رواه الخطيب من الوجه الأول ، وعن هذا المتابع ، وعن ثالث ،
وقال:
"حديث غريب" .
وأورده ابن الجوزي في "العلل" (1/220 - 221) من طريق الخطيب من الوجوه
الثلاثة ، وأعل الثالث بأن فيه أحمد بن عبدالله بن يزيد ، قال:
"كان يضع الحديث" .
وأعل الثاني بأن عبدالسلام - وهو : أبو الصلت - قال:
"وقد اتفقوا على أنه كذاب".
كذا قال ! وأما الوجه الأول فسكت عنه ، ثم أخذ يتكلم على عبدالرزاق
ويحاول تعصيب التهمة بعبدالرزاق ، وهذا ليس بجيد ما دام لم يروه ثقة عنه:
فتعصيب الجناية بغيره أولى .
2 - أحمد بن عبدالمؤمن المصري : قال مسلمة بن قاسم - كما في "اللسان" -:
"ضعيف جداً" .

(13/691)


3 - أحمد بن رشدين : وهو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين المصري
قال :(*)

6316 - ( مَنْ أَكَلَ لَحْمَ أَخِيهِ فِي الدُّنْيَا ، قُرِّبَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،
فَيُقَالُ لَهُ: كُلُّهُ مَيِّتاً كَمَا أَكَلْتَهُ حَيّاً ، فَيَأْكُلُهُ وَيَكْلَحُ وَيَضِجُّ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/90/1/1648) من طريق
عبدالعزيز بن محمد بن معدان السَّلَمْسيني(**) قال : نا محمد بن سلمة ، عن
محمد بن إسحاق عن موسى بن يسار عن أبي هريرة مرفوعاً به . وقال :
" لم يروه عن ابن إسحاق إلا محمد بن سلمة".
قلت هو الحراني ، وهوثقة من رجال مسلم ، وكذا من فوقه ، إلا أنه لم
يخرج لابن إسحاق إلا متابعة ، وفيه ضعف يسير ، لكنه مدلس ، وقد عنعنه من كل
الطرق الآتية عنه فهي العلة ، وبها أعله العراقي في "تخريج الإحياء" (3/143)
- وعزاه لابن مردويه مرفوعاً وموقوفاً - وقال الهيثمي في "المجمع" (8/92):
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ، ومن لم أعرفه " .
قلت يشير إلى الراوي عنه ابن معدان السَّلَمْسيني، وهو بفتح السين واللام ،
وسكون الميم وكسر السين الثانية نسبة إلى (سلمسين) : قرية بالقرب من حرّان ،
كما في "الأنساب" للسمعاني ، ولم يذكره فيها ، ولا وجدت له ترجمة في شيء
من كتب التراجم التي عندي.
__________
(*) كذا الأصل ، لم يكمل الشيخ رحمه الله ، واحمد هذا متهم بالكذب ، كما سبق
مراراً ، وانظر "الضعيفة" (11/316 ،656) وغيرها . (الناشر).
(**) كذا في أصل الشيخ رحمه الله ، وفي مطبوعة الطحان (2/391/1677) :
"عبدالصمد بن محمد ..." ، وقد ذكره الشيخ على الصواب في الحديث التالي . (الناشر).

(13/692)


إلا أنه قد توبع ، فقال أبو يعلى : حدثنا الحكم بن موسى : حدثنا محمد بن
سلمة ... به.
كذا ذكره ابن كثير في تفسير {الحجرات} من رواية أبي يعلى ، وإطلاق العزو
إليه يعني : أنه في "مسنده" وليس هوفي المطبوع منه ، ولا عزاه إليه الهيثمي .
فقلت : لعله في "الكبير" منه ، فرجعت إلى "المطالب العالية" منه ، فلم أجده
فيه - وهو على شرطه - ، فرجعت إلى "معجم شيوخه" ، فلم أره في ترجمة الحكم
ابن موسى - وهو ثقة من شيوخ مسلم - وقد ساق له حديثين . والله أعلم.
وقال ابن كثير عقبه :
"وهو غريب جداً " .
وأما قول الحافظ في "الفتح" (10/470) بعدما عزاه لأبي يعلى أيضاً :
"سنده حسن" !
فهو غير حسن ، ولعله ظن أن ابن إسحاق صرح بالتحديث ، فإنه في هذه
الحال يكون حسن الإسناد ، وهو قد عنعنه في جميع الطرق عنه ، وحتى في رواية
أبي يعلى - كما تقدم - ، وكذلك رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (109/178) ،
وأبو الشيخ في "التوبيخ" (226/205) من طريقين آخرين عنه معنعناً ، وكذا رواه
الأصبهاني في "الترغيب" (2/899/2200) ولفظه :
يؤتى بالرجل يوم القيامة الذي كان يغتاب الناس في الدنيا ، فيقال له : كل
لحم أخيك ميتاً ..." .
وهو رواية الطبراني في "الأوسط" ، كما ذكر الهيثمي وقال :
"وفيه ابن إسحاق ، وهو مدلس ، وبقية رجاله ثقات" .

(13/693)


وبه أعله المنذري في "الترغيب" (3/299) بعد أن عزاه لأبي يعلى والطبراني
وابي الشيخ في "كتاب التوبيخ" باللفظ الأول .

6317 - ( من قال في دُبُرِ صلاتِه : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ،
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ
تَكْبِيراً} ، كان له من الأجرِ مثل السموات السَّبعِ وما فيهن ، وما
تَحْتَهُنَّ ، والجبالِ ، وذلك أن الله عَزَّ وَجَلَّ يقولُ: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ
يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً}
فلهذا من الأجْرِ كما على هذا الكافرِ من الوِزرِ ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "كتاب الدعاء" (2/1105/676) : حدثنا أحمد
ابن النضر بن بحر العسكري ، ثنا عبد الصمد بن محمد بن معدان السَّلَمْسيني :
ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمه موسى بن يسار عن أبي هريرة
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ... مرفوعاً .
قلت وهذا إسناد ضعيف وله علتان :
عنعنة ابن إسحاق ، وجهالة السَّلَمْسيني هذا - كما تقدم في الحديث الذي
قبله - . وسائر رجاله ثقات.
وأما قول الدكتور محمد سعيد البخاري في تعليقخ على "الدعاء" :
"في إسناده شيخ الطبراني ، وشيخ شيخه لمأقف على ترجمتهما " !
فلم يصب في شيخ الطبراني ، فقد ترجمه الخطيب في "تاريخ بغداد"
(5/185 - 186) ، وذكره أنه من أهل (عسكر مكرم) ، وأن ابن المنادي قال:

(13/694)


"كان من ثقات وأكثرهم كتاباً ، مات سنة (290) ".
قلت : فالعلة من شيخه ابن معدان ، أو عنعنة ابن إسحاق . والله سبحانه
وتعالى أعلم .
ومن الغريب أن الحافظ السيوطي لم يورد هذا الحديث في "جامعيه" ، ولا في
"الدر المنثور" في تفسير آية الإسراء هذه :{وقل الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ... }
الآية ، وإنما أورد تحتها ما روى ابن أبي الدنيا في "كتاب الفرج" والبيهقي في
"الأسماء والصفات" عن إسماعيل بن أبي فديك ، قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ما كَرَبَني أمر إلا تمثل لي جبريل عليه السلام فقال : يا محمد ! قل : توكلت
على الحي الذي لا يموت ، و :{الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ...} الآية" .
قلت وهذا - مع إعضاله - فيه جهالة وضعف ، فقد أخرجه ابن أبي الدنيا
في "الفَرَج" (ص 20) ، ومن طريقه البيهقي في "الأسماء" (ص 113) عن الخطاب
ابن عثمان : حدثنا ابن أبي فديك : حدثني سعد بن سعيد : حدثني أبوك
إسماعيل بن أبي فديك قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره.

أما الجهالة : فهي في إسماعيل هذا - والد محمد ين إسماعيل بن أبي فديك - ،
فقد أورده البخاري في "التاريخ" وابن أبي حاتم في "الجرح" برواية ابنه محمد
عنه ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً . وهنا قد أدخل محمد بينه وبين أبيه سعدَ
ابن سعيد - وهو : ابن أبي سعيد المقبري - ، وهو ليّن - كما قال الذهبي في
"الكاشف" ، والعسقلاني في "التقريب" ، وذكر أنه - من الطبقة الثامنة ، وهي
الطبقة الوسطى من كبار أتباع التابعين ، وهذا يعني أن شيخه إسماعيل بن أبي
فديك من أتباع التابعين ، ومع هذا الإعضال فهو مجهول لم يوثقه أحد .

(13/695)


وقد روى عنه مسنداً ! أخرجه الحاكم (1/509) من طريق الفضل بن محمد
الشعراني : ثنا أبو ثابت محمد بن عبيدالله : ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي
فديك : حدثني سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة
مرفوعاً ... به . وقال :
"صحيح الإسناد" .
كذا قال! وسقط الحديث من "التخليص" للذهبي ، واستبعد أن يوافق على
تصحيحه ، لأمرين :
الأول : تضعيفه لرواية سعيد المقبري - كما تقدم نقله عن "كاشفه" - ،بل قال
في "المغني في الضعفاء والمتروكين" :
"واهٍ ، ورمي بالقدر".
والآخر : أنه أورد في في "ضعفائه" المذكور الفضل بن محمد الشَّعراني وقال:
"قال أبو حاتم : تكلموا فيه".
ولم يزد ! مع أنه وثقه بعضهم ، وبالغ بعضهم فرماه بالكذب ، وهو من الحفاظ.
راجع "سير الأعلام" للذهبي (13/317 - 319) .
وشيخه في هذا الإسناد أبو ثابت محمد بن عبيدالله ثقة ، من شيوخ البخاري ،
فإن لم يكن وهم عليه الشعراني ، فالخطأ من المقبري . والله سبحانه وتعالى أعلم
والحديث عزاه المنذري في "الترغيب" (3/44) للطبراني والحاكم عن أبي
هريرة ، وأقر الحاكم على تصحيح إسناده ! ولينظر أين أخرجه الطبراني ؟ فإني لم
يتيسر لي البحث عنه كما ينبغي ، ولم يورده الهيثمي في "مجمعه". والله أعلم.

(13/696)


وروى الأصبهاني في "ترغيبه" (2/540/1292) من طريق إبراهيم بن الأشعث
قال سمعت الفضيل يقول :
إن رجلا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسره العدو،فأراد أبوه أن يفديه،فأبوا عليه إلا
بشيء كثير فلم يطقه ، فشكا ذلك إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال:
"اكتب إليه فليكثر من قوله : توكلت على الحي الذي لا يموت ... " إلخ.
قال : فكتب إليه ، فجعل يقولها ، فغفل العدو عنه فاستاق أربعين بعيراً ، فقدم بها
إلى أبيه . قال المنذري :
"وهذا معضل" .
قلت وإبراهيم بن الأشعث أورده الذهبي في "المغني" وقال:
"قال أبو حاتم : كنا نظن به الخير ، فقد جاء بمثل هذا الحديث ، وذكر حديثاً
واهياً" .

6318 - ( فالذي نِلْتُما من عٍِرْض أخيكما آنفاً أكثرُ ، والذي نفسُ
محمدٍ بيدِهِ ! إنه في نَهَرٍ من أنهارِ الجنةِ يَتَغَمَّسُ فيها ).
منكر .
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (737 -ح )، والطحاوي في
"شرح المعاني" (2/82) ، وعبد الرزاق في "المصنف" (7/322/13340) ، ومن طريقه
البيهقي في "الشعب" (5/298/6712) ، وأبو يعلى (10/524 - 525) كلهم من
طريق أبي الزبير عن عبدالرحمن بن الهضهاض الدوسي عن أبي هريرة قال:
جاء ماعز بن مالك الأسلمي ، فرجمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند الرابعة ، ، فمر به رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه نفر من أصحابه ، فقال رجلان منهم : إن هذا الخائن أتى النبي

(13/697)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مراراً كل ذلك يرده ، ثم قتل كما يقتل الكلب ، فسكت عنهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حتى مر بجيفة حمار شائلة رجله ، فقال : "كلا من هذا" ! قالا : من جيفة حمار
يا رسول الله ؟ ! قال : ... فذكره.
والسياق للبخاري ، وهو مختصر ، ولفظه عند عبدالرزاق وغيره أتم ، وهو مخرج
في "الإرواء" (8/24) بمصادر أخرى أكثر من هذه ، وإنما أخرجته هنا لأمرين:
الأول: لمصادر جديدة وقفت عليها لم أكن وقفت عليها من قبل.
والآخر : - وهو الأهم - لتأكيد ضَعف الحديث بهذه الزيادة المذكورة آنفاً ، فقد
رأيت من صحح إسناده كابن كثير وغيره ، فأقول :
علة هذا الإسناد عبدالرحمن بن الهضهاض هذا ، ويقال : ابن الصامت ،
وكذا وقع فيه عند بعض المخرجين ، وقيل غير ذلك - كما تراه مفصلاً في
"التهذيب" - ، وبالنسبتين الأوليين ذكره ابن حبان في "ثقات التابعين" (5/97
و114) ، دون أن ينبه أنهما راوٍ واحد ! ولم يذكر له هو أو غيره راوياً غير أبي الزبير ،
ولذلك جاء في "التهذيب" :
"قال البخاري : لا يعرف إلا بهذا الحديث .
وقال النباتي (1) في "ذيل الكامل":من لا يعرف إلا بحديث واحد ، ولم يشهر
حاله ، فهوفي عداد المجهولين" . ولذلك قال الذهبي في "الكاشف" :
"مجهول" . وهو معنى قول الحافظ في "التقريب" :
__________
(1) هو الإمام الحافظ الثقة أحمد بن محمد بن مفرج الإشبيلي ، يعرف بابن الرومية ،
له ترجمة في "سير الذهبي" (23/58 - 59) .

(13/698)


"مقبول ".
يعني عند المتابعة . وقد توبع على قصة رجم ماعز دون حديث الترجمة ...
فكان منكراً ، فقد جاء الحديث في "الصحيحين" وغيرهما من طرق عن أبي
هريرة ، وكذلك من حديث جابر وبريدة وغيرهم ، وهي مخرجة في "الإرواء"
(7/352 - 358) بقصة ماعز ، دون حديث الترجمة . وانظر "المستدرك" (4/361 -
363) إن شئت .
ولذلك فقد أخطأ الحافظ ابن كثير في قوله في "تفسير الحجرات" (4/215)
بعد أن عزاه لرواية أبي يعلى :
"إسناد صحيح" !
مع أن الراوي عن أبي هريرة لم يسم عند أبي يعلى ، بل وقع فيه :
"ابن عم لأبي هريرة" !
وإن من جهل ذاك الشيخ الصابوني وقلة أمانته العلمية ، أنه توهم أن هذه
العبارة محرَّفة ، فجعل الحديث في كتابه "مختصر تفسير ابن كثير" (3/366) من
مسند "ابن عمر" ! فكأنه ظن - لبالغ جهله ، وضيق عطنه - أن لفظة : (عم) فيها ...
محرفة من : ( عمر) ! وأن قوله فيها :"لأبي هريرة" ... مقحم من الناسخ أوالطابع !
فصار الحديث عنده "عن ابن عمر" ! فجاء بما لا أصل له !
وأما بلديه الشيخ الرفاعي فلقدكان أذكى منه ! فلقد ستر جهله بهذا العلم بأن
أسقط اسم الصحابي من الحديث ! فقال في "مختصره" (4/223) :
"وروى الحافظ أبو يعلى في روايته لقصة رجم ماعز ..." !

(13/699)


ثم اتفقا على تقليد ابن كثير - كما هي عادتهما - في تصحيحه لإسناد
الحديث ، إلا أن الصابوني جعل التصحيح في التعليق قائلاً :
"أخرجه الحافظ أبو يعلى وإسناده صحيح" ! موهماً أن التخريج والتصحيح
من علمه ! شِنْشِنَةٌ نعرفها من أخزم !
وكذلك أخطأ المعلق على "مسند أبي يعلى" ، فقال - بعد أن عزاه لعبدالرزاق -:
"وهذا إسناد جيد ، ترجمه البخاري في "التاريخ" ، وابن أبي حاتم في "الجرح" ،
ولم يوردا فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وما رأيت فيه جرحاً . ووثقه ابن حبان . وانظر
تعليقنا على الحديث (6297) ".
قلت ما ذكره هنا لا يستلزم جودة السند ، لأن كون الراوي لا يعلم فيه جرح
لا يعني أنه ثقة - كما يعلم من علم المصطلح - فإنه لا بد أن يكون مشهوراً بالرواية ،
ولو لم يرو عنه إلا واحد كبعض رواة "الصحيحين" ، وقد أشار إلى هذا الحافظ النباتي
المذكور آنفاً .
ومذهب ابن حبان وتساهله في توثيق المجهولين أشهر من أن يناقش ، وقد
تعرضت لبيان خطئه أكثر من مرة، وحسب المنصف تصريحه هو في عشرات
المذكورين في "ثقاته" بأنه لا يعرفه ! وتارة يقول: "لا أعرفه ولا أعرف أباه"!! أو:
"لا أدري من هو ولا ابن من هو ، وهؤلاء عنده بالعشرات !
ورأيته أحياناً يقول في بعضهم: " ما له حديث يرجع إليه" ! وتارة : "لست أعرفه
بعدالة ولا جرح" ، وتارة أخرى :" ما له حديث مستقيم "! ومرة قال : "في حديثه
مناكير كثيرة" ، وأغرب من ذلك كله أنه صرح في بعضهم فقال فيه: "ضعيف" !!
وسوف أفصل القول في تساهله بعد أن نفرغ إن شاء الله من كتابي "ترتيب الثقات" ،

(13/700)


ومادته عندي والحمد لله ،وهي تحت التأليف والترتيب ، وقد وصل حتى هذه
الساعة إلى نهاية حرف الطاء ، نسأل الله تمامه بفضله وكرمه (*) .
وأما المكان الآخر الذي أحال عليه ، فإنه هناك نقل شيئاً من كلام الحافظ في
انتقاده لابن حبان في "ثقاته" ، ثم رد عليه بأمرين ، فصل القول فيهما ، لا يتسع
المجال الآن لتعقبه بتفصيل ، فذلك محله في مقدمة كتابي المشار إليه آنفاً ، ولكن
حسب القارئ دليلاً على بطلان رده على الحافظ ما نقله عن مقدمة " صحيح ابن
حبان" أنه قال :
"لم نحتج فيه إلا بحديث اجتمع في كل شيخ من رواته خمسة أشياء :
الأول : العدالة في الدين بالستر الجميل .
والثاني : الصدق في الحديث بالشهرة فيه .
والثالث : العقل بما يحدث من الحديث .
والرابع : العلم يما يحيل من معاني ما يروي .
والخامس : المتعري خبره عن التدليس" .
قلت : وهذه الشروط لو التزمها ابن حبان في كل رجال "ثقاته" ، لكان كتابه
هذا - "الثقات" الذي عليه بنى كتابه الآخر "الصحيح" - في مقدمة الكتب المعتمدة
في التوثيق ، ولكن ليتأمل القارئ الكريم :
هل هذه الشروط الخمسة يمكن أن تنطبق على ما قال فيه ما تقدم نقله من
"ثقاته" ، كمن قال فيه : " لا أعرفه ولا أعرف أباه " ، "لست أعرفه بعدالة ولا
__________
(*) وقد أتمه الشيخ رحمه الله - فيما نعلم- ، ولم يُطبع بعدُ . (الناشر) .

(13/701)


جرح"! إلى غير ذلك من أمثال هؤلاء المتقدمة وغيرها ؟!
كيف يمكن أن يظن في أمثال هؤلاء الذين صرح ابن حبان بجهالتهم
وضعفهم بعبارات مختلفة ، أنه اجتمع فيهم : العدالة ، والصدق ، والفهم بما
يحدث ، والعلم بما يفسد معنى الحديث ، ... ؟!
لا شك أن ما ادعاه من الشروط في رواة "صحيحه" غير مطابق لواقعه ، ولا
لرواة "ثقاته " الذين عليهم أقام كتابه "الصحيح" .
ثم ألا يكفي دلالة على جهل هذا المعلق بهذا العلم الشريف وقواعده أنه
خالف ما عليه أئمته في تراجم رواة الحديث ؟! ففيهم المئات ممن وثقهم ابن حبان ،
ومع ذلك لم يوثقوهم ، يعلم ذلك كل من له عناية بعلم الجرح والتعديل ، وهذا هو
المثال بين أيدينا فإن الحفاظ : النباتي ، والذهبي ، والعسقلاني لميوثقوا ابن
الهضهاض هذا ، فلا أدري كيف طاوعت هذا المعلق نفسه على مخالفتهم
والتطاول عليهم بتخطئتهم ، وهو ابن هذا اليوم ، لمَّا يتحصرم بعد ؟!
وإن مما يؤكد حداثته بهذا العلم وجهله به أنه بعد أن جوَّد إسناد الحديث - كما
تقدم نقله عنه - أخذ يخرجه من رواية الشيخين وغيرهما من طريق سعيد بن
المسيب وأبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة . ولم يسق إسناده ، فأوهم أن
فيه حديث الترجمة ، وهو في الحقيقة مما يوهن الحديث ويؤكد نكارته - كما أكشرت
إلى ذلك في أول هذا التخريج - .
ثم إن الجملة الأخيرة من حديث الترجمة رواها أيوب عن أبي الزبير عن جابر
مختصراً جداً بلفظ :
إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رجم ماعز بن مالك ، قال :

(13/702)


"لقد رأته يتخضخض في أنهار الجنة" .
أخرجه ابن حبان أيضاً (1515) .
قلت : ورجاله ثقات ، لكن أبو الزبير مدلس ، وقد عنعنه .
والقصة في "الصحيحن " وغيرهما من طريق أبي سلمة عن جابر أتمّ منه ،
وفيه :
فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيراً ، ولم يصل عليه .
وهو مخرج في "الإرواء" (7/353) ، فهذا يؤيد أن ما فِي حَدِيثِ أبي الزبير
غير محفوظ . والله أعلم.
وفي حديث بريدة بن الحصيب في آخر هذه القصة : فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة ، لوسعتهم ".
رواه مسلم وغيره . وهو مخرج في "الإرواء (7/356) ، ففيه غنية عما لم يصح .

6319 - (اللَّهُمَّ ! اغْفِرْ لِلأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ) .
ضعيف .
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/2/50) وفي "الصغير"
( ص 80 - هندية) ، وابن سعد في "الطبقات" (7/73) ، والحاكم (3/614) ، وكذا
أحمد (5/372) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/32/7285) ، وابن عشاكر
في "تاريخ دمشق " (7/424) كلهم من طريق حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ
عَنِ الْحَسَنِ : أنَّ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ :
بينما أنا أَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، إِذْ جاءَ رَجُلٌ
مِنْ بَنِي لَيْثٍ ، فأخذ بِيَدِي فَقَالَ : أَلا أُبَشِّرُكَ ؟ فَقُلْتُ : بَلَى. فَقَالَ : هَلْ تَذْكُرُ إِذْ

(13/703)


بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِكَ بني سعد ، فَجَعَلْتُ أَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ
وَأَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ، فَقُلْتَ أَنْتَ : إِنَّكَ تَدْعُو إِلَى الْخَيْرِ ، وَتَأْمُرُ بِالخير ، وإِنَّهُ لَيَدْعُو إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُ بِالخير ، فَبَلَّغْتُ ذَلِكَ إلى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ :... فذكره . فَكَانَ
الأَحْنَفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : مَا من عَمَلِي شَيْءٌ أَرْجَى لِي مِنْهُ.
والسياق للحاكم وبيض له .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، الحسن - هو :البصري ، وهو : مدلس وقد عنعنه .
وعلي بن زيد - وهو : ابن جدعان ، وهو : - ضعيف كما قال الحافظ في
"التقريب" . وقال في "الإصابة" - بعد أن عزاه لابن أبي عاصم فقط - :
"تفرد به علي بن زيد وفيه ضعف ".
ومما تقدم تعلم وهاء قول الهيثمي (10/2) - بعد أن عزاه لأحمد والطبراني - :
"ورجال أحمد رجال الصحيح ، غير علي بن زيد ، وهوحسن الحديث ".
كذا قال ! وهو مدفوع بقول الحافظ المتقدم ، ولو سلمنا جدلاً بما قال ، فقد فاتته
العلة الأولى وهي العنعنة !

6320 - ( من قال حين يَنْصَرِفُ من صلاته: [باسمِ اللهِ] سبحان
الله العظيمِ وبِحَمْدِهٍِ ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله ثلاثَ مراتٍ ، قام
مغفوراً له) .
منكر .
أخرجه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/4/375) - معلقاً
والزيادة له - ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (45/126) ، والطبراني في
"الدعاء" (2/1136/732) من طريقين عن نصر بن علي : ثنا خلف بن عقبة ، ثنا

(13/704)


أبو الزهراء خادم أنس بن مالك عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، فيه مجهولان :
أبو الزهراء : ذكره ابن أبي حاتم ، وساق له هذا الحديث ، وقال:
" روى عنه خالد (!) بن عقبة القشيري" . ولم يزد !
قلت كذا وقع فيه :(خالد) ... وهو خطأ مطبعي ، فقد أورده على الصواب
في حرف الخاء ، فقال:
"خلف بن عقبة القشيري ، روى عن أبي الزهراء خادم أنس عن أنس ، روى
عنه نصر بن علي الجهضمي ".
قلت فهو مجهول ، لتفرد الجهضمي بالرواية عنه .
قلت : ومن الغريب أن المعلق على "الدعاء" لم يقف عليه ! [فقد قال:]
"في إسناده خالد بن النضر - شيخ الطبراني - وخلف بن عقبة : لم أقف
عليهما"!!
قلت : أما خلف : فقد أوقفناك عليه في كتاب من أشهر وأقدم كتب الجرح
والتعديل . ومن الظاهر أن رجع إليه ، فلم يقع بصره عليه .
وأما خالد بن النضر : فهو أبو يزيد القرشي البصري ، روى له الطبراني في
"المعجم الصغير" (89 هندية ، رقم 35 - "الروض النضير") ، فالظاهر أنه من مشايخه
المجهولين ، لقلة حديثه عنه ، لكنه قد توبع - كما تقدمت الإشارة إلى ذلك - ، فهو
عند ابن السني عن شيخه محمد بن هارون الحضري ، وهو ثقة حافظ مشهور ،
أكثر عنه الطبراني .

(13/705)


6321 - ( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ، فَأَطْعَمَهُ فَلْيَأْكُلْ
مِنْ طَعَامِهِ ، وَلاَ يَسْأَلْهُ عنه ، وَإِنْ سَقَاهُ شَرَاباً ، فَلْيَشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلاَ
يَسْأَلْهُ عَنْهُ ، فَإِنْ خَشِىَ مِنْهُ ، فَلْيَكْسِرْهُ بِالْمَاءِ ) .
ضعيف بزيادة : (الخشية) .
أخرجه ابن الجعد في "مسنده" (2/10/3071) ،
ومن طريقه الدارقطين في "سننه" (4/258/65) ، وكذا ابن عدي في "الكامل"
(6/309) . قال ابن الجعد : أَخْبَرَني الزَّنْجِىُّ : أَخْبَرَني زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ [عَنْ سُمَىٍّ]
عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، وله علتان :
الأولى : الزنجي هذا - واسمه مسلم بن خالد المكي ، وهو - : مختلف فيه ،
والمتقرر فيه عند الحفاظ المتأخرين أنه صدوق سيئ الحفظ ، ولذلك أورده الذهبي
في "الميزان" ، وحكى أقوال الأئمة المختلفة فيه ، وساق له بعض الأحاديث مما أنكر
عليه ، ثم ختم عليه ترجمته بقوله:
"فهذه الأحاديث وأمثالها تُردُّ بها قوة الرجل ويُضَعَّف" . وقال في "الكاشف" :
"وثق ، و ضعفه أبو داود لكثرة غلطه " . وقال الحافظ في التقريب:
"صدوق كثير الأوهام " .
وقد ذكر ابن عدي في ترجمته أنه تفرد بروايته عن زيد بن أسلم ، وقال :
وقد روي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة من رواية عبدالرحمن بن
زيد بن أسلم عن أبيه ".
قلت : ولم أقف على لفظ رواية عبدالرحمن هذا مع كونه ضعيفاً ، وبعضهم

(13/706)


ضعفه جداً ، وهو راوي حديث توسل آدم بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقد تقدم في المجلد الأول
(25 - ح) .
وأما العلة الأخرى : فهي الاختلاف على الزنجي في الجملة الأخيرة من الحديث :
"فإن خشي منه ، فليكسره بالماء" ، فإن ابن عدي لم يذكرها في الحديث ،
وكذلك أخرج الحديث جمع من الأئمة من طرق صحيحة عن الزنجي دونها .
وكذلك رواه ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة دونها ، ولذلك أخرجته في
"الصحيحة" (627) من رواية أحمد وغيره دونها .
ثم هي مفسدة للمعنى الظاهر من سياق الحديث . والله سبحانه وتعالى أعلم .
ثم رأيت لابن الجعد متابعاً عند الطحاوي في "شرح المعاني" (2/329) من
طريق أسد بن موسى قال : حدثنا مسلم بن خالد ... به.

6322 - ( كان إذا رَفَعَ رأسَه إلى سَقْفِ البيتِ ، قال : سبحانك اللهم
وبِحَمْدِك ، أستَغْفِرُك وأتوبُ إليك . قالتْ عائشةُ : فسألتُه عنهن ؟ فقال :
أُمِرْتُ بهن ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/150/1/7314) من طريق أحمد
بن المقدام العجلي: ثنا النضر بن أبي النضر عن عمرو بن عبدالجبار عن
الحكم بن عتيبة عن مسروق عن عائشة قالت :... فذكره . وقال:
« لم يروه عن الحكم إلا عمرو بن عبدالجبار ، ولا عن عمرو إلا النضر بن أبي
النضر ، تفرد به أبو الأشعث ».

(13/707)


قلت : وهو ثقة ، وهو أحمد بن المقدام . لكن النضر بن أبي النضر : لم أجد له
ترجمة.
وعمرو بن عبدالجبار - الظاهر أنه السنجاري - : قال ابن عدي في "الكامل"
(5/141):
"روى عن عمه عبيدة بن حسان مناكير ".
ثم ساق له عدة أحاديث عن عمه بأسانيد له ، ثم قال:
"كلها غير محفوظة".
والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" (10/142) وقال :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه من لم أعرفه ".
قلت والحديث صحيح دون رفع الرأس إلى السقف ، كذلك رواه الشعبي عن
مسروق ... أتم منه بنحوه ، وفيه أن ذلك كان في آخر أمره .رواه مسلم وغيره . وهو
مخرج في "الصحيحة" (رقم 3175) .
ولعائشة حديث آخر : أنه كان يقول ذلك إذا ختم المجلس وقام منه ، وهو المسمى
بكفارة المجلس ، وقد خرجته أيضاً هناك (3164) .

6323 - ( إنَّ شِرَارَ الرَّوَايَا رَوايا الْكَذِبُ، وَلا يَصْلُحُ مِنَ الْكَذِبِ
جِدٌّ وَلا هَزْلٌ، وَلا يَعِد الرَّجُلُ ابنَه ، ثمَ لا يُنْجِزُ لهُ ، إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي
إِلَى الْبِرِّ ... ) .
ضعيف .
أخرجه الدارمي في "سننه" (2/299 - 300) من طريق إدريس

(13/708)


الأودي عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص : أن عبدالله يرفع الحديث إلى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...
قلت : وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين ، غير أن البخاري إنما
روى لأبي الأحوص في "الأدب المفرد" - واسمه : عوف بن مالك بن نضلة - ، إلا
أن أبا إسحاق - وهو: عمرو بن عبد الله السَّبيعي - مدلس وكان اختلط .
وإدريس الأودي لا يعرف أنه روى قبل الاختلاط ، وقد خالفه شعبة ،
فجعله موقوفاً إلا جملة الصدق ، فقال أحمد في "مسنده" (1/410) : ثنا عفان :
ثنا شعبة قال : قال أبو إسحاق نا عن أبي الأحوص قال : كان عبدالله يقول :
إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ... إلى وقله : ثم لا ينجز له . قال:
وإن محمداً قال لنا :
"لا يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً ، ولا يزال الرجل يكذب
حتى يكتب عند الله كذاباً " .
قلت : وهذا إسناد صحيح ، لأن شعبة قد روى عن أبي إسحاق قبل الاختلاط ،
وقد فرَّق بين قول ابن مسعود الموقوف ، وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المرفوع ، وقد أخرج هذا
المرفوع وحده الطيالسي في "مسنده" (39/301) قال : حدثنا شعبة قال : أخبرني
أبو إسحاق قال : سمعت أبا الأحوص يحدث عن عبدالله قال : إن محمداً قال :
"إن الرجل ليصدق ..." الحديث .
وأخرجه مسلم (8/28 - 29) من طريق أخرى عن شعبة ... به .
ولشعبة فيه إسناد آخر : فقال الطيالسي (33/247) : حدثنا شعبة عن
منصور عن أبي وائل عن عبدالله عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:

(13/709)


"لا يزال العبد يصدق ..." الحديث .
وأخرجه أحمد (1/393) ، وابن حبان (1/245/272) من طريق محمد بن
جعفر : حدثنا شعبة ... به .
وتابعه جرير عن منصور ... به ، وفيه زيادة.
أخرجه البخاري ( 10/507/6094) ، ومسلم (8/29) ، وابن حبان (1/246/
273 و 274) ، والبيهقي في "الشعب" (4/199) .
وتابعه أبو الأحوص عن منصور ... به ، أتم منه .
أخرجه مسلم .
وتابع منصوراً الأعمش ... به .
أخرجه مسلم والبخاري في "الأدب المفرد" (386) ، وابن حبان (رقم 272) ،
وابن أبي شيبة في " المصنف" (8/590 - 591) ، وكذا أبو داود في "السنن" (4989) ،
وأحمد (1/383) من طرق عنه .
قلت : فهذه الطرق الصحيحة عن أبي إسحاق السبيعي وغيره تدل على أنه
خلط حديث ابن مسعود الموقوف بحديثه المرفوع ، وأنه لما حدَّث بالحديث قبل
اختلاطه وتلقاه عنه شعبة ، فرَّق بين الموقوف والمرفوع ، وهذا هو الصواب .
ويؤيد ذلك أن هذا الموقوف جاء من طرق أخرى عن ابن مسعود : فقال البخاري
في "الأدب المفرد" (387) : حديثنا قتيبة قال : حدثنا جرير عن الأعمش عن
مجاهد عن أبي معمر عن عبدالله قال : ... فذكره ، مثل رواية عفان المتقدمة .
وتابعه وكيع عن الأعمش ... به .

(13/710)


أخرجه ابن أبي شيبة (8/591/5653) .
وهذا إسناد صحيح أيضاً على شرط الشيخين ، وأبو معمر اسمه عبدالله بن
سَخبرة الكوفي .
وأخرجه أيضاً من طريق الأعمش عن إبراهيم عن عبدالله ، وعن عمرو بن مرة
عن أبي البختري عنه ، وزاد :
ثم تلا عبدالله ، {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} .
وكأنَّ البخاري رحمه الله أشار إلى هذه الرواية بترجمته بقوله :
"باب قول الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} ،
وما ينهى عن الكذب ".
ثم ساق الحديث المرفوع ، ولم يشر الحافظ إلى ذلك على خلاف عادته .
ثم رأيت لحديث الترجمة طريقاً أخرى عند ابن ماجه (1/18/46) من طريق
عبيد بن ميمون المدني عن محمد بن جعفر بن أبي كثير عن موسى بن عقبة عن
أبي إسحاق به مطولاً مرفوعاً بلفظ :
إنما هما اثنتان : الكلام والهدى ... " الحديث بطوله ، وفيه حديث الترجمة .
وعبيد هذا مجهول - كما قال أبو حاتم - ، وأما ابن حبان فذكره على قاعدته
في "الثقات" !
وأخرجه البيهقي في "الشعب" (4/201/4788) من طريق عبدالرزاق : أنا
معمر عن أبي إسحاق ... به موقوفاً عليه بتمامه ، لكن وقع فيه :
"وشر الرؤيا الرؤيا الكذب" !

(13/711)


وهو خطأ مطبعي .
ورواه عبدالرزاق في "المصنف" (11/159/20198) عن معمر قال : قال غير
جعفر بن برقان : عن ابن مسعود ... به نحوه ، وفي حديث الترجمة موقوفاً أيضاً .
وكذلك رواه البيهقي أيضاً برقم (4786) من طريق عبدالرزاق ... به . وهو ظاهر الانقطاع .
(تنبيه) : عزا بعضهم حديث الترجمة لكتاب مسلم ، زيادة فِي حَدِيثِ ابن
مثنى وابن بشار ، يعني : من طريق شعبة المتقدمة عن أبي إسحاق عن أبي
الأحوص ... ذكره الحافظ في "الفتح" (10/509) ثم قال :
"قلت : لم أر شيئاًُ من هذا في "الأطراف" لأبي مسعود ، ولا في "الجمع بين
الصحيحين" للحميدي . قال:
"والروايا" جمع رويَّة ... بالتشديد ، وهو ما يتروى فيه الإنسان قبل قوله أو فعله .
وقيل : هو جمع (راوية) : أي : للكذب ، والهاء للمبالغة " .

6324 - ( سيُقْتَلُ بـ (عذراءَ) ناسٌ يَغْضَبُ اللُه لهم ، وأهلُ السماءِ ) .
ضعيف .
أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (6/457) ، وابن عساكر في
"تاريخ دمشق" ( 4/272) كلاهما من طريق يعقوب بن سفيان: حدثنا حرملة:
أخبرنا ابن وهب : أخبرنا ابن لهيعة عن أبي الأسود قال :
دخل معاوية على عائشة فقالت : ما حملك على قتل أهل (عذراء) : حُجر
وأصحابه ؟ فقال : يا أمَّ المؤمنين ! إني رأيت قتلهم صلاحاً للأمة ، وبقاءهم فساداً
للأمة . فقالت : سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ... فذكره .

(13/712)


قلت : وهذا إسناد ضعيف . رجاله كلهم ثقات ، لكنه معضل ، فإن أبا الأسود
هذا - واسمه : محمد بن عبدالرحمن بن نوفل - من أتباع التابعين ، ولذلك قال
ابن كثير عقبه في "البداية" (6/55) :
"وهذا إسناد ضعيف منقطع" .
وبالانقطاع أعله الحافظ أيضاً في ترجمة حجر من "الإصابة" .
وأعله الحافظ ابن عساكر بعلة أخرى وهي الوقف ، فقال عقبه :
"ورواه ابن المبارك عن ابن لهيعة فلم يرفعه" .
ثم ساق إسناده إليه عن ابن لهيعة : حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن
أبي هلال :
أن معاوية حج فدخل على عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت يا معاوية !
قتلت حجر بن الأدبر وأصحابه ؟! أما والله! لقد بلغني أنه سيقتل بـ (عذراء) سبعة
رجال يغضب الله تعالى لهم وأهل السماء .
قلت وهذا منقطع أيضاً سعيد بن أبي هلال من أتباع التابعين أيضاً ، على
أن أحمد وغيره رماه بالاختلاط .

6325 - ( إن العَجَمَ - أو العَدوَّ - لا ينصروني على قوم ) .
منكر .
أخرجه البخاري في "التاريخ" (4/1/387) معلقاً في ترجمة مسلمة
ابن محارب الزيادي عن أبيه أن معاوية كتب إلى زياد : سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول : ... فذكره .
قلت وهذا إسناد مجهول ، مسلمة هذا لم يذكر البخاري مع حديثه هذا

(13/713)


شيئاً يدل على حاله . ونحوه ابن أبي حاتم ، سوى أنه قال :
"روى معتمر بن سليمان عن رجل من أهل الكوفة عنه ، وروى أبو الحسن
المدائني عنه".
وأما ابن حبان فذكره في "أتباع التابعين من الثقات" (7/490) على قاعدته
في توثيق المجهولين! وقال :
"يروي عن أبيه عن معاوية ، روى عنه إسماعيل ابن علية".
قلت : فكأنه أشار إلى هذا الحديث .
وأبوه محارب الزيادي : لم أجد له ترجمة .
وأما أبو الحسن المدائني - الذي روى عن مسلمة الزيادي فهو : علي بن محمد
الأخباري المشهور صاحب التصانيف ، وهو - صدوق ضعفه ابن عدي بقوله :
"ليس بالقوي" .
فاعلم أنه يروي عنه الإمام الطبري في "تاريخه" كثيراً من الحوادث والوقائع
بواسطة شيخه عمر بن شبّة عنه عن مسلمة بن محارب هذا ، ولما كان لم يدرك
عصر الصحابة لكونه من أتباع التابعين - كما تقدم عن ابن حبان - ، فتكون كل
رواياته ووقائعه التي يرويها عن الصحابة منقطعة لا تصح ، وبخاصة وهو نفسه ممن
لم تثبت عدالته وحفظه - كما سبق - ، فمن الجهل بل الجهالة بمكان ما صنعه
ذلك ( السخاف) في تعليقه على "دفع شبه التشبيه" ( ص 236 - 237) من الطعن
في معاوية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بروايات ساقها دون تمييز ما صح منها مما لم يصح ، وما
صح منها - وله تأويل صحيح عند العلماء ، فهو - لا يذكره ، وما لم يصح منها
يذكره ، ويكتم علته ، لأن الغاية تبرر الوسيلة عنده ، ومن ذلك ما نقله من "تاريخ

(13/714)


الطبري" و "كامل ابن الأثير" أن سبب موت عبدالرحمن بن خالد بن الوليد كان
معاوية ! وذلك أنه أمر نصرانياً أن يدس في شرابه سماً فشربه فمات !!
و(السخاف) هذا شديد الطعن في معاوية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وقد سوّد في تعليقه
المشار إليه ثماني صفحات في ذم معاوية ، ويتهمه بما ليس فيه ، ويحرِّف الروايات
التاريخية ويحمِّلها من المعاني ما لا تحتمل ، فلعل الله ييسر له مؤمناً يكشف
للناس ما في كلامه من الدس والافتراء على هذا الصحابي الجليل ، صاحب
الفتوحات الإسلامية التي لا تنسى .
وأما افتراؤه عليَّ وتحريفه كلامي ، ورميه إياي ولغيري بالتجسيم والجهل
فشيء يصعب حصره ! عامله الله بما يستحق!

6326 - ( ثلاثةُ أصوات يحبُّها اللهُ : صوتُ الملائكةِ ، وصوتًُ
الذي يَقْرَأُ القرآن ، وصوتُ المستغفرينَ بالأَسْحارِ ).
موضوع .
أخرجه الديلمي في "مسنده" (1/64 - الغرائب ) من طريق وهب
ابن حفص : حدثنا عثمان بن عبدالرحمن عن عنبسة عن محمد بن زادان عن
أم محمد بنت سعد بن زيد بن ثابت قالت : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره.
قلت : وهذا موضوع ، آفته أحد من دون أم محمد هذه .
أولاً : محمد بن زادان: قال الحافظ في "التقريب" :
"متروك" .
ثانياً : عنبسة - وهو : ابن عبدالرحمن الأموي - : قال الحافظ :
"متروك ، رماه أبو حاتم بالوضع ".

(13/715)


ثالثاً : عثمان بن عبدالرحمن ، وهو الوقاصي ، قال الحافظ :
"متروك ، وكذبه ابن معين ".
رابعاً : وهب بن حفص - وهو البجلي الحراني - : قال الذهبي في "الميزان" :
"كذبه الحافظ أبو عروبة ، وقال الدارقطني : كان يضع الحديث " .
قلت : ولعل ذلك يم يكن عن قصد منه ، وإنما أدركته غفلة الصالحين ، فقد
قال ابن حبان في "الضعفاء" (3/76) :
"كان شيخاً مغفلاً ، يقلب الأخبار ولا يعلم ، ويخطئ فيها ولا يفهم ".
وأما أم محمد هذه : فلم أعرفها ، والظاهر أنه خطأ من الناسخ ، وأن الصواب :
"أم سعد بنت زيد بن ثابت " ... بإسقاط " "محمد بنت" ، وعلى الصواب وقع في
"كنز العمال" (12/325/35285) معزواً لـ "الديلمي" ، وكذا في "الفردوس" لأبيه
(2/101/2538) ، لكنه لم ينسبها ، بل قال "أم سعد". ووقع في مصورة "الجامع
الكبير" التي عندي وفي مطبوعته أيضاً (رقم 13075) :
"وأم محمد بنت زيد بن ثابت" ، وذكر المعلق عليه أنه كذلك في الأصول
- يعني : نسخ "الجامع" الخطية - . وأشار إلى أنه خطأ ، وأنه في " تسديد القوس"
على الصواب .

6327 - ( كان يأمر بدفن الدم إذا احتجم ) .
موضوع .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/50/2/869) ، وابن منده
- كما في "الإصابة" - من طريق عنبسة بن عبدالرحمن بن سعيد بن العاص
عن محمد بن زاذان عن أم سعد امرأة (!) زيد بن ثابت قالت : ... فذكره .
وقال الطبراني :

(13/716)


"لا يروى عن أم سعد إلا بهذا الإسناد ، تفرد به عنبسة ".
قلت : وهو متهم بالوضع - كما تقدم في الحديث الذي قبله - ، وقد تقدمت
له بعض الأحاديث الموضوعة ، فانظر إن شئت الأرقام: ( 435 و 518 و 664 و 837
و861 ) ، وهذا الأخير من روايته عن محمد بن زاذان هذا عن أم سعد هذه عن زيد
ابن ثابت !
ومحمد بن زاذان : متروك - كما تقدم أيضاً آنفاً - ، وأزيد هنا فأقول :
قال ابن عبدالبر في ترجمة أم سعد بنت زيد بن ثابت الأنصاري هذه :
"روى عنها محمد بن زاذان ، يقال إنه لم يسمع منها ، وبينهما عبدالله بن
خارجة . لها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث ، منها أنه أمر بدفن الدم إذا احتجم ".
قال الحافظ عقبه :
"قلت : وصله ابن ماجه والحسن بن سفيان وأبو يعلى وابن منده وغيرهم".
قلت : وهذا وهم من الحافظ رحمه الله ، فإن ابن ماجه لم يرو لها - هذا الحديث -
ولا غيره سوى حديث واحد في فضل الخل ، وأنه كان إدام الأنبياء ، من هذه الطريق ،
وقد خرجته في "الصحيحة " تحت حديث :
"نعم الإدام الخل" . رقم (2220) .
وقد ساق الحافظ عدة أحاديث أخرى من هذا الوجه من رواية ابن منده
أيضاً وختمها بقوله :
"وعنبسة بن عبدالرحمن من المتروكين".
قلت : وغفل عنه الهيثمي ، فأعله بمن دونه فقال (5/94) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه هياج بن بسطام ، وهو ضعيف".

(13/717)


قلت : وهذا إعلال قاصر ، لأمرين :
الأول : أنه لم يتفرد به - كما أشار إلى ذلك الطبراني فيما نقلته آنفاً عنه - ،
وقد رواه ابن منده من غير طريقه - كما أشرت إلى ذلك في التخريج - ، وعلقه ابن
الأثير في " أسد الغابة" (6/238) من وجه ثالث عن عنبسة.
والآخر : أن عنبسة شر بكثير من هياج بن بسطام ، فإن هذا قد وثق ، وقال
الحافظ في "التقريب" :
"ضعيف"... فأين هذا من قوله المتقدم في عنبسة : أنه من المتروكين ؟! ونحوه
محمد بن زاذان - كما تقدم أيضاً -.
وقد روي في دفن الدم مطلقاً حديث آخر ، ولكن لا يعرف له إسناد ، وقد
سبق ذكره تحت الحديث المتقدم (2357) .
ولعنبسة هذا بإسناده المذكور حديث آخر في وضع القلم على الأذن ، تقدم
برقم (865) ، إلا أنه قال :
"عن أم سعد عن زيد بن ثابت" !

6328 - ( كُلُّ مُخَمِّرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِراً ،
بُخِسَتْ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً ، فَإِنْ تَابَ ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ
الرَّابِعَةَ ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ . قِيلَ : وَمَا طِينَةُ
الْخَبَالِ ؟ قَالَ : صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ .
وَمَنْ سَقَاهُ صَغِيراً لَا يَعْرِفُ حَلَالَهُ مِنْ حَرَامِهِ ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ
أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ) .
منكر بجملة: (إسقاء الصغير) .
أخرجه أبو داود (3680) ، ومن طريقه البيهقي

(13/718)


"في السنن" ( 8/288) ، وابن عبدالبر في "التمهيد" (1/255) قال : حدثنا
محمد بن رافع النيسابوري : حدثنا إبراهيم بن عمر الصنعاني قال: سمعت
النعمان يقول : عن طاوس عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله كلهم ثقات ، غير إبراهيم بن عمر الصنعاني ،
وَهُوَ مَجْهُولٌ الحال ، لم يرو عنه مع النيسابوري هذا غير نوح بن حبيب ، ولم يوثقه
أحد حتى ولا ابن حبان ! ولذلك بيَّض له الذهبي في "الكاشف" ، وقال الحافظ
في "التقريب" :
" مستور" . وقال في "تهذيبه" :
"وليس هوابن كيسان ، فإنه متأخر عنه ، روى عن النعمان بن أبي شيبة ...
أخرج له أبو داود حديثاً واحداً في (الأشربة) من رواية طاوس عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ " .
يعني : هذا - كما هو ظاهر - ، وأشار بقوله : "وليس هو ابن كيسان" - لأن هذا
صنعاني أيضاً - دفعاً للالتباس ، فإنهما من طبقة واحدة ، وقد جعلهما في
"التقريب" ، من الطبقة السابعة ، وابن كيسان ثقة ، فكان التنبيه على أنه غيره
ضرورياً جداً ، وهذا مما لم ينتبه له كثيرون ، فظنوه ابن كيسان ، وعليه صححوا
الحديث ! ومنهم أنا شخصياً ، فقد كنت خرجته في "الصحيحة" برقم (2039) ،
فأستغفر الله وأتوب إليه {ربنا لا تؤاخذنا غن نسينا أو أخطأنا}.

ولقد كان سبب انتباهي لهذا الخطأ أنني رأيت الحديث في كتاب "الوهم
والإيهام" لابن القطان (2/172/1 - 2) ، أورده تحت ( باب ذكر أحاديث ضعفها
(يعني : عبدالحق) وهي صحيحة أو حسنة ، وما أعلها به ليس بعلة ) ( ق 154/1) ،
وفي النسخة المصورة بياض ، لم أعرف بماذا أعله عبدالحق ، لكن يظهر من كلام

(13/719)


ابن القطان الآتي أن عبدالحق كان ساق الحديث بسند أبي داود ، فإنه قال:
"فإنه عهد فيما هو صحيح ، بل فيما هو حسن ، بل فيما هو ضعيف من
الترغيب يكتبها مقتصراً على صحابيها ، فمتى ذكر حديثاً بسنده ، فقد
عرَّضه لنظرك ، وتبرأ لك من عهدته . وليس هذا الحديث عندي بضعيف ، بل هو
صحيح ، فقد كان يجب أن يذكره بغير إسناد . والنعمان - هو : ابن أبي شيبة
الجَنَدي الصنعاني - ثقة مأمون كيس ، وإبراهيم بن عمر الصنعاني ثقة أيضاً ،
وسائرهم لا يسأل عنه ،فاعلم ذلك "!
ومن الواضح أن ابن القطان توهم أن إبراهيم هذا هو ابن كيسان الثقة - لما
تقدم - ، وبخاصة أن من مذهبه أن المستور ومجهول الحال لا يحتج به بحال - كما
ذكر ذلك في أماكن عديدة من كتابه - ، فهو الذي وقع في (الوهم) وليس عبد الحق.
وفي قوله : "فمتى ذكر حديثاً بسنده ... وتبرأ لك من عهدته " فائدة مهمة
طالما كنا ولا نزال نلفت نظر القراء إليها ونقول :
إنه لا يلزم من سكوت المؤلف على حديث ما ساقه بسنده أنه قوي عنده ،
كلا ، فإن ذِكْرَه لإسناده يعني بلسان الحال - ولسان الحال أنطق من لسان المقال - :
انظر فيه لتتبين أصحيح هو أم لا ؟ وهذا ما يغفل عنه كثير [من] المؤلفين اليوم ،
وفيهم بعض الدكاترة ، فيتوهمون من السكوت عن السند الصحة ! وهذا مما يقع فيه
كثيراً الشيخان الحلبيان اللذان اختصرا "تفسير ابن كثير" ، فإنهما قد صححا كثيراً
من أحاديث "التفسير" في "مختصريهما" ، وطالما نبهت على الكثير من أحاديثهما
الضعيفة في هذه "السلسلة" وغيرها ، وهذا الحديث بالذات من تلك الأحاديث
التي أوردها الشيخ نسيب الرفاعي في "مختصره" (2/83) مغتراً بسكوت ابن كثير
عليه ، مع أنه ساقه بإسناد أبي داود بتمامه قائلاً :

(13/720)


"تفرد به أبو داود".
أقول : فلما رأيت الحديث عند ابن القطان مصححاً ، رجعت إلى "ترغيب"
المنذر مقدراً أنه فيه ، وأنني على ذلك لا بد أنني كنت علقت قديماً عليه ،
فوجدتني قد أعللته بالصنعاني المستور ! وباستنكار أبي زرعة لحديثه ، وبإشارة
البيهقي لتضعيفه !
ثم تابعت البحث ، فوجدت أنني قد خرجت الحديث في "الصحيحة" في
المجلد الخامس برقم (2039) ، فاستأنفت دراسة إسناده من جديد ، فتبينت أنني
كنت واهماً فيه وأن الصواب ما كنت علقته على "الترغيب" ، فالحمد لله الذي
هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
أما الاستنكار المشار إليه فهو ما في كتاب "العلل" لابن أبي حاتم ، قال (2/36) :
سئل أبو زرعة عن حديث رواه محمد بن رافع عن إبراهيم بن عمر الصنعاني
(فذكره بتمامه ، ثم قال :) فقال أبو زرعة :
"هذا حديث منكر".
قلت : وإن مما يؤكد نكارته : أن الحديث أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"
(11/192/11465) من طريق أخرى من حديث عطاء بن أبي رباح عن ابن
عباس ... به إلى قوله :
"صديد أهل النار" ... دون زيادة جملة (إسقاء الصغير): فهي المنكرة من
الحديث ، وإلا فسائره رواه جمع آخر من الصحابة ، خرج أحاديثهم المنذري في
"الترغيب" (3/185 - 187) وهذه أرقامها من الطبعة المنيرية (32 و38 و45 و46
و48 و49 و51) ، وقد أخرج بعضها البيهقي في "الشعب" (5/7 - 8) ، منها

(13/721)


حديث ابن عمر بالسند الصحيح دون الزيادة. ثم اشار إلى ضعفها بقوله عقبه:
"وروي ذلك عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ...".
ثم ذكر الطرف الأخير منه الذي فيه الزيادة.
ولم ينتبه الشيخ شعيب للفرق بين حديث ابن عباس هذا ، وحديث ابن
عمر ، فجعل حديث هذا شاهداً لذاك ، وهذا لا يجوز ، لأنه شاهد قاصر ، ليس فيه
الزيادة - كما سبقت الإشارة إليه - ، مع أنه قد أعله باختلاط عطاء بن السائب ،
وفاته أنه عند البيهقي من رواية حماد بن زيد ، وهو قد روى عنه قبل الاختلاط ،
لكنه - والحق يقال - قد تنبه لكون إبراهيم بن عمر الصنعاني هو المستور ، خلافاً
للمعلقين على "التمهيد" ، فقالا : إنه "إبراهيم بن عمر الصنعاني ابن كيسان أبو
إسحاق صدوق" !

6329 - ( إنَّ كُرْسِيَّهُ وّسِعَ السماواتِ والأرضَ ، وإنه لَيَقْعُدُ عليه ،
فما يَفْضُلُ عنه إلا قَدْرُ أَرْبَعِ أصابع - ومد أصابعه الأربع - ، وإن له أَطِيْطاً
كأطيطِ الرَّحْل [إذا رُكِبَ] ).
منكر .
أخرجه الدارمي عثمان بن سعيد في "الرد على بشر المريسي" (ص74) ،
وعبدالله بن أحمد في "السنة (ص 71) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن
عبد الله بن خليفة قال:
: أتت امرأة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت : ادع الله أن يدخلني الجنة . فعظم الرب ،
فقال : ... فذكره .
هكذا أخرجاه من طريقين عن إسرائيل . وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"
(8/52) ، ومن طريقه ابت الجوزي في "العلل" (1/4) من طريق الحسين بن شبيب

(13/722)


الآجري : أخبرنا أبو حمزة الأسلمي - بـ (طرسوس) - : حدثنا وكيع : ثنا أبو
إسرائيل عن أبي إسحاق ... به.
كذا قال :"أبو إسرائيل" ، وأظنه وهماً من أبي حمزة الأسلمي ، فإنه غير
معروف عندي ، ولم يذكره أحد فيما علمت ، حتى ولا الحافظ الذهبي في "كناه" .
أو الوهم من الرواي عنه الحسين بن شبيب ، فإن الخطيب في ترجمته ساق الحديث
ولم يزد ! سوى أنه ذكر في إسناده انه كان من النساك المذكورين .
وإن مما يؤكد الوهم أن عبدالله بن أحمد قال (ص 70) : حدثني أبي ، حدثنا
وكيع ، بحديث إسرائيل ... به إلا أنه قال : عن عبد الله بن خليفة عن عمر قال :
"إذا جلس الرب عَزَّ وَجَلَّ على الكرسي" فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب
وكيع وقال : "أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث لا ينكرونها" .
وأقول نعم إذا كانت أحاديث صحيحة ، كحديث النزول الإلهي كل ليلة ،
وأحاديث الأصابع واليدين ونحوها ، وأما فضعيف منكر لا نرضاه ، وقد قال
الذهبي في كتابه "العلو" (ص 123 - 124 - مختصرة) :
"وليس للأطيط مدخل في الصفات أبداً ، بل هو كاهتزاز العرش لموت سعد ،
وكتفطر السماء يوم القيامة ونحو ذلك ، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عَزَّ وَجَلَّ . ثم
لفظ الأطيط لم يأت في لفظ ثابت " . وقال ابن خزيمة في "التوحيد"(ص 71) :
"وقد رواه وكيع بن الجراح عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة
مرسلا ، ليس فيه ذكر عمر لا بيقين ولا ظن ، وليس هذا الخبر من شرطنا ، لأنه غير
متصل الإسناد ، لسنا نحتج في هذا الجنس من العلم بالمراسيل المنقطعات" .

(13/723)


قلت وقد روي متصلاً بذكر عمر فيه مرفوعاً ، ولا يصح أيضاً ، لأن مداره
على أبي إسحاق وكان اختلط ، وإسرائيل - وهو : ابن يونس بن أبي إسحاق - سمع
من جده بعد الإختلاط .
وعبدالله بن خليفة : مجهول لا يعرف إلا في هذا الإسناد . وقال ابن الجوزي :
"هذا حديث لا يصح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإسناده مضطرب جداً ، وعبدالله
ابن خليفة ليس من الصحابة ، فيكون الحديث الأول مرسلاً ، وتارة يرويه ابن خليفة
عن عمر مرفوعاً ، وتارة يوقفه على عمر ، وتارة يوقف على ابن خليفة ، وكل هذا
تخليط من الرواة فلا يعوَّل عليه" .

6330 - ( رأيتُ رَبِّي بِمِنى عند النَّفرِ على جَمَلٍ أَوْرَقَ عليه جُبَّةَ
صوفٍ أمامَ الناسِ ) .
موضوع .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (9/135) من طريق أبي
علي الأهوازي : نا أحمد بن علي بن الحسن بن أبي السنديان بـ (بأطرابلس) : نا
أبو محمد عبد الله بن الحسن بن غالب بن الهيثم القاضي بـ (عرفة) : نا عبدالله
بن محمد البغوي: نا هدبة بن خالد: نا حماد بن سلمة عن وكيع عن أبي رزين
لقيط بن عامر ... مرفوعاً. وقال:
"كتبه أبو بكر الخطيب الحافظ عن الأهوازي متعجباً من نكارته ،وهو حديث
موضوع لا أصل له ، وقد وقعت لنا نسخة البغوي عن هدبة بعلو وليس هذا
الحديث فيها . وأبو محمد هذا وابن أبي السنديان غير معروفي العدالة ، والأهوازي:
متهم ".
قلت لا أدري أين رواه الخطيب ، وليس هو في "تاريخ بغداد" وقد قال
الذهبي في ترجمة الاهوازي من "الميزان":

(13/724)


"وقد روى أبو بكر الخطيب بقلة ورع عن الأهوازي ..." .
قلت : فساقه بتمامه ، وذكر عن ابن عساكر ما تقدم من اتهامه به الأهوازي،
وقد رواه الذهبي في ترجمته من "السير" (18/16) بسنده عنه ... به ، وقال عقبه:
"وقال ابن عساكر في " تبيين كذب المفتري ": لا يستبعدن جاهل كذب
الأهوازي فيما أورده من تلك الحكايات، فقد كان من أكذب الناس فيما يدعي
من الروايات في القراءات".
قلت لكن فوقه وكيع - وهو : ابن عُدس ، ويقال : حدس ... وهوالصواب ،
كما حققته في "الظلال" (1/201) ، وهو - مجهول لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء ،
وقد سقط هذا من بين حماد بن سلمة ووكيع من "التاريخ" و "السير" أيضاً ، فلعله
من قبل الأهوازي . والله أعلم .
وأما حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً بلفظ:
"رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء" .
فهو خبر منكر - كما قال الذهبي في "السير" (10/113) - ، ولعل العلة تكمن
في عنعنة قتادة ، هذا إن لم يكن الحديث مختصراً من حديث الرؤيا الصحيح ،
- كما كنت ذهبت إليه في "الظلال" (1/188 - 189) ، وهو مخرج هناك برقم
(388) - ، وقد صححه البخاري والترمذي من حديث معاذ ، وقد أخرجه أحمد
(1/368) من طريق أبي قلابة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ بلفظ :
"أتاني ربي عَزَّ وَجَلَّ الليلة في أحسن صورة - أحسبه يعني : في النوم - ،
فقال :..." بذكر الحديث في اختصام الملأ الأعلى . ورجاله ثقات رجال الشيخين ،
لكن أبو قلابة فيه تدليس ، لكن وصله الترمذي (3232) بذكر خالد بن اللجلاج

(13/725)


بينه وبين ابن عباس ، وحسَّن إسناده الترمذي بقوله:
"حسن غريب من هذا الوجه" .
وله شواهد كثيرة منها عن جابر بن سمرة قال :قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إن الله تجلى لي في أحسن صورة ، فسألني فيما يختصم الملأ الأعلى ..."
الحديث.
أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (1/203/465) بسند حسن - كما كنت
بينته في "الظلال" - ، وقد استوعب الكلام على بقية الشواهد الأخ الفاضل جاسم
الفهيد الدوسري في تعليقه على رسالة الحافظ ابن رجب : "اختيار الأولى في
شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" (34 - 36) ، فقد جمع فيه طرقه عن اثني
عشر صحابياً ، مع بيان ما لها وما عليها حسب القواعد العلمية الحديثية ، وليس
كما فعل ابن الجوزي في "العلل المتناهية" ، فإنه ساق فيه (1/14 - 23) بعض
هذه الطرق دون تمييز بين صحيحها وضعيفها ، بل أوهم القراء بضعف جميعها
بنقلها عن البيهقي أنه قال:
"قد روي من أوجه كلها ضعاف "! وتمام كلام البيهقي في "الأسماء" (ص 300) :
"وأحسن طريق فيه رواية جهضم بن عبدالله ، ثم رواية موسى بن خلف".
قلت : ورواية جهضم هي التي صححها البخاري والترمذي ،وسنده صحيح
متصل ، ومن اضطرب في إسناده، فلا يؤثر في صحته لأن من حفظ حجة على
من لم يحفظ ، وزيادة الثقة مقبولة.
هذا ولأبي علي الأهوازي إسناد آخر من حديث أسماء بلفظ آخر مثل هذا في
النكارة أو أشد ، أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/124 - 125) ، وقال فيه:

(13/726)


هذا حديث لا يشك أحد في أنه موضوع محال ، ولا يحتاج لاستحالته
النظر في رجاله ، إذ لو رواه الثقات ، كان مردوداً ، والرسول منزه أن يحكي عن الله
عَزَّ وَجَلَّ ما يستحيل عليه ، وأكثر رجاله مجاهيل ، وفيهم ضعفاء . وقال ابن منده:
حديث الجمل باطل موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قلت : ولذلك كنت أود لابن الجوزي أن يورد في "موضوعاته" ما يشبه هذا
في الوضع ، وأن لا يورد في "علله" أحاديث اختصام الملأ الأعلى ويضعفها ، وبعضها
صحيح - كما تقدم عن البخاري والترمذي - ، وأقره ابن كثير (4/43) ، وصححه
أبو زرعة أيضاً والضياء المقدسي في "المختارة".
وقد استغل بعض المبتدعة الضالين إيراد ابن الجوزي - عفا الله عنه - أحاديث
الاختصام في كتابه "شبه التشبيه" ، فانصاع المشار إليه لما أوهمه من تضعيفه إياه ،
فقال بعد [أن] عزاه لجمع من الحفاظ - منهم الترمذي مصححاً كما تقدم - ، فعقب
على التخريج بقوله (ص 148) :
"وذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (10/113 - 114) وقال:
وهو بتمامه في تأليف البيهقي ، وهو خبر منكر ، نسأل الله السلامة في
الدين ... ".
وهذا تضليل عجيب للقراء ، وافتراء خطير على الحافظ الذهبي رحمه الله .
فإنما عنى بقوله : "رأيت ربي جعداً أمرد ... " الحديث ، وقد نقلت هناك (ص 725)
استنكاره إياه ، ومن خباثة هذا المضلل أنه حذف تمام كلام الذهبي وهو قوله:
"فلا هو على شرط البخاري ولا مسلم ، ورواته وإن كانوا غير متهمين ،فما

(13/727)


هم بمعصومين من الخطأ والنسيان".
ويؤيد ما ذكرت أنه ذكر نحو هذا في ترجمة حماد من "الميزان"، فقال عقب
حديثه هذا:
"فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة ، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت".
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - في رده على الرافضي الذي اتهم أهل
السنة بأن الله ينزل كل ليلة جمعة بشكل أمرد راكباً على حمار ، قال الشيخ - في
منهاج السنة" (1/261):
"هذا الحديث الذي ذكره لم يروه أحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا يروي أحد من
أهل الحديث أن الله تعالى ينزل ليلة الجمعة ، ولا أنه ينزل ليلة الجمعة إلى
الأرض ، ولا أنه ينزل في شكل أمرد ، بل لا يوجد في الآثار شيء من هذا
الهذيان ، بل ولا في شيء من الأحاديث الصحيحة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : إن الله
ينزل إلى الأرض ، وكل حديث روى فيه هذا فإنه موضوع كذب مثل حديث
الجمل الأورق ، وأن الله ينزل عشية عرفة فيعانق الركبان ،ويصافح المشاة ، وحديث
آخر أنه رأى ربه في الطواف ،وحديث آخر أنه رأى ربه في بطحاء مكة . وأمثال
ذلك ،فإن هذه كلها أحاديث مكذوبة باتفاق أهل المعرفة بالحديث"
قلت : ومن ذلك سيأتي برقم (6371) .

6331 - يُوشِكُ الشِّركُ أن يَنْتَقِلَ من رَبع إلى رَبع ، ومن قبيلةٍ إلى
قبيلةٍ . قيل : وما ذلك الشركُ ؟ قال : قوم يأتون بعدكم يَحُدُّون اللهَ حَدَّاً بالصِّفَةِ ).
موضوع .
وآثار الوضع والركة وعلم الكلام عليه ظاهرة ، ولا غرابة في ذلك ،

(13/728)


فإنه لم يروه أحد من أهل السنة ، وإنما تفرد به "مسند الربيع بن حبيب" الذي لا
يُعرف مؤلفه بالثقة والضبط حتى عند أتباعه الإباضية ! فقال فيه (3/216 -
مطبعة الإستقامة) : قال جابر بن زيد:حدثنا أنس بن مالك : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد معلَّق - فإنه رغم جهالة الربيع ، - لم يصرح بسماعه من
جابر بن زيد ، فإنه مجهول العدالة مجهول الوفاة ، وليس عند أتباعه علم به إلا
الظن ، فالذين طبعوا "مسنده" في دار (الفتح - بيروت) ، طبعوا تحته ما نصه: "أحد
أفراد النبغاء من آخر قرن البعثة" ! والذين طبعوا شرحه للشيخ عبدالله بن حميد
السالمي في سلطنة عُمان طبعوا مكان ذلك: "من أئمة المائة الثانية للهجرة" !
إن يظنون إلا ظناً وما هم بمستيقنين ! ومما يدل على ذلك أن الأستاذ التنوخي
- عفا الله عنه ، وقد حاباهم ما شاءت له المحاباة - قال في تقديمه للشرح المذكور
( ص د) :
"ومع أننا لم نعثر على تاريخ حياته ، فإننا نقدر أنه بدأ بجمع "مسنده" في
صدر المائة الثانية ... " .
ومن قرأ مقدمة الشارح السالمي للمسند المزعوم يتبين له: "أنه كان مشوشاً ،
وأنه رتبه الشيخ يوسف بن إبراهيم السدراني ، وأنه يحوي روايات الربيع عن عن أبي
عبيدة عن جابر ، وأن الشيخ المذكور ضم إليه روايات الربيع عن ضمام عن
جابر ، وروايات أبي سفيان عن الربيع ، وروايات الإمام أفلح عن أبي غانم وغيره ،
ومراسيل جابر بن زيد" .
قلت : فمن نكد الدنيا أن يسمى هذا (الكشكول): "مسند الربيع" ! وأنكد

(13/729)


منه أن يسميه الإباضية "الجامع الصحيح"! والواقع أن أحداً من العلماء بالحديث
الشريف ورجاله لا يستطيع أن يثبت بطريق علمي صحة حديث واحد منه ، فضلاً
عن أن يثبت صحة نسبة الكتاب إلى الربيع أولاً ! وكون الربيع نفسه من الثقات
الحفاظ ثانياً !
ومع هذه الطوام نجد ذاك الجاهل المتعالم الذي لا يعرف من العلم إلا الجعجعة ،
وتسويد الصفحات بالطعن على كبار المحدثين والعلماء ، لا لشيء إلا لتمسكهم بعقيدة
السلف ، والاستعلاء على علماء عصره ونصبه نفسه عليهم معلماً ، يوضح لهم ما كان
خافياً ، ويفرِّج عنهم كربة الحيرة والضلال في فهم أحاديث الصفات ! فاسمع إليه
كيف يقول في مقدمته لكتاب ابن الجوزي : "دفع شبه التشبيه" (ص 4) :
"وإنما نريد الإيضاح وخدمة أهل العلم والطلاب ".
وقال في آخرته (ص 274) :
"نسأل الله تعالى أن نكون بهذا التعليق قد فرجنا عن أهل العلم وطلابه كربة
الحيرة في هذه الأحاديث المتعلقة بالصفات".
هذا الجاهل المتعالم يصف الربيع بن حبيب الإباضي في تعليقه (ص 124)
بـ "الإمام" ، ويصف "مسنده" بـ"الجامع الصحيح" ،وقال فض فوه :
"وهو كتاب محفوظ منقول بالاعتناء عند أهل مذهبه ، ككتب الفقه المنقولة
عن الأئمة المقتدى بهم ، ففيه ...".
ثم ساق له حديثين ، لأنهما يشهدان لتعطيله وتجهمه ، وإنكاره للصفات
- كالإباضية القائلين بأن القرآن مخلوق ، وأن الله تعالى لا يراه المؤمنون يوم
القيامة ، وغيرها من عقائدهم الباطلة - ، فترى هذا الجاهل الأفين يستشهد بهذا

(13/730)


"المسند" ويُشَبِّهه بكتب الأئمة - وهو كاذب في ذلك يقيناً - . هذا الحديث
أحدهما ، والآخر فيه زيادة باطلة على حديث "الصحيحين" عن أبي موسى الذي
فيه:
"إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً ... " ولا مجال الآن لبيان ذلك ، ولكني أريد
أن أبيِّن لهذا الجاهل الذي عزا الحديثين لإمامه (!) الربيع ، وساق إسناد الربيع
فيه : أخبرنا أبو ربيعة زيد بن عوف العامري البصري قال : أخبرنا حماد بن
سلمة ... إلخ ، فأقول :
إن هذا الإسناد مما يدل على بطلان إدعاء الإباضية المتقدم أن الربيع "من آخر
قرن البعثة" ! بل وادعاء من قال : إنه من أئمة المائة الثانية " ! وذلك لأن حماد بن
سلمة الذي هو شيخ زيد بن عوف في هذا الإسناد هونفسه من أئمة المائة الثانية ،
بل من أواخرها ، فإنه مات سنة (167) ، وزيد بن عوف شيخ الربيع في هذا
الإسناد هو من شيوخ أبي حاتم كتابة عنه ، وقد توفي سنة (277) .
وعلى هذا فالربيع إن كان هو الراوي عن زيد بن عوف ، يكون من رجال القرن
الثالث ، وإلا ، فالراوي عنه ليس هو الربيع ، فيكون عزو الحديث إليه كذباً من
جهل هذا المتعالم اغتراراً منه بدعاوى الإباضية .
وهذا هو الذي يترجح عندي : أن الراوي للحديث الثاني هو غير الربيع ،
لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن ، لكن يكفي الإباضية ومن على شاكلتهم ما
ذكره الشيخ السالمي الإباضي في (مقدمته) أن من شيوخ الربيع حماد بن سلمة ،
وهذا في إسناد الحديث شيخ شيخ الربيع : زيد بن عوف - كما تقدم - .
ومن الغرائب التي تدل على جهل علماء الإباضية - أو على الأقل عدم

(13/731)


اعتمادهم على كتب علماء الحديث في تراجم الحديث - : أن الشيخ السالمي أورد
حماد بن سلمة وغيره من شيوخ الربيع - كما زعم - في جملة شيوخ الربيع المجاهيل
!! مع أن حماد بن سلمة من أشهر علماء الحديث والذابين عن السنة - كما يعرف
ذلك صغار الطلبة - ، ولعله لهذا السبب تجاهله الإباضية .
وكان شراً منهم ذلك الجاهل الذي يطعن في أحاديثه ، ويعتبر وجوده في
إسناد حديث ما مسقطاً لصحة الحديث إلا إذا وافق هواه ، فانظر حديث قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
للجارية : "من ربك؟" ، فإنه صححه في غير مكان من تعليقه على " دفع شبه
التشبيه" ، مع أنه أساء القول فيه جداً مقلداً للشيخ الكوثري ، فراجع هذا الحديث
في "الصحيحة" (3161) ، فقد جمعت فيه طرقه وألفاظه التي منها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
للجارية : "أين الله ؟" .
أخرجه مسلم وغيره من أهل الصحاح ، كأبي عوانة وابن خزيمة وبان حبان
وابن الجارود ، وصححه أيضاً البيهقي والبغوي والذهبي والعسقلاني وغيرهم . ومع
ذلك فإن هذا الجاهل الأفين يستعلي على هؤلاء الأئمة الفحول ، ويخطئهم في
تصحيحهم لهذا الحديث ويقول (ص 108) :
"ونحن نقطع بأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل لفظ : (أين الله؟)" .
ويصف هذا اللفظ النبوي في مكان آخر (ص 188) فيقول - فض فوه- :
"اللفظ المستشنع الشاذ" !
ويبني على ذلك إنكار ما في جواب الجارية : "في السماء" ... المطابق لقوله
تعالى: {أأمنتم من في السماء} ، فيقول في نفس الصفحة دون أدنى تردد أو حياء:
"ولا عبرة بكلام المعلق على "الفتح" البتة ، لأنه يعرف التوحيد ! فليخجل

(13/732)


بعد هذا من يدعو الناس إلى عقيدة (الله في السماء) وليتب" !!
ويشير بقوله : "المعلق على (الفتح) " إلى فضيلة الشيخ ابن باز حفظه الله من
كل مكروه ونفع به المسلمين ، وذلك لأنه قال في تعليقه:
"الصواب عند أهل السنة وصف الله سبحانه بأنه فوق العرش - كما دلت على
ذلك نصوص الكتاب والسنة - ، ويجوز عند أهل السنة السؤال عنه بـ: (أين) ،
كما في "صحيح مسلم" ... " .
وهذا حق لا يخفى إلا على أعمى البصر والبصيرة عياذاً بالله تعالى .
وإن مما يؤكد ضلال هذا الجاهل وزيغه ومحاربته لعلماء الحديث والسنة : أنه
يستعين على ترويج ضلاله وتجهمه احتجاجه بهذا الحديث على تعطيل علوه تعالى
على خلقه ، واستوائه على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته ، ويتأول الاستواء بتأويل
المعطلة ، فيقول (ص 124) :
"معناه قهر واستولى" !
ثم يؤيد ذلك بهذا الحديث الباطل ، الذي يرمي المؤمنين بصفاته تعالى
بالشرك ، وأنهم يحدون الله حداً بالصفة!
فالإيمان باستعلائه تعالى واستوائه على عرشه تحديد له ، لزعمهم أن ذلك يستلزم
القول بالتشبيه والتجسيم ، ولذلك يرميني هذا الجاهل الضال ويصفني كما ذكرني بـ
"المجسم"! ولا غرابة في ذلك فإنه يرمي بذلك كبار العلماء الأئمة كابن خزيمة وابن تيمية
وابن القيم وغيرهم ممن هم على نهج السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين (1) .
__________
(1) ويصرح الخبيث بتكفير من يرميهم بالتجسيم ، فيقول (ص 245): "لا يجوز أن
نتهاون مع المجسمة ، فالمجسمة كفار بلا مثنوية" ّ عليه من الله ما يستحق .

(13/733)


وإن من عجيب أمر هؤلاء المعطلة النفاة لعلو الله على عرشه أنهم يتوهمون من
إثبات العلو إثبات المكان لله عَزَّ وَجَلَّ ، وهذا مما يدل على بالغ جهلهم ! لأن الله
تعالى كان قبل كل شيء ثم خلق الأمكنة والسماوات والأرض وما بينهما ، وقد
صح في المعقول وثبت بالواضح من الدليل أنه كان في الأزل لا في مكان - كما
قال حافظ الأندلس ابن عبدالبر رحمه الله في "التمهيد" (7/135 - 136) - ، فهو
تعالى ليس في مكان أزلاً وأبداً .
ومع هذا الجهل البالغ فقد وقعوا فيما منه فروا ، لقد فروا مما توهموه ضلالاً - وهو
الحق يقيناً ، أن الله فوق المخلوقات كلها ومنها الأمكنة -، فوقعوا في الضلال الأكبر
حين قالوا: إنه في كل مكان ، وافترى بعض الإباضية في ذلك حديثاً نسبوه إلى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما سترى في الحديث الذي بعده -. والله المستعان.

6332 - ( لا تَتَفَكَّروا في الله ، فإنه لا مِثْلَ له ، ولا شَبِيْهَ ولا نظيرَ ،
ولا تَضْربوا لله الأمثالَ ، ولا تَصِفوه بالزَّوالِ ، فإنه بكل مكانٍ ).
موضوع .
قال الربيع في مسنده (3/217) : وبلغنا عن أبان بن [أبي] (*)
عياش عن أنس بن مالك قال:
خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قوم جلوس ، فقال ما أجلسكم؟ فقالوا :نتفكر في
الله ، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره.
قلت وهذا موضوع ، آفته أبان بن [أبي] عياش، وهو متروك - كما قال الذهبي
والعسقلاني - . وجملة التفكر قد رويت من طرق أخرى ، بدا لي من مجموعها
أنها ترتقي إلى مرتبة الحسن ، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (1788) .
__________
(*) سقطت من قلم الشيخ رحمه الله في الموضعين . (الناشر).

(13/734)


وأما سائر هذا الحديث وبخاصة الجملة الأخيرة منه فإنها باطلة ، وهي من
وضع الجهمية والمعطلة لصفات الله عَزَّ وَجَلَّ ، الذين يتأولونها غير تأويلها المعروف
عند السلف ، ويعبرون عن المجيء المصرح به في القرآن والنزول المتواتر عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما في هذا الحديث- ، أو الانتقال- كما يفعل ابن الجوزي وغيره -،
ثم يقولون : هذا من صفات المخلوقات ، فلا يجوز وصف الله بذلك! والحقيقة أن
المجيء والنزول لا يجوز تأويله بما ذكروا ، وهو صفة لله ، وصف بها نفسه ، نصفه بها
دون تشبيه ولا تعطيل ، {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ، فهم وقعوا حين
عبَّروا بما تقدم في التشبيه ، ففروا منه إلى التعطيل .
فما أحسن ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجزء الأول من كتابه العظيم
"منهاج السنة" :
"المشبه يعبد صنماً ، والمعطل يعبد عدماً ، المشبه أعشى ، والمعطل أعمى".
ومما يبطل هذاالحديث قوله: "فإنه في كل مكان"، فإن الله عَزَّ وَجَلَّ كان ولا
مكان ، وهو الغني عن العالمين - كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله - فتنبه!
ولما رأى بعض المعطلة المعاصرين أن وصف الله عَزَّ وَجَلَّ بأنه في كل مكان لا
يقف أمام أدلة الشرع والعقل - كما سبق هناك - ، لجأ إلى التستر والمراوغة والتدليس،
فقال ذلك الجاهل الغماري في تعليقه (ص 127):
"وهنا أمر مهم جداً وهو : أننا لا نقول بأن الله موجود في كل مكان البتة ، بل
نكفر من يقول ذلك ، ونعتقد أن الله موجود بلا مكان ، لأنه خالق المكان"!
وفي هذا الكلام من هذا الجاهل المدلس أمور مهمة ، يجب التنبيه عليها أو
على بعضها على الأقل ، مبتدئاً منها بالأهم:

(13/735)


أولاً : اعتقاده بأن الله موجود بلا مكان : تدليس خبيث ، لأنها كلمة حق
أريد بها باطل ، لأن ظاهرها تنزيه الخالق - سبحانه وتعالى - عن الحلول في المكان
المخلوق الذي يقول به المعتزلة والإباضية - كما فِي حَدِيثِهم هذا - ، وهذا التنزيه حق
واجب - كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله -، ولكن الذي يرمي إليه هذا المدلس
ويقصده هو تعطيل صفة علو الله تبارك وتعالى على عرشه والمخلوقات كلها ، وكونه
تعالى فوقها ، فإنه من ضلاله البالغ أنه يسمي هذه الفوقية مكاناً تمهيداً لنفيها!
وتعليقاته كلها تدور حول هذا النفي ، ويعطل كل دلالات الآيات والأحاديث
بتأويلها ! وتعطيل معانيها ! ولنقدم على ذلك مثالاً واحداً ، ألا وهو قوله تعالى:
{أأمنتم من في السماء} ، فإنه يعطله بمثل قوله: "إما أن يقال ... ، وإما أن
يقال: ... "!! ثم قال (ص 139):
وقوله تعالى: {أأمنتم من في السماء} مؤول عند المجسمة بـ (من على
السماء) ..." إلخ .
ونقول هذا ليس تأويلاً - أيها الجاهل المتعالم ! - كما بينه العلماء ، حتى
بعض المؤولة لبعض النصوص ، كالحافظ البيهقي الذي قال في أكثر من موضع من
كتابه "الأسماء والصفات" (377 و411 و421) ، وكذلك في كتابه الآخر
"الاعتقاد" (ص 113) :
"فمعنى الآية: من على العرش ، كما صرح به في سائر الآيات".
وذكر في الباب الآيات التي أشار إليها ، فهل الإمام البيهقي - أيها الضال
المضل ! المكفر لأئمة المسلمين! - هو أيضاً مجسم عندك ، لأن القائلين بعلو الله
على خلقه هم مجسمة عندك ، والمجسمة كفار لديك؟!

(13/736)


ثم أيَّد ضلاله بكلام نقله من "تفسير البحر المحيط" لأبي حيان (8/302) ،
لم ينقله بتمامه ، فإنه يعلم أنه لو فعل ، لافتضح وانكشف زيغه ، فقد قال أبو
حيان في الآية المتقدمة ما نصه :
"المعنى : أأمنتم من تزعمون أنه في السماء وهو المتعالي عن المكان" . تعالى
الله عما يقولون علواً كبيراً .
هذا التفسير من هذا المعطل هو الذي ضل به هذا الجاهل ، ومن قبله شيخه
الغماري المسمى بعبدالله ، الذي أنكر حديث الجارية وشهادة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها بالإيمان
لشهادتها أن الله في السماء ، مقلداً في ذلك تأويل أبي حيان للآية بالتأويل المتقدم ،
فقال - هداه الله - :
"أماكون الله (في السماء) فكانت عقيدة العرب في الجاهلية ، وكانوا مشركين ،
فكيف تكون دليلاً على الإسلام"!!
انظر تمام كلامه، بل ضلاله في "الصحيحة" تحت الحديث (3161) .
وليس البيهقي وحده - ممن يظهر ذاك الضال تبجيله - فسر الآية بأنه تعالى
على السماء ، بل إنه قد تبعه على ذلك جمع من العلماء الفضلاء - الذين نظن
أنه لا يستطيع الضال أن يرميهم بالتجسيم - ، مثل حافظ الأندلس ابن عبدالبر فإنه
صرح في "التمهيد" (7/130) أن معنى الآية - كما تقدم عن البيهقي ، فقال -:
"فمعناه من على السماء ، يعني على العرش ..." .
وقال (7/129) تعليقاً على حديث النزول الإلهي:
"وفيه دليل على أن الله عَزَّ وَجَلَّ في السماء على العرش من فوق سبع

(13/737)


سماوات - كما قالت الجماعة - ، وهو من حجتهم على المعتزلة والجمهية في
قولهم : إن الله عَزَّ وَجَلَّ في كل مكان ، وليس على العرش ، والدليل على صحة ما
قاله أهل الحق في ذلك ..." .
ثم ذكر الآيات الدالة على ذلك ، ورد على المعتزلة الذين ادعوا المجاز في آية
الاستواء وغيرها في بحث واسع مفيد جداً ، فليراجع .
بل إن ابن الجوزي نفسه قد سلك سبيل الجماعة في تفسير الآية خلافاً
لحيده عنهم في "دفعه" ! فقال في تفسيره "زاد المسير" (4/322) :
"قال ابن عباس : أأمنتم عذاب من في السماء وهو الله عَزَّ وَجَلَّ ".
فلم يقل - كما قال مقلِّد ذاك الضال -:
"أأمنتم من تزعمون أنه في السماء"!
وفي الواقع إني لأشفق على هذا الرجل ، لعرامته في ضلاله ، وغلوه وجرأته
في مخالفة أئمة المسلمين ، بل وتكفيرهم ! وأخذه باقوال المعتزلة وأشباههم من
الضالين قديماً وحديثاً ، فهو لا يحسن أن يأخذ من الأقوال المختلفة إلا أضلها ،
ويعرض عما كان منها صواباً محضاً ، الأمر الذي يذكرني بذاك الرجل الذي أتى
راعياً فقال : أعطني شاة من غنمك؟ فقال له: اذهب فخذ بأذُن خيرها. فذهب
فأخذ بأذن كلب الغنم ! وإني لأظنه أنه لم يقل يوماً ما داعياً ربه اقتداءً بنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"للَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ! فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ! عَالِمَ
الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ! أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ
فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (*) .
__________
(*) كذا في الأصل عند الشيخ رحمه الله تعالى ، لم يأتِ بـ (ثانياً) ... الخ . (الناشر)

(13/738)


6333 - ( ذَاكَ يَوْمٌ يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كُرْسِيِّهِ ، يَئِطُّ كَمَا يَئِطُّ
الرَّحْلُ الْجَدِيدُ مِنْ تَضَايُقِهِ بِهِ ، وَهُوَ كَسَعَةِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ).
منكر .
أخرجه الدارمي في "سننه"(2/325) ، والحاكم (2/364) ، والديلمي
في "مسند الفردوس" (1/81/2) من طريق الصَّعْق بْن حَزْنٍ عَنْ عَلِىِّ بْنِ الْحَكَمِ
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
قِيلَ لَهُ : مَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ؟ قَالَ : ... فذكره . وقال الحاكم:
« صحيح الإسناد وعثمان بن عمير هو : ابو اليقظان » وتعقبه الذهبي بقوله:
" لا والله ! فعثمان ضعفه الدارقطني ، والباقون ثقات".
قلت وهو عند الدارقطني أسوأ مما حكاه عنه ، فقد قال البرقاني في "سؤالاته"
(ص 51):
"سألته عن عثمان بن عمير أبي اليقظان ؟ فقال : كوفي متروك".
ولم يذكر الحافظ في "التهذيب" عن الدارقطني :"كوفي" ، وما أورده في
ترجمته من أقوال الأئمة فيه كلها مجمعة على تضعيفه . لكن روى ابن عدي في
"الكامل" (5/167) عن ابن معين قوله فيه :
"ليس به بأس" . وعن يحيى بن سعيد أنه سئل : "كيف حديثه؟" . فقال:
"صالح"
وقد لخص الحافظ تلك الأقوال بقوله في "التقريب" :
"ضعيف ، واختلط ، وكان يدلس ، ويغلو في التشيع".

(13/739)


قلت : وفي أول الحديث زيادة عند الحاكم : أنه سأله عن أمه ؟ فقال:
«أمي مع أمكما » . يعني في النار.
وأنه سئل عن أبيه ؟ فقال :
« ما سألتهما ربي فيعطيني فيهما » .
وفي "صحيح مسلم" وغيره ما يخالفه .

6334 - ( إن الله جل وعز يَنْزِلُ إلى سماءِ الدنيا ، وله في كل
سماء كُرْسِيٌّ ، فإذا نزل إلى سماءِ الدنيا ، جلسَ على كرسيِّه ، ثم مدَّ
ساعِدَيه فيقولُ : مَنْ ذا الذي يُقْرِضُ غَيْرَ عادِمٍ ولا ظَلومٍ ، من ذا الذي
يَسْتَغْفِرُنِي فأغفرَ له ؟، من ذا الذي يتوبُ فأتوبَ عليه ؟ . فإذا كان عند
الصبحِ ، ارتفعَ ، فجلسَ على كرسيِّه) .

باطل بذكر ( الكرسي والجلوس).
أخرجه ابن منده في "الرد على الجهمية"
(ص 80) : أخبرنا عبدالعزيز بن سهل الدباس - بمكة - : ثنا محمد بن الحسن
الخرقي البغدادي : ثنا محفوظ بن أبي توبة عن عبدالرزاق عن معمر عن الزهري
عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره ، وقال:
"هكذا رواه الخرقي ، عن محفوظ ، عن أبي توبة ، عن عبدالرزاق ، وله أصل عن
سعيد بن المسيب مرسل".
قلت : وهذا إسناد واهٍ جداً ، مَن دون عبدالرزاق لم أجد لهم ترجمة ، غير
محفوظ بن أبي توبة : قال الذهبي في "الميزان" :
"ضعَّف أحمد أمرخ جداً ... ولم يترك".==

3.

الكتاب : السلسة الضعيفة مجلد 13 كامل 3.

ولهذا ذكر العقيلي في "الضعفاء" (4/267) ، لكن سقط منه عزوه لأحمد ،
فراجع "الميزان" و "اللسان" و "تاريخ بغداد" (13/192) و "الجرح" ، وأما ابن حبان
فذكره في "الثقات" (9/204) ! وذكر أن وفاته كانت سنة (237) ، وكذا في
"التاريخ" ، وساق له حديث ابن عباس في قوله تعالى : {وإذ يمكر بك الذين
كفرو ليثبتوك} ، قال:
"تشاورت قريش ليلة بمكة ، فقال بعضهم : إذا أصبح ، أثبتوه بالوثاق - يريدون
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... " الحديث ، وفيه بيات علي على فراش النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وخروج النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الغار ، وأن المشركين اقتصوا أثره حتى مروا بالغار ، فرأوا على بابه نسج
العنكبوت ... الحديث.
رواه من طريق عبدالرزاق أيضاً : أخبرنا معمر : أخبرني عثمان الجزري أن
مقسماً مولى ابن عباس حدث عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... به.
والجزري هذا - هو : عثمان بن عمرو بن ساج - : قال الحافظ:
"فيه ضعف" .
قلت : فالعلة منه أو من محفوظ .
وحديث الترجمة قد رواه عبد الرزاق في "المصنف" (10/444/19653) عن
معمر عن الزهري ، لكنه قال:
"يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ ،حِتى يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ إلى السماء
الدنيا ، فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟" .

(13/741)


وهكذا رواه جمع من الثقات عن عبدالرزاق عند ابن أبي عاصم (1/217/
494) ، والآجُري (308) ... ليس فيه تلك المنكرات من الكراسي والجلوس عليها ،
فهو المحفوظ عن عبدالرزاق ، وفي سائر طرق الحديث - وهي كثيرة جداً - ، وعن
جمع من الصحابة ، ولذلك قال جماعة من الحفاظ بأنه حديث متواتر ، منهم
الحافظ ابن عبدالبر في "التمهيد" (7/128) .
ثم رأيت للحديث طريقاً أخرى عن عبدالرزاق قال : أخبرنا معمر عن يحيى
بن أبي كثير قال : حدثني عبد الرحمن بن البيلماني قال :
"ما من ليلة إلا ينزل ربكم عَزَّ وَجَلَّ إلى السماء ، فما من سماء إلا وله فيها
كرسي ، فإذا أتى السماء ، خر أهلها سجوداً حتى يرجع ، فإذا أتى السماء الدنيا ،
أطت وترعدت من خشية الله عَزَّ وَجَلَّ ، وهو باسط يديه يدعو عباده : يا عبادي !
من يدعوني ، أجبه ، ومن يتب إلي ، أتب عليه ، ومن يستغفرني ، أغفر له ، ومن
يسألني ، أعطه ، من يقرض غير معدم ، ولا ظلوم . أو كما قال ".

أخرجه الآجري في "الشريعة" (ص 313) بسند صحيح عن عبدالرزاق ،
لكنه مع كونه موقوفاً على عبدالرحمن بن البليماني فإنه ضعيف أعني ابن
البيلماني هذا ، وقد قيل : إنه لم يسمع من أحد من الصحابة .
وقد روى الأوزاعي هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير : حدثنا أبو سلمة
ابن عبدالرحمن عن أبي هريرة ... مرفوعاً ، نحو حديث عبدالرزاق عن معمر عن
الزهري عن أبي سلمة المتقدم ، وزاد :
"حتى ينفجر الصبح ".
رواه مسلم وغيره ، وهو مخرج في "الظلال" (1/2018/497) ، وليس فيه - ولا

(13/742)


في شيء من طرق الحديث الكثيرة - ما فِي حَدِيثِ ابن البيلماني هذا من الأطيط
والترعيد ، فهو منكر أيضاً ، نعم في بعضها الجملة الأخيرة منه بلفظ :
"ثم يبسط يديه تبارك وتعالى يقول : من يُقرض غير معدوم ، ولا ظلوم".
رواه مسلم وغيره ، وهو في "الإرواء" (1/196 - 197) .
وجملة القول : أن هذه الزيادات - التي جاءت فِي حَدِيثِ الترجمة وحديث
ابن البيلماني دون سائر طرق الحديث المتواترة - هي زيادات باطلة ، لضعف
إسنادها ، ومخالفتها للأحاديث الصحيحة .
وهناك حديث آخر منكر أيضاً ، لعلة المخالفة - وإن كان إسناده خيراً من هذا
بكثير - ، رواه النسائي في "عمل اليوم " من طريق عمر بن حفص بن غياث : حدثنا
أبي : حدثنا الأعمش : حدثنا أبو إسحاق : حدثنا أبو مسلم الأغر : سمعت أبا هريرة
وأبا سعيد يقولان : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فذكره بلفظ -:
"إن الله عَزَّ وَجَلَّ يمهل حتى يمضي شطر الليل الاول ، ثم يأمر منادياً ينادي
يقول : هل من داعٍ يستجاب له ؟ هل من مستغفر يغفر له ؟ هل من سائل يعطى ؟" .

ولا أريد هنا النتبيه على أن أحد الدجاجلة المتجهمة المعطلة في تعليقه على
كتاب ابن الجوزي "دفع شبه التشبيه" (ص 193) قد صحح هذا الحديث المنكر !
بادعائه أن حفص بن غياث الذي في إسناده إنما حدث به من كتابه ! ونسب ذلك
إلى الحافظين المزي والعسقلاني في "التهذيب" ، وهو كذب عليهما ، كما أوهم
القراء أن ذلك مذكور في إسناد الحديث ، وهو كذب أيضاً - كما هو ظاهر للعيان -.
وقد نقلت عبارته بذلك هناك مع تفصيل القول على أكاذيبه المذكورة . والله

(13/743)


المستعان على كثرة الفتن في هذا الزمان !
(فائدة) : الموقف الذي يجب على كل مسلم أن يتخذه تجاه النزول الإلهي هو
نفس الموقف الذي وقفه السلف الصالح والأئمة ، وجواب مالك لمن سأله عن
الاستواء معروف ، وقد وقفت على جواب للإمام أبي جعفر الترمذي في النزول
يشبه جواب مالك المذكور ، فقال الذهبي في "السير" (13/547) :
"قال والد أبي حفص بن شاهين : حضرت أبا جعفر فسئل عن حديث
النزول ؟ فقال : النزول مقعول ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ،والسؤال عنه
بدعة".

6335 - ( أَوَّلُكُنَّ تَرِدُ عليَّ الحَوْضَ أَطْوَلُكُنَّ يداً . قالت مَيْمُونةُ :
فَجَعَلْنَا نَقْدِرُ أَذْرُعَنا ، أَيَّتُنَا أطولُ يداً . فقال : ليس ذاك أعني إنما أعني
أَصْنَعَكُنَّ يداً ) .
موضوع .
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/127/2/2483) : حدثنا
إبراهيم (1) قال : نا فُديك بن سلمان قال : نا مسلمة بن علي عن الأوزاعي ، عن
الزهري عن يزيد بن الأصم عن ميمونة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورضي عنها قالت :
دخل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن جلوس ، فقال : ... فذكره . وقال :
" لم يروه عن الأوزاعي إلا مسلمة ، تفرد به فديك بن سليمان" .
__________
(1) هو : إبراهيم بن أبي سفيان القيسراني - كما فِي حَدِيثِ قبله في "الأوسط" - ، وقد
ذكره ابن السمعاني في هذه النسبة : (القيسراني) ، وقال : " من مشاهير المحدثين ، يروي عن محمد
ابن يوسف الفريابي ، روى عنه أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب " يعني : الطبراني .

(13/744)


قلت : هو في "ثقات ابن حبان" (9/13) ، وروى عنه جمع من الحفاظ
الثقات ،كالبخاري - في "جزء القراءة" - ودحيم والذهلي وأبو مسعود الرازي وغيرهم ،
فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى.
وإنما علة الحديث شيخه مسلمة بن علي ، فإنه مجمع على تركه ، وقال
الحاكم :
"روى عن الأوزاعي والزبيدي المناكير والموضوعات".
قلت : وهذا من روايته عن الأوزاعي - كما ترى - ، فهو من موضوعاته ، فمن
العجيب أن يذكر الحافظ طرفه الأول في "الفتح" (11/469) ساكتاً عليه ، فهذا
من الأدلة الكثيرة على أن سكوته عن الحديث لا ينبغي أن يحمل دائماً على أنه
حسن عنده - كما هو المشهور عنه - ، وإن مما يؤيد ذلك أنه ذكر في مكان آخر منه
(3/288) طرفاً آخر منه وهو قوله : "ليس ذلك أعني ، إنما أعني أصنعكن يداً "،
فقال:
"فهو ضعيف جداً ، ولو كان ثابتاً ، لم يحتجن بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذرع أيديهن ،
كما تقدم في رواية عمرة عن عائشة".
قلت : يشير إلى ما ذكره (ص 287) من رواية الحاكم عن يحيى بن سعيد
عن عمرة عن عائشة قالت : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأزواجه:
" أسرعكن لحوقاً بي أَطْوَلُكُنَّ يَداً ".
قَالَتْ عَائِشَةُ : فَكُنَّا إِذَا اجْتَمَعْنَا في بيت إحدانا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَمُدُّ
أَيْدِيَنَا فِي الْجدار نَتَطاوَلُ ، فَلَمْ نَزَلْ نَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ ،
وَكَانَتِ امْرَأَةً قَصِيرَةً ، وَلَمْ تَكُنْ أَطْوَلَنَا ، فَعَرَفْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أَرَادَ بِطُولِ

(13/745)


الْيَدِ الصَّدَقَةَ قَالَتْ : وَكَانَت زينب امْرَأَةً صناعة بالْيَد ، وكَانَتْ تدبغ وتخرز ، وَتَصَدَّقُ فِي
سَبِيلِ اللهِ .
قلت: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (8/108) ، والطحاوي في "مشكل
الآثار" (1/82 - 83)، والطبراني في "الكبير" (24/50/133) ، وعنه في "الحلية"
(2/54) من طريق إسماعيل بن عبدالله بن أبي أويس : حدثني أبي عن يحيى
ابن سعيد عن عمرة ... به . وقال الحاكم (4/25) :
"صحيح على شرط مسلم" ! ووفقه الذهبي . وأقره الحافظ !
وأقول: عبدالله بن أبي أويس إنما أخرج له مسلم في الشواهد - كما قال المنذري
في "مختصر السنن" (4/260) - ، ثم إن فيه كلاماً من قبل حفظه ، فقال الذهبي
في "الكاشف" :
"قال ابن معين وغيره : صالح وليس بذاك " . وقال الحافظ:
"صدوق يهم" .
فمثله يكون حسن الحديث إذا لم يخالف . وقد صح مختصراً من طريق
عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أسرعكن لحاقاً أَطْوَلُكُنَّ يَداً ".
قَالَتْ : فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَداً . قَالَتْ : فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَداً زَيْنَبُ ،
لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ.
أخرجه مسلم (7/144) ، وابن حبان (5/133/3303 و 8/232/6630) ،
والبيهقي في "الدلائل" (6/374) .

(13/746)


وساق له البيهقي شاهداً عن عامر الشعبي مرسلاً . وإسناده حسن .
وقد وصله أبو عوانة عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عائشة ... به ،
نحو حديث عائشة بنت طلحة ، إلا أنه قال :
"فكانت سودة أطولهن يداً".
أخرجه البخاري (3/285 - 286) - واللفظ له - ، والنسائي (1/352) ، وابن
حبان أيضاً (5/133/3304) ، والبيهقي (6/371) ، وأحمد (6/121) من طرق
عن أبي عوانة .
وقوله : "سودة" . وهم من أبي عوانة ، كما حققه الحافظ في "الفتح" (3/286
- 288) وقال :
"وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي كَوْن الْبُخَارِيّ حَذَفَ لَفْظ : (سَوْدَة ) مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ
لَمَّا أَخْرَجَهُ فِي "الصَّحِيحِ " لِعِلْمِهِ بِالْوَهْمِ فِيهِ"!
كذا قال ! وقد وهم هو أيضاً ، فإن لفظ : (سودة) مذكور في "صحيح البخاري"
- كما ذكرت آنفاً - !
وجملة القول فِي حَدِيثِ الترجمة : أنه موضوع ، لما عرفت من حال راويه مسلمة
ابن علي ، ولمعارضته لحديث عائشة، لما تقدم عن الحافظ ، وأيضاً فيه مخالفة أخرى
في ذكره الحوض ، وفي حديثها اللحاق!
وقد هوَّن الهيثمي القول في مسلمة، فقال في "المجمع" (9/248) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه مسلمة بن علي وهو ضعيف" !
ونحوه الحديث المتقدم برقم (3581) :

(13/747)


"خيركن أطولكن يداً " ، وفيه :
فقامت كل واحدة تضع يدها على الجدار ! قال :
"لست أعني هذا ، ولكن أصنعكن يدين ! ".
وهومنكر ، فيه امرأة لا تعرف إلا برواية أخرى عنها ، ومع ذلك حسن إسناده
الهيثمي ، قال : لأنه يعتضد بحديث مسلمة بن علي هذا ! وقلده بعض المعلقين
المعاصرين - كما تقدم بيانه هناك - .
(تنبيه) : للطبراني جزء خاص في أحاديث "الأوائل" وهو مطبوع ، فمن
الغريب أنه عقد فيه (ص 66) : (باب أول من يرد على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حوضه) ، ولم
يورد تحته حديثه هذا ، وإنما أورد حديث علي مرفوعاً بلفظ :
"أول من يرد علي حوضي أهل بيتي ، ومن أحبني من أمتي ".
وهو موضوع أيضاً ، فيه كذاب ومجهول - كما هو مبين في "الظلال"
(2/348/748) - .
ثم رأيت حديث الشعبي قد وصله البزار (3/243/2667) من طريق
إسماعيل بن أبي خالد عنه عن عبد الرحمن بن أبزى :
أن عمر كبَّر على زينب بنت جحش أربعاً ، ثم أرسل إلى أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
من يُدْخِلُ هذه قبرها ؟ فقلن : من كان يدخل عليها في حياتها . ثم قال عمر : كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول :
« أسرعكن بي لحوقاً ...» الحديث ، مثل حديث بنت طلحة.
قلت وإسناده صحيح . والشطر الأول أخرجه جماعة ذكرتهم في "أحكام

(13/748)


الجنائز" (187) . وكذلك الطبراني في "الكبير" (24/50/134) ، ولكن لم
يذكر في إسناده عبدالرحمن بن أبزي .

6336 - ( أولكم وروداً عليَّ الحوض أولكم إسلاماً : علي بن أبي
طالب ).
باطل .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (4/291) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "الموضوعات" (1/346 -347) من طريق أبي معاوية الزعفراني عبدالرحمن
ابن قيس : ثنا سفيان الثوري عن سلمة بن كُهيل عن أبى صادق عن سلمان قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره . وقال ابن الجوزي :
"لا يصح. . قال أحمد: أبو معاوية الزعفراني : لم يكن حديثه بشئ متروك .
وكذلك قال النسائي: متروك. وقال البخاري ومسلم: ذهب حديثه. وقال أبو
زرعة: كذاب. وقال أبو على بن محمد: كان يضع الحديث. ورواه سيف بن
محمد عن الثوري، وسيف شر من أبى معاوية ".
قلت ومن طريق أبن عدي أخرجه ابن عساكر أيضاً في "التاريخ" (12/129) ،
وقال عقب قول ابن الجوزي هذا ولم يعزه إليه:
"قلت : وقد رواه يحيى بن يمان عن الثوري ، وزاد في إسناده عليهما".
ثم ساقه من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة : نا أبي : نا ابن يمان عن
سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن عليم عن سلمان قال :
إن أول هذه الأمة وروداً على نبيّها الحوض يوم القيامة أولهم إسلاماً :علي
بن أبي طالب".

(13/749)


ثم أخرجه من طريق إسماعيل بن عامر: حدثني كامل أبو العلاء عن عامر
(ابن) عن سلمة بن كهيل ... به موقوفاً .
قلت إسماعيل بن عامر : لم أجد له ترجمة.
وعامر بن ) : كذا في الأصل مع القوس المشير إلى أن على الهامش شيئاً من
التصحيح أو البيان ، ولم يظهر في النسخة المصورة شيء ، وحاولت أن أكشف عن
هويته بمراجعة ترجمة شيخه سلمة والراوي عنه كامل أبي العلاء ، فلم أجد فيها شيئاً .
ويحيى بن اليمان : من رجال مسلم ، لكنهم تكلموا في حفظه ، وقال الحافظ
في "التقريب" :
"صدوق عابد ، يخطئ كثيراً ، وقد تغير".
وقد خولف في إسناده ، فقد ذكره ابن الجوزي في "العلل" (1/207/333)
من رواية ابن مردويه عن محمد بن أحمد الواسطي قال : نا إسحاق بن الضيف
قال : نا محمد بن يحيى المازني قال : نا سفيان الثوري عن قيس بن مسلم
الجدلي عن عليم الكندي عن سلمان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... به ، مثل الموقوف . وقال
ابن الجوزي :
"محمد بن يحيى : منكر الحديث ، وأحاديثه مظلمة منكرة".
قلت : اتهمه ابن حبان (2/308) بوضع حديث الأمر بأكل البيض والبصل .
وقال الحاكم :
"حدث بأحاديث موضوعة" .وقال أبو نعيم:
"حدث بمناكير" . كذا في "الميزان" و "اللسان" .

(13/750)


وأما ما ذكره الشيخ المعلمي اليماني - رحمه الله - في تعليقه على "الفوائد
المجموعة" للشوكاني (347) أن الدارقطني وثقه ، فممَّا لم أقف عليه .
وإسحاق بن الضيف : قال الحافظ:
"صدوق يخطئ".
ومحمد بن أحمد الواسطي : قال الشيخ المعلمي رحمه الله :
"أراه المذكور في "لسان الميزان" (5/53 رقم 179) ، وهو تالف".
قلت : والأقرب عندي أنه محمد بن أحمد بن حمدان بن عيسى الوراق
الرسْعَني ، فقد ذكره المزي في الرواة عن إسحاق بن الضيف ، فإن يكن هو ، فهو
كذاب - كما قال الذهبي - . والله أعلم .
وبالجملة ، فكل هذه الطرق إلى سفيان واهية ، لا يمكن الاعتماد عليها ولا
الاستشهاد بها ، لكن السيوطي قد قواه بطريق أخرى فقال في "اللآلي" (1/326) :
"وقال أبو بكر بن أبي عاصم : حدثنا أبو مسعود : حدثنا عبدالرزاق عن
سفيان... بسنده عن عليم الكندي عن سلمان ... موقوفاً" . وقال :
"وهذه متابعة قوية جداً ، ولا يضر إيراده بصيغة الوقف ، لأن له حكم الرفع" .
ويأتي بيان الرد عليه في تقويته .
وتبعه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/377) ، وزاد فقال :
" ... ابن أبي عاصم في (السنة)" .
وهذا وهم منه ، فإن كتابه هذا "السنة" كنت حققته وعلقت عليه ، وخرجت
أحاديثه ، وطبعته في المكتب الإسلامي ، ثم وضعت له فهرساً لأحاديثه المرفوعة ،

(13/751)


وآثاره الموقوفة ، وليس الحديث فيه ، وإنما هو في كتابه "الأوائل"(ص 78/67)
بالإسناد المذكور ، ورواه الطبراني في "معجمه الكبير" (6/325/6174) من
طريقين أخريين عن عبدالرزاق ... به موقوفاً .
ثم ذكر السيوطي متابعاً لسفيان من طريق محمد بن جرير : حدثنا محمد بن
عماد الرازي : حدثناأبو الهيثم السندي : حدثنا عمرو بن أبي قيس عن شعيب
ابن خالد عن سلمة بن كهيل ... به موقوفاً .
وسكت السيوطي عنه ، وشعيب بن خالد هذا - هو: الرازي القاضي - : ليس
به بأس - كما قال الحافظ -.
وعمرو بن أبي قيس : صدوق له أوهام .
وأبو الهيثم السندي - هو : سهل بن عبدالرحمن الذهلي - : وثقه ابن حبان
وغيره ، وهو حسن الحديث - كما تقدم تقريره تحت الحديث (6288) - .
وأما محمد بن عماد : فكذا وقع في الللآلي" ... وهو تصحيف ، والصواب :
(عمار) ، وهو من شيوخ ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" ( رقم 326 و901) ،
وهو صدوق ثقة - كما قال ابن أبي حاتم (4/43) -.
أقول : فهذا الإسناد جيد إلى عليم إن سلم من الراوي علي بن عبدالله بن
الفضل - الراوي عن ابن جرير - ، وشيخ الحافظ عبدالغني بن سعيد الذي أخرج
الحديث في "إيضاح الإشكال" ، الذي عزاه السيوطي ساكتاً عليه .
وجملة القول في هذه الطرق : أنها - وإن كانت مفرداتها لاتخلو من ضعف ـ
فإنها - بمجموعها تلقي الطمأنينة في النفس بصحة تحديث سفيان عن سلمة عن
أبي صادق عن عُليم عن سلمان ... موقوفاً .

(13/752)


على أن سفيان قد تابعه قيس بن الربيع عن سلمة بن كهيل ... به.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (12/76/12161) قال : حدثنا معاوية
ابن هشام قال : ثنا قيس ... به.
وعن ابن أبي شيبة رواه ابن أبي عاصم في الكتاب السابق الذكر: " الاوائل"
(76/69) و "الآحاد والمثاني" (1/149/181) .
ومتابعة قيس هذه مما فاتت السيوطي وغيره ممن خرج الحديث من بعده ، وهو
ممن ضعِّف من قبل حفظه ، فقال الذهبي في "الكاشف":
" كان شعبة يثنى عليه ، و قال ابن معين : ليس بشىء . و قال أبو حاتم : ليس
بقوى ، و محله الصدق . و قال ابن عدى : عامة روايته مستقيمة".
قلت : فهو ممن يصلح للاستشهاد به ، فتزداد النفس طمأنينة بصحة تحديث عليم به .
لكن يبقى النظر في حال عليم هذا ، وقد سبق في كلام السيوطي أنه قوى
إسناد عبدالرزاق المتقدم موقوفاً ، وكأنه تبع في ذلك الهيثمي ، فإنه قال في رواية
الطبراني عن عبدالرزاق (9/102) :
"ورجاله ثقات:
كذا قال ! وإنما عمدته في ذلك إيراد ابن حبان لعليم هذا في "الثقات"
(5/286) ، فقال:
"يروي عن سلمان الفارسي ، روى عنه زاذان".
وكذا قال البخاري في "التاريخ" (4/1/88) ، إلا أنه قرن مع سلمان عبساً
الغفاري .ورواية زاذان عنه لا تصح ، لأن راويه عن زاذان أبو اليقظان عثمان بن

(13/753)


عمير ، وهو ضعيف مختلط مدلس ، وقد رواه عنه بالعنعنة ، ورواه عنه شريك بن
عبد الله القاضي، وهو سيء الحفظ ، وروايته هذه مخرجة في "الصحيحة" (رقم
979) ، لأنه رواه غير أبي اليقظان ... لم يذكر في إسناده عليماً ، فراجعه إن شئت .
فأقول : إذاً عرفت ضعف رواية زاذان هذه عن عليم .
لم يذكر ابن أبي حاتم أنه روى عنه زاذان ، بل قال :
"روى عنه مسلم بن يزيد أبو صادق الأزدي " .
يشير إلى حديث الترجمة . وعليه فعليم هذا مجهول العين ، فهو علة الحديث ،
فذكر ابن حبان غياه في "الثقات" من تساهله الذي عرف به . والله سبحانه وتعالى
أعلم.
(تنبيه) : وقع للسيوطي وهمان في تخريج الحديث ، أوهم خلاف الواقع ، فقد
عقب رواية ابن عدي المذكورة في مطلع تخريجي هذا وتخريجه هو بأن عزاه
للخطيب والحاكم ، وساق إسناد كل منهما إلى سيف بن محمد عن سفيان ...
به . ولم يسق تمام إسنادهما ! فأشعر القراء أنه عندهما كما هو عند ابن عدي من
رواية أبي صادق عن سلمان ! والذي عند الحاكم (3/136) أنه أدخل بينهما
واسطة أخرى غير عُليم ، فقال:
"عن أبي صادق عن الأغر عن سلمان" ! وكذلك هو عند الخطيب في
"التاريخ" (2/81) ، إلا أنه وقع فيه : "عن سلمة بن كهيل عن الأغر عن سلمان"...
لم يقع فيه : "عن أبي صادق" ، فلعله سقط من الناسخ أوالطابع .
هذا ! وقد سكت الحاكم عن إسناده ، وكذا الذهبي ، لكن ذكر ابن عراق عنه
أنه تعقبه بأن سيفاً كذاب . والظاهر أنه سقط من "التلخيص".

(13/754)


هذا أحد وهمي السيوطي .
وأما الوهم الآخر : فهو يشبه الأول ، فقد قال عقب رواية الحاكم والخطيب :
"وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده": حدثنا يحيى بن هاشم :
حدثنا الثوري ... به . ويحيى - هو : السمسار - كذاب".
فأقول: نعم ، هو كذاب ، ولكنه مع ذلك خالف الجماعة في إسناده ، فإنه قال:
حدثنا يحيى بن هاشم : حدثنا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن
حنش بن المعتمر عن عليم الكندي عن سلمان الفارسي ... مرفوعاً . فزاد في
السند حنشاً هذا وهو صدوق له أوهام.
هذا. وقد عرفت مما تقدم أنه رواه جماعة عن عبدالرزاق عن سفيان عن
سلمة عن أبي صادق عن عليم عن سلمان ... موقوفاً . فرأيت في "معجم أبي
سعيد ابن الأعرابي " (ق 125/1 - 2) قال : نا جعفر (يعني : ابن عامر ) : نا
عبدالسلام بن صالح : نا عبد الرزاق ... به ، إلا أنه قال:
"... عن أبي صادق عن غنيم بن قيس الكندي عن سلمان ... مرفوعاً ".
قلت : فقد خالف الجماعة في موضعين:
أحدهما : أنه جعل (غنيماً) ... مكان : (عليم)، وكان يمكن أن يقال : إنه
تصحيف عليم ، لولا أنه نسبه إلى أبيه قيس ، وعليم لم ينسب .
والآخر : أنه رفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ورفعه باطل ، وإنما موقوف ، مع جهالة عليم.
وأظن أن الرفع من عبدالسلام بن صالح - وهو : أبو الصلت الهروي - : قال
الذهبي في "الكاشف" :
"واهٍ ، شيعي ، متهم مع صلاحه".

(13/755)


وهو المتهم بوضع حديث : "أنا مدينة العلم وعلي بابها ..." ، وقد سبق الكلام
عليه مفصلاً برقم (2955) .
هذا وقد غفل الشيخ اليماني رحمه الله عن طرق هذا الحديث الدائرة على
أبي صادق عن عليم ، فقال في عليم:
"وَهُوَ مَجْهُولٌ ، لم يرو عنه إلا زاذان"!

6337 - ( مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً يَسِيرَةً دِرْهَماً أَوْ حَبْلاً ، أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ ،
فَلْيُعَرِّفْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلْيُعَرِّفْهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ ، [ فَإِنْ جَاءَ
صَاحِبُهَا ، وَإِلا ، فَلْيَتَصَدَّقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا ، فَلْيُخْبِرْهُ ] ).

ضعيف.
أخرجه ابن حبان في "الثقات" (4/195) ، والبيهقي (6/195)
وأحمد (4/173) والطبراني في "المعجم الكبير" (22/273/700) - والزادة له -
من طريق عُمَرَ بن عَبْدِ اللَّهِ بن يَعْلَى عَنْ جَدَّتِهِ حكيمة عَنْ أبيها يَعْلَى بن مُرَّةَ
مرفوعاً . وقَالَ البيهقي :
"تفرد به عمر بن عبد الله بن يعلى ، وقد ضعفه يحيى ابن معين ، ورماه جرير
ابن عبدالحميد وغيره بشرب الخمر ".
وبه ضعفه الهيثمي في "المجمع" (4/169) ، وكذا الحافظ في "التلخيص"
(3/74) فقال :
"لَمْ يَصِحَّ ، لِضَعْفِ عُمَرَ ، وَزَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ مَجْهُولٌ ، وَزَعَمَ هُوَ وَابْنُ الْقَطَّانِ
أَنَّ حَكِيمَةَ وَيَعْلَى مَجْهُولَانِ ، وَهُوَ عَجَبٌ مِنْهُمَا ، لِأَنَّ يَعْلَى صَحَابِيٌّ مَعْرُوفُ الصُّحْبَةِ" .

(13/756)


قلت: وفيه إشارة إلى موافقة الحافظ على قولهما بجهالة حكيمة، وهو
الظاهر ، فإنها لا تعرف إلا بهذه الرواية ، وإن وثقها ابن حبان ، وفي ترجمتها ساق
الحديث ، وهذا من عجائبه وتساهله الذي عرف به في التوثيق ! فإنها مع كونها لا
تعرف إلا برواية عمر هذا ، فإنه - أعني : عمر - متفق على تضعيفه ، ومنهم ابن
حبان نفسه فإنه أورده في "الضعفاء" وقال (2/91) :
"منكر الرواية" .
وهذا مثال من أمثلة كثيرة كما سأبينه في مقدمة كتابي:
"تيسير انتفاع الخلان بثقات ابن حبان" .
راجياً من الله تعالى أن يسدد خطاي فيه ، وييسر لي اتمامه بمنه وكرمه وتوفيقه (*).
ويعارض هذا الحديث حديث أبي الزبير عن جابر قال:
رخص لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العصا والسوط والحبل وأشباهه ، يلتقطه الرجل
ينتفع به.
ولكنه ضعيف أيضاً ، لعنعنة أبي الزبير ، والاختلاف عليه في رفعه ووقفه - كما
هو مبين في "ضعيف أبي داود"(303) -.

6338 - ( جِئْتُ مُسْرِعاً أُخْبِرُكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَأُنْسِيتُهَا بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ ، وَلَكِنْ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ) .
ضعيف .
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (211/813) ، وأحمد (1/259) ،

(13/757)


والطبراني في "المعجم الكبير" (12/110/12621) من طريق قَابُوس عَنْ أَبِي
ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ مُسْرِعاً ، قَالَ : حَتَّى أَفْزَعَنَا مِنْ سُرْعَتِهِ فَلَمَّا
انْتَهَى إِلَيْنَا قَالَ : ... فذكره .

قلت : وهذا إسناد ضعيف ، قابوس - وهو : ابن أبي ظبيان - : قال الذهبي في
"الكاشف" :
"قال أبو حاتم وغيره : لا يحتج به ". وقال الحافظ في "التقريب":
"فيه لين" .
وبه أعله الهيثمي (3/178) ، لكن سقط من الطابع اسم قابوس .
لكن الحديث صحيح دون ذكر السبب ، وقوله في أوله :
"جِئْتُ مُسْرِعاً أُخْبِرُكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ" ، فقال أبو سعيد الخدري :
اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ ، فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ
فَخَطَبَنَا ، وَقَالَ:
"إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا - أَوْ نُسِّيتُهَا - ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ
فِي الْوَتْرِ ... " الحديث .
أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ، وهومخرج في "صحيح أبي داود" (1251) .

6339 - ( مَنْ سَبَّحَ عِنْدَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ سَبْعِيْنَ تَسْبِيْحَةً ، غَفَرَ اللهُ لَهُ سَائِرَ عَمَلِهِ ).
منكر .
أخرجه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" في ترجمة أبي الحسن

(13/758)


العسكري (14/464) قال: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ حَمَّادٍ، حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي
بَانَةُ بِنْتُ بَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ عَنْ أَبِيْهَا عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ...
فذكره . وقال:
"حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ ، وَبَانَةُ:مَجْهُوْلَةٌ ". وتعقبه المعلق عليه بقوله :
"في " الاستدراك " لابن نقطة: إن بانة هذه روت عن أخيها عبدالملك بن بهز،
وروى عنها الحسين بن الحسن بن حماد، وهشام بن علي السيرافي ، وأبوبهز
الصقر بن عبد الرحمن ابن بنت مالك بن مغول ".
قلت وسكت المعلق المشار إليه عن الراوي عن (بانة) ... فما أحسن ، لأنه
يوهم أنه ليس في الإسناد علة أخرى غيرها ، وليس كذلك ، فقد أورده الذهبي في
ترجمة الراوي عنها الحسين بن الحسن هذا ، وقال:
"لا يدرى من ذا ، والخبر منكر" . يعني هذا .
وأقره الحافظ في "اللسان" .
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" عن معاوية بن حيدة لرواية
الديلمي في "مسند الفردوس" ، وهو في أصله "الفردوس" ( 3/523/5634) . ومن
الغريب أن المعلق عليه عزاه لكتابي : "الضعيفة" برقم (406) ! وهذا تساهل أو
خطأ فاحش ، لأن الحديث الذي هناك يخالف الذي هنا مخالفة جذرية - وإن كان
يلتقي مع هذا في كون صحابيه معاوية بن حيدة الذي هنا ، وفي طرفه الأول منه ،
فإنه يختلف في تمامه عن هذا جذرياً ، فإنه بلفظ:
« من كبر تكبيرة عند غروب الشمس على ساحل البحر رافعاً صوته أعطاه الله
من الأجر بعدد كل قطرة في البحر عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيئات ، ورفع

(13/759)


له عشر درجات ما بين درجتين مسيرة مائة عام بالفرس المسرع »!
ولوائح الوضع عليه ظاهرة . والله سبحانه وتعالى أعلم .

6340 - ( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُكَ أَنْ تُرَاجِعَ حَفْصَةَ رَحْمَةً لِعُمَرَ ) .
موضوع .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (17/291 - 292) : حدثنا
أَحْمَدُ بن طَاهِرِ بن حَرْمَلَةَ بن يَحْيَى : حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بن يَحْيَى : [ثَنَا] (*) ابْنُ
وَهْبٍ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بن صَالِحٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ مُوسَى بن عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ
بن عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ:
أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ، فَوَضَعَ التُّرَابَ عَلَى
وجهه (*) ، فَقَالَ: مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ بَعْدَ هَذَا !فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ
فَقَالَ: ... فذكره.
قلت وهذا موضوع ، آفته أحمد بن طاهر هذا : قال ابن عدي في "الكامل"
(1/196):
"ضعيف جداً ، يكذب فِي حَدِيثِ رسول الله صلى اله عليه وسلم إذا روى ،ويكذب فِي
حَدِيثِ الناس إذا حدث عنهم".
ثم ساق له بعض الحكايات ظاهرة البطلان . وقد كذبه الدارقطني وابن حبان ،
وتقدمت له بعض الأحاديث التي تدل على كذبه ، فانظرها برقم (139 و 1923) .
وقد غفل عنه الهيثمي ، فقال في موضعين من "معجمه" (4/334 و9/244) :
__________
(*) كذا في أصل الشيخ رحمه الله تعالى ، وفي الطبراني" : على رأسه ، وما بين
المعكوفتين منه أيضاً . (الناشر) .

(13/760)


"رواه الطبراني ، وفيه عمرو بن صالح الحضرمي ولم أعرفه ، وبقية رجاله
ثقات" !
كذا قال ! وهي غفلة عجيبة منه ، فقد وافق الدارقطني على قوله فيه :
"كذاب" في أكثر من حديث واحد ، ومنها الحديثان المشار إليهما آنفاً ، فَجَلَّ من
لا يسهو ولا ينسى !
وعمرو بن صالح الحضرمي : يحتمل أن يكون الذي في "ثقات ابن حبان"
(8/486):
"عمرو بن صالح الصائغ المروزي أبو حفص : يروي عن ابن المبارك ، حدثنا
عنه الحسن بن سفيان ، وعبدالله بن محمود ".
قلت : فإنه من هذه الطبقة . والله أعلم .
ثم رأيت لابن طاهر متابعاً عند أبي نعيم في "الحلية" (2/50) قال : حدثنا
محمد بن المظفر : ثنا جعفر بن أحمد بن يحيى الخولاني: ثنا أحمد بن
عبدالرحمن بن وهب : ثنا عمي عبدالله بن وهب : حدثني عمر بن صالح عن
موسى بن علي ... به.
كذا وقع فيه : (عمر بن صالح) ... فلا أدري أهو خطأ من الناسخ أو الطابع ؟ أم
هو كذلك في الرواية ؟ وسواء كان هذا أو ذاك ، فإن جعفر بن أحمد الخولاني هذا
لم أجد له ترجمة ، فلعله سرقه من ابن طاهر.
على أن شيخه أحمد بن عبدالرحمن بن وهب - مع كونه من شيوخ مسلم -
فقد اختلفوا فيه ، كما تراه في "التهذيب" ، وقد قال ابن عدي في كتابه "الكامل"
(1/184) :

(13/761)


"رأيت شيوخ أهل مصر الذين لحقتهم مجمعين على ضعفه".
ثم ساق له أحاديث مما أنكر عليه ، وكأنه أشار بقوله المذكور إلى أن أهل بلده
أعرف به من الغرباء الذين سمعوا منه . وقال الذهبي في "المغني" عقبه :
"قلت : له أحاديث لا تحتمل " . وقال الحافظ :
"صدوق تغيَّر بأخرة".
واعلم أنني إنما أخرجت الحديث هنا لقوله فيه : "رحمة لعمر" ، وإلا ، فسائره
صحيح ، جاء من طرق دونها ، فهي منكرة ، وفي بعض طرقه زيادة : "فإنها صوامة
قوامة" ، فهذه أصح ، لأنها رويت من طرق يقوي بعضها بعضاً ، وتجد بيان ذلك
مفصلاً في "الصحيحة" (2007) المجلد الخامس ، وقد طبع والحمد لله تعالى.

6341 - ( نهى أن يُجامِعَ الرجُلُ أهلَه وفي البيتِ معه أَنيسٌ ، حتى
الصبيُّ في المَهْدِ ).
موضوع.
أخرجه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (200/437) من طريق
الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن عبدالله بن عمر قال: ... فذكره
مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد واهٍ جداً ، آفته الفرات هذا : قال البخاري :
"تركوه ، منكر الحديث " . وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/207) :
"كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ، ويأتي بالمعضلات عن الثقات" .
قلت : ومن أحاديثه بهذا الإسناد : (اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله" .
وقد مضى برقم (1821) .

(13/762)


6342 - ( كَانَ فِيمَنْ سَلَفَ مِنَ الْأُمَمِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : (مُوَرِّقٌ) ، فَكَانَ
مُتَعَبِّداً ، فَبَيْنَا هُوَ قَائِمٌ فِي صَلَاتِهِ ، ذَكَرَ النِّسَاءَ ، فاشْتَهَاهُنَّ ، وَانْتَشَرَ
حَتَّى قَطَعَ صَلَاتَهُ ، فَغَضِبَ ، فَأَخَذَ قَوْسَهُ ، فَقَطَعَ وَتَرَهُ ، فَعَقَدَهُ بِخُصْيَيْهِ ،
وَشَدَّهُ إِلَى عَقِبَيْهِ ، ثُمَّ مَدَّ رِجْلَيْهِ فانْتَزَعَهُمَا ، ثُمَّ أَخَذَ طِمْرَيْهِ وَنَعْلَيْهِ
حَتَّى أَتَى أَرْضاً لَا أَنِيسَ بِهَا وَلَا وَحْشَ ، فَاتَّخَذَ عَرِيشاً ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي .
فَجَعَلَ كُلَّمَا أَصْبَحَ ، انْصَدَعَتْ لَهُ الْأَرْضُ ، فَخَرَجَ لَهُ خَارِجٌ مِنْهَا
مَعَهُ إِنَاءٌ فِيهِ طَعَامٌ ، فَيَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ ، ثُمَّ يَدْخُلُ ، فَيَخْرُجُ بِإِنَاءٍ فِيهِ
شَرَابٌ ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَدْخُلُ فتَلْتَئِمُ الْأَرْضُ ، فَإِذَا أَمْسَى
فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ . قَالَ :
وَمَرَّ أُنَاسٌ قَرِيباً مِنْهُ ، فَأَتَاهُ رَجُلَانِ مِنَ الْقَوْمِ ، فَمَرَّا عَلَيْهِ تَحْتَ اللَّيْلِ ،
فَسَأَلَاهُ عَنْ قَصْدِهِمَا ؟ فَسَمَتَ لَهُمَا بِيَدِهِ ، قَالَ : هَذَا قَصْدُكُمَا - حَيْثُ
يُرِيدَانِ -. فَسَارَا غَيْرَ بَعِيدٍ ، قَالَ أَحَدُهُمَا: مَا يُسْكِنُ هَذَا الرَّجُلَ هُنَا بأَرْضٌ لَا
أَنِيسَ بِهَا وَلَا وَحْشَ ؟ لَوْ رَجَعْنَا إِلَيْهِ حَتَّى نَعْلَمَ عِلْمَهُ . قَالَ :
فَرَجَعَا ، فَقَالَا لَهُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ! مَا يُقِيمُكَ بِهَذَا الْمَكَانِ بِأَرْضٍ لَا أَنِيسَ
بِهَا وَلَا وَحْشَ ؟ قَالَ : امْضِيَا لشَأْنِكُمَا وَدَعَانِي . فَأَبَيَا وأَلَحَّا عَلَيْهِ قَالَ :
فَإِنِّي مُخْبِرُكُمَا عَلَى أَنَّ مَنْ كَتَمَهُ عَلَيَّ مِنْكُمَا ، أَكْرَمَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ أَظْهَرَ عَلَيَّ مِنْكُمَا ، أَهَانَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . قَالَا :
نَعَمْ . قَالَ :
فَنَزَلَا ، فَلَمَّا أَصْبَحَا ، خَرَجَ الْخَارِجُ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلِ الَّذِي كَانَ

(13/763)


يُخْرِجُ مِنَ الطَّعَامِ ومِثْلَيْهِ مَعَهُ ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ، ثُمَّ دَخَلَ فَخَرَجَ
إِلَيْهِمْ بِشَرَابٍ فِي إِنَاءٍ مِثْلِ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ ومِثْلَيْهِ مَعَهُ ،
فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا ، ثُمَّ دَخَلَ فَالْتَأَمَتِ الْأَرْضُ . قَالَ :
فَنَظَرَ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ : مَا يُعَجِّلُنا ؟ هَذَا طَعَامٌ وَشَرَابٌ
وَقَدْ عَلِمْنَا سَمْتَنَا مِنَ الْأَرْضِ ، امْكُثْ إِلَى الْعَشَاءِ ! فَمَكَثَا فَخَرَجَ
إِلَيْهِمْ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِثْلُ الَّذِي خَرَجَ أَوَّلَ النَّهَارِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا
لِصَاحِبِهِ : امْكُثْ بِنَا حَتَّى نُصْبِحَ . فَمَكَثَا فَلَمَّا أَصْبَحُوا خَرَجَ إِلَيْهِمَا
مِثْلُ ذَلِكَ .
ثُمَّ رَكِبَا فَانْطَلَقَا ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا ، فَلَزِمَ بَابَ الْمَلِكِ حَتَّى كَانَ مِنْ
خَاصَّتِهِ وَسَمَرِهِ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَقْبَلَ عَلَى تِجَارَتِهِ وَعَمَلِهِ .
وَكَانَ ذَلِكَ الْمَلِكُ لَا يَكْذِبُ أَحَدٌ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ كَذِبَةً
يُعْرَفُ بِهَا إِلَّا صَلَبَهُ .
فَبَيْنَا هُمْ لَيْلَةً فِي السَّمَرِ يُحَدِّثُونَهُ مِمَّا رَأَوْا مِنَ الْعَجَائِبِ ،
أَنْشَأَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يُحَدِّثُ فقَالَ : ألَا أُحَدِّثُكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ بِحَدِيثٍ مَا
سَمِعْتَ أَعْجَبَ مِنْهُ قَطُّ ؟ فَحَدَّثَ بحَدِيثِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي رَأَى مِنْ
أَمْرِهِ . قَالَ الْمَلِكُ :
مَا سَمِعْتُ بِكَذِبٍ قَطُّ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا ، وَاللَّهِ لَتَأْتِيَنِّي عَلَى مَا قُلْتَ
بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَأَصْلُبَنَّكَ قَالَ : بَيِّنَتِي فُلَانٌ . قَالَ : رِضًى ، ائْتُونِي بِهِ ، فَلَمَّا
أَتَاهُ ، قَالَ لَهُ الْمَلِكُ : إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ : إِنَّكُمَا مَرَرْتُمَا بِرَجُلٍ ثُمَّ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا

(13/764)


وَكَذَا ؟ قَالَ الرَّجُلُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ! أَوَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ ، وَهَذَا مَا
لَا يَكُونُ ، وَلَوْ أَنِّي حَدَّثْتُكَ بِهَذَا ،كَانَ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَصْلُبَنِي
عَلَيْهِ ؟ قَالَ : صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ . فَأَدْخَلَ الرَّجُلَ الَّذِي كَتَمَ عَلَيْهِ فِي خَاصَّتِهِ
وَسَمَرِهِ ، وَأَمَرَ بِالْآخَرِ فَصُلِبَ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
فَأَمَّا الَّذِي كَتَمَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا ، فَقَدْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
وَأَمَّا الَّذِي أَظْهَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا ، فَقَدْ أَهَانَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا ، وَهُوَ مُهِينُهُ فِي الْآخِرَةِ .
ثُمَّ نَظَرَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ إِلَى ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَنَسٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا
الْمُثَنَّى ! أَسَمِعْتَ جَدَّكَ يُحَدِّثُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/113/7651) : حدثنا
محمد بن شعيب : ثنا عبدالرحمن بن سلمة : نا أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء
عن المفضل بن فضالة عن بكر بن عبد الله المزني : نا أنس بن مالك قال : قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره . وقال الهيثمي في "المجمع" (10/305 - 306) :
"رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه محمد بن شعيب ، ولم أعرفه،
وبقية رجاله ثقات على ضعف في بعضهم يسير ".
كذا قال ! والمفضل بن فضالة - وهو: البصري ، لا المصري - لا يصدق عليه
هذا الوصف عندي ، لأنه متفق على تضعيفه إلا ابن حبان ، ولذلك تكلم عليه
الذهبي في "المغني" ، وجزم الحافظ في "التقريب" بضعفه . ولعله أراد به عبدالرحمن

(13/765)


ابن مغراء ، فإنه مختلف فيه - كما ترى في "التهذيب" - ، وقال الحافظ :
"صدوق ، تكلم فِي حَدِيثِه عن الأعمش" .
وأما عبدالرحمن بن سلمة - وهو : الرازي - : فلم يوثق أحد فيما علمت ولا
ابن حبان ، وقد أورده ابن أبي حاتم فقط دون البخاري (2/2/241) ولم يذكر فيه
جرحاً ولا تعديلاً .
وأما محمد بن شعيب ، فهو الأصبهاني - كما في أحاديث قبل هذا في
"المعجم الأوسط " - ، وله ترجمة في "طبقات المحدثين بأصبهان" (376/518)
لأبي الشبخ و"أخبار أصبهان" لأبي نعيم (2/252) ، وذكرا أنه يكنى بأبي عبدالله
التاجر ، توفي سنة ثلاثمائة ، يروي عن الرازيين بغرائب .

6343 - ( لو وُزِنَ إيمانُ أبي بكرٍ بإيمانِ أهلِ الأرضِ ، لَرَجَحَ ) .
منكر .
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (4/201) ومن طريقه ابن عساكر في
"تاريخ دمشق" (9/297/1) عن عبدالله بن عبدالعزيز بن أبي رواد : أخبرني
أبي عن نافع عن ابن عمر... مرفوعاً .
أورده ابن عدي في ترجمة عبدالله هذا ، وقال :
"له أحاديث لا يتابعه أحد عليها". وقال العقيلي (2/279) :
"أحاديثه مناكير غير محفوظة ، ليس ممن يقيم الحديث" . وقال أبو حاتم:
" أحاديثه منكرة" . وقال ابن الجنيد :
"لا يساوي شيئاً ، يحدث بأحاديث كذب ".
وأما ابن حبان ، فذكره في "الثقات" (8/347 - 348) وقال:

(13/766)


"يعتبر حديثه إذا روى عن غير أبيه ، وفي روايته عن إبراهيم بن طهمان
بعض المناكير".
وقد توبع : فقال عيسى بن عبدالله بن سليمان القرشي : ثنا رواد بن الجراح
قال : ثنا عبدالعزيز بن أبي رواد ... به .
أخرجه ابن عدي (5/259 - 260) في ترجمة عيسى هذا ، وصدَّر ترجمته
بقوله فيه :
"ضعيف يسرق الحديث" .
ثم ساق له أحاديث منكرة ، وهذا آخرها ، ثم ختم ترجمته بقوله :
"كتب عنه الناس ، والضعف على حديثه بيِّن ، وليس له من الحديث غير ما
ذكرت".
قلت : وبعض تلك الأحاديث من روايته عن الوليد بن مسلم ، ومنها حديث
"البركة مع أكابرهم " ، وهو مخرج في "الصحيحة" (1778) ، وله في "تاريخ ابن
عساكر" متابعون ، فلا ينبغي عده من مناكيره ، وبخاصة أن الحافظ ذكر في
"اللسان" أن الحاكم قال عن الدارقطني "ثقة" . وذكره ابن حبان في "الثقات" ،
وخرج حديثه في "صحيحه" !
وأقول : أما توثيق الدارقطني فهو في "سؤالات الحاكم للدارقطني " ، ونصه فيه
(128/141) :
"عيسى بن عبدالله بن سليمان رغاث ، أبو موسى ، ثقة".
والمترجم قد وصف بـ : (القرشي) وبـ : (العسقلاني) أيضاً عند ابن عدي ،

(13/767)


وكذا في "تاريخ بغداد" (11/165) ، و"تاريخ دمشق" أيضاً (14/18) ، وقالا :
"سكن بغداد ، وسمع بدمشق وغيرها الوليد بن مسلم ورواد بن الجراح ... ".
ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً . فأخشى أن يكون غير ذاك الذي وثقه
الدارقطني ، وإلا ، لم يخف ذلك على الخطيب ، وهو من أعرف الناس بأقواله ، بينه
وبينه أبو بكر البرقاني وغيره من الحفاظ ، وكذلك من المستبعد أن يخفى ذلك على
ابن عساكر محدث الشام . والله أعلم.
وأما توثيق ابن حبان إياه فأعقد أن الحافظ وهم في ذلك ، فإنه لا يوجد في
"ثقات ابن حبان" من يسمى بهذا الاسم : (عيسى بن عبدالله بن سليمان القرشي
العسقلاني) ، وإنما فيه (7/222) :
"عيسى بن عبدالله الأنصاري يروي عن أبي طوالة ، روى عنه الوليد بن مسلم".
أورده في (أتباع التابعين) .
وكذلك ذكره البخاري في "التاريخ" (3/2/389) وكناه بـ : (أبي موسى) .
ولعله الذي في "كامل ابن عدي" (5/253) :
"عيسى بن عبدالله بن الحكم بن النعمان بن بشير أبو موسى الأنصاري".
ثم ساق له أحاديث ، بعضها من رواية الوليد بن مسلم عنه عن نافع عن ابن
عمر . وساق له أحاديث أخرى عن غير نافع ، ثم قال:
"وعامة ما يرويه لا يتابع عليه" .
وهذا قد أورده ابن حبان في "الضعفاء" (2/121) ، وساق له حديثاً من
أحاديث ابن عدي المشار إليها ، وقال:

(13/768)


شيخ يروي عن نافع ما لا يتابع عليه ، ولا يحتج به ".
قلت : فلا أدري هل هذا هو الذي ذكره في "الثقات" بروايته عن أبي طوالة
وعنه الوليد بن مسلم أم غيره ، لأنه من طبقة واحدة - كما ترى - ؟ وأياً ما كان :
فليس هو الأنصاري الدمشقي البغدادي الذي قبله ، فإنه متأخر عن هذا . والله
أعلم.
وأما الحديث الذي عزاه الحافظ في ترجمة الدمشقي لابن حبان في
"صحيحه" ، فلم أعرفه الآن . ثم رأيته في "صحيحه" (5334) في تحريم الخمر ،
وهو في "الصحيحين" من غير طريقه ، وهو مخرج في "الإرواء" (8/42 - 43) .
وجملة القول : أن عيسى بن عبدالله بن سليمان القرشي الراوي عن رواد بن
الجراح هذا الحديث لم يتبين لي أنه الثقة الذي عناه الدارقطني ، فهو مجهول
الحال ، فقد روى عنه جمع من الثقات في "تاريخ بغداد" و "تاريخ دمشق" .
ثم تأكدت من كونه هو الذي وثقه الدارقطني ، فإني رأيته في "سؤالات الحاكم
للدارقطني" (128/141) ، فإعلال حديثه هذا بشيخه رواد بن الجراح أولى ، فإنه
ضعيف ، قال الذهبي في "الكاشف":
"وثقه ابن معين ، له مناكير ، ضُعِّف ". وقال الحافظ :
"صدوق اختلط بأَخَرَة ، فترك ، و فِي حَدِيثِه عن الثوري ضعف شديد" .
من أجل ذلك ضعَّف ابن عساكر الحديث ، فقال عقبه:
"وهذا مرفوع غريب ، وإنما يحفظ عن عمر قوله" .
ثم أخرجه هو والبيهقي في "الشعب" (1/69/36) من طرق عن ابن شوذب

(13/769)


عن محمد بن جحادة عن سلمة بن كُهيل عن هزيل بن شرحبيل قال: قال عمر
ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ... فذكره موقوفاً عليه.
قت وهذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات رجال البخاري غير ابن شوذب
- واسمه : عبدالله - وهو ثقة .
والحديث قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/52) :
"أخرجه ابن عدي من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف ،ورواه البيهقي في
"الشعب" موقوفاً على عمر بإسناد صحيح ".
قلت : ولعل أصل الحديث رؤيا رآها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه وضع في كفة والأمة في
كفة فرجح بهم ، ثم وضع أبو بكر فرجح بهم ، ثم عمر ، ثم عثمان .
أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (1135 - 1139) من طرق عن أبي بكرة
وأعرابي ، وابن عمر ، وفي "المجمع" (9/59) شواهد أخرى ، يدل مجموع طرقه
على أن للحديث أصلاً ، ولذلك صححته في "الظلال" . والله أعلم .

6344 - ( إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيْ
الرَّحْمَنِ ، بِمَا أَقْسَطُوا فِي الدُّنْيَا ).
شاذ .
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (013/127 - 128) ، وأحمد في
"مسنده" (2/159) قالا : حَدَّثَنَا عَبْدُالْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ... فذكره .
ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه الحاكم (4/88) ، والنسائي في "الكبرى"
(3/460/5917) من طريق أخرى عن عبدالأعلى ... به.

(13/770)


وتابعه عبدالرزاق في "مصنفه" (11/325/20664) عن معمر .. به . ومن
طريق عبدالرزاق أحمد أيضاً (2/207) .
قلت : وهذا إسناد ظاهره الصحة ، ولذلك قال الحاكم :
"صحيح على شرط الشيخين ، وقد أخرجاه جميعاً ".
كذا قال ! وفيه أوهام أربعة :
الأول : لم يروه من الشيخين سوى مسلم ، وقد صرح بهذا ابن كثير (4/269) .
والثاني : إنما رواه من طريق أخرى عن عمرو بن أوس عن ابن عمرو . وهو
مخرج في "آداب الزفاف" (280 - 281 - الطبعة الجديدة) ، وبتصحيح ابن منده
أيضاً ، وصححه ابن حبان أيضاً (7/9) ، وكذا أبو عوانة (4/411 - 412) ، وابن
كثير (4/349) .
وعمرو بن أوس ثقة تابعي كبير ، احتج به الشيخان ، وقال بعضهم بصحبته .
الثالث : أن لفظه مخالف للفظ مسلم وكذا الآخرين من نواحٍ:
الأولى : أنه قال : "نوره" ... مكان : "لؤلؤ" .
الثانية : أنه قال : "عن يمين الرحمن" ... مكان : "بين يدي الرحمن" .
الثالثة : زاد : "وكلتا يديه يمين" .
الرابعة : قال : "الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا " ... مكان : "بما
أقسطوا ... " .
الرابع : أن القول بصحته وارد لولا المخالفات المذكورة ، ولذا قال ابن كثير
(4/211) جرياً على ظاهر الإسناد:

(13/771)


وهذا إسناد جيد وقوي ، رجاله على شرط الصحيح".
لكن يمنع من ذلك المخالفات المشار إليها . والظاهر أنها من معمر بن راشد
البصري ، فقد قال الذهبي في "الميزان" :
"أحد الأعلام الثقات ، وله أوهام معروفة ، احتملت له في سعة ما أتقن".
وقال في "السير" (7/12) :
"ومع كون معمر ثقة ثبتاً فله أوهام ، لا سيما لما قدم البصرة لزيارة أمه ، فإنه
لم يكن معه كتبه ، فحدَّث من حفظه ، فوقع للبصريين عنه أغلاط " .
قلت : فلا يبعد أن يكون هذا من أوهامه .
على أن النسائي قد أعله في "كبراه" بعلة أخرى ، فقال عقب الطريق
الصحيحة عن عمرة بن أوس :
"باب ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث ".
ثم ساق حديث معمر هذا ، ثم قال :
"وقفه شعيب بن أبي حمزة".
قلت : وهو ثقة اتفاقاً ، محتج به في "الصحيحين" وغيرهما ، ولم يغمز بوهم ،
بل قال ابن معين:
"شعيب من أثبت الناس في الزهري ، كان كاتباً له".
قلت : فقد كشفت رواية شعيب هذه عن علة أخرى في الحديث ، وهي
الوقف . فهما إذن علتان :

(13/772)


إحداهما في المتن ، وهي المخالفة في الألفاظ - كما سبق بيانه -.
والأخرى : الوقف ، وهي المخالفة في الإسناد. وبأحدهما يصير الحديث شاذاً
فكيف بهما معاً ؟!
(تنبيه) : وقع حديث عمرو بن أوس الصحيح في "مسند أبي عوانة" مختصراً
جداً ليس فيه : "وكلتا يديه يمين ... ". إلخ ، وجاء فيه عقب قوله: "يمين الرحمن" :
"وربما قال : بما أقسطوا له في الدنيا" !
وهذا القول إنما هو فِي حَدِيثِ الترجمة - كما ترى - ، وليس هو عند مسلم
وغيره ممن شاركه في روايته ، كالنسائي وابن أبي شيبة وأحمد والحميدي وابن
حبان والمروزي والآجري والبيهقي في "الأسماء" وغيرهم ، فأخشى أن يكون قد
سقط من "مسند أبي عوانة" من ناسخه أو طابعه تمام الحديث الصحيح ، وإسناد
حديث الترجمة ومتنه ، ولم يبق منه إلا قوله : "وربما قال : بما أقسطوا ...". إلخ.
وإن مما يؤكد السقط : أن قوله هذا يستلزم أن يكون قبله لفظ آخر يختلف عن
هذا بعض الشيء ، فليتأمل.
(تنبيه آخر) : إن من أكاذيب الملقب بـ (السخاف) وتدجيلاته على قرائه ،
وقلبه للحقائق العلمية ، أنه علق على حديث ابن الجوزي في "دفع شبه التشبيه" :
"المقسطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن" ، كذا ساقه ابن
الجوزي مبتور الآخر ! فعلق عليه المذكور (ص 203) أنه رواه ابن حبان بهذا اللفظ ،
ورواه مسلم بلفظ ... فذكره بتمامه .. يعني : بزيادة : "وكلتا يديه يمين" .
قلت : فهذا من تدجيله ، فإن الزيادة عند ابن حبان أيضاً ، وإنما غاير بينهما
تمهيداً لتدجيل آخر ، فإنه عزاه للنسائي ثم قال عقبه:

(13/773)


"وقال عقبه: قال محمد فِي حَدِيثِه : "وكلتا يديه يمين" ، وروايته لم يذكر
فيها هذه اللفظة ، وهذه منه إشارة إلى تصرف الرواة في متن الحديث" !
فأقول : هذا افتراء على الإمام النسائي ، فهو إنما يشير بذلك إلى اختلاف شيخيه
في هذه الزيادة ، فمحمد - وهو :ابن آدم - ذكرها في الحديث ، وشيخه الآخر - وهو :
قتيبة بن سعيد - لم يذكرها فيه . والروايتان مدارهما على سفيان بن عيينة ، وإنما يفعل
ذلك النسائي وغيره من الحفاظ المحققين تبصيراً لقرائهم ، ليتحروا الصواب من اختلاف
الشيوخ ، وليس إشارة منه إلى تصرف الرواة - كما زعم الأفاك (السخاف) ! - .
فالباحث المنصف حين يجد مثل هذا الخلاف لا يندفع ليأخذ منه ما يوافق هواه
- كما يفعل هذا (السخاف) - ، وإنما يسلم هواه لما تقتضيه القواعد العلمية التي لا مرد
لها ، والذي يرد منها هنا قاعدتان : زيادة الثقة مقبولة ، أو : الزيادة الشاذة مرفوضة .
وفي ظني أن الأفاك يعلم - ولو أننا نعتقد أنه ليس من أهل العلم - أن القاعدة
الثانية هنا غير واردة ، لأنه رأى الحديث بعينه في "صحيح مسلم" وفيه الزيادة ،
وقد رواها عن ثلاثة من كبار شيوخه الحفاظ عن شيخهم سفيان بن عيينة ، وهم :
أبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، وابن نمير ، فإذا ضم إليهما الإمام عبدالله
ابن المبارك من رواية النسائي عن محمد بن آدم ، فهؤلاء أربعة اتفقوا على هذه
الزيادة ، فلا مناص حينئذ - عند من ينصف - من تطبيق القاعدة الأولى ، وهي :
زيادة الثقة مقبولة .
فليتأمل القراء في تدجيل هذا السخاف كيف نصب الخلاف بين شيخي
النسائي ، وتجاهل متابعة الحفاظ الثلاثة لمحمد بن آدم في الزيادة ؟!!
ثم مضى في تدجيله - مؤيداً تدجيله السابق - ، فقال :
"ويؤيد ذلك رواية الحاكم وأحمد ... ".

(13/774)


ثم ذكر حديث الترجمة المعلل بما سبق من المخالفة للرواية المتفق على صحتها
عند الأئمة المتقدم ذكرهم ، والتي أعلها الإمام النسائي في "الكبرى" - كما سبق
بيانه - ، ولذلك لم يروها في "السنن الصغرى" - كما روى فيها الرواية الصحيحة- ،
إشارة منه قوية إلى أنها غير مجتباة عنده ، فلأمر ما سمى "السنن الصغرى" بـ
"المجتبى" !
وهكذا نجد هذا (السخاف) قد نصب نفسه لمعاداة الأحاديث الصحيحة
وتضعيفها ، وإيثار الأحاديث المعارضة لها - أو : الضعيفة -، ونشرها ، وإيهام القراء
أنها هي صحيحة ! عامله الله بما يستحق .
على أن لهذه الزيادة : "وكلتا يديه يمين" شاهدين من حديث عبدالله بن عمر ،
والآخر من حديث عمرو بن عبسة.
والأول إسناده قول ، ولذلك خرجته في "الصحيحة" برقم (3136) .
والآخر : قال المنذري في "الترغيب" (2/234) :
"رواه الطبراني ، وإسناده مقارب لا بأس به".
وله شاهد ثالث من حديث أبي هريرة - فِي حَدِيثِ له مخرج في "الظلال"
(1/91/206) - ، وإسناده حسن ، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي.
فماذا يقول الأفاك (السخاف)؟!

6345 - ( كَانَ إِذَا أَهَمَّهُ الأَمْرُ ، رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : سُبْحَانَ
اللَّهِ الْعَظِيمِ . وَإِذَا اجْتَهَدَ فِى الدُّعَاءِ ، قَالَ يَا حَىُّ ! يَا قَيُّومُ !) .
ضعيف جداً .
أخرجه الترمذي (9/132 - 133) ، وابن السني في "عمل

(13/775)


اليوم والليلة" (109 - 110) - الشطر الأول منه - من طريق إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ عَنِ
الْمَقْبُرِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ... مرفوعاً . وقال الترمذي :
"حديث غريب" . وزاد في نسخة : "حسن" .
وأقول هذا بعيد جداً عن حال إسناده ، فإن إبراهيم هذا متروك ، كما قال
الحافظ في "التقريب" ، وقال ابن حبان في "ضعفائه" :
"إنه فاحش الخطأ" . ولما روى له الترمذي (8/329) حديث : "الحكمة ضالة
المؤمن ... ". قال أيضاً :
حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وإبراهيم بن الفضل المدني
المخزومي يضعَّف من قبل حفظه".
وهذا مخرج في "المشكاة" (216) .
والحديث مما سكت عليه ابن تيمية في "الكلم الطيب" (رقم 119) ، وتبعه
ابن القيم في "الوابل الصيب" (236) ، تابعين في ذلك أصلهما "أذكار النووي"
(102 تحقيق الأرناؤوط) وسكت هذا أيضاً عليه ، وأما في تعليقه على "الكلم
الطيب" (57/118) فضعفه اقتباساً من تحقيقي لـ "الكلم" ، وله من مثل هذا
الشيء الكثير ، بل إن غالب تصحيحاته وتضعيفاته لأحاديث الكتاب أخذها من
تحقيقاتي عليه دون أن يشير إلى ذلك أدنى إشارة ، وقد فعل غيره أسوأ من ذلك
- كما بينته في مقدمة الطبعة الجديدة لهذا الكتاب - .
واعلم أن في رفع الرأس إلى السماء حديثاً آخر عند أبي داود وغيره فيما يقول
إذا خرج من بيته ، وإسناده صحيح ، لكن ذكر الرفع فيه شاذ - كما حققته في
الكتاب الآخر (3163) - ، فاقتضى التنبيه !

(13/776)


6346 - ( تُعْمَلُ الرِّحالُ إلى أربعةِ مساجدَ : إلى المسجدِ الحرامِ ،
ومسجدي هذا ، والمسجدِ الأقصى ، وإلى مسجدِ الجَنَد ) .

باطل بذكر : ( مسجد الجند) .
ذكره ابن عبدالبر في "التمهيد" (23/38)
معلقاً فقال :
"وقد روى محمد بن خالد الجَنَدي عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده ... مرفوعاً" ، ثم قال :
"هذا حديث منكر لا أصل له ، ومحمد بن خالد الجندي ، والمثنى بن الصباح :
متروكان ، ولا يثبت من جهة النقل . و(الجند) باليمن بلد طاوس".
قلت : الجندي هذا قد وثِّق ، وقال فيه البيهقي - تبعاً لشيخه الحاكم - :
"مجهول" . ورده الذهبي في "المغني" بقوله:
"قلت : بل مشهور من شيوخ الشافعي ، وقال الأزدي : منكر الحديث".
قلت : فالأولى تعصيب الجناية في هذا الحديث بشيخه المثنى ، فإنه متفق
على تضعيفه .
وقد تقدم للجندي حديث آخر منكر بلفظ : "لا مهدي إلا عيسى" برقم
(77) ، وشأنه فيه شأنه هنا . فراجعه .
والحديث دون هذه الزيادة الباطلة صحيح متواتر ، رواه جمع من الصحابة ،
وقد خرجت طائفة من الطرق عنهم في "الإرواء" (1/226/773) ، و"أحكام
الجنائز" (224 - 225) ، و"الروض النضير" (713) .

(13/777)


6347 - ( ما مِنْ نَفَقَةٍ بعد صلِة الرحِمِ أعظمَ عند اللهِ من هِراقةِ دمٍ
[أيامَ النَّحْرِ] ).
منكر .
أخرجه الخطيب في "التاريخ" (3/59) ، وابن عبدالبر في "التمهيد"
(23/192 - 193) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (3/26) - الزيادة له - من
طريق سعيد بن داود بن أبي زَنْبَر عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن
عباس ... مرفوعاً . وقال الخطيب وابن عبدالبر :
"غريب لم نكتبه من حديث مالك إلا بهذا الإسناد " .
قلت : وعلته سعيد هذا : قال ابن حبان في "الضعفاء" (1/325) :
"يروي عن مالك أشياء مقلوبة ... ، لا تحل كتابة حديثه إلا على وجه الاعتبار".
وقال الذهبي في "المغني" .
"ضعفه أبو زرعة وغيره ، وقال ابن معين : ليس بثقة" .
وللحديث طريق أخرى عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ نحوه ، تقدم تخريجه والكشف عن
علته برقم (525) .

6348 - ( ما من عبد تَوَجَّهَ بأُضْحِيَّتهِ إلى القِبْلةِ إلا كان دمُها
وفرثُها وصوفها حسناتٍ مُحضَراتٍ في ميزانِه يوم القيامة ، فإن الدَّمَ -
وإن وَقَعَ في الترابِ ، فإنما - يقعُ في حِرْزِ اللهِ حتى يُوَفِّيَه اللهُ صاحِبَه
يومَ القيامةِ . وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اعْمَلوا يَسيراً تُجْزَوا كثيراً ) .
ضعيف جداً .
أخرجه ابن عبدالبر في "التمهيد" (23/193) من طريق
محمد بن الجهم السمري قال : حدثنا نصر بن حماد قال : حدثنا محمد بن

(13/778)


راشد عن سليمان بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت : يا أيها
الناس ! ضحوا ، وطيبوا بها أنفساً ، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ... فذكره .
قلت سكت عنه ابن عبدالبر ، وكأنه لوضوح علته ، وهي نصر بن حماد
هذان فإنه متفق على تضعيفه ، بل قال ابن معين:
"كذاب " . وقال الحافظ في آخر ترجمته من "التهذيب" :
"ومن أوابده : عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة مرفوعاً : "إن الله
تعالى ليس بتارك يوم الجمعة أحداً إلا غفر له ".
قال أبو الفتح الأزدي : ليس له أصل عن شعبة ، وإنما وضعه نصر بن حماد".
قلت : وهذا قد رواه كذاب آخر عن أنس ، وقد سبق تخريجه برقم (297)
من المجلد الأول ، وقد أعيد طبعه بتحقيق جديد وزيادات مفيدة .
وشيخه محمد بن راشد : يحتمل أنه الذي في "سؤالات البرقاني للدارقطني"
(59/431) ، فإنه بلد نصر بن حماد ، ومن طبقة شيوخه ، قال الدارقطني :
"محمد بن راشط الضرير : بصري بحدث عن روح بن القاسم ، ويونس بن
عبيد ، ليس بالقوي ، يعتبر به ".
ثم ترجح عندي أنه محمد بن راشد المكحولي الدمشقي ، فقد ذكروا في
شيوخه سليمان بن موسى شيخه في هذا الإسناد ،وهو مختلف فيه ، وقد وثقه
الجمهور ، وقال الحافظ :
"صدوق يهم ، ورمي بالقدر ".
وأما محمد بن الجهم السمري - الراوي عن نصر بن حماد - :فذكره الحافظ

(13/779)


في "اللسان" برواية ثلاثة من الحافظ وآخرين ، وقال:
"ما علمت فيه جرحاً".
وللحديث طريق أخرى عن عائشة مرفوعاً نحوه دون قوله: "اعملوا يسيراً ..." ،
وزاد في آخره : "فطيبوا بها نفساً " . ولكن إسناده واهٍ أيضاً - وإن حسَّنه الترمذي ،
وصححه الحاكم - ، وقد تقدم تخريجه وبيان علته في المجلد الثاني برقم (526).

6349 - ( يَسْتَاكُ الصَّائِمُ بِرَطْبِ السِّوَاكِ وَيَابِسِهِ ، أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ ).
منكر.
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (1/56 - 57) ، وكذا ابن حبان (1/102
- 103) ، والبيهقي (4/272) من طريق أبي إِسْحَاقَ الْخَوَارِزْمِىّ - قَاضَى خَوَارِزْمَ -
قَالَ سَأَلْتُ عَاصِماً الأَحْوَلَ فَقُلْتُ : أَيَسْتَاكُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ : نَعَمْ . فَقُلْتُ : بِرَطْبِ
السِّوَاكِ وَيَابِسِهِ؟ قَالَ : نَعَمْ . قُلْتُ : أَوَّلُ النَّهَارِ وَآخِرُهُ؟ قَالَ : نَعَمْ. قُلْتُ : عَمَّنْ؟
قَالَ : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .وقال البيهقي :
"انْفَرِدُ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بِيطَارٍ - وَيُقَالُ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -
قَاضِى خَوَارِزْمَ ، حَدَّثَ بِبَلْخٍ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ بِالْمَنَاكِيرِ ، لاَ يُحْتَجُّ بِهِ ، وَقَدْ رُوِىَ
عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ : أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ" .
ثم ساقه من طريق أحمد بن عدي - وهذا في كتابه "الكامل" (1/260 -
261) - من طريق محمد بن سلام : أنبأ إبراهيم بن عبدالرحمن ... به . وقال ابن
عدي :
"إبراهيم هذا عامة أحاديثه غير محفوظة" .
ومن هذه الطريق ساقه العقيلي في ترجمة إبراهيم بن عبدالرحمن هذا ، وقال:

(13/780)


"ليس بمعروف في النقل ، والحديث غير محفوظ". وقال ابن حبان:
"يروي عن عاصم الأحول المناكير التي لا يجوز الاحتجاج بها ، على قلة
شهرته بالعدالة وكتابته الحديث " . ثم ساق الحديث وقال:
"لا أصل له من حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولا من حديث أنس".
وأشار البيهقي في "المعرفة" إلى هذا الحديث ، وقال (3/418) :
"ضعيف لا يصح".
وأخرجه الدارقطني أيضاً في "السنن" (2/202) ، وقال:
" أَبُو إِسْحَاقَ الْخَوَارِزْمِىُّ ضَعِيفٌ " .
وأورده الذهبي في ترجمة إبراهيم بن بيطار ، وذكر قول ابن حبان المتقدم في
حديثه . ثم في ترجمة إبراهيم بن عبدالرحمن وقال:
"لا يدرى من ذا ، وهوالخوارزمي إن شاء الله " . وأقرَّه الحافظ في "اللسان" .
ولقد أحسن ابن الجوزي بإيراده لهذا الحديث في "الموضوعات" (2/194 -
195) ، وذكر باختصار كلام ابن حبان المتقدم ، لكن تعقبه الحافظ في "التلخيص"
بقوله (1/69) :
"قلت له شاهد من حديث معاذ ،رواه الطبراني في الكبير" !
وأقره السيوطي في "اللآلي" (2/105) ، وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/
156) !! وفي ذلك نظر ظاهر إسناداً ومتناً ، فإن الطبراني أخرجه في "المعجم الكبير"
(20/70 - 71) وفي "مسند الشاميين" أيضاً (2/444 - المصورة) من طريق بكر بن
خنيس عن أبي عبدالرحمن عن عبادة بن نسي عن عبدالرحمن بن غنم قال:

(13/781)


سألت معاذ بن جبل : أتسوك وأنا صائم ؟ فقال : نعم ، قلت : أي النهار
أتسوك ؟ قال : أي النهار شئت ، إن شئت غدوة ، وإن شئت عشية ، قلت : فإن الناس
يكرهونه عشية ، قال : ولم ؟! قلت : يقولون إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : « لخلوف فم
الصائم أطيب من ريح المسك » . فقال : سبحان الله لقد أمرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بالسواك ، حين أمرهم وهو يعلم أنه لابد أن يكون بفم الصائم خلوف ، وإن استاك ،
وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمداً ، ما في ذلك من الخير شيء ، بل
فيه شر ، إلا من ابتلي ببلاء لا يجد منه بداً . قلت : والغبار في سبيل الله أيضا
كذلك ، إنما يؤجر من اضطر إليه ، ولم يجد عنه محيصاً؟ قال : نعم ، وأما من
ألقى نفسه في البلاء عمداً فما له في ذلك من أجر .
أما النظر من حيث المتن فهو ظاهر ، لأنه موقوف على معاذ غير مرفوع .
وأما النظر من حيث الإسناد ففيه خفاء ذلك ، لأن بكر بن خنيس مختلف
فيه ، فوثقه بعضهم وضعفه الجمهور ، كما ترى أقوالهم في "تهذيب الحافظ" ، وقال
في "تقريبه" :
"صدوق له أغلاط ، أفرط فيه ابن حبان:
والحق أنه كما قال الذهبي في "الكاشف" :
"واهٍ" .
وقد تقدمت له أحاديث كثيرة ، فراجعها إن شئت بواسطة فهارس الرواة في
المجلدات الأربعة الأولى المطبوعة (*) .
__________
(*) ولقد طبع من هذه "السلسلة" حتى المجلد الثالث عشر بعد وفاة الشيخ رحمه الله
تعالى ، يسر الله إتمامها .

(13/782)


قلت : وكأن الحافظ رحمه الله اعتمد على ما وصفه به من الصدق في
"تقريبه" ، فاعتبر الحديث صالحاً للاستشهاد به ، بل إنه قد صرح بتقويته في
مكان آخر من "تلخيصه" ، فقال في (الصيام) منه (2/202) :
"فائدة : روى الطبراني بإسناد جيد عن عبدالرحمن بن غنم قال : سألت
معاذ بن جبل : أأتسوك وأنا صائم ..." الحديث .
فأقول تجويده لهذا الإسناد بناء على رأيه المتقدم في بكر بن خنيس
محتمل ، ولكنه غفل عن علته الحقيقية ، وهي : أبو عبدالرحمن شيخ بكر الذي
لم يسم ، فقد قال الذهبي في "كنى الميزان" .
"أبو عبدالرحمن الشامي عن عبادة بن نسي ، قال الأزدي : كذاب . قلت :
لعله المصلوب " . وأقره الحافظ في "اللسان" .
قلت : وهو : محمد بن سعيد بن حسان بن قيس الأسدي ، صلبه المنصور على
الزندقة ، وضعف أربعة آلاف حديث ، قلبوا اسمه على مائة وجه ليخفى ! له ترجمة
مبسطة في "التهذيب" ، وكذا في "تاريخ ابن عساكر" (15/356 - 364) ، وقال
في آخرها:
"وقال أحمد بن حنبل : بكر بن خنيس ليس به بأس ، إنما روى عن رجل
صلب يقال له : أبو عبدالرحمن الدمشقي ، واسمه محمد بن سعيد".
فإذن علة هذه الفائدة التي زعمها الحافظ (أبو عبدالرحمن) هذا ، الكذاب
المصلوب في الزندقة ، فالعجب كيف خفي ذلك على الحافظ ، وعلى من اتبعه ؟!
ولقد كنت واحداً من هؤلاء حين نقلت عنه في كتابي "الإرواء" (1/106 - 107)
تجويده لإسناده ، وعذري في ذلك أن "معجم الطبراني" لم يكن يومئذ مطبوعاً ، ولا

(13/783)


كان لدي مصورة "مسند الشاميين" ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي
لولا أن هدانا الله .
وإن مما يحسن ذكره هنا - والتنبيه على ضعفه مع مخالفته لحديث الترجمة
وشاهده الذي ذكره الحافظ وزعمه ! - ما رواه عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
قَالَ لَكَ السِّوَاكُ إِلَى الْعَصْرِ ، فَإِذَا صَلَّيْتَ الْعَصْرَ ، فَأَلْقِهِ ، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ « خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ».
أخرجه الدارقطني في "سننه" (2/203/5) ، ومن طريقه البيهقي (4/274)
وسكتا عنه ! وهو من غرائبهما ، فإن عمر بن قيس هذا متروك - كما قال الحافظ في
"التقريب" ، وبه أعله في "التلخيص" (1/69) ، ولكنه سكت عنه في (الصيام)
(2/201) ! -.
وفي معناه حديث آخر مرفوع عن علي وغيره ، مخرج في الإرواء (رقم 67) ،
فلا داعي للإعادة . ويغني عن حديث الترجمة عموم الأحاديث الواردة في الحض
على السواك عند كل وضوء وكل صلاة هناك - .

6350 - ( خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ : الخِْتَانُ ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ ، وتَقْلِيمُ
الأَظَفارِ ، وَنَتْفُ الضَّبْعِ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ).
شاذ بلفظ : "الضبع".
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (1293) ، والنسائي
(2/275) من طريق عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَقَ قال حدثني سَعِيد بن أبي سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... به.

(13/784)


قلت : وهذا إسناد جيد ، لكن عبدالرحمن بن إسحاق - وهو الذي يقال له:
(عباد) المدني ، - وإن كان صدوقاً ومن رجال مسلم ، فقد - ضعفه بعضهم ، وقال
البخاري :
"ليس ممن يعتمد على حفظه إذا خالفَ من ليس بدونه ، وإن كان ممن يحتمل في بعض ".
وهذا من دقيق علم البخاري ونقده رحمه الله ، وإذا عرفت هذا ، سهل عليك
أن تتبين صواب حكمنا على هذه اللفظة " الضبع" بالشذوذ ، وذلك لأمرين اثنين :
الأول : أنه خالف جبل الحفظ ، وهو الإمام مالك ، فقد رواه في "الموطأ"
إلا أنه قال : "ونتف الإبط" ، وهو المحفوظ ، ويؤيده:
الثاني : أن الحديث رواه الإمام الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ...
مرفوعاً باللفظ المحفوظ ، وسائره مثله .
أخرجه الشيخان وغيرهما ، وهو مخرج في "الإرواء" (1/112/73) .
ومن تمام الفائدة أن أنبه أنه وقع شذوذ آخر في هذا الحديث من طريق الزهري
هذه ، فقال النسائي في "السنن الكبرى" (1/65/9) : أخبرنا محمد بن عبدالله
ابن يزيد المقرئ المكي ، قال : حدثنا سفيان عن الزهري ... به ، إلا أنه قال مكان :
"قص الشارب" :
"حلق الشارب".
قلت : والقول في هذا اللفظ من حيث كونه شاذاً ، كالقول في اللفظ الذي
قبله ، وذلك أن محمد بن عبدالله المقرئ ثقة ، إلا أنه قد خالف الحفاظ الثقات

(13/785)


منهم الإمام أحمد (2/239) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/195) ، والحميدي
(418/936) ، وغيرهم قالوا : ثنا سفيان ... بلفظ "القص" .
وكذلك رواه الشيخان عن جمع آخر من الحفاظ عن سفيان ... به . الأمر
الذي لا يدع شكاً في شذوذ لفظ المقرئ الذي تفرد به ، فكيف إذا انضم إلى ذلك
أن جمعاً آخر من الحفاظ قد تابعوا سفيان بن عيينة على هذا اللفظ عند الشيخين
وغيرهما ؟ فثبت يقيناً خطأ اللفظ الذي قبله .
وثمة خطأ آخر وقع في هذا الحديث من بعض رواته في إسناد ثالث له ،
يرويه محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة
ابن عبدالرحمن عن أبي هريرة مرفوعاً ... به ، إلا أنه قال :
"السواك" .. مكان : "الختان" .
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (1257) .
قلت هذاإسناد حسن ، لولا أن ابن إسحاق مدلس ، وقد عنعنه ، فهي علة
هذه المخالفة ، على أنه لو صرح بالتحديث ، فمخالفته للثقات مردود ، لأن له
منكرات يتفرد بها ، يعرفها أهل العلم .
ولم ينتبه لهذا الخطأ في هذه الرواية الأستاذ محمد فؤاد عبدالباقي في تعليقه
على "الأدب" (ص 244) ، فطبع تحته :
"البخاري في : 77 - كتاب اللباس ، 63 - باب قص الشارب ، مسلم في : 2
- كتاب الطهارى ح49 و50 " .
وهما إنما أخرجاه بالفظ المحفوظ : "الختان" !

(13/786)


وزاد الشارح الجيلاني في (الخطأ) (2/658) ، فعزاه إلى أصحاب "السنن
الأربعة" أيضاً ، وأحمد ، وابن حبان ! وليس عند أحد منهم هذا اللفظ : "السواك"
من حديث أبي هريرة هذا .
نعم ، جاء اللفظ المذكور فِي حَدِيثِ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عند مسلم وأبي
عوانة وغيرهما بلفظ:
"عشرة من الفطرة ... والسواك ... " الحديث .
وهومخرج في "صحيح أبي داود" (43) .
وكذلك ورد فِي حَدِيثِ عمار بن ياسر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نحوه ، وجمع فيه بين
السواك والختان . وهو مخرج هناك عقب حديث عائشة .
(تنبيه : في "النهاية" :
" (الضّبْع) بسكون الباء وسط العضد . وقيل هو ما تحت الإبط " .
هذاوحديث مالك المتقدم موقوفاً ، قد رواه البخاري في "الأدب المفرد"
(1294) عنه كذلك موقوفاً ، وقال الحافظ ابن عبدالبر في "التمهيد" (21/56) :
"هذا الحديث في الموطأ موقوف عند جماعة الرواة ، إلا أن بشر بن عمر رواه
عن مالك بإسناده المتقدم عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرفعه ، وهو حديث
محفوظ عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسنداً صحيحاً ، رواه ابن شهاب عن سعيد
ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ولصحته مرفوعا ذكرناه والحمد لله ".
ثم ساق إسناده إلى بشر بن عمر عن مالك ... به مرفوعاً .
قلت: وبشر هذا ثقة محتج به في "الصحيحين" ، فالسند صحيح ، وقد روي
عن مالك مرفوعاً من غير رواية بشر ، أخرجه ابن عبدالبر بسند فيه ابن ليهعة .

(13/787)


ومهما يكن من أمره ، فإنه مما لا شك فيه أن الأصح عن مالك هوالوقف ،
ولكن ذلك مما لا ينافي رواية بشر المرفوعة عنه ، فقد ينشط الراوي أحياناً فيرفع
الحديث ، وقد يوقفه لسبب أو آخر ، فإذا ثبت رفعه من طريق غيره من الثقات - كما
هنا - ، كأن ذلك دليلاً على صحة رفع الراوي إياه . والله أعلم .

6351 - ( إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ بِاللَّيْلِ ، فَأَغْلِقُوا أَبْوَابِهَا).
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/137/364) من طريق
مُحَمَّد بن سُلَيْمَانَ: ثنا وَحْشِيٌّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ :
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ مِنَ اللَّيْلِ ، فَتَرَكَ بَابَ الْبَيْتِ مَفْتُوحاً، ثُمَّ رَجَعَ ،
فَوَجَدَ إِبْلِيسَ قَائِماً فِي وَسَطِ الْبَيْتِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"اخْسَأْ يَا خَبِيثُ ! مِنْ بَيْتِي"
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، وحشي - هو : ابن حرب بن وحشي ، وهو - مستور
على ما قال الحافظ ، وقد روى عنه جمع ، وذكره ابن حبان في "الثقات" ، وقال
الذهبي في "الكاشف" :
" ليِّن " .
وأبوه حرب بن وحشي مجهول - كما قال البزار - ، ولم يرو عنه غير ابنه . ومع
ذلك ذكره ابن حبان أيضاً في "الثقات" ، وذلك من تساهله الذي عرف به ، وهو
عمدة الهيثمي في قوله (8/112) - بعد أن عزاه للطبراني - :
"ورجاله ثقات" !

(13/788)


والأمر بإغلاق الأبواب في الليل ثابت فِي حَدِيثِ جابر عند الشيخين وغيرهما ،
ولكن ليس فيه ذكر الخروج ، بل ظاهره عند البيات ، وهو مخرج في "إرواء الغليل"
(1/79 - 81) ، ثم خرجت بعض طرقه وألفاظه في "الصحيحة" (3184) .
وأنكر ما فِي حَدِيثِ الترجمة أن يدخل إبليس بيت النبوة . والله المستعان .

6352 - ( يَنْزِلُ عيسى ابنُ مريمَ على ثمانمائةِ رجلٍ ، وأربعمائةِ
امرأةٍ ، خيارُ مَنْ على الأرضِ ، وأصلحُ مَنْ مضى ).
موضوع .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (3/329) من طريق الحسين
ابن عبدالرحمن: حدثنا محمد بن عمر: حدثنا سعيد بن بابك: سمع سعيد
المقبري عن أبي هريرة ... رفعه .
قلت : هذا موضوع ، آفته محمد بن عمر - وهو : الواقدي - : كذاب .
وشيخه سعيد بن بابك : لم أجد له ترجمة .
والحسين بن عبد الرحمن : لم أعرفه .
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية الديلمي . وسكت عنه كعادته .

6353 - ( مَنْ قضَى دَيْنَ والدَيهِ بعدَ موتِهما أو وَفَّى نذرَهُما ولم
يستسبَّ لهما ، فقد برَّهما وإن كان عاقاً لهما، ومن لم يقضِ دَينهما ولم يوف
نذرَهما واستسبَّ لهما ، فقد عقَّهُما وإن كان بهما بارَّاً في حياتِهِما ).
منكر .
أخرجه الشجري في "أماليه"(2/123) من طريق ثابت بن محمد

(13/789)


قال : حدثنا معلى بن خالد الرازي: قال : حدثنا محمد بن نعيم بن عبدالله
المجمر عن أبيه عن أبي هريرة ... مرفوعاً .
قلت وهذا إسناد ضعيف ، فيه علل:
الأولى : معلى بن خالد: أورده الذهبي في "الميزان" و"المغني" ، وقال:
"قال الأزدي : يتكلمون فِي حَدِيثِه" .
وساق له الأزدي الطرف الأول من هذا الحديث - كما في "اللسان" ، وقد
ترجم له ابن أبي حاتم (4/1/333 - 334) ، وأفاد أنه كان من الرواة عن سفيان
وشعبة ، ذكر أنه كان عنده عن سفيان نحو من عشرة آلاف حديث ، وعن شعبة
نحو ذلك . ثم قال :
نا محمد بن مسلم : نا أبو نعيم عن المعلى - وكان ثقة - عن عمرو بن سعيد" .
قلت : وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/182) بروايته عن الثوري وعنه ابن
مهدي ، وقد فات ذلك على الحفاظ !
والأخرى : محمد بن نعيم هذا : وَهُوَ مَجْهُولٌ - كما قال أبو حاتم ، وتبعه
الذهبي في "المغني" " - .
وأما الحافظ فقال في "التقريب" :
"مجهول الحال ".
وكأن ذلك لأنه ذكر في "التهذيب" أنه روى عنه الواقدي ، وإسماعيل بن
داود بن مخراق ، وإسماعيل بن أبي أويس . والواقدي وابن مخراق متروكان ،
فهل يخرج شيخهما بروايتهما مع ابن أبي أويس من جهالة العين؟ ذلك ما لا

(13/790)


أظنه ، ولا أعلم إن كان أحد تعرض لهذا البحث فيما أذكر . والغريب العجيب أن
ابن حبان أورده في "الثقات" (9/45) قائلاً :
"وروى عنه أبو عقيل"
ووجه الغرابة ليس هو أنه وثقه برواية ثقة عنه ، فهذا أمر معروف عنه ، وإنما
الوجه أن أبا عقيل هذا - واسمه : يحيى بن المتوكل - ضعيف باتفاقهم ، بل قال
ابن حبان نفسه في "الضعفاء" (3/116) :
"منكر الحديث ، ينفرد بأشياء ليس لها أصول... " .
والخلاصة : أن محمد بن نعيم هذا لم يرو عنه ثقة إلا إسماعيل بن أبي
أويس ، فهو مجهول ، وهو علة هذا الحديث وليس الراوي عنه . والله أعلم .

6354 - ( إذا أَطاقَ الغلامُ صومَ ثلاثةِ أيامٍ ، وَجَبَ عليه صومُ رمضانَ ).
منكر .
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (3/116) ، وأبو نعيم في "معرفة
الصحابة" (2/170/1) ، ومن طريقه الديلمي في "مسند الفردوس" (1/101) من
طريق جبارة بن مغلِّس قال: حدثنا يحيى بن العلاء عن يحيى بن عبدالرحمن
ابن لبيبة عن أبيه عن جده ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد واهٍ بمرة ، آفته يحيى بن العلاء ، متهم بالوضع ، وفي ترجمته
ساقه ابن حبان ، وقال :
"كان ممن ينفرد عن الثقات بالاشياء المقلوبات التى إذا سمعها من الحديث
صناعته ، سبق إلى قلبه أنه كان المتعمد لذلك".
وتقدمت له بعض الأحاديث الموضوعة ، فانظر مثلاً الحديث (46 و 321)
وغيرهما .

(13/791)


لكن جبارة بن مُغَلَّس : ضعيف - كما في "التقريب" و "الكاشف" - .
ويحيى بن عبدالرحمن ابن لبيبة : غير معروف هكذا ، وإنما أورده ابن أبي
حاتم منسوباً إلى جده : (أبي لبيبة) ، وقال :
"روى عن جده ، روى عنه مندل وحاتم بن إسماعيل ووكيع ". ثم روى عن
ابن معين أنه قال :
"ابن أبي لبيبة الذي يروي عنه وكيع ليس بشيء ". وعن أبيه أنه قال:
"ليس بقوي" .
وهكذا أورده الذهبي في "الميزان" : " ... أبي لبيبة" ، وكذا الحافظ في
"اللسان" لكن وقع فيه : (أبي كبشة) .. خطأ . وقد أعاده على الصواب تبعاً
للذهبي : "يحيى بن أبي لبيبة" منسوباً إلى جده الأعلى ، فقد بين ذلك البخاري
في "تاريخه" فقال (4/2/304) :
"يحيى بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي لبيبة المدني : عن أبيه عن جده
روى عنه حاتم بن إسماعيل".
وهكذا ترجمه ابن حبان في "الثقات" (7/609) ، وكذلك أعاده الذهبي ، ثم
العسقلاني ، وقال :
"هو يحيى بن عبدالرحمن منسوباً إلى الجد الأعلى تارة ، وهو : أبو لبيبة ، وإلى
الجد الأدنى تارة وهو : عبدالرحمن ".
وبناء على هذا الاختلاف ينتج اختلاف آخر ، وهو : هل صحابي الحديث هو
الجد الأدنى ، أو الأعلى ؟ولذلك أوردهما الحافظ في "الإصابة" في : (لبيبة) و : (أبي
لبيبة) ، وقد وفق بين هاتين النسبتين البخاري في "التاريخ" (1/151 - 152) ، ثم

(13/792)


ابن حبان في "الثقات" (7/369) ، فقالا - واللفظ لابن حبان - :
"محمد بن عبد الرحمن بن أبى لبيبة ، يروي عن سعيد بن المسيب ، روى
عنه محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، وهو الذي يقال له: محمد بن
عبدالرحمن بن لبيبة ، كان اسم أمه : (لبيبة) ، وكنية أبيه : (أبو لبيبة) " . زاد
البخاري:
"اسم أبي لبيبة : وردان".
وقد ذكره ابن حبان في (التابعين) أيضاً ، فقال (5/362) :
"محمد بن عبد الرحمن بن أبى لبيبة ، يروي عن سعد بن أبى وقاص . روى
عنه أسامة بن زيد".
كذا وقع له :"سعد بن أبي وقاص" ! وفي "التهذيب" :
"عمر بن سعد بن أبي وقاص " .. ولعله الصواب . وعليه فليس تابعياً ، وإلى
ذلك أشار الحافظ بقوله في "التقريب" :
"ضعيف ، كثيرالإرسال ، من السادسة" .
والخلاصة : أن يحيى بن عبدالرحمن هذا نسب في بعض الروايات إلى جده
عبدالرحمن ، وأن بينهما أباه محمداً ، فهو : يحيى بن محمد بن عبدالرحمن ابن
لبيبة ، أو: أبي لبيبة ، وأنه ضعيف ، ومثله أبوه محمد ، وإن وثقهما ابن حبان ،
وقد اختلط الأمر في ترجمتيهما ببعض الرواة عنهما ، فقد جاء في "تهذيب
المزي" والمشتقات منه أنه روى عن كل منهما حاتم بن إسماعيل ووكيع ، وأن ابن
معين ضعفهما !!

(13/793)


وأنا استبعد جداً أن يكون حاتم ووكيع أدركا الأب محمداً الذي روى عن
سعيد بن المسيب - كما تقدم - ، وروى عنه من هو أعلى طبقة من حاتم ووكيع ،
فإن الأول منهما من الطبقة الثامنة عند الحافظ ، ووكيع من كبار الطبقة التاسعة ،
ومحمد هذا روى عنه محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان- كما تقدم - وهو من
الطبقة السابعة ، بل وروى عنه من هو أعلى منه ، وهو ابن جريج عند ابن قانع
في كتابه "معجم الصحابة" (ج2- باب اللام/الفيلم) من طريق محمد بن
شرحبيل (1) عن ابن جريج عن محمد بن عبدالرحمن ابن لبيبة ... هكذا وقع
فيه: (لبيبة) ، خلافاً لما نقله الحافظ في "الإصابة" عن ابن قانع : (ابن أبي
لبيبة) . ولكل وجه ، كما تقدم عن ابن حبان ، ونحوه في "الجرح" (3/2/319) ،
وبالوجه الثاني ذكره الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين" (148/456) .
وقول المعلق عليه الأخ صبحي السامرائي :
"وقال يحيى : ليِّن ، حديثه ليس بشيء . الجرح والتعديل ... " إلخ ، لعله
سبق قلم منه ، فإنه ليس في "الجرح" ولا قي المصادر الأخرى التي قرنها بـ
"الجرح" قول يحيى : " ليِّن " .
وجملة البحث : أن نفسي لمتطمئن لذكرهم وكيعاً في الرواة عن محمد
هذا ، وعلى الرغم من قول الذهبي في "الميزان" :
"قلت : أدركه وكيع وطبقته ".
__________
(1) هو ابن جعشم الأنباري . ذكره ابن أبي حاتم برواية حافظين عنه ، وسكت عنه ،
وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/52) وقال : "مستقيم الحديث" . وضعفه الدارقطني - كما
في "الميزان" - .

(13/794)


لما علمت من أن وكيعاً ليس في طبقة محمد بن عبدالله بن عمرو ، وابن
جريج . فإن جاءت رواية صريحة بسماع وكيع منه ، فبها ، ويكون قد تأخرت وفاة
محمد هذا - فإن وكيعاً مات سنة (197) وله سبعون سنة - . وأما سماعه من ابنه
يحيى فقد صح عند أبي يعلى والبيهقي فِي حَدِيثِ آخر تقدم تخريجه في المجلد
العاشر (رقم 4543) .
وأما سماع حاتم بن إسماعيل منه فقد ورد في هذا الحديث بلفظ :
"من أطاق صيام ثلاثة أيام متتابعات ، فقد وجب عليه صيام رمضان".
أخرجه أبو نعيم من طريق الحسن بن فرج الغزي : ثنا هشام بن عمار: ثنا
حاتم بن إسماعيل : ثنا يحيى بن عبدالرحمن عن لبيبة عن جده ... به .كذا وقع
في "المعرفة" ليس فيه "عن أبيه" . وعلى اسم (عبد) وحرف (عن) ضبة ، كأن
الناسخ يشير إلى أن الأصل هكذا ، وإلى الخلاف المتقدم . والله أعلم .
ولحاتم عنه حديث آخر ، هو الآتي بعده .
وخلاصة القول فِي حَدِيثِ الترجمة : أنه لا يصح من قِبَل يحيى بن محمد
ابن عبدالرحمن بن أبي لبيبة[وأبيه] ، لضعفهما.

6355 - ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ
السَّابِعَةِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسَدُ اللَّهِ ، وَأَسَدُ رَسُولِهِ ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/163/2951) ، والحاكم
(3/198) من طريق حَاتِم بْن إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ
عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ... فذكره .
بيّض له الحاكم ، وقال الذهبي في "تلخيصه":

(13/795)


"قلت : يحيى واهٍ" . وقال الهيثمي في "المجمع" (9/268) :
رواه الطبراني ، ويحيى وأبوه لم أعرفهما ، وبقية رجاله رجال الصحيح".
كذا قال : "عن أبيه" ، وذلك لأنه قال في أوله:
"وعن يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ عَنْ جَدِّهِ... ".
قلت : ولم يقع في "المعجم" : (عن أبيه) . وكذلك هو في "مستدرك الحاكم" ،
فلا أدري إذا كانت الرواية هكذا وقعت عندهما ، أو أن الهيثمي وهم في ذكره تلك
الزيادة ، أو أنها ثابتة في نسخته من "المعجم" ، وهوالجادة - كما في الحديث الذي
قبله ، وما يأتي بعده - .
ويحيى وأبو ضعيفان ، وإنما لم يعرفهما الهيثمي ، لأنه نسب إلى جده - وهو :
يحيى بن محمد بن عبدالرحمن ،كما تقدم تحقيقه في الحديث الذي قبله - .

6356 - ( يَا رَبُّ هَذَا شَهِدْتُ عَلَى مَنْ أَنَا بَيْنَ ظَهْرَيْهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ أَرَ؟).
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(19/221/492) ، ومن طريقه
أبو نعيم في "المعرفة" (2/170/1) ، من طريق ابن أبي فُدَيْكٍ عَنْ يَحْيَى بن
عَبْدِالرَّحْمَنِ ابن لَبِيبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ:
أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ
بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} ، بَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:... فذكره
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، لضعف يحيى - وهو ابن محمد بن عبدالرحمن -
وأبيه - كما تقدم بيانه في الذي قبله - . وخفي ذلك على الهيثمي ، فقال في
"المجمع" (7/4 - 5) :

(13/796)


"رواه الطبراني ، وعبدالرحمن ابن لُبيبة ، لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات".
وهذا خطأ نشأ من عدم انتباهه أن عبدالرحمن هو: جد يحيى ، فإنه :يحيى
ابن محمد بن عبدالرحمن - كما تقدم بيانه - ، وأنها ضعيفان .
وللحديث شاهد من رواية فُضَيْلُ بن سُلَيْمَانَ الْبَصْرِيُّ :حَدَّثَنَا يُونُسُ بن مُحَمَّدِ
ابن فَضَالَةَ الظَّفَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ مِمَّنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ بني ظُفُرٍ، فَجَلَسَ عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي فِي
مَسْجِدِ بني ظُفُرٍ الْيَوْمَ ، وَمَعَهُ عَبْدُاللَّهِ بن مَسْعُودٍ، وَمُعَاذُ بن جَبَلٍ ، وَأُنَاسٌ مِنْ
أَصْحَابِهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِئاً فَقَرَأَ ، حَتَّى أَتَى عَلَى هَذِهِ الآيَةِ ...
(فذكرها) ، فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اضْطَرَبَ لَحْيَاهُ ، فَقَالَ:... فذكر الحديث .
قلت : جهالة حال يونس هذا : أورده البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان
في "ثقاته" (5/555) من رواية ابن ابنه إدريس بن محمد بن يونس عنه . ومن
الغريب أنهم لم يذكروا رواية يونس هذه وعنه فضيل بن سليمان .
نعم ، ذكرها ابن حبان قبل رواية أنس هذه بترجمة ! فكأنه يشير بذلك إلى
أنها إثنان : يونس بن محمد الذي روى عنه إدريس ، ويونس بن محمد الذي
روى عنه فضيل بن سليمان ، وهو واحد !
ومن غرائبه أنه أورده في المكان المشار إليه في "التابعين" ، ثم أعاده في مكان
آخر (7/647) ، فجعله من (أتباع التابعين) وقال:
"يروي عن جماعة من التابعين ، روى عنه أهل المدينة ، فمات سنة (155) ،
وهو ابن خمسين وثمانين".

(13/797)


والعلة الأخرى : فضيل بن سليمان - وهو : النميري - : قال الذهبي في
"المعني" :
"فيه لين ، قال أبو حاتم وغيره :ليس بالقوي ، وقال أبو زرعة : ليِّن ، وقال ابن
معين : ليس بثقة " . وقال الحافظ في "التقريب" :
"صدوق له خطأ كثير".
وقال في "مقدمة الفتح" (435) - بعد أن ذكر أقوال الجارحين المذكورة - :
"روى عنه الجماعة ، وليس له في البخاري سوى أحاديث توبع عليها " ، ثم
ذكرها مع بيان المتابعين له .
والحديث أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث ابن مسعود مختصراً ، وفيه
أنه هو الذي أمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقراءة ، وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكى عند الآية المذكورة ، وهومخرج
في "مختصر الشمائل" (277) ، وهو في "كبرى النسائي " (6/323/11105) ،
"ومصنف ابن أبي شيبة" (10/563 و 13/254 و 14/10 - 11) ،وأحمد (1/380
و 433) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/78 - 80) ، والبيهقي في "السنن"
(10/231) ، وقال ابن كثير في "التفسير" :
"وقد روي من طرق متعددة عن ابن مسعود ، فهومقطوع به عنه ".
هذا هو الصحيح الثابت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأما حديث الترجمة فمنكر ، لضعف
إسناده ومخالفته لهذا الصحيح ، وكذلك حديث محمد بن فضالة ، وقد عزاه
السيوطي في "الدر المنثور" (2/153) لابن أبي حاتم أيضاً ، والبغوي ، وقال:
"إسناده حسن" !
كذا قال ! وهو مردود بما تقدم .

(13/798)


6357 - ( بُلُّوا أرحامَكم بالسَّلام ، ولو في السَّنَةِ مرةً واحدةً ).
موضوع الشطر الثاني .
أخرجه الشجري في "الأمالي " (2/126) من طريق
أحمد بن عبدالمنعم أبي نصر قال : حدثنا عمرو بن شَمر قال : حدثني جعفر بن
محمد عن أبيه عن جابر بن عبدالله ... مرفوعاً .
قلت : وهذا موضوع ، آفته عمرو بن شمر - وهو : الجعفي الكوفي الشيعي أبو
عبدالله ، وهو - متهم بالكذب . قال ابن حبان (2/75) :
"كان رافضياً يشتم أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكان ممن يروي الموضوعات عن
الثقات".
قلت : وقد روى الحديث من طرق يقوي بعضها بعضاً ، وليس فيها هذه الزيادة
"ولو في السنة ..." ، وهو مخرج في "الصحيحة" (1777) ، فدل ذلك على وضعها .
والله أعلم .

6358 - ( نِعم الجَمَالُ الشَّعَرُ الحسنُ ، يكسوه الُله الرجلَ المسلمَ ) .
ضعيف .
أخرجه ابن عبدالبر في "التمهيد" (24/13) من طريق ابن وهب
قال : أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
قلت هذا إسناد حسن ، للخلاف المعروف في هشام بن سعد ، ولكنه مرسل ،
لأن زيد بن أسلم مولى ابن عمر ، تابعي وكان يرسل كثيراً ، فالحديث إذن ضعيف .

6359 - ( مَنْ صافحَ عبداً صالحاً أو عانقه ، أَوْجَبَ اللهُ له الجنةَ ،
وكأنما صافَح أركانَ العرشِ ، فإن عانقه ، غُفِرَتْ ذنوبُه ، ودخلَ الجنةَ
بغيرِ حسابٍ ) .
موضوع .
أخرجه الديلمي عن جعفر الأبهري : أنبأ إسماعيل بن الحسين

(13/799)


الغازي عن أبي بكر أحمد بن سعيد بن نصر بن بكار عن أبي الفضل محمد
ابن داود عن سعيد بن عبدالرحمن المخزومي عن ابن عيينة عن الزهري عن عروة
عن عائشة قالت : قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
ذكره السيوطي في "ذيل الأحاديث الموضوعة" (124/842) ، ولم يتكلم على
إسناده بشيء ، وقال ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/314) :
"قلت : لم يبين علته ، وفيه أبو بكر أحمد بن سعيد بن نصر بن بكار ، لم
أقف له على ترجمة ، عن محمد بن داود ، وفي الثقات والمجروحين محمد بن داود
جماعة ، ولا أدري أيهم هذا ".
وأقول : ليس في الجماعة الذين أشار إليهم من كنيته أبو الفضل كهذا ،
فمنهم من كني بغير هذه الكنية ، ومنهم من لم يُكنَّ مطلقاً فالظاهر أنه كأبي بكر
الراوي عنه ليس له ترجمة معروفة في شيء من المصادر التي تحت يدي ،
فأحدهما هو الآفة لهذا الحديث ، فإن لوائح الوضع عليه ظاهرة ، هذا إن سلم من
جعفر الأبهري - وهو : ابن محمد بن الحسن الأبهري ثم الهمداني المتوفى سنة
(428) - ، فقد كان - مع توثيق شهرويه مؤلف "الفردوس" له - زاهداً مبالغاً فيه ،
فقد ترجمه الذهبي في "السير" ، فقال - بعد أن حكى توثيقه المذكور - :
"قِيْلَ:إِنَّهُ عَمل لَهُ خلوَةً ، فَبَقِيَ خَمْسِيْنَ يَوْماً لاَ يَأْكُلُ شَيْئاً ! وَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ هَذَا
الجوع المُفْرِط لاَ يَسُوَغُ ، فَإِذَا كَانَ سَرْدُ الصِّيَامِ وَالوصَالُ قَدْ نُهِي عَنْهُمَا، فَمَا الظَّنُّ ،
وَقَدْ قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "اللَّهُمَّ ! إِنِّيْ أَعوذُ بِكَ مِنَ الجُوعِ ، فَإِنَّهُ بِئسَ الضَّجِيعُ" ؟! (1)
ثُمَّ قَلَّ مَنْ عَمل هَذِهِ الخَلَواتِ المُبْتَدعَة إِلاَّ وَاضطرَبَ، وَفَسَدَ عَقْلُه ، وَجفَّ
__________
(1) هذا طرف حديث حسن مخرج في "المشكاة" (2469) ، و"صحيح أبي داود" (1783) .

(13/800)


دمَاغُه ، وَرَأَى مرَأْئي ، وَسَمِعَ خِطَاباً لاَ وُجودَ لَهُ فِي الخَارج ، فَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّناً مِنَ
العِلْمِ وَالإِيْمَان ، فَلَعَلَّهُ ينجُو بِذَلِكَ مِنْ تَزَلْزُل توحيدِهِ ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً بِالسُّنَن
وَبقَواعد الإِيْمَان ، تَزَلْزَلَ تَوحيدُه ، وَطمع فِيْهِ الشَّيْطَانُ ، وَادَّعَى الوُصُوْلَ ، وَبَقِيَ عَلَى
مَزلَّةِ قَدِمَ ، وَرُبَّمَا تزَنْدَقَ وَقَالَ: أَنَا هُو ! نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّفسِ الأَمَّارَة ، وَمن الهوَى ،
وَنسأَلُ اللهَ أَنْ يحْفَظَ عَلَيْنَا إِيْمَانَنَا ، آمِين ".

6360 - ( عَاتِبُوا (1) الْخَيْلَ ، فَإِنَّهَا تُعْتِبُ ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/132/7529) ، وابن عدي
في "الكامل" (6/288) من طريق إِبْرَاهِيم بن الْعَلاءِ : ثَنَا بَقِيَّةُ بن الْوَلِيدِ عَنْ
مُحَمَّدِ بن زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، وله علتان :
الأولى : عنعنة بقية ، فإنه مدلس معروف .
والأخرى : إبراهيم بن العلاء - وهو : أبو إسحاق الزبيدي المعروف بـ (زبريق)
الحمصي - : وهو صدوق - كما قال ابن أبي حاتم (1/121) عن أبيه - ، وذكره ابن
حبان في "الثقات" (8/71) ، وقد اتهموا بهذا الحديث ابناً له يقال له : محمد بن
إبراهيم ، وفي ترجمته أورده ابن عدي بلفظ : "استعتبوا الخيل تعتب" ، فقال:
" سمعت أحمد بن عمير يقول : سمعت محمد بن عوف - وذكر له حديث
إبراهيم بن العلاء عن بقية ... (الحديث) - ، فقال رأيته على ظهر كتابه ملحقاً ،
فأنكرته ، وقلت له ، فتركه . قال ابن عوف : وهذا من عمل ابنه محمد بن إبراهيم
كان يسرق الأحاديث ، فأما أبوه فشيخ غير متهم ، لم يكن يفعل من هذا شيئاً".
__________
(1) أي : أدِّبوها وروِّضوها للحرب ، والركوب ، فإنها تتأدب وتقبل العتاب . "نهاية".

(13/801)


ثم قال ابن عدي في إبراهيم .
"حديثه عن إسماعيل بن عياش وبقية وغيرهما مستقيمة ، ولم يُرْمَ إلا بهذا
الحديث ، ويشبه أن يكون من عمل ابنه - كما ذكره ابن عوف- ".
ونقله عن ابن عدي الهيثميُّ في "المجمع" (5/262) ، والحافظ في "التهذيب"
(1/[159]) وأقراه .

6361 - (إن شَرِّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، مَنْ يخافُ
الناسُ شَرَّه ) .
ضعيف جداً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/23/2) ، وابن عدي
في "الكامل" (5/164) بسند واحد عن عثمان بن مطر الشيباني عن ثابت البناني
عن أنس بن مالك :
أن رجلاً أقبل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأثنوا عليه شراً ، فرحب به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلما
قفَّى ، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . ولفظ ابن عدي:
"من يخاف لسانه ، ويخاف شره" . وقال الطبراني:
"لم يروه عن ثابت إلا عثمان ، ولا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد ".
قلت : وهو ضعيف جداً ،قال الهيثمي (8/17) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه عثمان بن مطير ! وهوضعيف جداً ".
وذكره ابن عدي ثم الذهبي في جملة ما أنكر عليه من الأحاديث .
والحديث في "الصحيحين" وغيرهما من حديث عائشة نحوه بلفظ :
"من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه".

(13/802)


وهو مخرج في "الصحيحة" (1049) .
وقد سرق بعض الكذابين هذا الحديث ، فرواه بلفظ آخر وهو الآتي :

6362 - ( إنَّ شِرارَ الناسِ عند اللهِ الذين يُكْرَمُونَ اتقاءَ شَرِّهم ) .
موضوع .
أخرجه ابن عبدالبر في "التمهيد" (24/262) من طريق محمد
ابن محمد بن الأشعث الكوفي قال : حدثني موسى ابن إسماعيل بن موسى بن
جعفر بن محمد قال : حدثني أبي(قلت : فساق إسناده عن آل البيت) عن علي بن
أبي طالب ... مرفوعاً .
قلت :سكت عنه ابن عبدالبر ، وكأن ذلك لوضوح علته ، فقد قال الدارقطني
في ابن الأشعث هذا :
"آية من آيات الله ، وضع ذاك الكتاب . يعني: العلويات ".
قلت : وقد ساق له منها ابن عدي جملة موضوعات (6/301 - 302) .
وشيخه موسى بن إسماعيل وأبوه إسماعيل : لم أعرفهما .

6363 - ( إن اشرارَ أمتي اجرؤهم على صحابتي ) .
موضوع .
أخرجه ابن عدي (7/297) ، وأبو نعيم في "الحلية" (2/183) من
طريق محمد بن الخطاب : حدثنا عبدالله بن الوليد : ثنا أبو بكر بن أبى سبرة عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ... مرفوعاً . وقال أبو نعيم :
"غريب من حديث عروة وهشام ، تفرد به أبو بكر بن أبي سبرة ، وهو مدني
صاحب غرائب ".

(13/803)


قلت: بل هو أسوأ حالاً مما ذكر ، فقد طوَّل ابن عدي ترجمته ، وذكر فيها أقوال
الأئمة الجارحة ، ثم ختمها بقوله بعد أن ساق له أحاديث منكرة :
"وله غير ما ذكرت من الحديث ، وعامة ما يرويه غير محفوظ وهو في جملة
من يضع الحديث" .
ومحمد بن الخطاب : مجهول الحال ، كما تقدم بيانه تحت حديثه المنكر :
"إذا ذلت العرب ، ذل الإسلام ".
فراجع إن شئت [ "الضعيفة" (163)] .
والحديث اقتصر المناوي في كتابيه على تضعيف إسناده ، دون أن يبيِّن علته ،
وكأنه اعتمد على القاعدة فيما تفرد بروايته ابن عدي ، ولم يقف على إسناده ،
وإلا ، لكان رأيه غير ذلك .
وكنت اعتمدت عليه في التضعيف في "ضعيف الجامع" للسبب نفسه ،
والآن وقد وقفت على إسناده ، وعرفت علته المقتضية للحكم عليه بالوضع ، فقد
رجعت عن الاقتصار على التضعيف ، إلى الحكم بالوضع ، وصححت نسختي من
"ضعيف الجامع" إعداداً لطبعه مجدداً بتحقيقات كثيرة جداً ، وبخاصة أن الناشر
السابق زهير الشاويش الظالم قد عبث به في طبعته الجديدة وغيَّر وبدَّل . هداه الله .

6364 - ( أَكْرِمِيهِ ، فَإِنَّهُ مِنْ أَشْبَهِ أَصْحَابِي بِي خُلُقاً ) .
ضعيف .
أخرجه الحاكم (4/48) ، وعبدالله بن أحمد في "الفضائل" ، والطبراني
في "المعجم الكبير" (1/32/99) من طريق مُحَمَّدِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن بن عمرو بن عثمان
عن الْمُطَّلِبِ بن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ :

(13/804)


دَخَلْتُ عَلَى رُقَيَّةَ بنتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي يَدِهَا
مُشْطٌ فَقَالَتْ : خَرَجَ مِنْ عِنْدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آنِفاً رَجَّلْتُ رَأْسَهُ ، فَقَالَ :
"كَيْفَ تَجِدِينَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ " ،
قُلْتُ : كخَيْرِ الرجال . قَالَ : ... فذكره . وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد ، واهي المتن ، فإن رقية ماتت سنة ثلاث من الهجرة
عند فتح بدر ، وأبو هريرة إنما أسلم بعد فتح خيبر . والله أعلم".
قلت : ووافقه الذهبي ، وخفي عليه علة إسناده - فقالا ما تقدم - ، وهي عنعنة
المطلب بن عبدالله ، فإنه كثير التدليس والإرسال - كما في "التقريب " - ، وهو ممن
فات الحافظ إيراده في رسالته الخاصة بـ "المدلسين" ، وقد وصفه بالتدليس شيخه
الهيثمي في "مجمعه" (3/100) - كما نبه على ذلك الأخ القريوتي في "ملحقه"
الذي ذيل به على رسالة الحافظ (66/171/19) ، جزاه الله خيراً - . ومن الغرائب أن
عامة الرسائل الؤلفة في المدلسين ، سواء ما كان منها للمتقدمين كالذهبي في
"أرجوزته" ، أو الشيخ حماد الأنصاري المسماة بـ "إتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي
بالتدليس من الشيوخ" ، كلهم قد فاتهم ذكره ، مع أن ترجمته المبسطة في "التهذيب"
تقتضي حشره فيهم ، كقول ابن سعد في "الطبقات" (ص 116 - القسم المتمم) :
"وكان كثير الحديث ، وليس يحتج بحديثه ، لأنه يرسل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً ،
وليس له لقي ،وعامة أصحابه يدلسون"!
وكذلك قول ابن أبي حاتم في "كتاب المراسيل" (ص 128) :
"سمعت أبي وذكر المطلب بن عبدالله بن حنطب فقال :
عامة روايته مرسل ، وروي عن عبادة مرسلاً ، لم يدركه ، وعن أبي هريرة

(13/805)


مرسل ، روى عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ وابن عمر ، لا ندري أنه سمع منهما أم لا ؟ لا يذكر
الخبر..." .
ونقل الذهبي في "الميزان" عنه الجملة الأولى فقال :
"قال أبو حاتم : عامة حديثه مراسيل".
فانكشف الأمر - والحمد لله - ، وظهر أن علة الحديث الانقطاع في سنده بين
المطلب وأبي هريرة .
وأما الهيثمي فأعله بشيء آخر فقال (9/81) :
"رواه الطبراني ، وفيه محمد بن عبدالله ، يروي عن المطلب ، ولم أعرفه ،
وبقية رجاله ثقات".
قلت : وإنما لم يعرف محمد بن عبدالله هذا ، لأنه هكذا وقع عند الطبراني غير
منسوب إلى جده : (عمرو بن عثمان) ، ولو أنه رجع إلى "المستدرك" ، لوجده منسوباً
هكذا - كما تقدم - ، وإذن لعرفه ، وقد وثقه العجلي وابن حبان (7/417) وقال :
"في حديثه عن أبي الزناد بعض المناكير " . وقال البخاري في "التاريخ"
(1/1/139) :
"عنده عجائب" . وقال ابن الجارود - كما في "التهذيب" - :
"ولا يكاد يتابع على حديثه" .
وهذا نسبه الذهبي في "الميزان" (3/593/7744) للبخاري . فالله أعلم .
وقال في "الكاشف" :
"وثقه النسائي مرة ، ومرة قال : ليس بالقوي" . وأما الحافظ فقال في "التقريب" :
"صدوق" .

(13/806)


وعلى ما تقدم يمكن اعتبار الخلاف المذكور في ابن عمرو بن عثمان هذا علة
أخرى في الحديث . والله أعلم.
ثمساق الحاكم طريقاً أخرى للحديث عن أبي هريرة ، فيها عبدالمنعم بن
إدريس : حدثني أبي بسنده عنه .
وسكت عنه الحاكم لظهور وهائه ، فإن عبدالمنعم هذا : قال ابن حبان :
"كان يضع الحديث على أبيه وغيره".
وله شاهد عند الطبراني قال (1/31/98) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عُثْمَانَ بن أَبِي
شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يُونُسَ : حَدَّثَنَا عَبْدُالْمَلِكِ بن عَبْدِاللَّهِ - وَلَدُ قَيْسِ بن
مَخْرَمَةَ بن عبدالْمُطَّلِبِ - عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بن عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ :
أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ وَهِي تَغْسِلُ رَأْسَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
فَقَالَ :
يَا بنيَّةُ ! أحْسِني إِلَى أَبِي عَبْدِاللَّهِ فَإِنَّهُ أَشْبَهُ أَصْحَابِي بِي خُلُقاً ".وقال
الهيثمي :
"رواه الطبراني ، ورجاله ثقات".
كذا قال ، وهو إن كان سالماً من نكارة المتن التي ذكرها الحاكم فِي حَدِيثِ
الترجمة ، فإن في توثيقه الهيثمي المذكور نظراً من وجهين :
الأول ، أن شيخ الطبراني ، ابن أبي شيبة هذا مختلف فيه ، بل إن بعضهم
كذبه ، ولذلك أورده الذهبي في "الضعفاء والمتروكين" وقال:
"حافظ ، وثقه جزرة ، وكذبه عبدالله بن أحمد" . وقال غيره :
"كان يضع الحديث " ، انظر "السير" (14/21 - 23) .

(13/807)


والآخر عبدالملك بن عبدالله بن قيس بن مخرمة : لم أجد له ترجمة فيما لدي
من المصادر ، وقد ترجم الحافظ لأبيه في "التهذيب" ، وذكر في الرواة عنه ابنيه
محمداً ومطلباً ، ولم يذكر معهما ابنه عبدالملك هذا ، فلا أدري من أين أخذ
الهيثمي توثيقه ، أم هو الوهم الذي لا يخلو منه إنسان ؟
(تنبيه) : لقد خفيت علة الحديث على الفاضل المعلق على "فضائل الصحابة"
فقال:
"إسناده صحيح"!
والغريب أنه ترجم لجل رواته غير محمد بن عبدالله وشيخه المطلب ، اللذين
هما موضوع العلة !

6365 - ( نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُصَافَحَةِ مِنْهُمْ . يعني: العَجَمَ ) .
منكر .
أخرجه الروياني في "مسنده" (ق 87/2) ، وابن عدي في "الكامل"
(5/143) ، والدولابي في "الكنى" (1/107) من طريق عَمْرو بْن حَمْزَةَ : نا الْمُنْذِرُ
ابْنُ ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ :
لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَافَحَنِي ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ هَذَا
مِنْ زِيِّ الْعَجَمِ . فَقَالَ : ... فذكره ، وزاد :
"مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ الْتَقَيَا فَتَصَافَحَا ، إِلَّا تَسَاقَطَتْ ذُنُوبُهُما بَيْنَهُمَا".
ذكره ابن عدي في ترجمة عمرو هذا ، وقال :
"مقدار ما يرويه غير محفوظ".
قلت : وهو غير مشهور بالرواية ، وقد أورده ابن أبي حاتم في كتابه ولم يذكر
فيه جرحاً ولا تعديلاً .

(13/808)


وساق له البخاري هذا الإسناد في "التاريخ" (3/2/325) مشيراً إلى هذا
الحديث ، وقال:
"لا يتابع فِي حَدِيثِه".
وقال ابن خزيمة في "صحيحه" (3/189/1885) - وقد روى له حديثاً - رواه
العقيلي أيضاً (3/266) :
إن صح الخبر ،فإني لا أعرف عمرو بن حمزة بعدالة ولا جرح" .
وأما ابن حبان فذكره في "الثقات" (8/479) !
لكن الزيادة قد رويت من طريقين آخرين عن البراء ، يمكن الاستشهاد بأحدهما ،
وله شاهد من حديث أنس ، وآخر من حديث حذيفة نحوه ، وهما مخرجان في
"الصحيحة" (525 و 526) .
(تنبيه) : أورد الحافظ في "الفتح" (11/55) حديث الترجمة من طريق
الروياني ، وسكت عنه ، وذلك منه تقوية له ، فإن كان يعني الزيادة دون حديث
الترجمة فهو مقبول لما ذكرت له من المتابعات والشواهد ، وإلا فهو مردود .

6366 - ( كَانَ يُصَلِّى ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى
إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ قُبِضَ حِينَ قُبِضَ ، وَهُوَ يُصَلِّى مِنَ
اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ ، آخِرُ صَلاَتِهِ مِنَ اللَّيْلِ الْوِتْرُ ، ثم ربما جاءَ إلى
فراشي هذا ، فيأتيه بلالٌ ، فَيُؤْذِنُه بالصلاة ) .
شاذ بهذا السياق .
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (2/193/1168) ، ومن
طريقه ابن حبان في "صحيحه" (4/136 - 137/2612 - الإحسان) من طريق

(13/809)


مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وهو الغداني ، الذي يقال له : الأشل - عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ
الْهَمْدَانِىِّ عَن مسروق : أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا فَسَأَلَهَا عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
فَقَالَتْ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم ، لكن له علتان :
الأولى : أبو إسحاق الهمداني - هو : عمرو بن عبدالله السبيعي ، و - : كان
اختلط ، وهو إلى ذلك مدلس وقد عنعن .
والأخرى منصور بن عبدالرحمن الغداني : فيه كلام من قبل حفظه ، قال
عبدالله بن أحمد في "العلل" (1/135) :
"سألت أبي عنه ؟ فقال : صالح ، روى عنه شعبة " . وقال في مكان آخر عنه
(1/367) :
"هو ثقة ، إلا أنه خالف في أحاديث" . وقال ابن أبي حاتم (4/1/175) عن
أبيه :
"ليس بالقوي ، يكتب حديثه ، ولا يحتج به".
ووثقه ابن معين وغيره ، وقال ابن حبان في "الثقات" (7/476) :
"وكان تقياً نقياً" . ولخص كلامهم الحافظ كعادته في "التقريب" :
"صدوق يهم" .
قلت : ويبدو لي - والله أعلم - أن هذا الغداني ، أو شيخه أبو إسحاق وَهِم في
متن الحديث وسياقه بهذا التفصيل الذي لا نجد له أصلاً في شيء من طرق
الحديث ، لا عن عائشة ، ولا عن غيرها ممن روى عدد ركعاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليل ، بل

(13/810)


إن أبا إسحاق قد خالفه يحيى بن وثاب المتفق على توثيقه فقال:
عن مسروق قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ ؟ فَقَالَتْ :
سَبْعٌ ، وَتِسْعٌ ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ ، سِوَى رَكْعَتِي الْفَجْرِ.
أخرجه البخاري في "صحيحه" (رقم 1139) ، فلم يذكر التفصيل المشار إليه ،
فهو منكر . ولذلك قال الحافظ في "شرحه" (3/20) :
"مُرَاد عائشة أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ فِي أَوْقَات مُخْتَلِفَة ، فَتَارَة كَانَ يُصَلِّي سَبْعاً ،
وَتَارَة تِسْعاً ، وَتَارَة إِحْدَى عَشْرَة".فلم يعرج على الترتيب المذكور .
وإن مما يؤكد الوهم أن في بعض الطرق عن عائشة من سؤال سعد بن هشام
ابن عامر إياها ، جاء في آخره :
فلما أسنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخذ اللحم ، أوتر بسبع ، ثم يصلي ركعتين بعدما
يسلم ، فتلك تسع .
أخرجه مسلم وغيره ، وهو مخرج في "صلاة التراويح" (ص 109) ، وهو مخرج
أيضاً في "صحيح أبي داود" (1213 و 1214) .
هذا وقد أخرج الحديث أبو داود أيضاً (1363) بنفس إسناد ابن خزيمة وشيخه
مؤمل بن هشام اليشكري : نا إسماعيل ابن علية عن الغداني ... به ، إلا أنه
جعل : (الأسود بن يزيد) .. مكان : (مسروق) ! وللضعف الذي فيه والمخالفة المشار
إليها أوردته في " ضعيف سنن أبي داود" (242) .
وصلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث عشرة ركعة في الليل ثابت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من رواية جمع من

(13/811)


الصحابة ، وفيها أنه كان منها ركعتان خفيفتان بهما صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي
مخرجة في "صلاة التراويح" (86) .
والحديث قال المعلق على "الإحسان" (6/350 - طبعة مؤسسة الرسالة) :
"رجاله ثقات رجال الصحيح ، وهو في "صحيح ابن خزيمة) " ! ولم يزد!

6367 - ( أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ عِنْدَ اللَّهِ : إِيمَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَغَزْوٌ لَا غُلُولَ
فِيهِ ، وَحَجٌّ مَبْرُورٌ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : حِجةٌ مَبْرُورةٌ تُكَفِّرُ الخَطَايَا سَّنَةِ ).
منكر بهذا اللفظ وقول أبي هريرة .
أخرجه الطيالسي في "مسنده" (329/
518) : حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ : سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : سمعت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : ... فذكره .
ومن طريق هشام - وهو : الدستوائي - أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (7/59/
4578) ، وأحمد (2/258 و 442 و 521) ، من طرق عنه . وقال ابن حبان :
« أبو جعفر هذا هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ».
كذا قال ! وقد رده الحافظ - كما تقدم بيانه تحت الحديث المتقدم (596)
["الصيحيحة"] ، فلا داعي للإعادة - وخلاصة ذلك أن أبا جعفر هذا ليس هو
محمد بن علي هذا ، لأنه لم يدرك أبا هريرة ، وهو قد صرَّح هنا بسماعه منه ، فهو
إذن غيره ، وَهُوَ مَجْهُولٌ ، فهو علة هذا الإسناد ، وقد خفيت على الشيخ شعيب أو
بعض أعوانه ، فزعم في تعليقه على الحديث (10/458) أن :
"إسناده صحيح على شرط الشيخين "! مغتراً بقول ابن حبان المذكور !وغير
متنبه أنه لو سُلِّم بصحة قوله أن العلة حينئذ الانقطاع ، لأن محمداً هذا ما ...(*)
__________
(*) في الأصل كلمة لم نتبيَّن رسمها بما يناسب المقام هنا ، ولعلها : " يُراه " .. أي : ابن
حبان. والمعنة واضح إن شاء الله . (الناشر) .

(13/812)


أن يسمع من أبي هريرة ، لأنه ولد فريباً من سنة وفاة أبي هريرة - كما يستفاد من
ترجمته إياهما في "ثقاته" (3/284) و (5/348) - ، بل من المحتمل أنه ولد بعد
وفاته ، على ما قرره الحافظ في ترجمته من "التهذيب" . فمن شاء رجع إليه .
ثم إن الحديث قد جاء عن أبي هريرة من غير وجه ، وليس فيه ذكر الغلول ولا
تكفير سنة ، حتى عند ابن حبان نفسه ، فقد أخرجه عقب هذا (4579) من طريق
محمد بن عمرو : حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
أَنَّه سُئِلَ : أَيُّ الْأعْماَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ :
"إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قالَ: ثُمَّ أي ؟ قَالَ :
"الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " . قالَ ثُمَّ أي ؟ قَالَ :
"حَجٌّ مَبْرُورٌ" .
وهكذا رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/301) ، وأحمد (2/287) ،
والترمذي (1658) ، وقال :
"حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبي شيبة (5/301) دون : (السنام) !
وتابعه سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ... به ، دون : (السنام).
أخرجه أحمد (2/264) ، والبخاري (26 و 1519) ، ومسلم (1/67) ، وأبو
عوانة (1/61 - 62) وغيرهم .
ثم إن قول أبي هريرة :
"حِجةٌ مَبْرُورةٌ تُكَفِّرُ الخَطَايَا سَّنَةِ" .. تخالف أيضاً حديثه الصحيح الذي رواه
أبو حازم عنه مرفوعاً بلفظ :

(13/813)


"من حج فلن يرفث ولم يفسق ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
رواه الشيخان وغيرهما ، وهو مخرج تحت الحديث (4586) .
(تنبيه) : لقد اختلط على الهيثمي في "موارده" إسناد حديث أبي سلمة المذكور
بمتن حديث الترجمة ، فركبه عليه برقم (1591) ، وبذلك ظهر الحديث حسن
الإسناد ! هذا من جهة .
ومن جهة أخرى : فإنه لم يسق متن حديث أبي سلمة المتقدم ، مع أنه على
شرطه ، لأن فيه تلك الزيادة : "سنام العمل" ، وليست عند الشيخين . فاقتضى
التنبيه !
ثم إن هذه الزيادة قطعة من حديث معاذ الذي أوله :
"لقد سألتني عن عظيم ... " الحديث ، وهو مخرج في "الإرواء" (2/138/
413) ، فأخشى أن تكون مدرجة فِي حَدِيثِ أبي سلمة . والله سبحانه وتعالى أعلم.

6368 - ( لَيْسَ عَلَيْكَ، إِنَّ الشَّامَ يُفْتَحُ ، وَيُفْتَحُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، فَتَكُونُ
أَنْتَ وَوَلَدُكَ أَئِمَّةً فِيهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، يعني : شَدَّادَ بن أَوْسٍ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/347/7162) ، وابن عساكر
(8/2 - 3) من طريق مُحَمَّد بن عَبْدِالرَّحْمَنِ بن شَدَّادِ بن مُحَمَّدِ بن شَدَّادٍ
(كذا) قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ شَدَّادِ بن أَوْسٍ: أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ يَجُودُ بنفْسِهِ ، فَقَالَ:
"مَالَكَ يَا شَدَّادُ ؟" قَالَ: ضَاقَتْ بِيَ الدُّنْيَا، فَقَالَ: ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، محمد بن عبدالرحمن وأبوه مجهولان ، وقد قال
ابن أبي حاتم في ترجمة الابن :

(13/814)


"سألت أبي عنه ؟ فقال هو وأبوه لا يعرفان ، وحديثه عن أبيه عن جده شداد
ابن أوس منكر " . وأقره الذهبي ثم العسقلاني .
قلت : وهو يشير إلى هذا الحديث .
وقال الهيثمي في "المجمع" (9/411) :
"رواه الطبراني ، وفيه جماعة لم أعرفهم" .
كذا قال! وإنما هما إثنان فقط ، ويشير بالثالث إلى شداد بن محمد بن شداد ،
وليس لهذا ذكر في شيء من كتب الرجال فيما علمت ، وفي ظني أنه مقحم في
هذا الإسناد ، فإنه لم يذكر في إسناد ابن عساكر ، وهو عنده من طريق أخرى عن
محمد بن عبدالرحمن .

6369 - ( طُوفِي عَلَى رِجْلَيْكِ سَبْعَيْنِ : سَبْعاً عَلى يَدَيْكِ وَسَبْعاً عَلى رِجْلَيْكِ ) .
منكر .
أخرجه الدارقطني في "سننه" (2/273/173) من طريق أَحْمَد بْن
مُحَمَّدِ بْنِ رِشْدِينَ : حَدَّثَنِى عَبْدُالْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَدِيجٍ الْكِنْدِىُّ ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِالْعَزِيزِ
ابْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ حَدِيجٍ (1) :
أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أُمُّهُ كَبْشَةُ بِنْتُ مَعْدِي كَرِبَ عَمَّةُ الأَشْعَثِ
__________
(1) بمهملة ثم جيم مصغراً ، كذا في "الإصابة" ، وذكر أنهم اختلفوا في صحبته . وهذا
الحديث صريح في إثباتها لو صح إسنادها . ووقع في "الدارقطني" (خديج) بالخاء المعجمة !

(13/815)


ابْنِ قَيْسٍ ، فَقَالَتْ أُمُّهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّى آلَيْتُ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَبْواً ! فَقَالَ
لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف مظلم ، ما بين ابن رشدين وعبدالرحمن بن معاوية
لم أجد لهم ترجمة .
وأما ابن رشدين : فله ترجمة واسعة في "الميزان" و "اللسان" ، ضعفه ابن
عدي ، ومنهم من كذبه .
وعبدالرحمن بن معاوية بن حديج أورده البخاري وابن أبي حاتم برواية عقبة
ابن مسلم عنه ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . ومع ذلك فقد ذكره ابن حبان
في "الثقات" (5/104) !
والحديث ما خلا منه "الجامع الكبير" للسيوطي ، و"الجامع الصغير" له ، و
"الزيادة عليه" له أيضاً ، و "الجامع الأزهر " للمناوي .

6370 - ( الاسْتِئْنَاسُ ! أَنْ تَدْعُوَ الْخَادِمَ حَتَّى يَسْتَأْنِسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
الَّذِينَ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِمْ ) .
موضوع .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (4/212/4064) من طريق
سَعِيد بن عَنْبَسَةَ : ثَنَا الْقَاسِمُ بن مَالِكٍ عَنْ وَاصِلِ بن السَّائِبِ عَنْ أَبِي سَوْرَةَ عَنْ
أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَن َّالنَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد واهٍ بمرة ، واصل بن السائب وأبو سورة : ضعيفان .
وسعيد بن عنبسة - وهو : الرازي - : متروك ، قال الذهبي في "المغني" :
"كذبه ابن معين وغيره" .

(13/816)


وقد خولف في متنه : فقال ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/607/5726):
[ثنا] عبدالرحيم بن سليمان عن واصل بن السائب به ، ولفظه :
قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ !هَذَا السَّلامُ فَمَا الاسْتِئْنَاسُ ؟ قَالَ : يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ
بتَسْبِيحَةٍ أو تَكْبِيرَةٍ أو تَحْمِيدَة (1) وَيَتَنَحْنَحُ ، ويُؤْذِنُ أَهْلَ الْبَيْتِ " .
ومن طريق ابن أبي شيبة رواه ابن ماجه (3707) ، والطبراني في "الكبير"
(رقم 4065) ، وابن أبي حاتم - كما في تفسير ابن أبي كثير" (3/281) - ، وقال :
"هذا حديث غريب " .
قلت : وذلك لما عرفت من ضعف واصل بن السائب وشيخه أبي سورة . ولكنه
أصح من الذي قبله ، لخلو إسناده من مثل ذلك الكذاب ، ولمطابقته لبعض الآثار
السلفية في تفسير قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم
حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون} [النور : 27] .
(تنبيه) : لفظة: (الاستئناس) في رواية ابن أبي شيبة ، هكذا وقعت في
"مصنفه"، وفي كل المصادر المذكورة التي روته من طريقه ، إلا "سنن ابن ماجه" ،
فإنه فيه بلفظ : "الاسئذان" ! وهو خطأ يقيناً ، لمخالفتها لما ذكرنا ، ولما في "الدر
المنثور" (5/38) وقد عزاه لمصدرين آخرين ، كما هو مخالفة لرواية ابن ماجه نفسها
في "تحفة الأشراف" للحافظ المزي .
ولم يتنبه لهذا الخطأ ولغيره المعتدي عليَّ في مقدماته ، وعلى كتبي في
تعليقاته ، والعابث فيها والمشوه لتحقيقاتي وتخريجاتي وعلمي مما يحتاج للكشف
عن ذلك إلى تأليف مجلدات ، ولكن الأمر أهون من ذلك كما قيل : "هذا الميت لا
__________
(1) الأصل : (و) .. في المواضع الثلاثة ، والتصحيح من تفسير ابن كثير" .

(13/817)


يستحق هذا العزاء " ! والله المستعان ، والمرجو أن يصبرنا على ما بلانا ، ويؤجرني خيراً .
وقد زعم الرجل في مقدمة كتابه "ضعيف سنن ابن ماجه" - الذي أفرزه
من مشروعي الخاص بالسنن الأربعة ، الذي كنت كُلِّفت به من مكتب التربية العربي
الخليجي الخاص - بتمييز صحيح أحاديثها من ضعيفها، فاستغل الرجل هذا
المشروع فلم يطبع السنن الأربعة - كما هي - مع التمييز المذكور ، بل تصرف فيه
وجعل من كل منها كتابين : "صحيح ..." و "ضعيف ..." فظهر له في هذا
التقسيم جهالات لا تحصى ، و(لخبطات) عجيبة لا مجال للتحدث عنها الآن ،
فلذلك مجال آخر .
والمهم هنا أنه زعم في مقدمة "ضعيفته" هذه أنه رجع في تصحيحه إلى
مخطوطة عنده كتبت سنة (1145) ! وإذ رجع الباحث إلى المواضع التي ذكر
المخطوطة فيها ، وجدها خمسة مواضع فقط ! ووجد أن أكثرها لا قيمة لها ، كمثل
قوله تعليقاً على (كتاب الطلاق) (ص 155) : "في المخطوطة : ابواب الطلاق" ! ما
شاء الله !
أما تصحيح هذه الكلمة : "الاستئذان" المخالفة للأصول - كما سبق - فهو مما لم
نستفده من مخطوطته ، ومثلها كثير وكثير جداً . وأنا لا أستغرب ذلك ، لأمرين :
أحدهما :أنه ليس أهلاً للتحقيق ، وإنما هو ناشر فقط .
والآخر : أنه ليس في صدد إعادة طبع السنن بتحقيق علمي جديد ، وإنما هو
في صدد طبع "ضعيف السنن" ، ومع ذلك فقد تظاهر بأنه جاء بتحقيق جديد
يرجوعه إلى تلك المخطوطة ، فلو أنه سكت عنها ، لكان خيراً له ، ولم يكن مسؤولاً
عن الأخطاء الواقعة في الأصل ، ولكنها آفة حب الظهور والتشبع بما لم يعط . والله
المستعان .

(13/818)


6371 - ( رأيتُ ربي - وفي لفظٍ : رأى ربَّه تعالى - في المنام في
أحسنِ صورةٍ ، شاباً موقَّراً ، رِجلاه في خُفٍّ ، عليه نعلانِ من ذهبٍ ،
على وَجْهِهِ فراشٌ من ذهبٍ ) .
موضوع .
أخرجه الخطيب في "التاريخ" (13 / 311) من طريق نعيم بن حماد :
حدثنا ابن وهب : حدثنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن مروان بن
عثمان عن عمارة بن عامر عن أم الطفيل - امرأة أُبَيّ - أنها سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يذكر أنه رأى ربه ... الحديث .
قلت : وهذا موضوع : المتهم به مروان بن عثمان : روى الخطيب عقب هذا
الحديث بإسناده عن النسائي أنه قال :
"ومن مروان بن عثمان حتى يصدق على الله ؟ ! " . وقال أبو حاتم فيه :
"ضعيف" .
وأقول : وأنا أستغرب من الخطيب كيف سكت عن هذه العلة ، موهماً أن نعيم
ابن حماد هو العلة ؟!فإنه قبل أن يسوق الحديث روى بسنده عن بكر بن سهل :
حدثنا عبد الخالق بن منصور قال:
"ورأيت يحيى بن معين كأنه يهجن نعيم بن حماد فِي حَدِيثِ أم الطفيل
حديث الرؤية ، ويقول : ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذ الحديث" .

فأقول : لا ضير على نعيم بن حماد منروايته لهذا الحديث ، مادام أن العلة
ممن فوقه ، وما الفرق بينه وبين شيخه ابن وهب ، وشيخ هذا عمرو بن الحارث في
روايتهما لهذا الحديث وكل منهما ثقة فقيه حافظ ؟! هذا لو تفرد نعيم به ، فكيف وقد
توبع ؟! فقال ابن أبي عاصم في "السنة" (1/205/471) : ثنا إسماعيل بن عبدالله :

(13/819)


ثنا نعيم بن حماد ويحيى بن سليمان قالا : حدثنا عبدالله بن وهب ... به .
وقال أيضاً في كتابه "الآحاد والمثاني" (6/158/3395) حدثنا عمر بم
الخطاب : ثنا نعيم بن حماد : ثنا عبدالله بن وهب ...به .
وأخرجه أيضاً الطبراني في "المعجم الكبير" (25/143/346) من طريق يحيى بن
بكير ويحيى بن سليمان الجعفي أيضاً وأحمد بن صالح قالوا : ثنا ابن وهب ...به .
فإذا تبين أن هؤلاء قد تابعوا حماداً في هذا الحديث ، فلا وجه لإنكار ابن معين
عليه روايته إياه ، هذا إن ثبت ذلك عنه .
فإن بكر بن سهل : ضعفه النسائي وغيره .
وشيخه عبدالخالق بن منصور : لم أجد له ترجمة فيما لدي من المصادر .
فأستبعد ثبوت ذاك الإنكار عن ابن معين ، لأن الأئمة ما زالوا يروون مثل
هذه المنكرات والموضوعات بالأسانيد التي تصل إليهم ، بل ويروون عن الضعفاء
مباشرة ، ولا ينكر ذلك عليهم .
والحديث قال الحافظ في ترجمة أم الطفيل من "الإصابة" :
"أخرجه الدارقطني ... ومروان متروك ، قال ابن معين: ومن مروان حتى
يصدق ".
كذا وقع فيه : (ابن معين) .. وهو خطأ ذهني أو قلمي ، والصواب : (النسائي)
- كما تقدم نقله عن الخطيب - ، وعلى الصواب وقع في ترجمة مروان من "التهذيب".
وللحديث علة ثانية ، وهي :جهالة شيخ مروان : عمارة بن عامر ، فإنه - فيما
يبدو - لا يعرف إلا بهذه الرواية ، فقد ساقها البخاري في "التاريخ" (3/2/500)

(13/820)


من طريق يحيى بن سليمان المتقدمة عن ابن وهب ، وأعله بالانقطاع تمشياً منه مع
مذهبه في عدم الاكتفاء بالمعاصرة ، فقال عقبه :
"لا يعرف سماع عمارة من أم الطفيل".
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وكذلك فعل ابن أبي حاتم . ولذلك قال
الذهبي في "المغني" :
"لايعرف" .
وأما ابن حبان فذكره - على قاعدته المعروفة -في (ثقات التابعين) (5/245) !
فقال :
"يروي عن أم الطفيل - امرأة أُبي بن كعب - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : "رأيت
ربي ... " .. حديثا منكراً ، لم يسمع عمارة من أم الطفيل ، وإنما ذكرته لكي لا
يغتر الناظر فيه فيحتج به ".
قلت : وهذا القول من غرائب ابن حبان أيضاً ، فإنه مع تساهله في توثيقه
إياه ، ولا يعرف إلا برواية مروان بن عثمان عنه فإنه مع ذلك أورده في (التابعين) ،
مع جزمه بأنه لم يسمع من أم الطفيل ، فكيف عرف أو حكم بذلك ، وهو لا يعرف
إلا بهذه الرواية المنقطعة ؟!
وأعجب من هذا أنه أورد الراوي عنه مروان المذكور في (التابعين) أيضاً لوهم
وقع له منه أو من غيره ، ثم توبع عليه ، فقال فيهم (5/423) :
"مروان بن عثمان بن عمارة بن عامر يروي عن أم الطفيل - امرأة أبي بن
كعب - ، روى عنه سعيد بن أبي هلال ".

(13/821)


فجعل عمارة بن عامر الذي هو شيخ مروان في هذه الرواية ، جعله جده ،
وبالتالي صار مروان أيضاً تابعياً يروي عن أم الطفيل ، ولم ينتبه لهذا الخطأ الحافظ
المزي ، فتبعه عليه، فجعل في ترجمة مروان من شيوخه أم الطفيل ! وتنبه لذلك
الحافظ ابن حجر ، فقال في ترجمته من "تهذيبه" :
"قلت : ذكر المؤلف أنه روى عن أم الطفيل ، وفيه نظر ، فإن روايته إنما هي عن
عمارة بن عمرو بن حزم (!) عن أم الطفيل ، امرأة أبي في الرؤية ، وهو متن منكر "
قلت : وهذا وهم آخر من الحافظ رحمه الله ، وهو قوله : "عمارة بن عمرو بن
حزم" .. والصواب "عمارة بن عامر" - كما في المصادر المتقدمة وغيرها -. وهذا
غير ذاك ، وقد فرق بينهما البخاري وأبو حاتم وابن حبان وغيرهم . فتنبه !
ثم إن الحافظ لم يتنبه أيضاً - وبالتالي لم ينبه على - أن المزي في ذاك الوهم
تابع لابن حبان - كما ذكرنا - .
وجملة القول : أن إسناد هذا الحديث ضعيف جداً ، والمتن بهذا اللفظ موضوع ،
وقد أحسن ابن الجوزي في إيراده إياه في "الموضوعات" (1/125 - 126) من طريق
الخطيب ، ونقل قول ابن معين المتقدم في نعيم ، دون أن يذكر المتابعين له ! كما
نقل قول النسائي المتقدم في مروان ، ثم قال :
"قال مهنا : سألت أحمد عن هذا الحديث ؟ فحوّل وجهه عني وقال : هذا
حديث منكر ، هذا رجل مجهول - عنى مروان - . قال : ولا يعرف أيضاً عمارة " .
وفي الباب أحاديث أخرى بنحوه أوردها ابن الجوزي وغيره ، لكن قد صح عنه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رؤيته ربه في المنام في أحسن صورة ، والاختصام في الملأ الأعلى ، وقد اختلط هذا
الصحيح بحدث الترجمة على ابن الجوزي وغيره ، واستغل ذلك بعض المبتدعة

(13/822)


الضلال فأبطلها كلها . فانظر الصحيح المشار إليه مخرجاً في المجلد السابع من
"الصحيحة"رقم (3169) .
وقد روي حديث الترجمة بنحوه عن لقيط بن عامر ، وقد مضى تخريجه برقم
(6330) .

6372 - ( مَنْ تَوَضَّأَ فَذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى وُضُوئِهِ ، كَانَ طُهُوراً لِسائر
جَسَدِهِ ، وَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَطْهُرْ منه إِلاَّ مَا أصابه ) .
ضعيف .
أخرجه أبو بكر الشافعي في "الفوائد" (ق 97/2) : حدثنا محمد بن
غالب قال : ثنا يحيى بن هاشم : ثنا الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعاً .
ومن طريق الشافعي أخرجه الشجري في "الأمالي" (1/43) .
وأخرجه البيهقي في "السنن" (1/44) من طريق أخرى عن يَحْيَى بْن هَاشِمٍ
السِّمْسَار ... به ، وزاد :
" فَإِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ طُهُورِهِ فَلْيَشْهَدْ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَىَّ ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ " .وقال :
"لاَ أَعْلَمُهُ رَوَاهُ عَنِ الأَعْمَشِ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ هَاشِمٍ ، وهو مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ ".
وكذا قال الحافظ في "التلخيص" (1/76) .
قلت : ولمحمد بن غالب شيخ آخر بإسناد له آخر فقال : ثنا هِشَامُ بْنُ بَهْرَامٍ :
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمٍ أبو بكر عَنْ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مرفوعاً ... به .
أخرجه الدارقطني في "سننه" (1/74/13) ، والبيهقي وقال :
"وهذا أيضاً ضعيف أبو بكر الداهري : غير ثقة عند أهل العلم بالحديث " .

(13/823)


وقال الحافظ :
"وهو متروك" .
ثم قال البيهقي:
"وروي من وجه آخر ضعيف عن أبي هريرة مرفوعاً " .
ثم ساقه من طريق الدارقطني ، وهذا في "سننه رقم (12) ، والخطيب في
"الموضح" (2/427) من طريق مرداس بن محمد بن عبدالله بن أبي بردة : نا
محمد بن أبان عن أيوب بن عائذ الطائي عن مجاهد عن أبي هريرة مرفوعاً ... به .
أورده الخطيب في ترجمة مرداس بن محمد بن عبدالله هذا ، وذكر أنه أبو
بلال الأشعري . قال الذهبي في كنة "الميزان" :
"ضعفه الدارقطني" .
وأورده الحافظ في "اللسان" - كما جاء في إسناد الحديث - ، إلا أنه أدخل بين
محمد وأبيه عبدالله ، فقال : " ... محمد بن الحارث بن عبدالله ... " ، وقال :
"وليَّنه الحاكم أيضاً ، وقول ابن القطان : لا يعرف البتة . وهم ، فإنه معروف ".
وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/199) وقال :
"يغرب ويتفرد" . وذكر أنه من أهل الكوفة .
وقد وقع في النسخة المطبوعة منه بعض الأخطاء الفاحشة لعلها من الناسخ ،
جعلت المحقق يجعل من ترجمته ترجمتين ، إحداهما بكنيته ، والأخرى باسمه !
وعلق على الترجمة الأولى بقوله :

(13/824)


"فلم نظفر به" . وغير ذلك من الأخطاء التي نبهت عليها في كتابي "تيسير
انتفاع الخلان" يسر الله لي إتمامه (*) .
وقد أشار الحافظ في "التلخيص" إلى إعلال حديث أبي هريرة هذا بمرداس
هذا وشيخه ، ولكنه لم يتكلم فيهما بشيء ، فقال:
وفيه مرداس بن محمد ، ومحمد بن أبان" .
فأقول : أما الأول ، فقد عرفت ضعفه ، وأما الآخر ، ففي الرواة جماعة بهذا
الاسم والأب ، فكأنه لم يتميز المراد منهم لدى الحافظ ، وقد صرح بذلك الحافظ
عبدالحق الإشبيلي في "الأحكام" ، فقال (ق 16/1) :
"لا أعرفه الآن" .
أما أنا فلا أستبعد أن يكون محمد بن أبان الجعفي ، فإنه من أهل الكوفة
أيضاً كالراوي عنه ، ومن هذه الطبقة ، يروي عن حماد بن أبي سليمان الكوفي
ونحوه ، ذكره ابن حبان في ترجمة محمد بن أبان الأنصاري (7/392) ، وقال :
"وليس هذا بمحمد بن ابان الجعفي ، ذلك : - من أهل الكوفة - ضعيف ".
ولذلك أورده في "الضعفاء" (2/260) ، وقال :
كان ممن يقلب الأخبار ، وله الوهم الكثير في الآثار ".
وأم اقول النووي رحمه الله فِي حَدِيثِ أبي هريرة هذا في كتابه : "المجموع
شرح المهذب" (1/343) :
"وهو حديث ضعيف عند أئمة الحديث ، وقد بيَّن البيهقي وجوه ضعفه".
__________
(*) قد تُمّ - فيما نعلم - ولم يطبع بعدُ . (الناشر) .

(13/825)


ومع ضعف الحديث من جميع طرقه ، وشدة ضعف الطريقين الأولين منها،
فلا يصح الاحتجاج به على نفي وجوب التسمية على الوضوء : كما فعل الرافعي
وغيره من الشافعية ، وسبقهم أبو عبيد في كتاب "الطهور" - كما ذكر الحافظ في
"تلخيصه" - .
ومع الضعف المذكور فهو مخالف لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ".
وهو حديث قوي بمجموع طرقه ، ولذلك قواه جمع من الحفاظ منهم : المنذري
والعسقلاني ، وحسنه ابن الصلاح وابن كثير والعراقي ، كما بينته في "إروا
الغليل" (1/122/81) ، وصحيح أبي داود" رقم (90) وغيرهما.

6373 - ( اللهم اجعلْ به وَزَغَاً . فَرَجَفَ مكانَه . يعني : الحكمَ أبا
مَروانَ بنِ الحكم ِ) .
ضعيف .
أخرجه اليهقي قي "دلائل النبوة" (6/240) ، وابن عبدالبر في
"الاستيعاب" ، والخطابي في "غريب الحديث" (1/542 - 543) من طريق السري
ابن يحيى عن مالك بن دينار قال: حدثني هند ابن خديجة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
مر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحكم أبي مروان بن الحكم فجعل يغمزه [باصبعه] ، فالتفت
إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فرآه] ، فقال: ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقاتٍ ، لكنه معلول بالإرسال أو الانقطاع ،

(13/826)


وذلك لأن ظاهر الإسناد أن هند ابن خديجة هو ابنها مباشرة الذي كان ربيب
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووالده أبو هالة التميمي - فإن كان كذلك ، فيكون منقطعاً ، لأن مالك بن
دينار لم يدركه، لأنه مات في وقعة الجمل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ومالك لم يذكروا له
رواية عن أحد من الصحابة غير أنس ، وما دام أنه قد صرح بالتحديث عنه فهذا
يعني أنه غير ابن أبي هالة ، فمن هو ؟ الذي يببدو - والله أعلم - أنه هند بن هند بن
أبي هالة حفيد خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، ففي ترجمته ساق الحديث الحافظ ابن
حجر في "الإصابة " من رواية ابن منده ، ثم قال عقبه :
"وهكذا أخرجه ابن أبي حاتم الرازي وعبدالله بن أحمد في "زيادات الزهد" من
هذا الوجه . ومالك بن دينار لم يدرك هند بن أبي هالة ، وإنما أدرك ابنه ، فكأنه نسبه
لجده . وقد ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه : أن رواية هند بن هند عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلة .
وجرى أبو عمر (ابن عبدالبر) على ظاهره ، فذكر هذا الحديث لهند بن أبي هالة".
قلت : وتبعه على ذلك ابن الأثير في "أسد الغابة" ، فقال:
"وهذا الحديث ليس لهند بن هند فيه مدخل ، وإنما هو لأبيه".
قلت هذا جمود ظاهر يلزم منه مفاسد كثيرة ، أهونها أن يقال: إن قول مالك
ابن دينار "حدثني هند ..." خطأ منه أو من بعض الرواة دونه ، وهذا فيه بُعد ،
وعلى التسليم به يكون منقطعاً بينه وبين هند ، فمن أين جاز لابن الأثير أن يجزم
بأن الحديث للأب ؟!
(فائدة) : قال الخطابي "
"الوزَغ) : الارتعاش ، وقد جاء هذا مفسراً في الحديث ، وأصله من توزيغ
الجنين في بطن أمه ، وهو حركته ... ".

(13/827)


قلت هكذا وقع فيه (الوزَغ) بالزاي المفتوحة ، وكذا في "القاموس" وفي
"النهاية" : "... وهي ساكنة الزاي " . وبه قيدوه في "المعجم الوسيط" ولعله أصح .
والله أعلم .
وقد روي الحديث بنحوه بإسناد أسوأ من هذا ، وسيأتي برقم (6473) .

6374 - ( ما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِعْراً قطُّ ، وما أَتَمَّ إلا بيتاً واحداً:
تفاءَلْ بما تهوى يكنْ فَلَقَلّما ... يقال لِشَيءٍ كان إلا تَحَقَّقْ
ولم يقلْ : تَحَقَّقا لئلا يُعْرِبَه فيصيرَ شعراً ) .
منكر جداً .
أخرجه الخطيب في "التاريخ" (10/180) من طريق أبي محمد
عبد الله بن مالك - مؤدب القاسم بن عبيد الله- : حدثنا علي بن عمرو
الأنصاري : حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:...
فذكره ، وقال :
" غريب جداً ، لم أكتبه إلا بهذا الإسناد ".
أورده في ترجمة عبد الله بن مالك هذا ، وذكر أنه روى عنه ثلاثة معروفون ،
ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً . وليس له ذكر في "الميزان" أو "اللسان" ، فهو العلة
أو شيخه الأنصاري ، فإن من فوقه كلهم من رجال الشيخين ، فقد أورده ابن حبان
في "الثقات" (8/473) ، وقال:
"ربما أغرب" .
ثم رأيت في "تهذيب الحافظ" :
"قلت : وابن قانع : فيه ضعف . ووجدت له حديثاً منكراً جداً ، أخرجه

(13/828)


البيهقي والخطيب من طريق عبدالله بن مالك النحوي مؤدب القاسم بن عبيدالله".
وقال في "الفتح" (10/541) :
" لَا يَصِحّ ، وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى وَهَائِهِ التَّعْلِيل الْمَذْكُور" .
يعني : "إلا تحققا" .
وهذا بمعنى الحديث المشهور في بعض البلاد :
"تفاءلوا بالخير تجدوه".
ولا أعرف له أصلاً .

6375 - ( لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ مِنْ عَانَتِهِ إِلَى لَهَاتِهِ قَيْحاً
يَتَمخَضُ مثلَ السَّقاءِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً ) .
منكر بهذا اللفظ .
أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (2/371) ، والطبراني
في "المعجم الكبير" (18/78/144) عن عبدالله بن صَالِحٍ قال : ثَنا ابْنُ لَهِيعَةَ
عَنْ يَزِيدَ بن أَبِي حَبِيبٍ عَنِ عبد الرحمن بن شماسة عَنْ عَوْفِ بن مَالِكٍ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، لضعف ابن لهيعة . ونحوه عبدالله بن صالح .
فقول الهيثمي في "المجمع" (8/120 - 121) :
"رواه الطبراني ، وإسناده حسن" !
فهو غير حسن ، وإن وافقه الحافظ في "الفتح" (10/548) ، فقد قال في ابن
لهيعة:

(13/829)


"صدوق ، خلط بعد احتراق كتبه ، ورواية ابن المبارك وابن وهب أعدل من
غيرهما ".
قلت : وهذا - كما ترى - من رواية ابن صالح ، وفيه يقول الحافظ :
"صدوق كثير الغلط ، ثبت في كتابه ، وكانت فيه غفلة ".
قلت فأنى لمثل هذا الإسناد الحسن ؟ ! ولا سيما أن في متنه نكارة ، وهي قوله:
" من عانته إلى لهاته قيحاً يتمخض مثل السقاء" ، فقد جاء الحديث عن جماعة
من الصحابة بأسانيد صحيحة ليس فيها هذه الزيادة ، وإنما هو مختصر بلفظ:
"لأن يمتلء جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً ".
وقد كنت خرجته في "الصحيحة" (336) عن خمسة من الصحابة أكثرها
في "الصحيحين" ، وبأقل من ذلك تثبت نكارة زيادة ما تفرد به بعض الضعفاء
مخالفين الثقات الحفاظ ، فلا أدري والله كيف يحفى مثل هذا على مثل الحافظ
العسقلاني؟!
ولا يقويه ما رواه سعيد بن عتبة القطان : ثنا أبو عبيدة الحداد : ثنا واصل بن
يزيد بن واصل : حدثني أبي وعمومتي عن مالك بن عمير مرفوعاً ... به نحوه
بلفظ :
" لأن يمتلئ ما بين لبتك إلى عانتك قيحاً وصديداً خير ... " إلخ .
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/171/1/7631) وقال :
« لا يروى عن مالك بن عمير إلا بهذا الإسناد تفرد به : سعيد بن عنبسة ».
قلت : سعيد هذا لم أجد له ترجمة ، وقد كنت خرجت له حديثاً آخر فيما

(13/830)


تقدم (3579) ، رجحت فيه أنه سعيد بن عنبسة المتهم بالكذب ، لأنه هكذا وقع
في إسناد أبي نعيم في "الطب" - كما ذكرت هناك - ، والآن أتوقف عن ذلك ،
لأنهم لم يذكروا في ترجمة المتهم أنه : القطان ، ولا أورده السمعاني في هذه
النسبة ، ولأن صورة اسمه "عتبة" في "الأوسط" وكذا في "مجمع البحرين" لا
تحتمل أن يكون الصواب "عنبسة" . والله أعلم .
على أنه لم يتفرد به كما تقدم في قول الطبراني ، فقد ذهل عن كونه هو
نفسه قد أخرجه في "المعجم الكبير" (19/294/655) من طريق يَعْقُوب بن
مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيّ : حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرٍ وَاصِلُ بن يَزِيدَ السُّلَمِيُّ ثم الناصري : حَدَّثَنِي أَبِي
وَعُمُومَتِي عَنْ جَدِّي مَالِكِ بن عُمَيْرٍ ... به مرفوعاً ، دون قوله : "وصديداً".
وقد استفدنا من هذه الرواية أن كنية واصل بن يزيد (أبوصخر) . ومع ذلك
لم يذكروه في "الكنة" ، كالدولابي والحاكم أبي أحمد ، والذهبي وغيرهم . كما
استفدنا منها أن نسبته (الناصري) - هكذا هو بالصاد المهملة - وليس لها ذكر في
"أنساب السمعاني " ولا في غيره فيما علمت ، فلعله بالضاد المعجمة (الناضري)
نسبة إلى بني ناضر ، ومع ذلك لم يورده السمعاني فيها مما يدل أنه غير معروف .
واستفدنا من الرواية التي قبلها أن اسم جد (واصل بن يزيد) : (واصل) أيضاً ،
فهو : واصل بن يزيد بن واصل .
ويعقوب بن محمد الزهري : قال الحافظ في "التقريب" :
"صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء" .
وقد تابعه أبو عبيدة الحداد - وهو ثقة - ، إن صحت الرواية الأولى عنه ، وعلى
كل حال فمدار الروايتين على واصل بن يزيد هذا ، ولم أجد له ذكراً في شيء من

(13/831)


كتب التراجم التي عندي ، لا هو ولا أبوه ، فهما مجهولان ، وقد أشار إلى ذلك
الهيثمي بقوله (8/120) بعد أن عزاه للطبراني في "المعجمين" :
"وفيه من لم أعرفهم".

6376 - ( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً في عَهْدِه ، لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ
رِيحَهَا ليُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خمسِمائةِ عَامٍ ) .
منكر بهذه المسيرة .
أخرجه ابن حبان (1530 - الموارد) ،والحاكم (1/44) من
طريق الحسن عن أبي بكرة ، مرفوعاً .وقال الحاكم :
"صحيح على شرط مسلم" . ووافقه الذهبي!
وأقول : كان يكون كذلك ، بل وعلى شرط البخاري أيضاً لو أن الحسن - وهو:
البصري ، مع فضله - كان يدلس ، قال الذهبي نفسه في "الميزان" :
ثقة لكنه يدلس عن أبي هريرة وغيره ، فإذا قال : حدثنا فهو ثقة بلا نزاع".
وأنت ترى أنه لم يقل هنا .حدثنا" .
هذا أولاً .
وثانياً : أن غير واحد من الثقات رواه عن الحسن عن أبي بكرة بلفظ :
"... مسيرة مائة عام ".
أخرجه عبدالرزاق (10/462/19712) ، وعنه أحمد (5/46) ، والبيهقي
(8/133) ، والبغوي في "شرح السنة" (10/151/2522) كلهم عن عبدالرزاق ،
وكذا الحاكم (2/126) من طريق أحمد ، وقال :

(13/832)


"صحيح على شرط البخاري " ! ووافقه الذهبي !
كذا قالا ، وقد عرفت ما فيه .
أخرجه عبدالرزاق من طريق قتادة - أو غيره - ، وقال أحمد عنه :
"عن قتادة وغير واحد" . وأخرجه أبو نعيم في "صفة الجنة" (2/40 - 41)
عنه بلفظ :
"وغيره" .
ويؤيده أن ابن حبان أخرجه (1531) من طريق حماد بن زيد (1) عن يونس
ابن عبيد عن الحسن ... بلفظ :
"... مائة عام".
وزعم المعلق على "الإحسان" (16/391) فقال :
إسناده صحيح على شرط البخاري " ! وفي مكان آخر (11/240) نقل تصحيح
الحاكم المتقدم ، وموافقة الذهبي ، وقال:
"وهو كما قالا" ! فلا أدري أنسي عنعنة الحسن أم تناسى أم غير ذلك ؟!
وليونس بن عبيد إسناد آخر ، يرويه عن الحكم بن الأعرج عن الأشعث بن
ثرملة عن أبي بكرة ... به ، دون ذكر المسيرة مطلقاً .
أخرجه النسائي في "الصغرى" (2/242) ، و"الكبرى" (5/226/8743) ،
وابن حبان أيضاً (1532) ، والحاكم (1/44) ،وأحمد (5/36 و 38 و 52) ، والبيهقي
__________
(1) كذا الأصل ، ولا أدري إذا كان محفوظاً ، فإنه في "كبرى النسائي" (8744) : "حماد
ابن سلمة" بلفظ : "مسيرة خمسمائة عام".

(13/833)


(9/205) من طرق عن يونس ... به. وقال النسائي في "كبراه" :
"هذا هو الصواب ، وحديث حماد بن سلمة (يعني : المتقدم بلفظ : "مسيرة
خمسمائة عام") خطأ ".
قلت ورواية الأشعث هذه المطلقة صحيحة الإسناد . وقد تابعه عليها
عبدالرحمن بن جوشن عند أبي داود وغيره ، وإسناده صحيح أيضاً ، وهو مخرج
في "صحيح أبي داود" (2465) .
ولها شاهد من حديث القاسم بن مخيمرة عن رجل من أصحاب النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهو مخرج في "غاية المرام" (260/450) .
وجملة القول، أن رواية الحسن البصري لهذا الحديث عن أبي بكرة مضطربة ،
والصحيح من تلك الوجوه : ما لم يذكر فيه المسيرة - كما هو ظاهر - .
لكن لزيادة المسيرة بلفظ : "مائة عام" شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً
بسند صحيح ، وهو مخرج في "الصحيحة" (2356) .
فإن قيل ألا يوجد ما يشهد لزيادة : "خمسمائة عام" ؟
فأقول : بلى قد جاء ذلك في بعض الروايات ، ولكن لا تنهض للتقوية .
أولاً : قال أحمد (5/50) : ثنا هوذة بن خليفة : ثنا حماد بن سلمة عن
علي بن زيد عن عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة... فساق له أحاديث،
هذا أحدها .
قلت : ورجاله ثقات ، غير علي بن زيد - وهو : ابن جدعان - ضعيف معروف
بذلك ، ومع ضعفه فقد اضطرب في متنه ، فرواه مرة هكذا ، ومرة قال :

(13/834)


"مسيرة مائة عام" .
فقال أحمد (5/51) : ثنا عفان : ثنا حماد بن سلمة ... به .
ثانياً : قال عبدالواحد (1) بن غياث : ثنا الربيع بن بدر : ثنا هارون بن رئاب
الأسيدي عن مجاهد عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
"تُراح رائحة الجنة من مسيرة خمسمائة عام ، ولا يجد ريحها منَّان بعمله ،
ولا مدمن خمر ، ولا عاق ".
أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص 81 - هند) ، وأبو نعيم في "الحلية"
(3/307) ، و "صفة الجنة" (2/42) ، وقال الطبراني :
"لم يروه عن هارون إلا الربيع".
قلت : وهو ضعيف جداً ، قال الذهبي في "الكاشف" :
"واهٍ " . وقال الحافظ في "التقريب" :
"متروك" . وكذا قال الهيثمي (8/148) .
ثالثاً : حديث عبدالكريم عن مجاهد عن ابن عمرو مرفوعاً :
" مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ ، لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ
خَمْسِمائَةِ عَامٍ".
أخرجه ابن ماجه ، وعبدالكريم - وهو : ابن أبي المخارق على ما هو الراجح
__________
(1) وقع في "الحلية" : "عبدالوهاب" وهو خطأ مطبعي لم يتنبه له المعلق على "صفة
الجنة" ، فنقله منه كما هو ! مع أنه وقع في "الصفة" على الصواب !

(13/835)


عندي وهو ضعيف على ما بينته في "الصحيحة" (2307) ، مع مخالفته للثقة
الحكم بن عتيبة الذي رواه بلفظ :
"وريحها يوجد من مسيرة سبعين عاماً" .
على أن حديث الترجمة قد صح عن ابن عمرو أيضاً بلفظ :
"... مسيرة أربعين عاماً ".
رواه البخاري وغيره ، وهومخرج في "غاية المرام" (449) .
وأما حديث جابر مرفوعاً بلفظ :
"إن ريح الجنة لتوجد من مسيرة ألف عام ... " الحديث .
فهو حديث واهٍ جداً ، وقد سبق تخريجه برقم (5369) .
ويتلخص مما تقدم : أن المسيرة المذكورة فِي حَدِيثِ الترجمة "خمسمائة عام" لا
تصح ، وإنما يصح بلفظ : "مائة" ، كما صحت المسيرة بلفظ : (السبعين) و(الأربعين ) .
واعلم أنه لا تعارض بين هذه الألفاظ ، كما قال ابن القيم رحمه الله في
"حادي الأرواح" (1/250) ، والظاهر أنه يعني أن الرقم الأكثر يشمل الأقل . والله
أعلم .
(تنبيه) : لقد أطال النفس المعلق على "صفة الجنة" في تخريجه للحديث
بلفظ : (المائة) في نحو صفحتين (2/41 - 42) إطالة لا يفهم منها القارئ الرقم
الثابت من غير الثابت ، لأنه ساق الطرق ومصادرها دون متونها وألفاظها !
كما أنه لما ضعَّف حديث ابن جدعان ، لم ينتبه للفرق بين روايتيه ! ولا لموافقة
إحداهما لرواية عبدالرزاق ، وقد عزاها للطبراني .

(13/836)


وأيضاً - فإن من غفلته أنه - قال في آخر تخريجه :
"والحديث عزاه الهيثمي في "المجمع" (6/293) للطبراني من رواية أبي
بكرة ، وقال : وفيه محمد بن عبدالرحمن العلاف : ولم أعرفه ، وبقية رجاله
ثقات . قلت : لا أدري لمذاا ذكر الهيثمي هذه الطريق ، وفيها هذا المجهول ؟! فقد
أخرجه الطبراني - كما تقدم - بإسناد أحسن حالاً من هذا في المتابعات "!
كذا قال ! وفيه أمور تدل فعلاً على أنه (لا يدري) حقاً :
أولاً : إنما ذكره الهيثمي ، لأن إسناده يختلف عن إسناد الحديث المتقدم ،
يكفي فائدة أن فيه العلاف هذا .
ثانياً : لفظ هذا : "مسيرة خمسمائة عام" ، وذاك الذي تقدم : "مائة عام" !
ثالثاً : قوله : "هذا المجهول"! تقليد منه للهيثمي ، فإنه معروف غير مجهول ،
فإنه في "الثقات" لابن حبان قال (8/98) :
"محمد بن عبدالرحمن العلاف البصري ، يروي عن محمد بن سواء وأبي
عاصم ... حدثنا عنه الحسن بن سفيان ".
وذكره الحافظ المزي في ترجمة شيخه محمد بن سواء من"التهذيب"
(25/330) ، وسمي جده : "بكر العلاف" .
رابعاً : ليس إسناد المتقدم أحسن حالاً من هذا ، لأن أبا نعيم - لما ساقه من
طريق عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن عن أبي بكرة - عقب عليه بقوله
(2/41) :
"وقال محمد بن سواء عن سعيد عن قتادة : من مسيرة خمسمائة عام".

(13/837)


وإذاكان محمد بن سواء - هذا - من شيوخ محمد بن عبدالرحمن العلاف ،
وكان هذا في إسناد الطبراني ، وكان لفظ الحديث هو هذا الهذي علقه أبو نعيم ،
فمن الممكن أن نستنتج من ذلك كله : أنه عند الطبراني من طريق محمد بن سواء ،
فيقال حينئذٍ في تخريج هذا المعلق :
"وصله الطبراني من طريق محمد بن عبدالرحمن العلاف " .
ويؤيده : أن أبا نعيم كثير الرواية عن شيخه الطبراني .
وإنما علقه أبو نعيم ، لبيان أن محمد بن سواء خالف عبدالرزاق في إسناده
ومتنه ، فذكر سعيداً - وهو ابن أبي عروبة - مكان معمر . و"خمسمائة" مكان :
"مائة" ، فلهذا الفرق ذكره الهيثمي !!

6377 - ( قَالَ أَخِي مُوسَى : يَا رَبِّ ! أَرِنِي الَّذِي كُنْتَ أَرَيْتَنِي فِي
السَّفِينَةِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : إِنَّكَ سَتَرَاهُ ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيراً حَتَّى أَتَاهُ
الْخَضِرُ ، وَهُوَ فتى طَيِّبُ الرِّيحِ ، حُسْنُ بَيَاضِ الثِّيَابِ ، مُشَمِّرُها ، فَقَالَ :
السَّلَامُ عَلَيْكَ ، إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ . فقَالَ مُوسَى : هُوَ السَّلَامُ ،
وَإِلَيْهِ السَّلَامُ ، وَمِنْهُ السَّلَامُ ، وإليه يرجع السلامُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ الَّذِي لَا أُحْصِي نِعَمَهُ إِلَّا بِمَعُونَتِهِ ).
موضوع .
لوائح الوضع عليه ظاهرة . أخرجه أبو محمد البستي في "تفسيره"
(2/6/2) : سمعت أبا يحيى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى المصري الْوَقَّارُ يقول : قُرِئَ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ - وَأَنَا أَسْمَعُ - قَالَ سفيان : قَالَ مُجَالِدٌ : قَالَ أَبُو الْوَدَّاكِ :
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : قَالَ النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .

(13/838)


قلت : والآفة من زكريا هذا قال ابن عدي :
"كان يضع الحديث" . وقال صالح جزرة :
"حدثتا زكريا الوقار ، وكان من الكذابين الكبار" .
ومن طريقه أخرجه ابن عدي (3/217) ، والطبراني في "الأوسط" (7/460/
6904) ، وابن عساكر (5/639) من طرق أخرى عن زكريا ... به ، وعندهما زيادة
طويلة ، فيها وصايا في طلب العلم ، ومواعظه ، ساقه ابن عساكر بطوله .
ثم رواه ابن عدي من طريق : الحارث بن مسكين وأبي طاهر قالا :ثنا ابن
وهب عن الثوري عن مجالد [رفع] الحديث إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولم يذكر أبا
الوداك ، ولا أبا سعيد .
قلت : وإن من غرائب ابن حبان وتساهله في التوثيق : أنه ذكر (زكريا) هذا
في كتابه " الثقات" (8/253) وقال :
"يخطئ ويخالف ،أخطأ فِي حَدِيثِ (موسى) [علي السلام] حيث قال : عن
مجالد عن أبى الوداك عن أبى سعيد عن عمر ، إنما هو الثوري ... " ثم ذكر الطرف
الأول من الحديث .
وقوله : "إنما هو الثوري " يعني : أن أبا (زكريا) أخطأ في وصله وإسناده عن عمر ،
وأن الصواب أنه عن الثوري معضلاً ، وهذا يخالف ما تقدم في رواية ابن عدي من
الطريقين ، فلعله سقط من "الثقات" قوله: "عن مجالد" . والله أعلم .
والحديث ساقه الهيثمي في "مجمع الزوائد" بطوله ، وقال (1/130 - 131) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه زكريا بن يحيى الوقار ، قال ابن عدي :
كان يضع الحديث ".

(13/839)


6378 - ( من كان عليه من رمضانَ شيءٌ ، فأدركَه رمضانُ ، فلم
يَقْضِهِ ، لم يُقْبَلْ منه ، وإن صلى تطوعاً وعليه مكتوبةٌ ، لم تُقْبَل منه ).
منكر .
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (2/519) من طريق عبدالله بن واقد :
حدثنا حيوة بن شريح عن أبى الأسود عن عبدالله بن رافع عن أبى هريرة مرفوعاً .
أورده في ترجمة ابن واقد هذا - وهو أبو قتادة الحراني - وقال :
"كان من عباد أهل الجزيرة وقرائهم ، غلب عليه الصلاح ، حتى غفل عن
الاتقان ، فكان يحدث على التوهم ، فيرفع المنا كير والمقلوبات فيما يروي عن
الثقات ، لا يجوز الا حتجاج بخبره " .
وقال الذهبي في "المغني":
"مشهور بالحديث والزهد ، قال أبو حاتم : ذهب حديثه . وقال الدارقطني وغيره :
ضيعف . وأما أحمد فقال : ما به بأس ، وربما أخطأ . وقال البخاري : تركوه" .
ولذلك أورده ابن طاهر المقدسي في "تذكرة الموضوعات" (ص 94) .

6379 - ( من صلى مكتوبةً أو سُبْحَةً ، فَلْيَقْرَأْ بأمِّ القرآنِ ، وقرآن
معها ، فإن انتهى إلى أمِّ القرآنِ أَجْزَأَتْ عنه ، ومَنْ كان مع الامامِ ،
فليقرأْ قَبْلَه ، أو إذا سكَتَ ، فمن صلى صلاةً لم يقرأ فيها [بأمِّ القرآنِ] ،
فهي خِدَاجٌ - ثلاثاً - ) .
منكر .
أخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (2/133/2787) ، وابن الأعرابي
في "المعجم" (ق 138/2) ، والبيهقي في "جزء القراءة" (64) من طريق المثنى بن
الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو :

(13/840)


أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب الناس فقال : .... فذكره .
قلت : وهذا إسناد واهٍ ، المثنى بن الصباح متفق على تضعيفه ، لم يوثقه أحد
غير ابن معين في رواية ، وضعفه في روايتين أخريين عنه ، وهي التي ينبغي
اعتمادها ، لأنها عنه أصح ، ولأن الجرح مقدم على التعديل ، ولا سيما من الشخص
الواحد ، ولأنه موافق لأقوال أئمة الجرح الآخرين ، فقد اتفقوا جميعاً على تضعيفه
بجرح بيِّن ، فقال أحمد في "العلل" (1/341) :
"لا يسوى حديثه شيئاً ، مضطرب الحديث ".
ونقله الحافظ في "التهذيب" ، وأقره . وقال ابن حبان في "الضعفاء" (3/20) :
"وكان ممن اختلط في آخر عمره ، حتى كان لا يدري ما يحدث به ، فاختلط
حديثه الأخير الذي فيه الأوهام والمناكير بحديثه العظيم الذي فيه الأشياء
المستقيمة عن أقوام مشاهير ، فبطل الاحتجاج به ".
والترمذي مع تساهله المعروف وافق الجمهور على تضعيفه ، فإنه لما أخرج له
حديثاً آخر في "سننه" برقم (1399) عن عمرو بن شعيب ... قال عقبه :
" لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ ، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ
يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ ".
بل صرح النسائي وابن الجنيد بأنه متروك الحديث ، وقال الساجي:
ضعيف الحديث جداً ، حدث بمناكير يطول ذكرها ".
ولذلك جزم بضعفه الذهبي في "الكاشف " و "المغني" ،وقال الحافظ في
"التقريب" :

(13/841)


ضعيف اختلط بأخرة ، وكان عابداً ".
وتابعه ابن لهيعة : نا عمرو بن شعيب ... به .
أخرجه البيهقي ايضاً ، وابن لهيعة ضعيف لا يحتج به ، وقد أشار إلى ذلك
البيهقي - كما يأتي - .
وتابعه محمد بن عبدالله بن عبيد بن عمير عن عمرو بن شعيب ... به .
أخرجه الدارقطني في "سننه" (1/320/15) ، ومن طريقه البيهقي (65) من
طريق محمد بن عبدالوهاب عنه .
وخالفه فيض بن إسحاق الرقي : ثنا محمد بن عبدالله بن عبيد بن عمير
عن عطاء عن أبي هريرة ... به نحوه ببعض اختصار .
أخرجه الدارقطني (1/317/1) ، وعنه البيهقي ، والحاكم (1/238) وعنه
البيهقي أيضاً ، وقال الدراقطني عقب الطريقين :
"محمد بن عبدالله بن عبيد بن عمير ضعيف" .
قلت : وهو أسوأ حالاً ، فقد قال الدراقطني والنسائي :
"متروك" . وقال البخاري :
"منكر الحديث" .
وفيض بن إسحاق : بيَّضَ له ابن أبي حاتم (3/2/88) ، فلم يذكر فيه جرحاً
ولا تعديلاً . وأما ابن حبان فذكره في "الثقات" (9/12) وقال :
"كان ممن يخطئ" .

(13/842)


قلت : فلا أدري هل أخطأ في إسناده على ابن عمير ،حين خالف محمد بن
عبدالوهاب وهو القتاد الثقة ، أم هو من ابن عمير ، لشدة ضعفه ؟ وهذا هو الأقرب ،
فإن الحديث محفوط بأسانيد عن أبي هريرة دون ذكر القراءة في السكتة ، وبلفظ :
"من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن ، فهي خداج (ثلاثاً) ، غير تمام".
رواه مسلم وغيره ، وهو مخرج في "الإرواء" (502) وغيره .
وقد ضعَّف البيهقي هذه الطرق الثلاث ، مشيراً إلى أن الصواب عن ابن عمرو
الوقف ، فقال :
" ومحمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ، وإن كان غير محتج به ، وكذلك
بعض من تقدم - يشير إلى المثنى وابن لهيعة - ممن رواه عن عمرو بن شعيب ،
فلقراءة المأموم فاتحة الكتاب في سكتة الإمام شواهد صحيحة عن عمرو بن شعيب
عن جده خبراً عن فعلهم ".
ثم روى (ص 83) من طريق أبي الصلت الهروي: نا أبو معاوية عن عبيد الله
ابن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده :
أنهم كانوا يقرأون خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أنصت ، فإذا قرأ لم يقرأوا وإذا
أنصت قرأوا ، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول :
" كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ، أبو الصلت الهروي ، اسمه عبدالسلام بن
صالح ، قال الذهبي في "الكاشف":
"واهٍ ، شيعي متهم مع صلاحه " . وقال في "المغني" :

(13/843)


"متروك الحديث ، قال ابن عدي : متهم " . وقال الحافظ :
"صدوق ، له مناكير، وكان يتشيع ".
قلت : وهذا من مناكيره ، فإن الحديث المرفوع منه قد جاء من طرق عن عمرو
ابن شعيب ... به ، دون ما قبله من القراءة إذا أنصت صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أخرجه البخاري في "جزء القراءة" (5/15 - المكتبة السلفية) ، وابن ماجه ،
وأحمد وغيرهم ، وهو مخرج في "الروض النضير" (800) ، مع شواهد له من
حديث عائشة وغيرها ، تؤكد بطلان هذه الزيادة.
وإن من المفاسد في هذا الزمان أن يتكلم فيه "الرويبضة" فيما لا علم له به من
الحديث والفقه ، أقول هذا بمناسبة أنني رأيت ذاك السقاف قد نشر حديثاً كتاباً بعنوان
"صحيح صفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التكبير إلى التسليم كأنك تنظر إليها" ! ينبيك
عنوانه عن مضمونه ، وما فيه من حقد وحسد وجهل بالسنة الصحيحة ، فضلاً عن
الفقه القائم عليها ، كيف لا وهو يؤكد أن التلفظ بالنية في الصلاة سنة (ص 65 و 68) !
ومع أن هذا افتراء على "السنة" ، فهو مخالف لاتفاق العلماء أن التلفظ بها بدعة - كما
ذكرت في "صفة الصلاة" - وإنما اختلفوا في شرعيتها ، فما بين مستحسن ، ومستقبح .
فكأن من مقصود هذا (السقاف) مجرد المعارضة !! ولو على حد قول المثل العامي"
"نكاية في الطهارة شخ في لباسه"!!
لقد رأيته قد أورد حديث الترجمة (ص 97) قائلاً :
رواه عبدالرزاق ... رقم (2787) وإسناده حسن" !
فضرب بذلك أقوال الأئمة المتقدمة في تجريح رواية المثنى بن الصباح ، من
مثل : الإمام أحمد وغيره حتى الترمذي وابن حبان ! ولم يقنع بذلك بل دجل

(13/844)


على قرائه وافترى على الإئمة، فقال معللاً تحسينه إياه :
"فإن المثنى بن الصباح لم يطعن في روايته عن عمرو بن شعيب - كما نبه
على ذلك الحفاظ - ، كما في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (10/33) ، وإنما
أصابه الاختلاف في روايته عن عطاء ، كما بينوا هنالك ، ووثق يحيى بن معين ،
وتضعيف الجمهور منصب ووراد فيما ذكرنا ".
وافتراؤه يمكن حصره في ثلاث نقاط :
الأولى : قوله "الحفاظ" ، فإنه ليس هناك في "التهذيب" ولا حافظ واحد نبه
على ما زعم ، غاية ما في الأمر ، إنما هو حافظ واحد - وهو يحيى القطان - تأول
السقاف كلامه بما زعمه ، فإنه قال :
" لم نتركه من أجل حديث عمرو بن شعيب ، و لكن كان منه اختلاط " فهذا - كما
ترى - ليس فيه نفي الطعن المطلق عن رواية المثنى بن عمرو ، وإنما فيه نفي الترك ،
وهو الضعف الشديد ، فمفهومه يستلزم إثبات الضعف غير الشديد ، وهذا خلاف
زعمه !
الثانية : قوله : "كما بينوا هنالك" ، فليس هناك مطلقاً حصر اختلاطه في
عطاء ، بل فيه ما يؤكد كذبه ، ألا وهو إطلاق ابن حبان أنه اختلط في آخر عمر ،
وقد تقدمت عبارته الصريحة في ذلك ، ووافقه الحافظ ابن حجر - كما تقدم - ، وإن
مما يؤيد الإطلاق أنه قد جاء في ترجمته هناك أن عبد الرزاق قال:
"أدركته شيخاً كبيراً ".
فإذا تذكرت أن عبدالرزاق رواه عنه عن عمرو بن شعيب ، تبين لك أن المثنى
حدث عبدالرزاق بحديث عمرو في كبره .

(13/845)


الثالثة : قوله : "ووثقه ابن معين" ، فيه تدليس يوهم القراء : أنه لم يضعفه مع
المضعفين ، وهو خلاف الواقع ، فإنه قد ضعفه في أكثر الروايات عنه ، وأنه المعتمد
لما تقدم بيانه .

6380 - ( السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بين طلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشمسِ ).
منكر .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/364) من طريق محمد بن يزيد
الأسفاطي قال : حدثنا هانئ بن خالد : قال حدثنا أبو جعفر الرازي عن ليث عن
مجاهد عن أبي هريرة مرفوعاً .
قلت وهذا إسناد ضعيف ، ومتن منكر ، أورده العقيلي في ترجمة هانئ هذا
فقال :
"بصري ، حديثه غير محفوظ ، وليس بمحفوظ ، ولا يتابع عليه ، ولا يعرف
إلا به ".
وأقره الحافظ في "اللسان" ، ونقل أصله "الميزان" عن أبي حاتم أنه قال :
"فيه جهالة" .
وأقره فيه ، وفي "المغني" .
وأما ابن حبان فأورده في "الثقات" (9/247) على قاعدته في توثيق المجهولين !
زأما نكارة متنه لمخالفته لكل الأحاديث الأخرى في تحديد ساعة الجمعة ،
وأصحها تلك التي تقول : إنها بعد صلاة العصر . فانظر "صحيح الترغيب" .

(13/846)


6381 - ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، أَتَانِي جِبْرِيلُ آنِفاً فَقَالَ : إِنَّا لِلَّهِ ،
وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، فَقُلْتُ : إِنَّا لِلَّهِ ، وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، مِمَّ ذَاكَ يَا جِبْرِيلُ ؟
فَقَالَ :
إِنَّ أُمَّتَكَ مُفْتَنَةٌ بَعْدَكَ بِقَلِيلٍ مِنْ الدَهْرٍ غَيْرِ كَثِيرٍ ، فَقُلْتُ : فِتْنَةُ
كُفْرٍ ، أَوْ فِتْنَةُ ضَلَالَةٍ ؟ قَالَ : كُلٌّ سَيكُونُ ، فَقُلْتُ : وَمِنْ أَيْنَ ذاك وَأَنَا
تَارِكٌ فِيهِمْ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟! قَالَ : بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَضِلُّون ،
فأوَلُ ذَلِكَ مِنْ أُمَرَائِهِمْ وَقُرَّائِهِمْ ، تُمْنَعُ الْأُمَرَاءُ الْحُقُوقَ ،ويسألُ الناسُ
حُقُوقَهُمْ فَلَا يُعْطُونَهَا ، فَيَفْتَتِنُوا ( الأصلُ : فيفشوا) وَيَقْتَتِلُوا ، وَيَتبَعُ
الْقُرَّاءُ أَهْوَاءَ الْأُمَرَاءِ فَيَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ .
فَقُلْتُ : يا جبريلُ ! فيم يَسْلَمُ ( الأصلُ : يسأل !) مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ ؟
قَالَ : بِالْكَفِّ وَالصَّبْرِ ، وإِنْ أُعْطُوا الَّذِي لَهُمْ ، أَخَذُوهُ ، وَإِنْ مُنِعُوا،
تَرَكُوهُ ) .

ضعيف جداً .
أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (1/131/303 - الظلال)
- مختصراً - ويعقوب الفسوي في "التاريخ" (2/308 - 309) - والسياق له - ، وابن
الجوزي في "العلل" (2/368 - 369) من طريق مَسْلَمَةَ بْنِ عُلَيٍّ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ قَالَ :
أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِحْيَتِي - وَأَنَا أَعْرِفُ الْحُزْنَ فِي وَجْهِهِ - فَقَالَ : ... فذكره .
وقال الفسوي :

(13/847)


ومحمد بن حمير هذا حمصي ليس بالقوي ، ومسلمة بن علي دمشقي
ضعيف الحديث . وعمر بن ذر هذا أظن غير الهمداني ، وهو عندي شيخ مجهول ،
ولا يصح هذا الحديث ".
وأقول : محمد بن حمير ، فيه كلام ، لكن الأكثرين على توثيقه ، وهو من
رجال البخاري ، فهو - كما قال الدارقطني - :
"لا بأس به".
وعمر بن ذر هو الهمداني في نقدي ،لأن ابن عساكر قد ترجمه ترجمة طويلة
في "تاريخ دمشق" (13/205 - 215) ، فالظاهر أنه أتى الشام ، وإن كان كوفياً ، ولم
يذكر البخاري وابن أبي حاتم غيره ، والحافظ لما ترجم له في "التهذيب" أتبعه بقوله :
"- تمييز - عمر بن ذر الشامي ، روى عن أبي قلابة خبراً منكراً . روى عنه
مسلمة بن علي ، ذكر الخطيب [في "المفترق" من طريق] يعقوب بن سفيان ..."
فساق إسناده وكلام الفسوي المتقدم عقبه . وما بين المعكوفتين سقطت من
"التهذيب" استدركتها من "اللسان" .
والمقصود : أنه ليس هناك ما يدل على أن ابن ذر هذا هو غير الهمداني ، والفسوي
لم يجزم بظنه أنه غيره . ولعله لذلك لم يذكره الحافظ في "التقريب" . والله أعلم .
وإنما علة الحديث مسلمة بن علي ، وهو الخشني ، فإنه متروك متهم ، وقد
تقدمت له أحاديث وبعض الأقوال التي قيلت فيه . فانظر مثلاً الحديث (141) .
وابن الجوزي لم يزد في إعلاله على أكثر من حكايته لكلام الفسوي المتقدم ، وقد
أخرجه من طريق الخطيب بسنده عنه .
ولا بد لي بهذه المناسبة - إتمام الفائدة من التذكير بأن في آخر الحديث من

(13/848)


الحض على الكف عن قتال الأمراء وبالصبر على ظلمهم ، قد جاء فيه أحاديث
صحيحة في "الصحيحين" وغيرهما ، ولذلك فلا يجوز الخروج عليهم وقتالهم
ليس حباً لأعمالهم ، وإنما درءاً للفتنة ، وصبراً على ظلمهم في غير معصية لله عز
وجل ، ومن ذلك حديث حذيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
" يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي ، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ
رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ " .
قَالَ حذيفة : قُلْتُ : كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ ؟ قَالَ :
تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ ، وَأُخِذَ مَالُكَ ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ".
أخرجه مسلم (6/20) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (1/162/2/3039) .

6382 - ( إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ مَعَهُمُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا ،
وَالرَّجُلُ مَعَ النِّسَاءِ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرُهُ ، فَإِنَّهُمَا يُيَمَّمَانِ وَيُدْفَنَانِ ،
وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لاَ يَجِدِ الْمَاءَ ) .
موضوع .
أخرجه أبو داود في "المراسيل" (298/414) ، ومن طريقه البيهقي
في "السنن" (3/398) : حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبَّادٍ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ - يَعْنِى ابْنَ عَيَّاشٍ -
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى سَهْلٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره ، وقال
البيهقي : « هَذَا مُرْسَلٌ ».
كذا قال ولم يزد ، وهو ذهول عن كونه مرسلاً موضوعاً ، آفته محمد بن أبي
سهل هذا ، فقد جزم أبو حاتم وغيره بأن محمد بن أبي سهل هذا هو محمد بن سعيد

(13/849)


الشامي الكذاب المصلوب في الزندقة ، وخفي ذلك على ابن حبان ، فذكره في
"الثقات" (7/408) ، وبخلاف صنعه في محمد بن سعيد ، فذكره في "الضعفاء" ،
انظر تعليقي على ترجمته في كتابي الجديد : "تيسير الانتفاع " وقد تحرف اسم محمد
ابن أبي سهل في "مصنف عبدالرزاق" (3/413/6135) إلى (محمد الزهري) !
وأشار النووي إلى الحديث في "المجموع" (5/151) ، ولم يزد أيضاً على قوله :
"رواه البيهقي مرسلاً " !
قلت : وهارون بن عباد - هو : أبو موسى الأزدي الأنطاكي - لم يذكروا له راوياً
غير أبي داود ومحمد بن وضاح القرطبي ، ولم يوثقه أحد ، ولذا قال الحافظ:
"مقبول" .
لكن تابعه عبدالرزاق - كما تقدم - . وقد خالفهما أبو بكر بن أبي شيبة فقال
في "مصنفه" (3/248) : حدثنا أبو بكر بن عياش عن ليث عن عطاء في المرأة
تموت مع الرجال ؟ قال :
"تيمم ، ثم تدفن في ثيابها . قال : والرجل كذلك ".
قلت : فلعل هذا الاختلاف في الإسناد إنما هو من أبي بكر بن عياش ، فإنه
مع كونه من رجال البخاري ، فهو قد تكلم فيه من قبل حفظه .
وقد روي مرفوعاً من طريقين آخرين واهيين :
أحدهما : عن نُعَيْم بن حَمَّادٍ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ بن زَيْدِ بن وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَطِيَّةَ بن قَيْسٍ عَنْ بُسْرِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سِنَانِ بن عَرَفَةَ - وَلَهُ صُحْبَةٌ - عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ مَعَ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةِ تَمُوتُ ... إلخ .

(13/850)


أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7/119 - 120) .
قلت : وعبدالخالق هذا ، قال البخاري :
"منكر الحديث" . وقال النسائي :
"ليس بثقة" . وبه أعله الهيثمي (3/23) ، إلا أنه قال :
"وهو ضعيف".
قلت : ونعيم بن حماد : ضعيف أيضاً ، بل قد اتهمه بعضهم - كما تقدم مراراً - .
وإذا عرفت ما تقدم ، فإيراد سنان هذا في "الصحابة" لهذا الحديث الواهي
إسناده مما لا يخفى فساده ، وبخاصة مع السكوت عن بيان وهائه ، كما فعل الحافظ
في "الإصابة" ، وقد عزاه للبارودي وابن السكن أيضاً من طريق بسر بن عبيدالله !
لم يذكر ما دونه من الإسناد المبين لضعفه ! فقد يتوهم منه الكثيرون أنه ثابت !
لأن بسراً هذا ثقة ، إلا لابتدأ بإسناده من الموضوع الضعيف منه - كما عليه عرف
العلماء وعملهم ومنهم الحافظ نفسه - ولذلك فقد أحسن الذهبي حين قال في
"التجريد" (1/241) :
"سنان بن غرفة له صحبة . روى عنه بسر بن عبيدالله إن صح" .
فأشار رحمه الله إلى أنه لا يصح .
والطريق الآخر : يرويه بشر بن عون الدمشقي : حدثنا بكار بن تميم عن
مكحول عن وائلة بن الأسقع مرفوعاً ... به مقتصراً على جملة المرأة فقط .
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ" (3/347) مع حديثين آخرين بهذا الإسناد .
وبشر بن عون وبكار بن تميم ، قال ابن أبي حاتم عن أبيه :

(13/851)


"مجهولان" .
والأول أورده ابن حبان في "الضعفاء" (1/190) وقال :
"يروي عن بكار بن تميم عن مكحول عن وائلة نسخة فيها ستمائة حديث،
كلها موضوعة ، لا يجوز الاحتجاج به بحال ".
ثم ساق له أحاديث ثلاثة أخرى ، وتقدم أحدها برقم (5756) .
واعلم أن الآثار في هذا الباب مختلفة ، فبعضها بمعنى هذا الحديث . وفي
بعضها أن المرأة يصب عليها الماء صباً فوق الثياب صباً . وروى ابن أبي شيبة
والبيهقي من طريق مطر عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ :
في المرأة تموت مع الرجال ؟ قال : تغمس في الماء . ولفظ البيهقي :
ترمس في ثيابها .

6383 - ( إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ ، فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ ، [ فإنه بَرَكَةٌ ] فَإِنْ لَمْ
يَجِدْ تَمْراً ، فَلْيُفْطِرْ عَلَى المَاءٍ ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ ) .
ضعيف .
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (2/253 - 255) ، وسائر أصحاب
السنن الأربعة وغيرهم ، كما هو مخرج في "الإرواء" (4/50) تحت الحديث (922) ،
وصححه جمع ذكرتهم هناك ، رووه كلهم من طريق شعبة عن عاصم عن حفصة
بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر مرفوعاً . وقال النسائي منكراً للزيادة
التي بين المعكوفتين :
"هذا الحرف "فإنه بركة" لا نعلم أحداً ذكره غير ابن عيينة ، ولا أحسبه
محفوظاً ".

(13/852)


وأقول : الرباب هذه لم يرو عنها غير حفصة ، فهي مجهولة كما حققته ثمة ،
فالحديث من أصله غيرمحفوظ عندي ، وقد كنت صححته في التعليق على
"صحيح ابن خزيمة" (3/278) لشاهد فيه (رقم 2066) من حديث أنس ، ولكن
تبين أنه غير محفوظ ، أخطأ فيه بعض الرواة على شعبة ، فرواه عنه بإسناد آخر
عن أنس ، وإنما المحفوظ ما رواه جمع من الثقات عن شعبة عن عاصم بهذا الحديث
المنكر .
ولست أريد الخوض في تخريج الحديث ، وبيان هذا الإجمال ، فإن محله
"الإرواء" (4/45 - 51) ، وإنما أريد التنبيه هنا على أمور :
الأول: أن الحديث قد صح من فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،
كما تقدم في "الصحيح" (2840) .
الثاني : أن الحديث جاء في "سنن الترمذي" (3/20/658 - دعاس) بزيادة
في آخره :
"وقال : الصدقة على المسكين صدقة ، وهي على ذي الرحم ثنتان : صدقة ،
وصلة ".
وهذا الحديث من أحاديث "رياض الصالحين" للإمام النووي (رقم 337) ،
وذكر عن الترمذي تحسينه إياه ، ولما كانت الزيادة المذكورة بنفس السند الذي فيه
الرباب المجهولة ، فلذلك يقتضي أن تكون ضعيفة كالأصل ، ولكن لما وجدت لها
شاهداً في "صحيح البخاري" ، قويتها في "الإرواء" (3/387 - 388) ، وبالتالي
أوردته في "صحيح الجامع" (3752) . ولقد كان ينبغي التنبيه على هذا الفرق بين
صحة المزيد ، وضعف المزيد عليه - كما فعلت في "السنن الأربعة" كما يأتي - .

(13/853)


أقول : كان ينبغي هذا أيضاً في تعليقي على "الرياض" يوم طلب مني صاحب
المكتب الإسلامي أن أعلق عليه ، وأبين مراتب أحاديثه بتعليقات سريعة لا تتناول
كل أحاديثه ، لأمر يعرفه هو كناشر وتاجر!
ثم جاء دور أحد الشباب المدعين لهذا العلم ، ممن يقال في مثله : إنه "تزبب
قبل أن يتحصرم " ، فأخرج الكتاب المذكور "الرياض" في طبعة جديدة تسر
الناظرين إليها ، وتسيء إلى العلم والعلماء بما فيها من حذف ، وحكم بغير علم أو
دليل ، فقد حذف منها نحو مائة وخمسين حديثاً زعم أنها ضعيفة كلها ، فأوردها
في آخر الكتاب تحت عنوان "الأحاديث الضعيفة المحذوفة من أصل الكتاب" ،
وتكلم عليها ، بإيجاز تارة ، وبإسهاب تارة أخرى ، وقد كشف بذلك على جهل بالغ
بهذا العلم الشريف ، مع قلة أمانة في النقل عن أئمة الجرح والتعديل ، وتجاهل
لبعض أقوالهم في التوثيق ، معرضاً عن قاعدة تقوية الأحاديث بالطرق والشواهد،
فأوصله ذلك إلى الاعتداء على كثير من الأحاديث الصحيحة المشهورة ، التي لم
يسبق من أحد من أهل العلم إلى تضعيفها بل تلقوها كلهم بالقبول ، كحديث
العرباض بن سارية في الموعظة ، وفيه الحض على التمسك بسنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وسنة
الخلفاء الراشدين .
وحديث أبي هريرة في فضل آية الكرسي ، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الشيطان : "صدقك
وهو كذوب " . رواه البخاري ، ومع أنه ذكر له من الشواهد ، ولكنه تجاهلها ! إلى
غير ذلك من الأحاديث التي كنت رددت عليه في بعضها في الاستدراكات التي
ألحقتها بآخر المجلد الثاني من " سلسلة الأحاديث الصحيحة" الطبعة الجديدة .
وإن مما يؤكد ما تقدم بيانه من الجهل بهذا العلم : أنه لم يتكلم بتصحيح أو
تحسين على حديث واحد من الأحاديث التي احتفظ بها في "رياضه" ، لأنه يعلم

(13/854)


أن ذلك سيكشف عن حاله بأكثر مما فعل في "ضعيفته" ! بل إنه زاد عليها ضغثاً
على إبالة - كما يقال - فعلق على بعض تلك الأحاديث فضعفها أيضاً ، وهذه أرقام
بعضها:
(217 و243 و1262 وحديث الاحتباء يوم الجمعة ص 441 ، والنهي عن
السمر بعد العشاء ص 450 و 1431) .
ولم ينج من تضعيفه أيضاً بعض الأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري أو
مسلم ، غير تلك التي أوردها في "ضعيفته" - مما سبق أن أشرنا إليها - ، وهاك
أرقامها :
(129 و241 و 233 و 509 و 957) و (ص 405) .
وإن من تصرفاته السيئة الجانية على السنة وكتبها ، والمخالفة للأمانة العلمية
التي لعله نسيها إن لم يكن قد تناساها : أنه حذف في جملة ما حذف أقوال
الإمام النووي التي كان يعقب عقب أحاديث "السنن" بتصحيح أو تحسين ينقل
ذلك عن الترمذي ويقره ، حذف الرجل ذلك كله ، سواء ذلك في الأحاديث التي
أبقاها في "رياضه" ، أو أوردها في "ضعيفته" ، فكتم عن قرائه حكم النووي وغيره
على الأحاديث ، ووضعهم أمام صمته المريب أمام القسم الأول منها ، ومقلدين له
في تضعيفه الفج للقسم الآخر منها !!
ومن ذلك أنه حذف شرح الإمام النووي لبعض الأحاديث وغريبها ، ونسب
ذلك لنفسه بنقلها من الأصل ، وطبعه إياها في التعليق ، موهماً القراء أنها من
كده وعلمه ، ولا سيما وهو قد ذكر في مقدمته أن الشرح منه (ص 16 و 20) ،
فصدق فيه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" (متفق عليه -

(13/855)


الرياض 1556/262 - باب) (1) .
فما أشبهه بذاك المبتدع المعروف بالشيخ الصابوني الذي ينقل تخريج الحافظ
ابن كثير في "تفسيره ، فيجعله في حاشية "مختصره" إياه ، موهماً القراء أن ذلك
من جهده وعلمه . فالله المستعان من مدعي العلم في هذا الزمان ، والمستغلين
لجهود غيرهم ليظهروا ! وحب الظهور يقطع الظهور .
ولما سبق بيانه ولغيره مما لا يمكن إحصاؤه - وههنا خاصة -يمكن القول بأن هذه
الطبعة لـ "رياض الصالحين" للإمام النووي ، لا يجوز نسبتها للنووي ، ولا الوثوق
بها للتصرف المسيء الذي وقع فيها من هذا الرجل المتعالم . ولو قال قائل بأن
الأولى أن يسمى بـ "مختصر رياض الصالحين لحسان عبدالمنان" لكان وجيهاً ، لأنه
هو نفسه قد أشار في مقدمته إلى ذلك (ص 14) فذكر أنه اختصره وهذبه ، زعم !
ولذلك فقد كان الواجب عليه أن يجعل عنوان الكتاب معبراً عما صنع به ، ولكنه
لم يفعل ، بل أبقاه باسمه الأول : "رياض الصالحين للإمام النووي" والسبب واضح
عند اللبيب العارف بأساليب المؤلفين والناشرين للتجارة! ولذلك فإني أقول بكل
صراحة وصدق : لقد شدهت وأسفت في آن واحد حين علمت أن صهري نظاماً
هو الذي قام على طبعه ونشره ، وكان المفروض عليه أن يستشيرني على الأقل قبل
أن يفعل ، ولكن هكذا قدر ، ولله في خلقه شؤؤن .
هذا ، ولم يقتصر حذفه وتغييره للكتاب على ما سبق بيانه فقط ، بل قد
__________
(1) وهذا الحديث في "رياض الرجل" برقم (1187) ، وقد سقط منه قول النووي : "متفق
عليه" ! ونقل كلام النووي في شرحه إلى الحاشية ، ولكنه هنا عزاه للنووي ، ولكنه لم يذكر أنه
من "الرياض" ! ثم ليته انتفع به ولم يقع في الزور !

.

(13/856)


تعداه إلى حذف مئات الأحاديث أيضاً ، فلا هو أبقاها في "رياضه" مشيراً إلى
رضاه عنها وصحتها ! ولا هو أوردها في "ضعيفته" مبيناً عللها على طريقه الواهي !
ويكفي القراء كافة أن يعرفوا نسبة المحذوف منها بمقابلة رقم الحديث الأخير
عنده ، وهو (1455) برقمه في بعض الطبعات الأخرى ، مثل الطبعات التي ذكرها
في مقدمته ، وهو فيها كلها يدور حول (1900) ، فالفرق نحو أربعمائة حديث ! مع
ملاحظة أن عدد أحاديث "ضعيفته" نحو (140) حديثاً !
والذي يهمني الآن من الأحاديث الأولى إنما هو حديث الترجمة ، ورقمه في
طبعة المكتب الإسلامي (337/ باب 40) ، ومحله في "رياضه" ! عقب الحديث
(242) ، فإنه من تلك الأحاديث المحذوفة .
وقد أعاده النووي في (223 - باب/رقم 1245) ، دون زيادة جملة "الصدقة ..."
برواية الترمذي وأبي داود، فما كان من المختصر إلا أن بادر إلى إيراد هذا في
"ضعيفته" (541/80) ، معللاً إياه بالرباب ، ملخصاً لكلامي المبسط في "الإرواء"
(4/50) - كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أول هذا التخريج - .
وصنيعه هذا من الأدلة الكثيرة على تطفله على هذا العلم ، وإلا لكان
الواجب عليه أن ينقل الحديث في "ضعيفته" من الموضع الأول الذي فيه جملة
الصدقة ، فإن ذلك يغنيه عن نقله من الموضع الآخر المختصر ، فلو فعل ذلك ، لكان
إعلاله بالرباب يشمل الحديث بشطريه ، فهل تعمد صرف النظر عن الشطر الثاني
منه ، لأنه لا يريد أن يظهر موقفه من شاهده المشار إليه آنفاً ؟ أم هو السهو الذي لا
ينجو منه إنسان !
غالب الظن أنه الاحتمال الأول ، لما سبقت الإشارة إليه من إعراضه عن

(13/857)


قاعدة تقوية الأحاديث بالطرق والشواهد . وهذا أمر ظاهر في "ضعيفته" ، ولا
يخفى على من درسها دراسة فاحص ناقد . وهو متهم بهذا منذ خرج على الملأ
بـ "رياضه" ، فلو أنه كان يرى خلاف ما يتهم به ، لاهتبلها فرصة مناسبة ليصرح
بصحة تلك الزيادة للشاهد المشار إليه . أويعلن موقفه منه ، فإذا لم يفعل فالتهمة
قائمة عليه .
وبهذه المناسبة لا بد لي من البيان الآتي :
ما كادت طبعة حسان هذه لـ "الرياض" سنة (1412 هـ) تنزل إلى السوق ،
حتى أنزل صاحب المكتب الإسلامي طبعة جديدة لـ "رياض الصالحين للنووي"
تختلف في تحقيقاتها وتعليقاتها كل الاختلاف عن الطبعة الأولى منه لسنة
(1399) التي كنت أنا الذي قام بتخريجها والتعليق عليها ، اختلافاً ظاهراً وباطناً .
أما الظاهر ، ففي الأولى طبع عليها :
"تحقيق محمد بن ناصر الدين الألباني" . أما هذه فطبع عليها هاتين الجملتين :
تحقيق جماعة من العلماء . تخريج محمد ناصر الدين الألباني" !!
فهل كان صادقاً في هذا ؟ ذلك ما ستعلمه مما سأذكره قريباً .
لقد وضع الجملة الأولى لإيهام الناس أن طبعته محققة من العلماء فيضرب
بذلك نفاق سوق طبعة حسان ! والحقيقة أن لا علماء لديه ، بل ولا طلاب علم ،
وإنما موظفون يفعلون ما يؤمرون . إن لم يكن الفاعل هو نفسه ! ولا مجال الآن
لتفصيل القول في ذلك ، وتقديم الأدلة القاطعة على ذلك ، فحسبي في هذه العجالة
حديث الترجمة .
لقد ذكرت آنفاً أنني لم أكن علقت أو خرجت كل أحاديث الكتاب ، فليتأمل

(13/858)


القراء ماذا علقت عليه (جماعة العلماء) قالوا في حاشيته (ص 175) :
"انظر صحيح سنن الترمذي ..." إلخ .
فذكروا أو ذكر مع هذا المصدر "صحيح سننن أبي داود" ، صحيح سنن ابن
ماجه" ، "ضعيف سنن ابن ماجه" ، "الإرواء" !
لو كان هناك علماء - بل عالم أو طالب علم بحق - لأغنى القراء عن ذاك
التعليق أو التخليط الذي يذكر بقولهم : أسمع جعجعة ولا أرى طحناً ! بكلمة
واحدة نحو : الشطر الأول من الحديث : إذا أفطر ... ضعيف الإسناد ، وإنما صح من
فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
والشطر الآخر : الصدقة ... صحيح لغيره لشاهده . انظر "الإرواء" . فهذا المصدر
يغني عن تلك المصادر التي سود بها ثلاثة أسطر ، لأنه عليه وعلى مثله يعتمد .
وإن من تمام التزوير والتضليل والاستغلال الوضيع : إيهام القراء أن التعليق
المذكور هو بقلم الألباني ، لأنه جرى في كل تعليقاته على هذه الطبعة على عدم
التفريق بين تعليقاتي ، وتعليقات (جماعة العلماء) ! اللهم ! إني مظلوم فانتصر .

6384 - ( إِنَّ هَذِهِ الرَّيَاحِيْنَ الطَّيِّبَةَ مِنْ نَبْتِ الجَنَّةِ ، فَإِذَا نُووِلَ
أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئاً ، فَلاَ يَرُدُّهُ ).
موضوع .
أخرجه السِّلفي في "المنتخب من أصول الشيخ أبي محمد السراج
اللغوي" (1/103/2) ، والذهبي في "السير" (13/350 - 351) من طريق مُحَمَّد
ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُشَيْرِيُّ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً نَاوَلَهُ رَجُلٌ رَيْحَانَةً ، فَرَدَّهَا ، فَأَخَذَهَا ابْنُ عُمَرَ ، فَقَبَّلَها وَوَضَعَها

(13/859)


عَلَى عَيْنيهِ ، ثُمَّ قَالَ: ... فذكره . وقال الذهبي :
"هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، وَالقُشَيْرِيُّ تَالِفٌ " . وقال في "المغني" :
"كذاب مشهور" .
والشطر الأول منه أخرجه الترمذي بسند مجهول عن أبي عثمان النهدي
نحوه مرسلاً . وتقدم الكلام عليه برقم (764) .
والشطر الآخر له شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ :
"مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ ، فَلَا يَرُدُّهُ ، فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيِّبُ الرِّيحِ" .
أخرجه مسلم (7/48) وغيره. ورواه ابن حبان (5078) بلفظ : "... طيب"
بدل "ريحان" . وهو مخرج في "المشكاة" (3016/ التحقيق الثاني) .

6385 - ( الْخَيْرُ عَشَرَةُ أَعْشَارٍ، تِسْعَةٌ بِالشَّامِ ، وواحدٌ فِي سَائِرِ البُلدانِ .
وَالشَّرُّ عَشَرَةُ أَعْشَارٍ ، واحدٌ بِالشَّامِ ، وَتِسْعَةٌ فِي سَائِرِ البُلدانِ ... ".
منكر .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/143 - ط دمشق) من طريق
إبراهيم بن يزيد بن مصعب الشامي : نا أبو خليد الدمشقي ، عن الوضين بن
عطاء ، عن مكحول عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً ... به ، وزاد في آخره :
"وإذا فسد أهل الشام ، فلا خير فيكم " .
قلت :وهذا إسناد فيه ضعيف ، فيه ثلاث علل :
الأولى : عنعنة مكحول ، فإنه كان يدلس - كما قال العلائي وغيره - ، وكان
يرسل عن الصحابة كثيراً ، وقد اختلفوا هل سمع من أحد منهم ؟ والأكثر على
النفي ، وبعضهم على الإثبات ، لكن لا أحد منهم ذكر عبدالله بن عمرو فيهم .

(13/860)


الثانية : الوضين بن عطاء ، مختلف فيه ، وقال الحافظ في "التقريب" :
"صدوق سيئ الحفظ ".
وبه أعله السيوطي في "الجامع الكبير" ، فقال:
رواه الخطيب في "المتفق والمفترق" عن ابن عمرو ، وفيه أبو خليد الدمشقي
عن الوضين بن عطاء ، قال أحمد : ما كان به بأس ، ولينه غيره" .
قلت : وأما في "الدر المنثور " فعزاه (3/113) لابن عساكر فقط ، وسكت عنه !
الثالثة : إبراهيم بن يزيد بن مصعب الشامي ، لم أعرفه ، لم أره إلا في هذه
الرواية ، فالحديث منكر .
لكنه قد صح موقوفاً على عبدالله بن مسعود ، دون الزيادة ، فإنها قد صحت
مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث قرة بن إياس ، وهو مخرج في بعض كتبي
وتعليقاتي ، فراجعه إن شئت في "صحيح الجامع الصغير" .
وأماأثر ابن مسعود فله عنه طرق :
الأولى: يرويها الأعمش عن عبدالله بن ضرار الأسدي عن أبيه عن عبدالله
قال : ... فذكره بلفظ :
"قَسَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَيْرَ ، فَجَعَلَهُ عَشَرَةَ أَعْشَارٍ ، فَجَعَلَ تِسْعَةَ أَعْشَارٍ بِالشَّامِ ،
وَبَقِيَّتَهُ فِي سَائِرِ الأَرْضِين ، وَقَسَّمَ الشَّرَّ فَجَعَلَهُ عَشَرَةَ أَعْشَارٍ ، فَجَعَلَ جُزْءاً مِنْهُ
بِالشَّامِ ، وَبَقِيَّتَهُ فِي سَائِرِ الأَرْضِين ".
أخرجه الفسوي في "التاريخ" (2/295) ، والطبراني في "المعجم الكبير"
(9/198/8881) ، وأبو الحسن الربعي في "فضائل دمشق" (9/14) ، وابن عساكر

(13/861)


في "تاريخ دمشق " (1/144 - ط دمشق) من طريق أَبي نُعَيْمٍ الفضل بن دكين
قال : حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن ضِرَارٍ الأَسَدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ...
فذكره موقوفاً .
وقال ابن عساكر :
"تابعه أبو معاوية محمد بن خازم الضرير عن الأعمش ، وخالفهما عبد الواحد
ابن زياد ".
ثم ساق إسناده إلى عبدالواحد قال : نا الأعمش عن سعيد بن عبد الله بن
ضرار عن أبيه ، وعن خيثمة قالا : قال عبد الله : ... فذكر نحوه .
قلت وهذا إسناد مظلم على الاضطراب المذكور بين الثقات الثلاثة :
فالأولان أبو نعيم وأبو معاوية سميا تابعي الحديث :
"ضرار الأسدي " . وسميا ابنه :
عبدالله بن ضرار" .
والثقة الثالث عبدالواحد ، جعل الابن (عبدالله بن ضرار) تابعي الحديث ،
إلا أنه لم يذكر نسبته (الأسدي) ، ومن جهة أخرى سمى ابنه (سعيداً) .
ومثل هذا الاضطراب يشعر بجهالة الأب والابن معاً ، وعلى الوجهين المختلفين.
وقد ذكر البخاري في "التاريخ" (3/1/122) ، وتبعه ابن حبان في "الثقات"
(5/37) عبدالله بن ضرار هذا برواية ابنه سعيد ، وكذلك فعل ابن أبي حاتم
(2/2/88) ، لكنه زاد نسبة (الأسدي) ، وقال عن أبيه :
"ليس بقوي" . وروى عن ابن معين أنه قال :

(13/862)


عبدالله بن ضرار ، وهو ابن الأزور ".
وأما ابنه سعيد ، فقد ترجمه البخاري وابن أبي حاتم برواية ثلاثة آخرين عنه
غير الأعمش ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (4/280) .
ثم رأيت في "الميزان ما نصه" :
"عبدالله بن ضرار ، عن أبيه ضرار بن عمرو . قال ابن معين : ليس بشيء ..." .
ثم ساق له حديثاً منكراً في الإنفاق على البنات والبدء بهن ، من روايته عن
أبيه عن يزيد الرقاشي عن أنس .
أخرجه ابن عدي (4/240) ، لكنه دونه من هو متهم بوضع الحديث . ولذلك
أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/276 - 277) ، وقعقع عليه السيوطي في
"اللآلي" (2/177) .
وزاد الحافظ في "اللسان" على "الميزان" ، فذكر قول أبي حاتم المتقدم في عبدالله
هذا : "ليس بقوي" ، وتوثيق ابن حبان إياه ، والله أعلم .
وإن من أوهام الهيثمي : أنه ذكر الحديث في "المجمع" (10/276 - 277)
من رواية الطبراني ابتدأه بقوله:
"وعن عبدالله ضرار بن عمرو الأسدي عن أبيه عن عبدالله - يعني : ابن
مسعود - قال ... ".
قلت : فهذا منه تصرف غير محمود ، لأنه أوهم أن عبدالله بن ضرار ... هكذا
جاء منسوباً إلى جده "عمرو الأسدي" عند الطبراني ! وليس كذلك - كما تقدم
معزواً إليه وإلى غيره - ، وإنما هو تصرف شخصي منه ملفقاً بين الترجمتين المذكورتين
في "الميزان" !

(13/863)


الثانية : فقال الفسوي في "التاريخ" (2/750) وعنه ابن عساكر : حدثنا قبيصة
ابن عقبة : ثنا سفيان عن زياد بن علاقة عن ثابت بن قطبة قال: سمعت عبدالله
بن مسعود يقول : ... فذكر نحوه أتم منه .
قلت : وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين ، غير ثابت بن قطبة ،
وهوثقة عند ابن حبان وغيره - كما ذكرت في "تيسير الانتفاع" يسر الله لي إتمامه (*) - ،
وهذا إن كان قبيصة قد حفظه عن سفيان الثوري ، فإن فِي حَدِيثِه عنه بعض
الضعف ، ولعل الحافظ ابن عساكر أشار إلى ذلك بقوله عقبه :
"خالفه زائدة بن قدامة ، فرواه عن زياد عن قطبة بن مالك ".
ثم ساقه من طريق ابن أبي خيثمة : نا معاوية بن عمرو : نا زائدة ... به .
قلت : وهذا إسناد صحيح ، وهو أصح من الذي قبله ، رجاله ثقات رجال
الشيخين ، غير ابن أبي خيثمة ، وهو أحمد بن زهير بن حرب الحافظ ابن الحافظ ،
صاحب "التاريخ" المعروف به . وقطبة بن مالك صحابي معروف .
فأقول : فمن المحتمل أن يكون لزياد بن علاقة شيخان بينه وبين ابن مسعود ،
- هما : ثابت بن قطبة ، وقطبة بن مالك - فكان يرويه تارة عن هذا ، وتارة عن هذا ،
وإما أن يكون قبيصة وهم على سفيان . وهذا أقرب عندي . والله أعلم .
الثالث : يرويه عبدالله ابن أحمد : حدثني أبي : نا محمد بن عبيد : نا الأعمش
عن عبدالله بن سراقة عن أبيه قال : قال عبدالله : ... فذكره نحوه بلفظ: "إن
الخير قسم عشرة أعشار ... " إلخ .
أخرجه ابن عساكر أيضاً (1/145) من طريق أبي سعيد عبدالرحمن بن حمدان
__________
(*) قد تُم - فيما نعلم - ولم يطبع بعدُ . (الناشر) .

(13/864)


النصروي : أنبأ أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي : نا عبدالله بن أحمد .
وهذا الإسناد رجاله ثقات ، غير عبدالله بن سراقة عن أبيه ، لم أجد من
ذكرهما ، وإنما جاء في "التهذيب" وفروعه :
"عبدالله بن سراقة عن أبي عبيدة بن الجراح . وعنه عبدالله بن شقيق
العقيلي" . وفيه جهالة . انظر "المشكاة" (5486) .
(تنبيه) : ولقد عزا العلامة ابن القيم في "تهذيب السنن" (3/355) طريق أحمد
هذه "لمسنده" مع اختلاف في الإسناد والمتن ، فقال:
"وفي "مسند الإمام أحمد" من حديث محمد بن عبيد عن الأعمش عن عبدالله
ابن ضرار الأسدي عن أبيه عن عبدالله قال : قسم الله الخير ، فجعله عشرة ... ".
وفي هذا العزو أوهام ثلاثة :
الأول : ليس الخبر في "مسند أحمد" مطلقاً ، وبذلك قطع الشيخ أحمد شاكر
رحمه الله في تعليقه على "التهذيب" ، ويؤيده عدم عزو الحافظ الهيثمي إياه
لأحمد ، وهو مما اعتمد عليه الشيخ رحمه الله ، ولو أنه وقف على رواية ابن عساكر
هذه ، لكان أقوى له .
ومن الظاهر أن ابن القيم رحمه الله كتب ذلك من حفظه ، وقد يكون قرأ يوماً
ما هذا الأثر في "تاريخ ابن عساكر " معزواً لأحمد ، ومع طول الزمن نسي فظن أنه
في "مسنده" فعزاه إليه .
ويحتمل أنه من يوم قرأه فيه من رواية القطيعي ، وهو يعلم أن القطيعي راوية
"المسند" ، توهم أنه في "المسند" ، فعزاه إليه اعتماداً منه على "التاريخ" حسب
فهمه ، ولعله لم يتنبه لكون الراوي عنه في "التاريخ" إنما هو أبو سعد النصروي (1) ،
__________
(1) وصفه الذهبي في "السير" (17/553) بـ "الشيخ الجليل الإمام المحدث" .

(13/865)


وليس - هو - أبو علي التميمي المعروف بابن المذهب المشهور بروايته لـ "مسند الإمام
أحمد ".
والثاني : أنه ركب إسناداً من إسناد أحمد عند ابن عساكر ، ومن إسناد
الطبراني وغيره ، فإنه عند الأول من حديث محمد بن عبيد عن الأعمش عن
عبدالله بن سراقة عن أبيه . وعند الطبراني من طريق أبي نعيم عن الأعمش عن
عبدالله بن ضرار الأسدي عن أبيه . فجعل في إسناد محمد بن عبيد : "عبدالله
ابن ضرار الأسدي عن أبيه" الذي في إسناد أبي نعيم . وهذا خلط عجيب لم
يتنبه له الشيخ أحمد ، وقد عرفت السبب إن شاء الله تعالى .
الثالث : أن لفظ أحمد في "التاريخ" يختلف عن اللفظ الذي عزاه ابن القيم
إليه ، كما يتبين مما سبق . والله سبحانه وتعالى أعلم .

6386 - ( إذا أكلتُمُ الفُجْلَ ، وأردتُم أن لا يُوْجَدَ له ريحٌ ، فاذكُروني
عند أولِ قَضْمَةٍ ) .
باطل .
أخرجه أبو القاسم الحِنائي في "المنتقى من حديث أبي بكر الحنائي"
(ق 163/1) ، والديلمي في "مسند الفردوس" من طريق بقية بن الوليد عن
عبدالله بين يحيى عن منصور بن المعتمر عن أبي عبيدة عن عبدالله مرفوعاً .
عزاه للديلمي السيوطي في "الأحاديث الموضوعة" (ص 137) رقم (653 -
بترقيمي) ، وسكت عنه . فقال ابن عراق في : تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار
الشنيعة الموضوعة" (2/261) :
"قلت : لم يبين علته ، وفيه :
1 - انقطاع بين أبي عبيدة وأبيه فإنه لم يسمع منه .

(13/866)


2- وعبد الله بن يحيى ، شيخ لبقية ، قال في "المغني"
"مجهول".
3 - وكان ( بقية) يكتب عمن هب ودرج
والحديث أورده العلامة الشمس السخاوي في "القول البديع" وقال :
"لا يصح . والله أعلم " .
قلت وتمام كلام الحافظ السخاوي في "القول البديع" (ص 170) .
"والأشبه ما رواه مجاشع بن عمرو عن أبي بكر بن حفص عن سعيد بن
المسيب قال :
( من أكل الفُجْلَ ، فسره أن لا يُوْجَدَ منه ريحه ، فليذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند أولِ
قَضْمَةٍ ) ".
فأقول : حاش لله أن يصدر مثل هذا الهراء من سيد التابعين سعيد بن المسيب
رحمه الله ، ولا أن يرويه مرفوعاً إلى رسول الله أبو عبيدة بن عبدالله بن مسعود .
وإني لأستغرب جداً أن يشير الحافظ السخاوي إلى أن الأرجح لديه أن يكون
من قول ابن المسبيب ، وهو يرى أنه من رواية مجاشع بن عمرو ، وقد قال فيه ابن
حبان في "الضعفاء" (3/18) :
"كان ممن يضع الحديث على الثقات ، ويروي الموضوعات عن أقوام ثقات".
وفي "الميزان" و "اللسان" عن ابن معين أنه قال :
"قد رأيته أحد الكذابين" .
والسخاوي بلا شك على علم بهذا - فإنه إن خفي عليه قول ابن حبان هذا

(13/867)


فإنه لم يذكر في الكتابين المذكورين - فإنه على علم بقول ابن معين فيه ، لأنه في
كتاب شيخه ابن حجر: "اللسان" . فلا أدري والله - بعد هذا كله - كيف يقول :
"والأشبه ... عن سعيد بن المسيب قال : ... "؟!
وأما الحديث الذي أعله ابن عراق بالعلل الثلاث : فأرى أن العلتين الأوليين
مما لا ينبغي التمسك بهما ، في إعلال هذا الحديث الباطل :
أما الأولى منهما ، فلما تقدم من تنزيه السلف عن رواية الباطل .
وأما الثانية ، فلأن ما نسبه إلى "المغني": إن كان يعني "مغني الحافظ الذهبي" ،
فهو مخالف للواقع فيه ، فإنه قال :
"عبدالله بن يحيى الألهاني ، شيخ لبقية والوليد بن مسلم صدوق إن شاء
الله تعالى" . وكذا قال في "الميزان" و "اللسان" .
وإن كان غير "مغني الذهبي" - وهذا ما أستبعده - فلم أعرفه .
وهنا أمران لفتا نظري :
الأول : أن ابن حجر الهيتمي الفقيه نقل كلام السخاوي ملخصاً ، وقال في
آخره :
"والأشبه أنه من كلام ابن المسيب"!!
فهو بهذا التلخيص حسم المشكلة ، ونسب إلى ابن المسيب ما لا يجوز . والله
المستعان .
والآخر : أن الحديث أورده الشيخ الفتني الهندي في "تذكرة الموضوعات"
(ص 149) ساكتاً عنه تبعاً لأصله "ذيل الأحاديث الموضوعة" للسيوطي كما تقدم .

(13/868)


أما ما وقع في التعليق على "الفردوس" للديلمي (1/274/1068) بما نصه :
"تذكرة الموضوعات 149 ، قال الفتني فيه : كذب " .
فهو مما لا أصل له في الصفحة المذكورة ، ولا أستبعد أن يكون الأصل :
"قال الفتني : فيه كذاب " !
فيكون خطأ فكرياً صحبه خطأ مطبعي ، وسبب الأول سوء الفهم ، أو سرعة
النقل ، فإن الفتني ذكر عقب هذا الحديث حديثاً آخر بلفظ :
"من ابتدأ بأكل القثاء فليأكل من رأسها" واتبعه بقوله :
"فيه كذابان" .
فتوهم أنه يعني : فيهما كذابان !! أو غير ذلك من الأوهام !

6387 - ( لَا يَنْهَقُ الْحِمَارُ حَتَّى يَرَى شَيْطَاناً ، أَوْ يَتَمَثَّل لَهُ شَيْطَان ،
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ، فَاذْكُرُوا اللَّه ، وَصَلُّوا عَلَيَّ ) .
منكر بهذا اللفظ .
قال الحافظ في "الفتح" (6/353) :
"رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث أَبِي رَافِع رَفَعَهُ " لَا يَنْهَق الْحِمَار ... ".
قلت : وسكت عنه ، والقاعدة عنده أن ما سكت عنه ، فهو حسن على الأقل ،
وهذا ما أستبعده ، فقد صح الحديث عن أبي هريرة وجابر بلفظ آخر في الأمر
بالاستعاذة بالله من الشيطان عند نهيق الحمار ، وهما في "الصحيحين" وغيرهما ،
دون قوله : "وصلوا علي" ، وهما مخرجان في "الصحيحة" (3183 و 3184) .
ثم إن إطلاق الحافظ العزو للطبراني إنما يعني إصطلاحاً عاماً أنه "المعجم
الكبير" للطبراني ، وليس هو في "مسند أبي رافع" منه . بل ولا هو في "المعجمين"

(13/869)


الآخرين له : "الأوسط" و "الصغير" ، ولا رأيته في "كتاب الدعاء" له ، ولا في
"مجمع الزوائد" ، ولا في "مجمع البحرين" وقد طبع حديثاً . فلا أدري إذا كان
وقف عليه في بعض كتب الطبراني التي لم تصلنا ، مثل "مسند الشاميين" ، فإنه
لم يطبع منه سوى مجلدين ، وليس فيهما ، أو أنه دخل عليه حديث في
حديث ، فقد روى الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" عن أبي رافع أيضاً مرفوعاً :
"إذا طَنَّتْ أُذُنُ أَحَدِكُمْ فَلْيَذْكُرْنِي ، وَلْيُصَلِّ عَلَيَّ" . ورواه الطبراني في "الكبير" أيضاً
(1/301/958) بزيادة في آخره ، وإسناد الثلاثة واحد ، وهو ضعيف - كما هو
مبين عندي في "الروض النضير" (960) - .
(تنبيه) : من غرائب الحافظ السخاوي في "القول البديع" أنه نقل تخريج الحافظ
للحديث بالحرف الواحد ، (ص 170) ، دون أن يعزوه إليه ، ولا تكلم عليه بشيء !!
هذا ، وقد سرد ابن القيم في الباب الأول من كتابه "جلاء الأفهام" أحاديث
الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسندة مع تخريجها ، فبلغت (109) حديثاً ، ومنها حديث
طنين الأذن هذا عن أبي رافع (42/71) وأما حديث الترجمة ، فلم يذكره . ثم عقد
باباً ثانياً في المراسيل والموقوفات فبلغ العدد (140) ، وليس فيها .

6388 - ( اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ دَمَ ابْنِ ثَعْلَبَةَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَالْكُفَّارِ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8369/8156) قال : حَدَّثَنَا
عَمْرُو بن إِسْحَاقَ بن إِبْرَاهِيمَ بن زَبْرِيقٍ الْحِمْصِيُّ : حَدَّثَنَا جَدِّي إِبْرَاهِيمُ بن الْعَلاءِ ،
وَعَمِّي مُحَمَّدُ بن إِبْرَاهِيمَ قَالا : حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بن الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سُلَيْمَانَ بن
سُلَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بن جَابِرٍ عَنِ ابْنِ ثَعْلَبَةَ :
أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ...
فذكره ، قال :

(13/870)


فَكُنْتُ أَحْمِلُ فِي عِظَمِ ( في "المجمع" : عُرض ) الْقَوْمِ ، فَيَتَرَاءَى لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَلْفَهُمْ . فَقَالُوا: يَا ابْنَ ثَعْلَبَةَ (إنك) لَتَغْرر وَتَحْمِلُ عَلَى الْقَوْمِ ؟ فَقَالَ:
إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَرَاءَى لِي خَلْفَهُمْ ، فَأَحْمِلُ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَقِفَ عِنْدَهُ ، ثُمَّ يَتَرَاءَى
لِي عِنْدَ أَصْحَابِي ، فَأَحْمِلُ حَتَّى أَكُونَ مَعَ أَصْحَابِي ، قَالَ: فَعُمِّرَ زَمَاناً مِنْ دَهْرِهِ.
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، عمرو بن إسحاق ... ابن زبريق الحمصي لم أجد
له ترجمة ، وله في "المعجم الأوسط" (1/304/2) أربعة أحاديث ،لكن قبل
الحديث الأول منها ورقة مفقودة من نسختي المصورة منه ، فيحتمل أن يكون فيها
أحاديث أخرى له ،وبخاصة أن له حديثاً آخر في "المعجم الصغير" (رقم 542 -
الروض ) . والله أعلم .
وإبراهيم بن العلاء مختلف فيه ، فقال أبو داود :
"ليس بشيء" .
وذكره ابن حبان في "الثقات" (8/71) . وقال فيه أبو حاتم (1/121) :
"صدوق".
لكنهم ذكروا أنه كان له ولد يسوِّي الأحاديث ، فأنكروا عليه حديث "استعتبوا
الخيل" فقالوا :إنه من عمل ابنه !! انظر الحديث المتقدم (2755) .
وأما محمد بن إبراهيم ، فهو كابن أخيه عمرو بن إسحاق لم أجد له ترجمة .
وبقية بن الوليد ثقة ، ولكنه مدلس ، وقد عنعنه - كما ترى - .
إذا عرفت هذا ، فإن من عجائب الهيثمي قوله عقب الحديث (9/379) :
رواه الطبراني ، بإسناد حسن".
وذلك لأن من عادته - على القاعدة العلمية - إعلال رواية بقية المعنعنة

(13/871)


بالتدليس الذي عرف به . ومع ذلك فقد وجدته حسَّن إسناده هنا ، مع ما في
الطريق إليه من ضعف .
وعلى العكس من هذا وجدته فِي حَدِيثِ آخر لبقية في فضل ضمرة بن
ثعلبة عزاه لأحمد والطبراني ، ومع أن هذا قد وقع في إسناده تصريح بقية
بالتحديث . ومع ذلك أعله بأن بقية مدلس ! وقد وافق الطبراني على التصريح
المذكور بعض الرواة الثقات عن بقية عند البخاري في "تاريخه" ، والبزار في
"مسنده" في الحديث الآخر المشار إليه ، وقد خرجته في "الصحيحة" (3018) .

6389 - ( لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
وَمَا حَوْلَها ، وَعَلَى أَبْوَابِ أَنْطاكِيَةَ وما حَوْلَها ، وَعَلَى أَبْوَابِ دِمَشْقَ وَمَا
حَوْلَها ، وَعَلَى أَبْوَابِ الطَّالَقانِ وَمَا حَوْلَها ، ظَاهِرِينَ على الحقِّ ، لا
يُبالون مَنْ خَذَلَهُم ، ولا من يَضُرُّهُمْ حتى يُخرِجَ لهم اللهُ كنْزَه من
الطَّالَقانِ ،فيُحْيِي به دينَه كما أميتَ من قَبْلُ ) .
منكر جداً بهذا التمام .
أخرجه أبو الحسن الربعي في "فضائل الشام
(ودمشق" (85/112) ، ومن طريق ابن عساكر (1/242) عن عبد الله بن قسيم
عن السري بن بزيع عن السري بن يحيى عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه
مرفوعاً . وقال ابن عساكر :
"وهذا إسناد غريب ، وألفاظ غريبة جدا" .
قلت : وعلته عبدالله بن قسيم عن السري بن بزيع ، فإنهما نكرتان لا يعرفان ،
ليس لهما ذكر في شيء من كتب الرجال .
على أن الحسن - وهو البصري - مدلس - على فضله - وقد عنعن ، إلا أنه قد

(13/872)


توبع مختصراً ، فرواه إسماعيل بن عياش الحمصي عن الوليد بن عباد بن عامر
الأحول عن أبي صالح الخولاني عن أبي هريرة به ، دون ذكر "أبواب أنطاكية"
و"أبواب الطالقان" .
أخرجه أبو يعلى (11/302/6417) ، ومن طريقه ابن عساكر (1/241) ،
والطبراني في "المعجم الأوسط" (1/61/47 - ط) ، وابن عدي في "الكامل"
(7/84) ، ومن طريقه ابن عساكر أيضاً ، وأبو الحسن الربعي في "فضائل الشام"
(76/114 و115) ، وابن عساكر أيضاً (1/240) ، وقال الطبراني وابن عدي :
"لم يروه عن عامر الأحول إلا الوليد بن عباد ، تفرد به إسماعيل بن عياش".
زاد ابن عدي :
"والوليد بن عبّاد ليس بمستقيم ، ولا يروي عنه غير إسماعيل بن عياش".
قلت : فهو مجهول ، وبه صرح الذهبي في "الميزان" و "المغني" . وأما ابن حبان
فذكره في "الثقات" (7/551) على قاعدته المعروفة في توثيق المجهولين . واضطرب
فيه الهيثمي ، فقد أورد الحديث في موضعين من "معجمه" ، فقال في الموضع
الأول (7/288) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه الوليد بن عباد ، وَهُوَ مَجْهُولٌ ".
وقال في الموضع الآخر (10/60 - 61) :
"رواه أبو يعلى ، ورجاله ثقات" !
ويؤخذ عليه أمران:
أحدهما : وهو ظاهر مما سلف ، وهو التناقض ، لكن ذلك لا يظهر إلا لمن وقف
على إسناد الطبراني وأبي يعلى ، فوجد أنَّ مدارهما على طريق واحد !

(13/873)


والآخر : إيهام القراء بتفريقه في الحكم بين رواية الطبراني ورواية أبي يعلى
بأنها متغايراتان ، والواقع أنهما واحدة ، إلا أنه في الرواية الأولى اعتمد على الذهبي
في تجهيل الراوي ، وفي الرواية الأخرى اعتمد على توثيق ابن حبان ! والصواب
بداهة مع الذهبي ، لما علمت من تفرد إسماعيل بالرواية عن الوليد بن عباد.

على أن ابن عياش هذا فيه كلام من جهة حفظه ، والذي عليه المحققون من
المتقدمين والمتأخرين التفريق بين روايته عن الشاميين ، فهي صحيحة ، وروايته عن
غيرهم ، فهي ضعيفة ، خلافاً لبعض المغرورين بعلمهم الذي يذكرني بحديث
"الرويبضة" ، فإنه ركب رأسه ، وخالف العلماء ، وأطلق الضعف على ابن عياش
في تضعيفه لحديث العرباض في ترجمة الوليد هذا أنه من الشاميين ، فليست روايته عنه
صحيحة . والله أعلم .
ثم إن الحديث قد جاء عن أبي هريرة من طريقين آخرين : أحدهما عند ابن
ماجه (رقم 7) ، والآخر عند ابن حبان (1852) ، وابن عساكر (1/243) ، بإسنادين
حسنين مختصراً ، دون ذكر الأبواب ، ودون قوله في آخره :
"حتى يخرج لهم الله ..." إلخ .
فهي زيادات منكرة يقيناً ، وبخاصة أنها لم ترد أيضاً في أحاديث الصحابة
الآخرين الذين وافقوا أبا هريرة في رواية أصل الحديث ، وقد خرجت أحاديث نحو
عشرة منهم في "الصحيحة" (1962) .
وقد ساق الحافظ ابن عساكر طرقاً أخرى لحديث أبي هريرة ، بعضها موافق لما
ذكرت من الأحاديث الصحيحة ، وفي بعضها زيادات أخرى منكرة أيضاً مثل :
"هم أهل الشام" وفي لفظ : "أكثرهم أهل الشام".

(13/874)


والصحيح في هذه الزيادة أنها موقوفة على معاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،
أخرجه ابن عساكر من طرق عنه ، أحدهما في "الصحيحين" ، وهو مخرج في
"الصحيحة" (1958) .

6390 - ( لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ
نَاوَأَهُمْ ، وَهُمْ كَالإِنَاءِ بَيْنَ الأَكَلَةِ ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ . قُلْنَا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ : بِأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ . قَالَ: وَحَدَّثَنِي:
أَنَّ (الرَّمْلَةَ) هِيَ (الرَّبْوةُ) ، ذَلِكَ أَنَّهَا مُغَرِّبَةٌ وَمُشَرِّقَةٌ ) .
منكر بهذا السياق.
أخرجه يعقوب الفسوي في "التاريخ" (2/298) ، والطبراني
في "المعجم الكبير" (20/317 - 318) ، من طريقين عن عَبَّاد بن عَبَّادٍ الرَّمْلِيُّ ،
عَنْ أَبِي زُرْعَةَ السَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ( كذا في المعجم ) الْوَعْلانِيِّ عَنْ كُرَيْبٍ
السَّحُولِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُرَّةُ الْبَهْزِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ... فذكره .
وأخرجه ابن عساكر ( 1/199) ، من طريق الفسوي والطبراني . وروايته عن
الطبراني مطابقة لما في "المعجم" في كنية الوعلاني : (أبي زرعة) ، بخلاف روايته
عن الفسوي ، فهي غير مطابقة ، لأن فيها (أبي وعلة) . وعند الفسوي (ابن وعلة) ،
ورجحه المعلق عليه الدكتور أكرم العمري لا لشيء سوى أنه وجد في "التهذيب "
من هذه الطبقة من يسمى (عبدالرحمن بن وعلة) ! ثم أحال في ترجمته على
الكتاب المذكور ، ولما رجعنا إليه ، لم نجد في شيوخه أو في الرواة عنه ما يرجح ما
ذهب إليه ! هذا من جهة .
ومن جهة أخرى ، لو أنه رجع إلى "كنى البخاري" و "كنى ابن أبي حاتم" الذي
في آخر كتابه "الجرح" (4/2/452/2301) ، لوجد فيهما ما يدل على أن الصواب ما
في رواية ابن عساكر عن الفسوي ، قالا - والسياق للابن - :

(13/875)


أبو وعلة الوعلاني قال: قدم كريب علينا من مصر ، يريد معاوية فزرناه
فقال : حدثني مرة بن كعب البهزي" .
وزاد عليه البخاري (78/752) فذكر طرق الحديث .
وإن مما يؤكد ما استصوبته ، ويدل على أن ما في "المعجم" خطأ من بعض
الرواة أو النساخ : أن الذهبي أورد في "كناه" أبا وعلة برواية أبي زرعة السيباني
عنه ، ولم يذكر في جملة من ذكر في كنية (أبي زرعة) من يكنى بـ (أبي زرعة
الوعلاني) . فتأمل . ثم رأيت ابن عساكر قد سبقني إلى التصويب المذكور فالحمد لله .
وجملة القول : أن علة هذا السياق هو أبو وعلة هذا ، لأنه لا يعرف إلا في
هذه الرواية ، فهو مجهول .
على أن عباد بن عباد الرملي فيه ضعف من قبل حفظه ، فمن المحتمل أن
يكون أخطأ في إسناده ومتنه . والله أعلم . انظر ترجمته في كتابي "يسير الانتفاع"
يسر الله إتمامه (*) .
وقد خولف في إسناده ومتنه ، فرواه أحمد (5/269) ، والطبراني (8/171
7643) من طريقين عن ضَمْرَةُ بن ربيعة عَنِ يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو السيْبَانِيِّ عَنْ
عَمْرو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الباهلي مرفوعاً ... نحوه مختصراً ،
دون جملة الإناء ، والربوة ، ولفظ أحمد :
" بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".
وليس عند الطبراني "وأكناف ..." .
وإسناده أصح من إسناد أحمد ، لأن الراوي عنده : أبو عمير عيسى بن محمد
ابن إسحاق النحاس ، وهو ثقة ، والراوي عند أحمد : مهدي بن جعفر الرملي
__________
(*) قد تم - فيما نعلم - ولم يطبع بعدُ . (الناشر) .

(13/876)


صدوق له أوهام - كما في "التقريب" - ، فيخشى أن تكون زيادته على أبي عمير
من أوهامه .
والمقصود أن ضمرة بن ربيعة - وهو صدوق يهم قليلاً ، هو أوثق من عباد بن
عباد الرملي ، وقد عرفت مما سبق حاله - خالفه متناً وسنداً ، أما المتن فقد بينته آنفاً .
أما السند ، فقد خالفه في موضعين منه :
أحدهما : جعل أبا أمامة مكان (مرة البهزي) .
والآخر : جعل عمرو بن عبدالله الحضرمي مكان أبي وعلة .
والراوي عنهما واحد ،وهو أبو زرعة السَّيباني - وهو يحيى بن أبي عمرو
السَّيباني - .
فالاختلاف عليه منهما يلقي في النفس تردداً في قبول روايتهما معاً ، وما دام
أن أحدهما أوثق من الآخر ، فالنفس تطمئن إلى رواية الأوثق منهما ، وهي رواية
ضمرة بن ربيعة ، وليس فيها تلك الزيادات ، ويبقى المراجحة بين رواية مهدي
ورواية أبي عمير عنه ، وقد عرفت أن رواية هذا أرجح . فيمكن أن يقال يؤخذ من
روايتهما ما اتفقا عليه ، وهي : "ببيت المقدس" .
فأقول : نعم ، لولا أمران :
الأول : أن مدار الروايتين على عمرو بن عبدالله الحضرمي ، وَهُوَ مَجْهُولٌ
أيضاً ، لأنه لا يعرف إلا برواية السَّيباني ، فحاله كحال أبي وعلة تماماً .
والآخر : أن هذه الزيادة شأنها شأن الزيادات الأخرى من حيث أنها لم ترد
في الأحاديث الأخرى وهي كثيرة جداً ، وبعضها في "الصحيحين" - كما تقدم
بيانه في الحديث الذي قبله - ، فهي منكرة أيضاً ، وبعضها أنكر من بعض . فلا

(13/877)


يغتر بعد هذا البيان والتحقيق بسكوت الحافظ عن حديث أبي أمامة ، ومُرة ،
وأبي هريرة في "الفتح" (13/295) ، فإنه - فيما يظهر لي - لم يُجر قلم التحقيق
عليه ليتبين له حقيقة علمية لا تخفى على من هو دونه في هذا العلم ، وهي
نكارتها لضعف أسانيدها ، ومخالفتها للأحاديث الصحيحة ، ولا سيما وهي تحصر
مكان وجود الطائفة المنصورة - وهم أهل الحديث كما قال أحمد وغيره - وهو
خلاف الواقع ، وما عليه العلماء ، والحافظ نفسه نقل عن النووي رحمه الله أنه قال :
"وَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمَعِينَ فِي بَلَد وَاحِد ، بَلْ يَجُوز اِجْتِمَاعهمْ فِي قُطْر
وَاحِد ، وَافْتِرَاقهمْ فِي أَقْطَار الْأَرْض ... " إلخ ، فراجع فإنه مهم .
ولا ينافي ما تقدم أن يكونوا في بعض البلاد الشامية ، لقول معاذ المتقدم
موقوفاً ، تارة بهذا البلد ، وتارة في غيره ، وهذا الموقوف هو عندي في حكم المرفوع
لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أهل الشام:
"لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق ، حتى تقوم الساعة" .
رواه مسلم وغيره ، وهو مخرج في "الصحيحة" (965) .
وفي تفسير أهل الغرب " اختلاف ، والظاهر أنهم أهل الشام ، لأنهم غرب المدينة
- كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية ، فانظر "الفتاوى" (27/507 - 508) - . ولكن
ذلك لا يستلزم الدوام ، وعدم وجود الطائفة في إقليم آخر - لما تقدم - والله أعلم .

6391 - ( كَانَت المرأةُ إذا جاءت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [مُهاجِرَةٌ] حَلَّفَها عمرُ
باَللَّهِ مَا خَرَجَتْ رَغْبَة بأرضٍ عَنْ أَرْض ، وباللَّهِ مَا خَرَجَتْ اِلْتِمَاس دُنْيَا ،
وَباللَّهِ مَا خَرَجَتْ إِلَّا حُبّاً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ) .
ضعيف .
أخرجه ابن جرير في "التفسير" (28/44) ، والبزار (3/75/2272)

(13/878)


- والسياق له - ،من طريق قيس بن الربيع ، عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن
حصين عن أبي نصر [الأسدي] عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ في قوله تبارك وتعالى : {إذا
جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن } ، قال : ... فذكره .
وقال :
" لا يروى عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ إلا بهذا الإسناد ، وأبو نصر لم يرو عنه إلا خليفة ".
قلت : وذكره البخاري في "الكنى" (76/725) ، وابن أبي حاتم (4/2/448
- 449) برواية خليفة هذا عنه ، وسكت عنه البخاري ، وقال ابن أبي حاتم :
"سئل أبو زرعة عنه ؟ فقال : كوفي ثقة".
قلت : إذا كان لا يعرف إلا برواية خليفة ، فمن الصعب أن تعرف ثقته ،
وكأنه لذلك قال الذهبي في "المغني:
"لا يعرف" . وقال الحافظ في "التقريب" :
"مجهول" .
وقد روى له البخاري معلقاً في "صحيحه" أثراً آخر عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ، فقال عقبه :
"ويذكر عن أبي نصر أن ابن عباس ... " وقال (9/153):
"وأبو نصر هذا لم يعرف بسماعه من ابن عباس" .
وقيس بن الربيع مختلف فيه ، والراجح فيه أنه - كما قال الذهبي في "المغني" - :
"صدوق سيء الحفظ" .
ونحوه قول الحافظ في "التقريب" :
"صدوق ، تغير لما كبر ، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به".

(13/879)


قلت : فقول السيوطي في "الدر المنثور" (6/208) بعدما عزاه لجمع غير المذكوريْن :
"بسند حسن" ، لا يخفى ضعفه .
وقد صدّره الحافظ ابن رجب في "شرح الأربعين" (ص 9) بصيغة :
"روي" ، مشيراً لضعف إسناده ، فأصاب .
وقال الهيثمي في "المجمع" (7/123) :
"رواه البزار ، وفيه قيس بن الربيع ، وثقه شعبة والثوري ، وضعَّفه غيرهما ،
وبقية رجاله ثقات" .
وتعقبه الحافظ في "مختصر الزوائد" فقال (2/112) :
قلت : أعله الشيخ بـ (قيس) ، وقد ذكر البخاري أن (أبا نصر) لم يسمع من
ابن عباس ، فهي العلة ".

6392 - ( قال لقد زَوَّجْتُكِ غيرَ دجَّالٍ . يعني علياً ) .
ضعيف .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/165) من طريق قيس بن
الربيع عن موسى بن قيس عن حُجر بن عنبس قال :
لما زوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة من علي رضي الله تعالى عنهما قال :... فذكره .
أورده في ترجمة موسى بن قيس - وهو الحضرمي - هذا ، وقال :
"يلقب عصفور الجنة ، من الغلاة في الرفض ، يحدث بأحاديث رديئة بواطيل".
قلت : تفرد العقيلي برميه بالرفض ، وما رواه عنه أن الثوري قال له : أيهما
أحب إليك أبو بكر أو علي ؟ قال : قلت : علي . فهذا - وإن كنا لا نوافقه عليه -

(13/880)


ليس رفضاً ، فكثير من السلف كانوا يفضلون علياً ، فليس هذا بالذي يقدح فيه ، ولا
سيما وقد روى عبدالله بن أحمد في "العلل" (1/125 و241) عن أبيه أنه قال فيه :
"ما أعلم إلا خيراً " .
ولذلك لم يضعفه أحد ، بل صرّح بتوثيقه جمع من المتقدمين والمتأخرين ،
وفي "ثقات ابن شاهين" (305/1291) ما نصه :
"وقال ابن نمير : موسى بن قيس . قال : كان ثقة ، روى عنه الناس ، وهو
حضرمي " .
وهذا الحديث المرفوع هو الوحيد الذي ذكره العقيلي في ترجمته ، وكان من
الممكن أن يدان به ، أو أنه كان سالماً من علة ممن دونه أو فوقه . والواقع خلاف
ذلك ، فإنه دونه - كما هو ظاهر - قيس بن الربيع ، وفيه ضعف معروف ، وكان له
ابن يدس فِي حَدِيثِه ما ليس منه .
وقد خالفه في متنه أبو نعيم الفضل بن دكين ، فرواه عن موسى بن قيس ...
بلفظ :
"وهي لك يا علي ! لستُ بدجال ".
أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (8/19 - 20) .
وتابعه عبدالله بن داود - وهو الخريبي - : ثنا موسى بن قيس ... به .
أخرجه البزار (2/151/1406) وقال :
"وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لستُ بدجال" يدل على أنه كان وعده ، فقال : إني لا أخلف
الوعد" .
ذكر ابن سعد نحوه .

(13/881)


قلت وهذا اللفظ من هذين الثقتين وهو الصحيح عن موسى بن قيس ، وهو
مخالف للفظ قيس بن الربيع ، فهو منكر ، وقد كنت خرجت رواية عبدالله بن داود
من طريق الطبراني عن البزار ، لكنها بلفظ:
"هي لك ، على أن تحسن صحبتها".
قلت : خرجتها في "الصحيحة" (رقم 166) ، مصححاً إسناده . ثم تبينت
أنني كنت واهماً لأسباب :
الأول : أن هذا اللفظ مخالف لرواية البزار المذكورة ، من ناحيتين :
إحداهما : أنه ليس عنده " "على أن تحسن صحبتها" .
والأخرى : عنده ما ليس عند الطبراني : "لستُ بدجال" . وهي أصح بداهة
لموافقتها لرواية ابن سعد .
والثاني : أن الهيثمي ذكر في "المجمع" (9/204) رواية الطبراني ، دون زيادة
"على أن تحسن صحبتها" . وكذلك ذكرها الحافظ في ترجمة حُجر بن قيس هذا
من "الإصابة" ، فخشيت أن تكون هذه الزيادة مدرجة في كتاب الطبراني من
بعض النساخ .
والثالث : أن حجر بن عنبس ، ويقال : ابن قيس ، لم تثبت صحبته ، فقال
الحافظ في "الإصابة" عقب الحديث:
"قلت : اتفقوا على أن حجر بن عنبس لم ير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فكأنه سمع هذا من
بعض الصحابة" .
قلت : هذا محتمل ، كما يحتمل أن يكون سمعه من بعض التابعين ، ولهذا
الاحتمال ، جعل المحدثون الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف - كما هو

(13/882)


معلوم - ، بخلاف مرسل الصحابي فهو حجة ، لأنه يغلب على الظن أنه تلقاه عن
صحابي مثله . فلما تبين لي أنه ليس بصحابي ، رجعت عن تصحيح إسناده ، والله
تعالى هو الهادي .
والحديث أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق العقيلي ، وقال :
"حديث موضوع ، وضعه موسى بن قيس ..." .
قلت : وهذا من غلوائه ، فإن موسى هذا لم يتهمه أحد بوضع ، بل قد وثقه
جمع ، وبهذا تعقبه السيوطي في "اللآلي" (1/365) ، وانظر "التهذيب" ، و"تيسير
الانتفاع" ، فالحديث علته الإرسال . والله تعالى أعلم .

6393 - ( أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ . فَقُلْتُ : مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ ؟ قَالَ :
كِتَابُ اللَّهِ ، فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا
بَيْنَكُمْ ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ
ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ... ) الحديث .
ضعيف .
أخرجه الترمذي (2908) ، والدارمي (2/435) ، والفريابي في
"فضائل القرآن" (184/80 و 81) ، والبغوي في "شرح السنة" (4/437/1181)
من طريق ابْنِ أَخِي الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ الْحَارِثِ قَالَ:
مَرَرْتُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي الْأَحَادِيثِ ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ ،
فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي الْأَحَادِيثِ؟ قَالَ : وَقَدْ
فَعَلُوهَا قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:... فذكره ،
والسياق للترمذي وقال :

(13/883)


" لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ ، وَفِي الْحَارِثِ مَقَالٌ".
وأقره البغوي ، ثم الحافظ العراقي في "تخريح الإحياء" (1/289) .
والجهالة التي أشار إليها الترمذي ، إنما هي في ابن أخي الحارث ، فإنه مجهول
لا يعرف إلا بهذه الرواية ، لكنه قد توبع ، لكن في روايات معلولة ، فوجب علي
الكشف عن عللها :
الأولى : قال ابن إسحاق : وذكر محمد بن كعب القرظي عن الحارث بن
عبدالله الأعور قال : قلت : لآتين أمير المؤمنين فلأسألنه عما سمعت العشية ، قال:
فجئته بعد العشاء . فدخلت عليه ... فذكر الحديث . قال : ثم قال : سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
" أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ! إِنَّ أُمَّتَكَ مُخْتَلِفَةٌ بَعْدَكَ . قَالَ :
فَقُلْتُ : فَأَيْنَ الْمَخْرَجُ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ: فَقَالَ : كِتَابُ اللَّهِ ... " الحديث نحوه باختصار .
أخرجه أحمد (1/91) .
وهذه متابعة قوية من القرظي ، لكن السند منقطع ، فإن ابن إسحاق مدلس ،
وقد علقه ، بما يشعر أنه لم يسمعه منه ، وقد حقق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله
في تعليقه على "المسند" (2/88) أنه يروي عنه في "السيرة" بواسطة . وقال :
"إسناده ضعيف جداً من أجل الحارث بن الأعور ".
وقد رواه محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن بكير الطائي بسياق آخر ،
فقال : لما أصيب علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فشت أحاديث ، ففزع لها من شاء الله من
الناس ، فقالوا : من أعلم الناس بحديث على ؟ فقالوا : الحارث الأعور، فوجدوا
الحارث قد مات . فقالوا : من أعلم الناس بحديث الحارث ؟ قالوا : ابن أخيه ، فأتوه

(13/884)


فقالوا : هل سمعت الحارث يذكر في هذا شيئا ؟ وأخبروه بما سمعوا . فقال : نعم
سمعت الحارث يقول :
فشت أحاديث في زمن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فزعت ، فأتيت علياً . فقال :
ما جاء بك يا أعور ؟ فقلت : فشت أحاديث ،فزعت (الأصل : فجئت ) لها ، أنا من
بعضها على يقين ، و من بعضها في شك ، فقال : أما ما كنت منه على يقين فدعه ،
و أما ما كنت منه فى شك فهات . فأخبرته بما يقولون من الإفراط ، فقال علي :
إن جبريل أتى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأخبره : أن أمته ستفتتن من بعده . فقال له : فما
المخرج لهم ؟ فقال : فى كتاب الله ... الحديث .
أخرجه الحافظالمزي في ترجمة الحارث من "التهذيب" بسنده عن محمد بن
سلمة بن كهيل .
ومحمد هذا ، قال ابن عدي (6/216) :
"واهي الحديث".
وكذا قال الجوزجاني ، ولفظه كما في "الميزان" :
"ذاهب واهي الحديث " .
وبكير الطائي ، قال الحافظ في "التقريب" :
"مقبول ، رمي بالرفض" .
والأخرى : قال ابن لهيعة : عن خالد بن أبي عمران عن علي بن أبي طالب
قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
"ستكون فتنة" ، فقلت : ما المخرج منها ؟ ... الحديث مثل حديث الحارث .

(13/885)


أخرجه الفريابي (رقم 82) .
قلت : ورجاله ثقات ، لكنه منقطع بين خالد وعلي ، فقد ذكروا في ترجمة
خالد : أنه لم يسمع من ابن عمر ، ومات سنة (73) ، ولا من أبي أمامة ، ومات
سنة (86) ، فكيف يمكنه السماع من علي وقد مات سنة (40) ؟! ولذلك ذكره ابن
حبان في (أتباع التابعين) (6/262) ، فيخشى أن يكون تلقاه عن الحارث أو غيره
من الضعفاء أو المجهولين .

6394 -( إِنْ كُنْتَ تَزَوَّجُهَا فَرُدَّ عَلَيْنَا ابْنَتَنَا ).
منكر .
أخرجه البزار (3/235/2652) ، والطبراني في "المعجم الكبير"
(11975) ، و"الأوسط" (2/24/2/5449) ، و"الصغير" (400/ الروض) ، ومن طريقه
الخطيب في "التاريخ" (5/318 - 319) من طريق مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ الأرُزِّي البغدادي :
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بن تَمَّامٍ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ عَلِيّاً خَطَبَ بنتَ أَبِي جَهْلٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:... فذكره . وقال الطبراني :
" لم يروه عن خالد إلا ابن تمام ، تفرد به الأرُزِّي " .
قلت هو من شيوخ مسلم ، قال الحافظ في "التقريب" :
"ثقة يهم" .
وإنما العلة من عبيد الله بن تمام ، فإنه متفق على ضعفه ، وبه أعله الهيثمي
(9/23) وقال البخاري :
"عنده عن خالد الحذاء - وهذا عنه - ويونس عجائب" .
بل كذبه الساجي - كما في "اللسان" - . وذكر أن العقيلي أورد له هذا الحديث ،
وقال:

(13/886)


"وفي هذا رواية أصلح من هذا".
قلت : وليس هذا في مطبوعة "ضعفاء العقيلي" !
وقال ابن حبان في "ضعفائه" (2/67) :
"وكان ممن يتفرد عن الثقات بما لا يعرف من أحاديثهم ، حتى يشهد من سمعها
- ممن كان الحديث صناعته - أنها معمولة ، أو مقلوبة ، لا يحل الاحتجاج بخبره".
والرواية التي أشار إليها العقيلي هي من حديث المِسْور بن مخرمة في قصة
خطبة علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بنت أبي جهل ، وفيها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ مكاناً واحداً أَبَداً ".
رواه الشيخان وغيرهما . وهو مخرج في "صحيح أبي داود" رقم (1805) .
ورواه ابن حبان أيضاً (6917) .
(تنبيه) : جاء في آخر حديث الترجمة في "معجم الطبراني الصغير" ما نصه :
"انتهى حديث خالد الحذاء ، وفي غير هذا ، قال : فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاللَّهِ لَا
تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ تحت رجل ".
ولم ترد هذه الزيادة في المعجمين الآخرين ، وأنا أظنها مدرجة من بعض
النساخ . والله أعلم .

6395 - ( من خَرَج حاجّاً يُرِيد وَجهَ اللّهِ ، فَقَد غَفَرَ اللّهُ لَه ما تَقَدَّمَ
من ذَنَبِه وَمَا تَأَخَّر ، وَشَفَعَ فِيمَن دَعَا لَه ) .
موضوع .
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (7/235) من طريق إسماعيل بن
يحيى عن مسعر عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله قال : سمعت النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : ... فذكره ، وقال :

(13/887)


غريب من حديث مسعر ، لم نكتبه إلا من هذا الوجه ".
قلت : وهو موضوع ، لا أدري كيف فات ابن الجوزي فلم يودعه في "الموضوعات" !
ولا استدركه عليه السيوطي في "ذيل الموضوعات" ! فإن إسماعيل بن يحيى - وهو
أبو يحيى التيمي - قال الذهبي في "الميزان" :
"حدث عن أبي سنان الشيباني وابن جريج ومسعر بأباطيل ، وقال صالح بن
محمد بن جَزَرة : كان يضع الحديث ... ".
ثم ساق له عدة أباطيل ، وكذَّبه الدارقطني وغيره ، وقد تقدمت له عدة
أحاديث تدل على حاله ، فراجع اسمه في فهارس المجلدات الخمس المطبوعة ،
والسادس تحت الطبع (*) .
والحديث أورده الحافظ ابن حجر في رسالته "الخصال المكفرة" من رواية أبي
نعيم هذه ، وأعله بإسماعيل هذا ، وقال :
"إسماعيل بن يحيى متروك الحديث عندهم " .
وقد روي الحديث عن أبي هريرة - مختصراً - بلفظ :
"من حج فلم يرفث ولم يفسق ، غفر له ما تقدم من ذنبه ".
أخرجه الترمذي بإسناد ظاهره الصحة ، لكن أحد رواته أخطأ في لفظ طرفه
الأخير ، والمحفوظ فيه بلفظ :
" ... رجع كيوم ولدته أمه ".
رواه الشيخان وغيرهما ، وقد خرجته - مبسطاً - في "الضعيفة" (4586) ، لبيان
شذوذ رواية الترمذي ، فتنبه .
__________
(*) وقد طبع من هذه "السلسلة" حتى الآن ثلاثة عشر مجلداً ، ولله الحمد . (الناشر) .

(13/888)


6396 - ( من خَرَجَ حَاجّاً أَوْ مُعْتَمِراً ، فله بكلِّ خَطْوَةٍ حتى يَؤوبَ
إلى رَحْلِه أَلْفُ أَلْفِ حَسَنَةٍ ، وَيُمْحَى عَنْهُ أَلْفُ أَلْفِ سَيِّئَةٍ ، وَتُرْفَعَ لَهُ
أَلْفُ أَلْفِ دَرَجَةٍ ).
موضوع .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (18/349) من طريق أبي
عمرو عثمان بن عبد الله الأموي عن رشدين بن سعد عن يونس بن يزيد وسلمة
ابن سنان عن معاوية بن إسحاق عن يزيد بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن
أبي سلمة عن أبي هريرة وابن عباس قالا : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
أورده في ترجمة يزيد بن عمر بن عبدالعزيز ، وذكر أنه روى عنه أبو عائشة
السعدي أيضاً ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، ولم أجده عند غيره . وإنما آفة هذا
الحديث عثمان بن عبدالله الأموي ، فإنه كان يضع الحديث على الثقات ، وله
ترجمة سيئة جداً مطولة في "اللسان" ، وتقدم له حديث برقم (464) وما قاله ابن
حبان والذهبي فيه .
قلت : وهذا الحديث أيضاً مما فات ابن الجوزي والسيوطي ، فلم يذكراه في
"الموضوعات" ! بل وفات الحافظ ابن حجر ، فلم يذكره في "المكفرات" !!

6397 - ( لَمَّا دخلَ مَكَّةَ ، وَجَدَ بِهَا ثَلاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَنَماً ، فَأَشَارَ
بِعَصَاهُ إِلَى كُلِّ صَنَمٍ ، وَقَالَ : {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ
كَانَ زَهُوقاً} فَيَسْقُطُ الصَّنَمُ ، وَلَمْ يَمَسَّهُ ) .
منكر بهذا التمام .
أخرجه ابن حبان (1702 - موارد) ، والطبراني في "المعجم
الأوسط" (2/201/2/8097) من طريق عبدالله بن نافع : حدثنا عاصم بن عمر
عن ابن دينار عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما دخل ... الحديث . ورواه في "الكبير"

(13/889)


(12/452/13643) دون قوله : "ولا يمسه" .
قلت : وهذا إسناد ضعيف من أجل عاصم بن عمر - وهو العمري - ضعفه
الجمهور ، ومنهم ابن حبان ، فقال في كتابه الضعفاء (2/127) :
"منكر الحديث جداً ، يروى عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات ، لا يجوز
الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات ".

ثم تناقض فأورده في "الثقات" أيضاً ، وقال (7/259) :
"يخطئ ويخالف" .
وخفي هذا التناقض على الهيثمي ، فقال في "المجمع" (6/176) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير" بنحوه ، وفيه عاصم بن عمر العمري
وهو متروك ، ووثقه ابن حبان وقال : يخالف ويخطئ" .
قلت : وعبدالله بن نافع - وهو : الصائغ - ، وفيه ضعف من قبل حفظه . قال
الحافظ في "التقريب" :
"صحيح الكتاب ، وفي حفظه لين" .
وقد صح الحديث من رواية ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، دون قوله في آخره :
"فيسقط الصنم ولا يمسه ".
رواه الشيخان وغيرهما ، في "المعجم الصغير" من حديث ابن عباس ، وفيه زيادة
أخرى منكرة ، وقد تكلمت على إسناده هناك . والغريب أن الحافظ سكت عنه في
"الفتح" (8/17) ، كما أنه سكت أيضاً عن حديث الترجمة ، وقال :

(13/890)


"رواه الفاكهاني وصححه ابن حبان "!
فلم يتنبه للنكارة التي فيه ، وهي قوله : "وأشار بعصاه" ، فإنه يعارض قوله
في حديث ابن مسعود :
"فجعل يطعنها بعود في يده" .
وأكد المعارضة بقوله في آخره :
"ولا يمسه" ، أي بعصاه ، كما في رواية واهية جداً للبيهقي في "الدلائل"
(5/72) من طريق أخرى عن عبدالله بن دينار عَنْ ابْنِ عُمَرَ . ويعارض أيضاً
حديث أبي هريرة بنحوه ، وفيه :
" ... فَلَمَّا أَتَى عَلَى الصَّنَمِ جَعَلَ يَطْعُنُهُ فِي عَيْنَيهِ ، وَيَقُولُ : { جَاءَ الْحَقُّ ...}" .
رواه مسلم (5/172) ، والبيهقي وغيرهما .
وكذلك لم يتنبه للنكارة المذكورة المعلق على "الإحسان" (14/453) ، فجعل
حديث ابن مسعود الصحيح شاهداً لهذا الحديث المنكر ، دون أن يدري أنه شاهد
عليه لا له ! ولعله قلد في ذلك الحافظ ابن حجر !

6398 - ( يَا ثَابِتُ ! أَلا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيداً ، وتُقْتَلَ شَهِيداً ،
وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قال : فَعَاشَ حَمِيداً ، وَقُتِلَ
شَهِيداً يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ ).
ضعيف .
فيه اضطراب ، وجهالة ، وانقطاع .
1 - أما الاضطراب ، فمداره على ابن شهاب الزهري ، وهو على وجوه :
الأول : عنه عن إسماعيل بن ثابت : أن ثابت بن قيس الأنصاري قَالَ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ ! لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ ! قَالَ : لِمَ ؟ قَالَ :

(13/891)


1 - قَالَ : نَهَانَا اللَّهُ أَنْ نُحْمَدَ بِمَا لَمْ نَفْعَلْ ، وَأجدني أُحِبُّ الْحَمْدَ .
2 - وَنَهَانَا عَنِ الْخُيَلاءِ ، وَأجدني أُحِبُّ الْجَمَالَ .
3 - وَنَهَانَا أَنْ نَرْفَعَ صَوتَنَا فَوْقَ صَوْتِكَ ، وَأَنَا امْرُؤٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ !
فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :... فذكره .
أخرجه ابن حبان (2270 - مواد) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2/58/
1314) من طريق يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ... به .
الثاني : عنه عن إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصاري : أن ثابت بن
قيس الأنصاري ... فزاد (محمداً) بين (إسماعيل) و (ثابت) .
أخرجه الفسوي في "التاريخ" (1/384) ، والطبراني أيضاً (1315) ، و"الأوسط"
أيضاً (1/123/2/2431) ، وكذا أبو نعيم في "دلائل النبوة" (501) من طرق
عن الزهري .
الثالث : قال إبراهيم بن سعد : عن ابن شهاب قال : أخبرني إسماعيل بن
محمد بن ثابت الأنصاري عن أبيه : أن ثابت بن قيس قال ... .
أخرجه الحاكم (3/234) ، ومن طريقه البيهقي في "الدلائل" أيضاً . وقال
الحاكم :
"صحيح على شرط الشيخين" ! ووافقه الذهبي!
وتابعه على هذا الوجه أبو ثابت بن ثابت بن قيس بن الشماس ، قال ثني
عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه قال : ... فذكره
نحوه .

(13/892)


أخرجه الطبري في "التفسير" (26/75) : حدثنا أبو كريب : ثنا زيد بن حباب ،
قال : ثنا أبو ثابت ... .
ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني (1316) ، لكن وقع فيه : حدثني أبو ثابت
ابن ثابت بن قيس بن شماس : حدثني أبي ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه
قال : ... فذكره .
قلت : فأسقط من إسناده (إسماعيل بن محمد وقال : "عن أبيه" يعني :
قيس بن شماس !
وهذا خلط عجيب لا أدري أهو من أحد الرواة أو النساخ ؟ فإن قيس بن شماس
قال الحافظ في "التهذيب" (8/398) :
"لا يدري أدرك الإسلام أم لا ؟ قلت : جزم غير واحد أنه مات في الجاهلية".
الرابع : عن الزهري : أخبرني محمد بن ثابت الأنصاري : أن ثابت بن قيس
الأنصاري قال : ... .
أخرجه الطبراني (1313) من طريق معاوية بن يحيى عنه .
وتابعه عنده (1310) صالح بن أبي الأخضر عنه .
ثم تابعه عنده أيضاً (1311) ، وكذا في "المعجم الأوسط" (1/57/42 - ط)
عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي .
وهذه الطرق الثلاث ضعيفة :
أما الأولى : فمعاوية بن يحيى ضعيف - وهو الصدفي - .
وأما الثانية : فصالح بن أبي الأخضر فقريب منه في الضعف .

(13/893)


وأما الثالثة : فالأوزاعي إمام ، لكن الضعف من شيخ الطبراني : أحمد بن
محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي ، وأبوه كان اختلط - كما في "اللسان"
(1/295 و 5/422 - 423) - .
الخامس : قال معمر : عن الزهري : أن ثابت بن قيس بن شماس قال: يا
رسول الله !
فأسقط كل الوسائط المتقدمة بين الزهري وثابت .
أخرجه الطبري (26/76) ، وعبدالرزاق (11/239/20425) ، ومن طريقه
البيهقي (6/355) .
فهذا ما وقفت عليه من وجوه الاضطراب ، وهو علة من علل الحديث - كما
هو معلوم - .
2 - وأما الجهالة ، فهي في إسماعيل بن ثابت - كما في الوجه الأول - أو
إسماعيل بن محمد بن ثابت - كما في الوجه الثاني والثالث - وهو الصواب لاتفاق
أكثر الرواة عليه عن الزهري ، ولذلك لم يذكره البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما
إلا هكذا على الصواب ، ولم يذكرا له راوياً غير الزهري . ويستدرك عليهما : أنه
روى عنه أيضاً أبو ثابت بن ثابت بن قيس بن شماس - كما تقدم من رواية
الطبري - . وكأنه هذا هو مستند ابن حبان حين ذكره في "ثقاته" (4/16) برواية
أبي ثابت هذا عنه .
وكذلك ذكره الشيخان في "الكنى" من كتابيهما .
نعم ، ذكره ابن حبان في "الثقات" (4/15) على الوجه الأول برواية الزهري !
موهماً أنهما اثنان ،وهو وهم - كما قال الحافظ في "التعجيل" (ص 37) - .

(13/894)


ويتلخص من رواية أبي ثابت عن إسماعيل هذا أنه مجهول الحال ، ولعل هذا
هو وجه تقوية الحافظ لإسناده - كما يأتي - .
على أن أبا ثابت هذا لا يعرف إلا برواية زيد بن حباب المتقدمة ، فهو مجهول
العين . والله أعلم .
3 - وأما الإنقطاع ، فهو ظاهر في الوجه الأول والثاني ، لأن إسماعيل بن
محمد بن ثابت بن قيس لم يدرك جده ثابتاً ، وقد أشار إلى ذلك البخاري بقوله
في ترجمة إسماعيل :
"مرسل" . وقال الحافظ في "الفتح" (6/621) عقب الحديث :
"وهذا مرسل ، قوي الإسناد ، لأن إسماعيل لم يلحق ثابتاً ".
قلت : وهو منقطع أيضاً : حتى لو صح أنه تلقاه عن أبيه محمد بن ثابت عن
جده ثابت - كما في الوجه الثالث والرابع - ، وهو ما استظهره الحافظ في آخر ترجمة
محمد بن ثابت من "التهذيب" قال (9/84) :
"والظاهر أن رواية محمد عن أبيه وعن سالم أيضاً مرسلة ، لأنهما قتلا يوم
اليمامة وهو صغير ، إلا أن يكون حفظ عن أبيه وهو طفل ، وقد أوردوه في الصحابة
على قاعدتهم ، ولا تصح له صحبة ، ولا يصح سماع الزهري منه أيضاً ".
قلت : يشير بكلامه الأخير إلى تضعيف ما في الوجه الرابع من تصريح
الزهري بالإخبار عن محمد بن ثابت . فهذا انقطاع ثالث .
وثمة انقطاع رابع ، وهو أظهر من كل ما سبق ، وهو ما تقدمت الإشارة إليه
في الوجه الخامس .
ومن هذا التخريج والتحقيق يتبين للقراء الكرام خطأ تصحيح الحديث من

(13/895)


الحاكم والذهبي مع الجهالة والانقطاع الذي في إسناده ! ولا سيما أنهما صححاه
على شرط الشيخين ، وإسماعيل بن محمد وأبوه لم يخرجا لهما !
وكذلك يتبين لمن وقف على تخريج المعلق على "إحسان المؤسسة" (16/125 -
128) للحديث أنه ترك قراءه حيارى ، حين سوَّد أربع صفحات في تخريجه ، دون
أن يبين لهم أن الحديث صحيح أو ضعيف ! وكذلك فعل المعلق الداراني على
"الموارد" (7/238 - 241) ، لكن الأول صرح في طبعته لـ "الموارد" (2/1024) بأنه
ضعيف . فهلا نصح قراءه هناك بهذه الخلاصة ! وفي ذلك دلالة على ما لا يخفى
على كل لبيب !
هذا ، ولا يفوتني التنبيه على أن ما في الحديث من شهاداته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لثابت بن
قيس بأنه من أهل الجنة ، وخوفه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ من رفعه صوته فوق صوت النبي
صلى الله اله عليه وسلم قد صح ذلك من حديث أنس عند البخاري (3613) ، ومسلم (1/77) ،
وابن حبان (7124 و 7125) ، والبيهقي (6/354) ، وأحمد (3/137 و 146) ،
وغيرهم من طرق عن أنس ، وفي بعضها أنه قتل شهيداً يوم اليمامة . رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

6399 - ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ ، وَلِذَرَارِيِّ الأَنْصَارِ ، وَلِذَرَارِيِّ ذَرَارِيِّهِمْ ،
ولِمَوَاليهم ، ولِجِيْرَانِهم ) .
منكر بزيادة "الجيران" .
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف (12/165/
12426) ، ومن طريقه ابن حبان (2295 - الموارد) ، والطبراني في "المعجم الكبير"
(5/33/4534) : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابِ عَنْ هِشَامِ بْنِ هَارُونَ الأَنْصَارِيِّ قال:
حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزرقي عَنْ أَبِيهِ مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات رجال (الصحيح) ، غير هشام بن

(13/896)


هارون ، وَهُوَ مَجْهُولٌ - كما قال الحافظ في "التقريب" - ، لأنه لم يرو عنه غير زيد
ابن حباب ، ولذا قال الذهبي في "الميزان" :
"لا يعرف" .
وأما ابن حبان فوثقه (7/569) على قاعدته في توثيق المجهولين .
ثم أخرجه الطبراني والبزار أيضاً (3/306) ، والمزي في "التهذيب" (30/262)
من طرق أخرى عن زيد بن حباب ... به . وقال البزار :
"لا يروى عن رفاعة إلا بهذا الإسناد" .
قلت : وقد عرفت أنه ضعيف لجهالة راويه .
وقد أخطأ في هذا الإسناد حافظان :
أحدهما : الهيثمي ، فإنه قال (10/40) :
"رواه البزار والطبراني ، ورجالهما رجال الصحيح ، غير هشام بن هارون ، وهو
ثقة ".
فقوله : "ثقة" ، إنما هو اعتماد منه على توثيق ابن حبان المتقدم ، وهو كثير
الاعتماد عليه - كما يعرف ذلك العارفون بكتابه هذا - ، وذلك من تساعله ، بخلاف
تلميذه الحافظ العسقلاني ، فإنه متنبه لتساهل ابن حبان في التوثيق ، بل وقد نبَّه
عليه في مقدمة كتابه "اللسان" ، وله الفضل الأول - بعد الله تعالى - في تنبهي
لذلك في العصر الحاضر . أقول هذا تجاوباً مني مع قول نبيي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لا يشكر الله
من لا يشكر الناس " فجزاه الله خيراً .
ثم جرى الحافظ على هذا الانتباه ، فكثيراً ما نراه لا يوثق من تفرد ابن حبان
في توثيقه ، بل نراه يقول فيه : "مقبول" ، أو "مستور" ، أو "مجهول" ، وكنت

(13/897)


قدمت منذ ثلاثين سنة ونيف للطلاب في (الجامعة الإسلامية) درساً عملياً في
ذلك على بعض التراجم ، فطلبت من أحد الطلاب أن يستخرج أي ترجمة من
كتاب "خلاصة تذهيب الكمال" ، قال في صاحبها : "وثقه ابن حبان" ، وأن
يستخرجها من "تقريب الحافظ" ، فسيجد أنه قال فيها قولاً من أقواله الثلاثة التي
ذكرتها آنفاً ، ففعل في عدة تراجم ، فكانت النتيجة ما ذكرت !
ولا أذهب بالقراء بعيداً ، فالمثال بين أيديهم ، فهذا هشام بن هارون الراوي لهذا
الحديث ، قد عرفت تصريح الحافظ بأنه : "مجهول" في كتابه "تقريب التهذيب"
الذي أصله كتابه "تهذيب التهذيب" ، وقد ذكر فيه توثيق ابن حبان .
إذا عرفت هذا ، فتذكر أن لكل جواد كبوة ، بل كبوات ، ولكن الأمر كما قال
الله : {إن الحسنات يذهبن السيئات} ، فالعبرة بما يغلب على الشخص من خير أو
شر ، أو علم أو جهل ، أو صواب أو خطأ .
أقول : هذا لأن الحافظ الآخر - المشار إليه آنفاً - ، إنما هو الحافظ العسقلاني نفسه !
فقد قال عقب حديث البزار في كتابه "مختصر زوائد البزار " (2/374 - 375) :
"إسناده صحيح " !
ويغلب على ظني أنه لا يمكن لمثله أن يقع في مثل هذا الخطأ لو أنه رجع إلى
ترجمة هشام وتذكر جهالته . ولو فرض أنه رجع وتسامح ، لما زاد على القول بأن
إسناده حسن ! ولكنه - فيما يظن - استقرب الأمر ، واعتمد على توثيق شيخه
إياه . والله أعلم .
وقريب من هذا الوهم قول المعلق على "الإحسان" (16/272) :
"حديث حسن لغيره ، هشام بن هارون ذكره المؤلف في "الثقات" ، وقد
توبع ... ".

(13/898)


يشير إلى ما أخرجه الطبراني برقم (4533) : حدثنا العباس بن الفضل
الأسفاطي : ثنا إبراهيم بن يحيى الشجري : ثنا أبي عن عبيد بن يحيى عن
معاذ بن رفاعة ... به . وقال المومي إليه عقبه :
"وهذا إسناد حسن في "المتابعات" .
وأقول : هذه دعوى مجردة عن الدليل ، فهي مردودة ، فكيف إذا انضم إلى ذلك
ما يبطلها ؟! وذلك من وجهين :
الأول: أنه إسناد واهٍ ، مسلسل بالضعفاء :
1 - عبيد بن يحيى - وهو :المدني - : لم يوثقه غير ابن حبان (7/158) ، ولم
يرو عنه غير يحيى بن محمد بن هانئ الشجري ، فهو مجهول .
2 - يحيى بن محمد الشجري - المذكور - : لم يوثقه أيضاً غير ابن حبان
(9/255) ، بل قال أبو حاتم (4/2/185) :
"ضعيف الحديث" . وقال الساجي :
"في حديثه مناكير وأغاليط ، وكان فيما بلغني ضريراً يلقن" .
3 - إبراهيم بن يحيى الشجري : وثقه ابن حبان أيضاً ، وتابعه الحاكم ، كما
في "التهذيب" للحافظ ، وقال :
"و قال الأزدى : منكر الحديث عن أبيه ، و قال أبو إسماعيل الترمذي : لم أر
أعمى قلباً منه ، قلت له : حدثكم إبراهيم بن سعد ؟ فقال : حدثكم إبراهيم بن سعد " !
قلت : فمثله في الغفلة مما لا يصح للاسشهاد به ، ولعل الساجي والأزدي
باستنكارهما لحديثه أشارا إلى حديثه هذا ، فإنه عن أبيه ، فكيف وفوقه الضعيف
والمجهول ؟!

(13/899)


4 - بقي شيخ الطبراني العباس بن الفضل الأسفاطي : فهو غير معروف ،
أورده ابن الأثير في "اللباب " ، ولم يذكر فيه ما يدل على حاله .
هذا هوالوجه الأول .
وأما الوجه الآخر : فهو أن الحديث قد صح عن زيد بن أرقم ، ومن طرق عن
أنس بن مالك ، عند مسلم (7/173) ، وكذا البخاري (4906) - مختصراً - ،
والترمذي (3898 و 3905) ، وابن حبان (7236 و 7238) ، والطيالسي (680) ،
وابن أبي شيبة (12412) ، وأحمد (4/369 و 372) و(3/139 و156 و162 و213
و 216) بألفاظ مختلفة ، يزيد بعضهم على بعض ، ومع ذلك فليس فيها ذكر لتلك
اللفظة : (وللجيران) ، فدل ذلك على نكارتها وضعفها ، وهذا مما لا يتنبه له ذلك
المعلق وأمثاله ، ممن غالب علمهم التخريج دون التحقيق !
وفي بعض الطرق عن أنس سبب دعاء النبي صلى الله عليه بالمغفرة للأنصار ، وهو ما
رواه من طرق ثلاثة الأمام أحمد (3/139 و213 و216 - 217) عن أنس رضي
الله عنه قال :
أَتَتْ الْأَنْصَارُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَمَاعَتِهِمْ فَقَالُوا : إِلَى مَتَى نَنْزَعُ مِنْ هَذِهِ الْآبَارِ ؟فَلَوْ
أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَعَا اللَّهَ لَنَا ، فَفَجَّرَ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْجِبَالِ عُيُوناً فَجَاءُوا بِجَمَاعَتِهِمْ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا رَآهُمْ ، قَالَ :
"مَرْحَباً وَأَهْلاً ، لَقَدْ جَاءَ بِكُمْ إِلَيْنَا حَاجَةٌ " . قَالُوا : إِي وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَقَالَ :
"إِنَّكُمْ لَنْ تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئاً إِلَّا أُوتِيتُمُوهُ ، وَلَا أَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَانِيهِ " .
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَقَالُوا :
الدُّنْيَا تُرِيدُونَ ؟! فَاطْلُبُوا الْآخِرَةَ ، فَقَالُوا بِجَمَاعَتِهِمْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ادْعُ اللَّهَ لَنَا
أَنْ يَغْفِرَ لَنَا ! فَقَالَ :

(13/900)


" اللَّهُمَّ ! اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ ، وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ ، وَلِأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ" . قَالُوا : يَا
رَسُولَ اللَّهِ ! وَأَوْلَادِنَا مِنْ غَيْرِنَا . قَالَ :
" وَأَوْلَادِ الْأَنْصَارِ " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَمَوَالِينَا . قَالَ :
"وَمَوَالِي الْأَنْصَارِ" .
وإسناده جيد ، وهو على شرط مسلم ، وأخرجه البزار (2808 و 2809) من
الطريقين الأولين ، وأحدهما يقوي الآخر ، وصححه الحاكم (4/80) ! ووافق
الذهبي !
وله عند أحمد (3/217) طريق رباع عَنْ أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ صُهْبَاء (*) :
أَنَّهَا سَمِعَتْ أَنَساً يَقُولُ : عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ هَذَا ، غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ:
"وَكَنَائِنِ الْأَنْصَارِ" .
لكن أم الحكم هذه لا يعرف حالها ، كما قال الحافظ ، ومن قبله الحافظ الذهبي
ذكرها في (كنى النسوة المجهولات) في آخر "الميزان" .

6400 - ( لَمَا أُسْرِيَ بِي ، مَرَّت بِي رَائِحَةٌ طَيْبَةٌ ، فَقُلْت : ما هَذِه
الرَائِحَةُ ؟ فقَالُوا : هَذِه رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا ، كَانَتْ
تمشُطُها فَوَقَعَ الْمِشْطُُ من يَدِهَا . فَقَالَت : باسمِ اللّهِ . فَقَالَت ابْنَتُه : أبِي ؟
فَقَالَت : لَا ، قَالَت : بَل رَبِّي وَرَبُّك وَرَبُّ أبِيك . فَقَالَت : أَخْبَر بِذَلِك أبِي ؟ !
قَالَت : نَعَم ، فأَخْبَرتْه ، فَدَعَا بِهَا وبوَلَدِهَا ، [فَقَال : ولَك رَبٌّ غَيْرِي ؟!
قَالَت : نَعَم ، رَبِّي وَرَبُّك اللّه. فَأَمَر بنُقْرَةٍ من نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ] ، فَقَالَت :
لِي إلِيك حَاجَةٌ ، فقال : مَا هِي ؟ قَالَت : تَجْمَعُ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي
__________
(*) في الأصل : "صهبان" ، تبعاً لنسخة الشيخ من "المسند" ، وفي غيرها : "صهبان" ،
وهو الصواب ، كما في "التقريب" . (الناشر).

(13/901)


فَتَدْفِنُهُ جَمِيَعاً ؟ فَقَال : ذَلِك لَك علِينا من الْحَقِّ ، فَأَتَى بأولَادِها فَأَلْقَى
وَاحِداً وَاحِداً حَتَّى إِذا كَان آخَرُ وَلَدِهَا - وكَان صبِياً مُرْضَعاً ، فَقَال :
اصْبِرِي يَا أُمَّاهُ ، فَإِنَّك عَلَى الْحَقِّ ، ثم أُلْقِيَتْ مَع وَلَدِهَا ) .
منكر .
أخرجه الحاكم (2/496) ، والبزار (1/37/54) عن حماد بن سلمة :
أنبأ عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... مرفوعاً . وقال الحاكم :
"حديث صحيح الإسناد" ! ووافقه الذهبي !
وليس كما قالا ، فإن عطاء بن السائب كان اختلط ، وقد روى عنه ابن سلمة
في حالة الاختلاط - كما سبق بيانه في : "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ... " (رقم
880) - .
ثم إنه قد صح أن الذي قال لأمه : اصبري يا أماه ! فإنك على الحق " ... إنما
هو غلام الاخدود - كما رواه أحمد وغيره ، وسبق تبيانه هناك - .

3401 - ( ليلةَ أُسْرِيَ بي انتهيتُ إلى قصرٍ من لُؤْلُؤْةٍ تتلألأ نوراً ،
وأُعطِيتُ ثلاثاً :
إنك سيِّدُ المُرْسَلِين وإمامُ المُتَّقِينَ ، وقائدُ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ ).
منكر .
أخرجه البزار (1/49/60 - الكشف) من طريق جعفر بن زياد الأحمر
عن الهلال الصيرفي : ثنا أبو كثير الأنصاري : ثنا عبدالله بن أسعد بن زرارة
قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا متن منكر ، مخالف لأحاديث الإسراء والكثيرة حتى ما كان منها
ضعيفاً ! وإسناده ضعيف . قال الهيثمي في "المجمع" (1/78) :
" رواه البزار ، وفيه هلال الصيرفي عن أبي كثير الأنصاري ، ولم أر من ذكرهما" !

(13/902)


كذا قال ! وفيه غرابة ، فإن هلال الصيرفي قد أورده البخاري وابن أبي حاتم
في "كتابيهما" برواية جعفر هذا ، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وكذلك ذكره
ابن حبان في "ثقاته" (7/572) ، فهومجهول .
وأما أبو كثير الأنصاري : فلم أجده إلا في "المقتنى" للذهبي قال (2/30/
5195) فيه :
"سمع علياً ، وعنه إسماعيل بن مسلم العبدي ... كأنه رفيع".
قلت وقد أورده الدولابي في "الكنى" (2/90) من رواية عمران بن حدير قال:
سمعت أبا كثير رفيعاً يقول : سمعت علياً يقول : ... ، فذكر أثراً في الظلم والعدل .
فإن كان أبو كثير الأنصاري هو رفيعاً هذا ، فهو مستور ، لرواية ثقتين عنه ،
إسماعيل وعمران ، والله سبحانه أعلم .
ثم رأيت في الرواة : (هلال بن أبي حميد الوزان أبو جهم الصيرفي) ، ويقال فيه
غير هذا ، وهو ثقة من رجال الشيخين ، فاحتمل أن يكون هو هذا ، فإنه من طبقته ،
ولكنهم قد فرقوا بينهما ، ومنهم الإمام البخاري ، وإن خالفه الخطيب البغدادي ، وقد
أطال النفس جداً في بيان رأيه ، وأن هذا الحديث هو من رواية هلال بن أبي حميد
المذكور ، وساق في ذلك روايات كثيرة بمتونها ، وغالبها منكر جداً ، لأنها جعلت
الخصال الثلاث لعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، حتى خصلة "سيد المرسلين" ! وهذا باطل ظاهر
البطلان ، وإن كان في أكثرها جعلت "سيد المسلمين" ، وهذا وإن كان أهون ، فإنه
باطل أيضاً لوجوه لا مجال الآن لذكرها . وعلى كل حال ، فعلى فرض صحة مخالفة
الخطيب ، فذلك لا يعني ثبوت الحديث ، لبقاء جهالة أبي كثير الأنصاري أولاً .
ولأن الرواة قد اضطربوا في إسناده ثانياً على وجوه كثيرة ، بيَّنها الخطيب بياناً
شافياً في كتابه "الموضح" (1/186 - 192) ، لا يتوقف كل من وقف عليها عن

(13/903)


الحكم على الحديث بالضعف - إن لم أقل بالبطلان - ، فمن شاء الاطلاع عليها ،
رجع إليه . وقد لخص الحافظ في ترجمة عبدالله بن أسعد بن زرارة كلام الخطيب
في اضطراب سنده ، وختم ذلك بقوله :
"ومعظم الرواة في هذه الأسانيد ضعفاء ، والمتن منكر جداً . والله أعلم ".
ومن ذلك الاضطراب رواية عمرو بن الحصين العقيلي : ثنا هلال بن أبي
حميد عن عبد الله بن أسعد بن زرارة عن أبيه قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« أوحي إلي في علي ثلاث : أنه سيد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر
المحجلين ».
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (7/199) ، والحاكم (3/137 - 138) ،
والخطيب (1/192) ، لكن وقع فيه : "سيد المرسلين" ، وقال الحاكم :
"صحيح الإسناد" ! ورده الذهبي بقوله:
"قلت : أحسبه موضوعاً ، وعمرو وشيخه متروكان" .
وحديث الترجمة عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (4/153) لأبي قاسم
البغوي أيضاً وابن قانع - كلاهما في "معجم الصحابة" - وابن عساكر .
وعزاه الحافظ في "الإصابة" لأبي بكر بن أبي شيبة أيضاً وابن السكن والحاكم .
وأظن أن عزوه للحاكم وهم ، التبس عليه حديث الترجمة بحديث عمرو بن
الحصين المذكور قريباً . والله أعلم .

6402 - ( الأنصارُ مِحْنَةٌ ) .
منكر .
أخرجه البخاري في "التاريخ" (2/1/484 - 485) ، وابن أبي شيبة

(13/904)


في "المصنف" (12/159/12409)، وأحمد (5/285 و6/7) ،البزار (1/52/67) ،
والطبراني في "المعجم الكبير" (6/24/5377) من طريق حَمَّاد بْن زَيْدٍ : ثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُمَيْلَةَ عَنْ رَجُلٍ رَدَّهُ إِلَى سَعِيدٍ الصَّرَّافِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :... فذكره.
ولم يذكر بعضهم الرجل .
وكذلك رواه أبو داود في "فضائل الأنصار" ، كما رواه من طريقه الحافظ المزي
في ترجمة الصرَّاف هذا من "التهذيب" (11/127) ، وسقط من "البزار" ما بين
حماد والصرَّاف ، فلا أدري أهو من النساخ ، أو هكذا وقع الرواية له ؟ وقال عقبه :
"لا نعلمه بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه".
قلت : وهو منكر ، فإن لفظ الحديث عند المذكورين غير البخاري :
" إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ الْأَنْصَارِ مِحْنَةٌ ، حُبُّهُمْ إِيمَانٌ ، وَبُغْضُهُمْ نِفَاقٌ ".
فجملة الحب واليغض ثابتة في أحاديث صحيحة ، منها حديث البراء في
"الصحيحن" ، وهو مخرج في "الصحيحة" (1975) ، وهذا اللفظ : (محنة) لم نره
إلا بهذا الإسناد ، وهو ضعيف مظلم ، مسلسل بالعلل :
الأولى : إسحاق بن سعد بن عبادة : لا يعرف إلا في هذه الرواية ، ولم يوثقه
غير ابن حبان (4/21) ، ولذلك قال الذهبي في "الميزان" :
"لا يكاد يعرف " . وقال الحافظ :
"مستور مقل" .
الثانية : الرجل الراوي عنه : لم يسم ، فهو كجهول .

(13/905)


الثالثة : الراوي عنه عبدالرحمن بن أبي شميلة : مجهول الحال ، قال ابن
المديني :
"لا أعلم روى عنه غير حماد بن زيد ومروان بن معاوية " . ولم يوثقه غير ابن
حبان (7/79) ، وقال الحافظ :
"مقبول" . أي : عند التابعة ، وإلا ، فليِّن الحديث عند التفرد - كما هنا - .

6403 - ( لَا تَزَالُ الْمَرْأَةُ تَلْعَنُهَا الْمَلَائِكَةُ ، أَوْ يَلْعَنُهَا اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ ،
وَخُزَّانُ الرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ مَا انْتَهَكَتْ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ شَيْئاً ) .
منكر .
أخرجه البزار في "مسنده" (1/73/110) من طريق فُضَيْلِ بْنِ
سُلَيْمَانَ : أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سَلْمَانَ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، وله ثلال علل :
الأولى : عبيد بن سليمان الأغر : اختلف فيه الشيخان : البخاري وأبو حاتم ،
فليَّنه الأول ، وقال أبو حاتم :
"بل يحول من (الضعفاء) " - كما في "الميزان" - . ونصه في "الجرح" (2/2/
407) :
"لا أرى فِي حَدِيثِه إنكاراً ، يحوَّل من "كتاب الضعفاء" الذي ألفه البخاري" .
وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/156) .
والثانية : فضيل بن سليمان : فإنه مع كونه من رجال الشيخين ، فإنه كثير
الخطأ - كما قال الحافظ في "التقريب" - . ولم يذكر فيه الذهبي في "الكاشف" إلا
أقوال الجارحين ، ولعله هو علة هذا الإسناد .

(13/906)


والثالثة : النكارة في المتن : فإن فيه مبالغة ظاهرة ، غير معروفة في الأحاديث
الصحيحة ، فإن اللعنة لا يستحقها من ارتكب شيئاً ما من المعاصي ،ولا معنى
لتخصيص النساء بها . والله تعالى أعلم .

6404 - ( لَوَدِدْتُ أَنَّ بَيْنِي وَبَيْن أَهل نَجْرَانَ حجاباً ، من شِدَّةِ
ما كَانُوا يُجَادِلُونه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
ضعيف .
أخرجه ابن عبدالحكم في "فتوح مصر" (ص 301) : حدثنا عبدالملك
ابن مسلمة وأبو الأسود النضر بن عبدالجبار عن ابن لهيعة عن سليمان بن زياد
عن عبدالله الحارث بن جزء : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره .
وأخرجه البزار في "مسنده" (1/98/171 - الكشف) : حدثنا محمد بن
إسحاق : ثنا الأسود : ثنا ابن لهيعة .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله كلهم ثقات ، إلا أن ابن لهيعة ضعيف
الحديث فيما رواه عنه غير العبادلة ونحوهم ، والمذكوران ليسا منهم .

6405 - (إِنِّي لأعرف أُنَاساً مَا هُمْ أَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ ، يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ
وَالشُّهَدَاءُ بمنزلَتِهم يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الذين يحبون الله ويحببونه إلى خلقه ،
يأمرونهم بطاعةِ اللهِ ، فإذا أطاعوا اللهَ ، أحبَّهم اللهُ ) .
موضوع .
أخرجه البزار (ص 21 - مختصر الزوائد) عن سعيد بن سلام : ثنا
عمر بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال : ... فذكره . وقال :
"لم يُتابع سعيد على هذا " . قال الحافظ :

(13/907)


"قال الشيخ - يعني شيخه الهيثمي - : وهو كذاب ، كذبه أحمد" . وقال
الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/126) :
"رواه البزار ، وفيه سعيد بن سلام العطار ، وهو كذاب ".
قلت : ثم طبع "المختصر" بتحقيق صبري بن عبدالخالق ، وهو فيه (1/118/
77) . وطبع قبله أصله "كشف الأستار عن زوائد البزار" بتحقيق الشيخ حبيب
الرحمن الأعظمي غفر الله له ، وهو فيه (1/85/140) .
وأخيراً طبع ثلاثة مجلدات من أصله وهو "البحر الزخار المعروف بمسند البزار "
تحقيق الأخ الفاضل الدكتور محفوظ الرحمن ، ينتهي الثالث منها بأواخر مسند
سعد بن أبي وقاص .

6406 - ( كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ قَالَ :
عَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَسَتَرْجِعُونَ إِلَى قَوْمٍ يُحِبُّونَ الْحَدِيثَ عَنِّي ،
فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، وَمَنْ حِفْظَ عَنِّي
شَيْئاً ، فَلْيُحَدِّثْهُ ) .
ضعيف .
أخرجه أحمد (4/334) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/295) ،
والدولابي في "الكنى" (1/57) ، وابن خزيمة في "حديث علي بن حجر" (38/1) ،
وابن الضريس في "فضائل القرآن" (45 - 46) عن اللَيْث بْن سَعْدٍ ، والحاكم
(1/113) ، والبزار في "مسنده" (1/11/216 - كشف الأستار) جملة التَّبّوُّؤ فقط
من طريق عبدالله بن وهب ، كلاهما من طريق عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ
مَيْمُونٍ الْحَضْرَمِيِّ : أَنَّ أَبَا مُوسَى الْغَافِقِيَّ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ يُحَدِّثُ عَلَى
الْمِنْبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى : إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا غافل أَوْ
هَالِكٌ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ... .

(13/908)


والسياق لأحمد ، وكان فيه بعض الأخطاء المطبعية فصححتها من غيره .
وقال الحاكم :
" رواة هذا الحديث عن آخرهم محتج بهم ، فأما أبو موسى مالك بن عبادة
الغافقي فإنه صحابي سكن مصر ، وهذا الحديث من جملة ما خرجناه عن
الصحابي - إذا صح إليه الطريق - على أن وداعة الجهني قد روى أيضا عن مالك
بن عبادة الغافقي " .
قلت : وفي هذا العطف نظر عندي ، لأن ظاهره يعني :
وداعة الجهني روى عن مالك بن عبادة بإسناد آخر غير هذه الطريق ، وهذا مما
لم يذكره أحد - فيما علمت - ، وإنما وقع ذلك في هذا الإسناد من بعض الرواة ، فقد
أخرجه البخاري في "التاريخ" (4/1/301 302) ،وابن الحكم في "فتوح مصر"
(ص 305/20) ، وابن عدي في "الكامل" (1/12) ، والدولابي أيضاً من طرق عن
عبدالله بن وهب عن عمرو بن الحارث : أن يحيى بن ميمون حدثه : أن وداعة
الحمدي حدثه : أنه كان بجنب مالك بن عبادة أبي موسى الغافقي وعقبة بن
عامر الجهني [ يقص ] ، فقال مالك ... إلخ ، فزاد في السند : (وداعة الحمدي) .
وتابعه ابن بكير عن الليث عن عمرو ... به .
أخرجه البخاري أيضاً معلقاً .
وتابعه ابن لهيعة عن عمرو ... به .
أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (28) ، والطبراني (19/296) .
وبهذا التخريج يتبين أن الرواة اختلفوا على الليث بن سعد وعبدالله بن وهب
في إسناد هذا الحديث ، فمنهم من ذكر فيه وداعة الحمدي ، ومنهم من لم يذكره ،

(13/909)


وإن مما لا شك فيه - على ما تقتضيه القواعد الحديثية - أن الأول أرجح ، لأنها زيادة
من ثقات ، فهي مقبولة ، ولا سيما وهم أكثر ، ومعهم رواية ابن لهيعة التي لم
يختلف عليه فيها ، وهو ممن يستشهد به - كما هو معروف - .
وعلى ذلك فينبغي أن ننظر في حال (وداعة الحمدي) هذا ، فأقول :
لم يذكروا فيه أكثر مما في هذا الإسناد : أنه روى عن مالك بن عبادة ، وعنه
يحيى بن ميمون . هكذا في كتاب البخاري وابن أبي حاتم و "ثقات ابن حبان" ،
ذكره أولاً في (التابعين) ، وقال (5/496) :
"عداده في أهل مصر والشام ، روى عنه أهلها ويحيى بن ميمون " .
ثم ذكره ثانياً في (أتباع التابعين) ، وقال (7/566) :
"وداعة الغافقي - مكان : (الحمدي) - روى عن أبي موسى الغافقي ،روى
عنه يحيى بن ميمون" .
قلت : وهذا من تناقضاته الظاهرة ، فإن أبا موسى الغافقي صحابي باتفاقهم ،
وقد ذكره ابن حبان نفسه في "الصحابة" - كما تقدم - . فكيف يذكره في (أتباع
التابعين) أيضاً ؟!
ثم إن الصحيح في نسبة : (وداعة) إنما هي : (الحميدي) ... لا : (الغافقي)
- كما حققه المعلق على "تاريخ البخاري" - ، ولعل نسبة (الجهني) - التي تقدمت
في كلام الحاكم - محرفة من الناسخ أو الطابع من : (الحمدي) . والله أعلم .
ويتلخص مما ذكر : أن الرجل مجهول لا يعرف إلا بهذه الرواية ، فهو علة هذا
الحديث ، فهو يخدج فيما أشار إليه الحاكم إلى صحته في كلامه الذي نقلته قبل .
وتمام كلامه :

(13/910)


"وهذا الحديث قد جمع لفظتين غريبتين:
إحداهما : "فمن حفظ شيئاً فليحدث به " ، وقد ذهب جماعة من أئمة الإسلام
إلى أنه ليس للمحدث أن يحدث بما لا يحفظه .
والأخرى : «سترجعون إلى قوم يحبون الحديث عني » " .
قلت : ولغرابة هذه اللفظة ، أخرجت الحديث في هذه "السلسلة" لجهالة
(وداعة) ، ولأني لم أجد لها شاهداً ، ولأنها قد تستغل من بعض أعداء السنة ،
ويتخذها سلاحاً لمحاربة الحديث ،والدعوة إلى الاعتماد على القرآن وحده ، ولا
يخفى ما في ذلك من الضلال ، بل والخروج عن الإسلام . والله المستعان .
وفي ذهني أنني كنت قرأت في بعض الروايات أن هذه اللفظة إنما هي من
قول عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وقد بحثت عنه ، فلم يتيسر لي العثور عليه ، فمن كان
عنده علم ، فليدلنا عليه ، وله من الله أحسن الجزاء ، ومني عاطر الثناء .
وسائر الحديث مما لا شك في صحته ، بخاصة فقرة (التبوُّؤ) ، فإنها متواترة
- كما هو معلوم عند أهل الحديث والسنة - .

6407 - ( ثَلَاثَةٌ لَا يَرِيحُونَ رِيحَ الْجَنَّةِ : رَجُلٌ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ ،
وَرَجُلٌ كَذَبَ عَلَى نَبِيِّه ، وَرَجُلٌ كَذَبَ عَلَى عَيْنَيْهِ ) .
ضعيف جداً .
أخرجه البزار في "مسنده" (1/116/214) :حدثنا محمد بن
مسكين : ثنا يحيى بن حسان : ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال : ... فذكره موقوفاً عليه .
ورفعه بعضهم : أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (2/777) من طريق
إسحاق بن عقيل بن عَبْدُ الرَّزَّاقِ - يعني : ابْنُ عُمَرَ الدِّمَشْقِيُّ قال سمعت

(13/911)


جدي عَبْدَ الرَّزَّاقِ ابْنُ عُمَرَ : نا الزُّهْرِيُّ ... به مرفوعاً ، إلا أنه وقع فيه : "ورجل
كذب عليَ " .
أورده في ترجمة إسحاق هذا برواية محمد بن محمد بن سليمان الباغندي
فقط عنه هذا الحديث ، ولم يزد ، فهو مجهول . وقال البزار :
"لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ، تفرد به عبدالرزاق بن عمر ، وهو
دمشقي ، وقال بعض من روى عنه : (أيلي) ، وقد حدث عن عبدالرزاق بن عمر :
عبدالغفار بن داود ويحيى بن حسان " .
قلت : وهو الثقفي أبو بكر الدمشقي الكبير ، له ترجمة في "التهذيب" تمييزاً ، وهو من
الضعفاء الذي ضعفهم جمع من الحفاظ ، بل قال ابن معين :
"كذاب" . وقال الحافظ في "التقريب" :
"متروك الحديث عن الزهري ، ليِّن في غيره " .
وتفصيل هذا التفريق في "تهذيبه .

6408 - ( يَا أبا الدَّرْدَاءِ ! إِذا أَذَاك البراغيثُ فَخُذْ قَدَحاً من مَاء ،
وَاقْرَأ عليه سَبْعَ مَرَّاتٍ : {وَمَا لَنا أَن لَا نتوكلَ عَلَى اللّهِ } الْآيَة ، فَإِنْ
كُنْتُم آمَنْتُم باللّه فَكُفُّوا شَرَّكُم وأَذَاكم عَنَّا ثم تَرُشَّ حَوْلَ فِرَاشِك ،
فَإِنك تَبِيتُ تِلْك اللَّيْلَةَ آمِناً من شَرِّهِم ) .
منكر .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (3/270 - زهر الفردوس) من
طريق عبدالله بن عبدالوهاب الخوارزْمي : حدثنا عاصم بن عبدالله : حدثنا
إسماعيل بن حكيم عن أبي مريم عن أبي الدرداء رفعه .

(13/912)


قلت وهذا إسناد مظلم :
1 - أبو مريم : في طبقته جمع ، بعضهم ثقة ، وبقضهم مجهول ، ولم يتبين لي
من هو .
2 - إسماعيل بن حكيم : لعله الذي في "الجرح" (1/165) :
"إسماعيل بن حكيم الخزاعي : روى عن محمد بن المنكدر ... روى عنه
عمرو بن الحصين العقيلي ، وعبدالرحمن الزهري - رستة - ومحمد بن أبي بكر
المقدمي " .
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
3 - عاصم بن عبدالله : لم أعرفه ، وهناك راويان بهذا الاسم والنسبة ، وأحدهما
في "الجرح" ، والآخر في "الثقات" (7/459) ، ولكل منهما شيخ وراوٍ عنه يختلف
أحدهما عن الآخر ، فلا أدري هما واحد ، أم اثنان ؟ وسواء كان هذا أو ذاك ، فهل
هو هذا ؟
4 - وأما عبدالله بن عبدالوهاب الخوارزمي : فقد ذكره ابن حبان في "الثقات"
وقال (8/367) :
"ربما أغرب" . وأورده أبو نعيم في "أخبار أصبهان" ،وقال (2/52) :
"قدم أصبهان ، وحدث بها ، فِي حَدِيثِه نكارة " .
ونقله الحافظ عنه في "اللسان " وأقره ، وفاته توثيق ابن حبان وقوله فيه !
وبالجملة فهذاالإسناد لا يصح ، فإن لم يكن من مناكير الخوارزمي التي
أشار إليها أبو نعيم ،فهو ممن فوقه . وقد قال العقيلي في "الضعفاء" (2/158) تحت
الحديث الآتي بعده :

(13/913)


"ولا يصح في البراغيث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء ".
والحديث ذكره السيوطي في "الدر" (4/72) من رواية الديلمي عن أبي
الدرداء ، ومن رواية المستغفري في "الدعوات" ، عن أبي ذر مثله ، وعزاه السخاوي في
المقاصد (461) للعسكري في "الدعوات" ، وما أظن إسناده إلا كإسناد الأول (1) ،
وسكت السيوطي عنهما كغالب عادته .
وكذلك ذكرهما في رسالته التي أسماها : "الطرثوث في خبر البرغوث" التي
نشرها الدكتور عبدالهادي التازي ، وقد ساق فيها السيوطي ما هب ودب من
الأحاديث المرفوعة ، والآثار الموقوفة ، دون أي تحقيق فيها - كما هي عادته في
رسائله التي يجمع مادتها من هنا وهناك - .
ومن تلك الآثار التي ساقها عقب هذه الحديث - ما عزاه لابن أبي الدنيا في
"التوكل" - : أن عامل إفريقية كتب إلى عمر بن عبد العزيز يشكو إليه الهوام
والعقارب ، فكتب إليه :
وما على أحدكم إذا أمسى وأصبح ، أن يقول : {وما لنا ألا نتوكل على الله}
الآية . قال زرعة بن عبدالله - أحد رواته - : وينفع من البراغيث .
قلت : أخرجه في "التوكل" (10/20 - مجموعة الرسائل) من طريق بقية عن
زرعة بن عبد الله الزبيدي عن عبد الله بن كريز ، قال : كتب عامل إفريقية ...
إلخ .
وهذا إسناد ضعيف مجهول ، بقية - وهو : ابن الوليد - مدلس ، وقد عنعن .
__________
(1) وقد ذكر العلامة الكتاني في "رسالته" (ص 39) كتابه هذا "الدعوات" وغيره ثم
قال : "لكنه يروي الموضوعات من غير تبين ، كفعل غير واحد من المحدثين ".

(13/914)


وزرعة بن عبداله الزبيدي : قال أبو حاتم :
"مجهول ، ضعيف الحديث " .
وعبداله بن كريز : الظاهر أنه المترجم له في "اللسان" ، وذكر عن العلائي : أنه
لا يعرف .

6409 - ( لَا تَلْعَنْهُ ، - يعني : البُرْغُوثَ - ( وفي رواية : لا تَسُبُّه ) ، فَإِنَّهُ
أَيْقَظَ نَبِيّاً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِلصَّلَاةِ . ( وفي روايةٍ لصلاةِ الفجرِ) ) .
ضهعيف .
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (1237) ، وأبو يعلى في "المسند"
(2959 و 3120) ، وكذا البزار (2/434/2042 - كشف الأستار) ، والعقيلي في
"الضعفاء" (2/158) ، وابن عدي في "الكامل" (3/422) ، ومن طريقهما أخرجه
ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/225/1189) ، والدولابي في "الكنى"
(1/142) ، وابن حبان في "الضعفاء" أيضاً (1/350) ، والطبراني في "الدعاء"
(3/1720/2056) ، والبيهقي في "الشعب" (4/300/5179) من طريق سويد
أبي حاتم عن قتادة عن أنس بن مالك :
أَنَّ رَجُلاً لَعَنَ بُرْغُوثاً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ... فذكره . وقال البزار :
لا نعلم أحداً رواه عن قتادة عن أنس إلا سويداً ، وقد [ذكروا أنه] تابعه
سعيد بن بشير عليه ".
قلت : سويد - وهو : ابن إبراهيم صاحب الطعام - متكلم فيه من قبل حفظه ،
وبخاصة في روايته عن قتادة ، قال ابن عدي في آخر ترجمته - بعد أن ساق له
أحاديث أخرى غير هذا - :
"وله غير ما ذكرت عن قتادة وغيره ، بعضها مستقيمة ، وبعضها لا يتابعه

(13/915)


أحد عليها ، وإنما يخلط على قتادة ، ويأتي بأحاديث عنه لا يأتي بها أحد غيره ،
وهو إلى الضعف أقرب ". وقال الساجي :
"فيه ضعف ، حدَّث عن قتادة بحديث منكر ".
ولعله يعني هذا . وقال العقيلي عقب الحديث :
"ولا يصح في البراغيث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء" .
ونقله عنه ابن القيم في "المنار المنيف" وأقره ، وسبقه إلى ذلك ابن الجوزي
في آخر إعلاله للحديث .
ولقد خالف هؤلاء النقاد الثلاثة بعض المتأخرين - ممن ليس له قدم راسخة
في هذا العلم الشريف - ، فقال الشيخ علي القاري في "الموضوعات الكبرى"
(ص 490) رداً على ابن القيم :
"وهذا غريب منه ، فقد روى أحمد والبزار و ... " إلخ .
فأقول : وهذا مما لا قيمة له مطلقاً ، لأن التخريج وسيلة لا غاية ، وهو وسيلة
لمعرفة حال الإسناد صحة أو ضعفاً ، فالانشغال بالوسيلة عن الغاية مما لا يجوز
بداهة ، وبخاصة في مجال الرد على ابن القيم والعقيلي .
وقريب من ذلك رد الشيخ (أبو غدة) على ابن القيم ، فإنه - وإن زاد على
التخريج كلاماً في بعض رواته ، فإنه - قلَّد فيه الهيثمي في "مجمعه" ! والتقليد
ليس علماً يرد به على المحققين أمثال ابن القيم رحمه الله ، هذا لو كان صواباً ،
فكيف وفيه ما ستراه من التساهل الذي عرف به الهيثمي ؟!
على أن أبا غدة لم يكتف بما ذكرنا ، بل أضاف إلى ذلك خطأين آخرين ،
أحدهما شارك فيه الشيخ القاري في نقل التخريج الخالي عن الغاية - وهو الكلام

(13/916)


على الإسناد - إلا أنه نقله عن السخاوي في "المقاصد" ، وجاء فيه أنه رواه أحمد
في "مسنده" ! وهو وهم محض ، لم يتنبه له أبو غدة ، ولو تنبه له ، لأقره ، لأن
الغاية تبرر الوسيلة عنده ! والغاية لديه تخطئة ابن القيم رحمة الله عليه ، ألا تراه
في ذلك بتر من كلام الهيثمي ما يظهر لقرائه خلاف مراده ؟! وهذا هو الخطأ
الثاني ، بل هي منه خطيئة ، فانظر كلامه - فإنه طويل لا مجال لذكره - تتبين لك
الحقيقة بعد أن تقابله بكلام الهيثمي ، قال رحمه الله (8/77) بعد أن ساق
الحديث :
"رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في "الأوسط" ، ورجال الطبراني ثقات ، وفي
سعيد بن بشير ضعف ، وهو ثقة ، وفي إسناد البزار سُويد بن إبراهيم ، وثقه ابن
عدي وغيره ، وفيه ضعف ، وبقية رجالهما رجال الصحيح ".
ولقد يلاحظ القراء معي اختلاف عبارة الهيثمي في الرجلين ، ففي سعيد بن
بشير جزم بتوثيقه مع ضعف فيه ، وفي سويد لم يجزم بتوثيقه ، وإنما عزا التوثيق
لابن عدي وغيره ، ولكنه زاد فقال : "وفيه ضعف" ، فهذه الزيادة حذفها أبو غدة
من كلام الهيثمي - كما أشرت إليه آنفاً - ، ليظهر لقرائه أن الرجل ثقة أيضاً ،
وبذلك يتم رده المزعوم على ابن القيم ، ولكن هيهات (1) !
ومع أن الهيثمي أشار إلى الضعف الذي في الرجلين ، فإنه وقع في خطأين ،
أحدهما في سعيد ، والآخر فيهما معاً .
1 - أما هذا الخطأ المزدوج فهو :
__________
(1) وقد أشار إلى هذا التحريف الشيخ الفاضل بكر أبو زيد في كتابه القيِّم "تحريف
النصوص" (ص 157) في تحريفات أخرى له بيَّنها بلغت ثلاثين تحريفاً ، حمله عليها تعصبه
الأعمى لمذهبه على أهل السنة أصابتني أنا أحدها . انظر (ص 149) منه ..

(13/917)


أولاً : نسب إلى ابن عدي أنه وثق سويداً ، والواقع خلافه ، فقد نقلت عنه
آنفاً قوله فيه :
"وهو إلى الضعف أقرب" ، وقوله :
"إنه يخلط على قتادة" .
فأين التوثيق المزعوم ؟
ثانياً : هب أنه وثَّقه - كما وثَّق بعضهم سعيداً - ، فقد اعترف أنهما قد ضُعِفا
أيضاً - يعني من بعضهم - ، وحينئذ كان عليه أن يُطبِّق عليهما قاعدة (الجرح مقدم
على التعديل إذا بيَّن السبب) ، وهذا ظاهر جداً في كلام ابن عدي المذكور في
(سويد) ، ولهذا قال ابن حجر في "التقريب" :
"صدوق سيء الحفظ ، له أغلاط ، وقد أفحش ابن حبان فيه القول" .
قلت : وإنما أفحش ابن حبان القول فيه لروايته لهذا الحديث ، فقال :
يروي الموضوعات عن الأثبات ، وهو صاحب حديث البرغوث ، روى عن
قتادة ... " فذكره - كما تقدم - .
هذا في سويد .
وأما سعيد بن بشير : فالأمر فيه أوضح ، لكثرة المضعفين له من كبار الأئمة
من المتقدمين والمتأخرين ، مع كونه موثقاً من آخرين ، لكن الباحث المتجرد عن
الهوى لا يسعه أن يتسخلص من أقوال الفريقين إلا أنه صدوق في نفسه ، ضعيف
في حفظه ، فمثله ليِّن لا يحتج به إعمالاً للقاعدة المذكورة آنفاً - ، ولا سيما أنه
الذي انتهى إليه بعض الأفاضل الثقات من أهل بلده أعني : أبا مسهر الدمشقي ،
فإنه قال فيه :

(13/918)


"لم يكن في بلدنا أحفظ منه ، وهو منكر الحديث" .
قلت : وبخاصة في روايته عن قتادة كهذا الحديث ، فقد قال ابن نمير :
"يروي عن قتادة المنكرات" . وقال ابن حبان (1/319) :
"يروي عن قتادة ما لا يتابع عليه ".
ولذلك لما ذكره الذهبي في "المغني في الضعفاء والمتروكين" ، لم يذكر فيه إلا
أقوال الجارحين . وجزم الحافظبقوله فيه :
"ضعيف" .
فمن القوم بعدهم ؟!
إذا عرفت ما تقدم ، فما هو حديث بشير هذا ومن رواه ؟ فأقول:
هو مختصر عن حديث سويد ، رواه الوليد بن مسلم عنه عن قتادة عن أنس
قال :
ذكرت البراغيث عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال :
"إنها توقظ للصلاة" .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/51/1/5862) ، والبيهقي (4/300/
5178) من طريق الوليد بن مسلم ... به . وقال االطبراني :
" لم يروه عن سعيد بن بشير إلا الوليد بن مسلم ".
قلت : والوليد بن مسلم كان يدلس تدليس التسوية ، فهذه علة أخرى غير
ضعف سعيد بن بشير ، فينبغي التنبه لهذا !
ثم رأيت له متابعاً في "مسند الشاميين" (2/501 - المصورة) عن معن بن
عيسى القزاز : ثنا سعيد بن بشير ... به .

(13/919)


لكن شيخ الطبراني مسعدة بن سعد العطار المكي لم أجد له ترجمة ، وقد
روى له في "المعجم الأوسط" نحو (65) حديثاً .
وفي الباب عن علي قال :
بينما نحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فآذتنا البراغيث ، فسببناها ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"لا تسبوا البراغيث ، فنعمت الدابة ، توقظكم لذكر الله ".
أخرجه العقيلي في "الضعفاء (2/120) ، والطبراني في "المعجم الأوسط"
(2/298/1/9472) من طريقين عن يعقوب بن إبراهيم أبي يوسف القاضي عن
سعد بن طريف عن الأصبغ بن نُباتة عنه . وقال الطبراني :
"لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد ، تفرد به آدم ".
قلت : هو : ابن أبي إياس - كما فِي حَدِيثِ قبله عند الطبراني - وهو ثقة من
شيوخ البخاري ، لكنه لم يتفرد به - كما أشرت إليه بقولي : "طريقين" - ، فقد
تابعه عند العقيلي أبو الحارث الوراق ، لكن هذا - واسمه : نصر بن حماد - : قال
الذهبي في "الكنى" :
"واهٍ" . وله ترجمة سيئة في "التهذيب" ، حتى قال فيه ابن معين وغيره :
"كذاب" .
والراوي عن آدم هاشم بن مرثد قد روى له الطبراني في "معجمه الأوسط"
نحو أربعين حديثاً ، ولم أجد له ترجمة ، إلا قول الذهبي في "الميزان" و "المغني" :
"قال ابن حبان : ليس بشيء" .
ولم يترجم له ابن حبان في "الضعفاء" ، ولم يورده الحافظ في "اللسان" على
خلاف عادته ، فإنه يورد فيه ما ليس في "تهذيبه" ، وهذا منه . فالله أعلم .

(13/920)


ثم إن حال الإسناد من فوق أسوأ . فإن سعد بن طريف : قال الحافظ :
"متروك ، رماه ابن حبان بالوضع ، وكان رافضياً " .
وبه أعله ابن الجوزي فقال :
"حديث لا يصح ، والمتهم به سعد بن طريف ، فإنه كان يضع الحديث ، لا
يحل لأحد أن يروي عنه ، وليس بشيء" .
قلت : وقريب من الراوي عنه : أصبغ بن نباتة : قال الذهبي في "الكاشف" :
"تركوه" . وقال الحافظ :
"متروك ، رمي بالرفض" . وقال الهيثمي في "المجمع" (8/77 - 78) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه سعد بن طريف وهو متروك ".
وقال العقيلي عقبه :
"ولا يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البراغيث شيء".
وتقدم مثله تحت حديث أنس ، مع ذكر من وافقه من النقاد ومن خالفهم من
المتأخرين .
ومع وضوح علل هذا الحديث من جميع طرقه ، وتصريح الحفاظ بأنه لا يصح
في الباب شيء ، يستغرب جداً سكوت الحافظ السخاوي عنها في "المقاصد"
(ص 465) ، فلم يبيِّن شيئاً من عللها ، الأمر الذي قد يوهم من لا علم عنده ثبوتَها .
ومثله السيوطي ، إلا أنه لا يستغرب ذلك منه لأنها عادته !
ولذلك فإني كنت أودّ له أن لا يخلي رسالته من فائدة تربوية ، إذ خلت من
فائدة علمية حديثية ، أن يشير على الأقل إلى أن في السنة أحاديث كثيرة صحيحة

(13/921)


طيبة في تأديب المؤمن وتهذيبه حتى في لسانه ، فلا يسب شيئاً - فضلاً عن لعنه - ،
مثل سب الدهر والدِّيك والريح ونحو ذلك مما لا يدخل في دائرة التكليف والاختيار ،
وإن من أجمعها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"من لعن شيئاً ليس له أهل ، رجعت عليه اللعنة ".
وهو حديث صحيح مخرج في المجلد الثاني من "سلسلة الأحاديث الصحيحة"
رقم (528) . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ، ولا الفاحش ، ولا البذيء".
وهو مخرج في المصدر المذكور في المجلد الأول ، رقم (320) .

6410 - ( يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ! ارْفُقْ بِصَاحِبِي ، فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ ، فَقَالَ مَلَكُ
الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلامُ : طِبْ نَفْساً ، وَقَرَّ عَيْناً ، وَاعْلَمْ أَنِّي بِكُلِّ مُؤْمِنٍ رَفِيقٌ ،
وَاعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ ! أَنِّي لأَقْبِضُ رُوحَ [ابْنِ] آدَمَ ، فَإِذَا صَرَخَ صَارِخٌ مِنْ
أَهْلِهِ ، قُمْتُ فِي الدَّارِ وَمَعِي رُوحُهُ ، فَقُلْتُ : مَا هَذَا الصَّارِخُ ؟ وَاللَّهِ ! مَا
ظَلَمْنَاهُ ، وَلا سَبَقْنَا أَجَلَهُ ، وَلا اسْتَعْجَلْنَا قَدَرَهُ ، ومَالَنَا فِي قَبْضِهِ مِنْ
ذَنْبٍ ، فَإِنْ تَرْضَوْا بِمَا صَنَعَ اللَّهُ ، تُؤْجَرُوا ، وَإِنْ تَحْزَنُوا وتَسْخَطُوا ، تَأْثَمُوا
وتُؤْزَرُوا ، مَا لَكُمْ عِنْدَنَا مِنْ عُتْبَى ، وَإِنَّ لَنَا عِنْدَكُمْ بَعْدُ عَوْدَةً وَعَوْدَةً ،
فَالْحَذَرَ الحذرَ ! وَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يَا مُحَمَّدُ ! شَعْرٍ وَلا مَدَرٍ ، بَرٍّ وَلا بَحْرٍ ،
سَهْلٍ وَلا جَبَلٍ ، إِلا أَنَا أَتَصَفَّحُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، حَتَّى لأَنَا أَعْرَفُ
بِصَغِيرِهِمْ وكَبِيرِهِمْ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ ، وَاللَّهِ ! يَا مُحَمَّدُ ! لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَقْبِضَ
رُوحَ بَعُوضَةٍ مَا قَدَرْتُ على ذلك حتى يكونَ اللهُ هو أَذِنَ بقَبْضِها ) .
موضوع .
أخرجه الطبراني في "الكبير" (4188) من طريق مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ

(13/922)


ابن عبيد بن عَقِيلٍ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن أَبَانَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بن شِمْرٍ الْجُعْفِيُّ عَنْ جَعْفَرِ
ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ الْحَارِثَ بن الْخَزْرَجِ يَقُولُ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - وَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَ
رَأْسِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ - ، فَقَالَ : ... فذكره . قَالَ جَعْفَرٌ :
بَلَغَنِي أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَصَفَّحُهُمْ عِنْدَ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ ، فَإِذَا نَظَرَ عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَمَنْ كَانَ
يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ دَنَا مِنْهُ الْمَلَكُ وَدَفَعَ عَنْهُ الشَّيْطَانَ ، وَيُلَقِّنُهُ الْمَلَكُ : (لا إِلَهَ إِلا
اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، وَذَلِكَ الْحَالُ الْعَظِيمُ ) .
وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/325 - 326) من رواية الطبراني وقال :
"وفيه عمر بن شمر الجعفي ، والحارث بن الخزرج ، ولم أجد من ترجمهما ،
وبقية رجاله رجال (الصحيح) ، وروى البزار منه إلى قوله : (واعلم أني بكل مؤمن رفيق) ".

قلت : كذا وقع في "المجمع" : (عمر) ... ولذلك لم يعرفه ، وإما هو (عَمرو)
- كما تراه في "المعجم" - ، ولم يتنبه لذلك صاحبنا الشيخ حمدي عبدالمجيد السلفي
في تعليقه عليه ، فنقل كلام الهيثمي دون أي تعليق عليه!
وعمرو بن شمر - وهو : الجعفي - ، معروف بالضعف الشديد ، فقال البخاري
في "التاريخ الكبير" (3/2/344) :
"منكر الحديث " .
ومن طريقه رواه ابن شاهين أيضاً في "الجنائز" ، وابن منده مختصراً ، وابن
أبي عاصم وابن قانع ، كما في "الإصابة" للحافظ ابن حجر ، وقال :
"وعمرو بن شمر متروك الحديث" .

(13/923)


وإسماعيل بن أبان : اثنان:
الأول : أبو إسحاق الوراق الأزدي الكوفي .
والآخر : أبو إسحاق الخياط الكوفي.
فإن كان الأول ، فهو ثقة .
وإن كان الآخر ، فهو متروك أيضاً ، قال البخاري (1/1/347) :
"متروك ، تركه أحمد " . وكذبه غيره .
ولم يترجح عندي أيهما المراد هنا ، فإنهما من طبقة واحدة ، وظاهر كلام
الهيثمي أنه الأول . والله أعلم .
ثم تأكدت أنه الأول من "تهذيب المزي" ، فإنه ذكر أنه روى عن عمرو بن
شمر الجعفي .
والحديث أخرجه السهمي أيضاً في "تاريخ جرجان " (31 - 32) ، وابن منده
في "المعرفة" (2/2 - مخطوطة الظاهرية) وقال :
"الخزرج ابو الحارث مجهول ، وفي إسناد حديثه نظر ".
وقد عرفت أن العلة الكبرى إنما هي في عمرو بن شمر ، وأنه متروك ، بل قد كذبه
بعضهم ، وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/75) :
"وكان رافضياً ، يشتم أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكان ممن يروي الموضوعات عن
الثقات ".
ومن طريقه أخرجه البزار في "مسنده" (1/372/784) ببعضه - كما تقدم
ذكره عن الهيثمي - .

(13/924)


ومن طريقه أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (3/938 - 939) ، لكنه ارسله أو
أعضله ، فلم يجاوز (جعفر بن محمد بن علي عن أبيه) .

6411 - ( لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ ، قَامَ وِجَاهَ الْكَعْبَةِ فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ ، فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ هَذَا الدُّعَاءِ :
اللَّهُمَّ ! إِنَّكَ تَعْلَمُ سَرِيرَتِي وَعَلَانِيَتِي ، فَاقْبَلْ مَعْذِرَتِي ، وَتَعْلَمُ
حَاجَتِي ، فَأَعْطِنِي سُؤْلِي ، وَتَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي .
اللَّهُمَّ ! إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَاناً يُبَاشِرُ قَلْبِي ، وَيَقِيناً صَادِقاً حَتَّى أَعْلَمُ أَنَّهُ
لَا يُصِيبُنِي إِلَّا مَا كَتَبْتَ لِي ، وَرِضاً بِمَا قَسَمْتَ لِي ! فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ :
يَا آدَمُ ! إِنِّي قَدْ قَبِلْتُ تَوْبَتَكَ ، وَغَفَرْتُ لَكَ ذَنْبِكَ ، وَلَنْ يَدْعُنِي
أَحَدٌ بِهَذَا الدُّعَاءِ إِلَّا غَفَرْتُ لَهُ ذَنْبَهُ ، وَكَفَيْتُهُ الْمُهِمَّ مِنْ أَمْرِهِ ، وَزَجَرْتُ
عَنْهُ الشَّيْطَانَ ، وَاتْجَرْتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تَاجِرٍ ، وَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ الدُّنْيَا
رَاغِمَةً ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهَا ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/66/1/6112) ، وابن عساكر
في "تاريخ دمشق" (2/642) من طريق النَّضْر بْن طَاهِرٍ :حدثني مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْأنصاري عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ... مرفوعاً . وقال الطبراني :
"لَمْ يَرْوِه إِلَّا مُعَاذُ ، تَفَرَّدَ بِهِ النَّضْرُ ".
قلت : وهو ضعيف جداً ، يسرق الحديث ويحدث عمن لم يرهم ، ولا يحمل
سنه أن يراهم ، كما قال ابن عدي في "الكامل" (7/27) ، ثم ساق له عدة أحاديث
سرقها ، يصرح فيها بالتحديث ممن لم يسمعه منه ، وهذا معناه : أنه يكذب في

(13/925)


التحديث عمن لن يلقه ، وهذا ما صرح به ابن أبي عاصم في "السنة" عقب
حديث أبي رزين ، فقال (1/289) :
"ثم وقفت من هذا الشيخ بعد على الكذب ، ورأيته بعدما كف بصره يحدث
عن الوليد بن مسلم ، وعن غيره بأحاديث ليس من حديثه ، وتتابع في الكذب ،
نسأل الله العصمة " .
وخفي هذا على ابن حبان ، فأورده في "الثقات" (9/214) ، وقال :
ربما أخطأ ووهم " !
ولما ذكر الحافظ في "اللسان" كلام ابن أبي عاصم المتقدم ، أتبعه بقوله :
"وكأن ابن حبان ما وقف على كلام ابن أبي عاصم هذا ".
ثم ذكر كلام ابن حبان .
وقد روي الحديث عن بريدة بن الحصيب ، فرواه ابن عساكر أيضاً من طريق
أخرى عن النضر بن طاهر أيضاً : نا حفص بن سليمان عن علقمة بن مرثد عن
سليمان بن بريدة عن أبيه ... به .
قلت : وحفص بن سليمان هذا - وهو : القاري - ضعيف جداً ، فإن كان النضر
ابن طاهر ، لم يسمعه منه ، وإنما سرقه ، فإنه لم يَعْرِف ممن يسرق !!
لكن قد روي الحديث من غير هذه الطريق ، يرويه محمد بن كثير العبدي :
حدثنا عبدالله بن المنهال عن سليمان بن قسيم عن سليمان بن بريدة ... به .
أخرجه البيهقي في "الدعوات الكبير" (231) ، ومن طريقه ابن عساكر
(2/640 - 641) ، وأخرجه الحافظ ابن حجر في "المسلسلات" (ق 113/1 - 2)
من طريق أخرى عن محمد بن كثير ، لكن وقع فيه : (المنهال بن عمرو) ، ولعله
خطأ من الناسخ .

(13/926)


وفي رواية لابن عساكر : عبيد بن المنهال ، وقال عقبهما :
"كذا قال : (عبيد بن المنهال) ... وإنما هو : (عبيدالله بن المنهال) ،وأسقط منه :
(سليمان بن قسيم) ".
وأقول : عبدالله هذا - أو عبيد ، أو : عبيدالله - : لم أجد له ترجمة .
وشيخه سليمان بن قسيم - ويقال : ابن يسير - : ضعيف اتفاقاً . وقال ابن
حبان (1/329) :
"يأتي بالمعضلات عن أقوام ثقات" .
فأقول : وإن مما [لا] شك فيه أن هذه الحديث من معضلاته ، لمخالفته للنص
القرآني : {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ...} الآية ، وما يذكر
في بعض الآثار : أن القواعد كانت قبلهما ، وأنهما رفعا البيت عليها ، فليس في
شيء منها ما يصلح للاحتجاج به رواية ، لأنها بلاغات ومقطوعات ، ليس فيها
مرفوع إلا هذا الحديث المنكر ، كما يظهر ذلك لمن درس أسانيدها في "تاريخ ابن
عساكر" ، و"تفسير ابن جرير الطبري" وغيرهما ، مع مخالفتهما للآية - كما تقدم - .

ثم رأيت الحافظ ابن كثير قد ذكر نحو هذا في تاريخه "البداية" فقال (1/163) :
"ولم يجئ في خبر صحيح عن معصوم أن البيت كان مبنياً قبل الخليل عليه
السلام ، ومن تمسك في هذا بقوله {مكان البيت} ، فليس بناهض ولا ظاهر ،
لأن المراد : مكانه المقدر في علم الله المقرر في قدرته ، المعظم عند الأنبياء موضعه ، من
لدن آدم إلى زمان إبراهيم ، وقد ذكرنا أن آدم نصب عليه قبة ، وأن الملائكة قالوا
له: قد طفنا قبلك بهذا البيت ، وأن السفينة طافت به أربعين يوماً أو نحو ذلك ،
ولكن كل هذه الأخبار عن بني إسرائيل . وقد قررنا أنها لا تصدق ، ولا تكذب ،
فلا يحتج بها ، فأما إن ردها الحق فهي مردودة ، وقد قال الله : {إن أول بيت
وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين} ".

(13/927)


6412 - ( لَا تُخَادِعِ اللَّهَ ! فإنه من يُخَادِع الله ، يَخْدَعَهُ ، ونفسه يخدعُ
لو يشعُر .قَالوا : وَكَيْفَ يُخَادع اللَّه ؟ قَالَ : أَنْ تَعْمَلَ بِمَا أَمَرَكَ
اللَّهُ بِهِ ، وتطلبُ غَيْرَهُ ، فَاتَّقُوا الرِّيَاءَ ، فَإِنَّهُ الشِّرْكُ ، وَإِنَّ الْمَرَائِيَّ يُدعى
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأشْهَادِ بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءَ يُدعى إليها : يَا كَافِرُ ! يَا
خَاسِرُ ! يَا غَادِرُ ! يَا فَاجِرُ ! ضَلَّ عَمَلُكَ ، وَبَطَلَ أَجْرُكَ ، فَلَا خَلَاقَ لَكَ
الْيَوْمَ ، فَالْتَمِسْ أَجْرَكَ مِمَّنْ كُنْتَ تَعْمَلُ لَهُ يَا مُخَادِعُ ! ).
منكر .
أخرجه الطبري في كتاب "آداب النفوس" عن عمر بن عامر البجلي
عن ابن صدقة عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من حدثه قال : قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ...
كذا في "تفسير القرطبي" (1/19 - 20) ساكتاً عنه ، ولا بأس عليه من ذلك
ما دام أنه ساق إسناده .
فأقول : وهو إسناد ضعيف ، من أجل عمر بن عامر البجلي : قال ابن معين :
"عمر بن عامر : بجلي كوفي ، ضعيف ، تركه حفص بن غياث " .
رواه ابن عدي في "الكامل" (5/27) عن ابن الدورقي عن ابن معين في
ترجمة عمر بن عامر البصري ، وكذلك المزي في "التهذيب" ، وذكر أنه :(السلمي
أبو حفص البصري) ، وتبعه الحافظ في "تهذيبه" ، إلا أنه قال معقباً على المؤلف
المزي :
"وينبغي أن يحرر ما حكاه المؤلف عن ابن الدورقي عن ابن معين ، فاني أظن
أنه رجل آخر غير صاحب الترجمة ، يدل عليه كونه نسبه بجلياً كوفياً ، وصاحب
الترجمة سلمي بصري".

(13/928)


قلت : ولذلك فصله في "التقريب" فذكره - تمييزاً - عقب السلمي البصري ،
وقال :
"ضعيف" .
قلت : ويؤكد أنه غير السلمي : أن هذا وثقه ابن معين . والله تعالى أعلم .
وشيخه ابن صدقة : لم أعرفه .
وقد روي عن آخر مثله - أو : هو نفسه ، لكنه تحرف أحدهما من الآخر - ،
أخرجه أحمد بن منيع في "مسنده" من طريق الفرج بن فضالة عن أبي الحسن
عن جبلة اليحصبي قال :
كنا مع رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فكان فيما حدثنا أن قال : إن قائلاً من
المسلمين قال : يا رسول الله ! ما النجاة غداً ؟ قال : ... فذكره .
كذا في "المطالب العالية" المسندة (ق 50/2) .
قلت : وهذا إسناد ضعيف أيضاً ، الفرج بن فضالة : قال الحافظ في "التقريب" :
"ضعيف" .
وأبو الحسن : لم أعرفه ، وكذا شيخه جبلة اليحصبي ، ومن المحتمل أن يكون
هو ابن صدقة الذي في الإسناد الأول ، والله أعلم .
ولما ذكره الحافظ في "المطالب العالية" المطبوعة (3/184/3202) - من تخريج
ابن منيع أيضاً - ، سكت عنه . وأما السيوطي فقال في "الدر المنثور" (1/30) على
خلاف عادته الغالبة :
" ... بسند ضعيف".

(13/929)


6413 - ( كان يقتلُ القَمْلَ في الصلاة ) .
منكر جداً .
قال ابن عبد البر في "التمهيد" (22/280) : ذكر نعيم بن حماد
عن ابن المبارك عن مبارك بن فضالة عن الحسن : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ...
قال نعيم : "هذا أول حديث سمعته من ابن المبارك".
قلت : وهو منكر المتن جداً عندي ، وهو من مراسيل الحسن - وهو : البصري - ،
وهي كالريح - كما قال بعض الحفاظ - ، وهذا لو صح السند إليه ، فكيف ومبارك
ابن فضالة ضعيف ؟! ونعيم بن حماد مثله في الضعف أو أشد ، فقد اتهم بالوضع .
وسكت عنه ابن عبدالبر لوضوح ضعفه . والله أعلم .

6414 - ( كان لا ينامُ حتى يُقَبِّلَ عُرْضَ وَجْهِ فاطمةَ ) .
منكر .
أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في "المعجم" (ق 156/1) : نا داود
- يعني : ابن يحيى الدهقان - : نا عباد بن يعقوب : نا يحيى بن سالم عن إسرائيل
عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، يحيى بن سالم : كوفي ضعفه الدارقطني - كما
في "الميزان" و "اللسان" - ، وغمزه العقيلي فِي حَدِيثِ آخر له تقدم برقم (4901)
نسبه فيه مع شيخه إلى عدم الضبط ، وسوء المذهب ، يشير إلى أنه شيعي ، وقال
الذهبي في شيخه ثمة :
"شيعي جلد ، تكلم فيه ".
وداود بن يحيى الدهقان : لم أجد له ترجمة .
(تنبيه) : عقب الحافظ على ترجمة يحيى بن سالم هذا في "اللسان" بقوله :

(13/930)


"وفي ثقات ابن حبان: (يحيى بن سالم) عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، روى عنه الأعمش
وفطر بن خليفة ، فليحرر . وقد ظهر لي أنه غيره ... " إلخ .
فأقول : ما استظهره هو الصواب ، لكن الذي في "ثقات ابن حبان" في ثلاثة
مواضع منه (يحيى بن سام) بالميم ، وكذلك هو في "تاريخ البخاري" و "جرح ابن
أبي حاتم" وغيرهما ، فلا أدري هل تحرف على الحافظ : (سام) .. إلى (سالم) ، أم
هو من الناسخ أو الطابع ؟ وأيهما كان فقد فات الحافظ أن : (ابن سام) هذا مترجم
أيضاً في "تهذيبه" ، وكذا في "تقريبه" ، وجعله في المرتبة مقبولاً ، وفي الطبقة
تابعياً من الرابعة ، ولولا ذاك ، لأحال في ترجمته إلى تهذيبه" - كما هي العادة - .
فَجَلَّ من لا يضل ولا ينسى .

6415 - ( " مِنَ الْيَدِ الطَّلِيقَةِ ، وَالكلمَةِ الْهَنِيئَةِ ، اليَمَنِ وحِمْيَرٍ ) .
ضعيف .
أخرجه البزار في "مسنده" (1/119/221 - كشف الأستار ) ، وابن
عساكر في "تاريخ دمشق" (13/609) من طريق ابْن لَهِيعَةَ عن الرَّبِيع بْن سَبْرَةَ
عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الجهني قَالَ :
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مِمَّنْ نَحْنُ ؟ قَالَ : ... فذكره . وقال البزار :
"لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد ".
قلت : وهو ضعيف ، لسوء حفظ ابن لهيعة ، ومن طريقه أخرجه الطبراني في
"المعجم الكبير" - كما في ترجمة عمرو بن مرة من "الإصابة" - ، وأشار الهيثمي
إلى إعلاله بابن لهيعة في "مجمع الزوائد" (1/194) .
ومسند عمرو بن مرة من القسم الذي لم يطبع من "المعجم الكبير" .
ومن هذا الوجه أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (3/135 - 136) عنه بلفظ :

.

(13/931)


كنت جالساً عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال :
« من ههنا من (معد) ، فليقم » . قال : فأخذت ثوبي لأقوم ، قال :
« اقعد » . ثم قال الثانية . فقلت : ممن أنا يا رسول الله ؟ قال :
« من حمير ».
وعزاه الهيثمي ثم ابن حجر لأحمد (*) أيضاً ، ولم اره في "المسند" ، وهو المراد
عند إطلاق العزو إليه ، وهو المقصود يقيناً في "مجمع الهيثمي". فالله أعلم .

6416 - ( يَوْشِكُ العلمُ أن يُرْفَعَ ( يُرَدِّدُها ثلاثاً ) .قَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ:
بأبي أنت وأُمِّي كيف يُرْفَعُ العلمُ مِنَّا وهذا كتابُ اللهِ بين أظهُرِنا قد
قرأناه ، ويَقرَؤه أبناؤنا . ويُقْرِئُونه أبناءَهم ؟! فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ بنَ
لَبِيدٍ ! إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، أَوَلَيس هؤلاء الْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى عندهم التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ ، فماذا أغنى عنهم ؟ إن اللهَ ليس
يَذْهَبُ بِالْعِلْم يُرْفع ، وَلَكن يَذْهَبُ بِحَمَلَتِه . قال :
ما قَبَضَ اللّهُ عَالِماً من هَذِه الْأَمَةِ ، إلَا كَان ثُغْرَة في الإسلَام لَا تُسَدُّ
بِمِثْلِه إلى يَوِمِ الْقِيَامَةِ ) .
ضعيف جداً .
رواه ابن عساكر ( 18/298 - 299) عن أبي مهدي عن أبي
الزاهرية عن أبي شجرة ... مرفوعاً .
__________
(*) أورده الحافظ في "أطراف المسند" (5/154/7845) ، ولم يجده في "المسند" محققه
أيضاً ، فهو ساقط من المطبوع ، وإسناده عنده من طريق قتيبة عنه ، والشيخ رحمه الله رجّح
- أخيراً - تصحيح حديثه عن ابن لهيعة . (الناشر) .

(13/932)


ومن هذا الوجه أخرجه البزار (1/235 0 236) وزاد في الإسناد فقال : "عن
ابن عمر".
واسم أبي شجرة : يزيد بن شجرة الرهاوي ، قال ابن عساكر:
"يقال : إن له صحبة ".
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ، أبو مهدي - واسمه : سعيد بن سنان
الحمصي - : قال الحافظ :
"متروك ، ورماه الدارقطني وغيره بالوضع ".
وإنما أوردته هنا من أجل الطرف الأخير منه في الثغرة ، فإني لم أجد له شاهداً
معتبراً ، بخلاف ما قبله ، فهو ثابت عن غير واحد من الصحابة كعوف بن مالك
وغيره ، وهو في "التعليق الرغيب" (1/187) ،وتخريج "اقتضاء العلم العمل"
(189/89) وغيرهما .
والجملة التي بين حديث الثغرة وقوله : "فماذا أغنى عنهم " يشهد لها حديث
ابن عمرو مرفوعاً بلفظ :
"إن الله لا يقبض العلم اتنزاعاً ينتزعه من العلماء ..." الحديث متفق عليه ،
وهو مخرج في "الصحيحة" (2767) وغيره .

6417 - ( لا أُحِبُ أن يُعِينَني على وضوئي أحدٌ ) .
منكر جداً .
أخرجه البزار في "مسنده" (1/136/260 - كشف الأستار) من
طريق النَّضْر بْن مَنْصُورٍ أبي عبدالرحمن قال : سمعت أَبا الْجَنُوبِ يقول :
رَأَيْتُ عَلِيّاً يَسْتَقِي مَاءً لِوُضُوئِهِ ، فَقلت : ألا أَسْتَقِي لَك ؟ قَالَ :

(13/933)


ما أُحِبُ أن يُعِينَني عليه ، فقال عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقِي مَاءً لِوُضُوئِهِ ، فَقلت ألا أعينك عليه ؟ فَقَالَ : .
فذكره ، وقال :
"لا يروى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عن عمر بهذا الإسناد".
قلت : وهو ضعيف جداً ، النضر هذا قال البخاري في "التاريخ" (4/2/91)
"منكر الحديث" . وهذا منه تضعيف شديد . ونحوه قول ابن حبان (3/50)
"منكر الحديث جداً " . وقال ابن أبي حاتم (4/1/479) عن أبيه :
"شيخ مجهول ، يروي أحاديث منكرة ".
وشيخه أبو الجنوب مثله - واسمه (عقبة بن علقمة) - ، قال ابن أبي حاتم
(3/1/313) عن أبيه :
"ضعيف الحديث ، وهو مثل (أصبغ بن نُباتة) و (أبي سعيد عقيصا) متقاربين
في الضعف ، ولا يشتغل به" .
وروى ابن أبي حاتم ، والعقيلي (4/294) ، وابن عدي (7/23) عن ابن معين
أنه سئل عنهما ؟ فقال :
"هؤلاء حمالة الحطب " ! والحديث قال في "المجمع" (1/227) :
"رواه أبو يعلى والبزار ، وأبو الجنوب ضعيف ".
كذا قال ! وفيه تساهل ظاهر - مما سبق - ، وإن تبعه الحافظ في "التقريب" .
وهو في "مسند أبي يعلى" (1/200/231) ، و"كامل ابن عدي" من طريق
أخرى عن النضر بن منصور ... به نحوه ، ولفظه :

(13/934)


" مَهْ يَا عُمَرُ ! فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَشْرَكَنِي فِي طُهُورِي أَحَدٌ " .
وزاد ابن عدي مرفوعاً :
"طلحة والزبير جاراي في الجنة" .
وهي عند العقيلي وحدها ، وكذا الترمذي وغيره ، وتقدم تخريجها برقم
(2311) من هذه "السلسة" .
وإن من نكارة الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه: أنه يخالف أحاديث
صحيحة ، فيها استعانته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغيره على الوضوء ، كحديث المغيرة في "الصحيحين"
الذي فيه : أنه أفرغ على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضوءه ، حتى همَّ أن ينزع عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خفيه ،
فقال له : "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين " . وهو مخرج في "الإرواء" (1/135/
57) ، ومن تراجم البخاري له :
(باب الرجل يوضئ صاحبه) .
وكحديث الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها :
"اسكبي لي وضوءاً " .
وهومخرج في "صحيح أبي داود " (117) .

6418 - ( مَا لِي لا أَهِمُ وَرُفْغُ أَحَدِكُمْ بَيْنَ أُنْمُلَتِه وَظُفْرِهِ ؟! ).
منكر .
أخرجه البزار في "مسنده" (1/139/266) ، والعقيلي في "ضعفائه"
(2/212) ، والطبراني في "معجمه" (10/228/10401) من طريق الضَّحَّاك بن
زَيْدٍ الأَهْوَازِيّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بن أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن
مَسْعُودٍ قَالَ:
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّكَ تَهِمُ ، قَالَ:... فذكره . وقال البزار:

(13/935)


" لا نعلم أحداً أسنده إلا الضحاك ، وروي عن قيس مرفوعاً ومرسلاً ".
وذكره العقيلي في ترجمة الضحاك هذا ، وقال :
"يخالف فِي حَدِيثِه" . وقال فيه ابن حبان في "الضعفاء" (1/379) :
"كان ممن يرفع المراسيل ، ويسند الموقوف ، لا يجوز الاحتجاج به ، لما أكثر منها " .
ثم علق له هذا الحديث .
وقد خالفه سفيان بن عيينة ، فقال : حدثنا إسماعيل عن قيس قال : ...
فذكره مرسلاً .
أخرجه البيهقي في "الشعب" (3/24/2766) ، والعقيلي . وقال :
"وهذا أولى" . وأقره الحافظ في "اللسان" . وأما في "الفتح" فساقه (10/345)
من رواية البيهقي المرسلة ، وقال :
"وقد وصله الطبراني من وجه آخر "!
وسكت عنه ! وما كان ينبغي له ، لما علمت من حال الضحاك بن زيد ، وبه
أعله الهيثمي (1/238) بكلام ابن حبان المتقدم . وقد اقتصر على البزار في العزو ،
كما اقتصر الحافظ على الطبراني فيه ! - كما رأيت - وحقه أن يجمع بينهما .
ثم إن الهيثمي لما أعاده في مكان آخر (5/168) جمع بينهما فأصاب ، ولكنه
وهم وهماً فاحشاً فقال :
"رواه الطبراني والبزار باختصار ، ورجال البزار ثقات ، وكذلك رجال الطبراني
إن شاء الله " !
فذهل رحمة الله عليه عما كان أعله هناك !
والحديث ذكره القرطبي في "تفسيره" (2/102) بزيادة :
.

(13/936)


ويسألني أحدكم عن خبر السماء ؟ وفي أظافره الجنابة ، والتفث" . وقال :
"ذكر هذا الخبر أبو الحسن عليّ بن محمد الطبري - المعروف بـ (الكِيَا) - في
«أحكام القرآن» له عن سليمان بن فرج بن أبي واصل قال : أتيت أبا أيوب رضي
الله عنه ، فصافحته فرأى في أظفاري طولاً ... " إلخ .
فتبين من تخريجه هذا أن الزيادة ليست من تمام الحديث ، فالظاهر أنها لحقت
به من المؤلف أو من بعض النساخ ، والمهم أن نتبين درجة هذه الزيادة ، وهل رواها
غير الطبري عن المذكور ؟ فإني لم أعرفه الآن ، ولا سيما وقد تحرف فيه اسمه - كما
سيأتي بيانه بعد هذا - .
(فائدة) : قوله : "رفغ أحدكم ..." قال ابن الأثير :
" أراد بـ (الرُّفْغ) ها هنا وَسَخ الظُّفُر ،كأنَّه قال : رُفْغ أحدِكم . والمعنى أنكم لا
تُقَلِّمون أظفاركم ، ثم تَحُكُّون بها أرْفاغَكم ، فيعْلَق ما فيها من الوَسَخ ، وهو بالضم
والفتح ، واحدُ (الأرفاغ) وهي أصولُ المَغابن كالآباط والحَوالِب ، وغيرِها من مَطاوي
الأعضاءِ ،وما يَجتمع فيه الوَسَخ والعَرَق " .
قلت : ووقع في "كشف الأستار" وغيره حتى في تعليق الشيخ الأعظمي
"رفع" بالعين المهملة ، وهو خطأ ظاهر ، لعله من الطابع .

6419 - ( يجيء أَحَدُكُمْ يسْأَلُ عَنْ خَبَرِ السَّمَاءِ ؟ وَيَدَعُ أَظْفَارَهُ
كَأَظَافِيرِ الطَّيْرِ ، تَجْتَمِعُ فِيهَا الْجَنَابَةُ وَالتَّفَثُ !) .
ضعيف .
أخرجه البخاري في "التاريخ" (2/2/128) ، وأحمد (5/417) ،
والطبراني في "المعجم الكبير" (4/220/4086) ، وابن عدي (3/315) من طريق
قُرَيْش بن حَيَّانَ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي وَاصِلٍ سلمَانَ بن فَرُّوخٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ
قَالَ : أتى رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسَأَلهُ عَنْ خَبَرِ السَّمَاءِ ؟ وأَظْفَاره كَأَظْفَارِ الطَّيْرِ ،

(13/937)


قال: ... فذكره . والسياق لابن عدي ، ونحوه للطبراني .
ولفظ البخاري وأحمد :
لَقِيتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ فَصَافَحَنِي ، فَرَأَى فِي أَظْفَارِي طُولاً ، فَقَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
فهذا نوع اختلاف في متن الحديث ، وثمة اختلاف في اسم راويه (ابن
فروخ) ، فعند ابن عدي (سلمان) - كما تقدم - ، وقال :
"حدث عن أبي أيوب بنحو عشرة أحاديث لا يتابع عليها ".
ونقله الذهبي عنه وأقره ، وقال :
"لا يعرف" .
ووقع عند الطبراني (سليمان) بزيادة ياء .
وكذلك ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/391) برواية قريش المذكور عنه .
وعند البخاري هنا (سليم) . ولكنه ذكره في (باب سليمان) فقال (2/2/30) :
"سليمان بن فروخ أبو واصل قال : لقيني أبو أيوب ... وهوالأزدي ، مرسل .
روى عنه يونس بن خباب ".
وأما أحمد فقال - وقد رواه عن شيخه وكيع - : ثنا قريش . ولم يقل وكيع مرة :
(الأنصاري) ، قال غيره : أبو أيوب العتكي.
وقال ابنه :
"قال أبي :يسبقه لسانه . يعني وكيعاً ، فقال : لقيت أبا أيوب الأنصاري ،
وإنما هو أبو أيوب العتكي" .
قلت : والعتكي هو الأزدي - كما في "التهذيب" - .

(13/938)


والخلاصة : أن في الحديث علتين :
إحداهما : جهالة ابن فروخ ، ويؤكد ذلك الاضطراب في اسمه :"سلمان" ،
"سليمان" ، "سليم" ، لأن الاضطراب معناه : أنه غير معروف ولا مشهور .
والأخرى : الإرسال .
وأما الهيثمي ، فقد أجمل القول فيه - كعادته - فقال (5/168) :
" رواه أحمد والطبراني - باختصار - ، ورجالهما رجال الصحيح ، خلا أبا واصل ،
وهو ثقة".
قلت : لم يوثقه غير ابن حبان ، وهو متساهل في التوثيق ، ولذلك قال
الذهبي:
"لا يعرف" - كما تقدم - ، أضف إلى ذلك إعلال البخاري إياه بالإرسال.

6420 - ( مَنْ قَالَهُنَّ أَوَّلَ نَهَارِهِ ، لَمْ تُصِبْهُ مُصِيبَةٌ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَمَنْ
قَالَهَا آخِرَ النَّهَارِ ، لَمْ تُصِبْهُ مُصِيبَةٌ حَتَّى يُصْبِحَ :
اللَّهُمَّ ! أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَرْشِ
الْعَظِيمِ ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ
الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ، اللَّهُمَّ ! إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ
دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .
ضعيف جداً .
أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (20/55) من طريق
الْأَغْلَب بْن تَمِيمٍ : حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ فُرَافِصَةَ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ :

(13/939)


جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ ! قَدِ احْتَرَقَ بَيْتُكَ .
قَالَ : مَا احْتَرَقَ ، اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ ؛ لِكَلِمَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَنْ قَالَهُنَّ ... تلحديث .
قلت :وهذا إسناد ضعيف جداً ، الأغلب هذا قال البخاري وغيره :
"منكر الحديث" .
والحجاج بن فُرافصة فيه ضعف .

6421 - ( كان يُتَوَضَّأ بفَضْلِ سِوَاكِه ) .
ضعيف .
أخرجه البزار في "مسنده" ( 1/144/274) - واللفظ له - ، والدراقطين
في "سننه" (1/40/4) من طريق يوسف بن خالد : نا الأعمش عن أنس ... به
مرفوعاً . وقال البزار :
"رواه سعد بن الصلت عن الأعمش عن مسلم " .
قلت : يشير إلى أنه تفرد بروايته يوسف بنخالد عن الأعمش عن أنس
هكذا منقطعاً ، وبخاصة أن يوسف هذا - وهو السمتي - كذاب ، كما قال الحافظ
في "مختصر الزوائد" (1/156/153) ، بل تابعه سعد بن الصلت فرواه عن
الأعمش عن مسلم الأعور عن أنس ... به . فوصله بذكر مسلم بين الأعمش
وأنس .
أخرجه الدارقطني أيضاً (رقم 3) .
لكن مسلم هذا - وهو ابن كيسان الملائي - : ضعيف اتفاقاً .
وسعد بن الصلت ذكره ابن أبي حاتم برواية جمع عنه ، دون تجريح أو تعديل .

(13/940)


أورده ابن حبان في "الثقات"(6/378) وقال :
"ربما أغرب" .
قلت : وقد صح موقوفاً على جرير بن عبدالله البجلي أنه :
كان يستاك ، ويأمرهم أن يتوضؤُوا بفضل سواكه .
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/172) : حدثنا وكيع عن إسماعيل
عن قيس عنه .
قلت : وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ، وعلَّقه البخاري .
وأخرجه الدارقطني (رقم 2) من طريق يحيى بن سعيد : نا إسماعيل :ثنا
قيس قال :
كان جرير يقول لأهله : توضؤوا من هذا الذي أدخل فيه سواكي . وقال:
"هذا إسناد صحيح " . وأقره الحافظ في "الفتح" (1295) وقال :
"وَذَكَرَ أَبُو طَالِب فِي "مَسَائِله" عَنْ أَحْمَد : أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مَعْنَى هَذَا
الْحَدِيث ؟ فَقَالَ : كَانَ يُدْخِل السِّوَاك فِي الْإِنَاء وَيَسْتَاك ، فَإِذَا فَرَغَ تَوَضَّأَ مِنْ
ذَلِكَ الْمَاء " .
(تنبيه): في كلام أحمد - هذا - ما يرشد إلى الجمع بين لفظ الحديث هنا ،
ولفظ الدارقطني بلفظ :
كان يستاك بفضل وضوئه .
وقد مضى تخريجه من رواية الدارقطني في "الإفراد" - أيضاً - وغيره برقم
(4268) ، فإن بينهما تناقضاً ظاهراً ، حتى يبدو لأول وهلة أن أحدهما مقلوب ،

(13/941)


لكن كلام أحمد قد جمع بينهما جمعاً بيناً ، وهو جمع حسن ، لو كان الحديث
ثابتاً . ومن الغريب أن الحافظ عزاه للدارقطني باللفظ المذكور هنا ، دون أن ينتبه لما
ذكرت من الاختلاف .
ثم رأيت الحديث في "مسند أبي يعلى" (7/86/4020) من طريق يوسف
ابن خالد بلفظ الدارقطني المتقدم . والله أعلم .

6422 - ( مَنْ مَسَّ صنماً ، فَلْيَتَوَضَأْ ) .
منكر.
أخرجه البزار في "مسنده" (1/146/279) ، ومحمد بن مخلد العطار
في "المنتقى من حديثه" (2/16/1) ، وابن حبان في "الضعفاء" (1/369 - 370)
والفظ له من طريق صالح بن حيان القرشي عن أبي بريدة عن أبيه مرفوعاً . وقال
ابن حبان في صالح هذا :
"يريو عن الثقات أشياء لا تشبه حديث الأثبات".
ثم ساق له هذا الحديث ، وأشار البخاري إلى تضعيفه جداً في "التاريخ"
(2/2/275) :
"فيه نظر" . وهو مما اتفق العلماء على تضعيفه ، بل قال النسائي والدولابي:
"ليس بثقة" .
(تنبيه) : ذاك لفظ ابن حبان ، ولفظ البزار والعطار :
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مس صنماً فتوضأ .
فجعله من فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لكن عزاه الهيثمي في "المجمع" (246) للبزار باللفظ
الأول ، وكذلك وقع في "مختصر الزوائد" للحافظ (1/168/174) ، و "الجامع الكبير"
للسيوطي .

(13/942)


ويشبه هذا الأثر الذي رواه عمار الدهني عن أبي عمرو الشيباني ، أو
غيره :
أن علياً استتاب المستورد العجلي - وهو يريد الصلاة - وقال : إني أستعين بالله
عليك . فقال : وأنا أستعين المسيح عليك ! قال : فأهوى علي بيده إلى عنقه ، فإذا
هو بصليب ، فقطعها . فلما دخل في الصلاة ، قدم رجلاً وذهب .
ثم أخبر الناس أنه لم يحدث ذلك بحدث أحدثه ، لكنه مس هذه الانجاس ،
فأحب أن يحدث منها وضوءاً .
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1/125) عن ابن عيينة عنه .
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات ، لولا أن عماراً لم يدرك أبا عمرو الشيباني ،
- واسمه : سعد بن إياس - ، فإنه مات سنة (96) ،ومات عمار سنة (133) .

6423 - ( لَا يَتَوَضَّأَنَّ أَحَدُكُمْ مِنْ طَعَامٍ أَكلُهُ حِلٌّ لَهُ أَكْلَه ) .
منكر .
أخرجه البزار في "البحر الزخار" (1/153/77) ، وذكره الهيثمي في
"كشف الأستار" (1/152/293) ، وابن عدي في "الكامل" (5/131) ، والدارقطني
في "الأفراد" (ق 13/2 أطراف الأفراد) من طرق عن أُسَيْد بْن زَيْدٍ عن عَمْرو بْن
شمر ( وقال البزار : عمرو بن أَبِي الْمِقْدَامِ ) عن عِمْرَان بْن مُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ
عَنْ بِلَالٍ عن أَبي بَكْر الصديق مرفوعاً . وقال الدراقطني وابن عدي - والعبارة له - :
"لا يرويه عن عمرو بن شمر غير أسيد بن زيد " .
قلت : وهو ضعيف جداً ، قال الذهبي في "المغني" :
"روى له البخاري مقروناً ، وكذبه يحيى ، وقال غيره ،متروك ".

(13/943)


وشيخه عمرو بن شمر مثله متروك الحديث ، كما تقدم مراراً ، من أقربها في
الحديث (6410) .
وهذا على ما وقع في رواية الدارقطني وابن عدي . وأما على رواية البزار
(عمرو بن أبي المقدام) ، فهو غير الأول ، ولكنه مثله في الضعف ، - فإنه عمرو بن
ثابت بن أبي المقدام - نسب إلى جده ، قال الذهبي في "المغني" :
"متروك" .
وهذا إن كان محفوظاً لمخالفته لرواية الدارقطني وابن عدي ، ولأن في الطريق
إليه أسيد بن زيد ، وقد عرفت حاله ، والراوي عنه هارون بن سفيان المستملي ،وقد
ترجمه الخطيب في "تاريخه" (14/24 - 25) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
وبالجملة ، فالإسناد ضعيف جداً ،والمتن منكر ، لمخالفته أحاديث صحيحة في
الوضوء ما مسته النار من فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله ، وقد استقصى طرقها أبو جعفر الطحاوي
مع الأحاديث الأخرى المصرحة بأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل ما مسه النار من الخبز واللحم ، ولم
يتوضأ ، ومنها حديث جابر ، وفيه : أن أبا بكر - أيضاً - أكل ذلك ولم يتوضأ ، فلعل
هذا هو أصل حديث الترجمة ، حرَّفه أحدُ ذينك المتروكين - سهواً أو قصداً - . والله
أعلم .

6424 - ( أَمَا إِنَّهُ سَيَكْثُرُ لَكُمْ مِنَ الْخِفَافِ . قَالُوا : كَيْفَ نَصْنَعُ ؟
قَالَ : تَمْسَحُونَ عَلَيْهَا وَتُصَلُّونَ ) .
ضعيف جداً .
أخرجه الطيالسي في "مسنده" (123/916) : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ
ابْنُ وَاصِلٍ عنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ الْمُزَنِيِّ قَالَ :
أَوَّلُ مَنْ رَأَيْتُ عَلَيْهِ خُفَّيْنِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، أَتَانَا وَنَحْنُ عِنْدَ

(13/944)


945
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وعَلَيْهِ خُفَّانِ أَسْوَدَانِ ، فَجَعَلْنَا نَنْظُرُ إِلَيْهِمَا ، وَنَعْجَبُ مِنْهُمَا ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا متن منكر ، وإسناد ضعيف جداً ، آفته الحسن بن واصل ، ومن
طريقه رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (30/218/507) ، لكنه سمَّى أباه
(ديناراً) ، وهو هو ، بيَّنه ابن حبان فقال في "الضعفاء" (1/231 - 232) :
" ... وهو الحسن بن واصل ، واسم أبيه (الواصل) ، وإنما قيل : الحسن بن
دينار ، لان (ديناراً) كان زوج أمه ، فنسب إليه ، يحدث الموضوعات عن الاثبات ،
ويخالف الثقات في الروايات ، حتى يسبق إلى القلب أنه كان يعتمد لها ، تركه
ابن المبارك ووكيع ، وأما أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ،فكانا يكذبانه" .
وقال الهيثمي في "المجمع" (1/255) :
رواه الطبراني في "الكبير" ، وفيه الحسن بن دينار وهو متروك ".

6425 - ( لَا يَذْهَبُ الله بكَنِيْنَةِ عَبْدٍ فَيَصْبِرُ وَيَحْتَسِبُ ، إِلَّا دَخَلَ
الْجَنَّةَ ، وكَنِيْنَتُه زوجته ) .
موضوع .
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/232 - 233) ، وأبو نعيم في
"أخبار أصبهان" (2/20) من طريق الحسن بن واصل عن ابن سيرين عن أبى
هريرة مرفوعاً .
قلت : أورده ابن حبان في ترجمة الحسن بن واصل - وهو : ابن دينار - : متهم
بالكذب - كما تقدم في الحديث الذي قبله - ، وقد أورده ابن طاهر المقدسي في
"تذكرة الموضوعات" (109) وأعله بالحسن هذا .
(تنبيه) : الكَنينة : امرأة الرجل ، والجمع (كنائن) . كذا في "المعجم الأوسط" .

(13/945)


وقد تحرفت هذه اللفظة تحريفات عجيبة وعديدة :
1 - بكريمة . "الأخبار" .
2 - بكتيبة . "الضعفاء" .
3 - كتيمته . "اللسان" نقلاً عن "الضعفاء" !! وهو في "الميزان" على الصواب :
"كنينته" نقلاً عن "الضعفاء" .
وقد تخبط فيها المعلق على "الضعفاء" ، ثم قال :
"ونرجح أن الأصل (كريمة) كما وردت في بعض الأحاديث المشابهة" .
كذا قال ! وهو بعيد عن التحقيق العلمي في غاية البعد ،لأن مثل هذا
الترجيح إنما يركن إليه العلماء في أحاديث الثقات ، أما في أحاديث المتهمين
فذلك مما لا ينفع ، لأنه يصحح معنى الحديث ، وهو مردود من أصله ! ثم كيف
يصح هذا الترجيح ، وآخر الحديث يبطله ؟! لأنه فسر الكلمة بالزوجة ، وما رجحه :
"كريمة" معناه البنت ! ومن غرائبه أنه أحال بهذه الكلمة في آخر تعليقه على
ترجمة حسين بن قيس الرحبي ! وحسين هذا متروك ، وفي حديثه جاءت الكلمة
"كريمة" ! عند ابن عدي (2/353) .
ويغلب على ظني - والله أعلم - أن هذا الحديث حرفه ذاك المتهم ، أو على الأقل
تحرف عليه ، فإن لفظه الصحيح المحفوظ عن أبي هريرة : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
" لَا يَذْهَبُ اللَّهُ بِحَبِيبَتَيْ عَبْدٍ فَيَصْبِرُ وَيَحْتَسِبُ ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ".
أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (707 - موارد) - واللفظ له من طريق سهيل
ابن أبي صالح - ، والترمذي (2403) ، والدارمي (2/323) ، وأحمد (2/265) من
طريق الأعمش نحوه - كلاهما - عن أبي صالح عن أبي هريرة ،وقال الترمذي :

(13/946)


"حسن صحيح" .
وللحديث شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة ، بألفاظ متقاربة ، مخرجة في
"الروض النضير" (151) ، وفي بعضها :
"كريمتي عبدي" .
ثم إن حديث الترجمة ، قد أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/297) من
الوجه المذكور بلفظ :
"قال الله : من أخذت كنينته ، لم ارض له ثواباً دون الجنة . وكنينته : زوجته".
وأطال جداً في ترجمة الحسن بن دينار ، وذكر أقوال الجارحين له ، والأحاديث
المنكرة عليه ، ثم ختمها بقوله :
"وله غير ما ذكرت من الحديث ، وقد أجمع من تكلم في الرجال على ضعفه ،
على أني لم أر له حديثاً قد جاوز الحد في الإنكار ، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى
الصدق" .

6426 - ( لا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى الْفِطْرَةِ ، مَا أَسْفَرُوا بِصلاة الْفَجْرِ ).
موضوع .
أخرجه البزار في "مسنده" (1/193/381) ، والطبراني في "المعجم
الأوسط" (1/208/1/3762) من طريق حَفْص بن سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن
رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً . وقالا :
"لا يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بهذا الإسناد" .
زاد البزار :
"وحفص له مناكير ".

(13/947)


قلت : - هو القارئ - وهو متروك الحديث مع إمامته في القراءة ، كما قال الحافظ
في "التقريب" ، وهوبذاك يقدم إلى القراء خلاصة عن أقوال الحفاظ المختلفة فيه
التي ذكر بعضها الهيثمي في تخريجه الحديث بقوله في "المجتمع" (1/315) :
"رواه البزار والطبراني في "الكبير"(!) ، وفيه حفص بن سليمان ، ضعفه ابن
معين والبخاري وأبو حاتم وابن حبان ، وقال ابن خراش كان يضع الحديث . ووثقه
أحمد في رواية ، وضعفه في أخرى ".
وقوله : في "الكبير" ، لعله سبق قلم منه ، أو خطأ من الناسخ أو الطابع ، والأول
هو الأقرب ، لأنه لم يعزه لـ "الأوسط" وهذا ظاهر جداً . والله تعالى أعلم .

3427 - ( مَنْ أَخَذَ لُقْمَةً أَوْ كِسْرَةً مِنْ مَجْرَى الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ ، فَأَخَذَهَا
فَأَمَاطَ عَنْهَا الْأَذَى ، وَغَسَلَهَا غَسْلاً نِعِمَّا ، ثُمَّ أَكْلَهَا ، لَمْ تَسْتَقِرَّ فِي بَطْنِهِ
حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ ) .
موضوع .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (12/117/6750) من طريق وَهْب
ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ :
أَنَّهُ دَخَلَ الْمُتَوَضَّأَ ، فَأَصَابَ لُقْمَةً - أَوْ قَالَ : كِسْرَةً - فِي مَجْرَى الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ ،
فَأَخَذَهَا فَأَمَاطَ عَنْهَا الْأَذَى ، فَغَسَلَهَا غَسْلاً نِعِمَّا ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى غُلَامِهِ فَقَالَ :
ذَكِّرْنِي بِهَا إِذَا تَوَضَّأْتُ . فَلَمَّا تَوَضَّأَ قَالَ لِلْغُلَامِ : نَاوِلْنِي اللُّقْمَةَ - أَوْ قَالَ : الْكِسْرَةَ -
فَقَالَ : يَا مَوْلَايَ ! أَكَلَتُهَا . قَالَ : فَاذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ . قَالَ : فَقَالَ لَهُ
الْغُلَامُ : يَا مَوْلَايَ ! لِأَيِّ شَيْءٍ أَعْتَقْتَنِي ؟ قَالَ : لِأَنِّي سَمِعْتُ مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ
رَسُولِ اللَّهِ تَذْكُرُ عَنْ أَبِيهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره ، فَمَا كُنْتُ لِأَسْتَخْدِمَ
رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ !

(13/948)


قلت : وهذا موضوع اتفاقاً ، آفته وهب بن عبدالرحمن هذا - وهو : وهب بن
وهب أبو البختري القرشي المدني - : كذاب وضاع ، وله ترجمة مطولة سيئة في
"تاريخ ابن عساكر" ، و"لسان الميزان" وغيرهما . وقال فيه ابن حبان (3/74) :
"كان ممن يضع الحديث على الثقات ، وكان إذا جنه الليل ، سهر عامة ليله يتذكر
الحديث ، ويضعه ، ثم يكتبه ويحدث به ، لا تجوز الرواية عنه ، ولا كتابة حديثه إلا
على جهة التعجب".
قلت فلا غرابة - وهذه حاله - أن يذكر حديثه هذا ابن الجوزي في
"الموضوعات" ، وتبعه على ذلك كل من جاء بعده ممن ألف في الأحاديث
الموضوعة ، ومنهم السيوطي في "اللآلي المصنوعة" (2/255) وأقره ، إلا أنني لم أره
في كتاب ابن الجوزي المطبوع في "الموضوعات" ، فالظاهر أنه سقط منه . والله أعلم .
وقد قال البوصيري في "إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة" بعد أن
عزاه لأبي يعلى (2/41/1) :
"قال ابن الجوزي : هذا حديث موضوع ، والمتهم بوضعه وهب بن عبدالرحمن .
ثم انظر إلى من وضع هذا ، فإن اللقمة إذا وقعت في مجرى البول ، وتداخلتها
النجاسة فربت ، لا يتصور غسلها ، وكأن الذي وضع هذا قصد أذى المسلمين
والتلاعب بهم ".
ثم رأيت الحديث في "تاريخ جرجان" للسهمي (370 - 371) أخرجه من
طريق أحمد بن يحيى : حدثنا أحمد بن عبد الله بن أيوب القرشي الضرير :
حدثني زكريا بن يحيى الخزاز المقرئ : حدثني محمد بن جعفر بن [محمد] :
حدثني أبي عن أبيه قال :
دخل علي بن الحسين المتوضأ ... الحديث نحوه ليس فيه ذكر البول والغائط .

(13/949)


قلت : وهذا إسناد ضعيف مظلم ، محمد بن جعفر هذا - هو : ابن محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - : قال الذهبي :
"تكلم فيه" .
وزكريا بن يحيى الخزاز المقري الظاهر أنه الذي في "الميزان" :
"زكريا بن يحيى السراج المقرئ . كان في حدود الأربعين ومائتين بمصر ،
ضعفه ابن يونس ".
ومن دونه لم أعرفهما .
وذكر السيوطي للحديث شاهداً من رواية الديلمي بإسناده عن يوسف بن
السفر : حد ثنا الأوزاعي : حدثنا ابن أبي لبابة عن شقيق عن ابن مسعود رفعه بلفظ :
« من وجد كسرة من طعام - أو مما يؤكل - فأماط عنه الأذى ، ثم أكلها ، كتبت
له سبعمائة حسنة ، وإن هو أماط عنها الأذى ، ثم رفعها ، كتبت له سبعون حسنة » .
وقال :
يوسف بن السفر : كذاب . قال البيهقي : هو في عداد من يضع الحديث ".

6428 - ( إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَارٌّ ، أَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إِلَى أَهْلِ
السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) ، مَا أَشَدَّ حَرَّ
هَذَا الْيَوْمِ ! اللَّهُمَّ ! أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ : إِنَّ
عَبْداً مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَنِي مِنْكِ ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ .
فَإِذَا كَانَ يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ ، أَلْقَى اللَّهُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) ، مَا أَشَدَّ بَرْدَ هَذَا الْيَوْمِ !

(13/950)


اللَّهُمَّ ! أَجِرْنِي مِنْ زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ : إِنَّ عَبْداً
مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَنِي مِنْ زَمْهَرِيرِكِ ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ .
فَقَالُوا : وَمَا زَمْهَرِيرُ جَهَنَّمَ ؟ قَالَ : بَيْتٌ يُلْقَى فِيهِ الْكَافِرُ ، فَيَتَمَيَّزُ مِنْ شِدَّةِ
بَرْدِهَا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ ) .
منكر.
أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (100/301) ، والبيهقي
في "الأسماء والصفات" (177 - 178) - والسياق له - من طريق عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ دَرَّاجٍ أَنَّهُ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَوْ عَنِ ابْنِ
حُجَيْرَةَ الْأَكْبَرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : إِنَّ أَحَدَهُمَا حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، عبدالله بن سليمان - هو : أبو حمزة المصري
الطويل - لم يوثقه غير ابن حبان . وقال البزار :
"حدث بأحاديث لم يتابع عليها".
قلت : إن كان من دونه ومن فوقه من الحفاظ الثقات ، فيكون ذلك جرحاً
فيه ، وإلا فلا - كما هو الشأن هنا ، فإن دراجاً صاحب مناكير معروفة تقدم بعضها
مثل :
"أكثروا ذكر الله حتى يقولوا : مجنون " رقم (517) .
وقد سرق هذا الحديث لاحق بن حسين المقدسي ، وركب له إسناداً إلى أبي
موسى الأشعري ، أخرجه عنه السهمي في "تاريخ جرجان" (486//978) ، وهو
- كما قال الحافظ الإدريسي - :
"كان كذاباً أفاكاً يضع الحديث على الثقات" . وقال ابن النجار:

(13/951)


"مجمع على كذبه " .
وهو مترجم له في "الميزان" و "اللسان" ترجمة سيئة جداً ، فالعجب كيف خفي
حاله على (السهمي)؟! ويبدو أن لذلك سبباً كشف عنه الحاكم بقوله فيه :
فقدم علينا بنيسابور ،وهو أصلح حالاً مما كان في آخر أيامه ... ثم ارتقى عن
ذلك بعد سنين ، وحدَّث بالموضوعات".
فالظاهر أن السهمي ما عرفه إلا في أيامه الأولى . فأعوذ بالله تعالى من الحور
بعد الكور ، ونسأله حسن الخاتمة بفضه وكرمه !

6429 - ( كان يَجْهَرُ بِـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } في الصلاة ) .
منكر .
أخرجه البزار في "مسنده" (1/255/526) : حدثنا أحمد بن عبدة :
ثنا المعتمر بن سليمان :ثنا إسماعيل بن حماد عن أبي خالد عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ
مرفوعاً . وقال :
تفرد به إسماعيل ، وليس بالقوي في الحديث ، وأبو خالد أحسبه الوالبي" .
وأقول : كلا ليس به ، بل هو آخر مجهول ، وهو علة الحديث - كما سيأتي
بيانه - ، ولا دخل لإسماعيل فيه ، فإنه صدوق - كما قال الذهبي والعسقلاني - ،
وتضعيف البزار إياه مما لا يلتفت إليه ، وقد وثقه إمام من أئمة الجرح والتعديل ، ألا
وهو ابن معين - كما في "التهذيب" - .
وأ/ا قول الهيثمي في "المجمع" (2/109) :
قلت : رواه ابو داود - خلا الجهر بها - رواه البزار ، ورجاله موثقون" .
فليس دقيقاً لما سأذكره من جهالة أبي خالد . ولم يتنبه الشيخ الأعظمي لهذه

(13/952)


العلة ، فعصَّبها في إسماعيل ، فقال في تعليقه على "البزار" - وقد نقل قول الهيثمي
المذكور - :
"قلت : هذا مستغرب جداً ! فقد صرح البزار أنه تفرد به إسماعيل بن حماد ،
وليس بالقوي في الحديث ".
وأقول : لما خفيت العلة الحقيقية في إسناد هذا الحديث - فضلاً عن متنه - على
الشيخ الأعظمي ، استروح لتضعيف البزار لإسماعيل ، وهو تضعيف مرجوح - كما
سبق - وما ذاك إلا لتعصبه لمذهبه الحنفي المخالف لهذا الحديث ، وما هكذا يكون
التحقيق في الحديث ، فلا يجوز إفساح المجال للآراء المذهبية في تصحيح وتضعيف
الأحاديث النبوية ، خلافاً لما هو معروف عن بعض الحنفية كابن التركماني وغيره من
المتقدمين ، والأعظمي هذا وغيره من المتأخرين ، وقد يقابلهم بعض الشافعيين !
ثم إن الحديث قد أخرجه الترمذي (1/328/245) بإسناد البزار عينه ، لكن
بلفظ :
" كان يفتتح صلاته بِـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} " .
ليس فيه لفظة : (الجهر) . وكذلك اخرجه ابن حبان في ترجمة أبي خالد من
"الثقات" (5/563) ، والعقيلي في "الضعفاء" (1/80 - 81) ، وابن عدي في
"الكامل" (1/311) ، والدارقطني في "سننه" (1/304/8) ، وكذا البيهقي (2/47)
من طريق أخرى عن المعتمر ... به . وقال العقيلي وابن عدي في ترجمة إسماعيل
هذا :
"حديثه غير محفوظ ، يحكيه عن مجهول".
يعني : أبا خالد . ولهذا قال الترمذي :

(13/953)


حديث ليس إسناده بذاك ".
وقال ابن أبي حاتم في "الجرح" (4/2/365) في الكنى منه :
"سئل أبو زرعة عن أبى خالد الذي روى عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ في الجهر بـ {بسم
الله ... } ، روى عنه إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان ؟ قال : لا ادرى من هو ،
لا اعرفه ".
قلت : وفيه إشارة إلى أنه غير أبي خالد الوالبي - خلافاً لما تقدم عن البزار -
فإن الوالبي معروف برواية جمع من الثقات عنه ، واسمه (هرمز) ، ويقال : (هرم) ،
وقد أورده ابن أبي حاتم في (الأسماء) من كتابه (4/2/121) قائلاً :
"سمعت أبا زرعة يقول : اسمه (هرمز) ، سألت أبي عنه ؟ فقال : صالح
الحديث".
وذكره ابن حبان في "الثقات" أيضاً (5/514) .
قلت : فهذه النصوص عن هؤلاء الحفاظ تدل على أن أبا خالد الراوي لهذا
الحديث هو غير أبي خالد الوالبي ، وقد سبقهم إلى هذا التفريق الإمام البخاري ،
فأورد الأول في الكنى ، والآخر في الأسماء ، وتبعه على ذلك أبو أحمد الحاكم
في "الأسماء والكنى" (ق 128/1 و 133/1) ، ثم الذهبي في "المقتنى" ، وقال في
"الكاشف" :
"أبو خالد الوالبي هرمز ... صدوق" . وقال في "الميزان" :
"أبو خالد عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ، لا يعرف ".

(13/954)


وهذا منه تلخيص لقول أبي زرعة المتقدم ، ووافقه على ذلك الحافظ في
"اللسان" ، وزاد عليه فقال :
"وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال : روى عنه إسماعيل بن حماد (الأصل :
أبو خالد ! ) ، وقد قيل : إنه الوالبي (الأصل : الوالي ! ) المذكور في "التهذيب" ".
أهطاء وأوهام :
أولاً : لقد وهم الحافظ في كنى "التهذيب" ، تبعاً لأصله " تهذيب المزي"
فخلطا الاثنين وجعلاهما واحداً ، فترجما لأبي خالد الوالبي ، وذكرا فيها أن من
شيوخه ابن عباس ، ومن الرواة عنه إسماعيل بن حماد ! ولم يتنبه لذلك المعلق
على "تهذيب المزي "!
ثانياً : أن الحافظ لما ساق الحديث هناك من رواية العقيلي وقع في إسناده :
"أبي خالد الوالبي" بزيادة (الوالبي) ، ولا أصل لها عند العقيلي ، ولا عند غيره ممن
ذكرناهم في التخريج ، وهذا من أمانة المحدثين ودقتهم قي رواية الاحاديث - جزاهم
الله خيراً - ، ولقد صدق من قال :
أهل الحديث هم أهل النبي ... وإن لم يصحبوا نَفْسَه أنفاسه صحبوا
ثالثاً : أن الحافظ لما ذكر في "التلخيص" (1/234) تجهيل العقيلي وأبي زرعة
لأبي خالد قال :
"وقال البزار وابن حبان : هو الوالبي ، وقيل : لا يصح ذلك " .
قلت : فقرنه ابن حبان مع البزار خطأ ، لأن ابن حبان فرق - كما تقدم بيانه - ،
فلا داعي للتكرار .
رابعاً : وقد يكون من الأخطاء : الرمز للوالبي بأنه من رجال الترمذي ، لأنه لم

(13/955)


ينسبه أولاً ، ولأنه غيره ثانياً ، إلا إن كان روى له حديثاً آخر مصرحاً بنسبته أو
اسمه. والله أعلم .
(فائدة) : تقدم عزو الهيثمي للحديث لأبي داود - وقد عزاه إليه غيره أيضاً -
وليس هو في النسخ المطبوعة والمعروفة اليوم ، وقد أفاد الحافظ المزي في "تحفة
الأشراف " أنه وقع في بعض النسخ دون بعض . ويؤيد ذلك أن الحافظ ابن حجر
قال في "التلخيص" :
" وقال أبو داود : حديث ضعيف ".
فلينظر إذن ، هل يقال في رمزهم لأبي داود ما قلته آنفاً في رمزهم للترمذي ؟
وبعد ، فقد سبق أن ذكرت في أول هذا التخريج والتحقيق أن الشيخ
الأعطمي خفيت عليه العلة الحقيقية في إسناد الحديث ، فضلاً عن متنه . وإذ قد
فرغت من تحقيق الكلام في علة الإسناد ، فقد جاء أوان بيان علة المتن ، فأقول :
من الملاحظ أن لفظ رواية البزار : "يجهر" ، ولفظ الترمذي وغيره : "يفتتح " ،
ومن المعروف عند العلماء أن الافتتاح لا يستلزم الجهر لا لغة ولا شرعاً ، فقد ثبت
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفتتح بالتوجه ، "وسبحانك الهم ... " - كما قال الحافظ في
"التلخيص " (1/132) - ، فهل معنى ذلك أنه كان يجهر؟! (انظر "الإرواء" (1/50)
و "صحيح أبي داود" (749) وغيرهما ) .
ولما ذكرت ، وجدنا الأسود بن يزيد التابعي الثقة الجليل الفقيه - لما روى
افتتاح عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جهراً - لم يكتف بلفظة (الافتتاح) ، بل أضاف إليه لفظاً
يدل على الجهر ، فقال :
كان عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذا افتتح الصلاة قال : سبحانك اللهم ... يسمعنا
ذلك ويعلمنا .

(13/956)


رواه ابن أبي شيبة وغيره ."الإرواء" (2/49) .
وعلى ذلك فلو فرض أن إسناد الحديث صحيح ، لكان لفظ (الجهر) فيه شاذاً ،
لمخالفته للفظ رواية الحفاظ الثقات - وبخاصة الترمذي - ، أما وهو ضعيف ، فهو
منكر - كما تقتضيه القواعد العلمية الحديثية - ، وهذا مما خفي على الشيخ الأعظمي
فبادر إلى إنكاره بلفظيه ! دون أي تفريق بينهما .
ولعل النكارة من البزار نفسه ، فقد تكلموا في حفظه ، حتى قال الدراقطني
والحاكم :
"يخطئ في الإسناد والمتن " . والمعصوم من عصمه الله .
ثم اعلم أن الأحاديث في الجهر بالبسملة في الصلاة كثيرة ، وليس فيها كلها
ما يصلح للحجة ، وقد استوعب الكلام عليها الحافظ الزيلعي في "نصب
الراية" (1/323 - 356) ، ثم الحافظ العسقلاني في "الدراية" (1/130 - 137) ،
ونقلاً عن الدراقطني أنه قال :
"لا يصح في الجهر شيء مرفوع ".
وسبقه إلى ذلك العقيلي - فيما نقله عنه الزيلعي (1/346 - 347) - قال :
" ولا يصح في الجهر بالبسملة حديث مسند ".
ومع ذلك فهي مخالفة لبعض الأحاديث الصحيحة عند الشيخين وغيرهما ،
وترى تفصيل الكلام في ذلك في المصدرين المذكورين آنفاً . وانظر "صفة الصلاة" .
وقد روى بعضهم حديثاً في الجهر ، لو صح ، لكان نصاً على أن الجهر كان في
أول الإسلام ثم ترك ، وقد حسنه بعض الأئمة ، واتكأ عليه بعض الحنفية ، فوجب
النظر في إسناده ، وتحقيق القول فيه ، أداء للأمانة ، وتبرئة للذمة ، وهاك لفظه :

(13/957)


6430 - ( كَانَ يَجْهَرُ بِـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } بِمَكَّةَ ، وَكَانَ
أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ (مُسَيْلِمَةَ) : الرَّحْمَانَ ، فَقَالُوا : إِنَّ مُحَمَّداً يَدْعُو إِلَى
إِلَهِ الْيَمَامَةِ ؛ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْفَاهَا ، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ ) .
منكر .
أخرجه أبو داود في "المراسيل" ( 89/34) من طريق عَبَّاد بْن الْعَوَّامِ
عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ :... فذكره هكذا مرسلاً . قال :
حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى : حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ..
قلت : فهو إسناد ضعيف :
أولاً : لإرساله ، وقد روي مسنداً عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ، ولا يصح - كما يأتي - .
ثانياً : شريك - وهو : ابن عبدالله القاضي النخعي - ، وليس بالقوي من جهة
حفظه .
ثالثاً : المخالفة في إسناده ، فقال يحيى بن طلحة اليربوعي : ثنا عباد بن
العوام بإسناده المتقدم ، إلا أنه أسنده فقال :
"عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال ".
أخرجه الطبراني في "الكبير" (11/439 - 440) ، وفي "الأوسط" (2/115 -
116 - مجمع البحرين) ، وقال :
"لم يروه عن سالم إلا شريك ، تفرد به عبادة ".
قلت : ويحيى بن طلحة اليربوعي ليِّن الحديث - كما في "التقريب" - ، فلا
يعارض بمثله عباد بن موسى - وهو الخَتَلي - ، فإنه ثقة من رجال الشيخين - ولا
سيما - وقد توبع على إرساله ، فقال إسحاق بن راهويه في "مسنده" - كما في
"الزيلعي" (1/346) - : أنبأنا يحيى بن آدم : أنبأنا شريك ... به مرسلاً .

(13/958)


ويحيى : ثقة أيضاً من رجال الشيخين ، فاتفاق هذا وعباد بن العوام على
إرساله ، مما لا يدع مجالاً للشك في خطأ من أسنده .
وقد وهم بعضهم على إسحاق بن راهويه ، فذكر في إسناده ابن عباس !
أخرجه البيهقي في "معرفة السنن" (1/515 - 516) بإسناده عن إسحاق ...
به . وأعله بقوله :
هكذا أخبرناه أبو القاسم بن حبيب ، وإنما رواه إسحاق عن يحيى بن آدم
مرسلاً ".
يشير إلى أن الخطأ من ابن حبيب هذا ، ولعله من أجل مثل هذا الخطأ تكلم
فيه الحاكم - كما حكاه عنه الذهبي في "السير" (17/237 - 238) - وهذه الترجمة
مما يستدرك على "اللسان" .
رابعاً : المخالفة في المتن ، وذلك من ناحيتين :
الأولى : أنه ليس في رواية ابن راهويه ، ولا في رواية الطبراني قوله :
"فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخفاها ... " إلخ .
وقالا :
"فلما نزلت هذه الآية (يعني البسملة) ، أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا يجهر بها"
فزاد نزول الآية !
وخالف ذلك كله ابن حبيب ، فقال :
فأنزل الله تعالى { ولا تجهر بصلاتك} ، فيسمع المشركون فيهزأون : { ولا
تخافت بها } عن أصحابك ، فلا تسمعهم : {وابتغ بين ذلك سبيلا} .

(13/959)


وهذا منكر جداً ، فإنه مع مخالفته لكل الروايات المتقدمة - على ضعفها - فهو
مخالف لحديث أبي بشر عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا }، قَالَ :
نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ ، كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ ، رَفَعَ صَوْتَهُ
بِالْقُرْآنِ ، فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ ، سَبُّوا الْقُرْآنَ ، وَمَنْ أَنْزَلَهُ ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ }، أَيْ: بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ ، فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ:
{ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا } عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ : { وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } .
أخرجه البخاري (4722) ، ومسلم (2/34) ، والترمذي (3145 - 3146) ،
والنسائي في "الكبرى" (6/384/11300) ، والبيهقي (2/195) ، وأحمد (1/
215) ،وقال الترمذي :
"حديث حسن صحيح" .
قلت : ففي هذا الحديث الصحيح : أن هذه الآية إنما نزلت في قراءة القرآن لا
في البسملة - كما قال الزيلعي - ، وابن حبيب جمع بين هذا الحديث الصحيح ،
وذاك الحديث المنكر .
وقد أعله الحافظ في "الدراية" (1/136) من وجه آخر ، فقال :
"والمتن معلول من جهة أن مسيلمة لم يكن يدعي الألوهية ، ومن جهة
التسمية (الأصل : التسليم ! ) ،لكن في نص الخبر أنه يدعى (رحمان اليمامة ،
ولفظ (الرحمن ) في بقية الفاتحة ، وهو قول : (الرحمن الرحيم) بعد : (الحمد لله
رب العالمين) ، فلا معنى للإسرار بالبسلمة لأجل ذكر : (الرحيم) ، مع وجود ذكر :
(الرحمن) عقب ذلك ".

(13/960)


وهذا غاية في تحقيق نكارة الحديث ، فالعجب من شيخ الإسلام ابن تيمية
كيف قال في "مجموع الفتاوى" (22/371) :
" وَقَدْ رَوَى الطبراني بِإِسْنَادِ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ
بِهَا إذْ كَانَ بِمَكَّةَ ، وَأَنَّهُ لَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ تَرَكَ الْجَهْرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ "!
وأنا على مثل اليقين أنه كتب هذا من حافظته ، دون أن يتسنى له الرجوع
إلى إسناده ، ليرى أن فيه شريكاً القاضي ويحيى بن طلحة اليربوعي ، ولو أنه قُيِّض
لع التوسع في البحث وجمع الطرق والألفاظ ، لتبينت له تلك العلل .
وإن مما يؤكد لك ذلك أنه ذكر باللفظ الملفق من لفظ مرسل أبي داود ، و"مسند
الطبراني " ، وكلاهما ليس فيهما أن الترك كان : لما هاجر إلى المدينة . فجلَّ من لا
يضل ولا ينسى .
ولقد استروح إلى هذا التحسين المعلق على "نصب الراية" (1/324) ، دون
أي بحث أو تحقيق ، وما ذاك إلا لأنه وافق المذهب الحنفي !
والهيثمي مع تساهله المعروف عند الباحثين لم يزد على قوله بعدما عزاه
لـ "المعجمين" (2/108) :
"ورجاله موثقون" .
فإن هذا لا يعني تصحيحاً ولا تحسيناً ، وإنما يعني توثيق بعض رواته توثيقاً
ليِّناً ، وهو يشير إلى شريك القاضي ، ويحيى اليربوعي ، وهذا لم يوثقه غير ابن
حبان (9/262) ، مع ذلك فقد قال فيه :
"كان يغرب عن أبي نعيم ".
وقد عارض هذا الحديث المنكر بعض المجهولين بمنكر آخر ، رواه عمر بن
حفص المكي عن ابن جريج عن عطاء عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ :

(13/961)


أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يزل يجهر في السورتين بِـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } حتى
قبض .
أخرجه الدارقطني (1/304/9) وسكت عنه ! وأورده الذهبي في ترجمة ابن
حفص هذا من "الميزان" ، وقال :
"لا يدرى من ذا ؟ والخبر منكر " . وقال في "المغني" :
"لا يعرف ، والخبر موضوع ".
(تنبيه) : من الأخطاء الفاحشة الدالة على سطحيةٍ في التعليق ، أن المعلق
على "معرفة البيهقي" علق على حديث ابن حبيب المنكر ، - كما تقدم - بقوله :
"والخبر بنحوه عند المصنف في "السنن الكبرى" (2/195) "!
وهذا تدليس خبيث - أرجو أن لا يكون مقصوداً - ، لأنه يوهم أن الحديث نحوه
بتمامه في المكان الذي أشار إليه من "السنن" ، وليس فيه إلا رواية الشيخين المتقدمة ،
التي ليس فيها ذكر البسملة . فكان ينبغي عليه أن يستثني ذلك - كما لا يخفى - .

6431 - ( خلق َ اللهُ تبارك وتعالى جُمْجُمَةَ جِبرائيلَ على قَدْرِ الغُوْطةِ ) .
موضوع .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/340) من طريق الوليد
ابن مسلم : أنا يزيد بن السمط عن رجل عن القاسم بن محمد عن عائشة مرفوعاً .
قلت : وهذا موضوع ، آفته الرجل الذي لم يسم ، وقد استنكره الحافظ الذهبي ،
فذكره في ترجمة يزيد بن السمط هذا وقال :
وثقه أبو داود وغيره ،وصعفه أبو عبدالله الحاكم " . ثم ساق له هذا الحديث ،
وقال :

(13/962)


"هذا حديث منكر " .
قلت : وأنا أرى أن الحديث موضوع ، ولا علاقة ليزيد به إلا الرواية ، فإنه ثقة
أخطأ الحاكم في تضعيفه - كما قال الحافظ في "التقريب" - ، وإنما الآفة من شيخه
الذي لم يسم - كما تقدم - ، وأظن أنه (الحكم بن عبدالله بن سعد الأيلي) ، فإنه
مذكور في شيوخ يزيد بن السمط ، وفي الرواة عن القاسم بن محمد ، وهو كذاب
- كما قال أبو حاتم وغيره - ، وقال أحمد :
"أحاديثه كلها موضوعة ".
فلا يليق تعصيب هذا الحديث إلا بمثله !
ولعل الوليد بن مسلم هو الذي دلَّس اسمه ، وكنى عنه بـ (رجل) ، فإنه معروف
بأنه كان يدلس تدليس التسوية ، وهو أن يسقط شيخ شيخه من الإسناد مطلقاً ،
فمن باب أولى أن يسقط اسمه ، ويكني عنه باسم (رجل) كما هنا . والله أعلم .
(تنبيه) : صححت لفظ (جمجمة) من "ميزان الذهبي" ، و"الجامع الكبير"
للسيوطي ، وكان الأصل (جمحه) . ولم يهتد الدكتور صلاح الدين المنجد في
تعليقه على "التاريخ" (2/116) إلى الصواب ، فجعله برأيه (أجنحة) وهذا خطأ
لمخالفته للمصدرين المذكورين أولاً ، ولأنه مخالف لأصول التصحيح ثانياً ، فإنه زاد
من عنده حرف الألف في أوله .

6432 - ( فَإِذَا وَجَدْتَ ذَلِكَ ، فَارْفَعْ إِصْبَعَكَ السَّبَّابَةَ الْيُمْنَى ، فَاطْعَنْهُ
فِي فَخِذِكَ الْيُسْرَى ، وَقُلْ : (بِسْمِ اللَّهِ) ، فَإِنَّهَا سِكِّينُ الشَّيْطَانِ ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/159 - 160) ، والعقيلي في
"الضعفاء" (4/209) ، والدولابي في "الكنى" (2/130) من طريق عنبس بن

(13/963)


سعيد : ثَنَا الْمُهَاجِرُ بن الْمُنِيبِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بن أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ :
أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ وَسْوَسَةً أَجِدُهَا
فِي صَدْرِي ، إِنِّي أَدْخُلُ فِي صَلاتِي ، فَمَا أَدْرِي عَلَى شَفْعٍ أنْفَتِلُ أَمْ عَلَى وِتْرٍ ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :...فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف مجهول ، أورده العقيلي في ترجمة مهاجر بن
المنيب ، وقال :
مجهول بالنقل ، لا يتابع على حديثه ، ولا يعرف إلا به " .
وأقره الذهبي في "الميزان" وساق له هذا الحديث . وقال في "المغني" :
"لا يعرف ، وخبره منكر".
وعنبسة بن سعيد هو القطان صرحت بذلك رواية الطبراني ، وهو ضعيف
اتفاقاً ، وبعضهم تركه .
وتابعه أبو سعيد عن مهاجر أبي المنيب ... به مع بعض اختصار .
أخرجه البزار في "مسنده: (1/279/580 - كشف الأستار) وقال :
"لا نعلمه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من هذا الوجه ، وأبو سعيد - وهو الحسن بن دينار -
ومهاجر أبو منيب بصري ، وليسا بالقويين في الحديث" .
قلت : لقد لطَّف القول في الحسن بن دينار ، فحاله شر مما قال ، فقد تركه
وكيع وابن المبارك ، وكذبه أحمد ويحيى وغيرهما - كما تقدم تحت الحديث (6424) - .
ثم إنه قد خفي عليه أنه تابعه عنبسة القطان - كما رأيت - .
(تنبيه ) : هناك بعض الأخطاء وقعت في بعض مصادر الحديث المذكورة :

(13/964)


أولاً : انقلب في "معجم الطبراني" اسم (عنبسة بن سعيد) إلى (سعيد بن
عنبسة) ! فلا أدري أهكذا الرواية فيه فهو خطأ من أحد الرواة . أو هو خطأ مطبعي ؟
ثانياً : زاد محققه الأخ حمدي أداة الكنية بين (المهاجر) و(المنيب) فصار
هكذا (المهاجر بن [ أبي ] المنيب) . وهذه الزيادة خطأ ، لأن (أبو منيب) هي كنية
المهاجر ، كما في كتب الرجال ، وكما تقدم في تعقيب البزار على الحديث ، فليست
هي كنية أبيه .
ثالثاً : سقط من إسناد "كنى الدولابي" قوله : "عن أبي المليح بن أسامة" ،
وبقيت فيه نسبة (الهذلي) الدالة عليه فصار هكذا :
"عن مهاجر أبي المنيب الهذلي عن أبيه " !

6433 - ( يَا عَائِشَةُ ! دَعِي أَخِي ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ النَّاسِ إِسْلَاماً ، وَآخَرُ
النَّاسِ لِي عَهْداً عِنْدَ الْمَوْتٍ ، وَأَوَّلُ النَّاسِ لِي لُقْياً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
باطل .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/166) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "العلل" (1/211) بسنده عن عَبْد السَّلَامِ بْن صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
هَاشِمِ قَالَ : حَدَّثَنِي [ أَبِي ] عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ التَّغْلِبِيِّ قَالَ : حَدَّثَتْنِي لَيْلَى
الْغِفَارِيَّةُ قَالَتْ :
كُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَغَازِيهِ ، فَأُدَاوِي الْجَرْحَى ، وَأَقُومُ عَلَى
الْمَرْضَى ، فَلَمَّا خَرَجَ [ عَلِيٌّ ] إِلَى الْبَصْرَةِ ، خَرَجْتُ مَعَهُ ، فَلَمَّا رَأَيْتُ عَائِشَةَ وَاقِفَةً ،
دَخَلَنِي شَيْءٌ مِنَ الشَّكِّ ، فَأَتَيْتُهَا ، فَقُلْتُ : هَلْ سَمِعْتِ مِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضِيلَةً
فِي عَلِيٍّ ؟ فَقَالَتْ : نَعَمْ . دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ مَعَ عَائِشَةَ ، وَهُوَ عَلَى
فُرَيْشٍ ، وَعَلَيْهِ جُرْدٌ قَطِيفَةً ، فَجَلَسَ بَيْنَهُمَا ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ : أَمَا وَجَدْتَ مَكَاناً هُوَ

(13/965)


أَوْسَعُ لَكَ مِنْ هَذَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال العقيلي :
" لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِموسى بن القاسم ، قال البخاري : لا يتابع عليه".
وأقره ابن الجوزي ، وزاد فقال :
"قلت : [ هذا ] لو لم يكن في الإسناد غيره ، وهو أبو الصلت (1) عبدالسلام
ابن صالح ، وهو كذاب .قال أبو حاتم الرازي : لم يكن عندي بصدوق ، وضرب أبو
زرعة على حديثه . وقال العقيلي : هو رافضي خبيث ".
وبهذين الراويين أعله الذهبي أيضاً في ترجمة موسى بن قاسم ، وقال :
"وإسناده مظلم " .
وتبعه الحافظ في "اللسان" ، والسيوطي وابن عراق - كما في "تنزيه الشريعة" -
(1/396) . وقال الذهبي في ترجمة ليلى الغفارية :
"خبر باطل" . وأقره الحافظ في "الإصابة" .

6434 - ( كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ فَانْتَهَوْا إِلَى مَضِيقٍ ،
وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ ، فَمُطِرُوا : السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ ، وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ،
فَأَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، ( وفي روايةٍ : فأَمَرَ المؤذِّنَ فأَذَّنَ )
وَأَقَامَ أَوْ أَقَامَ [ بغيرِ أذانٍ ] فَتَقَدَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى بِهِمْ ، يُومِئُ إِيمَاءً ،
يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ ).
ضعيف .
أخرجه الترمذي (2/79/411) - والسياق له - ، والدارقطني (1/380
__________
(1) الأصل : "ولم يكن في الإسناد غير أبي الصلت عبدالسلام" . ولعل الصواب ما
أثبته .

(13/966)


- 381) - والرواية الأخرى له مع الزيادة - ، والبيهقي (2/7) ، وأحمد (4/173 -
174) من طريق عُمَر بْن ميمون بن الرَّمَّاحِ الْبَلْخِيّ [ عَنْ ] كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ
ابْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّهُمْ كانوا ... الحديث . وضعفه الترمذي
بقوله :
" هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ "
وصرح بذلك البيهقي فقال :
"وفي إسناده ضعف ، ولم يثبت من عدالة بعض رواته ما يوجب قبول خبره".
قلت : ويشير - فيما أظن - إلى عثمان بن يعلى ، فإنه لم يوثقه أحد ، حتى ولا
ابن حبان ، ولم يذكروا راوياً عنه غير ابنه هذا ، ولهذا قال فيه ابن القطان :
"مجهول" . وتبعه الحافظ في "التقريب" . وفي "الجرح والتعديل" (3/1/174) :
"عثمان أبو عمرو المؤذن كوفي روى عن ... (بياض) سمعت أبي يقول :هو
مجهول" .
ولا أستبعد أن يكون هو هذا .
ثم إنه يحتمل أن يكون البيهقي أشار إلى عمر بن عثمان أيضاً ، فإنه ليس
بالمشهور ، ولم يوثقه غير ابن حبان (7/220) ، ولم يرو عنه غير اثنين أحدهما :
كثير بن زياد هذا ، ويكنى بـ (أبي سهل البرماني) ، والآخر : خلف بن مهران ،
فقال ابن القطان :
"لا يعرف حاله " . وأشار الذهبي إلى تضعيف توثيق ابن حبان بقوله :
"وثِّق" ! وقال الحافظ :
"مستور" .

(13/967)


وعلى هذا فمن التساهل البين ، أو الخطأ الظاهر ، تقوية مثل هذا الإسناد من
بعضهم . فقال النووي في "المجموع" (3/106) :
"وإسناده جيد" !
ومن الغريب أن الحافظ سكت عن هذه التقوية في "الفتح" (2/79) ، مع أنه
ببَّن علته في "التلخيص" (1/212) فقال :
"وقال عبد الحق : إسناده صحيح (!) ، والنووي : إسناده حسن . وضعفه
البيتهقي وابن العربي وابن القطان ، لحال عمر بن عثمان ".
فأقول : ومع أن هذا الإعلال قوي وارد ، إلا أن إعلاله بحال أبيه عثمان أولى ،
لما تقدم بيانه : أن عمر بن عثمان مستور ،وأباه عثمان مجهول . فتنبه .
ثم تكشفت لي علة أخرى : وهي الاختلاف في إسناده ، فأخرجه البزار في
"مسنده" (1/330/684) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (2/90/2) من طريق
مهران بن أبي عمر : ثنا علي بن عبدالأعلى [عن أبيه عبدالأعلى ] (1) عن أبي
سهل الأسدي (وفي "المعرفة" : الأزدي) عن عمرو بن دينار : أنه حدثه عمرو بن
يعلى قال :
حضرت الصلاة صلاة المكتوبة ، ونحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتقدم بنا ، ثم
أمَّنَا ، فصلينا على ركابنا .
وهذا اختلاف شديد ، فالمتن مختصر جداً ، والسند مختلف عن الأول اختلافاً
ظاهراً لا يحتاج إلى بيان ، ولست أدري ممن هو ؟ ولكنه يدور بين هؤلاء الثلاثة :
__________
(1) هذه الزيادة لم تقع في "المعرفة" ، وكذلك لم تقع في "مختصر الزوائد" (1/284) .
فالله أعلم .

(13/968)


1 - مهران بن أبي عمر .
2 - علي بن عبدالأعلى .
3 - أبوه عبدالأعلى .
فالأول قال فيه الذهبي في "المغني" :
"وثقه ابن معين ، وقال البخاري : فِي حَدِيثِه اضطراب ". ولذلك قال في
"الكاشف" :
"فيه لين" . وقال الحافظ :
"صدوق سيئ الحفظ" .
والثاني : قال في "المغني" :
"صويلح ، قال أبو حاتم : ليس بقوي" . ونحوه في "الكاشف" . وقال الحافظ :
"صدوق ربما وهم ".
والثالث : عبدالأعلى - وهو ابن عامر الثعلبي - . قال في "المغني" :
"ضعفه أحمد وأبو زرعة " . وقال في "الكاشف" :
"ليِّن ، ضعفه احمد " . وقال الحافظ :
"صدوق يهم".
ومن تراجم هؤلاء الثلاثة - على إيجازها - يتبين أن ثالثهم ألينهم ، فيكون هو
الأولى بتعصيب الاختلاف به ، وذلك إن كان ذكره في الإسناد محفوظاً ، فقد
علمت عدم وروده في بعض المصادر ، وإلا فالعلة من الأول : مهران بن أبي عمر ، فهو
بها أولى من شيخه علي بن عبدالأعلى ، وبخاصة أنه قد وصف البخاري حديثه

(13/969)


بالاضطراب - كما تقدم - ، ولا أستبعد أن يكون هذا الحديث مما عناه . واله أعلم .
وإذا عرفت ضعف هذا الحديث ، وعدم ثبوته ، تبين وهاء استدلال النووي به
على صحة أذان القاعد ، وأوهى منه الاستدلال به على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باشر الأذان
بنفسه ، فإن هذا يبطله الأخرى - كما هو ظاهر لا يخفى - .

6435 - (إِنْ صَلَّيْتَ الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ ، لَمْ تُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ .
2 - وَإِنْ صَلَّيْتَ أَرْبَعاً ، كُنْتَ مِنَ الْعَابِدِينَ .
3 - وَإِنْ صَلَّيْتَ سِتّاً ، لَمْ يَلْحَقْكَ [يومئذٍ ] ذَنْبٌ .
4 - وَإِنْ صَلَّيْتَ ثَمَانِياً ، كُتِبْتَ مِنَ الْقَانِتِينَ .
5 - وَإِنْ صَلَّيْتَ اثِنْتَيْ عَشْرَةَ ركعةً ، بُنِيَ لَكَ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ .
6 - وَمَا مِنْ يَوْمٍ ، وَلَا لَيْلَةٍ ،وَلَا سَاعَةٍ ، إِلَّا وَلِلَّهِ فِيهَا صَدَقَةٌ يَمُنُّ بِهَا
عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَمَا مَنَّ عَلَى عَبْدٍ بِمِثْلِ أَنْ يُلْهِمَهُ ذِكْرَهُ ) .
منكر .
أخرجه البزار (1/334 - 335) ، وابن حبان في "الضعفاء" (1/243) ،
والأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (2/789/1927) من طريق عَبْد الْحَمِيدِ بْن
جَعْفَرٍ : ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ : يَا
عَمَّاهُ ! أَوْصِنِي . قَالَ : سَأَلْتَنِي عَمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ، حسين بن عطاء - وهو : ابن يسار - : قال ابن
أبي حاتم (1/2/61) :
"شيخ منكر الحديث ، وهو قليل الحديث ، وما حدث به فمنكر " . وقال ابن حبان :
.

(13/970)


"يروي عن زيد بن أسلم المناكير التي ليست تشبه حديث الأثبات ، لا يجوز
الاحتجاج به إذا انفرد ، لمخالفته الأثبات في الروايات" . ثم ساق له هذا الحديث ،
وقال :
"لا يصح هذا كله " . وفي نسخة - ولعلها أصح - :
"وهذا لا أصل له " . ثم تناقض ابن حبان ، فأورد حسيناً هذا في "الثقات"
(6/209) برواية عبدالحميد هذا عنه ، ولكنه قال :
"يخطئ ويدلس" ! وزاد الحافظ في "اللسان" :
"وقال ابن الجارود : كذاب . وقال أبو داود : ليس بشيء " . ولم يتنبه الهيثمي
لهذا الضعف الشديد الذي قيل عنه ، ولتناقض ابن حبان فيه ، فقال في "المجمع"
(2/237) :
"رواه البزار ، وفيه حسين بن عطاء ضعفه أبو حاتم وغيره ، وذكره ابن حبان في
"الثقات" ، وقال : يخطئ ويدلس" .
وأما المنذري فإنه لما عزاه (1/236) للبزار ، سكت عن سنده !
قلت : وقد خالفه في إسناده ومتنه الصلت بن سالم فقال : إن زيد بن أسلم
أخبره عن عبدالله بن عمرو السهمي عن أبي الدرداء يرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
"من صلى الضحى سجدتين ، لم يكتب من الغافلين " .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (2/209) من طريق موسى يعقوب
الزمعي عن الصلت .
ومن هذا الوجه ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (1/166) ، وأشار إلى أن
للحديث تتمة بقوله عقبه :

(13/971)


"وذكر الحديث ".
إلا أنه لم يقع في إسناده ذكر زيد بن أسلم ، وإنما قال :
"مولى لعمر بن الخطاب" . ولذلك قال عقبه :
"قلت لأبي : (مولى لعمر ) ، من هو ؟ قال : (زيد بن أسلم) فيما أرى ".
والعقيلي أورده في ترجمة الصلت هذا ، وقال :
"قال البخاري : مدني ، لا يصح حديثه ... وقد روي من غير هذا الوجه
بأصلح من هذا الإسناد " . وقال فيه ابن أبي حاتم (2/1/437) عن أبيه :
"هو منكر الحديث ، ليس بشيء".
وأما ابن حبان فذكره في "الثقات" (6/472) برواية الزمعي عنه !
وهذا من تساهله الذي عرف به ، بل هو من تناقضه في نقدي ، لأن الصلت
هذا هو الموثق عنده قد روى نفس الحديث الذي قال فيه ابن حبان :"إنه لا يصح" ،
أو : "لا أصل له " ، - كما تقدم - ! فإن كان لم يعلم به ، فمعنى ذلك أنه لم يسبر
حديثه ، وبالتالي لم يعرفه ، وعلى هذا يدور تساهله ، كيف لا وهو يذكر في "ثقاته"
كثيراً ممن يصرح هو نفسه بقوله : "لا أعرفه ولا اعرف أباه" - كما قد بينته في مواضع
كثيرة - ! ولذلك لم يعرج الذهبي على توثيقه هذا ، فتبنى في كتابه "المغني" قول
أبي حاتم المتقدم :
"ليس بشيء" .
ومما سبق تعلم تساهل المنذري أيضاً والهيثمي في اعتمادهما على هذا التوثيق
الشاذ ، فقال في "الترغيب" (1/236) :

(13/972)


"رواه الطبراني في "الكبير" ، ورواته ثقات ، وفي موسى بن يعقوب الزمعي
خلاف ".
وكذا قال اليهثمي (2/237) ، إلا أنه بيَّن بعض الخلاف المشار إليه بقوله في
الزمعي:
"وثقه ابن معين وابن حبان ، وضعفه ابن المديني وغيره ".
قلت : وقال الحافظ في "التقريب" :
"صدوق سيئ الحفظ" . وقال الذهبي في "الكاشف" :
"فيه لين" .
قلت : فيمكن اعتبار الزمعي هذا علة أخرى في إسناد حديث أبي الدرداء ،
ولكنها دون العلة الأولى ، ومع ذلك فهي تؤكد خطأ تقوية حديثه ، كما يشعر بذلك
كلام المنذري والهيثمي ، ثم صرَّح به السيوطي فقال في "جزئه" (ص 61) :
"وأخرج الطبراني بسندٍ حسن عن أبي الدرداء ... ".
وقد أجمل القول في تضعيفه ، وتضعيف حديث أبي ذر أيضاً الحافظ ابن
حجر ، فقال في "الفتح" (3/54) :
"وَعِنْد اَلطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي اَلدَّرْدَاءِ مَرْفُوعاً (فذكره ، وقال :) وَفِي إِسْنَادِهِ
ضَعْفٌ ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ . رَوَاهُ اَلْبَزَّار ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ ".
وأقول : في اعتباره لحديث أبي ذر شاهداً نظرٌ قوي عندي ، لأن مدار الحديثين
على زبد بن أسلم ، اختلف عليه في إسناده حسين بن عطاء والصلت بن سالم :
فقال الأول : عنه عَنْ ابْنِ عُمَرَ عن أبي ذر.

(13/973)


وقال الآخر : عن ابن عمرو عن أبي الدرداء .
وقد سبق بيانه .
أضف إلى ذلك شدة ضعف حسين هذا ، فلا يصلح للاستشهاد.
وقد بقي عليَّ بيان اختلافهما في المتن ، وذلك في موضعين منه :
أحدهما : أن الصلت لم يذكر الذنب في الست ركعات ، بل قال :
"ومن صلى ستاً ، كفي ذلك اليوم".
وقد ساق لفظه بتمامه المنذري والهيثمي والعسقلاني .
والآخر : أنه لم يذكر الصلتُ في الفقرة الأخيرة قوله :
"ولا ساعة" .
وإن مما لا شك فيه أن الأضطراب علة من علل الحديث ، وبخاصة إذا كان
من الضعفاء ، وبصورة أخص إذا كان في السند والمتن معاً . فتنبه لهذا !
والحديث أخرجه البيهقي في "سننه" (3/48) من طريق إسماعيل بن رافع
عن إسماعيل بن عبيدالله عن عبدالله بن عمر (1) قال : ... فذكره دون قوله في
آخره : "وما من يوم ..." إلخ مع اختلاف في الألفاظ في بعض الفقرات .
وفي إسناده ضعف وانقطاع ، أما الضعف ، فمن إسماعيل بن رافع ، فقال
الذهبي في "المغني" :
"ضعفوه جداً ، قال الدارقطني و (س) : متروك".
وأما الانقطاع فبين إسماعيل بن عبيدالله - وهو : ابن أبي المهاجر - وبين ابن
__________
(1) وفي نسخة : (عمرو) ، كما في الحاشية .

(13/974)


عمر ، فإنهم لم يذكروا لإسماعيل هذا رواية عن غير أنس وفضالة بن عبيد ، وولد
إسماعيل سنة (61) وتوفي ابن عمر سنة (73) أي وإسماعيل في نحو (12) من
العمر ! وهذا إن كانت الرواية عنه . وأما إن كانت الرواية عن (ابن عمرو) كما في النسخة
الأخرى ، فالانقطاع أجلى ، لأن ابن عمرو مات سنة (63) !
والحديث عزاه السيوطي للبزار والبيهقي والأصبهاني وحميد بن زنجويه في
"فضائل الأعمال " في (جزء صلاة الضحى) (1/62 - الحاوي) ولم يتكلم عليه
بشيء - كغالب عادته - .
وللفقرة الخامسة شاهد من حديث أنس مرفوعاً بلفظ :
" ... بنى الله له قصراً من ذهب في الجنة ".
استغربه الترمذي ، وفيه عنعنة ابن إسحاق ، وهو مخرج في "الروض النضير"
(111) ، وقواه الحافظ بقوله :
"ولكن إذا ضم إليه حديث أبي ذر وأبي الدرداء ، قوي ، وصلح للاحتجاج به ".
ولعله كذلك . والله سبحانه وتعالى أعلم .

6436 - ( إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ ، وَفِي نَفْسِهِ أَنْ يُصَلِّيَ مِنَ اللَّيْلِ ، فَلْيَضَعْ
قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ عِنْدَهُ ، فَإِذَا انْتَبَهَ ، فَلْيَقْبِضْ بِيَمِينِهِ قَبْضَةً ، ثُمَّ لِيَحْصِبْ عَنْ
شِمَالِهِ ).
باطل .
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/170) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "الموضوعات" (2/108) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (2/291/2/4486 -
بترقيمي ) من طريق عَنْبَسَة بْن عَبْدِ الْوَاحِدِ القرشي : ثنا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ يَحْيَى
ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ... مرفوعاً . وقال الطبراني :

(13/975)


"لم يروه عن يحيى إلا أيوب ، تفرد به عنبسة ".
قلت : وهو ثقة ، والعلة من شيخه أيوب - وهو : اليمامي - ، وفي ترجمته أورده
ابن حبان ، وقال :
"كان يخطئ كثيراً ، ويهم شديداً ، حتى فحش الخطأ منه ... وقال ابن معين :
ضعيف" . وقال ابن الجوزي عقبه :
"قال أبو حاتم : هذا حديث باطل لا أصل له . وقال يحيى بن معين : أيوب بن
عتبة ليس بشيء . وقال النسائي : مضطرب الحديث ".
وكذلك قال الذهبي في الحديث أنه باطل . وما ذكره ابن الجوزي عن ابن
حبان من الإبطال ، لا أدري من أين نقله ، والمفروض أن يكون في "الضعفاء" ،
فلعله سقط منه .
وقد أورده ابن طاهر المقدسي في "تذكرة الموضوعات" (ص 11) ، وأعله بأيوب ،
قال :
"وهو ضعيف ، وأُنكر عليه هذا الحديث " .
ومن غرائب السيوطي في "اللآلي" ، أنه تعقب ابن الجوزي بقوله (2/31) :
"قلت : أخرجه الطبراني "!
وأما ابن عرَّاق فكان أقرب إلى الصواب منه ، فقد ذكر في "تنزيه الشريعة"
(2/82) الخلاف في أيوب ، وتضعيف الحافظ إياه في "التقريب" ، ثم قال :
"فمثله لا ينبغي الحكم على حديثه بالوضع ".
فأقول : هذا هو الأصل ، إذا لم يرو مثله أمراً منكراً شرعاً أو عقلاً ، وليس الأمر

(13/976)


كذلك هنا ، فالنكارة في هذا الحديث ظاهرة جداً ، ولذلك فقد أصاب المعلق عليه
حين قال :
"لكن نكارته تقتضي وضعه حتماً " . والحديث قال الهيثمي في "المجمع"
(2/264) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" ، والبزار ، وفيه أيوب بن عتبة : وثَّقة
أحمد في رواية ، وكذلك ابن معين ، وضعفاه في رواية ، وضعفه البخاري ومسلم
وجماعة ".
قلت : وفي هذا التخريج نظر ، لأنه يوهم أن أيوب هذا في إسناد البزار أيضاً ،
وليس كذلك ، فإنه أخرجه في "مسنده" (1/340 - 341) ، وكذا الخطيب في
"التاريخ" (2/378 - 379) من طريق ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور عن
أيوب ... به .
وعباد هذا : قال الذهبي في "الكاشف" و "المغني" :
"ضعف ، وقال النسائي : ليس بالقوي " . وقال الحافظ :
"صدوق رمي بالقدر ، وكان يدلس ، وتغير بأخرة ".
ومن جملة الحفاظ الذين ضعفوه أبو داود صاحب "السنن" ، قال :
"ليس بذاك ، وعنده أحاديث فيها نكارة".
(تنبيهان) :
1 - لم يتنبه الشيخ الأعظمي لتغاير إسناد البزار عن إسناد الطبراني - مقلداً
في ذلك للهيثمي - ، فعلق كلامه المتقدم على رواية البزار ، وسكت عليه ، مع أنه
يرى بعينيه أنه ليس فيها أيوب بن عتبة ، اللهم ! إلا إن كان توهم أن أيوب في

(13/977)


إسناد البزار - هو : ابن عتبة - ، فهذا شر من الأول ، لأنه أيوب السختياني الثقة
المشهور !
2 - سقط هذا الحديث من "مختصر الزوائد" للحافظ العسقلاني.

6437 - ( مَثَلُ الْمَرِيضِ إِذَا بَرِئَ وَصَحَّ من مرضِه مَثَلُ الْبَرَدَةِ ، تَقَعُ
مِنْ السَّمَاءِ فِي صَفَائِهَا وَلَوْنِهَا ).
موضوع .
أخرجه البزار في "مسنده" (1/363/762) ، وابن حبَّان في "الضعفاء"
(3/77) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/92 - 93) ، وابن عدي (7/72) ،
والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/160/9841) ، والديلمي في "مسند الفردوس"
(3/60) ،وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/200) ، وابن عساكر في "تاريخ
دمشق" (4/78) من طريق الْوَلِيد بْن مُحَمَّدٍ الْمُوَقَّرِيّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ ... به
مرفوعاً . وقال البزار :
"والوليد ليِّن الحديث ، حدَّث عن الزهري بأحاديث لم يتابع عليها ".
قلت : وهو متروك ، وكذبه بعضهم ، وقال ابن حبان :
"روى عن الزهري أشياء موضوعة ، لم يحدث بها الزهري قط ، لا يجوز
الاحتجاج به بحال ". ثم ساق له هذا الحديث .وذكر ابن الجوزي عنه أنه قال :
"هذا حديث باطل ، إنما هو قول الزهري ، لم يرفعه عن الزهري إلا الموقري ".
قلت : وهذا غير موجود في مطبوعة "الضعفاء" . والله أعلم .
وقال ابن عدي :
"لا يرويه عن الزهري غير الموقري ،ورواه عبدالوهاب بن الضحاك عن بقية

(13/978)


عن الزبيدي عن الزهري عن أنس . وأبطل عبدالوهاب فيه ، لأن الزبيدي لا يحتمل ،
والموقري يحتمل".
وهذا وصله البيهقي من طريق ابن عدي : نا الحسين بن محمد بن مودود : نا
عبدالوهاب : نا بقية عن الزبيدي ... به .
ولم أره في "كامل ابن عدي " وعبدالوهاب هذا - وهو: الحمصي - : متهم - كما
يشير إليه كلامه - ، وقال الحافظ :
"متروك ، كذبه أبو حاتم".
وبقية : مدلس . فإن سلم من الأول ، لم يسلم من عنعنته ،فيجوز أن يكون
قد تلقاه من بعض الضعفاء ثم دلّسه ، فقد رواه ابن عدي (3/407) من طريق
سعيد بن هاشم بن صالح المخزومي : حدثني ابن أخي الزهري وعبدالله بن عامر
عن الزهري ... به . ذكره في ترجمة سعيد هذا ، وقال :
"ليس بمستقيم الحديث" . ونقله ابن الجوزي عنه ، وزاد فقال :
"رواه سفيان بن محمد الفزاري عن ابن وهب عن الزهري ... نحوه . قال
ابن عدي : أما سعيد :فليس بمستقيم الحديث ، روى أحاديث غير محفوظة . وأما
سفيان : فإنه يسرق الأحاديث ، ويسوٍّي الأسانيد ، وفي حديثه موضوعات . وقال
ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به ".
ولم يتعقبه السيوطي في "اللآلي" (2/399) بشيء يذكر ، وتبعه ابن عراق ،
فذكره في "تنزيه الشريعة" (2/352) في الفصل الأول الذي خصه بالموضوعات
التي لم يخالف ابن الجوزي في الوضع .
والحديث أخرجه الطبراني أيضاً في "المعجم الأوسط" (2/14/1 - 2/5299)
من طريق الوليد بن محمد الموقري أيضاً ، وقال:

(13/979)


"لم يروه عن الزهري إلا الموقري".
كذا قال ! فكأنه لم يقف على تلك المتابعات ، أو لم يُقِمْ لها وزناً ، لما عرفت من
عللها ، وهذا أولى به في التحقيق ،والأول أولى به ، وبأسلوب كتابه في التحويش
والتقميش !

7438 - ( الصَّوْمُ جُنَّةٌ ، مَا لَمْ يَخْرِقْهَا) .
ضعيف .
أخرجه البخاري في "التاريخ" (4/1/21) ، والنسائي (1/311) ،
والدارمي (2/15) ، وابن خزيمة (3/194) ، والحاكم (3/265) ، والبيهقي في
"السنن" (4/270) و "شعب الإيمان" (3/289/3572) ، وابن أبي شيبة في
"المصنف" (3/6) ، وأحمد (1/195 و 196) ، وأبو يعلى (2/180 - 181) ، والطيالسي
أيضاً (31/227) من طرق ، بعضهم عن واصل مولى أبي عيينة ، وبعضهم عن
جرير بن حازم كلاهما عن بَشَّارِ بْنِ أَبِى سَيْفٍ عن الوليد بن عبدالرحمن الجرشي
عَنْ عِيَاضِ بْنِ غُطَيْفٍ قَالَ عن أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ... به . وعند بعضهم زيادة في
المتن مع قصة ، فقال عياض بن غطيف :
دَخَلْنَا عَلَى أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ نَعُودُهُ مِنْ شَكْوىً أَصَابَهُ ، وَامْرَأَتُهُ (تُحَيْفَةُ)
قَاعِدَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ ، قُلْت : كَيْفَ بَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ ؟ قَالَتْ : وَاللَّهِ ! لَقَدْ بَاتَ بِأَجْرٍ . فَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ مَا بِتُّ بِأَجْرٍ ! وَكَانَ مُقْبِلاً بِوَجْهِهِ عَلَى الْحَائِطِ ، فَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ بِوَجْهِهِ
قَالَ : أَلاَ تَسْأَلُونِى عَمَّا قُلْتُ ؟ قَالُوا : مَا أَعْجَبَنَا مَا قُلْتَ فَنَسْأَلُكَ عَنْهُ ! قَالَ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ :
« مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فَاضِلَةً فِى سَبِيلِ اللَّهِ ، فَبِسَبْعِمِائَةٍ ، وَمَنْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ
وَأَهْلِهِ ، أَوْ عَادَ مَرِيضاً ، أَوْ مَازَ أَذًى ، فَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ ، مَا لَمْ
يَخْرِقْهَا ، وَمَنِ ابْتَلاَهُ اللَّهُ بِبَلاَءٍ فِى جَسَدِهِ ، فَهُوَ لَهُ حِطَّةٌ ».

(13/980)


رواه الحاكم وأحمد وأبو يعلى ، وكذا البخاري والبيهقي في "الشعب" ، لكن
ليس عندهما القصة . وهي عند البزار في "مسنده" (1/364/763 و 764) مع
الجملة الأخيرة منه بلفظ :
"إن مرض المؤمن حطة ، يحط عنه ذنوبه ".
وسكت عنه الحاكم والذهبي ، وحَسَّن إسناده المنذري في "الترغيب"
(2/97) ، وقلَّده المعلق على "أبي يعلى" ، وصححه أحمد شاكر رحمه الله في
تعليقه على "المسند"(3/144) ، وما أرى ذلك ، لما يأتي:
أولاً : عياض بن غطيف ، وبشار بن أبي سيف : لم يوثقهما غير ابن حبان ،
ويلحق به شيخه ابن خزيمة ، لإخراجه لحديثهما في "الصحيح" ، ولم يرو عن كل
منهما إلا اثنان ،وبيَّض لهما الذهبي في "الكاشف" ، وقال الحافظ فيهما :
"مقبول" . يعني : عند المتابعة ، وإلا ، فليَّن الحديث - كما نص عليه في
المقدمة - .
وعليه فحالهما مجهول .
وثانياً : مما يؤكد جهالتهما ، وخفاء حالهما : الاضطراب في ضبط اسميهما ،
فالأول منهما :
(عياض بن غطيف) : فقيل فيه هكذا ، وهي رواية أكثر المصادر المذكورة - مثل
"التاريخ" و"السنن" و"المسند" وغيرهما - ، وهكذا ترجموه في كتب الرجال .
وقيل : (غطيف بن الحارث) - وهي رواية الطيالسي ، وعنه "شعب البيهقي" - ،
وهي رواية أخرى لـ"تاريخ البخاري" ، وبسند آخر ، فقال عقب الرواية الأولى :
وقال إسحاق بن إبراهيم : حدثني عمرو بن الحارث قال : حدثني عبدالله بن

(13/981)


سالم عن الزُّبيدي : سمع سليم بن عامر أن غطيف بن الحارث حدثهم عن أبي
عبيدة قال :
"يكفر به الخطايا" .
قلت : وهذا إسناد صحيح ، رجاله كلهم ثقات إلى غطيف ، لكن الظاهر أنه
ليس فيه إلا الجملة الأخيرة من الحديث ، وباللفظ المذكور .
وقيل : (الحارث بن غطيف) : على القلب للذي قبله . وهي رواية البزار عن
واصل بن جرير ، وهي أبعدها عن الصواب .
والتي قبلها هي الأرجح - كما يظهر من رواية البخاري الأخرى - ، وهي التي
جزم بصحتها ابن أبي حاتم عن أبيه : فقال في ترجمة الرواية الأولى :
" عياض بن غطيف ويقال : (غطيف بن الحارث) الشامي ... والصحيح :
(غطيف بن الحارث) قال : أتينا أبا عبيدة بن الجراح ، روى عنه الوليد بن عبد الرحمن
وسليم بن عامر ".
وخالفه ابن حبان ، فقال في ترجمة : (عياض بن غطيف ) من "الثقات"
(5/265 - 266) :
"روى عنه الوليد بن عبد الرحمن الجرشي ، وهو الذي يقول له سليم بن عامر:
(غطيف ( 1) بن الحارث) عن أبى عبيدة ، ولم يضبطه "!
كذا قال ! وسليم بن عامر ثقة من رجال مسلم ، ولا نعلم في توثيقه خلافاً .
فكيف يصح أن يوهم هو دون بشار بن أبي سيف ، وهو غير مشهور ولا معروف
بالحفظ - كما تقدم - ؟!
__________
(1) الأصل المطبوع (غضيف) ، لكن المعلق عليه نص أن الأصل : (غطيف) ... فأثبته ،
لمطابقته لما في "التاريخ" .

(13/982)


وقد يلتبس هذا الراوي على الخلاف في ضبط اسمه بـ (غُضيف بن الحارث
اليماني السكوني الثمالي) له صحبة ، وهو مترجم في "التهذيب" ، وقد ذكر في
الرواة عنه الوليد بن عبدالرحمن المتقدم ، فجاء الالتباس ، ومع أن الحافظ أطال في
ترجمته ، ونبه على بعض الأوهام ، فإنه لم يُزل اللبس المذكور . وكأنه تدارك ذلك
في "التقريب" ، فقال عقب ترجمة (غضيف) هذا :
"عياض بن غطيف :آخر مخضرم ، مقبول . س".
يعني كما وقع في رواية النسائي المتقدمة .
هذا ما يتعلق بالاسم الأول ، وما وقع في ضبطه من الاضطراب .
وأما الاسم الآخر :
(بشار بن أبي سيف) : فقد وقع هكذا في أكثر المصادر المتقدمة . ووقع في
رواية لابن أبي شيبة : ( يسار بن أبي سيف) ،ولا يبعد أن يكون خطأ من الناسخ ،
ولكني رأيت الهيثمي قال في تخريج الحديث (2/300) :
"رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ، وفيه يسار بن أبي سيف ، ولم أر من وثقه ولا
جرحه ، وبقية رجاله ثقات".
ومع أن الموجود في "مسند أحمد والبزار موافق للمصادر الأخرى ، فإني
أخشى أن يكون وقع في نسخ الهيثمي في تلك المصادر (يسار) - كما ذكر - ، وإني
لأذكر أنه يحتمل أن يكون في كتاب الهيثمي على الصواب (بشار) ، ولكنه تحرف
على الطابع ، لكنني أستبعد ذلك عنه ، لأنه موجود في "تهذيب المزي" - فضلاً
عن "التاريخ" و"الجرح" و"الثقات" - والله أعلم .
وأما "مسند أبي يعلى" فوقع فيه هكذا (ابن أبي سيف) منسوباً غير مسمى .

(13/983)


ثالثاً : قد وقع الاضطراب في إسناده أيضاً عند أحمد على ثلاثة وجوه :
الأول : واصل عن عياض بن غطيف قال : دخلنا على أبي عبيدة :فأسقط
منه الوليد بن عبدالرحمن !
الثاني : أثبت الوليد وأسقط (بشاراً) !
الثالث : أثبت الاثنين - كما تقدم - في رواية الجماعة ، وهي الراجحة بلا ريب .
رابعاً : الوقف ، فقد قال مسعر : عن الوليد بن أبي مالك قال : ثنا أصحابنا
عن أبي عبيدة قال :
"الصيام جنة ما لم يخرقها ".
أخرجه النسائي (1/312) - هكذا موقوفاً - ، وهو الصحيح في نقدي ، لأن
إسناده إلى الأصحاب صحيح ، رجاله ثقات ، والوليد - هو : ابن عبدالرحمن بن أبي
مالك الهمداني الدمشقي - وهو غير الجرشي المتقدم ، وأصحابة جمع من التابعين ،
لا يخشى تواطؤهم على الكذب ، ولا تَوافقهم على الوهم - كما جرى على مثله
بعض الحفاظ (1) - ، ويبدو لي أن النسائي رحمه الله أشار في "السنن الكبرى"
(2/94/2543) إلى ترجيح وقفه ، فإنه ساقه فيه عقب المرفوع . والله أعلم .
(تنبيه) : عزا الحافظ في "الفتح" (4/104) للدارمي وأحمد فقط ، وقال :
"زاد الدارمي (بالغيبة) " .
وهذا من أوهامه رحمه الله : فإن هذه الزيادة عند الدارمي في الموضع الذي
سبقت الإشارة إليه ليست من الحديث ، بل إنه قال من عنده مفسراً إياه :
"قال أبو محمد : يعني بالغيبة".
__________
(1) انظر "المقاصد الحسنة" (392/1044) .

(13/984)


وأبو محمد هو : الدارمي نفسه .
على أنني أقول : لو كان عنده من تمام الحديث لقلت : إنها زيادة منكرة مدرجة
فيه بعض رواته ، لمخالفتها لكل الروايات المخرجة عند غيره - كما تقدم - .
نعم قد جاءت فِي حَدِيثِ آخر من حديث أبي هريرة مرفوعاً ، لكن إسناده
ضعيف جداً - كما تقدم بيانه برقم (2642) - .
(تنبيه آخر) :مسعر في إسناد النسائي الصحيح الموقوف - هو : ابن كدام - ،
وقد وقع في "كبرى النسائي" محرفاً إلى (سعد) ، والظاهر أنه خطأ مطبعي . والله
أعلم .

6439 - ( عِيَادَةُ الْمَرِيضِ مَرَّةً سُنَّةٌ ، فَمَا زَادَ فنافلةٌ ).
ضعيف جداً .
أخرجه البزار في "مسنده" (1/368/776) ، والطبراني في
"المعجم الكبير" (11/258/11669) ، وابن عدي في "الكامل" (7/22) من
طريق عَبْد الْحَمِيدِ بن عبدالرحمن الْحِمَّانِيّ عَنِ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:... فذكره . وقال البزار :
"لا نعلمه إلا عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ بهذا الطريق ، وقوله : "سنة" يريد سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قلت : فهو في حكم المرفوع ، وعلى ذلك علم مصطلح الحديث ، ولذلك
خرجته أولاً ، ولتقوية بعض العلماء لإسناده ثانياً - كما يأتي - ، فإن النضر هذا :
قال الذهبي في "المغني"
"ضعفوه جداً " . وقال في "الكاشف" :
"ساقط" . وقال الحافظ في "التقريب" :
"متروك" . ولهذا قال ابن عدي عقبه وقد ساق معه أحاديث أخرى :

(13/985)


وهذه الأحاديث عن أبي يحيى الحماني عن النضر كلها غير محفوظة ".
ولذلك فقد أخطأ الهيثمي خطأ فاحشاً حين صرَّح بتحسين حديثه بقوله في
"المجمع " (2/296 - 297) :
"رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" ، والبزار ، وفي أحد أسانيده علي بن
عروة ،وهو ضعيف متروك ، وفي الآخر - أبو عمر - وحديثه حسن ".
كذا قال ! ولا وجه لتحسينه البتة ، فإن النضر هذا متفق على تضعيفه ، لم
يوثقه أحد حتى من كان معروفاً بالتساهل في التوثيق ، كالترمذي مثلاً ، فإنه مع
كونه تفرد بالإخراج له من بين أصحاب "السنن" ، فلم يُخرِّج له إلا حديثاً واحداً ،
وقال عقبه منكراً إياه (3684) :
"حديث غريب ، وقد تكلم بعضهم في النضر أبي عمر ، وهو يروي مناكير ".
والحديث المشار إليه قد تكلمت عليه في "المشكاة" (6036) . وقال ابن حبان في
النضر هذا (3/49) :
"كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات ، فلما كثر ذلك في روايته ،
بطل الاحتجاج به ، قال ابن نمير : أبو عمر متروك الحديث ".
إذا عرفت هذا ، فإن من ضحالة العلم ، وقحط التحقيق أن ينتصر لهذا الخطأ
الأخ المعلق على "مجمع البحرين" (2/360) ، فيقول عقب نقله التحسين المذكور :
"قلت : النضر أبو عمر - هو : ابن عربي - : لم يضعفه أحد إلا ابن سعد ...
فإسناد البزار حسن - كما قال البزار - ".
فأقول : كلا - والله ! - ، فإن البزار ، وكذلك من ذكر معه في تخريجي قد رووه
من طريق عبدالحميد بن عبدالرحمن الحماني - كما رأيت - ، ولم يذكروه في الرواة

(13/986)


عن النضر بن عربي ، وإنما في الرواة عن النضر بن عبدالرحمن - أبي عمر الخزاز
هذا - المتروك ، وفي ترجمته ساق ابن عدي هذا الحديث .
ولعل الذي غره - ومتبوعه الهيثمي - اشتراك كل من (النضرين) في الرواية
عن عكرمة ، وبدهي جداً أن مثل هذا الاشتراك لا يكفي لترجيح أنه (النضر بن
عربي) فضلاً عن الجزم به ، بل لا بد في هذه الحالة من قرينة تساعد على الترجيح
على الأقل ، فكيف والقرائن تنفيه نفياً باتاً ، وتؤكد أنه النضر المتروك - كما تقدم - ؟!
وغالب ظني أن الذي حمله على ما ذكر أنه وجد في رواية أخرى التصريح بأنه
(النضر بن عربي) ، فلننظر إذن فيها لنرى هل يمكن التمسك بها للترجيح المزعوم ؟
فروى الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/224/2/8475) من طريق عمرو بن
الحصين : نا محمد بن عبدالله بن علاثة: أنا النضر بن عربي عن عكرمة ... به .
وقال :
"تفرد به عمرو بن الحصين" .
قلت : وهو متروك متهم بالكذب ، وقد خرجت له - فيما سبق - عدة أحاديث
واهية ، وقد قال فيه الذهبي في "المغني":
"ضعفوه جدّاً " . وقال الحافظ في "التقريب" :
"متروك" .
وتبعه المعلق على "مجمع البحرين" ، فقوله في إسناد الحديث : "النضر بن
عربي" ... مما لا يصح أن يستشهد به فضلاً عن الاحتجاج به ، لأنه إما أن يكون
وهماً منه - تحرف عليه : (أبو عمر) ... إلى : (ابن عربي) - ، وإما أن يكون كذباً
منه ، وأحلاهما مر !

(13/987)


ويبدو لي أن الهيثمي كان مضطرباً في (النضر أبي عمر) هذا ، فقد روى له
الطبراني بإسناده هذا ، عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عشرات الأحاديث ، فما استقر
رأيه فيه على شيء ، وقد ضعفه في أكثرها ، فتارة يقول : "متروك" . وتارة :
"ضعيف جداً " . وتارة : "ضعيف" . وتارة : "أجمعوا على ضعفه" . ورأيته مرة نسبه
إلى أبيه فقال : "النضر بن عبدالرحمن ، وهوضعيف" . ومرة قال : "وثَّقه
بعضهم " . وهو في هذا واهم ، فلم يوثقه أحد ، والثقة إنما هو الآخر : (ابن عربي) .
وتجد أقواله هذه تحت الأحاديث المشار إليها في "المعجم الكبير" (11/252 - 259)
بنقل الأخ الفاضل حمدي السلفي . وفي فهرس الأخ أبي هاجر زغلول (3/413) ،
وقد سقط منه ترجمة (النضر بن عربي) !
ثم إن للحديث طريقاً أخرى ، ولكنها لا تساوي فلساً ، فإنه من رواية يحيى
ابن العلاء عن علي بن عروة عن عمرو بن دينار عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... به .
أخرجه الطبراني (11/112/11210) .
وهذا إسناد هالك ، بل موضوع ، فإن كلاً من يحيى بن العلاء وعلي بن عروة
- وهو : الدمشقي - متهمان بالوضع .

6440 - ( يَا عَمِّ ! إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَصَمَنِي مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ ).
ضعيف جداً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/256 - 257) ،
والواحديث في "أسباب النزول" (ص 151) من طريق عَبْد الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيّ عَنِ
النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَسُ ، فَكَانَ يُرْسِلُ مَعَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ كُلَّ يَوْمٍ رِجَالاً
مِنْ بني هَاشِمٍ يَحْرُسُونَهُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ، فَأَرَادَ عَمُّهُ أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ مَنْ

(13/988)


يَحْرُسُهُ ، فَقَالَ:... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ، النضر هذا - هو : ابن عبدالرحمن أبو عمر
الخزاز ، وهو متروك ، لم يوثقه أحد - كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله - ،
وتناقض فيه قول الهيثمي ، فوفق للصواب أحياناً - كما ذكرت هناك - ، وتحت هذا
الحديث ألان القول فيه فقال :
"رواه الطبراني ، وفيه النضر بن عبدالرحمن ، وهو ضعيف "!
ثم إن في الحديث نكارة ظاهرة ، فإن هذه الآية مدنية ، وهذا الحديث يقتضي
أنها مكية ، ولذلك قال ابن كثير عقبه تحت الآية :
" حديث غريب ، والصحيح أن هذه الآية مدنية ، بل هي من أواخر ما نزل
بها . والله أعلم ".
ومثله عزاه ابن كثير لرواية ابن مردويه بسنده عن أبي الزبير عن جابر ...
نحوه . وقال :
" حديث غريب ".
قلت : وفيه غير عنعنة أبي الزبير - جماعة لم أعرفهم .

6441 - ( أَقَبَلتُ يَومَ بَدرٍ من قِتَال الْمُشْرِكينَ وَأَنَا جَائِعٌ شَدِيدُ الْجُوعِ ،
فاستقبلتني امْرَأَةٌ يَهُودِيَّةٌ عَلَى رَأْسِهَا جَفْنَةٌ فِيهَا جَدْيٌ مَشْوِيٌّ ، وَفِي
كُمِّهَا شَيْء من سَكَرٍ ، فَقَالَت : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سلَّمَكَ يَا مُحَمَدُ ! كَنَتُ
نَذَرتُ لِلَّهِ نَذْراً إِن قَدِمتَ الْمَدِيَنَةَ سَالِماً لَأَذْبَحَنَّ هذا الجَدْيَ ولأشوينه ،
ولأحملنه إِلَيْك لَتَأْكُلَ منه . فاستنطق اللّهُ الجَدي ، فَاسْتَوَى قَائِماً عَلَى
أَرْبَعِ قَوَائِمٍ ، فَقَال : يَا مُحَمَدُ ! لَا تأكُلْني فإِني مسمومٌ ) .
منكر .
أخرجه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص 154 - دار المعرفة) من طريق

(13/989)


محمد بن إبراهيم بن داود قال : ثنا الحسين بن كليب قال : ثنا يزيد بن أبي حكيم
قال : ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عَبَاس رَضِي اللّه عَنْهُمَا قال : قال
رَسُول اللّه صَلَّى اللّه عليه وَسَلَّم :... فذكره .
قلت وهذا إسناد ضعيف ، الحسين بن كليب : لم أجد له ترجمة .
والحكم بن أبان : قال الحافظ :
"صدوق له أوهام"
وخالفه في متنه هلال عن عكرمة به مختصراً بلفظ :
أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْيَهُودِ أَهْدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَسْمُومَةً ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَقَالَ :
"مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ ؟ " قَالَتْ : أَحْبَبْتُ - أَوْ : أَرَدْتُ - إِنْ كُنْتَ نَبِيّاً ،
فَإِنَّ اللَّهَ سَيُطْلِعُكَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَبِيّاً ، أُرِيحُ النَّاسَ مِنْكَ . قال :
وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وجد من ذلك شيئاً ، احْتَجَمَ . قال : فسافر مرة ، فلما
أحرم ، وجد من ذلك شيئاً فاحْتَجَمَ .
أخرجه أحمد (1/305 - 306) : ثَنَا سُرَيْجٌ : ثَنَا عَبَّادٌ عَنْ هِلَالٍ ... به .
قلت : وهذا إسناد حسن- كما قال الحافظ ابن كثير في "البداية" (4/209) - ،
رجاله ثقات رجال البخاري ، وقد صححه بعض المحققين المعاصرين ، وهو حري
بذلك لولا كلام يسير في هلال - وهو : ابن خباب - : قال الحافظ :
"صدوق تغير بأَخَرَة ".
لكن حديثه هذا صحيح على كل حال ، فإن له شواهد عند ابن كثير ، وابن
حجر في "الفتح" (7/497) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (4/256 - 264) ، وفي
بعضها قول أنس :

(13/990)


فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
رواه مسلم .
وفي بعض : أنه أكل معه رهط من أصحابه ، ثم قال لهم :
"ارفعوا أيديكم " .
وأنه توفي بعضهم منها .
ففي ذلك ما يدل على نكارة حديث الترجمة ، وبخاصة قوله في آخره :
إن الجدي استوى قائماً ، وقال : لا تأكلني ، فإن مسموم ".
ومن هذا القبيل ما أخرجه البزار في "مسنده" (3/140/2423) من طريق
مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس قال :
"أهدت امرأة يهودية ... " الحديث بنحوه ، وفيه :
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إن عضواً من أعضائها يخبرني أنها مسمومة " ، فامتنع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وامتنع
من معه !
فهذا الامتناع ظاهر البطلان ، والعلة من الحسن - وهو : البصري - ، أو : مبارك
ابن فضالة ، فإنهما مدلسان ، وقد عنعنا .
ومثله - أو : أبطل منه - روايته الأخرى (2424) من طريق عبدالملك بن أبي
نضرة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري ... فذكر القصة ، وفيه :
فبسط يده وقال : "كلوا باسم الله " ، قال : فأكلنا ، وذكرنا اسم الله ، فلم يضر
أحداً منا !

(13/991)


وعلته عبدالملك هذا : ليس بالمشهور ، ترجمه البخاري وابن أبي حاتم ، ولم
يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/105) وقال :
"ربما أخطأ " . وتبعه الحافظ فقال :
"صدوق ربما أخطأ " . وقال الذهبي :
"صالح" .
قلت : فمثله يقبل حديثه إذا سلم من المخالفة ، وأما وقد أبطل ، فلا ، ولا
كرامة .

6442 - ( لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ حَتَّى يُخَلِّفَهُمُ اللَّهُ
فِي النَّارِ ).
منكر .
أخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (2/52/2453) قال : أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ
ابْنُ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عكرمة بن
عمار ، فمن رجال مسلم ، وهو ثقة إلا في روايته عن يحيى بن أبي كثير خاصة ،
فقد روى ابن عدي (5/272) وغيره عن يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن
حنبل قالا :
"أحاديث عكرمة عن يحيى بن أبي كثير ضعاف ليس بصحاح ".
وعلى ذها جرى الحفاظ المتأخرون ، كالذهبي والعسقلاني وغيرهما .
وإن مما يؤيد ضعفه في هذا الحديث أنه قد صح من حديث أبي سعيد

(13/992)


الخدري ... مرفوعاً نحوه ، دون قوله : "في النار" .
أخرجه مسلم وأبو عوانة وابن خزيمة في "صحاحهم" وغيرهم ، وهو مخرج في
"صحيح أبي داود" (683) ، وذكرت هناك أن في رواية لأحمد زيادة بلفظ :
"حتى يؤخرهم عَزَّ وَجَلَّ يوم القيامة ".
وإسنادها صحيح على شرط مسلم . وقد قال النووي رحمه الله في "شرح
مسلم " :
"(لا يزال قوم يتأخرون) ، أي : عن الصفوف الأول (حتى يؤخرهم الله ) تعالى
عن رحمته ، أوعظيم فضله ، ورفع المنزلة ، وعن العلم ونحو ذلك ".
قلت : وزيادة أحمد تشير إلى ما ذكره من رفع المنزلة ، أي : في الجنة ونحوه
من التأخير عن الدخول مع السابقين الأولين . والله سبحانه وتعالى أعلم .

(تنبيه) : كنت قديماً في بعض تعليقاتي وتخريجاتي قد صححت الحديث
بهذا الشاهد من حديث أبي سعيد ، ولم أتنبه حينئذ أن شهادته قاصرة ، وأن
الزيادة عليه من عكرمة منكرة ، لذلك بادرت هنا تبرئة للذمة ، وأداء للأمانة
العلمية إلى بيان هذه الحقيقة الجلية ، فمن بلغه هذا ، وكان قد وقف على
التصحيح المذكور ، فليعلق عليه بالضرب على الزيادة . والله تعالى أسألُ أن يغفر لي
كل زلة ، وأن يدخلني بفضله الجنة {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقً}.
ثم إن الحديث قد أخرجه أبو داود (679) ، ومن طريقه البيهقي في "سننه"
(3/103) ، وابن خزيمة في "صحيحه" (3/27/1559) ، وكذا ابن حبان (392 -
موارد) كلهم من طريق عبدالرزاق ... به .

(13/993)


6443 - ( قَامَ عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ، وَأَمَرَ فَرُشَّ عليه الْمَاءُ ) .
ضعيف .
أخرجه البزار في "مسنده" (1/396/843) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ : نَا يُونُسُ [ بن محمد : نَا ] الْعُمَرِيُّ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
ابْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ ...
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، لضعف عاصم بن عبيدالله ، ومثله العمري - وهو :
المكبر ، عبدالله بن عمر بن حفص - . وغفل عن هذا كله الهيثمي ،وأخذ يعله بما
ليس بعلة ، فقال (3/45) :
"رواه البزار ، ورجاله موثقون إلا أن شيخ البزار محمد بن عبدالله لم أعرفه ".
قلت : وهومعروف ثقة ، نسبه البزار فِي حَدِيثِ تقبيل عثمان بن مظعون المتقدم
برقم (6010) ، فقال : (المخرَمِّي) ، وهو : ابن عمار أبو جعفر البغدادي ، من شيوخ
النسائي ، ومن إسناده لهذا الحديث استدركت الزيادة المحصورة بين المعكوفتين .
(تنبيه) : في رش القبر أحاديث كثيرة ، ولكنها معلولة - كما بينت ذلك
في "الإرواء" (3/205 - 206) . ثم وجدت في "أوسط الطبراني" حديثاً بإسناد
قوي في رشه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقبر ابنه إبراهيم ، فخرجته في "الصحيحة" (3045) .

6444 - ( يَا معاذُ ! سألتَ عن أمرٍ عظيمٍ . ثم أَرْسَلَ عَيْنَيْهِ ثم قال :
عَشَرَةُ أصنافٍ قَد مَيَّزَهُم اللهُ من جماعةِ المسلمينَ ، وبدَّلَ صُوَرَهم ،
فبعضُهم عَلَى صُورَةِ القِرَدَةِ ، وبعضُهم عَلَى صُورَة الخنازيرِ ، وَبَعْضهُم
مُنْكَبِّيْنَ ، أَرْجُلُهِم فَوْقُ ، وَوُجُوهُهم أَسْفَلُ يُسْحَبُون عَلَيْهَا ، وَبَعْضهُم
عُميٌ يَتَرَدَّدُون ، وَبَعْضهُم صُمٌ بُكْمٌ لَا يَعْقِلُون ، وَبَعْضهُم يَمْضَغون
أَلْسِنَتَهُم وَهِي مُدلَاةٌ عَلَى صُدُورهُم ، يَسِيلُ الْقَيْحُ من أَفْوَاهِهم لُعَاباً ،

(13/994)


يقذَرُهُم أَهلُ الْجَمْعِ ، وَبَعْضهم مُقَطَّعَةٌ أَيْديهم وَأَرْجُلهم ، وَبَعْضهم
مصلوبون عَلَى جُذَوعٍ من نَارٍ ، وَبَعْضهم أَشَدُّ نَتَنَاً من الْجِيَفِ ، وَبَعضهُم
يَلْبَسُون جِباباً سَابِغَاتٍ من قَطِرَانٍ لازِقَةً بجلودِهم .
فَأَمَّا الذِين عَلَى صُورَةِ الْقِرَدَةِ فالقَتَّاتُ من النَّاسِ ... ( الحديثَ ،
إلى أن قال :) والذِين يَلْبَسُون الجِبابَ فأَهلُ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْفَخْرِ ) .
موضوع .
أورده السيوطي في "الدر المنثور" (6/307) ساكتاً عليه - كعادته
غالباً - من رواية ابن مردويه عن البراء بن عازب : أن معاذ بن جبل قال : يا رسول
الله ! ما قول الله :{ يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً } ؟ فقال : ... فذكره بطوله .
وعزاه الحافظ الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" (ص 692 - الصورة) من
طريقين عن محمد بنزهير عن محمد بن المهتدي عن حنظلة السدوسي عن
البراء بن عازب .
ومن روايتهما ذكره الحافظ ابن حجر في "تخريج الكشاف" أيضاً (4/181/
267) تبعاً للزيلعي ، ووقع في "تخريج ابن حجر" بعض الأخطاء المطبعية صححتها
من "تخريج الزيلعي" ، وسكتا عن إسناده وهو إسناد واهٍ :
حنظلة السدوسي : ضعيف ، لاختلاطه وروايته الأعاجيب والمناكير . وهو
مترجم في "التهذيب" .
ومن دونه لم أجد من ترجمهما ، إلا أن الحافظ أورده في ترجمة محمد بن
زهير من "اللسان" الذي قال فيه - تبعاً لأصله "الميزان" - :
"تابعي أرسل حديثاً ، عنه وهيب بن الورد ، مجهول " . زاد الحافظ فقال :
"وأظنه الذي روى الحديث الظاهر الوضع في البعث المذكور عند الثعلبي في

(13/995)


تفسير {عم يتساءلون} ، رواه عن محمد بن المفيد (!) عن حنظلة السدوسي عن
أبيه (!) عن البراء".
فأقول : إني أستبعد جداً [أن يكون] محمد بن زهير الراوي لهذا الحديث هو
ذاك التابعي المجهول ،كيف وبينه وبين البراء تابعي ، وتابع تابعي ؟! والله سبحانه
وتعالى أعلم .
وأما أن الحديث موضوع فهو كما قال رحمه الله ، فإن لوائح الوضع والصنع
والتكلف ظاهرة عليه ، فأتعجب من ابن الجوزي كيف لم يورده في "الموضوعات" ،
بل ولا في "العلل المتناهية" ؟! والسيوطي مع تساهله المعروف قد أورده في "ذيل
الأحاديث الموضوعة" (ص 162 - 164) ، لكن من رواية ابن عساكر بسنده عن
أبي بكر الحداد : حدثنا محمد بن عيسى الرازي - بالعقيق - : حدثني أبو أحمد
عبد الله بن محمد : حدثني هشام بن عمار : حدثنا الوليد بن مسلم عن ثور بن
يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال :
كنت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منزل أبي أيوب الأنصاري ، قال : فتلا هذه الآية :
{يوم ينفخ في الصور فتأتون افواجاً} ، فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد تغرغرت - يعني :
عينيه ، فقلت : يا رسول الله ! ما تفسير هذه الآية ... فذكر الحديث مطولاً جداً
أضعاف حديث الترجمة ، وفيه زيادات منكرة جداً ، هي في الوضع أوضح ، فقد
ذكر بعض الفرق الضالة والصفات التي يحشرون فيها ، كالقدرية : الذين يزعمون
أن الله قدر بعض الأشياء ولم يقدِّر بعضها ، وإن المعاصي ليست مخلوقة . والمرجئة:
يزعمون أن الإيمان قول لا يضر مع الإيمان المعاصي .
والحرورية : الذين استحلوا دماء أمتي ، وتبرؤوا من أصحابي . ثم ذكر الرافضة
والزنادقة وأوصافهم . وقال السيوطي:

(13/996)


"قال ابن عساكر : هذا حديث منكر ، وفي إسناده غير واحد من المجهولين".
قلت : وتعقبه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/390) بقوله :
"قلت : هذا لا يقتضي أن يكون موضوعاً ".
قلت : وهذا تعقب هزيل ، لأنه نظر إلى السند فقط دون المتن ، وهذه هي نظرة
من لم يتمكن في هذا العلم ، وإذا لم يكن هذا الحديث موضوعاً مع كثرة البلايا
التي فيه ، فليس في الدنيا حديث موضوع مع ضعف إسناده ، وهذا خلاف ما
عليه علماء الحديث أصولاً وتفريعاً ، وها هو المثال بين يديك ، فقد حكم أمير
المؤمنين في زمانه حقاً وفيما بعد الحافظُ العسقلاني على الحديث بالوضع ، مع
سلامة إسناده من كذاب أو وضَّاع معروف بالوضع ، وتبعه على ذلك السيوطي - مع
تساهله ، كما تقدم - ، وما أكثر الأحاديث الموضوعة في كتاب ابن الجوزي
"الموضوعات" ، والتي لم يخالف فيها ، وهي سالمة من كذاب أو ضاع ، ونحو ذلك
كثير من الأحاديث التي يحكم عليها العقيلي وابن عدي والذهبي ببطلانها متناً
لا إسناداً ، وفي هذه "السلسلة" نماذج كثيرة ، فليراجعها من شاء .
وقول ابن عراق المتقدم إنما يقال في متن ليس فيه مخالفة للشرع أو العقل
المنشرع ، فاعلم ذلك ، فإنه مهم جداً ،والناس في هذا على طرفي نقيض . والله
ولي التوفيق .

6445 - ( مَرْحَباً بِكُمْ ، حَيَّاكُمُ اللَّهُ ، جَمَعَكُمُ اللَّهُ ، نَصَرَكُمُ اللَّهُ ،
رَفْعَكُمُ اللَّهُ ، نَفَعَكُمُ اللَّهُ ، وَفَّقَكُمُ اللَّهُ ، قَبِلَكُمُ [ اللَّهُ ] ، هَدَاكُمُ اللَّهُ ، سَلَّمَكُمُ
اللَّهُ ، أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَأُوصِي اللَّهَ بِكُمْ (!) أَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ
فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ ... (إلى أن قال) :
قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَتَى أَجَلُكَ ؟ قَالَ : " قَدْ دَنَا الْأَجَلُ ...

(13/997)


قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَنْ يُغَسِّلُكَ ؟ قَالَ : رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي ؛ الْأَدْنَى
فَالْأَدْنَى ، ... وَأَقْرِئُوا أَنْفُسَكُمُ السَّلَامَ كَثِيراً ، وَمَنْ كَانَ غَائِباً مِنْ
أَصْحَابِي ، فَأَقْرِئُوهُ مِنِّي السَّلَامَ كَثِيراً ، أَلَا وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ
سَلَّمْتُ عَلَى كُلِّ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ تَابَعَنِي عَلَى
دِينِي مِنَ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ...
قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَمَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ ؟ - وَبَكَيْنَا - . فَقَالَ :
مَهْلاً غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ وَجَزَاكُمُ اللَّهُ عَنْ نَبِيِّكُمْ خَيْراً ، إِذَا غَسَّلْتُمُونِي
وَكَفَّنْتُمُونِي فَضَعُونِي ، عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي ، ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّي سَاعَةً ، فَإِنَّ
أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ خَلِيلِي وَحَبِيبِي جِبْرِيلُ ، ثُمَّ مِيكَائِيلُ ، ثُمَّ
إِسْرَافِيلُ ، ثُمَّ مَلَكُ الْمَوْتِ مَعَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرَةٍ ، ثُمَّ ادْخُلُوا عَلَيَّ فَصَلُّوا
عَلَيَّ وَسلِّمُوا تَسْلِيماً ...
قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَمَنْ يَدْخُلُ قَبْرَكَ ؟ قَالَ : رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي مَعَ
مَلَائِكَةٍ كَثِيرَةٍ ، يَرُونَكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ) .
موضوع .
ليس عليه بهاء كلام النبوة والرسالة ، بل إن يد الصنع والوضع
عليه ظاهرة . أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (4/168 - 169) ، والحاكم (3/60) ،
ومن طريقه البيهقي في "دلائل النبوة" (7/231 - 232) من طريقين عن سَلَّام بْن
سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْحَسَنِ الْعَرنيِّ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ طَلِيقٍ
عَنْ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ :
اجْتَمَعْنَا فِي بَيْتِ أُمِّنَا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ ، فَتَشَدَّدَ ، فَنَعَى إِلَيْنَا نَفْسَهُ حِينَ دَنَا الْفِرَاقُ ، فَقَالَ : ... فذكره بطوله .

(13/998)


وقدحذفت بعض فقراته كما أشرت بذلك إلى ذلك ، واكتفيت بذكر ما
يدل على نكارته ووضعه ، والسياق لأبي نعيم وقال:
"حديث غريب من حديث مرة عن عبدالله ، لم يروه متصل الإسناد إلا
عبدالملك بن عبدالرحمن - وهو : ابن الأصبهاني - ".
قلت : وعبدالملك هذا : أورده أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/130 - 131)
وقال :
"يروي عن خلاد الصفار ، وعن أبيه حديث ابن مسعود في وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
حدث عنه عمرو بن محمد العنقزي ،وأبو نعيم ، وعبدالعزيز بن أبان ".
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، والظاهر أنه مجهول الحال . وهوقول الحاكم
- كما يأتي - ، خلافاً للذهبي وغيره ، فقال الحاكم عقبه :
"عبدالملك بن عبدالرحمن الذي في هذا الإسناد مجهول ، ولا نعرفه بعدالة
ولا جرح ، والباقون ثقات"!
كذا قال ! وتعقبه الذهبي بقوله :
"قلت : بل كذبه الفلاس ، قال : والباقون ثقات . قلت : وهذا شأن الموضوع ،
يكون كل رواته ثقات سوى واحد ، فلو استحيى الحاكم ، لما أورد مثل هذا ".
قلت : ليس الأمر بهذا الإطلاق ، فقد يكون في إسناد الموضوع ، أكثر من راوٍ
غير ثقة - كما هو معروف عند أهل العلم - ، ومن الطريف أن هذا الحديث من هذا
القبيل ، فإن سلَّام بن سُليم - وهو : المدائني الطويل - : متروك - كما قال الذهبي
والعسقلاني وغيرهما - . وقد قال البيهقي عقبه :
"وتفرد به سلام الطويل".

(13/999)


لكن يعكر عليه قول أحمد بن منيع في "مسنده" : سمعت سلمة بن صالح
يحث عن عبدالملك بن عبدالرحمن ... به .
ذكره الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" المسندة (ق 514/1) وقال:
"في هذا تعقب على الترمذي (!) حيث قال : إن سلاماً الطويل تفرّد به ".
وأنا أظن أن قوله : "الترمذي" ... سبق قلم منه أو خطأ من الناسخ ، وأن
الصواب : "البيهقي" ، كما تقدم ، فإن الترمذي لم يخرج الحديث .
وقد سكت عنه الحافظ في "المطالب العالية" المجردة عن الأسانيد (4/261) ،
وليس بجيد منه ! فإن سلمة بن صالح - وهو الأحمر - قد ترجم له في "اللسان"
ترجمة سيئة ، من ذلك قول أبي داود :
"متروك الحديث " . وتبناه الذهبي في "المغني" ، فلم يذكر غيره . وقول أبي حاتم :
"واهي الحديث ، لا يكتب حديثه ".
ويؤكد عدم التفرد الذي ذكره البيهقي أن الطبراني أخرجه في "المعجم
الأوسط" (2/382 - مجمع البحرين) ، أخرجه من طريق محمد بن عمرو العنقزي :
ثنا عبدالملك بن الأصبهاني عن خلاد الصفار عن الأشعث بنطليق ... به .
وقال :
"لم يُجوِّد إسناده إلا عمر العنقزي . ورواه المحاربي عن عبدالملك الأصبهاني
عن مُرَّة عن عبدالله ، فلم يذكر خلاداً ، ولا الأشعث ، ولا الحسن العرني ".
قلت : والمحاربي اسمه عبدالرحمن بن محمد ، وروايته أخرجها البزار في
"مسنده" (1/398) فقال : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي : ثنا عبدالرحمن
ابن محمد المحاربي عن ابن الأصبهاني : أنه أخبره عن مُرَّة ... به . وقال :

(13/1000)


وهذا روي عن مرة عن عبدالله من غير وجه ، والأسانيد عن مرة متقاربة ،
وعبدالرحمن لم يسمع هذا من مرة ، إنما أُخبِرَهُ عن مرة ".
قلت : كذا فيه : (عبدالرحمن) ... وليس هو عبدالرحمن المحاربي يقيناً ، فإن
بينه وبين (مرة) : (ابن الأصبهاني) ... فالظاهر أنه يعنيه ، فإنه (عبدالرحمن بن
عبدالله بن الأصبهاني) . ثم رأيته منسوباً هكذا : (عبدالرحمن بن الأصبهاني)
في نقل الحافظ لكلام البزار هذا عقب كلام الذي سبق نقله من كتابه "المطالب
العالية" ، فأظن أنه بيان وتفسير من الحافظ ، وليس من جملة كلام البزار ، أقول
هذا لمخالفته لقول الطبراني المتقدم :
"رواه المحاربي عن عبدالملك الأصبهاني ".
وهذا موافق للروايات السابقة المصرحة بأنه : (عبدالملك) ، ولتصريح أبي نعيم
بذلك في ترجمته - كما تقدم - .
وبالجملة ،فقول البزار : (عبدالرحمن) ، وهم من أوهامه ، أو خطأ من الناسخ ،
والله أعلم .
ثم إن عبدالرحمن المحاربي - مع كونه ثقة من رجال الشيخين ، فإنه - موصوف
بالتدليس ، وكلام الطبراني المشار إليه آنفاً من الأدلة على ذلك حيث أسقط الرواة
الثلاثة من إسناده !
وجملة القول في هذا الحديث ، أنه من حيث الإسناد ضعيف جداً ، لأن مدار
طرقه على عبدالملك بن عبدالله بن الأصبهاني ، وقد رماه الفلاس بالكذب ، كما
تقدم نقله عن الذهبي ، ونقله عنه الحافظ أيضاً تحت ترجمة عبدالملك بن
عبدالرحمن أبي العباس المعلم ، وزاد فيها :

(13/1001)


"وقال البخاري : منكر الحديث".
وقد ذكروا في اسم أبيه ثلاثة أقوال : (عبدالرحمن) ، و: (عبدالعزيز) ، و:
(عبدالله) ، فمن الغريب : أنهم لم يذكروا أنه : (ابن الأصبهاني) ، مع أن الذهبي
ذكر تكذيب الفلاس إياه فِي حَدِيثِه هذا - كما تقدم - ، وما نقلته عن الحافظ آنفاً
يقتضي أنه هذا . والله أعلم .
هذا من جهة الإسناد.
وأما من جهة المتن ، فهو ظاهر الوضع ، كما تقدم . والله ولي التوفيق الهادي
إلى أقوم طريق .
ثم تنبهت لعلة أخرى ، وهي : جهالة (الأشعث بن طليق) ، فقد أورده ابن
أبي حاتم من رواية خلاد عنه ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وفرق بينه وبين :
(أشعث بن طليق النهدي ) عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وعنه ابن عيينة ، وثقه ابن معين ، وابن
حبان (4/30) .
وخالف العسقلاني ، فجعلهما واحداً في "اللسان" ، وهو غير ظاهر ، لاختلاف
الطبقة . والله أعلم .
ثم وجدت للحديث طريقاً آخر ، ولكنه لا يساوي فلساً ، لأنه من رواية محمد
ابن عمر - وهو : الواقدي - : حدثني عبدالله بن جعفر عن ابن أبي عون عن ابن
مسعود .
أخرجه ابن سعد (2/256) .
والواقدي : متروك ، متهم بالكذب .
وابن أبي عون - اسمه : عبدالواحد المدني - : من اتباع التابعين ، فهو معضل .

(13/1002)


(تنبيه) : أورد السيوطي في "الجامع الصغير" قطعة من هذا الحديث الطويل
بلفظة : "اقرؤوا على من لقيتم من أمتي بعدي السلام الأول فالأول إلى يوم القيامة " ،
من رواية الشيرازي في "الألقاب" عن أبي سعيد . والصواب ابن مسعود - كما في
"الجامع الكبير" - .
وقد ساق الشيخ الغماري في "المداوي" (2/134) إسناد الشيرازي من الطريق
المتقدمة عن الحسن العرني ... به ، ثم تكلم على إسناده كلاماً جيداً فقال :
"إن هذا الحديث كذب موضوع مركب ، ما حدَّث به ابن مسعود، ولا وقع
شيء مما فيه أصلاً ، فإن رواية الشيرازي هذه مختصرة ، وأصل الخبر طويل في نحو
ورقة خرّجه بطوله البزار و ... وعلامة الوضع لائحة عليه لبرودته وركاكة ألفاظه ،
بحيث لا يخفى بطلانه على من مارس السنة ، واستطعم ألفاظها الشهية ".

6446 - ( نُهِينا - يعني : النساءَ - عن زيارةِ القبورِ ، ولم يُعْزَمْ علينا ) .
لا أصل له بلفظ : (الزيارة) .
وقد أورده هكذا ابن قدامة المقدسي في "المغني"
(2/430) وقال :
"رواه مسلم" !
وهذا خطأ محض ، وأفحش منه قول أبي الفرج المقدسي في "الشرح الكبير"
(2/426) :
"متفق عليه" .
فإن الحديث ليس له أصل عندهما ولا عند غيرهما من أصحاب "السنن"
وغيرهم باللفظ المذكور : "زيارة القبور: ، وإنما هو عندهم بلفظ :
" ... عن اتباع الجنائز ... " .

(13/1003)


وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 90 - المعارف) عن سبعة من دواوين
السنة منها : "الصحيحان" .
ولا أجد تأويلاً لمثل هذا العزو الفاحش ، والتحريف للحديث بما هو أفحش ، مما
يحسن جعله مثالاً جديداً للوضع - بدون قصد - ، إلا أحد أمرين :
الأول : الذهول والنسيان الذي هو من طبيعة الإنسان .
والآخر : أن يكونا استلزما من نهيهن عن اتباع الجنائز ، النهي عن الوصول
إلى المقابر وزيارتها . ومع أن هذا الاستلزام غير لازم ، فهو أبعد من الأول ، إذ لو
كان الأمر كذلك ، لذكرا الحديث بلفظه المعروف في كتب السنة ثم فسراه
بالزيارة .
وإنما قلت : "غير لازم" ، لأنه مخالف للأدلة الخاصة بالنساء الدالة على أن
الأمر الثابت في الأحاديث بزيارة القبور ، عام يشمل النساء - كما كان يشملهن
النهي عنها من قبل - ، وهي مجموعة في فصل قد ذكرها الفقيهان المقدسيان . كما
عقدت قبله فصلاً آخر في أن فضل اتباع الجنائز خاص بالرجال دون النساء ،
رقم (46) .
وبهذه المناسبة أقول : المشهور عند الحنابلة ، وبخاصة منهم إخواننا النجديين
كراهة زيارة النساء للقبور ، ويتشددون في ذلك ، حتى ليكاد جمهورهم لا يعرفون
في مذهبهم إلا الكراهة ! مع أن الفقيهين قد ذكرا عن الإمام رواية أخرى : أنه لا
تكره . واستدلا لها بعموم الحديث المذكور آنفاً ، وبزيارة عائشة - أفقه النساء
الصحابيات وكثير من الصحابة - لقبر أخيها عبدالرحمن بعد وفاة الرسول عليه
الصلاة والسلام . وقد رأيت احتجاج الإمام أحمد بهذا الأثر ورده على شبهة

(13/1004)


لبعض المخالفين ، فأحببت أن أنقله إلى القراء ، لعزته - حتى عند الحنابلة - وفائدته .
قال ابن عبدالبر في "التمهيد" (2/233) :
" واحتج من أباح زيارة القبور للنساء بما حدثناه عبد الله بن محمد ... (فساق
إسناده إلى أبي بكر الأثرم قال : حدثنا محمد بن المنهال ... فساق إسناده إلى
عائشة بالأثر المذكور ثم قال : )
قال أبو بكر : وسمعت ابا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يُسأل عن المرأة
تزور القبر ؟ فقال : أرجو - إن شاء الله - أن لا يكون به بأس ، عائشة زارت قبر أخيها .
قال : ولكن حديث ابن عباس : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن زوارات القبور . ثم :قال هذا أبو
صالح .. ماذا ؟ كأنه يضعفه . ثم قال : أرجو إن شاء الله ، عائشة زارت قبر أخيها .
قيل لأبي عبد الله : فالرجال ؟ قال : أما الرجال فلا بأس به ".
وحديث ابن عباس ذكر له ابن عبدالبر شاهداً من حديث أبي هريرة - كأنه
يشير إلى تقويته - ، وهو كذلك ، فإن له شاهداً آخر من حديث حسان ، وقد خرجت
ثلاثتها في "أحكام الجنائز" (235 - 237) و"الإرواء" (3/232 - 233) ، وأجاب
عنه ابن عبدالبر (2/232) على ما قبل الإباحة ، وحمله غيره من العلماء عن
المكثرات للزيارة ، فراجع له "الإحكام" .
وعلى هذا ، فليست المعالجة لما يقع من النساء من المخالفة للشرع عند الزيارة
بالتشدد المشار إليه ، فإن مثله يقع أيضاً من الرجال ، وإنما تكون بتذكيرهم بالغاية
من شرعية الزيارة ، وهي ترقيق القلب وتذكر بالآخرة ، والسلام على أهل القبور ،
فمن زار على الوجه المشروع ، فهو المتبع ، ومن خالف ، فهو المبتدع ، لا فرق في
ذلك بين الرجال والنساء .
فهذا هو الحق ما به خفاء ... فدعني عن بنيات الطريق

(13/1005)


6447 - ( يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ ! إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ هذا
الْبَقِيعِ ، فَانْطَلِقْ مَعِي . قَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْمَقَابِرِ ، لِيَهْنِئْ لَكُمْ مَا
أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ فِيهِ ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ،
يَتْبَعُ آخِرَهَا أَوَّلُهَا ، الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الْأُولَى .
يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ ! إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ، ثُمَّ
الْجَنَّةَ ، فَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ ، وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي وَالْجَنَّةِ قَالَ : فقُلْتُ : بِأَبِي أنت
وَأُمِّي ! فَخُذْ مَفَاتِيحَ خزائنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةَ . قَالَ :
لَا وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ ! لَقَدِ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي وَالْجَنَّةَ ) .
ضعيف .
أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" (4/320) ، ومن طريقه البخاري
في (كنى التاريخ) (73 - 74) ، والدارمي (1/36 - 37) ، والدولابي في "الكنى"
(1/57) ، والحاكم (3/55) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (7/162 - 163) ،
وأحمد (3/389) ، والبزار (1/408/863) - مختصراً - ، والطبراني في "المعجم
الكبير" (22/346 - 347) - بتمامه - ، كلهم من طريق ابن إسحاق قال : حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعَبْلِيُّ عن عُبَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ - مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
ابْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَقَالَ : ... فذكره ، وزاد :
ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ثُمَّ انْصَرَفَ . فَبدأ برَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعه الَّذِي قبَضَهُ
اللَّهُ فِيهِ . وقال الحاكم :
"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، إلا أنه عجب بهذا الإسناد ،فقد
حدثناه ... ".

(13/1006)


ثم ساق إسناده من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : حدثني
عبدالله بن ربيعة عن عبيد بن عبدالحكم عن عبدالله بن عمرو بن العاص ...
نحوه . وسكت عنه الذهبي ، وهو متعقب من وجوه :
الأول : أن تصحيحه إياه على شرط مسلم وهم ، لسببين :
أحدهما : أنه وقع عنده شيخ ابن إسحاق : (عبيدالله بن عمر بن حفص) ..
وهو العمري المصغر ، وهو وهم منه أو من أحد رواته ، لمخالفته لما في "السيرة" ،
ولكل المصادر المذكورة ، فإنه فيها - كما رأيت - ، (عبدالله بن عمر) ، أي : المكبر ،
وهذا ضعيف ، وذاك (الصغير) ثقة . وإن مما يؤكد الوهم عنده من طريق عمر بن
عبدالوهاب الرياحي ، وهي عند البيهقي أيضاً (7/163) لكن قال : (عبدالله بن
عمر) فوافق رواية الجماعة .
والآخر : أن عبيد بن جبير ، وقع عنده : (عبيد بن حنين ) وكذلك وقع في
بعض المصادر المذكورة كالبخاري وغيره ، فتوهم الحاكم أنه : (عبيد بن حنين المدني
أبو عبدالله ) .. وليس به ، فإن هذا مولى آل زيد بن الخطاب ، وهو ثقة من رجال
الشيخين ، - هذا الذي أظن - ، فإن كان غير ذلك ، فهو وهم أيضاً ، لأنه وثقه
وجعله من رجال مسلم ، وهو غير معروف البتة إلا في هذه الرواية ، وقد اضطربوا
فيها على وجوه سأذكر بعضها ، ومن ذلك اختلافهم في ضبط اسم والد (عبيد)
هذا ، فقيل : (جبير) - كما تقدم - ، وقيل (حنين) - كما ذكرت قريباً - ، وقيل :
(عبدالحكم) - كما مضى آنفاً في رواية يونس بن بكير - عند الحاكم ، وفي نقل
الحافظ عنه في "الإصابة" : (أبو الحكم) ، وقال :
"كذا فيه ، والصواب : (عبيد مولى أبي الحكم) - كما تقدم - " (1) .
__________
(1) قلت : ويؤيده رواية البيهقي (7/163) من طريق الرياحي المتقدم ، ففيها : (عبيد بن
جبير مولى الحكم بن أبي العاص) .

(13/1007)


وبعضهم أطلقه ولن بسم أباه ، وإنما نسبه لمولاه أبي الحكم . وكما أشار إلى ذلك
الحافظ من قريب ، وهي رواية الدارمي . وقد رجح الحافظ من هذه الأقوال القول
الأول ، وذكر أن من قال : (حنين) ، فهو تصحيف ، قال :
"وإنما هو : (عبيد بن جبير) .. بجيم وموحدة ، ونبَّه على ذلك ابن فتحون" .
قلت : فثبت يقيناً خطأ تصحيح الحاكم لهذا الحديث على شرط مسلم .
الوجه الثاني : إذا عرفت مما تقدم أن الراجح في : (عبيد) هذا أنه : (ابن
جبير) ، فما حاله في الرواية ؟
الجواب : أنه غير مشهور ، إلى درجة أن ابن أبي حاتم لم يذكره في كتابه
مطلقاً ، وقد ذكره البخاري (1/1/445) - وتبعه ابن حبان (5/135) - برواية يعليى
ابن عطاء عنه - أعني : عبيد بن جبير - عن أبي مويهبة . وهذا يوصلنا إلى التحدث
عن وجه آخر من وجوه التعقب لتصحيح الحاكم ، وهو:
الوجه الثالث : الاضطراب في إسناده ، فقد رواه الحاكم بن فضيل : ثنا يعلى
ابن عطاء عن عبيد بن جبير عن أبي مويهبة .
أخرجه أحمد (3/488) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (22/347 - 348) .
وهذا إسناد حسن إلى عبيد بن جبير ، خير من الإسناد السابق لضعف
عبدالله بن عمر العمري المكبر . وقد أشار إليه البخاري وابن حبان - كما نقلته عنه
آنفاً - ، وقد أسقط منه : (عبدالله بن عمرو بن العاص) .
ثم تنبهت لشيء كاد أن يفوتني ،وهو أن تحديدي لهوية عبدالله بن عمر - أنه
العمري المكبر - كان نتيجة تأثري برواية الحاكم التي وقع فيها مصغراً : (عبيدالله) ،
فتنبهت لكون : (عبدالله بن عمر) جاء في رواية الدارمي بزيادة في نسبه هكذا :

(13/1008)


(عبدالله بن عمر بن علي بن عدي) ، كما جاء في "المسند" و"المعجم" منسوباً
هكذا : (عبدالله بن عمر العَبَلي) ، فتيقنت أنه ليس : (عبدالله بن عمر العمري) .
أقول هذا بياناً للحقيقة وتراجعاً عن الخطأ ، وإلا ، فليس هو بخير من
(العمري) ، بل هو مجهول العين ، لا يعرف إلا برواية ابن إسحاق هذه - كما في
كتابي البخاري وابن أبي حاتم و "ثقات ابن حبان" (7/36) . وفي نسبه أقوال
أخرى تجدها في تعليق الشيخ المعلمي رحمه الله على هذه الترجمة في "الجرح
والتعديل " (2/2/108 - 109) .
وثمة نوع آخر من الاضطراب على ابن إسحاق :فقال محمد بن سلمة عنه
عن أبي مالك بن ثعلبة بن أبي مالك عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن عبدالله
ابن عمرو بن العاص ... به .
اخرجه الدولابي (1/58) ، وأبو نعيم في "الحلية" (2/27) .
ورجاله ثقات ، غير أبي مالك هذا : فلم يوثقه أحد حتى ولا ابن حبان ، وذكره
البخاري في "الكنى" وكذا ابن أبي حاتم ، من رواية ابن إسحاق فقط ، ولم يذكرا
فيه جرحاً ولا تعديلاً .
وابن إسحاق : مدلس وقد عنعن .
وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى ، ولكنها لا تساوي فلساً . فقال ابن سعد
(2/204) : أخبرنا محمد بن عمر : حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أبي مويهبة مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ...
فذكره .
قلت : وإسحاق هذا ضعيف ، ومحمد بن عمر - وهو : الواقدي - : متروك
متهم بالكذب .

(13/1009)


ومن تخاليط (الدكتور) البوطي قوله في كتابه "فقه السيرة" (ص 334 - دار
الفكر) في الحاشية :
"رواه ابن إسحاق وابن سعد وأحمد في مسنده ، وروى نحوه أبو داود والنسائي
وابن ماجه من حديث عائشة"!
أقول : ليس عند هؤلاء الثلاثة ولا حرف واحد من حديث عائشة ، بل هو
حديث تفرد به أبو مويهبة من بين الصحابة ، فعزوه لحديث عائشة خطأ فاضح
واضح من أخطاء الدتور الكثيرة ، التي كنا قد كشفنا عن كثير منها في نقدي
إياه (1) ، ولكنه يأبى ويستكبر ، ولا يرجع إلى الصواب !
وها هو الآن يكتفي بسوقه لحديث أبي مويهبة موهماً القراء صحته بعزوه
- أولاً - إياه في صلب الكتاب لابن إسحاق وابن سعد ! وأعاده في التعليق مضيفاً
إليه ذاك العزو الباطل !!
(تنبيه) : من تناقض الهيثمي في تخريج هذا الحديث أنه قال في "الجنائز"
(3/59) :
"رواه أحمد مطولاً ، ويأتي إن شاء الله في (الوفاة) في (علامات النبوة) ،
ولفظه عند البزار ... ".
فذكره ، وهومختصر - كما سبقت الإشارة إلى ذلك - ، وقال عقبه :
"وإسناد أحمد والبزار ضعيف " فأصاب . وفي (الوفاة) قال (9/24) :
"رواه أحمد والطبراني بإسنادين ، ورجال أحدهما ثقات".
__________
(1) وهو مطبوع بعنوان "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات الدكتور
البوطي في كتابه (فقه السيرة) ".

(13/1010)


وقد علمت : أن الإسناد عندهما واحد ، مداره على (عبيد) ، إلا أن الرواة
اختلفوا في اسم أبيه . ولكنه مجهول ، ولم يوثقه غير ابن حبان ، وهو شديد
الاعتماد والثقة بتوثيقه ، خلافاً للمحققين من الحفاظ كالذهبي وابن عبد الهادي
والعسقلاني وغيرهم .

6448 - ( إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مِنْهُ شَرّاً ، وَيَقُولُ النَّاسُ فيه
خَيْراً ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ : يا ملائكتي ! قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي عَلَى
عَبْدِي ، وَغَفَرْتُ لَهُ عِلْمِي فِيهِ ) .
موضوع .
أخرجه البزار في "مسنده" (1/409/865) ، والضياء المقدسي في
"المنتقى من مسموعاته بمرو" (ق 130/1) من طريق مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْقُشَيْرِيّ : ثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ... مرفوعاً
قلت : وهذا إسناد رجله ثقات ، غير القشيري هذا ، فهو آفته ، وبه أعله
الهيثمي فقال (3/5) :
"رواه البزار ، وفيه محمد بن عبدالرحمن القشيري ، وهومتروك الحديث ".
وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان" :
"وهو متهم ، ليس بثقة " . وقال في "المغني" :
"كذاب مشهور" .

6449 - ( أَمَّا بَعْدُ ، فَأَقِرُّوا بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ،
وَأَدُّوا الزَّكَاةَ ، وخُطُّوا الْمَسَاجِدَ ، كذا وكذا ، وَإِلَّا ، غَزَوْتُكُمْ ) .
ضعيف .
اخرجه البزار في "مسنده" (1/417 - 418) ، والطبراني في الأوسط"
(2/123/1/6992) عن مُوسَى بْن إِسْمَاعِيلَ : ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ زِيَادٍ أَبُو حَمْزَةَ

(13/1011)


الْحَبَطِيُّ : حَدَّثَنِي أَبُو شَدَّادٍ- رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ (دَمَا) [ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى عُمَانَ ] - قَالَ :
جَاءَنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فذكره) ، قَالَ أَبُوشَدَّادٍ : فَلَمْ نَجِدْ من يَقْرَأُ عَلَيْنَا
ذلك الْكِتَابَ ،حَتَّى أصبنا غُلَاماً يقرأ ، فَقَرَأَهُ عَلَيْنَا ، قال عبدالعزيز : فَقُلْتُ لِأَبِي
شَدَّادٍ : مَنْ كَانَ عَلَى (عُمَانَ) يَوْمَئِذٍ [ يَلِي أَمْرَهُمْ ؟] ، قَالَ : إسْوَارٌ مِنْ أَسَاوِرَةِ كِسْرَى ،
[ يُقَالُ لَهُ :( سَحَانُ ) ] (1) . وقال الطبراني - والزيادات له :
" لَا يُرْوَى عَنْ أَبِي شَدَّادٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، تَفَرَّدَ بِهِ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ " .
قلت : وهو ثقة من رجال الشيخين ، والعلة من شيخه ومن فوقه :
أولاً : عبدالعزيز بن زياد : لم يوثقه أحد ، حتى ولا ابن حبان ، فلم يورده في
"ثقاته" مع أنه على شرطه !
وقد أورده البخاري وابن أبي حاتم في "كتابيهما" برواية موسى هذا ، ولم يذكرا
فيه جرحاً ولا تعديلاً ، فهو مجهول .
ثانياً : أبو شداد : لا يعرف أيضاً إلا بهذه الرواية ، وبها أورده الشيخان المذكوران
دون ابن حبان .
ثالثاً : ذاك الغلام : فإنه لم يسم ، فهو مجهول العين .
وباجملة ، فالثلاثة - وبخاصة الأخير - لم تتوفر فيهم شروط من تقبل روايته ،
ولهذا قال الهيثمي (3/64) :
"رواه البزار ، وهو مرسل . وفيه من لا يعرف ".
قلت : فالعجب من الحافظ كيف قال في "مختصر الزوائد" (1/370) :
"إسناده حسن" ؟!
__________
(1) كذا الأصل بالاهمال ، ولعله : (سيحان) .

(13/1012)


وكنت أود أن أقول : لعله خطأ من الناسخ ، لولا أنني رأيته قد أورد أبا شداد
هذا في (القسم الثالث ) من "الإصابة" جازماً بأنه أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأنه عاش
مائة وعشرين سنة ! ولم يقدم على ذلك أي دليل إلا هذا الحديث ، ورواية أخرى
من قول أبي حمزة الحبطي أنه رآه بلغ السن المذكورة !
(تنبيه) : عرفت مما نقلته آنفاً عن الهيثمي أنه عزاه للبزار فقط ، ففاته أن يعزوه
للطبراني في "المعجم الأوسط" ، وكأن ذلك نتيجة كونه فاته أيضاً أن يورده في
كتابه "مجمع البحرين"! وعلى العكس من هذا وقع للسيوطي ، فإنه عزاه في
"الجامع الكبير" لـ "أوسط الطبراني" ، ولم يعزه للبزار !!

6450 - ( لا تُجْزِئُ [صدقةُ] الإبلِ والغنمِ (وفي لفظٍ : المواشي) عن
زكاةِ الفطرِ ) .
ضعيف جداً .
أخرجه البزار (1/431/909) ،وابن عدي (6/63) ، والطبراني
في "المعجم الأوسط" (3/31/1373 - مجمع البحرين) من طريق كثير بن عبدالله
ابن عمرو بن عوف المزني عن رُبَيح بن عبدالرحمن بن أبي سعيد عن أبيه :
أن رجالاً أتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا : إن لنا أموالاً من إبل وغنم ، فهل تجزئ عنا
زكاة أموالنا عن زكاة الفطر ؟ - أحسبه قال - : لا .
هذا لفظ البزار . ولفظ ابن عدي والطبراني نحوه باللفظ الآخر ، وزادا :
"أدّوها عن الصغير والكبير ، والحر والعبد ، فإنها طهور لكم " . وقالوا جميعاً :
"لم يروه عن رُبَيح إلا كثير" .
قلت : وهو ضعيف جداً - كما قال الحافظ في "مختصر الزوائد" (1/401) - .
وقول الهيثمي (3/81) بعد أن عزاه للبزار والطبراني :

(13/1013)


وفيه كثير بن عبدالله ، وهو ضعيف ".
ففيه تساهل - كما عرفت من قول الحافظ - ، وقال الذهبي في "المغني" :
"متروك . قال أبو داود : كذاب . وقال الشافعي : من أركان الكذب ، وكذبه
ابن حبان ".
لكن قوله : "أدّوها ... فإنها طهور لكم" . قد جاء بإسناد حسن من حديث
ابن عباس . وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1427) .

6451 - ( مَا أَنْطَاكَ اللَّهُ فَلا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئاً ، فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ
الْمُنْطِيَةُ ، وَإِنَّ الْيَدَ السُّفْلَى هِيَ الْمُنْطَاةُ ، وَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسْؤُولُ وَالْمُنْطِي ).
ضعيف .
أخرجه ابن سعد (7/430) ، والطبراني في "المعجم الكبير"
(17/166 - 167) - والسياق له - من طريق الْوَلِيد بن مُسْلِمٍ : حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ :
حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بن مُحَمَّدِ بن عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَطِيَّةَ بن سَعْدٍ قَالَ:
وَفَدْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ بني سَعْدٍ ، وَكُنْتُ أَصْغَرَهُمْ ، فَخَلَّفُونِي
فِي رِحَالِهِمْ ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَوْا حَوَائِجَهُمْ ، فَقَالَ:
" بَقِيَ أَحَدٌ ؟ " .
قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! غُلامٌ بَقِيَ فِي رِحَالِنَا ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَدْعُونِي ، فَأَتَيْتُهُ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره ، فَكَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ بِلُغَتِنَا.
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، لجهالة محمد بن عطية ، فإنه لا يعرف إلا برواية
ابنه عروة هذا ، وأما ابن حبان فوثقه (5/359) على قاعدته المعروفة . ووهم الحافظ
أو تساهل ، فقال فيه :
"صدوق" .

(13/1014)


وهذا الوصف ابنه أولى به ، لأنه روى عنه جمع من الثقات ، كما كنت قلته
تحت الحديث المتقدم في المجلد الثاني رقم (581) ، وكنت ذكرت هناك أنه مجهول
الحال ، ثم ترجح عندي في "تيسير الانتفاع" أنه وسط حسن الحديث لرواية
الجماعة عنه . والله أعلم .
وابن جابر - هو : عبدالرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي الشامي ، وهو - :ثقة
من رجال الشيخين ، وقد توبع على جزء منه ، فقال عبدالرزاق في "المصنف"
(11/108/20055) :عن معمر عن سماك بن الفضل عن عروة بن محمد به
مرفوعاً بلفظ :
"اليد المنطية خير من اليد السفلى" .
ومن طريق عبدالرزاق أخرجه أحمد (4/226) ، والبزار (1/433/916) ،
والطبراني في "الأوسط" (1/159/2/3143) و "الكبير" أيضاً (441) ، وقال :
"لم يروه عن سماك بن الفضل إلا معمر ".
قلت : وهما ثقتان ، وإنما العلة من محمد بن عطية - كما سبق - .
وأما قول الهيثمي - بعدما عزاه لأحمد ومن دونه - (3/96) :
"ورجال أحمد ثقات ".
فهو مردود بجهالة ابن عطية ، ولكنه كثير الاعتداد والاعتماد على توثيقات
ابن حبان ، كأنه لم يتنبه لقاعدته المرجوحة والمنتقدة من كبار الحفاظ كالذهبي
وابن عبدالهادي والعسقلاني .
ثم إن تخصيصه [رجال] الإمام أحمد بما سبق مما لا وجه له ، فرجال "الكبير"
كذلك ، لأنه أخرجه بإسنادين عن الوليد بن مسلم ! والمعروف عن الهيثمي أنه في
مثل هذه الحالة لا يعلل ، لأن أحدهما يقوي الآخر ، فكيف وأحدهما رجاله ثقات ؟!

(13/1015)


ثم إن اللفظ المختصر للشاهد من حديث ابن عمر عند الشيخين بلفظ : "اليد
المنفقة... " وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1454) من روايتهما وغيرهما
كأحمد ، وفي رواية له (2/98) :
" ... المعطية" .
وهكذا رواه جمع آخر من الصحابة ، وقد ذكر أحاديث بعضهم الحافظ في
"الفتح" (3/11) ، منها عن مالك بن نضلة ، وهومخرج في "صحيح أبي داود"
(1455) ، وإسناده صحيح .
ومنها طارق المحاربي ، وهومخرج في "الإرواء" (3/319) بسند جيد .
ومنها عن ثعلبة بن زهدم .
رواه ابن أبي شيبة (3/212) ، والبزار (1/434/917) من طريق سفيان عن
الأشعث بن سليم عن الأسود بن هلال عنه .
سكت عنه الحافظ ، وإسناده صحيح . وكنت خرجته في تخريج "المشكلة"
(31/44) من رواية أحمد من طريق الأشعث بن سليم عن أبيه عن رجل من بني
يربوع قال : ... فذكره مرفوعاً .
ثم رأيته في "مسند الطيالسي" (177/1257) من طريق شعبة عن أشعث
ابن أبي الشعثاء قال : سمعت الأسود بن هلال يحدث عن رجل من بني ثعلبة
ابن يربوع ... به .
ومن طريقه أخرجه البزار (918) لكن سقط من إسناده الرجل اليربوعي فصار
هكذا : (الأسود بن ثعلبة) !
وأشعث بن أبي الشعثاء : ثقة من رجال الشيخين ، وكذلك أبوه والأسود بن

(13/1016)


هلال ، ومن دونه أيضاً ، وهم سفيان وشعبة وأبو عوانة ، فالظاهر أن الأشعث له فيه
شيخان ، فتارة يرويه عن الأسود ، وتارة عن أبيه ، وتارة عن الأسود ، وتارة عن
ثعلبة بن زهدم ، وتارة عن رجل من بني يربوع وتارة عن رجل من بني ثعلبة بن
يربوع ، وهو هو . والله أعلم .

6452 - ( كَانَ يَتَسَحَّرُ ، فَجَاءَهُ بِلَالٌ فَقَالَ : الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ !
فَسَكَتَ فَلَمْ يرْجعْ شَيْئاً ، ( وفي رواية : فَثَبَتَ كما هو يأكلُ ، ثم أتاه
فقال : الصلاةَ ! [وهو ] على حالِه ) . فَرَجَعَ بِلَالٌ [الثالثة] فَقَالَ : الصَّلَاةَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَقَدْ [والله !] أَصْبَحْتَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
رَحِمَ اللَّهُ بِلَالاً ، لَوْلَا بِلَالٌ ، لَرَجَوْتُ أَنْ يُرَخَّصَ لَنَا إِلَى طُلُوعِ
الشَّمْسِ ) .
ضعيف .
أخرجه أبو داود في "المراسيل" (124/98) - والسياق له - ، وعبدالرزاق
في "المصنف" (4/231/7608) - والرواية الأخرى والزيادتان الأخيرتان له - عن
ثقتين عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَكِيمٍ يَعْنِي ابْنَ جَابِرٍ قَالَ : أُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ...
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، ورجاله ثقات ، إلا أنه مرسل منقطع ، حكيم بن
جابر تابعي لم يدرك القصة .
وقد وصلها بعض الضعفاء ، فقال سوار بن مصعب : عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ :
دَخَلَ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ ، فَدَعَا لَهُ بِرَأْسٍ وَجَعَلَ يَأْكُلُ مَعَهُ ،
فَجَاءَهُ بِلَالٌ فَدَعَاهُ إِلَى الصَّلَاةِ ، فَلَمْ يَجِبْ ، فَرَجَعَ ، فَمَكَثَ فِي الْمَسْجِدِ مَا شَاءَ اللَّهُ

(13/1017)


ثُمَّ رجع فَقَالَ : الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَدْ وَاللَّهِ ! أَصْبَحْتُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
يَرْحَمُ اللَّهُ بِلَالاً ... " إلخ . فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَوْلَا أَنَّ بِلَالاً حَلَفَ ، لَأَكَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَقُولَ لَهُ جِبْرِيلُ : ارْفَعْ يَدَكَ ".
أخرجه البزار في "مسنده" (2/192/573 - البحر الزخار ، 1/465/980 -
كشف الأستار) ، وقال :
" لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ إِلَّا سَوَّارُ ، وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ ".
وتعقبه الحافظ في "مختصر الزوائد" (1/416) فقال :
"بل هو متروك الحديث ".
وهو قول أبي حاتم وغيره . ومنه يتبين تقصير الهيثمي في قوله في (سوار) :
"ضعيف" ، ولا سيما وقد خالف الثقتين عن إسماعيل بن أبي خالد ، فجعل :
(قيس بن أبي حازم) .. مكان : (حكيم بن حابر) ، وأسنده عن علي ، والصواب
مرسل .
وكذلك أخطأ الحافظ في "الفتح" (4/135) حين قال :
"رواه عبدالرزاق بإسناد رجاله ثقات أن بلالاً ... " فلم يسنده إلى حكيم أو
على الأقل أن يقول : "مرسلاً " ، دفعاً لوهم من قد يتوهم أنه مسند ، وبخاصة أنه
أيّد به قول من قال : إن الأكل إلى الإسفار كان جائزاً ثم نسخ .
وأنا أرى أن الجواز إذا كان المقصود به ابتداء الأكل بعد طلوع الفجر الصادق ،
فليس عليه دليل صحيح صريح ، وأنه على افتراض ثبوته ، فآية :{من الفجر}
وحديث : "حتى يؤذن ابن أم مكتوم" ، يكفي في إثبات النسخ .
أما أن كان المقصود جواز الاستمرار في الأكل وقد ابتدأه قبل طلوع الفجر ،
فهو جائز لصريح قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(13/1018)


" إذا سمع أحدكم النداء و الإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته
منه " .وهو حديث صحيح ، مخرج في بعض كتبي منها "الصحيحة" (1394) ،
وكان يفتي به عروة بن الزبير . فراجع له من أجل الناحية الفقهية كتابي "تمام المنة"
(ص 417 - 418) .
فالحديث هذا ليس منسوخاً ، لأنه خاص في الصورة المذكورة ، فهو مبين للآية
والحديث المقرون معها . فتنبه !

6453 - ( لا يَتِمُّ شَهْرَانِ سِتِّينَ يَوْماً ) .
موضوع .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7/222/6783) ،وابن الجوزي
في "الموضوعات" (1/141) من طريق إِسْحَاق بن إِدْرِيسَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْعَلاءِ
عَنْ سَعِيدِ بن زَيْدِ بن عُقْبَةَ عَنْ أَبِيه عَنْ سَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ ... مرفوعاً . وقال ابن
الجوزي :
"قال الدارقطني: "تفرد به إسحاق بن إدريس بهذا الإسناد. قال يحيى: كان
إسحاق يضع الحديث . وقال النسائي: متروك الحديث ". وقال ابن حبان (1/135) :
"كان يسرق الحديث ، وكان ابن معين يرميه بالكذب " . ثم ساق له حديثاً
في النَّفَل ، وقال :
فأقلب متنه وإسناده جميعاً ".
قلت : ومن المحتمل أنه سرقه من ابن أبي شيبة ،فقد رواه عن سعيد بن زيد ... به.
أخرجه الطبراني أيضاً (6782) .
وأبو شيبة هذا - هو : إبراهيم بن عثمان العبْسي ، وهو - : متروك الحديث - كما
قال النسائي وغيره - ، وكذبه شعبة في قصة ، وهو الذي تفرد بحديث صلاة

(13/1019)


صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان عشرين ركعة والوتر . انظر رسالتي "صلاة التراويح" (ص 21
- 24) .
ثم قال ابن الجوزي :
"قلت : وما أظن من وضع هذا يريد إلا شين الشرع ، فإنه قد يتم شهران
وثلاثة ، وحاشى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخبر بما لا يكون ".
وللحديث شاهد ، ولكنه تالف ، يرويه يوسف بن خالد : ثنا جعفر بن سعد
ابن سمرة : ثنا خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن
جندب مرفوعاً ... به .
أخرجه البزار في "مسنده" (1/461 - 462) .
وهذا إسناد ضعيف جداً ، يوسف بن خالد - وهو: السمتي - : متهم بالكذب ،
ولهذا قال الحافظ في "مختصر الزوائد" (1/413) :
"يوسف تالف ،وقد رواه غيره بلفظ آخر ".
قلت : كأنه يشير إلى ما رواه مروان بن جعفر : ثنا محمد بن إبراهيم : ثنا
جعفر بن سعد به نحوه ولفظه :
"إن الشهر لا يكمل ثلاثين ليلة" . أخرجه الطبراني (7035) .
قلت : ومروان بن جعفر صدوق - كما قال أبو حاتم - . لكن من فوقه لا يحتج
بهم :
أولاً : محمد بن إبراهيم - وهو : ابن خُبَيب بن سليمان بن سمرة - : لا يعرف
إلا بهذا الراوي عنه ، ومع ذلك أورده ابن حبان في "الثقات" (9/58) على قاعدته ،
ولكنه قال فيه :

(13/1020)


"لا يعتبر بما انفرد به عنه مروان بن جعفر".
ثانياً : جعفر بن سعيد - وهو : ابن سمرة بن جندب - : ليس بالقوي .
ثالثاً : خبيب بن سليمان - وهو : ابن سمرة بن جندب ، وهو - : مجهول أيضاً .
ومن عجائب السيوطي أنه تعقب في "اللآلي" (1/84) ابن الجوزي بالشاهد
التالف باعترافه ، وبالطريق الأخرى ذات العلل الثلاث ، مع أن لفظها مخالف
للحديث المشهود له ، ولو أنهم تأولوه ، مع أن التأويل فرع التصحيح ، فأين هو ؟!
وبشاهد آخر عزاه لأبي الشيخ في "العظمة" . والطبراني أيضاً ولأبي نعيم في
"المعرفة" ، ثلاثتهم من طريق سويد بن عبدالعزيز عن أبي عبدالله البحراني (!)
عن القاسم أبي عبدالرحمن عن عبدالرحمن بن أبي عميرة المزني ... مرفوعاً في
حديث له بلفظ الترجمة ، وسكت عنه فما أحسن ، لأن سويداً هذا متفق على
تضعيفه ، بل قال الإمام أحمد :
"متروك الحديث " . وقال البخاري :
"فيه نظر لا يحتمل " . واعتمده الذهبي في "الكاشف" .
والحديث أخرجه أبو نعيم في ترجمة عبدالرحمن بن أبي عميرة المزني من
طريق عبدالله بن محمد - وهو : أبو الشيخ - وهذا من طريق أحمد بن عمرو [ابن]
الضحاك - وهو : ابن أبي عاصم الشيباني - وهذا أخرجه في "الآحاد والمثاني"
(2/359/1130) قال : حدثنا محمد بن مصفى : نا سُويد بن عبدالعزيز ... به .
ورجاله ثقات غير سُويد - كما تقدم - ، وفي ابن أبي عميرة كلام في صحبته ،
فنفاها ابن عبدالبر ، وأثبتها الحافظ في "الإصابة" بمجموع طرق ، مضعفاً لخصُوص
هذا الطريق . والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق .

(13/1021)


(تنبيهان) :
الأول : عزا الحافظ في "الفتح" (4/126) طريق زيد بن عقبة المتقدمة في
صدر هذا البحث للبزار والدارقطني في "الأفراد" والطبراني . فوهم في عزوه للبزار ،
لأنه لم يروه من هذا الوجه ، وإنما من الطريق الأخرى ذات الثلاث علل .
والآخر : (أبو عبدالله البجراني) : هكذا وقع في "الإصابة" ، واللآلي" :
(البجراني) .. وهذا محرف ، والصواب : (النجراني) - كما في "الآحاد" و "المعرفة"
و "الجرح" و "الأنساب" - وقال فيه ابن أبي حاتم عن أبيه :
"صالح الحديث ، لا بأس به ".

6454 - ( لَيْلَةَ الْقَدْرِ ... هِيَ لَيْلَةُ مَطَرٍ وَرِيحٍ [ ورَعْدٍ ] ) .
منكر .
أخرجه عبدالله بن أحمد في "زوائد المسند" (5/98) ، والبزار (1/485/
1031) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2/257/1962) هذا من طريق خلاد بن
يزيد - والزيادة له - وهما من طريق عَبْد الرَّحْمَنِ بْن شَرِيكٍ - كلاهما عن شريك
عَنْ سِمَاكٍ بن حرب عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مرفوعاً بلفظ :
"الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فِي وَتْرٍ ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُهَا
فَنُسِّيتُهَا ، وهِيَ لَيْلَةُ ... " إلخ .
قلت وهذا إسناد ضعيف ، شريك - هو : ابن عبدالله القاضي ، وهو - : ضعيف
لسوء حفظه ، وكذلك ابنه عبدالرحمن . وخلاد بن يزيد ، لم يوثقه غير ابن حبان
وقال :
"ربما أخطأ" .
وقد خولفا : فقال الطيالسي في "مسنده" ( 106/778) : حدثنا شريك ...
به إلى قوله : "الأواخر".

(13/1022)


ومن طريق الطيالسي أحمد في "المسند" (5/86 و88) والبزار أيضاً (1032) .
ولذلك فرَّق الهيثمي بين رواية أحمد هذه المختصرة ، وبين رواية ابنه عبدالله
ومن قرن معه ، فقال عقب الرواية المختصرة:
"رواه أحمد ، وزاد ابنه : "من رمضان ..." رواه البزار والطبراني في "الكبير"
وزاد : "ورعد" ، ورجال أحمد رجال الصحيح "!
وفي قوله هذا الأخير نظر ، لأن شريكاً مع ضعفه لم يحتج به الشيخان ، أما
البخاري فروى له تعليقاً ، وأما مسلم فروى له متابعة - كما قال الذهبي في
"الكاشف" - .
وقد خولف هو أيضاً : فرواه جمع منهم شعبة عن سماك ... به مختصراً ، دون
الزيادة .
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/76) ، والطبراني (1906 و 1941
و 2027) .
قلت : فهاتان مخالفتان : مخالفة الطيالسي للراويين عن شريك ، ومخالفة
شعبة وغيره لشريك تمنعان من قبول الزيادة ، وتجعلانها منكرة أو شاذة .
بل هي منكرة من جهة أخرى ، وهي مخالفة الزيادة لما جاء فِي حَدِيثِ جابر
وابن عباس عند ابن خزيمة ، ولحديث عبادة عند أحمد : أنها ليلة طلقة بلجة ، لا
حارة ولا باردة . وفي حديث آخر عن واثلة : "ولا مطر ولا ريح" . لكن فيه زيادات
أخرى خرجته من أجلها فيما تقدم برقم (4404) . وخرجت تحته أحاديث
الصحابة الثلاثة شاهداً لبعضه .
وأما ما قبل هذه الزيادة من الحديث فهو صحيح ، لأن له شاهداً من حديث

(13/1023)


عبدالله بن مسعود بسند صحيح خرجته في "الصحيحة" (1112) ، ويصلح شاهداً
له الطرف الأول من حديث جابر بن سمرة هذا . فتنبه !

6455 - ( إِذَا حَمَلْتُمْ ، فَأَخِّرُوا الحِمْلَ ، فَإِنَّ الرِّجْلُ مُوثَقَةٌ ، وَالْيَدَ
مُعَلَّقَةٌ ).
ضعيف .
أخرجه البزار في "مسنده" (2/72/1081) ،والطبراني في "الأوسط"
(3/199 - 200 - مجمع البحرين) ، والبيهقي في "السنن" (6/122) ، والخطيب في
"التاريخ" (13/45) ، وكذا ابن الأعرابي في "المعجم" (ق 198/2) ، وابن مخلد في
"المنتقى من أحاديثه" (2/91/1) من طريق قَيْس بْن الرَّبِيعِ عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ عَنِ
الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ... مرفوعاً به . وقال البزار والطبراني :
"لم يروه عن الزهري إلا بكر ".
قلت : وهو صدوق ، لكن قيس ليِّن - كما قال الحافظ في "مختصر الزوائد"
(1/443) - . وقال البيهقي :
"وَصَلَهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ وَائِلٍ
أَوْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ - هَكَذَا بِالشَّكِّ - عَنِ الزُّهْرِىِّ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« أَخِّرُوا الأَحْمَالَ فَإِنَّ الأَيْدِى مُعَلَّقَةٌ ،وَالأَرْجُلُ مُوثَقَةٌ » ".
قلت : هذا أسنده أبو داود في "المراسيل" (229/294) : حدثنا أحمد بن
عبدة :حدثنا سفيان ... به عن الزهري ،مرسلاً أو معضلاً . ومن غرائب المعلق
عليه قوله:
"رجاله ثقات رجال الصحيح ".
فلم يعله بالإرسال على الأقل ، فأوهم القراء أنه صحيح !

(13/1024)


6456 - ( من رمى الجَمْرَةَ بسبْعِ حَصَيلتٍ الجمرةَ التي عند العَقَبة ،
ثم انصرفَ فَنَحَرَ هَدْيَاً ، ثم حَلَقَ ، فقد حلَّ له ما حَرُمَ عليه مِنْ شَأْنِ
الحجِّ ) .
منكر .
أخرجه البزار في "مسنده" (2/30/1132) من طريق فليح بن سليمان
عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات ، إلا أن فليحاً سيئ الحفظ كثير الخطأ
- كما في "التقريب" - ، فقول الهيثمي في "المجمع" (3/261) :
"رواه البزار ورجاله ثقات رجال الصحيح ".
فهذا غير صحيح لما علمت ، ولذلك تعقبه الحافظ في "مختصر الزوائد" بقوله
(1/459) :
"قلت : فليح لا يحتج بما تفرد به ، وقد سقط من هذا الحديث قزوله في آخره
"إلا النساء" ، ثبت فِي حَدِيثِ صحيح ".
وأيضاً ، فشيخ البزار : (سليمان بن خلاد المؤدب) ليس من رجال "الصحيح" ،
وهو صدوق - كما قال أبو حاتم - .
والحديث الصحيح الذي أشار إليه الحافظ هو - فيما أظن - حديث ابن عباس
مرفوعاً :
"إذا رميتم الجمرة ، فقد حل لكم كل شيء إلا النساء".
وهو مخرج في "الصحيحة" (239) . وله شاهد من حديث عائشة من قوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعله ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1727) ، وفيه الحجاج بن أرطأة ،
وقد اضطرب في متنه ، فرواه تارة هكذا مثل حديث ابن عباس ، وتارة زاد فيه

(13/1025)


الذبح والحلق - كما فِي حَدِيثِ الترجمة - ، ولذلك خرجته فيما سبق من هذه
"السلسلة (1013) .
فالحديث مع ضعف فليح منكر من جهة زيادته الذبح والحلق ، وعدم استثنائه
النساء . فتأمل .
وروى البيهقي في "المعرفة" (4/132/3072) من طريق الإمام الشافعي :
أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله قال : قال عمر بن
الخطاب :
إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم ما حرم عليكم إلا النساء والطيب .
قال سالم : قالت عائشة :
أنا طيبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحله وإحرامه .
قال سالم : وسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحق أن تتبع .
قال الشافعي : وهكذا ينبغي أن يكون الصالحون وأهل العلم .

6457 - (مَا أَسَأْتُمُ الرَّدَّ إِذْ أَفْصَحْتُمْ بِالصِّدْقِ ، إِنَّهُ لَا يَقُومُ بِدِينِ اللَّهِ
إِلَّا مَنْ حَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ ) .
ضعيف .
أخرجه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص 237) من طريق
مُحَمَّد بْن
زَكَرِيَّا الْغَلَابِيّ قَالَ : ثنا شُعَيْبُ بْنُ وَاقِدٍ الصَّفَّارُ قَالَ : ثنا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ .

ومن طريق عَبْد الْجَبَّارِ بْنُ كَثِيرٍ التَّمِيمِيّ الرَّقِّيّ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ :
ثنا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ ( قلت : كلاهما قالا :)

(13/1026)


عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ : ثنا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، خَرَجَ وَأَنَا
مَعَهُ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى مِنىً ، حَتَّى دَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْعَرَبِ ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ
فَسَلَّمَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُقَدَّماً فِي كُلِّ حِينٍ ، وكَانَ رَجُلاً نَسَّابَةً ، فَقَالَ : مِمَّنِ
الْقَوْمُ ؟! ... الحديث بطوله في عدة صفحات ، وفيه أنهم لقوا قوماً من بني شيبان ،
وأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعاهم إلى الإسلام ، وإلى نصرته ، وأنهم استحسنوا دعوته ،
واعتذروا عن المبادرة إلى الاستجابة ، لسبب ذكروه ... ، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره .
قلت : والطريق الأولى فيها ثلاث علل :
الأولى : محمد بن زكريا الغلابي ، كان يضع الحديث ، ولكنه لم يتفرد به
- كما يأتي - .
الثانية : شعيب بن واقد الصفار ، واهٍ جداً ، ضرب الفلاس على حديثه .
ولكنه قد توبع .
الثالثة : أبان بن عثمان ، وهو الأحمر ، قال الذهبي في "الميزان" :
"تُكلم فيه ولم يترك بالكلية ، وأما العقيلي فاتهمه ".
وتعقبه الحافظ في "اللسان" بقوله :
" ولم أر في كلام العقيلي ذلك ، وإنما ترجم له ، وساق من طريق احمد بن
محمد بن أبي نصر السكوني عنه ... (قلت : فذكر طرف الحديث الأول) قال
العقيلي : ليس له أصل ، ولا يروى من وجه يثبت ، وقال الأزدي : لا يصح حديثه " .
ومن طريق ابن أبي نصر هذا أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (2/427) ،
وابن عساكر في "التاريخ" (6/95) .

(13/1027)


وأما الطريق الأخرى ، فأخرجها البيهقي أيضاً (2/422) ، وابنعساكر من طريقه
(6/93 - 95) ، كلنه قال : "محمد بن بشر اليماني " فزاد هذه النسبة : اليماني.
ولم أعرف محمد بن بشر اليماني ، وقد ذكروا في ترجمة (أبان بن عبدالله
البجلي) أنه روى عنه محمد بن بشر العبدي ، وهذا كوفي ، فهل هو هذا العبدي
فيكون (اليماني) محرفاً ، أو غيره ؟ والله أعلم .
ولهذه الطريق علتان :
إحداهما : عبدالجبار بن كثير التميمي الرقي لم يوثقه أحد ، ذكره ابن أبي
حاتم بطرف هذا الحديث ، وقال :
"روى عنه أبي ، وقال : شيخ" . وفي "اللسان" :
"عبد الجبار بن محمد بن كثير ... الرقي التميمي الحنظلي روى عن أبيه
ومحمد ابن بشر ، وعبد الرزاق . وعنه محمد بن سليمان بن فارس وغيره . قال أبو
عبد الله ابن مندة : يكنى أبا إسحاق : صاحب غرائب ".
قلت : فهو هذا ، فيكون (كثير) جده .
والأخرى : أبان بن عبدالله البجلي مختلف فيه ، وقد وثقه جمع . وقال
النسائي :
"ليس بالقوي " . وقال ابن حبان (1/99) :
"كان ممن فحش خطؤه ، وانفرد بالمناكير" . وقال الحافظ :
"صدوق فيه لين " .
قلت : فلم تطمئن النفس لحديثه هذا لطوله جداً ، مما يلقي في النفس أنه
حديث مصنوع ملفق ، ولذلك قال الحافظ ابن كثير - وقد ساقه بطوله في ثلاث

(13/1028)


صفحات كبار من تاريخ "البداية" (3/142 - 144) بسياق أبي نعيم - ، وقال
"هذا حديث غريب جداً كتبناه ، لما فيه من دلائل النبوة ، ومحاسن الأخلاق ،
ومكارم الشيم ، وفصاحة العرب ".
قلت : فإن لم تكن العل منه ، فهي من الراوي عنه عبدالجبار ، فإنه لم يوثقه
- كما تقدم - . وهذا أقرب إن شاء الله .
يضاف إلى ذلك : أنه لم يرد من طريق أخرى معتبرة ، ولذلك جزم العقيلي بأنه :
"ليس له أصل ، ولا يروى من وجه يثبت " - كما تقدم - . والله سبحانه وتعالى
أعلم .
(تنبيه) : لقد كان من أسباب تخريج حديث الترجمة ، أنني رأيت أحد
إخواننا الدعاة حفظه الله قد أورده في رسالة له ( ص 74) جازماً بنسبته إلى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مقتصراً في الحاشية على عزوه إلى أبي نعيم وحده ! وهذا مما لا يسوغ عند
العلماء - الجزم المذكور - ، وحتى لو كان الراوي الإمام أحمد أو غيره من أصحاب
"السنن" ، لأنهم لم يلتزموا الصحة ، فكيف والراوي له أبو نعيم المعروف بكثرة
روايته للمنكرات والواهيات ؟! وهذا مما لا يخفى على مثله إن شاء الله .

6458 - ( فُتِحَتِ الْبِلَادُ بِالسَّيْفِ ، وَفُتِحَتِ الْمَدِينَةُ بِالْقُرْآنِ ) .
منكر .
أخرجه البزار في "مسنده" (2/49/1180) ، والعقيلي في "الضعفاء"
(4/58) ، والبيهقي في "الشعب" (2/145/1407) ، وابن عدي في "الكامل"
(6/141) من طريق أبي يعلى ، وكذا ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/216 -
217) من طريق مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ : ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ مرفوعاً . وقال البزار :

(13/1029)


تفرد به ابن زَبالة ، وقد تكلم فيه بسبب هذا وغيره ".
وقال ابن عدي والعقيلي :
"قال ابن معين : ليس بثقة ، كان يسرق الحديث ، وكان كذاباً ".
وقال العقيلي عقبه :
"لا يتابع إلا من مثله أودونه ".
وفيه إشارة إلى أنه لم يتفرد به ، خلافاً لقول البزار المذكور ، ولولا ذاك ، لقلنا
بوضعه ، لأنه كذاب - كما تقدم - ، ولكنه قد توبع - كما يأتي - . وقد قال مهنا كما
في "منتخب ابن قدامة" (10/199/2) :
" سألت أحمد ، قلت : حدثني أبو خيثمة: ثنا محمد بن الحسن المديني ... ؟
(قلت : فساق الحديث ) فقال: هذا منكر. قلت: لم تسمع هذا من حديث مالك ،
ولا من حديث هشام؟ قال: لا.
وسألت يحيى بن معين عنه؟ فقال: ليس بصحيح ، قد رأيت هذا الشيخ - يعني
محمد بن الحسن - وكان كذّاباً ، وكان رجلاً سخيّاً . قلت: يُروى عنه الحديث؟.
قال: لا ، هو كذاب. وقال : إنما كان هذا قول مالك ، ولم يكن يرويه عن أحد ".

هذا ، وقد ذكر السيوطي في "اللآلي" (2/127) بعض المتابعات محاولاً بذلك
تقوية الحديث ! وتبعه على ذلك ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/172) ، وتغاضيا
عن العلل الحقيقية فيها ، فرأيت أنه من تمام البحث والأمانة العلمية الكشف عنها .
أولاً : عن المقدام بن داود : حدثنا ذؤيب بن عمامة السهمي : حدثنا مالك ...
به . وقال الخطيب :
"لم أكتبه عن ذؤيب عن مالك إلا من هذا الوجه " .

(13/1030)


قلت : وذؤيب ، قال النسائي :
"ليس بثقة ".
وضعفه الدارقطني وغيره . وتجاهله السيوطي ، فأخذ يترجم لذؤيب ، وقد
ضعفه الدارقطني أيضاً ، ولكنه تجاهل هذا التضعيف ، ونقل عن أبي زرعة أنه قال :
"صدوق" . وعن ابن حبان أنه قال في "الثقات" :
"يعتبرحديثه من غير روايات شاذان عنه" ثم نقل الحافظ أنه قال في
"اللسان" (2/436) :
"هذا الحديث معروف بابن زبالة عن مالك ، وهو متروك [متهم] ، وكأن (ذؤيباً)
إنما سمعه منه فدلسه عن مالك ".
قلت : وقال الذهبي وقد ذكر هذا الحديث له :
"منكر ، مما تفرد به ذؤيب ".
ثانياً : عن بكر بن خالد بن حبيب البابسيري : حدثنا إسحاق بن إبراهيم
ابن حبيب بن الشهيد : حدثنا أبي عن مالك ... به ، وقال السيوطي :
"وإبراهيم بن حبيب من رجال النسائي ووثقوه . وهذا أصلح طرق الحديث .
واله أعلم ".
فأقول : وكذلك ابنه إسحاق ثقة ايضاً ، ولكن الراوي عنه بكر بن خالد
البابسيري لم يتعرض له السيوطي بذكر ، ولقد كنا بحاجة قصوى لمعرفة حاله ،
فإني لم أجد له ترجمة فيما لدي من المصادر ، ولم يورده السمعاني في نسبته
المذكورة (البابسيري) ، ولعل في ذلك ما يشعر بانه غير معروف . والله أعلم .

(13/1031)


(تنبيه) : ذكرت آنفاً أن ابن عدي وابن الجوزي رويا الحديث من طرق أبي
يعلى ، ولم يعزه إليه الهيثمي في "مجمع الزوائد" ،ولا أنا رأيته في "مسنده"
المطبوع ، فالظاهر أنه في "مسنده الكبير" الذي لم يطبع بعد ، ويؤيده أن الحافظ قد
أورده في "المطالب العالية" (1/369) ، لكنه جعله من حديث عروة رفعه ، لم
يسنده إلى عائشة ، وكذلك أورده في "المطالب المسندة" (ق 45/1) بإسناده إلى
عروة لم يجاوزه ، فلست أدري هل لأبي يعلى فيه روايتان : مرسلة ومسندة ، أو أن
الرواة عنه اختلفوا عليه ؟ ولعل هذا أقرب ، فقد قال الحافظ عقبه :
تفرد به محمد بن الحسن ، وكان ضعيفاً جداً ، وإنما هذا قول مالك ،فجعله
محمد بن الحسن مرفوعاً ، أبرز له إسناداً ، وقد رواه غير محمد بن الحسن ، فزاد
في الإسناد (عائشة) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ".
فهذا صريح منه أن عائشة لم تذكر في رواية أبي يعلى عنده . كما أنه يدل
على أنه لم يقف على رواية البزار ، ومن ذكرنا معه ، والتي زاد محمد بن الحسن
نفسه في الإسناد (عائشة) .
ثم إن اتهامه المتقدم لـ (ذؤيب) بأنه دلسه عن مالك ، وأسقط من بينهما ابن
زبالة ، فيه نظر عندي ، والأقرب عكسه تماماً ، لأن هذا - مع ضعفه - لم يرمه أحد
بالتدليس بخلاف ابن زبالة ، فقد وصفوه - كما تقدم - بأنه كان يسرق الحديث ،
فما المانع من القول : إنه سرقه من (ذؤيب) ، وادعى أنه سمعه من مالك وهو
كذاب ؟ كما قال أحمد وابن معين . والله أعلم .

6459 - ( نَهَى أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) .
منكر .
أخرجه الفاكهي في "أخبار مكة" (1/196/320) من طريق أحمد

(13/1032)


ابْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طُعْمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ : ... فذكره
مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، مرسل : مكحول هو الشامي يرسل كثيراً .
وسعيد بن عبدالعزيز ، هو التنوخي ثقة إمام ، لكنه اختلط في آخر أمره .
أحمد بن إبراهيم بن طعمة ؛ لم أجد له ترجمة .

6460 - ( من قرأ القرآن ؛ فهو غني ، لا فقر بعده ، والأمانة غنى ) .
ضعيف .
أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (1/32/5) من طريق أبي
معاوية عن الأعمش عن الرقاشي عن الحسن قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ...
فذكره .
قلت هذا إسناد مرسل واهٍ ، الحسن - هو : ابن أبي الحسن البصري - الإمام
الثقة المشهور ، ولكنه كثير الإرسال ، ومراسيله عند العلماء كالريح.
والرقاشي - هو : يزيد بن أبان - متفق على تضعيفه ، وقال الذهبي في
"الكاشف" والعسقلاني في "التقريب" :
"ضعيف" . وقال الذهبي في "المغني":
"متروك" .
ومن دونه ثقتان . وأبو معاوية - هو : محمد بن خازم الضرير - ، وقد خالفه
إسناداً ومتناً شريك بن عبدالله القاضي ، فقال : عن الأعمش عن يزيد بن أبان
عن أنس بلفظ :
" ... لا غنى بعده ، ولا فقر دونه ".

(13/1033)


أخرجه ابن عدي في "الكامل" (4/17) : أنا الحسن بن سفيان : ثنا محمد
ابن عباد : ثنا حاتم عن شريك ... به .
قلت : وشريك ضعيف ؛ لسوء حفظه ، ولا سيما مع المخالفة .
وبهذا الإسناد أورده ابن عبدالهادي في "هداية الإنسان" (ق 136/1 - بخطه
في المكتبة الظاهرية ) ؛ لكنه خالف في إسناده فقال :
"عن شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة "!
فلا أدري الوهم منه أم من غيره ؟

6461 - ( كَانَ إِذَا ضَحَّى ؛ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ ، أَقْرَنَيْنِ ، أَمْلَحَيْنِ ،
فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ أُتي بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلاهُ فَذَبَحَهُ ، ثُمَّ قال :
اللَّهُمَّ ! هَذَا عَنْ أُمَّتِى جَمِيعاً ؛ مَنْ شَهِدَ لَكَ بِالتَّوْحِيدِ ، وَشَهِدَ لِي
بِالْبَلاَغِ .
، ثُمَّ يُؤْتَى بِالآخَرِ فَيَذْبَحُهُ ويَقُولُ :
اللَّهُمَّ ! هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ .
فيُطْعِمُهُمَا جميعاً للْمَسَاكِينَ ، وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا . قال :
فَلبِثْنَا سِنِينَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ بَنِى هَاشِمٍ يُضَحِّي ، قَدْ كَفَانَا اللَّهُ
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَرْمَ وَالْمُؤْنَةَ ) .
منكر بهذا التمام .
أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (2/302) ، والحاكم
(2/391) ، والبيهقي (9/259) ، وفي "الشعب" (5/474/7323) ، وأحمد

(13/1034)


(6/8 و391 و392) ، والبزار (2/62/1208) ، والطبراني في "المعجم الكبير"
(1/290 - 291) من طرق عدة عن عبدالله بن محمد بن عقيل عن علي بن
حسين عن أبي رافع قال :
... فذكره . وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد" . ورده الذهبي في "التلخيص"بقوله :
"قلت : زهير : ذو مناكير ، وابن عقيل : ليس بقوي ".
وأقول : زهير - هو : ابن محمد التميمي أبو المنذر المروزي - ، قال الذهبي في
"المغني" :
"ثقة له غرائب ، ضعفه ابن معين ، وقال البخاري : روى أهل الشام عنه مناكير "
ولهذا ؛ فلا وجه لإعلاله بزهير ، لأن هذا ليس من رواية الشاميين عنه ، بل
هومن رواية أبي عامر عبدالملك بن عمرو العقدي البصري الثقة . ثم هو لم يتفرد
به ؛ بل تابعه عدة - كما أشرت إليه في التخريج - ومنهم عبيدالله بن عمرو الرقي
الثقة أيضاً .
فالعلة إذن هو ابن عقيل الذي دارت عليه الطرق ؛ فإنه مختلف فيه - كما في
"الفتح" (10/10) - والذي استقر عليه رأي الحفاظ المتأخرين هو تسليك حديثه
وتحسينه ؛ ولذلك قال الهيثمي - بعدما عزاه لأحمد والبزار - :
"وإسناده حسن" .
فاقول هذا هو الأصل في مثله ، ولكن قد يعتور حديثه ما يرفعه تارة إلى
إلى مرتبة الصحيح ، وذلك بالمتابعات والشواهد ،وما ينزل به تارة إلى مرتبة الضعف
والنكارة ، وذلك بمثل المخالفة للثقات ، أو الاضطراب في روايته سنداً أومتناً ، أو
كليهما معاً ، ونحو ذلك مما يدل على أنه لم يتمكن من حفظه وضبطه - كما هو
حال هذا الحديث - ، وإليك البيان :

(13/1035)


لقد اضطرب ابن عقيل في روايته إياه اضطراباً شديداً سنداً ومتناً .
أما السند فقد اضطرب فيه على وجوه ثلاثة كنت خرجتها في "الإرواء"
(4/351 - 352) ، ثم رأيت ابن أبي حاتم ، قد ذكرها بإيجاز وزاد عليها وجهاً
رابعاً ، فقال في "العلل" (2/39 - 40) :
"سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ :
1 - رَوَاهُ الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ :
أَنّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ ... الْحَدِيثُ.
2 - وَرَوَاه هَذَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
عَنْ أَبِيهِ جَابِرٍ ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .انظر تخريجه في "الإرواء: (4/351 - أعلى الصفحة) .
3 - ورواه الثوري عَنْ ابْن عقيل عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أو عائشة عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . (الإرواء / أدنى الصفحة) .
4 - ورواه عبيد اللَّه بْن عَمْرو، وسعيد بْن سَلَمَة فقالا : عَنْ ابْن عقيل عَنْ عَلِيّ
ابْن حسين عَنْ أَبِي رافع عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .( الإرواء / منتصف الصفحة ، والمخرج هنا
بأوسع ، ثم قال ابن أبي حاتم :)
قلت : لأبي زُرْعَةَ : فما الصحيح ؟ قَالَ :
ما أدري ، ما عندي في ذا شيء !.
قلت : لأبي : ما الصحيح ؟ قَالَ :
ابْن عقيل لا يضبط حديثه !
__________
(1) وفي رواية لأحمد (6/220) : "عن أبي هريرة / أن عائشة قالت" بدون شك .

(13/1036)


قلت : فأيهما أضبط عندك ؟ قَالَ :
اللَّه أعلم .
وقال أَبُو زُرْعَةَ :
هذا من ابْن عقيل ، الذين رووا عَنِ ابْن عقيل كلهم ثقات ".
يعني : أن الاضطراب المذكور إنما هو من ابن عقيل ، وليس من الرواة عنه .
وقد أشار البيهقي (9/67) إلى ذلك ، فإنه لما أسند الوجه (3) ، وأتبعه
بالوجهين (2 و4) تعليقاً ؛ قال :
"فكأنه لم يسمع منهما" .
فلم يجزم بالسماع ، وهذا مع ما فيه من التساهل - كما لا يخفى - على أن
قوله : "منهما" لعله سبق قلم ؛ فإن الصواب أن يقال : "منهم" - كما قال ابن
التركماني - ، وهو ظاهر أيضاً .
وقد تبعه في التساهل المشار إليه الحافظ ابن حجر ، فإنه لما ذكر الوجهين (3
و 4) من وجوه الاضطراب ؛ قال :
"ابن عقيل مختلف فيه .. ويحتمل أن يكون له في هذا الحديث طريقان "!
فأقول : هذا الاحتمال بعيد جداً ، لا يحتمله سوء حفظ ابن عقيل المجمع
عليه ، حتى تركه بعضهم ، وصرح أحدهم بأنه ضعيف جداً . فاضطراب مثله لا
يكون إلا مثالاً صالحاً للحديث المضطرب ، الذي هو من أقسام الحديث الضعيف ؛
كما لا يخفى على الخبير بهذا العلم الشريف العزيز ! ولهذا لما حكى ابن التركماني
في "الجوهر النقي" (9/259) عن ابن جرير الطبري الوجهين المشار إليهما عقب
على ذلك بقوله :

(13/1037)


"وذلك دليل على وهائه . يعني : الحديث .
ولقد أصاب رحمه الله .
وهذا يقال لو كانت علة وهائه إنما هو اضطرابه في إسناده فقط ، فكيف إذا
انضم إلى ذلك اضطرابه في متنه أيضاً ، ومخالفته لكل الذين رووا الحديث عن
أبي رافع وغيره؟!
أما الاضطراب في المتن ، فهو أنه لم يذكر في سائر الوجوه المتقدمة برواية الثقات
عنه قوله المتقدم : "فيطعمهما جميعاً ... "إلخ . فهي منكرة ، أو على الأقل شاذة .
وأما المخالفة ، فبيانها من وجوه :
الأول : أنه روي من طريق أخرى عن أبي رافع مختصراً جداً دون الزيادة .
أخرجه الحاكم (4/229) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/301/957) ،
و"الأوسط" (1/16/2/242 - بترقيمي) . وهو في "الإرواء" (4/352) .
الثاني : أنه روي كذلك من طريقين آخرين عن عائشة وأبي هريرة . وإسناد
الثاني حسن . (إرواء 4/353) . وهذا موافق لرواية ابن عقيل عنهما في الوجه
(3) ، فهذا أولى بالقبول من روايته الشاذة عن أبي رافع .
الثالث : أنه قد صح من طريق أخرى عن جابر دون الزيادة أيضاً . وهو موافق
أيضاً للوجه الثاني ، وهومخرج في "الإرواء" أيضاً (4/349 - 350) .
وفي الباب عن جمع آخر من الأصحاب خرجها الهيثمي في "مجمع
الزوائد" (4/21 - 23) - وخرجت بعضها هناك - ، وكلها ليس فيها تلك الزيادة ،
الأمر الذي يؤكد نكارتها ووهاءها .

(13/1038)


6462 - ( إذا حُضِرْتَ ، فقلْ : {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ،
وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ) .
منكر .
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصفهان" (2/173 - 174) من طريق محمد
ابن أبان العنبري : ثنا سفيان الثوري عن هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين
عن أم الحسن عن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رواته ثقات ، غير محمد بن أبان العنبري : مجهول ،
لم أره إلا عند ابن أبي حاتم (3/2/200) من رواية أبي سعيد الأشج عنه ، ولم
يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وقد خولف في متنه فقال ابن أبي شيبة (3/236) :
حدثنا ابن علية عن هشام ... به مختصراً موقوفاً ، ولفظه :
عن أم الحسن قالت : كنت عند أم سلمة أنظر في راسها ، فجاء إنسان فقال :
فلان في الموت ، فقالت لها : انطلقي فإذا احتضر ؛ فقولي : "السلام على المرسلين ،
والحمد لله رب العالمين ".
وهذا إسناد موقوف صحيح ؛ فإن رواته كلهم ثقات رجال الشيخين ؛ غير أم
الحسن - واسمها : (خَيْرة) - وهي : أم الحسن البصري مولاة أم سلمة رضي الله
عنها - فخرج لها مسلم وأصحاب "السنن الأربعة" ، وروى عنها جمع من الثقات
غير حفصة بنت سيرين ، ومنهم ابناها الحسن وسعيد ، وذكرها ابن حبان في
"الثقات" (4/216) ، وأخرج لها في "الصحيح" (5385 و 6736) حديثين ، وهما
في "مسلم" فلا أدري مع هذا كله لِمَ بيَّض لها الذهبي في "الكاشف" ،واقتصر
الحافظ على قوله : "مقبولة" ؟!
(تنبيه) : جاء الحديث في موضعين من "كنز العمال" (15/561 و 652)
معزواً لـ (ص ، ش ، والمروزي).

(13/1039)


َوالحرف الأول يشير إلى (سعيد بن منصور) ، والثاني إلى ابن أبي شيبة ، وقد
عرفت أنه عنده موقوف ، فلا أدري أكذلك هو عند سعيد ، والمروزي ؟

6463 - ( "يَا عَمِّ ! مَا أَسْرَعَ مَا وَجَدْتُ فَقْدَكَ . يعني : عمَّه أبا طالبٍ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/224/1/3971) : حدَّثَنَا
عَلِيُّ بن سَعِيدٍ الرَّازِيُّ قَالَ: نا عِيسَى بن عَبْدِ السَّلامِ الطَّائِيُّ قَالَ: نا فُرَاتُ بن مَحْبُوبٍ
قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ كسوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ :... فذكره . وقال :
" تَفَرَّدَ بِهِ عِيسَى بن عَبْدِ السَّلامِ".
قلت : ولم أجد له ترجمة - ولا في "ثقات ابن حبان" - ، وقد تابعه من هو
مسئله وهو : أحمد بن الدهقان : ثنا فرات بن محبوب ... به ؛ إلا أنه قال :
"ضرب" ، مكان : "كسوا" .
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/307) ، وأبو موسى المديني في
"اللطائف" (ق 35/1) وقال :
"غريب ... لم نكتبه إلا من هذ الوجه ".
ورواية الطبراني ترده . ومن طريق أبي نعيم أخرجه ابن عساكر في "تاريخ
دمشق" (2/120 و 19/99) .
(تنبيه) : قوله : "كسوا" ، هكذا في "المعجم" مهملاً دون إعجام . وفي "مجمع
الزوائد" (6/15) "تحينوا" ، من الحين وهو الوقت والزمن . ولعل المعنى : ترقبوا
فرصة لإيذائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضربه . والله أعلم .

(13/1040)


6464 - ( أُتِيَ بِجِنَازَةٍ سَهْلِ بْنِ عَتِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ
صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ - فَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى،
وَكَبَّرَ ، فَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَجَهَرَ بِهَا ، ثُمَّ كَبَّرَ الثَّانِيَةَ وَصَلَّى عَلَى نَفْسِهِ ،
وَعَلَى الْمُرْسَلِينَ ، ثُمَّ كَبَّرَ الثَّالِثَةَ فَدَعَا لِلْمَيِّتِ ، فَقَالَ :
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ ، وَأَعْظِمْ أَجْرَهُ ، وَأَتْمِمْ نُورَهُ ،
وَأَفْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ ، وَأَلْحِقْهُ بِنَبِيِّهِ .
ثُمَّ كَبَّرَ الرَّابِعَةَ فَدَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، ثُمَّ سَلَّمَ ).
منكر .
أخرجه الطبراني في "الدعاء" (3/1358/1190) ، وفي "المعجم الأوسط"
(1/291/1/4875) من طريق
سُلَيْم بْن مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ : ثنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ بْنِ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ النَّوْفَلِيُّ : حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ سَبْرَةَ أَبُو عُبَادَةَ الزُّرَقِيُّ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ...
فذكره ، وقال :
"لَمْ يَرْوِه عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا أَبُو عُبَادَةَ الزُّرَقِيُّ ، وَلَا عَنْه إِلَّا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ ، تَفَرَّدَ
بِهِ سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورٍ ".
قلت : وهذا إسناد واهٍ جداً مسلسل بالعلل :
أولاً : أبو عبادة الزرقي - اسمه : عيسى بن عبدالرحمن بن فروة ، وقيل : ابن
سَبْرة - وهو متروك كما في "التقريب" .
ثانياً : يحيى بن يزيد بن عبدالملك فهو مجهول الحال عندي ؛ وإن ضعفه من
يأتي ، وقد ساق له ابن عدي (7/247 - 248) ثمانية أحاديث كلها من روايته عن أبيه ، وعقب عليها بقوله :

(13/1041)


"له غير ما ذكرت ، وهو ضعيف ، ووالده يزيد ضعيف ، والضعف على أحاديثه
التي أمليت والتي لم أُمِلُّ بيِّن ، وعامتها غير محفوظة ".
قلت : ولذلك قال ابن أبي حاتم عن أبيه :
"منكر الحديث ، لا أدري منه أو من أبيه ، لا ترى فِي حَدِيثِه حديثاً
مستقيماً ".
قال : "سئل أبو زرعة عن يحيى بن يزيد ؟ قال : لا بأس به ، إنما الشأن في
أبيه ، بلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال : لا بأس به ، ولم يكن عنده إلا حديث
أبيه ، ولو كان عنده غير حديث أبيه ؛ لتبين أمره ".
قلت : فإذا لم يعرف إلا بروايته عن أبيه الضعيف ؛ فلا سبيل حينئذ إلى
معرفة ضبطه من سوء حفظه ؛ بل ولا إلى تبين صدق من كذبه ، مهما كثر الرواة
عنه - كما هو ظاهر - ، ولذلك قلت : إنه مجهول عندي .
نعم ، لقد عقب الحافظ في "اللسان" في آخر ترجمته بهذا الحديث الذي رواه
عن غير أبيه ، وهو أبو عبادة الزرقي ، وهذا يقال فيه ما قلت وأكثر في (يحيى) ،
فإن الزرقي أسوأ حالاً منه ؛ لأنه متروك كما تقدم .
وأيضاً فالراوي عنه ؛ (سُليم بن منصور بن عمار) لم يتبين حاله في الحفظ
والضبط ، فإن الذهبي الحافظ الناقد لما أورده في "المغني" لم يستطع [إلا] أن يقول
فيه :
تُكلم فيه ولم يترك" .
وهذه علة ثالثة .
وثمة علة رابعة وهي أن المحفوظ بالسند الصحيح عن الزهري عن أبي أمامة
- وهو : ابن سهل بن حنيف الأنصاري - قال :

(13/1042)


السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة ...
الحديث . وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (141) .
فقوله فِي حَدِيثِ الترجمة : "فجهر بها" منكر مخالف لهذا الحديث الصحيح .
وقد أشار الحافظ في ترجمة (سهل بن عتيك) إلى هذه المخالف سنداً ، ولم يشر إلى
المخالفة متناً ! وليس يخفى أن هذه أهم من التي قبلها . ومن هذا القبيل قوله في
الدعاء :
"وألحقه بنبيه".
فإنه منكر أيضاً ، لم يرد في شيء من أدعية الصلاة على الجنازة - فيما علمت - ،
وقد روى الطبراني الكثير منها . والله سبحانه وتعالى أعلم .

6465 - ( { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} ؛ قال : يُجْلِسُني
معه على السريرِ ) .
باطل .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (3/150/1) من طريق علي
ابن عمر القزويني : حدثنا يوسف بن الفضل الصيدناني : حدثنا إبراهيم بن
عبدالرزاق : حدثنا محمد بن سعد كاتب الواقدي : حدثنا عبداله بن إدريس عن
عبيدالله بن عمر عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .

قلت : وهذا إسناد غريب ، محمد بن سعد - كاتب الواقدي - ثقة حافظ من
رجال "التهذيب" ، وكذا من فوقه .
وأما إبراهيم بن عبدالرزاق ؛ فلم أعرفه ، وفي طبقته ما في "تاريخ بغداد"
(6/134 - 135) :
"إبراهيم بن عبدالرزاق الضرير . حدَّث عن إسماعيل بن أبي مسعود وسعيد

(13/1043)


ابن سليمان المعروف بـ (سعدويه) الواسطي . روى عنه محمد بن مخلد الدوري ..
قال الدارقطني : بغدادي ثقة".
قلت : فمن المحتمل أن يكون هو هذا .
وعلي بن عمر القزويني ، فقد ترجمه الخطيب (12/43) بروايته عن جمع ،
وقال :
"كتبنا عنه ، وكان أحد الزهاد المذكورين ، من عباد الله الصالحين ، يقرأ
القرآن ، ويروي الحديث ، لا يخرج من بيته إلا للصلاة ، وكان وافر العقل ، صحيح
الرأي ... مات (442) ... ".
وأما شيخه يوسف بن الفضل الصيدناني ؛ فلم أجد له ترجمة ، وأظن أنه آفة
هذا الحديث الباطل المخالف لأحاديث جمع من الصحابة بعضها في "البخاري"
(4718) : أن المقام المحمود هي شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكبرى يوم القيامة . وراجع إن شئت
"ظلال الجنة" (2/784 و 785 و789 و804 و813) ، و "الصحيحة" (2369 و 2370) ،
و "الدر المنثور" (4/197) .
أضف إلى ذلك أنه يستغله أعداء السنة وأفراخ الجهمية ؛ ليطعنوا في أهل
السنة الذين يثبتون الصفات الإلهية الثابتة في الكتاب والسنة ، مع التنزيه
التام ، ويرموهم بالتجسيم والتشبيه الذي عرفوا بمحاربته - كما يحاربون التعطيل - ،
كمثل الكوثري وأذنابه ، وكالغماري والسقاف ونحوهما ، كفى الله المسلمين
شرهم .
هذا ، وقد كنت خرجت الحديث في المجلد الثاني من هذه "السلسلة" برقم
(865) من حدري ابن مسعود ، وبينت علته ونكارته هناك ، وأنه رُوي عن مجاهد

(13/1044)


مقطوعاً ، وعن غيره موقوفاً ، وذكرت مستنكراً موقف بعض العلماء منه .
ثم أتبعته بحديث منكر ، وآخر موضوع ، فيهما نسبة القعود إلى الله على
كرسيه . وفي الأول منهما زيادة نصها :
"ما يفضل منه مقدار أربع أصابع ".
وذكرت تساهل بعضهم في توثيق رجالهما ، وتقوية إسنادهما ، فراجعه ، فإنه
مهم .
كما كنت ذكرت في مقدمة كتابي المطبوع "مختصر العلو" (ص 15 - 17) ،
اضطراب موقف الذهبي بالنسبة لأثر مجاهد ، مع تصريحه بأن رفعه باطل .
وبهذه المناسبة أريد أن أُبيِّن للقراء موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من تلك
الزيادة في الحديث الأول ، فقد ذكر أن بعض المحدثين رووها بلفظ :
"إلا أربع أصابع" .
فهذه تثبت (الأربع) ، وتلك تنفيها - كما هو ظاهر - فضعف الشيخ رحمه الله
الحديث بالروايتين لاضطرابهما ، مع ملاحظته أن المعنى الذي كل منهما لا يليق
بجلال الله وعظمته ، فقال كما في "مجموع الفتاوى" (16/436) :
"فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ إلَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ ؛ هَذِهِ تَنْفِي مَا أَثْبَتَتْ هَذِهِ ،
[ يعني تكفي في تضعيفه ] ، وَلَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ الْجَزْمِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ
الْإِثْبَاتَ ، وَأَنَّهُ يَفْضُلُ مِنْ الْعَرْشِ أَرْبَعُ أَصَابِعَ لَا يَسْتَوِي عَلَيْهَا الرَّبُّ ! وَهَذَا مَعْنًى
غَرِيبٌ لَيْسَ لَهُ شَاهِدٌ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ ، بَلْ هُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ
أَعْظَمَ مِنْ الرَّبِّ وَأَكْبَرَ ، وَهَذَا بَاطِلٌ ، مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِلْعَقْلِ .
وَيَقْتَضِي أَيْضاً أَنَّهُ إنَّمَا عَرَفَ عَظَمَةَ الرَّبِّ بِتَعْظِيمِ الْعَرْشِ الْمَخْلُوقِ ، وَقَدْ جَعَلَ

(13/1045)


الْعَرْشَ أَعْظَمَ مِنْهُ ، فَمَا عَظُمَ الرَّبُّ إلَّا بِالْمُقَايَسَةِ بِمَخْلُوقِ ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ الرَّبِّ . وَهَذَا
مَعْنًى فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ .
فَإِنَّ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُبَيِّنَ عَظَمَةَ الرَّبِّ ،وَأنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَا يَعْلَمُ
عَظَمَتَهُ ، فَيَذْكُرُ عَظَمَةَ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ الرَّبَّ أَعْظَمُ مِنْهَا " .
ثم استشهد الشيخ ببعض الأحاديث على ذلك ، وذهب إلى أن الصواب في
رواية الحديث النفي . يعني من حيث المعنى ؛ كما تقدم بيانه منه بياناً شافياً رحمه
الله تعالى .
وفي ذلك ما يؤيد حكمي على الحديث بالبطلان هنا وهناك من حيث
المعنى ، وإن كان ذلك غير لازم من حيث المبنى ، فليكن هذا منك على ذكر .
ومما تقدم يتبين لقرائنا دجل ذاك السقاف ، أو أولئك الذين يؤلفون له
ويتسترون باسمه ؛ حين يكذبون أو يكذب على أهل العلم والسنة أحياء وأمواتاً
لا يرقبون فيهم إلاً ولا ذمة ، ولا سيما شيخ الإسلام ابن تيمية : فإنه لفساد
عقيدته ، وجهله وقلة فهمه لا يتورع عن التصريح ورميه بأنه مجسم ، وبغير ذلك
من الأباطيل التي تدل على أنه مستكبر معاند للحق الجلي الناصع ، فرسائله
التي يؤلفونها وينشرونها له تباعاً مشحونة بالبهت والافتراء والأكاذيب وقلب
الحقائق ؛ بحيث أنها لو جمعت لكانت مجلداً كبيراً بل مجلدات ،فها هي
رسالته التي نشرها في هذه السنة (1414) في الرد على الأخ الفاضل سفر
الحوالي طافحة - على صغرها وحقارتها - بالمين والتضليل والافتراء على السلفيين
الذين ينبزهم بلقب (المتمسلفين) ! وعلى الأخ الفاضل بصورة [ خاصة ] ، وعلى
شيخ الإسلام بصورة أخص .
وليس غرض الآن الرد عليه ، فإن الوقت أضيق وأعزّ من ذلك ، وإنما أردت

(13/1046)


بمناسبة هذا الحديث أن أقدم إلى القراء مثلاً واحداً من مئات افتراءاته وأكاذيبه
وتقليبه للحقائق ، التي تشبه ما يفعله اليهود بإخواننا الفلسطينيين اليوم الذين
ينطلقون من قاعدتهم الصهيونية : (الغاية تبرر الوسيلة) ! الأمر الذي يؤكد للقراء
أنه لا يخشى الله ، ولا يستحي من عباد الله ، وإلا لما تجرأ على الافتراء عليهم ،
والله عَزَّ وَجَلَّ يقول { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ }.
لقد نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية عدة أقوال هو منها براء براءة الذئب
من دم ابن يعقوب [ عليهما السلام] ، بل هو يقول بخلافها !! ويهمنا الآن
بيان فرية واحدة من تلك الفريات ، فقال في مقدمة رسالته المشار إليها (ص 2 - 3)
بعد أن نسب إليه عدة فريات :
"ويقول : إن المقام المحمود الذي وعدنا به نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو جلوسه بجنب الله على
العرش في المساحة المتبقية ، والمقدرة عند هذه الطائفة بأربع أصابع (1) !!! وغير ذلك
من الترهات".
وفي الحاشية قال :
"(1) انظر "منهاج سنته"(!) (1/260) وكتاب "بدائع الفوائد" لتلميذه ابن
قيم الجوزية (4/39 - 40) ".
وإحالته فيما نسبه إلى الشيخ مما يزيد القراء قناعة بدجله ، وأنه يتعمد
الكذب والافتراء عليه ، وأنه لا يبالي بقرائه إذا اكتشفوا {تشابهت قلوبهم} ،
وهذا نص كلامه رحمه الله منقولاً بطريقة التصوير ، ليكون القراء على يقين من
ذلك الإفك المبين :

(13/1047)


((( وأما قوله إنه يفضل عنه العرش من كل جانب أربع أصابع فهذا
لا أعرف قائلاً له ولا ناقلاً ولكن روى فِي حَدِيثِ عبدالله بن خليفة أنه ما يفضل من العرش أربع
أصابع يروى بالنفى ويروى بالإثبات والحديث قد طعن فيه غير واحد من المحدثين كالإسماعيلي
وابن الجوزي ومن الناس من ذكر له شواهد وقواه ولفظ النفى لا يرد عليه شيء فإن مثل هذا اللفظ
يرد لعموم النفى كقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ما في السماء موضع أربع أصابع إلا وملك
قائم أو قاعد أو راكع أو ساجد أي ما فيها موضع ومنه قول العرب ما في السماء قدر كف سحابا
وذلك لأن الكف يقدر به الممسوحات كما يقدر بالذراع وأصغر الممسوحات التي يقدرها الإنسان
من أعضائه كفه فصار هذا مثلا لأقل شيء فإذا قيل إنه ما يفضل من العرش أربع أصابع كان
المعنى ما يفضل منه شيء والمقصود هنا بيان أن الله أعظم وأكبر من العرش ومن المعلوم أن الحديث
إن لم يكن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قاله فليس علينا منه وإن كان قد قاله فلم يجمع بين النفي
والإثبات وإن كان قاله بالنفى لم يكن قاله بالإثبات والذين قالوه بالإثبات ذكروا فيه ما يناسب
أصولهم كما قد بسط في غير هذا الموضع فهذا وأمثاله سواء كان حقا أو باطلا لا يقدح في مذهب
أهل السنة ولا يضرهم لأنه بتقدير أن يكون باطلاً ليس هو قول جماعتهم بل غايته أنه قد قالته طائفة
ورواه بعض الناس وإذا كان باطلاً رده جمهور أهل السنة كما يردون غير ذلك فإن كثيراً من
المسلمين يقول كثيراً من الباطل فما يكون هذا ضار لدين المسلمين وفي أقوال الإمامية من
المنكرات ما يعرف مثل هذا فيه لو كان قد قاله بعض أهل السنة ))) .
هذا كلام الشيخ رحمه الله ، فأين فيه ما عزاه السقاف وأعوانه إليه ؟!
سبحانك هذا بهتان عظيم . بل فيه حكايته الخلاف في صحة حديث الأصابع ،
وعدم جزمه هو بصحته ، وإن كان هذا مستغرباً منه ، لأن علته الجهالة والعنعنة
- كما كنت بينته هناك - .
وختاماً : لكمة حق لا بد لي منها :
إذا كان حقاً أن الله تعالى أعظم من العرش ، ومن كل شيء - كما بينه شيخ
الإسلام فيما تقدم - ، فيكون اعتقاد أن الله يُجلس محمداً معه على العرش باطلاً
بداهة .
وأما إجلاسه على العرش دون المعية ، فهو ممكن جائز لأن العرش خلق من
.

(13/1048)


خلق الله ، فسواء أجلسه عليه ، أو على منبر من نور - كما جاء ذلك في المتحابين
في الله ، وفي المقسطين العادلين - لا فرق بين الأمرين ، لكن لا نرى القول
بالإجلاس على العرش ؛ لعدم ثبوت الحديث به ، وإن حكاه ابن القيم عن جمع
- كما تقدمت الإشارة إلى ذلك- . والله سبحانه وتعالى أعلم .

6466 - ( مَنْ مَشَى إِلَى غَرِيمِهِ بِحَقِّهِ ؛ صَلَّتْ عَلَيْهِ دَوَابُّ الْأَرْضِ ،
وَنُونُ الْمَاءِ ، وَتُكْتَبُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ شَجَرَةً تُغْرَسُ فِي الْجَنَّةِ ، وَذَنْباً يُغْفَرُ ).
منكر .
أخرجه البزار في "مسنده" (2/119/1342 - كشف الأستار) ، والخطيب
في "التاريخ" (7/402) من طريق يحيى بن عثمان الحربي : ثنا إسماعيل بن عياش
عن عبدالرحمن بن سليمان عن أبي سعد عن معاوية بن إسحاق عن سعيد بن
المسيب قال : سمعت ابن عباس يقول : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
وهذا إسناد ضعيف ؛ كما قال الحافظ في "مختصر الزوائد" (4/139) :
"رواه البزار ، وفيه جماعة لم أجد من ترجمهم "!
فهو من غرائبه ، فإنهم جميعاً مترجمون في "تهذيب المزي" الذي هو من
مراجعه ؛ غير يحيى بن عثمان الحربي ، وقد ذكره ابن حبان في كتابه "الثقات"
(9/263) الذي كان الهيثمي قد رتبه ، وقال فيه :
"ربما وهم " . وهو مترجم أيضاً في "تاريخ بغداد" (14/189 - 191) ، وروى
توثيقه عن ابن معين وغيره . وهو مترجم أيضاً في "تهذيب الحافظ" - تمييزاً . وقال
في "التقريب" :
"صدوق تكلموا في روايته عن هقل " .

(13/1049)


وأغرب من ذلك أن الشيخ الأعظمي لما تنبه لغريبة الهيثمي هذه ، أخذ
يكشف عن هوية كل راوٍ في السند وأنه في "التهذيب" ، مصرحاً بتوثيق
أكثرهم ، وساكتاً عن بعضهم ، وأحدهم هو علة هذا السند ! وليت شعري ما فائدة
هذا الكشف إذا لم يتوصل به إلى معرفة علة الحديث إذا كان معلولاً ، أو إلى
معرفة صحته إن كان صحيحاً ؟!
فاعلم أن علة هذا الإسناد إنما هو أبو سعد - واسمه : سعيد بن المرزبان البقال - ؛
قال الذهبي في "المغني" :
"ليس بالحجة ، قال ابن معين : لا يكتب حديثه . وقال أبو زرعة : صدوق
مدلس . وقال الفلاس : متروك ".
وتبنى الحافظ قول أبي زرعة المذكور .

6467 - ( إِنِّي لَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً فَآخُذُهَا فَآكُلُهَا ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/279/2/9246) : حَدَّثَنَا
مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ : ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ : نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الثَّقَفِيُّ ، قَالَ :
سَمِعْتُ الْوَلِيدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ... فذكره . وقال :
"تفرد به محمد بن العلاء الثقفي" .
قلت : ولم أعرفه ، ويحتمل أن يكون محمد بن العلاء الصهيبي ؛ فإنه من
هذه الطبقة ، روى عنه عبدالله بن الحارث المخزومي ، ذكره ابن حبان في "الثقات"
(9/52) تبعاً للبخاري (1/1/205/643) .
وأما شيخه الوليد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف : فلم أجد له ترجمة .

(13/1050)


وأخرجه البزار في "مسنده" (3/223/1011 - البحر الزخار) من طريق
أخرى عن محمد بن العلاء قال :
بينا أنا والوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، فوجد تمرتين ساقطتين ،
فأخذ واحدة ، وأعطاني أخرى ، فأبيت أن آكلها ، ثم قال لي : أخبرني أبي عن
جدي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكلها . يعني : تمرة . وقال :
" لا نعلمه يروى إلا عن عبد الرحمن بهذا الإسناد ".
قلت : وتعقبه الهيثمي في "كشف الأستار" (2/131) بقوله :
"قلت : رواه عن سعد كما رواه قبله ".
قلت : يعني : سعد بن أبي وقاص ، رواه (1365) عن شيخين له قالا : ثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي - عُبَيْدَةَ بِنْتَ نَابِلٍ عَنْ عَائِشَةَ
بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا قَالَ :
خَرَجْنَا مَعَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَجَدَ تَمْرَتَيْنِ ، فَأَخَذَ تَمْرَةً ، وَأَعْطَانِي الْأُخْرَى .

ومن هذا الوجه أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (2/137/815) ؛ لكنه زاد في
المتن : "فوجد ثُغْروقة فيها تمر ، فأخذ ... " وقال البزار :
" لَا نَعْلَمُهُ عَنْ سَعْدٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ".
قلت : وعثمان بن عبدالرحمن - هو : الطرائفي - مختلف فيه ، وبه أعله الهيثمي
فقال (4/170) :
" ... وهو ثقة وفيه ضعف ".
لكن أشار الذهبي في "الكاشف" ، وفي "المغني" إلى تضعيف توثيقه بقوله :
"وُثِّق " .
وأشار إلى سبب تضعيفه الحافظ ؛ فقال في "التقريب" :

(13/1051)


"صدوق ، أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل ؛ فضعف بسبب ذلك حتى نسبه
ابن نمير إلى الكذب ، وقد وثقه ابن معين".
قلت : وذكره الحافظ في "المرتبة الخامسة" من "طبقات المدلسين" ؛ لقول اب
حبان فيه (2/97) :
"يروي عن أقوام ضعاف أشياء يدلسها عن الثقات حتى إذا سمعها المتتبع ؛
لم يشك في وضعها ، فلما كثر ذلك في أخباره ؛ ألزقت به تلك الموضوعات وحمل
عليه الناس في الجرح ، فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلها على حالة من
الاحوال ؛ لما غلب عليها من المناكير عن المشاهير ، والموضوعات عن الثقات ".
قلت : ولم يذكروه في الرواة عن (عبيدة بنت نايل) ؛ فكأنه دلس عنها .
وعبيدة هذه : ليست مشهورة ،وقد ذكرها ابن حبان في "الثقات" (7/307)
برواية الخصيب بن ناصح - وهو صدوق يخطئ - وذكر لها في "التهذيب" ثلاثة رواة
آخرين ، ليس فيهم ثقة حافظ غير معن بن عيسى ؛ فلعله لذلك لم يوثقها الحافظ ،
بل قال فيها :
"مقبولة" . يعني : عند المتابعة .
فعلة الحديث إذن : هي ، أو عنعنة الطرائفي .
وثمة علة أخرى وهي نكارة متنه ومخالفته لحديث أنس الصحيح قال :
مر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتمرة في الطريق فقال :
"لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة ؛ لأكلتها ".
أخرجه البخاري (2431) وغيره ، وهو مخرج في "الإرواء: (6/15/1559)
من رواية جمع منهم مسلم ، لكن ليس عنده أخاف ".

(13/1052)


وأخرجه أحمد (3/193 و241 و258) من طريقين آخرين عن أنس:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمر بالتمرة فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن تكون
صدقة .
وإسناده صحيح على شرط مسلم ، وصححه ابن حبان (3285 - الإحسان) .
وخفي هذا التحقيق على المعلق على "مسند أبي يعلى" ؛ فحسَّن إسناده ولم
يزد على ذكر الخلاف في (الطرائفي) ، ولم يتعرض لبنت نايل بذكر ! كما أن
المعلِّق على "الإحسان" (8/90) خلط في تخريج حديث ابن حبان ؛ فعزاه للشيخين ،
هو عندهما من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما تقدم .
(فائدة) : أما ما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/459) من طريق موسى
ابن أبي عائشة عن رجل عن ميمونة : أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت :
"لا يحب الله الفساد " .
فأقول : هذا إسناد ضعيف لجهالة الرجل الذي لم يسمَّ ، فيتعجب من الحافظ
كيف سكت عنه في "الفتح" ؟!
وقوله في رواية أبي يعلى : (ثُغْروقة) هو : الشمروخ يبقى عليه قليل من التمر
كما في "المعجم الوسيط ".

6468 - ( ثَلَاثٌ قَاصِمَاتٌ الظَّهْرَ : فَقْرٌ دَاخِلٌ لَا يَجِدُ صَاحِبُهُ
مَتْلَذَّذاً ، وَزَوْجَةٌ يَأْمَنُهَا صَاحِبُهَا وَتَخُونُهُ ، وَإِمَامٌ أَسْخَطَ اللَّهَ وَأَرْضَى
النَّاسَ ، وَإِنَّ بِرَّ الْمُؤْمِنَةِ كَمَثَلِ سَبْعِينَ صِدِّيقَةً ، وَإِنَّ فُجُورَ الْفَاجِرَةِ
كَفُجُورِ أَلْفِ فَاجِرٍ ) .
موضوع .
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" (ق 57/2 - زوائده) :

(13/1053)


حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ أَبِي مَهْدِيٍّ ( الأصل : ابن مهدي ) عَنْ
أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً بل موضوع ؛ أبو مهدي - اسمه : سعيد بن
سنان - رماه الدارقطني وغيره بالوضع .
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" لابن زنجويه عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وقال:
"وهو ضعيف" .
فإذا كان من هذه الطريق - كما أظن - ؛ ففيه تساهل ظاهر ،لما عرفت من
حال أبي مهدي ، لا سيما ولوائح الوضع عليه بينة .
وأخرجه البزار في "مسنده" (2/157/1414 - كشف الأستار) من طريق
أخرى عن أبي مهدي ... به ، ولكن ذهب عنه الخصلة الأولى فقال :
"ذهب عني واحدة ، وعلته سعيد بن سنان ".
وبه أعله الهيثمي فقال (4/272) في "مجمع الزوائد" :
"وهو متروك" .
قلت : فقول الأعظمي في تعليقه على "الكشف" أن الهيثمي قال :
"وهو ضعيف " . وهم منه أو خطأ مطبعي .
وقد ذكر الهيثمي عن البزار أن تلك الواحد غير المذكورة في الحديث فقال :
" وقال البزار : ذهبت عني واحدة ، وقد مرت بي : وجار سوء إن رأى خيراً ؛
دفنه ، وإن رأى شراً ؛ أذاعه ".
فأقول : هذه الفقرة فِي حَدِيثِ آخر يشبه هذا في بعض فقراته . أخرجه

(13/1054)


الطبراني وغيره ، وقد مضى تخريجه برقم (3087) من حديث فضالة بن عبيد .
وقد صحت هذه الفقرة في استعاذته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ثلاثة فيهم : "... ومن خليل
ماكر عينه تراني وقلبه يرعاني ، إن رأى حسنة ؛ دفنها ، وإن رأى سيئة ؛ أذاعها ".
وهو مخرج في "الصحيحة" (3137) .

6469 - ( كان الذي تَزَوَّجَ عليه رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ شيئاً قِيمَتُهُ
عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ) .
منكر .
أخرجه أبوداود الطيالسي في "مسنده" (270/2022) : ثنا الْحَكَمُ
ابن عَطِيَّةَ عنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ قال : ... فذكره .
قلت ومن طريق الطيالسي أخرجه البزار في "مسنده" (2/161/1426 -
الكشف) وابن عدي (2/205) ، وكذا أبو يعلى (3385) ، والطبراني في "المعجم
الكبير" (23/247) .
والحكم بن عطية : مختلف فيه ، فوثقه ابن معين ، وقال البخاري : كان أبو
الوليد يضعفه . وضعفه النسائي وابن أبي داود . وقال أحمد : كان عندي صالح
الحديث حتى وجدت له حديثاً أخطأ فيه. وفي رواية قال :
"لا بأس به إلا أن أبا داود روى عنه أحاديث منكرة ".
قلت : منها هذا الحديث ؛ فإنه من رواية أبي داود عنه - كما ترى - ، وقد صرح
بذلك في رواية الميموني عنه قال :
" سئل عنه أحمد ؟ فقال: لا أعلم الا خيراً ، فقال له رجل: حدثني فلان عنه
عن ثابت عن أنس قال: كان مهر أم سلمة متاعاً قيمته عشرة دراهم . فأقبل أبو
عبد الله يتعجب ، وقال: هؤلاء الشيوخ لم يكونوا يكتبون ، إنما كانوا يحفظون ونسبوا

(13/1055)


إلى الوهم ، أحدهم يسمع الشيء فيتوهم فيه ".
هذا كله من "التهذيب" .
وروى العقيلي في "الضعفاء (1/258) عنه أنه قال :
"كان الحكم بن عطية عندي صالحاً حتى وجدت له عن ثابت عن أنس : أن
النبي عليه السلام تزوج أم سلمة على قيمة عشرة دراهم . وإنما يريد الحديث الذي
رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن (!) عمر بن أبي سلمة الطويل ".
قلت : ولم أعرف هذا الحديث الطويل الذي أشير إليه .
وقال البزار عقب الحديث ؛ كما نقله الهيثمي في "الكشف" :
"قال البزار : لا نعلمه عن ثابت عن أنس إلا من طريق الحكم . ورأيته في
موضع آخر : تزوجها على متاع ورحى قيمته أربعون درهماً ".
قلت : هذا اللفظ لم أره في شيء من المصادر المتقدمة ، وإنما روي ذلك في حق
عائشة ؛ كما يأتي . وقال ابن حبان في ترجمة الحكم هذا من كتابه "الضعفاء"
(1/248) :
" كان أبو الوليد شديد الحمل عليه ، ويضعفه جداً ، وكان الحكم ممن لا يدري
ما يحدث ، فربما وهم في الخبر ؛ يجئ كأنه موضوع ، فاستحق الترك ".
وقد رواه بعض الكذابين بإسناد آخر ، فكأنه سرقه منه - وهو : عمرو بن
الأزهر - ، فقال : ثنا حميد الطويل عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال :
"تزوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم سلمة ، وأصدقها عشرة دراهم ".
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (5/134) ، والطبراني في "المعجم الأوسط"
(1/28/1/460) ، وقال :

(13/1056)


" لم يروه عن حميد إلا عمرو بن الأزهر ".
قلت : قال الذهبي في "المغني" :
"كذاب ؛ قال أحمد وغيره : كان يضع الحديث " .
وبه أعله الهيثمي ، فقال (4/282) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه عمرة بن الأزهر ، وهو متروك ".
وروي نحوه عن عائشة قالت :
تزوجني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على متاع يسوى أربعين درهماً .
أخرجه الطبراني في "الأوسط" أيضاً (1/113/2/2269) من طريق فضيل
ابن مرزوق عن عطية عنها .
وعطية : ضعيف مدلس .
وفضيل بن مرزوق : فيه ضعف ، وقال الذهبي في "المغني" :
"وثقه غير واحد ، وضعفه النسائي وابن معين أيضاً ، وقال الحاكم : عيب
على مسلم إخراجه في (صحيحه) ".

6470 - ( إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَكَانَ لَيْلَةَ الْبِنَاءِ ؛ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ
وَلْيَأْمُرْهَا فَلْتُصَلِّ خَلْفَهُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي الْبَيْتِ خَيْراً ) .
منكر .
رواه البزار في "مسنده" : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ : أَنبَأنَا الْحَجَّاجُ
بْنُ فَرُّوخٍ : أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَلْمَانَ مرفوعاً . ذكره
الذهبي في ترجمة الحجاج هذا ، وقال عقبه :
"هذا حديث منكر جداً " .

(13/1057)


قال : والحجاج ؛ قال ابن معين : ليس بشيء ، وضعفه النسائي .
قلت : ومن طريقه رواه ابن عدي (71/2) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان"
(1/56) وقال :
"غريب ؛ تفرد به الحجاج عن ابن جريج ".
قلت : وابن جريج : مدلِّس وقد عنعنه !
لكن الحديث ثبت العمل به عن بعض الصحابة ؛ فلا نرى مانعاً من العمل به
اتباعاً لهم واقتداء بهم . ومثل هذا الحديث يمكن أن يقال فيه : "يعمل به في فضائل
الأعمال" ، لا في الأحاديث الضعيفة الأخرى التي فيها تشريع أعمال وعبادات لم
تثبت عن السلف رضي الله عنهم . فانظر كتابي "آداب الزفاف" (96 - 97) .

6471 - ( إِذَا كَانَتْ صَيْحَةٌ فِي رَمَضَانَ ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَعْمَعَةٌ فِي
شَوَّالٍ ، وَتَمْيِيزُ الْقَبَائِلِ فِي ذِيِ الْقَعْدَةِ ، وَتُسْفَكُ الدِّمَاءُ فِي ذِيِ الْحِجَّةِ .
وَالْمُحَرَّمِ وَمَا الْمُحَرَّمُ ؟ ( يَقُولُهَا ثَلَاثاً ) ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ، يُقْتَلُ النَّاسُ فِيهَا
هَرْجاً هَرْجاً .
قُلْنَا : وَمَا الصَّيْحَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ :
هَدَّةٌ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ ؛ فَتَكُونُ هَدَّةٌ تُوقِظُ النَّائِمَ ،
وَتُقْعِدُ الْقَائِمَ ، وَتُخْرِجُ الْعَوَاتِقَ مِنْ خُدُورِهِنَّ فِي لَيْلَةِ جُمُعَةٍ ، فِي سَنَةٍ
كَثِيرَةِ الزَّلَازِلِ.
فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ؛ فَادْخُلُوا بُيُوتَكُمْ ، وَاغْلِقُوا
أَبْوَابَكُمْ ، وَسُدُّوا كُوَاكُمْ ، وَدِثِّرُوا أَنْفُسَكُمْ ، وَسُدُّوا آذَانَكُمْ ، فَإِذَا
أحسَسْتُمْ بِالصَّيْحَةِ فَخِرُّوا لِلَّهِ سُجَّداً ، وَقُولُوا : سُبْحَانَ الْقُدُّوسِ ،

(13/1058)


سُبْحَانَ الْقُدُّوسِ ، رَبُّنَا الْقُدُّوسُ ؛ فَإِنَّه مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ؛ نَجَا ، وَمَنْ لَمْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ ؛ هَلَكَ ) .
موضوع .
أخرجه نعيم بن حماد في كتابه "الفتن" (1/228/738) : حَدَّثَنَا
أَبُو عُمَرَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ
الْبُنَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَارِثِ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ... فذكره .
قلت : وهذا متن موضوع ، وإسناده واهٍ مسلسل بالعلل :
الاولى / المؤلف نفسه ؛ نعيم بن حماد ، فإنه مع كونه من أئمة السنة والمدافعين
عنها ، فليس بحجة فيما يرويه ، فقال النسائي :
"ليس بثقة " .
واتهمه بعضهم بالوضع . والحافظ الذهبي مع صراحته المعهودة ، لم يستطع أن
يقول فيه - بعد أن ذكر الخلاف حوله - إلا :
"قلت : ما أظنه يضع " !
الثانية : شيخه أبو عمر - وهو : الصفار : كما وقع له في غير هذا الحديث - ،
واسمه : حماد بن واقد ، وهو ضعيف ، بل قال البخاري :
"منكر الحديث ".
الثالثة : ابن لهيعة ، وهومعروف بالضعف بعد احتراق كتبه .
الرابعة : عبدالوهاب بن حسين : لا يعرف إلا بهذا الإسناد الواهي ، وقد ذكر
له الحاكم حديثاً آخر من طريق نعيم بن حماد : ثنا ابن لهيعة عنه بإسناده المتقدم
عن ابن مسعود مرفوعاً في خروج الدابة بعد طلوع الشمس من مغربها ، فإذا

(13/1059)


خرجت ؛ لطمت إبليس وهو ساجد ... الحديث ، وفيه مناكير كثيرة ، حتى قال
الحاكم نفسه :
"أخرجته تعجباً إذ هو قريب مما نحن فيه ".
والشاهد أنه قال عقبه (4/522) :
"محمد بن ثابت بن أسلم البناني من أعز البصريين وأولاد التابعين ؛ إلا أن
عبدالوهاب بن حسين مجهول " . وتعقبه الذهبي بقوله :
"قلت : ذا موضوع ، والسلام ".
وقد ترجم الحافظ في "اللسان" لعبد الوهاب هذا بقول الحاكم المذكور ، وتعقب
الذهبي إياه ، وأقرّه .
الخامسة : محمد بن ثابت البناني : ضعيف اتفاقاً ؛ فلا أدري كيف مشَّاه الحاكم ؟!
السادسة : الحارث الهمداني - وهو : الأعور - : ضعيف أيضاً ، وقد اتهمه بعضهم
بالكذب .
وبالجملة ؛ فهذا الإسناد بهذه البلايا والعلل الست إسنادٌ هالك ، والمتن مركب
موضوع بلا شك ، ليس عليه حلاوة وكلام النبوة ؛ بل إن يد الصنع والتكلف عليه
ظاهرة . وقد تداوله لعض الرواة الضعفاء قديماً ، يزيدون في متنه وينقصون منه
حسب أهوائهم ، وركبوا أسانيد عن أبي هريرة وغيره ، وقد خرجتهما فيما تقدم
(6178 و 3179) .
هذا . ولقد كان الداعي إلى تخريج هذا الحديث ، والكشف عن علله أنه كثر
سؤال الناس عنه في أول أسبوع من شهر رمضان المبارك الحالي لسنة (1414) ، ولما
سألت عن السبب ؟ قيل : بأن أحد الخطباء الصوفيين خطب الناس به ، وأنذرهم

(13/1060)


بوقوع ما جاء فيه ليلة الجمعة (15) من الشهر الجاري ، أي بعد أربعة أيام من
تحريره ، وسيعلم الناس قريباً - إن شاء الله - كذبه ؛ ليأخذوا منه درساً ، ويعرفوا أنه
ليس كل من خطب فهو عالم ، وأنه ليس كل من حدث بحديث أو أكثر فهو
محدث ! ولله في خلقه شؤون .
وها نحن الآن في يوم السبت التالي ليوم الجمعة المشار إليه ، ولم يقع فيه
أي شيء مما ذكر الحديث : صيحة أو هدة توقظ النائم ، ولا خرجت العواتق
من الخدور ،ولا أحد من المصلين سدوا كواهم ، ودثروا أنفسهم ، وسدوا آذانهم .
ما أحد فعل شيئاً من ذلك ، حتى ولا ذاك الكذاب الكبير الذي أذاع هذا
الحديث والجهلة الذين تلقوه عنه وساعدوه على إذاعته ، حتى هؤلاء ما أظن أن
أحداً فعل ذلك .
نعم . لقد وقعت مصيبة كبيرة على المصلين في (مسجد الخليل) في الضفة
الغربية ؛ فقد هاجم جماعة مسلحون بالرشاشات (الأتوماتيكية) من اليهود ،
الشاجدين في صبيحة يوم الجمعة ؛ فقتلوا منهم العشرات ، وجرحوا المئات .
ثم لا شيء بعد ذلك سوى الخطب الحماسية ، والاحتجاجات السياسية لدى
الأمم المتحدة ، من الدول الإسلامية ، والتظاهرت من بعض شعوبها . ولا حول ولا
قوة إلا بالله .
ولا أدري إذا كان لنشر هذا الحديث عن يوم الجمعة ، وفتنة اليهود فيه أية
علاقة بينهما .
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأنباء من لم تزود

6472 - ( فيكم النبوةُ والمملكةُ . قاله لعمِّهِ العباسِ ) .
منكر .
أخرجه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (ق 2/2) ،

(13/1061)


وابن عدي في "الكامل" (4/262) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (8/942) ،
وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/289/468) كلهم من طريق عبد الله بن
شبيب : حدثني ابن أبي أويس : حدثني ابن أبي فديك عن محمد بن عبد الرحمن
العامري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للعباس : ...
فذكره . وقال ابن الجوزي :
"تفرد به ابن شبيب ، قال ابن حبَّان : لا يجوز الاحتجاج به ، وكأنه فَضْلَكُ
الرازي يُحِلُّ ضرب عنقه ".
قلت : وفيما ادعاه من التفرد نظر من وجهين :
أحدهما : قد توبع من أكثر من واحد .
والآخر : أن المتابع موجود في إسناده ؛ فإنه ساقه من طريق الدارقطني قال :
نا القاضي أبو عمر قال : نا عبد الله بن شبيب قال : حدثني إسماعيل - وابو بكر
ابن أبي شيبة - عن محمد بن إسماعيل ...
ومن هذا الطريق الثاني أخرجه البزار في "مسنده" (2/229/1581 - كشف
الأستار ) قال : حدثنا يحيى بن يعلى بن منصور : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة : ثنا
محمد بن إسماعيل بن أبي فديك .
فهذه طريق أخرى قوية ، تابع فيها ابنُ أبي شيبة إسماعيلَ بن أبي أويس .
وتابع ابنُ شبيب متابعة تامة الإمامُ المجمعُ على حفظه وثقته إبراهيم بن
الحسين بن ديزيل - كما قال الحافظ في "اللسان" - عند البيهقي في "دلائل النبوة"
(6/517) وابن عساكر (8/943) قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ... به .
وقال البيهقي عقبه :

(13/1062)


"تفرد به محمد بن عبدالرحمن العامري عن سهيل ، وليس بالقوي"
قلت : وفي هذا الإعلال نظر ؛ لأن المتابدر منه أنه يعني سهيلاً ؛ فإن كان
يعنيه ، فليس بجيد ؛ لأنه ثقة من رجال مسلم ، والحافظ من بعده على الاحتجاج
به ما لم يخالف .
ويحتمل أنه عنى محمد بن عبدالرحمن العامري (1) ،وبه أعله البزار ،فقال
عقبه :
"محمد بن عبدالرحمن : ضعيف لم يرو إلا هذا"
وتبعه على ذلك الهيثمي فقال في "المجمع" (5/192 - 193) :
رواه البزار ، وفيه محمد بن عبدالرحمن العامري : - وهو- ضعيف" .
وبه أعله ابن كثير في "البداية" ، فقال (6/245) بعدما عزاه للبيهقي :
"وهو ضعيف" .
كذا قالوا ! أما أنا فلم أعرفه ، وسبقني إلى ذلك الأخ الفاضل الأستاذ إرشاد
الحق الأثري ؛ فقال في تعليقه على "العلل المتناهية" عقب قول ابن كثير المذكور:
"لكن لم أجد ترجمته في "الميزان" و "اللسان" ، وإن كان هو محمد بن
عبدالرحمن ابن ثوبان العامري ؛ فهو ثقة من رجال التهذيب (ص 294 ج 9) ،
والصحيح أنه غيره . والله أعلم . وقال ابن القيم في "المنار" (ص 177) : كل
حديث في ذكرالخلافة في ولد العباس فهو كذب".
__________
(1) وهوما نقله الحافظعن البيهقي ، فإنه ليس في نقله قوله : "عن سهيل" فلعلها
مقحمة من بعض النساخ .

(13/1063)


وأقول : احتمال أن يكون ابن ثوبان العامري بعيد جداً ؛ لأنه من التابعين
الذين عاشوا إلى قريب المائة أو زادوا قليلاً ، ومحمد بن أبي فديك عاش إلى
المائتين ، وكأن الأستاذ الأثري شعر بذبك ؛ فجزم بعدُ أنه غيره .
ومن الممكن عندي أن يكون محمد بن عبدالرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب
القرشي العامري ؛ فإنه- مع كونه عامرياً فإنه - من طبقته ، ولا سيما وقد وقع في
رواية أبي عمرو الداني ما يؤيد ذلك إذ قال : (ابن أبي ذئب) مكان (محمد بن
عبدالرحمن) ، وهو رواية لابن عساكر ، لكنهما من طريق ابن شبيب ، وقد عرفت
مما تقدم من كلام ابن حبان أنه شديد الضعف ، فتفرده بذلك دون الثقات الذين
تابعوه مما يؤكد وهاءه ، فلا قيمة لمخالفته .
ولذلك فإني أقول :
ليس لدينا ما يبين أن (محمد بن عبدالرحمن العامري) في رواية الثقات - هو
(ابن أبي ذئب العامري) ، وهو ثقة محتج به عند الشيخين ، ومجرد تطابق اسم
اشخص واسم أبيه ونسبته مع شخص آخر واسم أبيه ونسبته ليس بالذي يلزم أن
يكونا شخصاً واحد ، وهذا أمر معروف عند العلماء بهذا الفن الشريف .
ولهذا فلا بد من تحديد الموقف تجاه هذا الراوي (محمد بن عبدالرحمن
العامري) ، وذلك بأن نُسلِّم بتضعيف من ضعفه من مخرجي حديثه كما تقدم ،
وأما أن نقف عند ما انتهى إليه بحثنا ، وهو أن أحداً من أئمة الجرح والتعديل لم
يترجم له ، ليس فقط في "الميزان" و "اللسان" ؛ بل وفي غيرها من كتب الأئمة
المتقدمين مثل : "تاريخ البخاري" ،و "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم ، و"الثقات"
و "الضعفاء" لابن حبان ، وغيرها . وذلك يعني - في نقدي - أحد أمرين :
إما أنه مجهول العين عندهم لا يعرفونه لندرة حديثه ، وقد أشار إلى هذا البزار
بقوله فيما تقدم :

(13/1064)


"لم يرو إلا هذا ".
وإما أنه عندهم (ابن أبي ذئب العامري) الثقة . ويبعد هذا الاحتمال أن أحداً
منهم لم يذكر في شيوخه (سهيل بن أبي صالح) ، ولا في الرواة عنه (محمد بن
إسماعيل بنأبي فديك) . والله سبحانه وتعالى أعلم .
وكم كنت أود أن أجد كلاماً شافياً في هذه الترجمة من الحافظ الذهبي ،
والحافظ العسقلاني ،وبخاصة أن الأول منهما قد ذكر الحديث في ترجمة
(العباس) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ من "السير" (2/93) بإسناد ابن أبي فديك ... وقال :
"هذا في جزء ابن ديزيل ، وهو منكر ".
هكذا لم يزد !

6473 - ( كَانَ الْحَكَمُ بن أَبِي الْعَاصِ يَجْلِسُ عِنْدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا
تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ اخْتَلَجَ [بوجهه] (1) ، فَبَصُرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
أَنْتَ (وفي لفظ : كن) كَذَلكَ ، فَمَا يَزَالُ يَخْتَلِجُ حَتَّى مَاتَ ) .
منكر .
أخرجه الحاكم (2/621) ومن طريقه البيهقي في "دلائل النبوة"
(6/239) ،والطبراني في "المعجم الكبير" (3/240/3167) والسياق له ، واللفظ
الآخر لمن قبله ، وأبو نعيم في "المعرفة" (1/154/2) ، من طريق ضِرَار بن صُرَدَ :
ثَنَا عَائِذُ بن حَبِيبٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَينِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
ابن أَبِي بَكْرٍ الصديق قَالَ : ... فذكره . وقال الحاكم :
"صحيح الإسناد " ! وردَّه الذهبي بقوله :
__________
(1) أي كان يحرك شفتيه وذقته استهزاء وحكاية لفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فبقي يرتعد ويضطرب
إلى أن مات . "نهاية" .

(13/1065)


"قلت : ضرار واهٍ" . وقال الحافظ في "الإصابة" :
"في إسناده نظر ؛ ضرار بن صرد : منسوب للرفض".
قلت : بل ومتهم بالكذب ، قال الذهبي في "المغني" :
"قال البخاري : متروك . وقال ابن معين : كذابان بالكوفة : هذا ، وأبو نعيم
النخعي ".
وقد روي الحديث بإسناد آخر ضعيف نحوه ، وقد مضى برقم (6373) .

6474 - ( تكون فتنةٌ أسلمُ الناس فيها الجند الغربي : يعني في
مصر ) .
منكر .
أخرجه البزار في "المسند" (2/261/1656) وابن عساكر في "تاريخ
دمشق" (13/432) من طريق عبدالله بن صالح :ثنا أبو شريح عبدالله بن شريح :
أنه سمع عميرة بن عبد الله المعافري حدثني أبي : أنه سمع عمرو بن الحمق
يقول : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .قال ابن الحمق :
"فلذلك قدمت عليكم مصر " .
وقال البزار : " لا نعلم رواه إلا عمرو بن الحمق وحده ، ولا له إلا هذا الطريق" .
قلت : وهو ضعيف ؛ عميرة بن عبدالله المعافري هو وأبوه مجهولان لا يعرفان .
أما هو ، فقد أورده الذهبي في الميزان" وقال :
"مصري لا يدرى من هو ؟ . قال كاتب الليث : حدثنا أبو شريح ... " فساق
الحديث . وأقره الافظ .
وأما أبوه ، فقد أغفلوه ، ولم يترجموه ، وذكر المزي وتبعه الحافظ في الرواة عن
(عمرو بن الحمق) ؛ منسوباً إلى أبيه (عامر المعافري) .

(13/1066)


وقول الذهبي : "قال كاتب الليث ... " قد يشعر أن الكاتب تفرد به ، وليس
كذلك ؛ فقد تابعه عبدالله بن وهب : أخبرني عبد الرحمن بن شريح ... به .
أخرجه ابن عساكر .

6475 - ( كَلَّمَ اللَّهُ بَحْرَ الشَّامِ فَقَالَ : يَا بَحْرُ ! أَلَمْ أَخْلُقْكَ فَأَحْسَنْتُ
خَلْقَكَ ، وَأَكْثَرْتُ فِيكَ مِنَ الْمَاءِ ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَبِّ ! قَالَ : كَيْفَ تَصْنَعُ
إِذَا حَمَلْتُ فِيكَ عِبَادِي يُسَبِّحُوننِي وَيَحْمَدُوننِي وَيُكَبِّرُوننِي وَيُهَلِّلُوننِي ؟
قَالَ : أُغْرِقُهُمْ . قَالَ : فَإِنِّي جَاعِلٌ بَأْسَكَ فِي نَوَاحِيكَ ، وَحَامِلُهُمْ عَلَى
يَدِي . قَالَ :
ثُمَّ كَلَّمَ اللَّهُ بَحْرَ الْهِنْدِ فَقَالَ : أَلَمْ أَخْلُقْكَ فَأَحْسَنْتُ خَلْقَكَ ، وَأَكْثَرْتُ
فِيكَ مِنَ الْمَاءِ ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَبِّ ! قَالَ : فَكَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا حَمَلْتُ فِيكَ
عِبَادِي يُسَبِّحُوننِي وَيَحْمَدُوننِي وَيُكَبِّرُوننِي ؟ قَالَ : أُسَبِّحُكَ مَعَهُمْ ، وَأُهَلِّلُكَ
مَعَهُمْ ، وَأَحْمِلُهُمْ على ظَهْرِي وَبَطْنِي ، فَأَثَابَهُ اللَّهُ الْحِلْيَةَ [والصيد]) .
موضوع .
أخرجه البزار في "مسنده" (2/265/1669) ، والعقيلي في "الضعفاء"
(2/338) ، وكذا ابن حبان (2/53 - 54) ،وابن عدي (4/277) ، والخطيب في
"التاريخ" (10/233) ؛ ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل" (1/37/33) من
طرق عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ
أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً . وقال البزار :
"تفرد به عن سهيل ... عبدالرحمن ، وهو منكر الحديث ، وقد رواه سهيل
عن النعمال بن أبي عياش عن عبدالله بن عمرو موقوفاً ".
قلت : وهو الصواب . أسنده عنه العقيلي والخطيب من طريقين عن سهيل ...
به . وقال العقيلي :

(13/1067)


"وهذه الرواية أولى " . وقال الخطيب :
"ورفعه غير ثابت" .
ثم أفاض في بيان ذلك - وتبعه ابن الجوزي - ،وقال :
"لا يصح عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والصحيح أن الكلام كلام كعب ، وليس من
قول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهو على الحقيقة ضرب مثل ".
وقال ابن كثير في "البداية" (1/24) :
"قلت : الموقوف على عبد الله بن عمرو بن العاص أشبه ؛ فإنه قد كان وجد
يوم اليرموك زاملتين مملوءتين كتباً من علوم أهل الكتاب ، فكان يحدث منهما بأشياء
كثيرة من الاسرائيليات ، منها : المعروف ، والمشهور ، والمنكور ، والمردود. فأما المرفوع
فتفرد به عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر بن
الخطاب أبو القاسم المدني قاضيها. قال فيه الامام أحمد :
" ليس بشئ - وقد سمعته منه ، ثم مزقت حديثه - كان كذاباً ، وأحاديثه
مناكير " .
وكذا ضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والجوزجاني ، والبخاري وأبو داود
والنسائي ، وقال ابن عدي " عامة أحاديثه مناكير ، وأفظعها حديث البحر" .
وذكر الذهبي نحوه في ترجمته من "الميزان" ،وقال فيه :
"هالك" . وحكى عن البخاري أنه قال :
"هو وأخوه القاسم : يتكلمون فيهما".
قلت :فما أشبهه به ، قال فيه أحمد :

(13/1068)


"ليس بشيء ؛ كان يكذب ويضع الحديث ".
وقد شارك أخاه في روايته هذا الحديث عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن
أبي هريرة !
أخرجه الثعلبي في "التفسير" (3/152/1) .
فأيهما الذي وضع ،وأيهما الذي سرق ؟!
والحديث أورده ابن طاهر المقدسي في "تذكرة الموضوعات" (65 - 66) ، وأعله
بعبد الرحمن ، وقال :
"هو متروك الحديث".

6476 - ( لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ لَهْوِكُمْ إِلَّا الرِّهَانَ وَالنِّصَالَ ) .
منكر .
روي من حديث ابنعمر ، وأبي أيوب .
أما حديث ابن عمر ؛ فله طريقان :
الأول : يرويه عمرو بن عبدالغفار : ثنا الأعمش ، عن مجاهد ، عنه مرفوعاً .
أخرجه البزار في "مسنده" (2/280/1705) ، وقال :
"لا نعلمه بهذا اللفظ إلا عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، ولا أسنده إلا عمرو ، ورواه غيره عن
الأعمش عن مجاهد مرسلاً ، وعمرو ليس بالحافظ ، وقد حدث عنه أهل العلم ".
قلت : ولكنه متهم بالوضع ، ولم يعرفه ابن حبان ؛ فوثقه ! وقال الذهبي :
"هالك" . وقال الحافظ في "مختصر الزوائد" (1/698) :
"ضعيف جداً" .
وانظر "تيسير الانتفاع" .

(13/1069)


والآخر : يرويه محمد بن موسى السعدي عن عمرو بن دينار عن سالم بن
عبداله عن أبيه مرفوعاً بلفظ :
"الملائكة تشهد ثلاثاً : الرمي ، والرهان ، وملاعبة الرجل أهله ".
أخرجه ابن عدي في ترجمة السعدي هذا من "الكامل" ، وقال فيه (6/211) :
"منكر الحديث عن عمرو بن دينار ، قهرمان آل الزبير ، وعن غيره " .
ثم قال :
"عمرو بن دينار هذا وإن كان ليِّناً ، فان هذا الحديث بهذا الإسناد منكر ،
ومحمد بن موسى السعدي : لم أرَ أحداً يحدث عنه غير محمد بن عبد الله بن
حفص بن هشام بن زيد بن أنس ".
ولذلك قال الذهبي فيه :
"مجهول" .
وأما حديث أبي أيوب ؛ فيرويه عاصم بن يزيد العمري : ثنا عبدالله بن
عبدالعزيز قال : سمعت ابن شهاب يحدث عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب
الانصاري مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد واهٍ ؛ عبداله بن عبدالعزيز - هو : الليثي أبو عبدالعزيز
المدني - : قال البخاري :
"منكر الحديث" . وكذا قال أبوحاتم ، وقال :
"عامة حديثه خطأ ".
وعاصم بن يزيد العمري : ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/506) برواية

(13/1070)


محمد بن مسلم بن مبارك - ولم أعرفه - ، ثم قال :
"ربما أغرب" .

6477 - ( إن الملائكةَ نزلتْ على سِيماءِ الزبيرِ يومَ بدرٍ .كانت
عليه رَيْطةٌ صفراءُ مُعْتَجِراً بها ) .
ضعيف .
أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (3/103) : أخبرنا عمرو بن عاصم
الكلابي قال : أخبرنا همام عن هشام بن عروة عن أبيه قال : ... فذكره بتقديم
الشطر الثاني على الأول .
قلت : وهذا إسناد صحيح - كما قال الحافظ في "الإصابة" - ولكنه مرسل ؛
لأن عروة - وهو : ابن الزبير - لم يدرك القصة . وأخرجه الطبراني (1/79/230) من
طريق حماد بن سلمة عن هشام ... به مختصراً دون المرفوع .
وأخرجه من طريق وكيع عن هشام بن عروة عن رجل من ولد الزبير قال - مرة
عن يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، ومرة - : عن حمزة بن عبدالله قال :
كان على الزبير يوم بدر عمامة صفراء معتجراً بها، وكانت على الملائكة يومئذٍ عمائم صفراء .
وأخرجه الحاكم (3/361) من طريق أبي إسحاق الفزاري عن هشام بن عروة
عن عباد بن عبدالله بن الزبير قال : ... فذكره . وسكت عنه هو والذهبي لإرساله .
وقد روي موصولاً بإسناد لا يفرح به ؛ وباختصار أيضاً ، فقال الصلت بن
دينار :عن أبي المليح عن أبيه قال :
"نزلت الملائكة يوم بدر على سيماء الزبير ؛ عليها عمائم صفر .

(13/1071)


أخرجه البزار (2/315/1767) ،والطبراني في "المعجم الكبير" (1/162/518) .
وقال البزار :
"لا يروى عن أسامة ( والد أبي المليح) إلا من هذا الطريق ؛ وإن كان الصلت
ليِّن الحديث ، وحكمه حكم المرفوع ؛ وإن لم يذكر ؛ لأنه كان فعل مع رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وأقول : الصلت أسوأ حالاً مما قال البزار ؛ فقال الهيثمي في "المجمع" (6/83) :
"رواه البزار ، وفيه الصلت بن دينار ، وهو متروك" .
وفاته أنه عند الطبراني أيضاً . وقال الحافظ في "التقريب" :
"الصلت بن دينار : متروك".

6478 - ( كان يومَ الفتحِ قاعداً ، وأبو بكرٍ قائمٌ على رأسِه بالسيفِ ) .
ضعيف منكر .
أخرجه البزار في "مسنده" (2/345/1824) : حدثنا إسحاق
ابن وهب : ثنا يعقوب بن محمد : ثنا أبو سفيان مولى الزهري عن داود بن
فراهيج عن أبي هريرة : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ... وقال :
"لا نعلمه عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه".
قال الحافظ عقبه في "مختصر الزوائد" :
"وهو ضعيف" .
وهو كما قال . وأما شيخيه الهيثمي ، فهوهم وهماً فاحشاً ، وضعفه جداً ، فقال
في "المجمع" (6/176) :
"رواه البزار عن إسحاق بن وهب ، وهو متروك"!

(13/1072)


وأقره الشيخ الأعظمي - كما هي عادته أو غالب عادته - في تعليقه على
"المسند" ! ووجه الوهم إنما هو ظنه أن أسحاق - هذا المتروك - هو شيخ البزار في هذا
الإسناد ، وليس كذلك ؛ وإنما إسحاق بن وهب بن زياد العلاف الواسطي : ثقة من
شيوخ البخاري أيضاً ، توفي سنة (255) ، والاول مصري من (طُهُرمس) - من قرى
مصر - توفي سنة (259) ؛ فهما متعاصران ، ومن هنا كان الوهم . والواسطي هو
الذي ذكروه راوياً عن يعقوب بن محمد ، وعنه البزار ، وإنما علة الحديث من شيخه
يعقوب بن محمد - وهو : الزهري المدني - : قال الحافظ :
"صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء".
قلت : وأنا أخشى أن يكون هذا الحديث من أوهامه ؛ فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل
مكة ظاهراً منصوراً ، حتى طاف بالبيت وصلى فيه ، كيف لا وهو القائل يومها :
"من دخل دار أبي سفيان ؛ فهو آمن ، ومن دخل الحرم ؛ فهو آمن ، ومن أغلق
بابه ؛ فهو آمن ".
يضاف إلى ذلك ما هو معلوم من سيرته الشريفة أنه كان لا يتميز في جلوسه
على أصحابه حتى لا يعرفه الغريب من بينهم ؛ خلافاً لعادة الملوك ، اللهم إلا في
حال الحرب ؛ كما جاء فِي حَدِيثِ صلح الحديبية : أن عروة بن مسعود المرسل من
قِبل مشركي مكة كان كلما تكلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ أخذ عروة بلحيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ
شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ السَّيْفُ ، وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ ، فكان المغيرة رضي
الله عنه كلما فعل ذلك عُرْوَةُ ؛ ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ ، وَقَالَ لَهُ : أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ
لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... الحديث بطوله رواه البخاري (2731) .
فأخشى أن يكون اختلط الأمر على يعقوب ؛ فنقل هذا إلى (يوم الفتح)
وجعل (أبا بكر) .. مكان : (المغيرة) . والله أعلم .

(13/1073)


هذا عو علة الحديث الذي قطع الحافظ بضعفه ولم يذكرها - كما تقدم - ،
ويمكن إعلاله بشيخ شيخه - وهو : داود بن فراهيج - ؛ فإنه مختلف فيه ، وتجد أقوال
الأئمة في "اللسان" ، وقال الذهبي في "المغني" :
"حسم الأمر ، لينه بعضهم ، وقال أبو حاتم : "تغير حين كبر ، وقد روى عنه
شعبة ، وهو ثقة صدوق " ؛ يعني قبل أن يتغير ".
وبالجملة ؛ فإن ضعف يعقوب بن محمد المقطوع به ، واحتمال أن يكون وهم
في متنه ، إلى وهم الهيثمي الفاحش المقطوع به أيضاً ، كل ذلك كان الباعث
والحافز لي على إخراج الحديث في هذه السلسلة .
(تنبيه) : أبو سفيان - مولى الزهري الراوي عن ابن فراهيج - اسمه : (زياد بن
راشد المدني ) ، وهو مولى محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ؛ كما في "ثقات ابن
حبان" (6/324) ، ومنه صححت نسبته التي وقعت فيه هكذا (مولى الزبيريين) !
والله أعلم .

6479 - ( كَانَ يَبْعَثُ إِلَى الْمَطَاهِرِ فَيُؤْتَى بِالْمَاءِ فَيَشْرَبُهُ ؛ يَرْجُو بَرَكَةَ
أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ ) .
منكر .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/45/2/783) ، وابن عدي
في "الكامل" (2/347) ،وأبو نعيم في "الحلية" (8/203) من طريق مُحْرِز بْن
عَوْنٍ قَالَ : نا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكِرْمَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ :
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! الْوُضُوءُ مِنْ جَرٍّ جَدِيدٍ مُخَمَّرٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مِنَ الْمَطَاهِرِ ؟ فَقَالَ :
" لَا ، بَلْ مِنَ الْمَطَاهِرِ ، إِنَّ دِينَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ " .

(13/1074)


قَالَ :
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ ... الحديث ، والسياق للطبراني ، وقال :
" لَمْ يَرْوِه عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ ؛ إِلَّا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ " .
وكذا قال أبو نعيم .
قلت : وحسان هذا : مختلف فيه ، ويتلخص من أقوال العلماء : أنه صدوق
في نفسه ، ولكنه يخطئ ، وبهذا وصفه الحافظ في "التقريب" مع كونه من رجال
البخاري ، وفي ترجمته ساق ابن عدي الشطر الأول من الحديث في جملة ما أنكر
عليه من الأحاديث ، ثم قال في آخرها :
"وله حديث كثير ، وقد حدث بأفرادات كثيرة ، ولم أجد له أنكر مما ذكرته من
هذه الأحاديث ، وهو عندي من أهل الصدق إلا أنه يغلط في الشيء ، وليس ممن يظن
به أنه يتعمد إسناداً أو متناً ، وإنما هو وهم منه ، وهو عندي لا بأس به".
قلت : فمثله يكون حسن الحديث ؛ إذا خلا من المخالفة والنكارة ، أوينتقي
من حديثه ويستشهد به ، كالشطر الأول من حديثه هذا ؛ فإني كنت استشهدت
به حينما كنت خرجته في "الصحيحة" برقم (2924) من طرق ؛ هذا أحدها .
وليس حديث الترجمة من هذا القبيل كما يأتي .
وفي كلام ابن عدي إشارة قوية إلى أن حسان هذا قد يقع منه الخطأ في
الإسناد والمتن ، وتارة في هذا ، وتارة في هذا ، وقد ساق العقيلي في "الضعفاء"
(1/255) مما أنكر عليه مثالاً لكل منهما :
1 - فروى عن الإمام أنه قال في الذي أخطأ في إسناده :
"ليس هذا من حديث عاصم الأحول ، وهذا من حديث ليس بن أبي سُلَيم".

(13/1075)


قلت : وهذا وهم فاحش جداً ؛ لأنه جعل الثقة (عاصم) مكان الضعيف
المختلط (الليث) !
2 - ساق له حديثاً أخطأ في متنه ؛ فروى عن أحمد أنه أنكره جداً ، وقال
لابنه : "اضرب عليه" ! وأقره الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (9/41 - 42) .
وذكر الذهبي مثالاً ثالثاً من هذا النوع ؛ فقال في "الميزان" :
"هذا حديث منكر تفرد به حسان ، لا يتابع عليه ".
قلت : وحديث الترجمة من هذا القبيل ؛ فإنه مع تفرده به - كما تقدم عن
الطبراني - ؛ فإنه قد خولف في إسناده ؛ فقد عقب عليه ابن عدي بإسناده الصحيح
عن وكيع قال : عبدالعزيز بن أبي رواد عن محمد بن واسع الأزدي قال :
جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره .
قلت : فقد خالفه وكيع - وهو إمام ثقة عند الجميع - ؛ فرواه عن عبد العزيز عن
محمد بن واسع مرسلاً ؛ فدل على خطأ وصل حسان إياه عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ،
وثبت ضعف الحديث ونكارته ، ثم وجدت عبدالرزاق في "المصنف" (1/74/338)
قد تابع وكيعاً على إرساله .
وبعد كتابة ما تقدم لفت نظري أحد الإخوة = جزاه الله خيراً - إلى أن الحديث
مخرج في "الصحيحة " برقم (2118) . فلما قرأت التخريج فيه ؛ وجدت
الاختلاف بينه وبين تخريجه هنا أمراً طبيعياً جداً ، يقع ذلك كثيراً في بعض
الأحاديث ؛ كما لا يخفى على المشتغلين بهذا العلم الشريف خلافاً لبعض الجهلة
الأغرار ، كمثل أن يضعف حديثاً ما لضعف ظاهر في إسناده ، ثم يصححه في
مكان آخر لعثوره على طريق أو طرق أخرى يتقوى الحديث بها . وعلى العكس من
ذلك يقوي حديثاً ما - تصحيحاً أو تحسيناً - جرياً على ظاهر حال إسناده ، ثم

(13/1076)


ينكشف له أن فيه علة تقدح في قوته ، ولا سيما إذا كان الحكم عليه مقتصراً على
الحسن - كهذا الحديث مثلاً - ؛ لأن ذلك يعني أن في راويه شيئاً من الضعف ،
ولذلك لم يصحح .
وبهذه المناسبة أقول : إن من طبيعة الحديث الحسن - في الغالب - أن يختلف
الحفاظ فيه ،وسبب ذلك اختلافهم في تقدير الضعف الذي فيه ؛ بل إنه قد
يختلف فيه رأي الشخص الواحد ؛ فمرة يحسنه ، ومرة يضعفه ، حسبما يترجح
عنده من قوة الضعف الذي فيه أو ضعفه ، وهذه حقيقة يعرفها ويشعر بها كل من
مارس هذا العلم الشريف دهراً طويلاً .
وإن من علم الحافظ الذهبي وفضله ، أنه تفرد بالتنبيه عليها - فيما علمت - ؛
فقال في سالته "الموقظة" (ص 28 29) - بعد أن حكى بعض الأقوال في تعريف
الحديث الحسن - :
"ثم لا تَطمَعْ بأنَّ للحسَنَ قاعدةً تندرجُ كلُ الأحاديثِ الحِسانِ فيها ، فإنَا على
إِياسٍ من ذلك ، فكم من حديث تردَّدَ فيه الحُفَّاظُ ، هل هو حسَنٌ أو ضعيفٌ أو
صحيح ؟ بل الحافظُ الواحدُ يتغيَّرُ اجتهادُه في الحديث الواحد ، فيوماً يَصِفُه
بالصحة ، ويوماً يَصِفُه بالحُسْن ، ولربما استَضعَفَه - وهذا حقٌّ - ، فإنَّ الحديثَ الحَسَنَ
يَستضعفه الحافظُ عن أن يُرَقِّيَه إلى رتبة الصحيح ، فبهذا الاعتبارِ فيه ضَعْفٌ ما ،
إذْ الحَسَنُ لا ينفك عن ضَعْفٍ ما ، ولو انفَكَّ عن ذلك ؛ لصَحَّ باتفاق ".

إذا عُرفت هذه الحقيقة ؛ سهل على القارئ اللبيب أن يعلم أنه ليس سبب
إيراداي للحديث أخيراً هنا هو اختلاف رأيي في حسان بن إبراهيم عن رأيي فيه
هناك ؛ فإنهما متقاربان جداً ؛ كما يبدو جلياً بالمقابلة بينهما ، وإنما هو أنني وقفت
على ما رجح خطأ حسان في إسناده الحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وعلى استنكار ابن

(13/1077)


عدي إياه ، فرأيت من الواجب علي أن أتجاوب مع هذا العلم الجديد ، مع علمي أن
ذلك مما يفتح باب النقد والتهجم عليَّ من بعض الحاسدين الحاقدين ، أو الجهلة
المعاندين ، فإن هذا الباب لا يمكن سده ، فقد تأول الكفار كلام الله الذي لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وحملوه على معانٍ باطلة ، فماذا عسى أن
يفعل أحدنا بمن يعادينا من الضُلال والمضللين ؟ علينا أن نمضي قدماً لبيان الحق لا
تأخذنا في ذلك لومة لائم .
ولقد زاد من قيمة هذا التحقيق وضرورة بيانه أنني سمعت شريطاً مسجلاً في
رمضان هذه السنة (1414) لأحد الدكاترة المدرسين في بعض البلاد العربية ، ممن
يحسن الوعظ ، ولا يحسن العلم بالحديث وفقهه ، سمعته في يحتج بهذا الحديث
على جواز التبرك بآثار الصالحين ، ويصححه بطريقة تدل على أنه لا معرفة عنده
بهذا العلم الشريف ؛ فقال ما نصه بالحرف الواحد مع حذف شيء من كلامه الذي
لا علاقة له بالتصحيح المزعوم مشيراً إلى المحذوف بالنقط (...) :
رواه الإمام الطبراني بسند رجاله ثقات كالشمس (!) ، والإمام أبو نعيم ،
انظر مجمع الزوائد (ص 214) ... والحديث صحيح - كما قلت - ، كما سيأتينا
كلام الحافظ الهيثمي ".
ثم ساق الحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ نقلاً عن "المجمع" دون أن يصرح بذلك ، ثم
علق عليه بكلام خطابي ثم قال :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، ورجاله موثقون ، عبدالعزيز بن أبي رواد : ثقة
ينسب إلى الإرجاء" .
وهذا هو كلام الهيثمي - الذي سبق أن أشار إليه - ساقه في تضاعيف كلامه
بحيث أن السامعين له لا يمكنهم تمييزه من كلامه ، ولا سيما أنه اتبعه بقوله :

(13/1078)


"ليس في إسناد الحديث إلا عبدالعزيز وهو : ثقة".
أقول وبالله المستعان :
في هذا الكلام كثير من الجهل والكذب والتدليس على الطلبة السامعين
مباشرة لدروسه وعلى السامعين لأشرطته ، وهل ذلك سهواً منه أوعمداً ، أكِلُ
ذلك إلى الله ! فهو حسيب كل ساهٍ أوخاطئ !
أولاً : قوله : "رجاله ثقات كالشمس" ! هو في الحقيقة كذب جلي كالشمس
في رابعة النهار ، ولا أدل على ذلك من كلام الحفاظ المتقدمين فيه وفي حديثه
هذا ، وهم : العقيلي وابن عدي والعسقلاني ، فضلاً عن غيرهم ممن لم نذكر ،
مثل النسائي الذي قال فيه : "ليس بالقوي" !
والذي يغلب على ظني أنه ارتجل هذا الكلام ارتجالاً دون أن يراجع إسناد
الحديث في "معجم الطبراني" ؛ وإلا لما نطق به ؛ إذا كان ممن يخشى الله - كما
أرجو - ؛ وإنما قاله اعتماداً منه على فهمه لكلام الهيثمي المتقدم ، وإلا لم ينطق
بهذه المبالغة الحمقاء - كما تقدم - ، ويأني بزيادة بيان .
ثانياً : قوله : "والحديث صحيح كما قلت ".
فأقول : لم يقل هذا فيما تقدم - كما رأيت - ، ولكنه لجهله بهذا العلم يشير
إلى قوله المتقدم: "رجاله ثقات كالشمس" ! فيتوهم أن قول القائل فِي حَدِيثِ ما :
"رجاله ثقات" يساوي قوله : "إسناده صحيح" أو "الحديث صحيح" ! وليس الأمر
كذلك عند كل من شم رائحة الحديث ، أو على الأقل كان على علم بتعريف
الحديث الصحيح في علم المصطلح :
"الحديث الصحيح : هو المسند المتصل سنده ، بنقل العدل الضابط عن العدل
الضابط إلى منتهاه ، ولم يكن شاذاً ولا معللاً ".

(13/1079)


فالحديث الذي تتوفر فيه هذه الشروط الثلاثة فهو الحديث الصحيح ، فمن
قال من أهل العلم فِي حَدِيثِ ما : "رجاله ثقات" ؛ فإنما يعني أن توفر فيه شرط
واحد ، وهو الثاني منها ؛ فقد لا يكون متصلاً ؛ ورجاله ثقات ، وقد يكون شاذاً أو
معللاً ؛ ورجاله ثقات .
فالدكتور إذاً يتكلم بكلام يخالف فيه علم الحديث ، ويلقي كلامه هكذا جزافاً .
ثالثاً : ومن تمام جهله قوله : "كما سيأتينا كلام الحافظ الهيثمي ".
فإن هذا متفرع من جهله المذكور آنفاً ؛ فإنه يشير بذلك إلى قول الهيثمي
المتقدم : "ورجاله موثقون " . فهو يفهم منه أنه يعني : إسناده صحيح! وهذا باطل
- كما تبين من الفقرة التي قبلها - ؛ بل هذ بالبطل أولى ؛ لأن قول الهيثمي هذا
دون ما لو قال : "ورجاله ثقات" ؛ لأن الأول فيه إشارة إلى أن في بعض رواته
كلاماً ، يحط من قيمة ثقته التي وثق بها ؛ هذا أمر نعرفه بالتتبع لاستعمالات
علمائنا أولاً ، ثم من بناء اسم المفعول على الفعل المبني للمجهول ثانياً ، حتى إن
الحافظ الذهبي لا يكاد يستعمل هذا الفعل : "وُثِّق "إلا في راوٍ تفرد بتوثيقه ابن
حبان ، فيشير بذلك إلى أنه توثيق ضعيف لا يعتمد .

6480 - ( الرَّحِمُ يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَنَّ مَنْ وَصَلَنِي ؛ وَصَلَهُ اللَّهُ ،
وَمَنْ قَطَعَنِي ؛ قَطَعَهُ اللَّهُ ) .
منكر بهذا للفظ .
أخرجه البزار في "مسننده : البحر الزخار" (3/261)
و (2/375 - 376) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْنِ الْجَزَرِيُّ : نا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْبَكْرِيُّ أَوِ النُّكْرِيُّ : ثنا ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره

(13/1080)


قلت : وهذا إسناد مجهول - كما قال الحافظ في "مختصر الزوائد" (2/243) - ،
وهو مختصر كلام شيخه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/151) :
أ - محمد بن حصين الجزري : لم أجد له ترجمة ، ولا ذكره السمعاني في
نسبته هذه .
ب - كثير بن عبدالله البكري أو النكري ، هكذا وقع في هذه الرواية على
الشك ، ولعله من الجزري المذكور ، وقد خالفه مسلم بن إبراهيم فقال : (كثير بن
عبداله اليشكري) عند العقيلي وغيره في هذا الحديث بلفظ آخر - تقدم تخريجه
برقم (1337) - ، ولعله الصواب ؛ فإنه كذلك وقع في ترجمته في "تاريخ البخاري"
و "الجرح والتعديل" و "ثقات ابن حبان" (7/354) ، وقد روى عنه خمسة من
الثقات ؛ فهو عندي حسن الحديث ، لكن فيه ما يأتي .
جـ - ابن عبد الرحمن بن عوف .
د - أبوه عبدالرحمن بن عوف . وهما مجهولان كما بينت هناك - فيما تقدم -
فراجعه ، فإنه ليس بـ (عبدالرحمن بن عوف الزهري) أحد العشرة المبشرين بالجنة
كما قال أبو حاتم .
(تنبيه) : المستنكر من الحديث إنما هو نسبة المناداة للرحم ؛ فإنها لم ترد فيما
وقفت عليه من الأحاديث الصحيحة . والله أعلم . انظر "غاية المرام" (229/406) ،
و "الترغيب والترهيب" (3/225 - 226) .

6481 - ( ثَلَاثٌ مُتَعَلِّقَاتٌ بِالْعَرْشِ : الرَّحِمُ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي بِكَ؛
فَلَا أُقْطَعُ ، وَالْأَمَانَةُ تَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي بِكَ ؛ فَلَا أُخْتَانُ ، وَالنِّعْمَةُ تَقُولُ :
اللَّهُمَّ إِنِّي بِكَ ؛ فَلَا أُكْفَرُ ).
ضعيف جداً .
أخرجه البزار (2/376/1885) والبيهقي في "شعب الإيمان"

(13/1081)


(6/216/7939) و"الأسماء والصفات" (369) من طريق يَزِيد بْن رَبِيعَةَ الرَّحْبِيّ
عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّغَانِيّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الصَّغَانِيّ عَنْ ثَوْبَانَ مرفوعاً . وقال البزار :
لا نعلمه بهذا اللفظ إلا عن ثوبان".
قلت : وإسناده ضعيف جداً ؛ قال الهيثمي (8/149) :
"رواه البزار ، وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي - وهو - : متروك ".

فائدة : قوله : (فلا أُخْتان) بالبناء للمجهول ؛ أي : إني أعوذ بك أن يخونني
خائن لا يخافك . قاله المناوي . وتحرفت هذه اللفظة في "كشف الأستار" و"المجمع"
إلى (أخاف) ! والثابت في مصورة "الكشف" (احان) هكذا مهملاً وهو صواب
أيضاً ؛ لأن قراءته الصحيحة (أُخان) على المجهول أيضاً .
ثم رأيته هكذا (أخان) في "الترغيب والترغيب" (3/225) ، واشار لضعفه .

6482 - ( لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عليه السلامُ ؛ خُيِّرَ بِبَنِيهِ ، فَجَعَلَ يَرَى
فَضَائِلَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَرَآى نُوراً سَاطِعاً فِي أَسْفَلِهِمْ فَقَالَ : يَا رَبِّ !
مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا ابْنُكَ أَحْمَدُ ، هُوَ أَوَّلٌ ، وَهو آخَرٌ ، وَهُوَ أَوَّلُ شَافِعٍ ).
ضعيف .
أخرجه السراج في "حديثه" (200/1) :
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ يَحْيَى
ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ ، ثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ : ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ : حَدَّثَني عُبَيْدُ اللَّهِ
ابْنُ عُمَرَ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً .
ومن هذاالوجه أخرجه أبو محمد المخلدي في "الفوائد" (264/2) ، والمخلص
في "الفوائد المنتقاة" (10/14/1) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/483) ، وعزاه
في "كنز العمال" (11/437/32056) لابن عساكر فقط!

(13/1082)


قلت : وهذا إسناد حسن ؛ رجاله كلهم ثقات رجال البخاري ؛ غير أنه إنما
أخرج لابن فضالة تعليقاً ، وهو مختلف فيه ، والذي عليه المحققون أنه صدوق لا
بأس به ؛ إذا صرح بالتحديث ،كما هنا .
وابن السكن هذا هو : القرشي البزار البغدادي ، من شيوخ البخاري .
والحديث من فوائد هذه "السلسلة" التي فاتت الحافظ السيوطي في "الجامع
الكبير" و "الجامع الصغير" و "زياداته" !!
ثم ذُكِّرت ؛ فتذكرت أن مبارك بن فضالة تدليسه ليس من النوع الذي تزول
شبهة تدليسه ونأمن شره بأن يصرح بالتحديث عن شيخه كما هنا ، وإنما تدليسه
شر من ذلك وهو المعروف عند المحدثين بـ"تدليس التسوية" (*) ، وهو الذي يسقط
غير شيخه من فوق ؛ كما كان يفعل الوليد بن مسلم ؛ فمن شيوخه الإمام
الأوزاعي ، فكان يدلس عنه : يحذف شيخ الأوزاعي ؛ إذا كان ضعيفاً ، فلما نوقش
في ذلك ؟ قال : أنبل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء !
ولذلك ، فيشترط في المدلس تدليس التسوية أن يصرح بالتحديث بين كل
رواة الإسناد ، فتنبه لهذا ؛ فإنه مهم جداً ، فإني كنت من الغافلين عنه سنين تبعاً
لبعض من سلف من الجارحين والمخرجين ، والله يغفر لنا ولهم !

6483 - ( تَعَلَّمْهُ - يعني القرآنَ - فَإِنَّمَا مِثْلُ الْقُرْآنِ كَجِرَابٍ مَلَأْتَهُ
مِسْكاً مَوْضُوعاً ، كَذَلِكَ مَثَلُ الْقُرْآنِ ؛ إِذَا قَرَأْتَهُ وكَانَ فِي صَدْرِكَ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/147/7268 - بترقيمي)
من طريق إِسْمَاعِيل بْن صُبَيْحٍ : ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
__________
(*) قارن بـ"السلسلة الصحيحة" (1/948) ، و(6/769) . (الناشر) .

(13/1083)


عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ :
بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْداً إِلَى الْيَمَنِ ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيراً مِنْهُمْ ، وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ ،
فَمَكَثَ أَيَّاماً لَمْ يَسِرْ ، فَلَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مِنْهُمْ ، فَقَالَ :
" يَا فُلَانُ ! مَا لَكَ أَمَا انْطَلَقْتَ ؟ "
قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَمِيرُنَا يَشْتَكِي رِجْلَهُ . فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَثَ عَلَيْهِ :
" بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ ، أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرُّ مَا فِيهَا " (سَبْعَ مَرَّاتٍ) .
فَبَرَأَ الرَّجُلُ . فَقَالَ لَهُ شَيْخٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَتُؤَمِّرُهَ عَلَيْنَا وَهُوَ أَصْغَرُنَا ؟ ! فَذَكَرَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَتَهُ لِلْقُرْآنِ ، فَقَالَ الشَّيْخُ : لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ أَتَوَسَّدَهُ فَلَا أَقُومُ بِهِ
لَتَعَلَّمْتُهُ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره ، وقال :
"لم يروه عن سلمة بن كهيل إلا ابنه يحيى . تفرد به إسماعيل ".
قلت : وهو صدوق ، والعلة من شيخه يحيى بن سلمة ؛ فإنه متروك - كما قال
الحافظ - ، وتقدم له حديث آخر (4139) . وقال الهيثمي في "المجمع" (7/161) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه يحيى بن سلمة بن كهيل ؛ ضعفه
الجمهور ، ووثقه ابن حبان ، وقال : في أحاديث ابنه عنه مناكير ، قلت : ليس هذا
من رواية ابنه عنه ".
قلت : نعم ولكن حسبه أنه تفرد به هو ، وابن حبان قد تناقض فيه ؛ فأورده
في "الضعفاء" أيضاً (3/112) فأصاب فقال :
"روى عن أبيه ، روى عنه شعبة وابنه ، منكر الحديث جداً يروى عن أبيه
أشياء لا تشبه حديث الثقات ، كأنه ليس من حديث أبيه ، فلما أكثر عن أبيه مما
خالف الثقات ؛ بطل الاحتجاج به فيما وافق الثقات ".

(13/1084)


وله شاهد بنحوه من حديث عبدالحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن
عطاء مولى أبي أحمد عن أبي هريرة أتم منه .
أخرجه ابن خزيمة وعنه ابن حبان ،وله علتان :
الأولى: جهالة عطاء ؛ فإنه لم يرو عنه غير عبدالحميد بن جعفر ، وقال الذهبي :
"لا يعرف" . ونحوه قول الحافظ في "التقريب" :
"مقبول" .
فإن من المعهود عنه أنه لا يقول هذا غالباً إلا في المجهول حالاً أو عيناً . ونص
في المقدمة أنه يعني : مقبول عند المتابعة ؛ وإلا فليِّن الحديث . هذا اصطلاحه ،
ولا مشاحة في الاصطلاح .
والأخرى : الإرسال ؛ فقد رواه الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن عطاء
هذا مرسلاً .
أخرجه الترمذي والبخاري في ترجمة عطاء من "التاريخ" ،وقال :
"وهو الأصح" .
وذلك واضح جداً من المقابلة بين ترجمة الليث - وهو - : الثقة الثبت الإمام ،
وترجمة عبدالحميد بن جعفر - وهو - : صدوق ربما وهم . يضاف إلى ذلك قول
النسائي في "السنن الكبرى" (5/228) :
"وقد رواه غير عبدالحميد بن جعفر فأرسله ،والمشهور مرسل".
وقول أبي حاتم في "العلل" (1/279/827) :
"والصحيح ما رواه الليث" .
واعلم أنه لم يتعرض لنقل هذا الإعلال من هؤلاء الحفاظ المعلقان أو المعلق

(13/1085)


على "موراد الظمآن" (6/15 - الطبعة الجديدة) - مع حرصه الشديد على حشد
كل ما قيل في الحديث أو بعض رواته في غالب الأحيان - ، ولعله لم يعلم بذلك ؛
فيكون معذوراً ، ولكن إن كان فاته ذلك ؛ أليس كان من الواجب - كما يقتضيه
التحقيق العلمي - أن يبين رأيه في الراجح من الروايتين ، بعد أن خرجها من
رواية الترمذي ، وهو يعلم - كما هو المفروض في كل من يتصدى لتحقيق الكلام
على الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً - الفرق بين الليث بن سعد وعبدالحميد بن
جعفر ؛ إذا اختلفا إرسالاً وإسناداً !
ولقد نحا هذا المنحى صاحبه الشيخ شعيب في تعليقه على "الإحسان"
(5/500) - وشاركه فيما ذكرت ،وفي حكاية توثيق ابن حبان لعطاء - ؛ ولكنه زاد
عليه ؛ فحكى قول الذهبي فيه :
"لا يعرف" .
ولكنه ترك القراء فيحيرة لا يدرون الراجح من ذلك . أما الأول ؛ فكان
واضحاً جريئاً من هذه الناحية ؛ فإنه صدّر تخريجه بقوله :
"إسناده جيد ؛ عطاء مولى أبي أحمد ... وثقه ابن حبان ، وحسنه الترمذي
وصححه ابن خزيمة ؛ فلا يضره جهل من جهله ، وقال ابن حجر في "التقريب" :
مقبول ، وانظر مقدمتنا لهذا الكتاب ".
وهذه جرأة لا يغبط عليها ؛ لأنها تنبئ عن إعجاب بالرأي ، وعدم الاستفادة
من علم الحفاظ المتأخرين الذين يعلم هذا (الجريء) علماً يقينياً أنهم وقفوا على
ما ذكر من التوثيق والتحسين والتصحيح . فهلاّ تساءل في نفسه : لماذا - مع ذلك -
لم يوثقوا الرجل تبعاً لم سبقهم ؟ لو أنه تساءل ؛ لعلم أنهم التزموا علم المصطلح
الذي يقول : الراوي لا يخرج عن الجهالة العينية برواية راوٍ واحد ولو كان ثقة ؛ إلا

(13/1086)


إذا وثقه حافظ معروف بأنه لا يوثق المجهولين ، وليس منهم ابن حبان الذي يوثق
المجهولين ، ليس فقط عند غيره ، بل وعنده أيضاً ، كيف لا وهو يقول في بعض ثقاته :
"لا أعرفه " ! وفي بعض آخر يقول :
"لا أعرفه ولا أعرف أباه" ! وتارة يقول :
"لا أدري من هو ولا ابن من هو؟ ".
وقال في (أيوب بن الجرَّاح) :
"ليس له حديث يرجع إليه " ! ولم يذكر عنه راوياً !
فكيف عرف عدالته وحفظه ؟!
هذت قلّ من جلّ ممن صرح ابن حبان بجهالتهم وأنه لا يعرفهم ،ومع ذلك
فهم من الثقات عنده ، فكيف يصح والحالة هذه الاعتماد على توثقيه عند تفرده
به؟! ومن الغريب جداً أن يلحق المومى إليه هؤلاء المجهولين ببعض الرواة المحتج بهم
في "الصحيحين" ، وقيل : إنه لم يرو عن كل منهم إلا واحد ! كما بيَّن ذلك في
مقدمته التي أشار إليها - فيما تقدم - ، الأمر الذي ذكرني بقول الشاعر :
فأين الثريا من الثرى ... وأين معاوية من علي ؟!
وأيضاً فهؤلاء أكثرهم قد وثقهم بعض الحفاظ المعتد بتوثيقهم ، إلى غير ذلك
من المفارقات التي لا مجال للخوض فيها ، فإلى مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى .

ثم رأيت الحديث قد أخرجه مختصراً عبدالرزاق في "المصنف" (3/376/
6018) : عن ابن عيينة قال : حدثني ابن أبي لبيد ، عن سليمان بن يسار :
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث قوماً ، فأمَّر عليهم أصغرهم ، فذكروا ذلك ، فقال

(13/1087)


إنه أكثركم قرآنا ، وإنما مثل صاحب القرآن كجراب فيه مسك ، إن فتحته أو
فتح ؛ فاح ريحه ، وإن أوكي ؛ أوكي على طيب " .
وهذا مرسل أيضاً ، ورجاله ثقات رجال الشيخين ، و(ابن أبي لبيد) اسمه :
عبدالله .وهذا مما يؤكد ما تقدم عن البخاري وغيره : أن الصحيح في الحديث
مرسل . والله أعلم .

6484 - ( يَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي
هَاشِمٍ [ من المدينة ] فَيَأْتِي مَكَّةَ ، فَيَسْتَخْرِجُهُ النَّاسُ مِنْ بَيْتِهِ وَهُوَ كَارِهٌ ،
فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ، فَيُجَهَّزُ إِلَيْهِ جَيْشٌ مِنَ الشَّامِ ، حَتَّى إِذَا
كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ ؛ خُسِفَ بِهِمْ ، فَيَأْتِيهِ عَصَائِبُ [ أهل ]الْعِرَاقِ ، وَأَبْدَالُ
الشَّامِ ، وَيَنْشَأُ رَجُلٌ بِالشَّامِ أَخْوَالُهُ (كَلْبٌ) فَيُجَهَّزُ إِلَيْهِ جَيْشٌ ، فَيَهْزِمُهُمُ
اللَّهُ ، فَتَكُونُ الدَّبْرَةُ عَلَيْهِمْ ، فَذَلِكَ يَوْمُ (كَلْبٍ) ، الْخَائِبُ مَنْ خَابَ مِنْ
غَنِيمَةِ كَلْبٍ ، فَيَسْتَفْتِحُ الْكُنُوزَ ، وَيُقِسِّمُ الْأَمْوَالَ ، وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ
بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ ، فَيَعِيشُ بِذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ ، أَوْ قَالَ : تِسْعَ سِنِينَ ) .
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/64/1/1164 - بترقيمي) :
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ : نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ... فذكره .
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : فَحَدَّثْتُ بِهِ لَيْثاً ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي بِهِ مُجَاهِدٌ . وقال
الطبراني :
"لَمْ يَرْوِه عَنْ مَعْمَرٍ إِلَّا عُبَيْدُ اللَّهِ".
قلت : وهو ثقة وهو الرقي من رجال الشيخين ، وكذلك من فوقه ، وكذا

(13/1088)


الراوي عنه عبداله بن جعفر ، وهو الرقي من رجالهما ، قال الحافظ الذهبي في
"الكاشف" :
"ثقة حافظ" . وقال العسقلاني في "التقريب" :
"ثقة ؛ لكنه تغير بأخرة ، فلم يفحش اختلاطه ".
ولذلك قال الهيثمي في "المجمع" (7/315) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، ورجاله رجال الصحيح ".
وأقره الأخ الداراني المعلق على "موارد الظمآن" (6/132) ، فأقول :
إن إطلاق الهيثمي مثل هذا الكلام أونحوه كقوله : "رجاله ثقات: ؛ ليس
على إطلاقه بالنسبة لمعاجم الطبراني الثلاثة ، وهي عادة له مضطردة غالباً ، وهو
يعني بذلك وبخاصة قوله هذا : "رجال الصحيح" ما عدا شيخ الطبراني ، فينبغي
الانتباه لهذا ؛ فقد يكون الشيخ مجهولاً ، أو ضعيفاً ، ولا يكون ثقة ، وقد يكون
ثقة ، ولكن لا يكون من رجال (الصحيح) لتأخره عن الشيخين .
وإذا عرفت هذا ؛ فمَن (أحمد) هذا وما حاله ؟ لقد قال المعلق على "مجمع
البحرين" (7/286) :
"أحمد : شيخ الطبراني لا يدرى من هو ؟ لسقوط ورقة (62) من مخطوطة
(طس) " .
قلت : هو : أحمد بن عبدالرحمن بن عقال الحراني ؛ كما يتبين لي بمراجعة
أحاديثه التي أخرجها عنه الطبراني في ترجمته التي تبدأ في المجلد الأول من
(ق 57/2) وتنتهي بالورقة (64/1) ،وقد سقطت منها الورقة (62) ؛ فكان ذلك
سبباً أن لا يعرفه المعلق المذكور . وتفصيل الكلام لا مجال له الآن ،لا سيما
والرجل مضعَّف ؛ من رجال "الميزان" و"اللسان" .

(13/1089)


ولكني وجدت له متابعاً ؛ فقال في "المعجم الكبير" (23/390/931) : حدثنا
حفص بن عمر بن الصباح الرقي : ثنا عبيدالله بن عمرو ... به ،والزيادات منه .
قلت : حفص هذا : ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/201) ،وقال :
"حدثنا عنه عبدالله بن أحمد الجندي وغيره ، ربما أخطأ ".
وذكر أنه روى عن أبي نعيم والبصريين .
قلت : ومن شيوخه عبدالله بن رجاء أبو عمران البصري توفي في حدود
التسعين ومائة - كما في "التقريب" - ؛ فهو من كبار مشيخة الطبراني - كما في
"الميزان" للذهبي - ، وقال :
"شيخ معروف مكثر عن قبيصة وغيره ، قال أبو أحمد الحاكم : حدَّث بغير
حديث لم يتابع عليه ".
وكذا في "اللسان" وزاد عليه ما تقدم عن "ثقات ابن حبان" .
وقد خولف في إسناده ؛ فقال أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن"
(ق 103/1) : حدثنا نصر بن مرزوق قال : حدثنا علي بن معبد قال : حدثنا
عبيدالله بن عمرو عن معمر عن قتادة عن مجاهد عن الخليل أو أبي الخليل عن أم
سلمة ... فأدخل (أبا الخليل) بين مجاهد وأم سلمة .
وهذا إسناد جيد ؛ لولا ما يأني ؛ علي بن معبد - هو : الرقي ، وهو - : ثقة اتفاقاً .
ونصر بن مرزوق - هو : أبو الفتح المصري - : قال ابن أبي حاتم :
"كتبنا عنه ، وهو صدوق "
قلت : إسناده جيد ؛ لولا ... وذلك لأمرين :

(13/1090)


الأول : الانقطاع بين أم سلمة وأبي الخليل - واسمه : صالح بن أبي مريم
الضُّبَيعي - ؛ فإنهم ذكروا أنه روى عن جمع من الصحابة مرسلاً ، وليس منهم أم
سلمة .
والآخر : أنهم اختلفوا في إسناده على قتادة على وجوه أربعة ، كنت خرجتها
قديماً في المجلد الرابع (1965) ، منها رواية عبيدالله الرقي هذه عن معمر عن قتادة
عن مجاهد عن أم سلمة ، ثم وقفت على مخالفته علي بن معبد الرقي المتقدمة
ففيها زيادة (الخليل أو أبي الخليل) بين مجاهد وأم سلمة ، على رواية عبدالله بن
جعفر ومتابعه حفص بن عمر بن الصباح الرقيين ، اختلف ثلاثتهم على عبيداله
ابن عمرو الرقي .
فهذا وجه خامس من الاختلاف يضاف إلى تلك الأربعة .
وثمة اختلاف سادس ؛ فقال عبدالرزاق في "المصنف" (11/371/20769) :
عن معمر عن قتادة يرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فأرسله أو أعضله ؛ فخالف الوجوه كلها !
إذا عرفت هذا ؛ فالحديث مثال صالح للحديث المضطرب بالنظر إلى اختلاف
الرواة في إسناده من جهة ، ومثال صالح أيضاً للحديث الشاذ أو المنكر من جهة
أخرى . فالعجب من أناس يتعاطون هذا العلم ، ويعلقون على الأحاديث تصحيحاً
وتضعيفاً ؛ يتجاهلون هذه الحقائق أو هم يجهلونها ، مع أنهم يطيلون النفس جداً في
التخريج ، وفي الترجمة لبعض الرواة ، ويسوِّدون في ذلك السطور والصفحات ، كأن
العلم عندهم صار مجرد نقل وتحويش من هنا وهناك .
فهذا مثلاً الأخ الداراني في تعليقه على الطبعة الجديدة من "موارد الظمآن"
قد صدر هذا الحديث في تخريجه إياه بقوله (6/133) :
"إسناده حسن من أجل محمد بن يزيد ... بن رفاعة ".

(13/1091)


يعني أنه مختلف فيه - كما بينه في تعليقه على "مسند أبي يعلى" (5088) -
ومن ذلك قول البخاري :
"رأيتهم مجمعين على ضعفه" . وقال ابن معين :
"ما أرى به بأساً ".
فيا سبحان الله ! كيف يجوز لمن شمَّ رائحة هذا العلم الشريف أن يحسِّن
حديث هذا المختلف فيه - وهذا أقل ما يقال فيه - وقد خالف في إسناده ثلاثة من
الثقات رووه عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أبي الخليل عن صاحب له عن أم
سلمة - كما كنت خرّجته هناك - ؛ فلم يسمّوا صاحب (أبي خليل) ؛ فرواه ابن
رفاعة هذا عن هشام بسنده فسمَّى الصاحب (مجاهداً ) ؟! هذا - بغضّ النظر عن
مخالفته للوجوه الأخرى التي سبقت الإشارة إليها مع بيان بعضها - في ظني أنه لا
يعرف الحديث (الشاذ) أو (المنكر) ؛ وإلا لما وقع في مثل هذا الخطأ !
وقريب منه ما فعله المعلق على "الإحسان" ؛ فإنه وإن لم يصرح يتقوية الحديث ؛
فقد نحا نحوه ؛ فإنه صدر تعليقه على ابن رفاعة بقوله (15/159) :
"وإن كان ضعيفاً قد توبع"!
كذا قال ! وهو خطأ جلي ؛ فإن المتابعة تكون مع الموافقة ، وليس الأمر كذلك
هنا ، وصواب العبارة أن يقال :
" ... ضعيف ، وقد خولف ".
على هذا يدل تخريجه لو كان يعلم ، فإنه لما بدأ بالتخريج ؛ ذكر الطرق الثلاثة
التي سبقت الإشارة إليها عن هشام الدستوائي التي فيها ذاك الصاحب المجهول .
ثم ذكر رواية المعجمين المتقدمة عن معمر عن قتادة عن مجاهد . فذكر
(مجاهد) مكان (أبي الخليل عن صاحب له) .

(13/1092)


وهذه مخالفة ثانية .
ثم رواية عبدالرزاق عن معمر عن قتادة مرسلاً ؛ فأسقط الثلاثة !
ثم ذكره من طريق عمران بن داور عن قتادة عن أبي الخليل عن عبدالله بن
الحارث بن نوفل عن أم سلمة .
فسمى الصاحب : (عبدالله بن الحارث بن نوفل) خلافاً لابن رفاعة الذي
سماه (مجاهد) !
ثم قال :
"قال الذهبي : عمران : ضعفه غير واحد . قلت : هو ممن يكتب حديثه
للمتابعة . وانظر "المنار المنيف" ص 144 - 145 (331) ".
قلت : فليتأمل القراء الكرام كيف جعل المخالفات متابعات ، ومن الضعفاء
للثقات ، فهل يصدر مثل هذا الجهل بهذا العلم الشريف من محقق مارس هذا
العلم سنين ، أم عملُ موظف متمرن لديه حديث عهد بهذا العلم ، قيل له : خرج
هذا الحديث ، ثم لم تجْرِ عين التحقيق والرقابة عليه ؟! والله المستعان .
ثم إنني رجعت إلى المصدر الذي أشار إليه من "المنار"؛ فوجدته قد أجمل
القولد جداً في تخريج الحديث ، فلم يسق أسانيده ، ولا تكلم بشيء عن رواتها ،
وأنهى القول فيه :
"والحديث حسن ، ومثله مما يجوز أن يقال فيه : صحيح ".
وهذ هو الذي غر المعلق المتمرن ، فلم يكن عنده من العلم ما يبين وجه الصواب
فيه . ونحوه الشيخ المعلق على "المنار" ، فإنه لم يتعقبه - كما هي عادته لأول فرصة
تتبين له - لكنه لما علق عليه لبيان مواضع الحديث ؛ قال تحته :

(13/1093)


" ... أحمد (حديث أبي سعيد ) 3 : 17 ".
فأوهم القراء بسوء تعليقه - أو سوء تصحيح تجاربه - أن الحديث رواه أحمد من
حديث أبي سعيد أيضاً ،وليس كذلك ، وإنما هو حديث آخر ذكره ابن القيم قبل
هذا ؛ فكان ينبغي عليه أن ينقله إليه .
ثم قال نقلاً عن الهيثمي : "رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله رجال
الصحيح" . وقد عرفتَ من أول هذا التخريج ما في هذا الإطلاق من الإيهام والخطأ
والضعف . فتنبَّه .

6485 - ( يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي ، وَخُلُقُهُ
خُلُقِي ، فَيَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً ، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً ) .
منكر بزيادة : "وَخُلُقُهُ خُلُقِي" .
أخرجه البزار في مسنده المسمى بـ "البحر
الزخار " (5/207/1808) : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ : نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ : نَا
عُثْمَانُ بْنُ شُبْرُمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مرفوعاً .
ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان (1879 - موراد) والفظ له .
وتابعه واصل بن عبدالأعلى : ثنا محمد بن فضيل ... به .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/168/10229) . وقال البزار عقبه :
"لا نعلم رواه عن عثمان بن شبرمة إلا محمد بن فضيل ، وقد رَوى هذا
الكلام عن عاصم جماعة منهم : فطر وزائدة وحماد بن سلمة وغيرهم ".
قلت : هؤلاء وغيرهم قد رووه عن عاصم بنحوه ، ولكنهم جميعاً لم يذكروا
فيه جملة : "وَخُلُقُهُ خُلُقِي" ، وعلى ذلك فهي منكرة - عندي - ؛ لتفرد ابن شبرمة
هذا بها دون الثقات ، وقد أخرجه عن بعضهم أبو داود والترمذي وابن حبان
(1878) وغيرهم ، وقد خرجته في "الروض النضير" (647) .

(13/1094)


وايضاً ؛ فقد توبع عاصم عليه ، وكذا شيخه زر ، وكذا تابع ابن مسعود جماعة
من الأصحاب ، وكلهم لم يذكروا تلك الزيادة ، وقد خرجت أحاديثهم هناك .
يضاف إلى المخالفة أن مخالفهم عثمان بن شبرمة ليس معروفاً بالعدالة ، ولا
بالرواية ؛ إلا في هذه ، ومن أجلها ذكرها البخاري في "تاريخه" وابن أبي حاتم في
"كتابه" ، وابن حبان في "ثقاته" (7/198 و 8/448) ، وقال البخاري :
"لا أدري سمع من عاصم أم لا ؟ ".
قلت : وهذا على مذهبه في اشتراطه في ثبوت الاتصال ثبوت اللقاء وعدم
الاكتفاء بالمعاصرة ؛ ولو كان ثقة ، فكيف وعثمان هذا مجهول ؟! وتساهل ابن حبان
في توثيق المجهولين معروف مشهور ، طالما نبّه عليه العلماء الحافظ كابن عبدالهادي
والذهبي والعسقلاني وغيرهم ، وتجاهل ذلك بعض مدعي هذا العلم في العصر
الحاضر ؛ فتراهم يصححون أحاديث "ثقات ابن حبان" ولو نص الذهبي وغيره
بجهالته . والله المستعان .
وبهذه المناسبة أقول :
يحسن بي التنبيه على مخالف أخرى وقعت في "صحيح ابن حبان" ؛ لكنها
في الإسناد دون المتن . أخرجه ابن حبان (5922) : أخبرنا الفضل بن الحباب قال :
حدثنا مسدد بن مسرهد : حدثنا محمد بن إبراهيم أبو شهاب عن عاصم بن
بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة ، لملك فيها رجل من أهل بيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ».
ثم ساقه عقبه بالسند ذاته ؛ إلا أنه قال أبو شهاب : حدثنا عاصم ابن بهدلة
عن زر عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(13/1095)


« لو لم يبق من الدنيا ؛ إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه
اسمي ».
قلت : وهذا هو المحفوظ عن عاصم لرواية الجماعة عنه ؛ كما تقدم ، أما إسناده
الأول فوهم ، والظاهر أنه من أبي شهاب محمد بن إبراهيم ؛ فإن حاله كحال
عثمان بن شبرمة : لم يذكروا عنه راوياً غير مسدد . ومنهم ابن حبان في "ثقاته"
(9/39) ، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه :
"ليس بمشهور ، يكتب حديثه".
وقد خالفه سفيان بن عيينة ؛ فرواه عن عاصم قال : وأخبرنا أبو صالح عن
أبي هريرة قال : ... فذكره موقوفاً على أبي هريرة .
أخرجه الترمذي (2232) عقب روايته من طريق سفيان عن عاصم عن زر
عن عبدالله مرفوعاً .
فدلّ على أن له أصلاً عن أبي هريرة ؛ لكنه موقوف وقد رفعه بعض الضعفاء ،
فانظره برقم (4361) ، وفي متنه زيادة منكرة أخرى . والله أعلم .
هذا ، وقبل إنهاء الكتابة حول حديث الترجمة لا بد لي من أن أذكر له شاهداً
وجدته في "سنن أبي داود" في إسناده انقطاع وجهالة ؛ فلم تطمئن النفس إليه ،
فقال أبو داود (4290) : حُدِّثْتُ عَنْ هَارُونَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي
قَيْسٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَظَرَ
إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ - فَقَالَ :
"إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ " ؛ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى
بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ ، يُشْبِهُهُ فِي الْخُلُقِ ، وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ .ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةً : يَمْلَأُ الْأَرْضَ
عَدْلاً .

(13/1096)


هكذا ساقه أبو داود . فقال الخطابي عقبه في "المعالم" (6/162) :
"هذا منقطع ؛ أبو إسحاق السبيعي رأى علياً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رؤية ، وقال فيه أبو
داود : حدثت عن هارون بن المغيرة ".
قلت : يعني أن شيخ أبي داود فيه لم يسم ؛ فهو مجهول .
وأيضاً ؛ فأبو إسحاق كان اختلط ، وشعيب بن خالد ليس مذكوراً فيمن روى
عنه قبل الاختلاط .

6486 - ( رَأَيْتُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ كَأَنِّي أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ وَالْمَوَازِينَ ، فَأَمَّا
الْمَقَالِيدُ فَهَذِهِ الْمَفَاتِيحُ ، وَأَمَّا الْمَوَازِينُ فَهِيَ الَّتِي تَزِنُونَ بِهَا ، فَوُضِعْتُ فِي
كِفَّةٍ ، وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي كِفَّةٍ ، فَوُزِنْتُ بِهِمْ فَرَجَحْتُ ، ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي
بَكْرٍ فَوُزِنَ بِهِمْ ، فَوَزَنَ ، ثُمَّ جِيءَ بِعُمَرَ فَوُزِنَ ، فَوَزَنَ ، ثُمَّ جِيءَ بِعُثْمَانَ
فَوُزِنَ بِهِمْ ، ثُمَّ رُفِعَتْ ) .
ضعيف بهذا السياق .
أخرجه ابن أبي شيبة (12/17 - 18) ، وأحمد
(2/76) ،وابن أبي عاصم في "السنة" (2/539/1138 و 1139) ، والطبراني -
كما في "المجمع" (9/58 - 59) ، وابن عساكر في "التاريخ" (11/204 - المصورة)
من طريق عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ أَبِي عَائِشَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ :
خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَالَ : ... فذكره .
وقال الهيثمي :
"ورجاله ثقات" .
قلت : عبيد الله بن مروان : لا يعرف إلا في هذه الرواية ، ولم يوثقه إلا ابن

(13/1097)


حبان (7/151) ؛ فهو في عداد المجهولين ، والحافظ لما ذكره في "التعجيل" ؛ لم يزد
على ما في "الثقات" !
فقول الأخ المعلق على "الفضائل" للإمام أحمد (1/195) :
"إسناده صحيح " وهم .
وقصة الوزن قد جاءت في بعض الروايات الأخرى بنحوه ، فانظر "المشكاة"
(6057) ، و"الظلال" (1131 - 1133) ، والصحيحة" (3314) .
(تنبيه) : هذا الحديث الضعيف ذكره الأخ الداراني في تعليقه على "الموارد"
(7/40) شاهداً لحديث آخر ضعيف من رواية ابن حبان عن جابر :
"أوتيت مقاليد الدنيا على فرس أبلق ، عليه قطيفة من سندس " ، فقال عقب
تخريجه وتصحيحه لإسناده - مع أنه فيه عنعنة أبي الزبير - :
"ويشهد له حديث ابن عمر عند أحمد (2/76 و 85) وأورده من طريقه ابن
كثير 5/399 ، وحديث ابن مسعود عند أحمد ذكره ابن كثير 5/399 - 400
وقال : إسناده حسن ... ".
قلت : في هذا الكلام على إيجازه أمور غريبة جداً ، لا أدري كيف صدرت منه !
الأول : تعميته على القراء لفظ الشاهد في كل من حديث ابن عمر وابن
مسعود ، إذ لا يستقيم في العقل السليم أن يكون شاهداً وهو غائب !
الثاني : هذا هو الشاهد المزعوم حديث ابن عمر ، ليس فيه مما فِي حَدِيثِ
جابر إلا لفظ (المقاليد) - كما رأيت - ، فهل هذا يكفي لجعله شاهداً عند من
يعقل ؟!
الثالث : فِي حَدِيثِ جابر (المقاليد) مقيد ، وفي حديث ابن عمر

(13/1098)


(المقاليد) مطلق . فهل يشهد الملطق للمقيد ؟! فكيف إذا تبين أنه قد جاء في طريق
أخرى مقيداً بقيد آخر ؟! وهو في الموضع الآخر الذي أشار إليه من "المسند" (2/85) ،
فإنه فيه بلفظ :
"وأوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخَمس : إن الله عنده علم الساعة ... " الحديث .
ورواه البخاري أيضاً نحوه ، وفي طريق أخرى عنده :
"مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ... ".
وهومخرج في "الصحيحة" (2903) ؛ وهو المحفوظ بخلاف لفظ : "أتيت" ؛
فإنه شاذ كما تقدم (3335) .
فإذن ؛ هي مفاتيح الغيب ، وليست مفاتيح الدينا ، فليس الحديث بشاهد
حتى في هذا اللفظ ، ولو سلمنا - جدلاً - بشهادته ؛ فهومقيد بالاستثناء المذكور
فيه ، وحديث جابر مطلق .
والرابع : لو فرضنا أن الرجل فسر "مقاليد الدنيا" بـ "مفاتيح الغيب" ؛ فيبقى
قوله فِي حَدِيثِ جابر : "على فرس أبلق ... " دون شاهد ، وهذا ظاهر لا يخفى
على ذي لب .
وثمة خطأ آخر في الكلام المذكور ،وهو عزوه حديث ابن عمر المشار إليه
بالصفحتين من "المسند" لابن كثير ،وهذا لم يذكره إلا باللفظ الآخر الذي ذكرته
آتفاً ، وعزوته للبخاري ، ولم يذكره باللفظ الأول - الذي هو حديث الترجمة
الضعيف - . فتنبه.
وحديث جابر المشار إليه مخرج في المجلد الرابع من هذه "السلسة" برقم
(1730) .

(13/1099)


6487 - ( كان إذا أراد أن يتبسم ، قال لأبي ذر: حدثني بيدء
إسلامك.
قال: كان لنا صنم يقال له: (نُهْم) ؛ فصببت له لبناً ، ووليت ،
فحانت مني التفاتة ، فإذا كلب يشرب ذلك اللبن ! فلما فرغ ؛ رفع
رجله فبال على الصنم ، فأنشأت أقول:
ألا يا نهم إني قد بدا لي ... مدى شرفٍ يبعد منك قربا
رأيت الكلب سامك خط خسفٍ ... فلم يمنع قفاك اليوم كلبا
فسمعتني أم ذر فقالت:
لقد أتيت جرماً وأصبت عظما حين هجوت (نهماً)
فخبّرتها الخبرَ فقالت:
ألا فابغنا رباً كريماً ... جواداً في الفضائل يا بن وهب !
فما مَن ساق كلبٌ حقيرٌ ... فلم يمنع يداه لنا برب
فما عبد الحجارة غير غاوٍ ... ركيك العقل ليس بذي لب
قال: فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
صدقت أم ذر فما عبد الحجارة غير غاو ) .
منكر .
أخرجه الفاكهي في "كتاب مكة" : حدثنا ميمون بن أبي محمد
الكوفي قال: حدثني أبو الصباح الكوفي بإسنادٍ له يصل به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ...
ذكره الحافظ في ترجمة (أم ذر) امرأة أبي ذر الغفاري ، وقال : ==

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفيزياء الثالث الثانوي3ث. رائع

الفيزياء الثالث الثانوي3ث. =============== . ...